السبت، 2 أبريل 2022

ج2.شَرْحُ مُوقِظَةِ الذَّهَبي في علم مصطلح الحديث {تابع للصفة السابقة}

 

== المنهج في تفريغ الأسئلة والأجوبة: إذا كان السؤال واضحاً نُقِل مع جوابه, وإلا نُقِلَ جواب الشيخ مفرداً على أنه فائدة.

فائدة ذُكِرَتْ أثناء شرح الحديث الصحيح في الدرس الأول:

صحيح البخاري رحمه الله تعالى فيه ثلاثيات ورباعيات وخماسيات وسداسيات, وصحيح مسلم رحمه الله تعالى ليس فيه شيء من الثلاثيات. البخاري يروي الثلاثيات من طريق مكي بن ابراهيم عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الأكوع, هذا إسناد ثلاثي. وفيه رباعيات.

أما الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه فليس عنده إلا من الرباعيات فما فوق.

والرباعي عند الثلاثي يسمى إسناداً نازلاً, والثلاثي عند الرباعي يسمى إسناداً عالياً. ولا تلازم بين الصحة والإسناد العالي, ولا تلازم بين الضعف والإسناد النازل, فقد يكون الإسناد عالياً وفيه انقطاع, وقد يكون الإسناد نازلاً وهو من أصح الأحاديث.

أسئلة الدرس الأول:

1- لا يصح التعميم بأن هذا – أي مالك عن نافع عن ابن عمر - أصح إسناد في الدنيا, ولكن لا يصح الاحتجاج برواية مالك حين تفرد عن نافع برواية (من المسلمين) لأن هذه الرواية مقبولة, وقد قبلها الإمام أحمد رحمه الله تعالى حين تابعه عبد الله بن عمر العُمَري, المكبَّر, فرواية المكبَّر هنا دعمت رواية الإمام مالك رحمه الله تعالى, ولذلك هي مقبولة عند طائفة من العلماء والمحدثين.

توضيح: كأن الشيخ أراد بيان أن هذا الإسناد لا يصح أن يقال أنه أصح إسناد في الدنيا, واحتج لذلك بأنَّ تَفُرَّدَ مالك بهذه الرواية لم يُقبَل إلا بعد متابعة عبد الله بن عمر العُمَري المكبَّر, والله أعلم.

2- قد نعل رواية المتفرد بالشذوذ, كما أعللنا رواية محمد بن عوف, كما تقدم في الدرس الأول. وقد نقبل رواية المتفرد, كما قبلنا رواية الإمام مالك في زكاة الفطر (من المسلمين). وسيأتي إن شاء الله الحديث عن هذا في مسألة الشاذ, وأنه مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه, وأن هذا يبنى على القرائن.

3- ما درجة حديث (من تطهر في بيته, ثم أتى مسجد قباء, فصلى ركعتين, كان له كأجر عمرة)؟

هذا الخبر جاء من طريقين: عند الترمذي وهو معلول, وعن الإمام أحمد رحمه الله تعالى وقد يقال عن إسناده بأنه لا بأس به.

4- هل من ضبط علم الأصول وعلم المصطلح فهم الأحاديث الفهم الصحيح؟

هو حريٌّ أن يفهم الفهم الصحيح, إذا ضبط علم أصول الفقه وعلم أصول الحديث حريٌّ أن يفهم كلام النبي صلى الله عليه وسلم على الوجه المطلوب, وبلا ريب سيكون أفهم من غيره, ممن ليس له اطلاع ولا معرفة بهذه الأبواب.

5- ما هو التحقيق في كلام الذهبي عن ابن تيمية وعن قدحه فيه؟

هو لم يقدح في ابن تيمية, لأن القدح الذي ورد للذهبي في ابن تيمية رحمه الله تعالى لم يكن ثابتاً عنه من كل وجه, وإنما تحدث في بعض المسائل, ونقد ابن تيمية في بعض المسائل. ولا يزال العلماء يختلفون في المسائل الاجتهادية, فلا يعيب بعضهم على بعض, وقد قال الشافعي وغيره: كلامنا صواب يحتمل الخطأ, وكلام غيرنا خطأ يحتمل الصواب. اختلفوا في مسألة الحلف بالطلاق, وفي مسألة الطلاق بالثلاث, ومسألة شد الرحال, وبعض المسائل, نوزع ابن تيمية في هذه المسائل, وإن كنا نعتقد أن الحق معه في كل هذه المسائل, إلا أن هذا لا يوجب الطعن والسب في الآخرين. وأما ما جاء عن الذهبي من الطعن في شيخ الإسلام وسبه, فنعم جاء في رسالة لم تثبت نسبتها إلى الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى.

 

6- هل السحور مطلق أم مقيد برمضان؟ من غير شرح الموقظة

مطلق, لمن أراد الصيام.

7- هل يجب علينا السحور أم لا؟ من غير شرح الموقظة

وقع خلاف, وفي الحديث (تسحروا) وهذا أمر, والأصل في الأمر أنه يفيد الوجوب, والقرينة الصارفة عن الوجوب هي الوصال (من أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر) هذا قيل على جواز الوصال. وقيل بالكراهة وقيل بالتحريم, ولكن من أجاز الوصال قال أنه قرينة على عدم وجوب السحور, ولكنه مستحب متأكد الاستحباب. وبعض من يرى تحريم الوصال يرى وجوب أكَلة السحر. إذاً هذا الأمر لتأكد السنية, وهذا قول الجمهور, أن أَكَلة السحر سنة وليست بواجبة, وقالت طائفة بأن أَكَلة السحر واجبة.

8- هل يعتبر تطويل كم اليد إسبالاً؟ وإذا كان إسبالاً فإلى أين؟

الصحيح أن الإسبال لا يقع في الأكمام, وقد جاء عند الترمذي وغيره أن كم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ, وفي إسناده ضعف. فالإسبال يقع في القدمين, قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما أسفل الكعبين ففي النار) و (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه) حديثان صحيحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما أكمام اليد فالصحيح أنه لا يقع فيها إسبال, ولكن لا يطيل إطالة مخالفة لأعراف أهل بلده, مرجع القضية إلى العرف, فإذا كان عرف أهل بلده أنهم يضعون .. غير واضح ... فلا يعتبر هذا إسرافاً لأن هذا عرفهم, ويعتبرون ذلك جمالاً ونحو ذلك. ما لم يبلغ حد الإسراف المذموم, فإذا خرج عن عرف البلد, أو بالغ في ذلك أو تميز عنهم, فيعتبر هذا لباس شهرة ويعتبر ضرباً من الإسراف, وأما إذا جارى أهل بلده ولا يعتبر في البلاد الأخرى إسرافاً فلا يعتبر إسرافاً بالنسبة ... غير واضح .. ومراعاة أعراف الناس في ذلك ضروري, وقد سُئِلَ الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن الثوب الأسود المخطط بالبياض, سُئِلَ عنه في بغداد فمنعه, قال: وأما في مكة فلا بأس, قال غير واحد أن أهل مكة كانوا يلبسونها وأما أهل بغداد فلم يكونوا يلبسونها, فكان في زمانهم من لباس الشهرة, و (من لبس ثوب شهرة ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة) حديث جيد, رواه أبو داود وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أسئلة الدرس الثاني

9- ابن حجر في النخبة جعل الفرق بين الصحيح والحسن في خفة الضبط:

الحافظ رحمه الله تعالى حين قال في النخبة عن الحديث الصحيح: بنقل عدل تام الضبط, متصل السند, غير معلَّل ولا شاذ. ثم قال: فإن خف الضبط, يعني كان الراوي أقل ضبطاً من الذي توفرت فيه شروط الصحة, يقول: فالحسن لذاته, وأنا ضربت أمثلة على هذا, وقلت بأن الصحيح مراتب, فسهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ليس كمالك عن نافع عن ابن عمر, وهناك مثل عاصم بن كليب عن أبيه أو عبد الله بن محمد بن عقيل, أقل رتبة, ارتقى عن درجة الضعيف, ولكنه لم يبلغ درجة الصحة, فهو حديث حسن, والأصل أن نعبر عنه بأنه حسن, وإذا عبرنا عن الحديث الحسن بأنه صحيح لا حرج من ذلك.

10- قد يقترن بحديث تام الضبط ما لا يرقيه إلى درجة الصحة, لوجود اختلاف ونحو ذلك.

11- قول الخطابي: وعليه مدار أكثر الحديث, وهو الذي يقبله أكثر العلماء, ويستعمله عامَّة الفقهاء.

هذا الكلام غير صحيح, وإنما أشار إلى كلام الفقهاء, وهذا غير صحيح, وفيه نظر.

12- معنى قوله "ويستعمله عامَّة الفقهاء": يعني عليه العمل عند أكثر الفقهاء, بعض العلماء يرى أن ما عُرِفَ مخرجه واشتهرت رجاله فإنه مقبول وعليه العمل عند أكثر الفقهاء. ولا يلزم إذا كان الخبر مشهوراً عند الفقهاء أن يكون عليه العمل, هناك أحاديث عند الفقهاء يعملون بها ولا عبرة بها, ونحن أيضاً في مجال علم الحديث, لسنا في مجال علم الفقه, فكلام الفقهاء غير معتبر في هذا الباب, المعتبر في هذا الباب كلام المحدثين, فكم من حديث عمل به الفقهاء ولا أصل له, لا تكاد تجد كتاباً فقهياً يخلو من حديث (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن) وهذا الحديث مداره على إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله, وهذا الحديث كما قال عنه الإمام أحمد: هذا حديثٌ باطل, وقال ابن تيمية: ضعيف باتفاق الحفاظ, وقال ابن القيم: هذا ضعيف باتفاق الأئمة. إسماعيل بن عياش إذا روى عن غير أهل الشام فخبره منكر, وإسماعيل بن عياش روى هذا الخبر عن موسى بن عقبة, وموسى بن عقبة حجازي مدني. فبالتالي هذا الخبر وإن كان مشهوراً عند الفقهاء وعُرِفَ مخرجه واشتهرت رجاله, ولكنه منكر ولا يجوز قبوله ولا العمل به, ولا حرج من كون الحائض تقرأ القرآن, لأنه ما ورد دليل عن النبي صلى الله عليه وسلم في منعها من ذلك.

13- ذكر بعض العلماء ضعف حديث أبي هريرة (من لم يتغن بالقرآن فليس منا):

الخبر في البخاري (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) وهذا من الأحاديث التي تُحُدِّث عنها وتُكُلِّم فيها وإن كان في البخاري.

14- ما صحة الحديث الذي رواه أبو داود وأحمد (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عمود أو إلى سارية إلاَّ جعل ذلك عن يمينه أو عن جانبه الأيسر)؟ علماً أن أحدهم يقول أنه قد احتج به ابن تيمية في الاقتضاء.

الخبر الصواب أنه ضعيف, ولا يصح, فيه عدة علل.

 

 

15- ما صحة أحاديث السفياني؟ ومن الذي رواها؟ وهل يجوز تطبيقها على الواقع؟

الأحاديث الواردة عن السفياني موجودة عند الحاكم, ولا يصح من ذلك شيء, ولا يجوز تطبيق ذلك على الواقع, لأن أحاديثه ضعيفة جداً. ولا يجوز الاعتماد على الأحاديث الضعيفة في تطبيق ذلك على أرض الواقع, ولا سيما الذين يشبهون السفياني بفلان وعلاَّن, هذا يحتاج إلى دقة وإبراز المعاني. ولا سيما الذين يطبقون أحاديث السفياني على صدام مثلاً, وهذا كثيراً ما ينادي به أعداد غفيرة في الأنترنت, هذا غلط لسببين: السبب أن هؤلاء عندهم نوع هوى وإن كانوا يعتمدون على أحاديث ضعيفة, فالحديث الوارد عند الحاكم أن السفياني يخرج من الشام, وحاكم العراق لم يخرج من الشام, إذاً من أول وهلة بطل الاستدلال بهذا الخبر. السبب الثاني أنها ما انطبقت عليه. ثم أيضاً لو وافقت الواقع فلا يجوز أن نسميه السفياني لأن لا يوجد حديث نعتمد عليه في هذا.

16- في مسألة المحمول في الطواف والسعي: هل يكون الطواف والسعي صحيحاً لكل من الحامل و المحمول أم عن أحدهما؟ وكذلك المدفوع بالعربة في نفس المسألة؟

الصواب أن المحمول والمدفوع بالعربة يجزئ الطواف والسعي عنهما كليهما, فلو دفعتُ شخصاً بالعربة أجزأ عنه وعني, لكلٍّ نيته. حملت شخصاً بالعربة أو بالخشب أو حملته على كتفي يجزئ عنه وعني, سواء كان صغيراً أو كبيراً في أصح قولي العلماء.

17- ما رأيكم في كتاب (الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات) لطارق عوض الله؟

هذا كتاب جيد ونافع.

18- هذا الشرح ليس للمبتدئين وربما ولا المتوسطين, فيه عمق في بعض المسائل وبعض الأحاديث, لكن قد يستفاد منه فائدة عامة. ولكن أرى أن المبتدئ يشتغل بحفظ الأربعين النووية وحفظ عمدة الأحكام, أو حفظ كتاب التوحيد والعقيدة الواسطية, ويشتغل بالعلوم الأخرى.

19- البيقونية للمبتدئين, والنخبة للمتوسطين, والموقظة فيه توسع, وفي نفس الوقت فيه عمق في المعاني. والمصنف أطال في الحديث الحسن, وقد لا يستفيد منه إلا القليل, ثم بعد ذلك تكون الفائدة عامة بإذن الله, بعد بابين أو ثلاثة أبواب, يشرع في فواصل مختصرة جداً عن الحديث المتصل والمنقطع والمقطوع وما يتعلق بذلك, تكون الفائدة إن شاء الله عامة.

20- كتب المصطلح يغلب عليها الضعف, وليس فيها كتاب جامع مانع, وأنفع هذه الكتب كتاب شرح علل الترمذي للحافظ ابن رجب, كتاب عظيم ونافع, وقد جمع فأوعى, ويغني عن غيره ولا يغني عنه غيره, ويمكن أن يقرأ طالب العلم كتاب الموقظة مع فهمه. أما البيقونية, والنخبة لابن حجر, لا يغنيان عن كثير من الكتب.         

 أسئلة الدرس الثالث

21- هناك من أطلق لفظ الحسن قبل الترمذي, ولكن بالمعنى العام وليس بالمعنى الخاص, ومن زعم أن هناك من هو قبل الترمذي أطلق لفظ الحسن بالمعنى الخاص فقد غلط, هذا غير صحيح.

22- أعداد كبيرة من العلماء يصححون لأبي السمح ومنهم ابن كثير, وهو في الحقيقة صدوق, ولكن إذا روى عن أبي الهيثم فالصواب ضعفه, ومن صحح له فقد غلط.

 

23- الصواب أن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مقبول مطلقاً, إلاَّ إذا تفرد بأصل دلت قرينة على أنه ضعيف, أو خالف غيره, سواء وافق الثقات أو لم يوافق, لكن نبني التضعيف على أمور أخرى, إذاً الأصل القبول وليس الضعف, يعني لا نقول أنه إذا لم يوافق الثقات فهو ضعيف, نقول الأصل فيه القبول. نعم هناك أحاديث لعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ضعيفة عند العلماء, وهناك أحاديث لبهز بن حكيم عن أبيه عن جده ضعيفة عند العلماء, لأن هؤلاء قد يتفردون بأصول مخالفة للأحاديث الصحيحة, كحديث (لا تتصدق المرأة من مالها إلاَّ بإذن زوجها) هذا معلول لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين حث على الصدقة جاءت امرأة تلقي قرطها وسخابها ولم تكن المرأة تستأذن, فبالتالي هذا الخبر ضعيف, وأمثلة ذلك كثيرة من أحاديث بهز بن حكيم أو عمرو بن شعيب من الأحاديث الضعيفة لمخالفة للأحاديث الصحيحة.

24- إسماعيل بن عياش إذا روى عن أهل الشام فصحيح, أما إذا روى عن أهل العراق أو أهل مصر أو أهل الحجاز سواء كان مدنياً أو مكياً, فحديثه ضعيف مطلقاً. مثال ذلك: إسماعيل بن عياش عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئاً من القرآن) قلت بأن الإمام أحمد يقول بأن هذا الحديث باطل, وحكى ابن تيمية وابن القيم الاتفاق على ضعف هذا الخبر, باعتبار أن إسماعيل بن عياش روى هذا الخبر عن موسى بن عقبة الذي هو حجازي مدني.

25- ليس الشأن أن نعرف معنى الحسن, بل الشأن هو أن نعرف كيف نتعامل مع الأحاديث, وكيف نتعامل مع مناهج الأئمة, كيف نصل إلى هذه المرحلة, هذا هو الأصل. فهذا يؤكد قضية أن الإنسان يطَّلع ويقرأ ويبحث ولا يتعجل.

لا أصل للتقسيم إلى جهالة العين وجهالة الحال عند السلف. الدارقطني رحمه الله تعالى في كتاب الديات في المجلد الثالث من سننه أشار إلى أن الراوي إذا روى عنه اثنان فصاعداً أنه مقبول, وإذا روى عنه راوٍ أنه معلول, لكنها ليست قاعدة كلية .. انتهى الشريط ولم يكمل الجواب ...  

أسئلة الدرس الرابع

26- عمر بن هارون هو الذي روى حديث (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ من لحيته من عرضها وطولها) وقد تفرد به. وعمر بن هارون منهم من قال عنه بأنه صدوق كالبخاري وجماعة, ولكن أُنكِر عليه هذا الخبر, وهذا من منكرات عمر بن هارون. وهذا يصلح مثالاً لما أقوله من أن بعض العلماء قد يوثق الراوي, ولكن يأتي من حديثه ما يُحكَم عليه بالنكارة. فالبخاري وإن كان يقول عن عمر بن هارون بأنه صدوق إلاَّ أنه أنكر خبره هذا.

27- ما جاء عند ابن ماجه وغيره (أعوذ بك من الرجس النجس الشيطان الرجيم) فهذا خبر منكر لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم, والمحفوظ ما جاء في الصحيحين من رواية شعبة عن عبد العزيز بن صهيب عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث). حتى التسمية عند دخول الخلاء لا تثبت, وعند الخروج هناك حديث يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال غفرانك) وهذا حديث مختلف في صحته, وهو إلى الصحة أقرب منه إلى الضعف. والخلاف في يوسف بن أبي بردة وهل يُحمَل تفرده في هذا الخبر أم لا.

28- مسلم ومالك لم يحتجا بأبي بكر بن أبي مريم, لأن الحفاظ يكادون يتفقون على ضعفه وسوء حفظه. ومالك يُنتفَع بإبرازه به إذا أبرز اسم راوٍ لم يتحدث عنه العلماء كأن يوصف بالجهالة, فحين يبرز مالك اسمه فهذا يرفع جهالته, وبلا ريب أن رواية مالك عن الراوي تقوي أمره, ولكن عِيْبَ على مالك روايته عن ابن أبي المخارق, كما عاب مالك على شعبة روايته عن عاصم بن عبيد الله, وقال: شعبتكم يشدد في الرجال ويروي عن عاصم. وشعبة حين روى عن عاصم فهو يضعف عاصماً, لأن شعبة يقول في مسألة عاصم: لو سألته من بنى مسجد البصرة؟ لقال: حدثنا فلان عن فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه بناه. ومن أحاديث عاصم حديث عاصم عن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أذَّن في أذن الحسن حين ولدته فاطمة. قال أبو عيسى على هذا الحديث: هذا حديث حسن صحيح, وهذا من الأحاديث التي صححها أبو عيسى وضعفها الحفاظ رحمهم الله تعالى, لأن عاصم بن عبيد الله ضعيف في قول أكثر المحدثين كشعبة وأحمد ومالك والنسائي وأمثال هؤلاء الأئمة رحمهم الله تعالى.

29- ابن وهب هو ابن دقيق العيد صاحب الاقتراح. والذهبي تارةً يقول: قال شيخنا, وتارةً يقول: قال ابن دقيق العيد, وتارةً يقول: قال شيخنا ابن وهب.

وأكثر الناس لا يعرف ابن وهب, ويعرف ابن دقيق العيد, وهو عالم مصري, والذهبي من أصل تركماني. والمقصود أن الذهبي تلقى العلم عن ابن دقيق العيد, واختصر كتابه الاقتراح, والاقتراح أشبه ما يكون باختصار لكتاب المقدمة لابن الصلاح.

30- لماذا كان الذهبي تارةً يقول: قال شيخنا ابن وهب, وتارةً يقول: قال شيخنا ابن دقيق العيد, وتارةً يقول: قال شيخنا؟

إذا قال: قال شيخنا ابن وهب, أكثر الناس قد لا يعرف ابن وهب, فحين يذكره ولو مرة واحدة بأنه هو ابن دقيق العيد, يُعرَف بأنه ابن وهب.

الأمر الثاني: أن في هذا إشارة إلى تعظيم شيخه وتقديره وتبجيله وما يتعلق بذلك.

31- عبد العزيز بن محمد الدراوردي كما قال عنه الإمام أحمد: ثقة في كتابه ضعيف في حفظه, وهو قد روى عن عبيد الله بن عمر العُمَري عن نافع عن ابن عمر فهل يُقبَل تفرد الدراوردي عن عبيد الله؟

الصواب أنه لا يُقبَل في هذا الموطن بالذات, لأن الإمام أحمد وجماعة من الحفاظ يقولون: إذا روى عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن عبيد الله فصوابه: عن عبد الله بن عمر العُمَري. إذاً رواية الدراوردي عن عبيد الله الصواب أنها عن عبد الله المكبر وليس المصغر.  عبيد الله بن عمر العُمَري المصغر متفق على توثيقه, بينما عبد الله بن عمر العُمَري مختلف فيه, والصواب أنه سيئ الحفظ. فلذلك الدراوردي كثيراً ما يخطئ على الثقات, بالذات إذا حدث من حفظه, فهو يُقبَل إذا حدث من كتابه, أما إذا حدث من حفظه ففيه لين.

أما قولنا في القاعدة: إذا تفرد الصدوق عن الثقة, ينظر في ذلك, لأنه تارةً يتفرد الصدوق عن الثقة, فأين أقرانه؟!! أين الحفاظ الأكابر عن هذا الحديث؟!! ولا سيما إذا لا يُحمَل تفرده, كتفرد عمران القطان عن قتادة بحديث (... غير واضح ...) أين أصحاب قتادة عن هذا الخبر؟!! وكما قلت في تفرد محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه) أين أصحاب أبي الزناد كمالك حتى يتفرد به محمد بن عبد الله بن الحسن؟!! زيادة على هذا قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: محمد بن عبد الله بن الحسن منقطع عن أبي الزناد. وهذه مسألة مهمة, ولذلك أقول: قد يتفرد الصدوق فيعل حديثه لمجرد تفرده, كما قلت أنه يعل حديث محمد بن إسحاق عن أبي عبيد بن عبد الله بن زمعة عن أبيه عن أمه عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إن هذا يوم رُخِّصَ لكم فيه إذا رميتم جمرة العقبة أن تحلوا, فإذا غربت الشمس ولم تطوفوا, عدتم حرماً كما بدأتم) نعل هذا الخبر لتفرد الصدوق عن الأئمة الحفاظ, ولأنه في أصل من أصول الأبواب.

وأنا أقول: الصدوق إذا تفرد عن أقرانه يعل, وقد يُقبَل بقرائن, وكذلك إذا تفرد بأصل من أصول الأبواب فإنه يعل, وأمثلة هذا كثيرة.

32- مسائل هذا العلم كان السلف يتلقونها تلقائياً دون أن يعبروا بهذه الاصطلاحات الخاصة, لكن للتمييز والتعريف لا حرج من ذلك, ولا مشاحة في الاصطلاحات إذا فُهِمَ المعنى, ما لم يكن الاصطلاح مناقضاً لما جاء به أئمة السلف, كأن يبنى على المجهول بأنه ضعيف مطلقاً في اصطلاحات المتأخرين, وهذا غلط, وكأن يقال عن فلان بأنه مدلس فيبنى على ذلك أنه ضعيف مطلقاً إذا عنعن, هذا غلط, إذا أدى الاصطلاح إلى غلط ومسائل مغلوطة فيجب أن ننكرها وأن نبينها.

33- المختلط الذي لم يتميز حديثه يترك مطلقاً كالليث بن أبي سليم اختلط فلم يتميز حديثه فتُرَِكَ مطلقاً. سفيان بن وكيع قيل ابتلي بورَّاقة فنُصِحَ فلم ينتصح فتُرِكَ حديثه مطلقاً. وهناك طبقة حصل عندهم اختلاط ولكن تميز بعض حديثهم كالمسعودي وكعطاء بن السائب وجماعة. وطبقة حصل عندهم نوع اختلاط ولكن هذا الاختلاط غير مؤثر, بل هو نوع تغير, كابن أبي عروبة وأبي إسحاق السبيعي, هذا اختلاط غير مؤثر, والصواب أن نعبر عن ذلك بالتغير, ولا نعبر بالاختلاط, بمعنى أنه صار أقل مما كان عليه من قبل, ولكن ليس بمعنى أنه خلَّط فيجعل الموقوف مرفوعاً والمرفوع موقوفاً والموقوف مرسلاً والمرسل مرفوعاً, لا. هذا لا يوجد في كلام أبي إسحاق السبيعي, ولا يوجد في مرويات سعيد بن أبي عروبة, بل هو نوع تغير ولا يؤثر على حديثهم في أصح قولي المحدثين.

لا يشترط كون سفيان بن وكيع قد اختلط, لكن المقصود أنه لم يتميز حديثه فتُرِك.

إذا روى وتميز حديثه لا إشكال فيه, كسماك بن حرب إذا روى عن عكرمة, قال العلماء بأنه ضعيف, وفي نفس الوقت قالوا إذا روى عن سماك القدامى من أصحابه قُبِل, وهذا فيه نظر, لأن سماكاً لم يختلط بهذا الاعتبار , والصواب أن نعبر بعطاء بن السائب. عطاء بن السائب من روى عنه قبل الاختلاط, كالسفيانين, والأعمش على الصحيح, والحمادين على الصحيح, نقبله. وإذا روى عنه سهيل أو جرير وأمثال هؤلاء نرده لأنه قد تميز. وقد كتب في ذلك العراقي مؤلفاً, وكتب في ذلك جماعة من العلماء في هذه الأبواب, والمؤلفات متعددة يحسن الرجوع إليها والنظر فيها في من رمي بالاختلاط وهذا تميز حديثه وذاك لم يتميز حديثه. تارةً بعض كتب التراجم تذكر المختلط من غيره, ويذكرون بعض من روى عنه قبل الاختلاط, ومن روى عنه بعد الاختلاط, ولكن تارةً لا يذكرون أشياء كثيرة, فأنت بحاجة إلى الرجوع إلى كتب علي بن المديني, وكتب الإمام أحمد, وكتب التراجم الأخرى التي تتعمق في الأجزاء والمسانيد والصحاح والأسئلة ونحو ذلك لمعرفة هذا من غيره.

أسئلة الدرس الخامس

34- توجيه العبارات القاسية على الوضاعين لابن الجوزي:

كون الحافظ ابن الجوزي أو غيره من العلماء يعبرون بألفاظ قاسية على هؤلاء الكذابين والوضاعين فإنه لم يحملهم على ذلك إلا الغيرة والحمية والذب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وحين يعبرون بذلك لهم سلف في هذا الموضوع, ولهم أدلة كثيرة في هذا الباب. ما دام أن هذه العبارات لا تخرج عن إطار الأدب وعن الوجه المطلوب فلا حرج من ذلك, لأن المقصود البيان, ولو أتى العالم بعبارة قاسية.

الأدب مطلوب لأن المقصود بيان الحق, فإذا بان الحق دون أن يستعمل لفظة بأنه خنزير أو كلب هذا هو المطلب. وإذا وردت هذه العبارات عن بعض الأئمة نحمله على أن ما حمله على ذلك إلا الغيرة, وإن كنا كأشخاص لا نعبر بهذه الألفاظ, ونتجنب هذه المعاني, وكل ما فيه إساءة. والحق يتأتى بيانه بدون استعمال هذه الألفاظ, لأن بعض الناس إذا أراد أن يبين حكماً أو مسألة أو يخطِّئ عالماً استعمل الألفاظ القاسية الغليظة, في حين لو كان في مقام هذا العالم الذي أخطأ والده أو أخوه العامي ما استعمل معه هذه الألفاظ, مع أن منزلة العالم أعظم من منزلة هذا, فالأدب مطلوب مع كل الناس الذين نتفق معهم والذين نختلف معهم, والرحمة مطلوبة وواجبة, والإنصاف واجب, والعدل واجب, لأن شروط النقد خمسة, وهي العلم والإخلاص والعدل والإنصاف والرحمة.

تأمل في كلام بعض أصحاب ابن تيمية يقول: يا ليتنا لأصدقائنا كابن تيمية لأشد أعدائه وخصومه. وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: أتيت شيخ الإسلام مبشراً له بوفاة أحد أعدائه وخصومه, فنهرني وزجرني, وقال: أتبشرني بوفاة مسلم. فأخذ بيدي وذهب بي إلى أهله وعزَّاهم وشكر الناس سعيه.

35- الكتب ما عدا الصحيحين كسنن النسائي وأبي داود والترمذي وابن ماجه ومسند أحمد هل توجد فيها أحاديث موضوعة؟

أما النسائي ومسند أحمد فليس في أسانيدهما رجل كذاب أو وضاع, ومثل ذلك سنن أبي داود فليس فيه رجل كذاب ومتفق على أنه كذاب أو وضاع. هذا قد يوجد في بعض الرجال وهم قلة في الترمذي, ويوضح ذلك أبو عيسى رحمه الله تعالى, ويوجد شيء من هذا عند ابن ماجه وذلك قلة. وأما المتون كأن يُحكَم على المتن بالوضع, فهذا يوجد في مسند أحمد, ويوجد في سنن أبي داود, وعند الترمذي, وعند ابن ماجه, يُحكَم على المتن بالوضع, كما حكم جماعة من الأئمة على حديث (يدخل عبد الرحمن بن عوف الجنة حبواً) حكم عليه جماعة بالوضع, وهو موجود في مسند أحمد, ولهذا الخبر نظائر, فالوضع يتأتى وجوده في المتن, ولا يوجد في الإسناد, فإن الإمام أحمد أكبر من كونه يروي عن كذاب أو عن وضاع, ومثل ذلك النسائي رحمه الله تعالى أكبر من كونه يروي عن كذاب أو وضاع, ومثل ذلك أبو داود. وأما أبو عيسى رحمه الله تعالى فإنه يبين ذلك ويوضح هذا, وإذا أبان فلا حرج في ذلك, فتكثر الفائدة ويكون في ذلك فائدة لطالب العلم. أما هناك رجل سكت عنه الإمام الترمذي وهو كذاب أو وضاع فلا يوجد. نعم, هناك متروك سكت عنه ككثير بن عبد الله, وهناك جماعة من هذه الطبقة سكت عنهم لكن لا يوجد من ذلك رجل كذاب.

أسئلة الدرس التاسع

36- إذا ثبت أن الإدراج من قول الصحابي فإنه يأخذ حكم قول الصحابي, وإذا كان الإدراج من التابعي فإنه يأخذ حكم قول التابعي, فحينئذٍ حينما نتعامل معه من ناحية فقهية فنحكم عليه بالإدراج, وحينما نتعامل معه من ناحية فقهية نضع هذا قولاً لهذا العالم, ونلحق هذا القول بقول غيره, وننظر في الأدلة الشرعية أيهما أرجح هذا أم ذاك.

حديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من أراد أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل): اختلف العلماء فيه, هل هو إدراج من كلام أبي هريرة أم هو من صلب الحديث؟ وقد أورده البخاري ومسلم باعتبار أنه من صلب الحديث, ولم تأت رواية تفيد بأن هذا مدرج, إلا ما جاء في مسند أحمد من رواية فُلَيح والرواية فيها شذوذ. وذهب آخرون منهم ابن تيمية وجماعة إلى أن هذه اللفظة مدرجة, ويمنعون أن تكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم, ويستدلون بالأحاديث العامة في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم, ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أطال غرته وتحجيله, وإنما قال (تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء) وأن المعنى هو إسباغ الوضوء, وإيصال الماء إلى مواضع وفرائض الوضوء, وأما الزيادة على هذا كأن يزيد إلى العضد أو إلى أنصاف الساقين فإن هذا مدرج ومن صنيع أبي هريرة رضي الله عنه, بدليل أن الصحابة ما كانوا يعملون بهذا, وبدليل أنه ما جاءت رواية قط عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زاد على ما ذُكِر عنه في الأحاديث الصحاح. وأجيب عن هذا بأنه ورد عن ابن عمر عند ابن أبي شيبة وجماعة أنه كان يصنع كما صنع أبي هريرة رضي الله عنه, والأمر الآخر أنه لا حرج أن يفعل هذا في بعض الأحايين, فحين قال النبي صلى الله عليه وسلم (تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء) وقال (فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل) أن هذا يُصنَع في بعض الأحيان, ولا ينافي حديث (من زاد على هذا فقد أساء وظلم) لأن هذا في الكيفية, وذاك في الكمية, فمن زاد على ثلاث في الكمية فقد أساء وظلم, وأما من زاد في الكيفية فلا حرج في ذلك, باعتبار تفسير هذا الحديث. أما قول من قال بأن الغرة لا تكون في اليدين ولا في القدمين, فقد ذكر غير واحد من أهل اللغة أنها تكون في اليدين والقدمين, ولا تختص بالرأس.

سؤال من الشريط الآخر للدرس التاسع

37- ما هو الضابط في حديث الحافظ المتقن, لأننا نرى بعض الحفاظ يعلون بعض أحاديث الثقات, وتارةً لا يعلونها؟

هذا يؤيد المنهج الذي أنادي به: أن هذا العلم مبني على السبر والتتبع والاستقراء والدراسة والموازنة والمقارنة, وأن الأئمة رحمهم الله تعالى لا يعطون هذا الباب حكماً كلياً, بحيث لا تختلف الأمثلة عن الحكم الكلي, وإنما يبنون ذلك على القرائن والاعتبارات, تارةً يصححون له, وتارةً يضعفونه, فهذا علم مبني على الممارسة, علم عملي لا يبنى على مجرد الأمور النظرية. ولكن هذه القرائن كثيرة, كأن ينص إمام على أن هذا غلط فنتقيد بقول هذا الإمام إذا لم يخالف من هو أقعد منه, وأن يروي جماعة ممن لهم تخصص في هذا الرجل ما لم يذكره الآخرون, أو يتفرد عشرة عن خمسة فنقدم الأكثر على هؤلاء, أو يتفرد بهذا الحديث من له تخصص برواية هذا ولا يخالفه إلا من ليس له تخصص فنقدم رواية المتخصص على رواية غيره, هذه كلها تعتبر من القرائن.

38- الحديث المضطرب لا عبرة به ولا يصح قبوله في باب المتابعات والشواهد لأنه يعتبر خبراً منكراً, والمنكر لا يزال منكراً. ومن ذلك الحديث المغلوط والحديث الشاذ والمقلوب, هذه أحاديث لا تعتبر في باب المتابعات والشواهد, فإن المنكر لا يزيده هذا إلا نكارة.

أسئلة الدرس العاشر  

 39- قيل أن مروان ولد بعد الهجرة بسنتين وقيل بأربع, وهذا ظاهره أن له رؤية, وهذا الذي جزم به جماعة. بل ذهب جماعة إلى أن له رؤية وله سماع, لأن عروة روى عنه وعن المسور حديث الصلح وهو في البخاري.

40- الإنباء بمعنى الإخبار, وكذا التحديث, كلها بمعنى واحد على الصحيح.

41- الصحابي هو من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً ومات على ذلك, ولو تخللت ردة في أصح قولي العلماء. والصحابة نوعان, فإن الصحبة تطلق على الملازمة, ويحتج لهذا بأنه حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب خاض في ذلك بعض الصحابة, فكان أحدهم يقول: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهم صحابة, ولكن يعنون الملازمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم, كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وأكابر الصحابة. وليس بلازم من ذلك الذي تقدم إسلامه, فقد يتأخر إسلامه كأبي هريرة, فإنه أسلم قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأربع سنين, وهو أكثر الصحابة رواية عن رسول صلى الله عليه وسلم. النوع الثاني: الذي له رؤية فقط, بحيث رآه يخطب أو يأكل أو يشرب, فهذا يسمى صحابياً, قيده بعض العلماء بشرط أن يكون يعقل, إذا رآه وهو يعقل فإنه يعد صحابياً. وإذا رآه مرة وهو صغير هل يسمى صحابياً أم لا؟ هنا وجد الخلاف هل يعد محمود بن الربيع صحابياً؟ هل يعد محمود بن لبيد صحابياً؟ الصواب من ذلك أن هؤلاء يعدون صحابة, ولكن ليس لهم من المنزلة والفضل كمنزلة القسمين السابقين.

محمد بن أبي بكر فيه خلاف. الذي لا يعقل لا يعد صحابياً, والذي ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره وهو يعقل لا يعد صحابياً, ولو رآه وهو يعقل ولو مرة واحدة فهذا يعد صحابياً, هذا الصواب من أقاويل العلماء.

42- الذين يدعون الصحبة بعد 110 هـ أين الأئمة عن تحديد هؤلاء وعن تسميتهم وعن معرفتهم وعن الرواية عنهم وعن التخريج لهم وعن قبولهم وما يتعلق بذلك؟!!! لأن الصحبة لا تكاد تخفى على أحد, ولذلك العلماء يحددون الصحابي ويعرفونه ويكتبون في ذلك المؤلفات في التعريف بالصحابة وما يتعلق بذلك, وقلما يختلفون إلا في راوٍ ليست له رواية, أو اختلف فيه هل ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أو بعد وفاته؟ لأن هناك من يولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم, وقد يكون كبيراً ويتقدم به العمر, وفي نفس الوقت قد يدرك من حياة النبي صلى الله عليه وسلم ما لا يقل عن خمسة عشر عاما أو عشرين عاما ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم فلا يعد صحابياً, هذا يسمى عند بعض العلماء مخضرم, إذا أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم ير النبي صلى الله عليه وسلم.

43- إذا أتى حديث قال فيه الصحابي: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم, أو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, لمن عُلم لُقِيُّه, أو جزم العلماء بأن هذا صحابي, فنثبت بأن هذا صحابي. إذا ما جاءت رواية تثبت بأن هذا صحابي ولا اتفق العلماء على ذلك وليس هناك ما يدل على ذلك فالأصل أنه غير صحابي.

44- الذي اختلف فيه العلماء هل هو صحابي أم لا بلا ريب أنه أعظم حرمة من الذي لم يختلف فيه العلماء بأنه ليس بصحابي.

45- مروان ثقة في الحديث, كما قال عروة: كان لا يتهم في الحديث, فهو مقبول في الحديث وقد خرج له البخاري وغيره. الحديث إنما هو عن هل هو صحابي أو غير صحابي؟ أما كونه في الرواية يقبل أو لا يقبل, الصواب أنه مقبول.

46- لا حرج من الاختبار, ولا حرج على الإنسان أن يغضب, والذي يختبر هو الذي يتحمل تبعة ما عساه أن يلقاه من شيخه من ضرب أو زجر أو تصعير خد أو سب أو غير ذلك, هذا الأمر متعلق بالذي يريد أن يختبر. ولكن ليس معنى هذا أن الذي يُختبَر يرضى بذلك أو أنه لا ينزعج أو غير ذلك, فقد يتفطن إلى مثل هذا, هذا حق من حقوقه.

47- حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه) هل يعتبر هذا من الأحاديث المقلوبة؟

هذا قاله طائفة من العلماء, وقال آخرون بأنه ليس من المقلوب, وباعتبار أن الخبر ضعيف, فلا يهمنا أنه مقلوب أو غير مقلوب. فإن الخبر جاء من رواية محمد بن عبد الله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه, أعله طائفة من العلماء بالوقف, وطائفة أخرى يعلونه بعلتين: العلة الأولى أنه منقطع بين محمد بن عبد الله بن الحسن وأبي الزناد, وقد أشار إلى هذه العلة البخاري رحمه الله تعالى وغيره. العلة الثانية: أين أصحاب أبي الزناد عن هذا الخبر حتى يتفرد عنهم محمد بن عبد الله بن الحسن؟!!!.

48- جاء في الشرح أن التحمل لا يشترط له الإسلام ولا العدالة, وإنما يشترط في الأداء العدالة, ما هي هذه العدالة المشترطة؟

هذه العدالة المشترطة اختلف المحدثون رحمهم الله تعالى في ذلك:

منهم من قال: تكون العدالة ظاهرة وباطنة, بحيث يسلم ظاهره من الفسق, ولا يعلم عنه في باطنه لا بدعة ولا غيرها, وهم يعتبرون ذلك بالظواهر.

وطائفة أخرى يعتبرون العدالة الظاهرة, بحيث لا يكون عنده شيء من الفسق ولا كذب ولا خداع ولا مكر, فإذا استقام ظاهره جازت الرواية عنه وإن كان مبتدعاً, سواء كان مبتدعاً داعية أو غير داعية, لأن العبرة بالصدق, وعليه بدعته, ولعل هذا هو الأقرب, فحين نشترط العدالة فنعني بذلك العدالة الظاهرة.

49- يمكن أن نعرف المقلوب في هذا العصر عن طريق جمع الطرق وضم الأسانيد بعضها إلى بعض وعن طريق كتب التراجم والكتب المؤلفة في هذا الباب وعن طريق حكم الأئمة رحمهم الله تعالى في ذلك. قد لا ينص الأئمة على أنه مقلوب, ولكن نستيقن بأنه مقلوب بكلامهم الآخر في كتب التراجم, ولكن قد يختلفون في هذا, هذا يقول بأنه كذا, وهذا يقول بأنه كذا, حينئذ لا نجزم بأنه مقلوب. والحقيقة أن الأئمة رحمهم الله تعالى قد أحاطوا بهذا الباب من جميع جوانبه, وإنما يَرِدُ كلام المتأخرين على ما جاء في كلام المتقدمين هل هو مقلوب أم غير مقلوب؟ وإن كان قد يقل الخلاف في القرون الأولى, ويكثر الخلاف في القرون الوسطى, وقد لا يكون الكلام كثيراً في القرون الأولى لأجل أنه ضعيف مثلاً, ويتداوله المتأخرون بقوة باعتبار أنهم يصححونه. أما أن يتفق بأنه صحيح وفيه قلب ولا يتحدث عنه المتقدمون فهذا بعيد, أو أن يتفق العلماء رحمهم الله تعالى بأنه ضعيف هذا واضح. أما إذا اختلف العلماء فيه هل هو صحيح أم ضعيف؟ فإنهم يبينونه. وكثير من العلماء من المتأخرين يحرصون على هذا الباب, وقد يشتدون في ألفاظهم على الآخرين, ولا نرى بأن هذا يليق بأهل العلم وأهل الفضل, لأن هذا باب يدخله الغلط والسهو والنسيان وغير ذلك, فإذا حكم إمام بأنه مقلوب وأخطأ فلا نقسو عليه في العبارة, أو سكت عنه وصححه وتبين لنا فيما بعد أنه مقلوب فلا نقسو عليه في العبارة.

كانت هناك حملة قبل حوالي عشر سنوات في مسألة النزول على اليدين, وكُتِبَ في ذلك مصنفات, وهذا يرد على هذا, وهذا يؤلف في هذا, وهذا يقول بأنه مقلوب, ورد عليه الآخر بأن هذا يرجم بالغيب, حتى قيلت هذه العبارة في ابن القيم رحمه الله تعالى, أنه يرجم بالغيب حين قال بأن الحديث مقلوب, وفي الحقيقة أن مثل هذه الأمور لا تحتمل مثل هذا. هذه الأمور مبنية على الاجتهاد وعلى غلبة الظن وعلى البحث وعلى الاستقراء, وفي نفس الوقت هؤلاء الذين ترتفع أصواتهم وتكون أقلامهم شديدة على الآخرين هم يخطئون أيضاً, فلو عاملهم الآخرون بمثل ما يعاملونهم به لما رضوا بمثل هذا المنهج. والمسألة هذه مبنية على الاجتهاد, وحين قال ابن القيم بأنه مقلوب, ويأتي آخر فيقول بأنه يرجم بالغيب, يأتي القول الثالث ونحن نقول بذلك بأن الخبر أصلاً ضعيف في قول أكابر علماء أئمة السلف رحمهم الله تعالى, وقد جزم غير واحد من الأكابر بأنه لا يصح في الباب شيء, لا في قضية النزول على اليدين, ولا في قضية النزول على الركبتين, وأن الإنسان يفعل ما هو الأرفق به, وهذا مذهب معروف لطائفة من العلماء, فحينئذ لا تشتط العبارة في مثل هذه المسائل وفي مثل هذه القضايا.

الغالب على النسخ الحديثية الضعف, وقلما يصح من ذلك شيء, لكن اتفق العلماء رحمهم الله تعالى على صحة صحيفة همام.

50- بعض الفقهاء يقول في بعض الأحاديث: وهذا حديث تغني شهرته عن بحث إسناده وأن البحث عن إسناده من باب التكلف؟

هذا غير صحيح, لا يقال في حديث من الأحاديث: لا نبحث عن إسناده وأن البحث عن الإسناد من التكلف, وإنما تقال هذه العبارة في الأحاديث المتفق على صحتها, والتي أجمع المسلمون على قبولها, فيقال: لا يبحث عن الأسانيد باعتبار الصحة من الضعف, لأن العلماء متفقون على تصحيحها, أما أن يأتي حديث ليس في الصحيحين, ولا اتفق العلماء على صحته, ونقول بأن هذا الحديث تلقاه العلماء بالقبول فحينئذ لا نبحث عن إسناده ,فهذا غير صحيح. لكن هناك مسائل قال عنها العلماء: هذه الأحاديث تلقاها العلماء بالقبول, بمعنى الإشارة إلى صحتها, وليس بمعنى أن الأحاديث لا يتحدث عنه عن أسانيدها, لأنه على أقل تقدير نبين حكم الإسناد بأنه ضعيف, ثم بعد ذلك نقول أن هذا الأمر تلقاه العلماء بالقبول, كحديث (الماء طهور لا ينجسه شيء, إلا ما غلب على ريحه أو طعمه أو لونه) هذا في إسناده رشدين بن سعد, وهو سيئ الحفظ, وفي الحقيقة أنه لا يصح في الباب شيء, إلا حديث (إن الماء طهور لا ينجسه شيء) أما الاستثناء (إلا ما غلب على ريحه أو طعمه أو ريحه) فهذا ضعيف باتفاق المحدثين, ولكن ذكر الشافعي وغيره من العلماء بأن العمل على هذا, فنقول أن العمل عليه, مع بيان ضعف إسناده. هناك أحاديث أيضاً جرى العمل عليها, فنقول بأن جريان العمل والإجماع يغني عن الإسناد, لكن فرق بين قولنا: يغني عن إسناده, وبين قولنا: يغني عن البحث فلا نبحث ولا ننظر ولا نحكم ونسلم بأن الخبر صحيح وهو قد يكون متفق على ضعفه, فهذا غير صحيح. حديث (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) منهم من ضعفه, والأكثرون على تصحيحه, ولكن ذكر ابن عبد البر بأن شهرته تغني عن الإسناد, بمعنى أن العلماء تلقوه بالقبول وتلقوه بالتسليم, فكون الإنسان يضعف, هذا لا يليق, وأن هذا الخبر تلقاه العلماء الأكابر, ويصححونه كابراً عن كابر, فحينئذٍ نستغني بالتلقي الذي هو متعلق بالقبول وليس بمتعلق بالتصحيح والتضعيف, وهذا لا يخالف فيه, إلا في مسائل مجمع على صحتها, كما في البخاري وفي مسلم, فلا يأتي شخص يقول: أريد أن أبحث في الرواة من جديد, قال البخاري: حدثنا عبد الله بن الزبير قال حدثنا سفيان عن يحيى عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الخبر متفق على صحته, يريد أن يبحث في الإسناد ويصل إلى نتيجة هل هذا صحيح أم ضعيف, نقول: هذا تكلف لأن هذا متفق على صحته. لكن إذا أراد التعرف بمعرفة الرواة والحديث عنهم, وأن هذا الراوي قُبِل في هذا الرجل لماذا لم يقبل في الرجل الآخر؟ فهذا مطلوب, وهذه طريقة متبعة ومعروفة عند الأئمة رحمهم الله تعالى.

خلاصة هذا أن التلقي نوعان: نوع يتلقاه العلماء من أجل متنه, ونوع يتلقاه العلماء من أجل إسناده. فما يتلقاه العلماء رحمهم الله تعالى من أجل متنه فلا حرج أن نحكم على الإسناد ونقول أن الإسناد ضعيف, ولكن عليه العمل عند العلماء, وهذا صنيع الأئمة رحمهم الله تعالى في كتبهم وفي مؤلفاتهم.

51- إذا أخذ الضعيف من صاحب الكتاب, والكتاب مشهور من رواية غيره, فإنه يقبل لأنه مأخوذ من رواية غيره, أما إذا تفرد هذا الضعيف برواية هذا الكتاب فله حالتان: الحالة الأولى ألاَّ يروى هذا الكتاب إلا من رواية هذا الضعيف, ولا ذُكِرَ عن صاحب الكتاب أنه ألف كتاباً, وإنما هو جمعه من أحاديثه, فهذا ربما أنه غلط.

الحالة الثانية أن يكون هذا المؤلف قد جمعه, فهو موجود في كتاب, وروى عنه الضعيف, إذاً الاحتجاج بالكتاب, فهذا مجرد راوية للكتاب, وليس راوية للحفظ والضبط الذي يشترط له ما يشترط للأكابر من الحفظ والضبط.

52- التخصص مطلوب حتى لو كان الراوي ضعيفاً, لأنه قد يكون ضعيفاً ولكنه عن فلان ثقة, وهذا كثير في كلام الأئمة رحمهم الله تعالى, يضعفون الراوي إلا في فلان, أو يوثقونه إلا في فلان, وتقدم نظائر هذا كثيراً, قلنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني ثقة, وقال الإمام أحمد: أوثق الناس في ثابت حماد بن سلمة, وقلنا بأنه إذا روى عن قتادة فإنه يخطئ, وإذا روى عن غير قتادة فإنه صدوق. عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير, عكرمة ثقة, وإذا روى عن يحيى يضطرب الحديث. سماك وكذلك الذين حصل عندهم اختلاط, من روى عنه قبل الاختلاط, ومن روى عنه بعد الاختلاط, أو التفريق بين بلد وآخر, كالمسعودي إذا روى في الكوفة وإذا روى في بغداد, أو كإسماعيل بن عياش إذا روى في الشام فنقبله, وإذا روى عن غير أهل الشام فلا نقبله, هذه أمور لا بد أن نراعيها حين نقرأ في كتب العلماء ويقال عن فلان بأنه ضعيف, فلا يعني هذا أننا نضعفه مطلقاً, قد يكون ثقة في بعض الرواة, وهذا يحتاج إلى تتبع واستقراء ونظر في كلام الأئمة. وإذا قيل عن الراوي بأنه صدوق فلا يعني قبول حديثه مطلقاً حديث ... غير واضح .. عن عقبة (من تعلق تميمة فلا أتم الله له) أعله ابن حبان بأنه له أحاديث مناكير يتفرد بها عن عقبة, فمثله لا يحمل تفرده عن عقبة, فيعل هذا الخبر بمثل هذه العلة, ومنهم من يعله بأنه سيء الحفظ يصيب ويخطيء, وهناك غير ذلك. وعلى كلٍّ فالصدوق قد لا يقبل تفرده في حديث وقد تعل روايته.

53- إذا روى الكافر حديثا حال كفره كجبير بن مطعم, سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور وهو كافر ولم يكن مؤمناً, فحين أسلم حكى لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه السورة في صلاة المغرب, فلا نقول: لا نقبل رواية جبير بن مطعم لأنه تحمل وقت كفره, فالعبرة بالأداء, وليست العبرة بالتحمل, لأن الأصل فيه أنه قد ضبط وأتقن, فإذا ضبط وأتقن فلا حرج من ذلك. لكن حين نتهمه بالضبط فلا نقبل حديثه, فحين يتحمل الفاسق ويؤدي وقت العدالة فلا نرده لأنه تحمل وقت الفسق, ولكن قد نرده لأنه ما ضبط أو ما أتقن أو لم يكن له ضبط وقت فسقه, فحينئذ من هذا القبيل لا نقبله, أما من القبيل الآخر فلا.

54- إذا اختصر أو كَنَّى فلا حرج, إنما العلماء يذمون هذا في المدلِّس, فلا حرج أن يقال: عن أبي الزناد, ولا حرج أن يقال عن عبد الله بن ذكوان, عن الأعرج, وهو عبد الرحمن بن هرمز, يقال: الأعرج على وجه الاختصار, أو على وجه التعريف, لأنه يعرف بهذا, وقد يقال عبد الرحمن بن هرمز, لا حرج في هذا وذاك عند العلماء.

أسئلة الدرس الثاني عشر

55- الصواب أن الحديث المأخوذ في حال المذاكرة مقبول, وبعض العلماء الذين لا يقبلونه يقولون من حدث بحديث حال المذاكرة لا يحدث به على الوجه الصحيح وقد لا ينشط في ضبطه وروايته والتأهل للحديث فيه, هذا مجرد تعليل, لكن الصواب أن ما أخذه حال المذاكرة إذا علم الطالب أن شيخه متيقظ وحافظ فالصواب أنه مقبول. وقد قيل أن البخاري رحمه الله تعالى أخذ حديث هشام بن عمار في تحريم المعازف أنه أخذه حال المذاكرة, وسواء هذا أو ذاك, فالحديث صحيح.

56- يجب التفريق في مسائل الأحكام الشرعية المتعلقة بباب الإخلاص والرياء, فأهل العلم رحمهم الله تعالى لا يسوون بين طالب علم يطلب العلم للرياء والسمعة, وبين آخر يطلب العلم لله ويبحث عن منصب, فالذين يطلبون العلم للرياء والسمعة ولا يريدون بعلمهم إلا ذلك, هؤلاء الأخسرون أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً, وهؤلاء الذين جاء فيهم الوعيد لأنهم مشركون بالله جل وعلا, وأما الذين يطلبون العلم لله جل وعلا ويبحثون بعلمهم عن منصب أو جاه, فالصواب في هذا أنهم يؤجرون على إخلاصهم, وينقص أجرهم ولا يأثمون بذلك, لأنه لم يرد دليل في الإثم بهذا.

وأما حديث (من طلب علماً مما يبتغى به وجه الله لا يريد به إلا عرضاً من عروض الدنيا لم يرح رائحة الجنة) فهذا الخبر زيادة على ضعفه, ليس فيما نحن فيه, لأن لفظه (لا يريد به إلا عرضاً من عروض الدنيا) ولا نزاع في هذا بأن الذين يطلبون العلم لا يريدون به إلا الدنيا والمنصب ولا يبحثون به عن الآخرة أنهم ضالون في طلبهم ومجانبون للصواب في ذلك.

57- إذا طلب المنصب ليكون قدوة حسنة للناس فهذه نية لله جل وعلا, وتقدم قوله صلى الله عليه وسلم والحديث في الصحيحين من حديث أنس (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) الأصل في التشريك في العبادات أنه حرام (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) ولكن ما جاء به النص نتقيد به.

58- من كان يطلب العلم من أجل التصدي لأعداء الله وأعداء الملة فالصواب أنه من طلب العلم لله جل وعلا, لأنه يريد بذلك الذب عن دين الله جل وعلا, وأن ينفي عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من تحريف الغالين ومن انتحال المبطلين وتأويل الجاهلين, فهذه نية حسنة, ونحن نستحث الناس على هذه النية وعلى غيرها من الإخلاص لله جل وعلا, فإن الأمة بحاجة إلى علماء وإلى دعاة وإلى مخلصين, ولا سيما في هذا العصر الذي يتنامى فيه العدد السكاني بالنسبة للعالم الإسلامي, ويتكاثر ويتزايد فيه أهل البدع وأهل الضلال, والناس الآن مولعون بالفتن والشهوات وما يتعلق بذلك, فالأمة بحاجة إلى علماء صادقين يبلغون دين الله جل وعلا ويأطرون السفهاء ويأخذون بأيديهم إلى الحق.

59- التغير أنواع:

النوع الأول: اختلط الراوي فلم يتميز حديثه أبداً, فهذا لا يقبل مطلقاً.

النوع الثاني: الذي قد تميز حديثه كعطاء بن السائب, من روى عنه قبل الاختلاط كالسفيانين والحمادين على الصحيح قُبِلَ حديثه, ومن روى عنه بعد الاختلاط كزهير وجرير رُدَّ حديثه.

النوع الثالث: من المختلطين الذين حين يحدثون في الكوفة يقبل حديثهم, وحين يحدثون في بغداد يرد حديثهم كالمسعودي رحمه الله تعالى.

النوع الرابع: من تغير حفظه ليس إلاَّ, قيل عنه بأنه مختلط لكن لم يختلط بحيث لا يميز, بل هو يميز ولكنه قل حفظه عما كان عليه من قبل, فإذا علم عنه بأنه يحدث على وجه الضبط, فالصواب قبول حديثه, كحصين وكأبي إسحاق السبيعي وكسعيد بن أبي عروبة على الصحيح.

60- الرواية بالمعنى تجوز لعالم وعارف بما يحيل المعاني, أما العامة الذين لا يفهمون فهؤلاء قد لا يحسنون اختصار الحديث فلا يؤذن لهم برواية الحديث بالمعنى. أما العالم العارف فله أن يختصر الحديث وأن يرويه بالمعنى, باستثناء مسائل الأسماء والصفات, لأنه لا يجوز فيها المرادف ولا تروى بالمعنى بل تروى باللفظ, وباستثناء أحاديث الأذكار, لأنه لا يجوز تغيير الذكر بحيث يقول الإنسان أنا أذكر الله في الصباح والمساء بالمعنى ولا أذكر ذلك باللفظ, هذا يجب التقيد فيه باللفظ. أما الأحاديث المتعلقة بالأحكام والفضائل فلا حرج من روايتها بالمعنى لعالم بما يحيل المعاني.

61- المذاكرة هي أن تجالس الشيخ وتذاكره في بعض الأحاديث والمسائل فما تسمعه منه يقال أن هذا أخذه في حال المذاكرة.

62- البخاري رحمه الله تعالى يقطِّع الأحاديث ويروي باللفظ, وتارةً يأخذه عن غيره باعتبار أنه مروي بالمعنى, وفيه بعض الأحاديث المروية بالمعنى, لكن الأصل عن البخاري وعن غيره من الأئمة أنهم يروون باللفظ, وقد يقطعون الأحاديث, وقد يروون بالمعنى لمعرفتهم بما يحيل المعاني, وبعض الروايات المروية في البخاري باعتبار أن الحديث جاء بإسناد واحد بألفاظ مختلفة قد لا يكون من البخاري, وهذا كثير من كلام غيره وليس هو من كلام البخاري. 

63- الطالب المبتدئ ننصحه بحفظ كتاب الله جل وعلا إذا قدر على ذلك, فإذا عجز فإنه يحفظ ما يتيسر له من القرآن, ويحفظ الأصول الثلاثة, ثم ينتقل إلى حفظ القواعد الأربع, ثم ينتقل إلى حفظ كتاب التوحيد, وكلها لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى. ثم ينتقل إلى حفظ العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. وأرى أنه يحفظ في كل فن متناً أو متنين, فإذا كان يقدر لقوة حفظه وقوة فهمه أن يحفظ في اليوم متناً أو متنين أو ثلاثة فهذا أمر مطلوب ونور على نور, وإذا كان يعييه هذا الأمر فلا حرج أن يحفظ في اليوم متناً واحداً ويقتصر على ذلك, وإذا فرغ منه ينتقل إلى غيره. وأرى أنه يحفظ في كل فن متناً فيحفظ في الفقه زاد المستقنع أو دليل الطالب أو متن أبي شجاع عند الشافعية أو مختصر خليل عند المالكية أو الهداية عند الأحناف, فهو يحفظ هذه المتون الفقهية لتصور المسائل في الذهن وليس للتقليد ولا للتعصب, لأن التعصب مذموم, فهو يحفظ هذه الكتب كي يتصورها في الذهن ... انتهى الشريط ولم يكمل الأسئلة ..

أسئلة الدرس الثالث عشر

64- لا يوجد اتفاق على كل نوع وعلى كل قسم وعلى كل رجل, ولكن الأئمة رحمهم الله تعالى يرون تقسيم الرواة إلى طبقات. وفي ذلك فوائد متعددة, وهذه الطبقات تعين على ضبط الرجال, وعلى حفظهم, وعلى معرفة مراتبهم, وعلى تمييز المنقطع من غيره, وعلى معرفة المكثرين, ولا سيما الستة الذين تقدم ذكرهم, فهؤلاء تدور أكثر الأحاديث عليهم, ومعرفة كل صحابي, ثم معرفة المكثرين عن هذا الصحابي, وتقدم أن أصحاب الألوف سبعة, فتحفظ هؤلاء السبعة, وتحفظ المكثرين عنهم, فهذه الطبقات مهمة جداً. صحيح أنه ليس هناك اتفاق على كل جزئية, ولكن في الجملة الأئمة متفقون على أهمية علم الطبقات, وعلى العناية بالطبقات, وعلى ما يتعلق بذلك, وقد يتفقون على أكثر هذه المعاني.

65- الإجازة أنواع: من ذلك أن تدفع أصلك إلى الطالب وتقول أجزتك بذلك, فهذه الإجازة أصح من السماع. الأصل أن السماع أصح من الإجازة, لكن السماع الذي فيه تمتمة وفيه سرعة وليس فيه تميز حروف ولا ألفاظ لا يغني شيئاً, والإجازة أفضل من السماع المتمتم. الأصل أن السماع أصح من الإجازة ولكن الإجازة في هذا الموطن أفضل من السماع.

66- قول الحافظ: وقد قال النسائي في عدة أماكن من صحيحه: وذكر كلمة معناها كذا وكذا. هذا على وجه التمثيل لا الحصر وهو أكثر مِن غيره يذكر ذلك.

67-لم يثبت أن النسائي سمى كتابه المجتبى بالصحيح, ولو سماه بالصحيح لسمي بالصحيح. وأنا أشرت إلى أن ابن خزيمة يسمي كتابه بالصحيح وهو أقل رتبة من سنن النسائي, وابن حبان يسمي كتابه بالصحيح وهو أقل رتبة من النسائي, فالإمام النسائي لم يثبت أنه سمى كتابه بالصحيح, فلا نطلق عليه الصحيح وهو لم يسميه بذلك. وليس معنى هذا أنه لو سمى كتابه الصحيح لصار صحيحاً كله, لا بد من التمييز, هذا لم يسلَّم للبخاري, ولم يسلَّم لمسلم في بعض الأحاديث التي انتقدها الإمام أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم والدارقطني وجماعة من الحفاظ.

وبلا ريب أن سنن النسائي لا يبلغ مرتبة البخاري, ولا يبلغ مرتبة مسلم, والأحاديث الموجودة في المجتبى من حيث الصحة والسلامة لا تبلغ مرتبة ما يوجد في الصحيحين, لكن بلا ريب ربما يقال بأنه أعلى من الترمذي وأعلى من أبي داود وأعلى من ابن ماجه.

النسائي لم يثبت عنه أنه سمى كتابه بالصحيح. الأمر الثاني أنه يورد بعض الأحاديث المعلولة. الأمر الثالث: هناك بعض الرواة عند النسائي أكثر الحفاظ على تضعيفهم, كمجالد بن سعيد, ومثل هذا لا يوجد في صحيح مسلم, ولا في صحيح البخاري. الأمر الرابع: الإمام النسائي له طريقة جيدة ومعروفة, حيث أنه يورد الحديث, ثم يورد الاختلاف على هذا الراوي, فكتابه في شيء كثير جداً من العلل وبيان الاختلاف على الراوي في ذلك.

68- كتاب طبقات المكثرين للزرقي جيد كبداية للمبتدئين, وهناك كتب كثيرة جداً للطبقة المتوسطة وللطبقة العليا.

69- الحافظ ابن حجر ليس هو أول من كتب في الطبقات. كتب في الطبقات يحيى بن معين, وكتب في الطبقات دُحيم في طبقات الدمشقيين وأهل الشام, وكتب في ذلك علي بن المديني, وكتب في ذلك الأكابر, منهم الإمام مسلم وكتابه الطبقات مطبوع. والكتب في هذا كثيرة جداً, وهي كتب مهمة ونافعة, ولكن بعضهم يزيد على الآخر ويختلفون في تقسيم الطبقات, منهم من يتحدث عن طبقات الصحابة .. غير واضح .. وأنا أشرت إلى هذه الأنواع في الشرح.

70- المطروح أحسن رتبة من الموضوع. الموضوع هو الذي لا يختلف العلماء أنه مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم, والمطروح منهم من يجعله مرادفاً للموضوع, ومنهم من يجعله أقل من الموضوع, فيجعلون المطروح بمعنى المنكر, وهذه اصطلاحات. لم يكن الأئمة الأكابر كأحمد والبخاري والسفيانين ونحو هؤلاء يصطلحون على أن هذا الخبر موضوع وهذا مطروح, يعبرون بأنه لا أصل له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, أو أن هذا الخبر كذب, أو أن هذا موضوع, والمعاني واحدة تؤدي إلى أمر واحد, هو تكذيب الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. أما المطروح فقد جاءت هذه العبارة في كلام كثير من الطبقة الوسطى, ثم في كلام المتأخرين, منهم من يجعل هذه اللفظة مرادفة للموضوع, ومنهم من يجعل هذه اللفظة غير مرادفة للموضوع, ولكن أقل رتبة من الموضوع بمعنى المتروك وبمعنى الباطل, وهو الخبر الذي لا يقبل, بمعنى أنه لا يحتج به. وقد تقدم أن بعض العلماء يقولون فيمن يحدث بالأحاديث الأباطيل, يقولون: من حدث بالموضوعات وبالأباطيل استحق الضرب والحبس.

71- ترتيل الحديث: ليست العلة في الاختلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى في ترتيل الحديث أنه مشابه للقرآن من كل وجه. هناك أمور:

الأمر الأول: أنه لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة يرتلون الأحاديث, بخلاف القرآن, فهم متفقون على ترتيله بنص كلام الله وبإجماع المسلمين. الأمر الثاني: أن الاختلاف هنا هو اختلاف أولوية وأفضلية وليس الاختلاف بين العلماء في أنه حلال أو حرام. الأمر الثالث: أنه من العلل التي قيلت في عدم ترتيل الحديث أنه مشابه للقرآن بحيث لا يُشبَّه هذا بهذا, باعتبار أن السنة لها منزلة.

أسئلة الدرس الرابع عشر

72- معنى قوله "وكان عَسِراً في الحديث": يعنى أنه شديد رحمه الله تعالى, لا يستطيع طالب العلم أن يأخذ منه وأن يستفيد منه أكثر من غيره إلا إذا جالسه وجلس عنده وصبر عليه.

انتهت أسئلة الدرس الرابع عشر حيث قُطِع التسجيل

أسئلة الدرس الخامس عشر

73- عثمان بن أبي شيبة ثقة, وأخوه عبد الله ثقة. وتكلم بعض الأئمة في تفردات عثمان بن أبي شيبة, منهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى, وقيل عن عثمان بأنه يصحِّف في القرآن.

74- الثقة الضابط قد يكون حديثه معلولاً في بلد دون بلد, وقد يكون حديثه معلولاً عن راوٍ دون الآخر, كما أن بعض الضعفاء أو الذين يقال عنهم: صدوق سيء الحفظ ونحو ذلك, تقبل أحاديثهم في بعض الرواة, وأنهم في بعض الرواة أوثق من آخرين. وقد يكون الراوي صدوقاً, ولكنه في فلان ثقة, كأبي معاوية احتج به الشيخان في روايته عن الأعمش, لأنه يقال بأنه من أوثق الناس عن الأعمش. حماد بن سلمة من أوثق الناس في ثابت البناني, ولكنه إذا روى عن قتادة فهو معلول, وإذا روى عن غير قتادة فهو صدوق وفي نفس الوقت قد يخطئ.

75- الأئمة رحمهم الله تعالى قد يعلون بالتفرد, وهذا الباب في الحقيقة لا يمكن ضبطه بأمور نظرية. وأنا أشرت إلى هذا مراراً وكررت الكلام ولا عيب في هذا التكرار لأن هذا باب يبنى على الممارسة وعلى الاستقراء وعلى التتبع وعلى السبر, وسوف أكرر هذا في الدروس القادمة حتى يترسخ ويتشرب الإنسان هذا الباب, لأن المصيبة الآن أن بعض الناس يطالع في التقريب, ويحفظ عشرين راوياً من التقريب, ويطالع في تهذيب الكمال, ثم يشتغل في تصحيح الأحاديث, وينظر في إسناد الخبر فيرى ثقة عن صدوق أو صدوق عن ثقة عن ثقة إلى نهاية الحديث ثم يكتب على هذا الحديث: إسناده صحيح, ثم يقول: قال أبو حاتم وقال البخاري: ضعيف, يقول: وقلت: وهموا, رواته كلهم حفاظ وثقات. هذا العلم لا يبنى على قضية أن تعرف أنه صحيح أو ضعيف, هذا يبنى على السبر والاستقراء والتتبع. هشيم إمام ثقة حافظ, حفص بن غياث ثقة, أبو داود الحَفَري ثقة, عيسى بن يونس ثقة, وهؤلاء الأئمة قد يغلطون, وقد نبه الأئمة رحمهم الله تعالى على كثير من أحاديثهم وُجِدَ فيها غلط. فهذه أمور تبنى على التتبع والاستقراء والممارسة وكثرة الحفظ وقراء كتب أئمة هذا الشأن, وفيه دلالة واضحة على أن الإنسان لا يبني الأحكام على مجرد ظواهر الرجال, هذا ظلم للرواة وظلم لكلام العلماء وظلم للأحاديث النبوية حيث تصحح بهذا المنهج أو تضعف بهذا المنهج, هذا العلم في الحقيقة في معظم أحكامه تبنى على الممارسة وعلى الأخذ من كتب أئمة هذا الشأن وعلى الحفظ وعلى الاطلاع, فلا يعني أن الإنسان إذا نظر في التقريب أو تهذيب الكمال ثقة عن ثقة عن ثقة, أنه يُرمَز للحديث بأنه صحيح, قد يكون ثقة لكنه ضعيف في فلان, وقد يكون ثقة وفيه انقطاع, وقد يكون ثقة ولكن فيه تدليس, وقد يكون ثقة ولكن فيه علة تفرد, وقد يكون ثقة ولكنه معلول بالوقف, وقد يكون ثقة ولكن فيه غلط حديثه لا يشبه أحاديث الثقات, وغير ذلك من أبواب العلل.

76- الراوي قد يُسكَت عنه باعتبار أنه ليس له كبير رواية, أو باعتبار أنه يبنى على القرائن, وأنا قلت بأن هذه الأبواب الراوي بالذات الذي لم يرد فيه جرح ولم يرد فيه تعديل, هذا يسمى عند العلماء بالمجهول, منهم من قال: يقبل حديثه إذا روى عنه اثنان فصاعداً, ومنهم من قال: يقبل حديثه إذا روى عنه ثقتان, ومنهم من قال: يقبل حديثه إذا روى عنه ثقة واحد, ومنهم من قال: لا يقبل حديثه إلاَّ إذا روى عنه اثنان معروفان بالضبط والحفظ والإتقان, ومنهم من قال: يقبل حديثه إذا روى عنه من لا يعرف بالرواية عن المجاهيل, كمالك وعبد الرحمن بن مهدي. والصواب في هذا الباب أنه يبنى على القرائن, ومن القرائن في هذا الباب أن يكون الراوي لا يروي إلا عن ثقة أو لا يروي عن المجاهيل, ومن القرائن أن يروي عنه اثنان من الذي لا يعرفون بالرواية عن المجاهيل, هذه كلها قرائن معتبرة في كلام أئمة الشأن, أما الكتب المتأخرة والمصطلحات المتأخرة التي تعتمد على الأمور النظرية هذه قد تضر الإنسان أكثر مما تنفعه, لأن بعض الكتب الاصطلاحية وكتب المتأخرين يقولون عن المجهول إذا روى عنه اثنان قُبِل, ليس هذا على إطلاقه, حتى لو روى عنه عشرة من الثقات قد لا يقبل, وقد يروي عنه ثقة واحد ويقبل, فليست العبرة بكثرة الذين يروون, بقدر ما هي بحجم الذين يروون وبضبطهم وثقتهم وإتقانهم. مالك رحمه الله تعالى إذا روى عنه, فإنه بذلك ترتفع جهالته, لأنه إمام حافظ ضابط لا يروي عن الضعفاء, وهذا دليل على أن مالكاً يعرفه. وجود الحديث في الصحيحين إذا لم يوثق ولم يجرح هذا دليل على أن الراوي معروف عند البخاري, فإذا كان حديث الراوي في الأصول وليس في المتابعات فهذه قرينة على قبول الراوي, ولكن لا يعني حين نقبله في البخاري أننا نقبله في كل كتاب, هذه فائدة مهمة ينبغي أن نتفطن لها, قد نقبله في موضع دون موضع.

 

77- كيف يتعامل الأئمة مع الذي يروي عن الضعفاء والثقات؟

يعتبرون ذلك بالغلبة ويبنون ذلك على القرائن, إذا وجد راوٍ يروي عن الثقات ويروي عن الضعفاء ينظرون مروياته عن الضعفاء هل تشبه أحاديث الثقات أم لا؟ ثم ينظرون في المرويات التي يرويها عن الثقات هل هي معتدلة ومستقيمة أم لا؟ فالأئمة رحمهم الله تعالى لا يبنون على مجرد ما ينقلونه عن علمائهم من كونه ثقة أو ضعيف أو متروك, بقدر ما يبنون على الاستقراء والتتبع والنظر في مرويات هذا الراوي وهل يحمل تفرده أم لا يحمل تفرده؟ ومن روى عنه وعن من روى؟ هذه كلها أمور معتبرة في هذا الباب.

78- إذا أجمع الحفاظ على تصحيح حديث فلا نلتفت إلى كلام المتأخرين, وإذا أجمع الحفاظ على تضعيف حديث فلا نلتفت إلى كلام المتأخرين, لأن هذا إجماع, وهم أدرى بمثل هذه القضايا. وهذه أمور مبنية على الاستقراء والتتبع الذي قد لا يتأتى للمتأخرين في الضبط والاستقراء والتتبع, نحن نتتبع ونستقرئ في بعض الأحاديث, لكن لا يمكن أن يكون تتبعنا واستقرائنا كتتبع واستقراء هؤلاء الأئمة الحفاظ الذين اختلط علم الحديث بلحومهم ودمائهم.

79- الكتب النافعة في هذا الباب التي تعين على فهم كلام أئمة السلف كثيرة, من ذلك كتاب العلل للدارقطني رحمه الله تعالى, وكتاب العلل لأحمد, وكتاب العلل لابن أبي حاتم, والتاريخ الكبير للبخاري, ومن ذلك كتاب الإرشاد للخليلي, وشرح علل الترمذي للحافظ ابن رجب, هذه كتب نافعة وجيدة ومفيدة في هذا الباب, ولا يعني هذا أن الإنسان يقرؤها مرة أو مرتين, بل يحاول أن يتحفظ بعض الأمور وبعض القواعد, ويحاول أن يأخذ هذه الأمور من ناحية استقرائية, وينظر حين يصححون لماذا يصححون؟ وحين يضعفون لماذا يضعفون؟ حتى يكون هذا المنهج له سليقة ومعرفة وله استقراء, ولهذا يقول بعض الأئمة السابقين: معرفة الحديث إلهام.

80- بقية بن الوليد رحمه الله تعالى مكثر من التدليس, وليس الكلام عنه في هذا الدرس من جهة تدليسه, نحن نتحدث عنه من جهة أنه يروي عن المجاهيل, وأثبت الإمام أحمد رحمه الله تعالى فيما حكاه عنه ابن خزيمة رحمه الله تعالى أنه يروي المناكير عن المشاهير وعن الضعفاء ونحوهم.

أسئلة الدرس السادس عشر

81- هل أخطأ أيوب عن نافع؟

هناك من قدم أيوب على مالك وعلى عبيد الله بن عمر العُمري عن نافع, وهناك من قدم عبيد الله على غيره في نافع, وهذا أحد الروايتين عن الإمام أحمد رحمه الله. الرواية الثانية عن أحمد بأن مالكاً هو المقدم في الرواية عن نافع, وهذا قول طائفة من الأئمة. فهذا فيه خلاف بين الأئمة, الذين يقدمون أيوب يرون أن مالكاً قد أخطأ على نافع, وأن عبيد الله قد أخطأ على نافع, والذين يقدمون مالكاً يرون أن أيوب أكثر خطأً من غيره, ولذلك حين ننظر في الحقيقة في المرويات عن نافع نرى أن أقل الأئمة غلطاً على نافع هما مالك وعبيد الله, ولا يدانيهم أحد في قلة الغلط, ولذلك وجد خلاف قوي في الترجيح: مالك وعبيد الله أيهما أرجح في نافع؟ ولعل مالكاً رحمه الله تعالى هو الأرجح من عبيد الله في نافع.

82- إذا ضُعِّفَ الراوي في شيخ لا يلزم أن يضعف مطلقاً, فإن جماعة من الحفاظ يضعفون في شيخ, ولا يضعفون مطلقاً, كسماك في عكرمة, ويضعف داود بن الحصين في عكرمة, ويضعف عكرمة بن عمار في يحيى بن أبي كثير, ويضعف معمر الثقة يضعف في قتادة في البصرة, وعبد الرزاق ضُعِّفت بعض مروياته عن الثوري, وأعداد كبيرة جداً من الثقات يضعفون في بعض الأكابر. وأما الراوي الذي لم يوثق وثبت أنه أتى ببعض المنكرات, فلا يلزم من ذلك أن يكون منكراً في كل حديث, إذا كثر عليه هذا فلا ريب أنه يضعف مطلقاً, وإذا كان قلة كأن يروي عن رجلين, وعن أحدهما قد يأتي بغرائب, وعن الآخر تجده مستقيم الحديث, قد يضعف في هذا دون هذا, وإذا كثر منه قد يضعف مطلقاً.

حين نضعف داود بن الحصين عن عكرمة نضعف جميع مرويات داود بن الحصين عن عكرمة, وحين نضعف سماكاً عن عكرمة نضعف كل المرويات, هذا على الصواب, وإلا فيه خلاف, منهم من قال: يقيد هذا بالتفسير, ومنهم من قال: إذا روى الأكابر عن سماك عن عكرمة فإنه مقبول, وهذا فيه خلاف بين العلماء, وهذا يختلف من راو إلى آخر.

داود بن الحصين عن عكرمة: الإمام علي بن المديني رحمه الله تعالى بين أن داود بن الحصين يأتي ببعض المناكير عن عكرمة, والجرح هنا مفسر وواضح وجلي لمن يتتبع مرويات داود عن عكرمة, وإذا صحح إمام من الأئمة مرويات داود عن عكرمة فيُحتَفظ برأيه ويُعتبَر برأيه إذا لم يكن له معارض أقوى, أما إذا وجد معارض أقوى, كجرح مفسر بين وظاهر وجلي, فيقدم هذا الجرح المبين الواضح الجلي على تصحيح هذا الإمام, لأن تصحيح هذا الإمام قد لا يكون لذات الخبر, قد يكون لما يحتف به من القرائن والشواهد والمتابعات ونحو ذلك, فهناك فرق بين تضعيف رواية داود بن الحصين, وقول من صحح بعض أحاديث داود عن عكرمة, لأن الذين يصححون أحاديث داود عن عكرمة, لا يلزم من ذلك أنهم يوثقون داود عن عكرمة مطلقاً, قد يصححون ذلك لقرائن وشواهد ونحو ذلك.

من روى له مالك ولم يجرح فهو ثقة إذا أُبرِزَ اسمه, وكذلك من روى عنه القطان ولم يجرح فإنه ثقة, أما من روى عنه شعبة: شعبة رحمه الله تعالى قد يروي عن بعض الضعفاء, كما روى عن عاصم بن عبيد الله, وأنكر عليه مالك وغيره, وشعبة نفسه يضعف عاصم بن عبيد الله, وشعبة في الحقيقة لا يرفع عن الراوي الجهالة, وليس كل من روى عنه شعبة صار ثقة. نعم قد يوجد من روى عنه شعبة يعتبر ثقة, لكن ليس بمنزلة مالك وبرواية مالك عن المجهول, ولا برواية يحيى القطان عن المجهول.

83- مما يقوي أمر الرجل تخريج الشيخين له, وقد نص على هذا الحاكم رحمه الله تعالى, وأن الراوي إذا وجد في الصحيحين فهذا ما يقوي أمره, ولكن أنا أقول دائماً أنه لا يلزم من وجود الراوي في الصحيحين أن يكون ثقة خارج الصحيحين, هذا الأمر الأول. الأمر الثاني: لا يلزم من وجود الراوي في الصحيحين أن يكون البخاري يحتج به مطلقاً في كل راوٍ, فهذا أبو معاوية موجود في الصحيحين, ولكن قيل إن البخاري لا يحتج به إلا في مروياته عن الأعمش, ولذلك حين روى أبو معاوية عن هشام (توضأ لكل صلاة) أعلت هذه الرواية بالشذوذ, صحيح أنه توبع أبو معاوية ولم يتفرد بذلك, ولكن ليس بالقوي كقوته في الأعمش, هو فيه لين. ومن ذلك فليح بن سليمان, ومن ذلك الحكاية المذكورة عن إسماعيل بن أبي أويس, من العلماء من يرى بأن إسماعيل بن أبي أويس كذاب وضاع ولا يحتج به مطلقاً, ولكن البخاري رحمه الله تعالى حين لقيه أخذ أصوله وانتقى منها حين أذن له أن يحدث بما انتقى من ذلك, فحين انتقى الأحاديث المستقيمة وأن هذه المعاني صحيحة وهي موجودة في كتب الآخرين خرجها البخاري رحمه الله تعالى, والبخاري له سبر وله استقراء وله نظر وله مدارسة وله فهم, فحين يخرج البخاري للراوي لا يلزم من ذلك أن نوثقه مطلقاً, حتى الراوي الذي لم يجرح أصلاً إذا وجد في الصحيحين, بلا ريب أن هذا يقوي أمره, لكن لا يعني ذلك أننا نقبله مطلقاً خارج الصحيحين. الصحيحان لهما مزية, فحين وجد هذا الراوي في الصحيحين وتلقى العلماء هذا الكتاب بالقبول, هذا بلا ريب أنه بمعنى تعديل الرواة, كالحديث الذي مثلا صححه أبو عيسى الترمذي وفيه راوٍ مجهول, إذا لم يجرح ولم يرو إلا من هذا الطريق, تصحيح الترمذي هو في الحقيقة توثيق للراوي. وهذه مسألة مهمة: إذا لم يرو الحديث إلا من هذا الطريق, وأتى عالم وصحح هذا الإسناد, تصحيح الإسناد توثيق لكل الرواة, لأنه إذا جاء من طريق آخر يحتمل أنه صححه بمجموع الطريقين, فحين لم يرو إلا من هذا الطريق وصححه هذا الإمام عُلِمَ أنه يوثق ... انتهى وجه الشريط قبل إتمام الجواب         

أسئلة الدرس السابع عشر

84- لا تقبل تصحيحات الحاكم في المستدرك مطلقاً؟!!

الحاكم رحمه الله تعالى متساهل جداً في المستدرك, متساهل في تصحيح الأخبار المنكرة والضعيفة, متساهل في توثيق بعض المجاهيل والمتروكين, ففي الجملة لا يقبل تصحيحه في المستدرك. ولا يعني هذا أنه لا يصيب, لأنه قد أصاب في أشياء ووافقه على ذلك الأئمة, ولكن إذا تفرد بتصحيح خبر, فمن الضروري أن ينظر في كلام الآخرين فيه, فإذا وافقه غيره من المعتمدين فهذا يكون قوياً, وإذا تفرد بذلك فالغالب أنه ضعيف أو متروك.

85- قد يطلق الاثنين ويراد به الجمع في عرف الشارع, والبخاري رحمه الله تعالى ترجم على هذا في كتاب الصلاة, والعلماء مجمعون على أن الاثنين في الصلاة جماعة, ولكن قيل إن هذا لا يسمى في اللغة جماعة.

86- قوله "لا تعتبر المذاهب في الرواية": يعني كونه مبتدعاً أو كُفِّر أو غير ذلك, لأن المؤلف رحمه الله تعالى يرى أن بعض الناس عنده غلو أو يكفِّر من لا يوافقه على مذهبه, فيقول: لا تعتبر المذاهب في هذا, وهذا على إطلاقه فيه نظر, والصواب التفصيل في هذه القضية: منهم من يقبل, ومنهم من لا يقبل, كما تقدم.

 

 

87- الأئمة يؤلفون الكتب في الضعفاء ويذكرون لبعض الضعفاء بعض الأحاديث هل يعني هذا أن هذه الأحاديث ضعيفة؟

هذا الأصل. الأصل أنهم يوردونها على وجه البيان, لكن تارةً يوردون الأحاديث في هذا الباب ويقولون: هذا الضعيف وما عداه فإنه صحيح, ويصنع هذا كثيراً ابن عَدِي رحمه الله تعالى في الكامل, فإنه يورد من أحاديث الراوي عشرة أو خمسة عشر أو أقل أو أكثر, ثم يقول: هذا ضعيف وما عداه فإنه صحيح. هذا الأمر الأول.

الأمر الثاني: أنه لا يلزم من تضعيف الراوي تضعيف كل حديث يأتي به, فقد يتابعه غيره.

الأمر الثالث: أنه لا يلزم من تضعيف الإسناد تضعيف المتن.

88- قوله "وقد يكون نفس الإمام فيما وافق مذهبه أو في حال شيخه ألطف منه فيما كان بخلاف ذلك": يقول أنه قد يكون مَنْ عنده شيخ أو عالم وأراد أن يجرحه فإنه يتلطف, وإذا وجد غيره ممن ليس على مذهبه أو هو بعيد عنه يكون نَفَسُهُ حاداً في جرحه, وهذا قد يرجع إلى الطبيعة البشرية في بعض الأمور. لكن الأئمة الكبار رحمهم الله تعالى لا يقع منهم هذا, وإذا وجد فإنه يوجد في اللفظ فقط, وإلا فالنتيجة مؤداها واحد, وبالتالي لا يعابون بهذا, كون الإنسان يحترم شيخه أو من تعلم على يديه ويخفف العبارة في جرحه, ولكن ينصح للأمة ويبين أنه متروك, ولكن بعبارة تشعر بهذا, دون الآخر الذي ليس له على يديه تتلمذ أو غير ذلك, وما دام أن مؤدى النتيجة واحد, فلا يعابون بهذا. ولكن إذا اختلف اللفظ فيداري شيخه ويقول عنه بأنه ضعيف وهو متروك, والآخر الذي هو أحسن حالاً منه يقول عنه بأنه متروك, هذا ولله الحمد لا يوجد في كلام الأئمة الراسخين كمالك وشعبة والسفيانين والآخرين المعنيين بضبط الرواة والحديث عن عدالتهم.

89- يقصدون بالتعبير بأهل القبلة أي من المسلمين, وإذا أطلق أهل القبلة فهم المسلمون, ومن أتى بناقض من نواقض الإسلام فلا يعد من أهل القبلة, وإن كان يعد من الأمة, لأن الأمة نوعان: أمة إجابة, وأمة دعوة. وهؤلاء فيهم من لم يدخل في الإسلام أصلاً, وفيهم من أتى بناقض من نواقض الإسلام فيعتبر من المرتدين, فالآن ينبغي التأكد من كونه أتى بناقض من نواقض الإسلام, فإذا قال أهل العلم رحمهم الله تعالى: لا نكفِّر أحداً من أهل القبلة, يقصدون: لا نكفِّر أحداً من المنتسبين للإسلام, من الذين يشهدون ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. قولهم:بذنب, أي ما دون الشرك, لأنه لا يستقيم أن يسمى هذا من أهل القبلة مع الشرك. فقولهم: بذنب, أي ما دون الشرك والكفر. وقولهم: ما لم يستحله, يعنون بذلك الكبائر, وأن أهل السنة لا يكفرون أصحاب الكبائر ما لم يستحل المرء هذه الكبيرة دون جهل أو تأويل, فإنه يُكفَّر بذلك.

أسئلة الدرس الثامن عشر

90- ألا يقال بالتفريق بين النقد في المسائل الفقهية والنقد في المسائل العقدية؟

هذا في الجملة صحيح, ولكن المقصود بيان الحق, فإذا أخطأ في مسألة من مسائل العقيدة كان علينا أن ننصح له وأن نبين له وأن نعظه وأن نذكره, وأن يكون هذا البيان وهذا الوعظ والتذكير برفق, لأن المقصود دعوته وبيان الحق له. الله جل وعلا قال "فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى" وهو يخالف في أصل الدين. وقد يُغلَّظ القول في بعض المسائل لبعض الأشخاص لمن يعلم منهم التقوى والصلاح, وفي نفس يعلم منهم أن هذا الأمر لا يؤول بهم إلى منكر أكبر. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُغلِظ على أناس, وفي نفس الوقت لا يُغلِظ على آخرين ممن هم أكبر منهم خطأً, فهذا باب يراعى فيه المصالح والمفاسد. أما النقد في المسائل الفقهية: بعض المسائل الفقهية لا ينقد فيها, وإنما يعرض الإنسان رأيه, وليس من حقه أن ينقد ما بني على اجتهاد ونحو ذلك. بعض المسائل نعم يكون فيها دليل, والآخر جانب الدليل, فيوعظ ويذكر ويغلظ في بعض المسائل الفقهية, كأن يخالف نصاً جلياً بدعوى أنه خالف فلان أو علاَّن تعصباً لشيخه أو لإمامه. فعلى كلٍّ هذا باب يراعى فيه المصالح و تدرأ فيه المفاسد, فإذا رأى العالم أن هذا باب يُغلَّظ فيه فلا بأس أن يُغلِّظ, وإذا رأى أن هذا الباب لا يستحق التغليظ, أو أنه إذا غلَّظ ترتب عليه منكر أكبر, فإنه يدع هذا مراعاة للمصالح ودرءاً للمفاسد.

91- الموقظة مختصر من الاقتراح لابن دقيق العيد رحمه الله تعالى, وزاد عليه الذهبي بعض الزيادات, واختصر بعض المواضع, وإلا فأصل الكتاب مختصر من كتاب الاقتراح لشيخه ابن دقيق العيد. أحياناً ينقل باللفظ, وأحياناً يزيد, وأحياناً ينقل بالمعنى, وأنا وضحت هذا في مواطن متعددة.

92- يوجد أحاديث مسلسلة غير حديث المسلسل بالأولية, كحديث المسلسل بسورة الصف, وإذا وجدت مناسبة أخرى إن شاء الله قد نحدثكم بذلك, وهناك حديث المسلسل بالمُحَمَّدِيْن, وحديث المسلسل بالدمشقيين, وغير ذلك المسلسلات كثيرة. لكن هذا أول حديث يسمعونه بالتسلسل, وإلا هناك أحاديث مسلسلة كثيرة, قد لا يكون أول حديث مسموع لهم, فهذا أول حديث يروى بالتسلسل, أنا أرويه عن شيخي وأنتم تروونه عني فيما بعد, فهو أول حديث تسمعونه بالتسلسل.

93- أيهما أهم معرفة الطبقات أو المؤتلف والمختلف؟

هي أبواب متقاربة, وكل منهما مهم. باب الطبقات تقدم أنه باب مهم وباب عظيم, ولا يستغني عنه طالب علم لضبط الرواة وضبط مواليدهم ووفياتهم ومعرفة السماعات ونحو ذلك. وعلم المؤتلف والمختلف تقدم تقسيمه إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول الخطأ فيه قريب, والثاني والثالث أهم من الأول. فعلم المصطلح علم مهم, لأنه وسيلة إلى معرفة كلام العلماء وكلام المحدثين. لكن في الجملة علم الطبقات أهم من المؤتلف والمختلف. لكن هو يدرس علم الطبقات ويدرس الرجال ويدرس المواليد والوفيات, ومن الضروري أن يعرف ويدرس فلان عن فلان, ويعرف اسمه ويحسن قراءته على الشكل المطلوب. صحيح أن بعض الأسماء يوجد فيها خلاف, والخلاف قريب, وهناك بعض الأسماء يتفق العلماء بأنه فلان بن فلان, نحن بحاجة إلى ضبطه تمييزه.

94- العدل أعم من الإنصاف, والإنصاف أخص من العدل, العدل مطلوب وواجب مع المسلمين ومع الكافرين, والإنصاف أخص من هذا فإنه يتعلق بالمسلمين فيما بينهم بعضهم مع بعض في المسائل الشرعية وفي المسائل العلمية في الفهم وما يتعلق بذلك, فالإنصاف أخص من العدل.

95- المؤتلف والمختلف علم يتلقى عن المعلم وأنت تقرأ عليه وتدرس عليه, وتارةً تقرأ بعض الأسماء, وبعض الأسماء تكون مشكلة مستبهمة, وقد تستعصي على العالم, فهو بحاجة إلى أن يرجع إلى كتب المؤتلف والمختلف لتمييز هذا وضبط اسمه, كسلاَّم و سلام هل هو سلام أو سلاَّم؟ فأنت بحاجة إلى الرجوع إلى كتب العلماء, وضبط الأسماء للتمييز بين هذا وذاك. هل هو حِبَّان أو حُبَّان؟ فأنت بحاجة إلى معرفة هذه الكتب للتمييز بين هذه الأسماء, وقد يكون هذا تلقياً عن العلماء.

96- قال الإمام أحمد وغيره: فلان إذا حدث من كتابه فهو ثقة, وإذا حدث من حفظه فهو ضعيف.

هذا كعبد العزيز ين محمد الدراوردي, قال عنه الإمام أحمد رحمه الله تعالى: ثقة في كتابه, ضعيف في حفظه. وهذا يعرف بأمور أخرى:

الأمر الأول: أن هذا ليس من الحفاظ وليس من المعروفين بالحفظ والضبط. الأمر الثاني: أنه يكتب وهو معروف بالكتابة وله كتب. الأمر الثالث: إذا وُجد غلط كأن يحدث عنه تلميذه بأنه حدث من حفظه, فنعرف غلطه, فنجعل هذه قرينة على غيره من الأمور, فقد يحدث في بعض البلاد من حفظه ولا تكون معه كتبه, والعلماء يميزون هذا. وقد يحدث من حفظه فيغلط فيدرك العلماء أنه غلط, لأنه إذا حدث من كتاب لا يغلط, لأنه متقن لكتابه, فهذه كلها تجعل قرائن في هذا الباب. وقد نعتمد على نص إمام من الأئمة أن هذا إذا حدث بحديث من حفظه فهو غير مقبول.

ولكن الأصل في حديث الدراوردي أنه إذا حدث من كتابه فهو مقبول, وهو الأصل فيه أنه يحدث من كتبه, ولكن له أحاديث يغلط فيها, كرواية الدراوردي عن عبيد الله غلط, صوابه عن عبد الله المكبر وليس هو المصغر, فهذا مما يغلط فيه عبد العزيز بن محمد الدراوردي, لأنه سيء الحفظ.

97- طائفة من العلماء يفرقون بين الأصول والفروع, فيجعلون الأصول هي العقائد, والفروع هي المسائل الفقهية, وبعض العلماء لا يرى تقسيم الدين إلى أصول وفروع, وأن الدين كله أصول, ولكن فيه شيء أهم من شيء. ولكن بلا ريب أن المسائل العقدية أعظم عند العلماء من المسائل الفقهية, لكن لا يعني هذا التساهل في المسائل الفقهية, لأنه إذا وجد نص عن النبي صلى الله عليه وسلم صريح ولم يرد ما يعارضه ثم تركه الإنسان لكان عاصياً لله وللرسول صلى الله عليه وسلم. وقد يعذر في بعض المسائل العقدية التي يختلف العلماء, فيها كمسألة هل المحسن اسم من أسماء الله أم لا؟ وهناك حديث بأنه اسم من أسماء الله, لكنه ضعيف, رواه الطبراني وعبد الرزاق في المصنف, فلا تثريب على من أثبته وعلى من نفاه, وقد نثرِّب على من أفتى بحكم فقهي, ولا نثرِّب عليه في هذه القضية. لذلك نفرق بين الجزئيات والأصول, لكن لو أن شخصاً أتى بأصل من أصول أهل البدع, وقال أن الأصل في الأسماء والصفات التفويض, فهذا مبتدع ضال منحرف, وهذا خالف أهل السنة في أصل من أصولهم. ومن ذلك لو خالف في المسائل الفقهية فقال: الأصل اتباع العلماء والمشايخ. نقول: هذا ضلال وانحراف, فالأصل اتباع الكتاب والسنة والاستفادة من فهوم العلماء والمشايخ. ولكن من حيث الجملة الغلط في الفقه أخف من الغلط في الاعتقاد.

98- في الإجازة تارةً يدفع إليه الكتاب ولا يقول: أجزتك, وتارةً يدفع إليه الكتاب ويقول: أجزتك. إذا دفع إليك الكتاب مع اقتران ذلك بالإجازة فهذا أفضل. وكلاهما إجازة, لكن هذا أعلى من هذا. والمناولة أن يعطيك الكتاب يداً بيد.

99- الإنسان يأتي باللوازم لنقد المذهب وبيان فساد هذا القول أوهذا الفعل, فهذا ضروري. أما اللوازم في التكفير وإصدار الأحكام, بحيث يقول: يلزم من هذا كذا, فبالتالي يكفر, هذا غلط ولا يجوز, لأن اللوازم في إصدار الأحكام مع المسلمين غلط وانحراف ولا يجوز. إنما قد نأتي بهذه اللوازم مع الكفار والمشركين, أما اللوازم مع المسلمين فلها حالتان: حالة في بيان فساد المذهب, وهذا جيد, وحالة في إصدار الحكم عليه, فهذا ضلال وانحراف. فلا نأتي إلى من حلق لحيته وأسبل إزاره فنقول: يلزم من ذلك أن تبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم, إذاً أنت كافر, هذا غلط ولا يجوز.

=================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق