قال ابن إسحاق [ ص: 190 ] : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر ، اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري ، للجوار الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لهما ، كما حدثني يزيد بن رومان ، وكان بين بني النضير وبين بني عامر عقد وحلف . فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية ذينك القتيلين ، قالوا نعم ، يا أبا القاسم ، نعينك على ما أحببت ، مما استعنت بنا عليه ثم خلا بعضهم ببعض ، فقالوا : إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه - ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد - فمن رجل يعلو على هذا البيت ، فيلقي عليه صخرة ، فيريحنا منه ؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب ، أحدهم ، فقال : أنا لذلك ، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه ، فيهم أبو بكر وعمر وعلي ، رضوان الله عليهم . [ انْكِشَافُ نِيَّتِهِمْ لِلرَّسُولِ وَاسْتِعْدَادُهُ لِحَرْبِهِمْ ] فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ مِنْ السَّمَاءِ بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ ، فَقَامَ وَخَرَجَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ . فَلَمَّا اسْتَلْبَثَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابُهُ ، قَامُوا فِي طَلَبِهِ ، فَلَقُوا رَجُلًا مُقْبِلًا مِنْ الْمَدِينَةِ ، فَسَأَلُوهُ عَنْهُ ؛ فَقَالَ : رَأَيْتُهُ دَاخِلًا الْمَدِينَةَ . فَأَقْبَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، حَتَّى انْتَهَوْا إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ ، بِمَا كَانَتْ الْيَهُودُ أَرَادَتْ مِنْ الْغَدْرِ بِهِ ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّهَيُّؤِ لِحَرْبِهِمْ ، وَالسَّيْرِ إلَيْهِمْ .قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ .[ ص: 191 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمَّ سَارَ بِالنَّاسِ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ ، فَحَاصَرَهُمْ سِتَّ لَيَالٍ ، وَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ [ حِصَارُ الرَّسُولِ لَهُمْ وَتَقْطِيعُ نَخْلِهِمْ ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَتَحَصَّنُوا مِنْهُ فِي الْحُصُونِ ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ النَّخِيلِ وَالتَّحْرِيقِ فِيهَا ، فَنَادَوْهُ : أَنْ يَا مُحَمَّدُ ، قَدْ كُنْتَ تَنْهَى عَنْ الْفَسَادِ ، وَتَعِيبُهُ عَلَى مَنْ صَنَعَهُ ، فَمَا بَالُ قَطْعِ النَّخْلِ وَتَحْرِيقِهَا ؟ [ تَحْرِيضُ الرَّهْطِ لَهُمْ ثُمَّ مُحَاوَلَتُهُمْ الصُّلْحَ ] وَقَدْ كَانَ رَهْطٌ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، مِنْهُمْ ( عَدُوُّ اللَّهِ ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولَ ( و ) وَدِيعَةُ وَمَالِكُ بْنُ أَبِي قَوْقَلٍ ، وَسُوَيْدُ وَدَاعِسٌ ، قَدْ بَعَثُوا إلَى بَنِي النَّضِيرِ : أَنْ اُثْبُتُوا وَتَمَنَّعُوا ، فَإِنَّا لَنْ نُسَلِّمَكُمْ ، إنْ قُوتِلْتُمْ قَاتَلْنَا مَعَكُمْ ، وَإِنْ أُخْرِجْتُمْ خَرَجْنَا مَعَكُمْ ، فَتَرَبَّصُوا ذَلِكَ مِنْ نَصْرِهِمْ ، فَلَمْ يَفْعَلُوا ، وَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ ، وَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ وَيَكُفَّ عَنْ دِمَائِهِمْ ، عَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا حَمَلَتْ الْإِبِلُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلَّا الْحَلْقَةَ ، فَفَعَلَ . فَاحْتَمَلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ الْإِبِلُ ، فَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَهْدِمُ بَيْتَهُ عَنْ نِجَافِ بَابِهِ ، فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ فَيَنْطَلِقُ بِهِ . فَخَرَجُوا إلَى خَيْبَرَ ، وَمِنْهُمْ مَنْ سَارَ إلَى الشَّامِ . [ مَنْ هَاجَرَ مِنْهُمْ إلَى خَيْبَرَ ] فَكَانَ أَشْرَافُهُمْ مَنْ سَارَ مِنْهُمْ إلَى خَيْبَرَ : سَلَّامُ بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ ، وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ . فَلَمَّا نَزَلُوهَا دَانَ لَهُمْ أَهْلُهَا . [ ص: 192 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ حُدِّثَ : أَنَّهُمْ اسْتَقَلُّوا بِالنِّسَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْأَمْوَالِ ، مَعَهُمْ الدُّفُوفُ وَالْمَزَامِيرُ ، وَالْقِيَانُ يَعْزِفْنَ خَلْفَهُمْ ، وَإِنَّ فِيهِمْ لِأُمِّ عَمْرٍو صَاحِبَةَ عُرْوَةَ بْنِ الْوَرْدِ الْعَبْسِيِّ ، الَّتِي ابْتَاعُوا مِنْهُ ، وَكَانَتْ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي غِفَارٍ ، بِزُهَاءِ وَفَخْرٍ مَا رُئِيَ مِثْلُهُ مِنْ حَيٍّ مِنْ النَّاسِ فِي زَمَانِهِمْ . [ تَقْسِيمُ الرَّسُولِ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ ] وَخَلَّوْا الْأَمْوَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً ، يَضَعُهَا حَيْثُ يَشَاءُ ، فَقَسَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ دُونَ الْأَنْصَارِ . إلَّا أَنَّ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ وَأَبَا دُجَانَةَ سِمَاكَ بْنَ خَرَشَةَ ذَكَرَا فَقْرًا ، فَأَعْطَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . [ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ ] وَلَمْ يُسْلِمْ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ إلَّا رَجُلَانِ : يَامِينُ بْنُ عُمَيْرٍ ، أَبُو كَعْبِ بْنُ عَمْرِو بْنِ جِحَاشٍ ؛ وَأَبُو سَعْدِ بْنُ وَهْبٍ ، أَسْلَمَا عَلَى أَمْوَالِهِمَا فَأَحْرَزَاهَا . [ تَحْرِيضُ يَامِينَ عَلَى قَتْلِ ابْنِ جِحَاشٍ ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ - وَقَدْ حَدَّثَنِي بَعْضُ آلِ يَامِينَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِيَامِينَ : أَلَمْ تَرَ مَا لَقِيتُ مِنْ ابْنِ عَمِّكَ ، وَمَا هُمْ بِهِ مِنْ شَأْنِي ؟ فَجَعَلَ يَامِينُ بْنُ عُمَيْرٍ لِرَجُلِ جُعْلًا عَلَى أَنْ يَقْتُلَ لَهُ عَمْرَو بْنَ جِحَاشٍ ، فَقَتَلَهُ فِيمَا يَزْعُمُونَ . [ مَا نَزَلَ فِي بَنِي النَّضِيرِ مِنْ الْقُرْآنِ ] وَنَزَلَ فِي بَنِي النَّضِيرِ سُورَةُ الْحَشْرِ بِأَسْرِهَا ، يَذْكُرُ فِيهَا مَا أَصَابَهُمْ اللَّهُ بِهِ مِنْ نِقْمَتِهِ . وَمَا سَلَّطَ عَلَيْهِمْ بِهِ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَا عَمِلَ بِهِ فِيهِمْ ، فَقَالَ [ ص: 193 ] تَعَالَى : هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ وَذَلِكَ لِهَدْمِهِمْ بُيُوتَهُمْ عَنْ نُجُفِ أَبْوَابِهِمْ إذَا احْتَمَلُوهَا . فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ وَكَانَ لَهُمْ مِنْ اللَّهِ نِقْمَةٌ ، لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا أَيْ بِالسَّيْفِ ، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ مَعَ ذَلِكَ . مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا وَاللِّينَةُ : مَا خَالَفَ الْعَجْوَةَ مِنْ النَّخْلِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ أَيْ فَبِأَمْرِ اللَّهِ قُطِعَتْ ، لَمْ يَكُنْ فَسَادًا ، وَلَكِنْ كَانَ نِقْمَةً مِنْ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ [ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : اللِّينَةُ : مِنْ الْأَلْوَانِ ، وَهِيَ مَا لَمْ تَكُنْ بَرْنِيَّةَ وَلَا عَجْوَةً مِنْ النَّخْلِ ، فِيمَا حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ . قَالَ ذُو الرُّمَّةِ : كَأَنَّ قُتُودِي فَوْقَهَا عُشُّ طَائِرٍ عَلَى لِينَةٍ سَوْقَاءَ تَهْفُو جُنُوبُهَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ - قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : يَعْنِي مِنْ بَنِي النَّضِيرِ - فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَيْ لَهُ خَاصَّةً . [ تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أوْجَفْتُمْ : حَرَّكْتُمْ وَأَتْعَبْتُمْ فِي السَّيْرِ . قَالَ تَمِيمُ بْنُ أُبَيِّ بْنِ مُقْبِلٍ أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ : [ ص: 194 ] مَذَاوِيدُ بِالْبِيضِ الْحَدِيثِ صِقَالُهَا عَنْ الرَّكْبِ أَحْيَانًا إذَا الرَّكْبُ أَوْجَفُوا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ ، وَهُوَ الْوَجِيفُ . ( و ) قَالَ أَبُو زُبَيْدٍ الطَّائِيُّ ، وَاسْمُهُ حَرْمَلَةُ بْنُ الْمُنْذِرِ : مُسْنِفَاتٌ كَأَنَّهُنَّ قَنَا الْهِنْدِ لِطُولِ الْوَجِيفِ جَدْبَ الْمَرُودِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : السِّنَافُ : الْبِطَانُ . وَالْوَجِيفُ ( أَيْضًا ) : وَجِيفُ الْقَلْبِ وَالْكَبِدِ ، وَهُوَ الضَّرَبَانُ . قَالَ قَيْسُ بْنُ الْخَطِيمِ الظَّفَرِيُّ : إنَّا وَإِنْ قَدَّمُوا الَّتِي عَلِمُوا أَكْبَادُنَا مِنْ وَرَائِهِمْ تَجِفُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : مَا يُوجِفُ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ ، وَفُتِحَ بِالْحَرْبِ عَنْوَةً فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ يَقُولُ : هَذَا قِسْمٌ آخَرُ فِيمَا أُصِيبَ بِالْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ، عَلَى مَا وَضَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَأَصْحَابَهُ ، وَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ أَمْرِهِمْ يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَعْنِي بَنِي النَّضِيرِ ، [ ص: 195 ] إلَى قَوْلِهِ كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ يَعْنِي بَنِي قَيْنُقَاعَ . ثُمَّ الْقِصَّةُ . . . إلَى قَوْلِهِ : كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ [ مَا قِيلَ فِي بَنِي النَّضِيرِ مِنْ الشِّعْرِ ] وَكَانَ مِمَّا قِيلَ فِي بَنِي النَّضِيرِ مِنْ الشِّعْرِ قَوْلُ ابْنِ لُقَيْمٍ الْعَبْسِيِّ ، وَيُقَالُ : قَالَهُ قَيْسُ بْنُ بَحْرِ بْنِ طَرِيفٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَيْسُ بْنُ بَحْرٍ الْأَشْجَعِيُّ - فَقَالَ : [ ص: 196 ] أَهْلِي فِدَاءٌ لِامْرِئٍ غَيْرِ هَالِكٍ أَحَلَّ الْيَهُودَ بِالْحَسِيِّ الْمُزَنَّمِ يَقِيلُونَ فِي جَمْرِ الغَضَاةِ وَبُدِّلُوا أُهَيْضِبُ عُودى بِالْوَدِيِّ الْمُكَمَّمِ فَإِنْ يَكُ ظَنِّيُّ صَادِقًا بِمُحَمَّدٍ تَرَوْا خَيْلَهُ بَيْنَ الصَّلَا وَيَرَمْرَمَ يَؤُمُّ بِهَا عَمْرَو بْنَ بُهْثَةَ إنَّهُمْ عَدْوٌّ وَمَا حَيٌّ صَدِيقٌ كَمُجْرِمِ عَلَيْهِنَّ أَبْطَالٌ مَسَاعِيرُ فِي الْوَغَى يَهُزُّونَ أَطْرَافَ الْوَشِيجِ الْمُقَوَّمِ وَكُلَّ رَقِيقِ الشَّفْرَتَيْنِ مُهَنَّدٌ تُوُورِثْنَ مِنْ أَزْمَانِ عَادٍ وَجُرْهُمِ فَمَنْ مُبْلِغٌ عَنِّي قُرَيْشًا رِسَالَةً فَهَلْ بَعْدَهُمْ فِي الْمَجْدِ مِنْ مُتَكَرِّمِ بِأَنَّ أَخَاكُمْ فَاعْلَمُنَّ مُحَمَّدًا تَلِيدُ النَّدَى بَيْنَ الْحَجُونِ وَزَمْزَمِ فَدِينُوا لَهُ بِالْحَقِّ تَجْسُمُ أُمُورُكُمْ وَتَسْمُوا مِنْ الدُّنْيَا إلَى كُلِّ مُعْظَمِ نَبِيٌّ تَلَاقَتْهُ مِنْ اللَّهِ رَحْمَةٌ وَلَا تَسْأَلُوهُ أَمْرَ غَيْبٍ مُرَجَّمِ فَقَدْ كَانَ فِي بَدْرٍ لَعَمْرِي عِبْرَةٌ إلَيْكُمْ يَا قُرَيْشًا وَالْقَلِيبِ الْمُلَمَّمِ غَدَاةَ أَتَى فِي الْخَزْرَجِيَّةِ عَامِدًا إلَيْكُمْ مُطِيعًا لِلْعَظِيمِ الْمُكَرَّمِ مُعَانًا بِرُوحِ الْقُدْسِ يُنْكَى عَدُوُّهُ رَسُولًا مِنْ الرَّحْمَنِ حَقًّا بِمَعْلَمِ رَسُولًا مِنْ الرَّحْمَنِ يَتْلُو كِتَابَهُ فَلَمَّا أَنَارَ الْحَقُّ لَمْ يَتَلَعْثَمْ أَرَى أَمْرَهُ يَزْدَادُ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ عُلُوًّا لِأَمْرِ حَمَّهُ اللَّهُ مُحْكَمِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَمْرُو بْنُ بُهْثَةَ ، مِنْ غَطَفَانَ . وَقَوْلُهُ بِالْحَسِيِّ الْمُزَنَّمِ ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : يَذْكُرُ إجْلَاءَ بَنِي النَّضِيرِ ، وَقَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غَيْرُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ ، وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ يَعْرِفُهَا لِعَلِيٍّ : [ ص: 197 ] عَرَفْتُ وَمَنْ يَعْتَدِلْ يَعْرِفْ وَأَيْقَنْتُ حَقًّا وَلَمْ أَصْدِفْ عَنْ الْكَلِمِ الْمُحْكَمِ اللَّاءِ مِنْ لَدَى اللَّهِ ذِي الرَّأْفَةِ الْأَرْأَفِ رَسَائِلُ تُدْرَسُ فِي الْمُؤْمِنِينَ بِهِنَّ اصْطَفَى أَحْمَدَ الْمُصْطَفَى فَأَصْبَحَ أَحْمَدُ فِينَا عَزِيزًا عَزِيزَ الْمُقَامَةِ وَالْمَوْقِفِ فَيَأَيُّهَا الْمُوعِدُوهُ سَفَاهًا وَلَمْ يَأْتِ جَوْرًا وَلَمْ يَعْنُفْ أَلَسْتُمْ تَخَافُونَ أَدْنَى الْعَذَابِ وَمَا آمِنُ اللَّهِ كَالْأَخْوَفِ وَأَنْ تُصْرَعُوا تَحْتَ أَسْيَافِهِ كَمَصْرَعِ كَعْبٍ أَبِي الْأَشْرَفِ غَدَاةَ رَأَى اللَّهُ طُغْيَانَهُ وَأَعْرَضَ كَالْجَمَلِ الْأَجْنَفِ فَأَنْزَلَ جِبْرِيلَ فِي قَتْلِهِ بِوَحْيٍ إلَى عَبْدِهِ مُلْطَفِ فَدَسَّ الرَّسُولُ رَسُولًا لَهُ بِأَبْيَضَ ذِي هَبَّةٍ مُرْهَفِ فَبَاتَتْ عُيُونٌ لَهُ مُعْوِلَاتٍ مَتَى يُنْعَ كَعْبٌ لَهَا تَذْرِفْ وَقُلْنَ لِأَحْمَدَ ذَرْنَا قَلِيلًا فَإِنَّا مِنْ النَّوْحِ لَمْ نَشْتَفِ فَخَلَّاهُمْ ثُمَّ قَالَ اظْعَنُوا دُحُورًا عَلَى رَغْمِ الْآنُفِ وَأَجْلَى النَّضِيرَ إلَى غُرْبَةٍ وَكَانُوا بِدَارٍ ذَوِي زُخْرُفِ إلَى أَذْرِعَاتٍ رُدَافَى وَهُمْ عَلَى كُلِّ ذِي دَبَرٍ أَعْجَفِ [ص: 198 ] فَأَجَابَهُ سَمَّاكٌ الْيَهُودِيُّ ، فَقَالَ : إنْ تَفْخَرُوا فَهُوَ فَخْرٌ لَكُمْ بِمَقْتَلِ كَعْبٍ أَبِي الْأَشْرَفِ غَدَاةَ غَدَوْتُمْ عَلَى حَتْفِهِ وَلَمْ يَأْتِ غَدِرًا وَلَمْ يُخْلِفْ فَعَلَّ اللَّيَالِيَ وَصَرَفَ الدُّهُورَ يُدِيلُ مِنْ الْعَادِلِ الْمُنْصِفِ بِقَتْلِ النَّضِيرِ وَأَحْلَافِهَا وَعَقْرِ النَّخِيلِ وَلَمْ تُقْطَفْ فَإِنْ لَا أَمُتْ نَأْتِكُمْ بِالْقَنَا وَكُلُّ حُسَامٍ مَعًا مُرْهَفِ بِكَفٍّ كَمِىٍّ بِهِ يَحْتَمِي مَتَى يَلْقَ قِرْنًا لَهُ يُتْلِفْ مَعَ الْقَوْمِ صَخْرٌ وَأَشْيَاعُهُ إذَا غَاوَرَ الْقَوْمَ لَمْ يَضْعُفْ كَلَيْثِ بِتَرْجِ حَمَى غِيلَهُ أَخِي غَابَةٍ هَاصِرٍ أَجْوَفِ [ شِعْرُ كَعْبٍ فِي إجْلَاءِ بَنِي النَّضِيرِ وَقَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَذْكُرُ إجْلَاءَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ : [ ص: 199 ] لَقَدْ خَزِيَتْ بِغَدْرَتِهَا الْحُبُورُ كَذَاكَ الدَّهْرُ ذُو صَرْفٍ يَدُورُ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِرَبٍّ عَزِيزٍ أَمْرُهُ أَمْرٌ كَبِيرُ وَقَدْ أُوتُوا مَعًا فَهْمًا وَعِلْمًا وَجَاءَهُمْ مِنْ اللَّهِ النَّذِيرُ نَذِيرٌ صَادِقٌ أَدَّى كِتَابًا وَآيَاتٍ مُبَيَّنَةً تُنِيرُ فَقَالُوا مَا أَتَيْتَ بِأَمْرِ صِدْقٍ وَأَنْتَ بِمُنْكَرٍ مِنَّا جَدِيرُ فَقَالَ بَلَى لَقَدْ أَدَّيْتُ حَقًّا يُصَدِّقُنِي بِهِ الْفَهِمُ الْخَبِيرُ فَمَنْ يَتْبَعْهُ يُهْدَ لِكُلِّ رُشْدٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ يُجْزَ الْكَفُورَ فَلَمَّا أُشْرِبُوا غَدِرًا وَكُفْرًا وَحَادَ بِهِمْ عَنْ الْحَقِّ النُّفُورِ أَرَى اللَّهُ النَّبِيَّ بِرَأْيِ صَدْقٍ وَكَانَ اللَّهُ يَحْكُمُ لَا يَجُورُ فَأَيَّدَهُ وَسَلَّطَهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ نَصِيرُهُ نِعْمَ النَّصِيرِ فَغُودِرَ مِنْهُمْ كَعْبٌ صَرِيعًا فَذَلَّتْ بَعْدَ مَصْرَعِهِ النَّضِيرُ عَلَى الْكَفَّيْنِ ثَمَّ وَقَدْ عَلَتْهُ بِأَيْدِينَا مُشَهَّرَةٌ ذُكُورُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ إذْ دَسَّ لَيْلًا إلَى كَعْبٍ أَخَا كَعْبٍ يَسِيرُ فَمَا كَرِهَ فَأَنْزَلَهُ بِمَكْرٍ وَمَحْمُودٌ أَخُو ثِقَةٍ جَسُورُ فَتِلْكَ بَنُو النَّضِيرِ بِدَارِ سَوْءٍ أَبَارَهُمْ بِمَا اجْتَرَمُوا الْمُبِيرُ غَدَاةَ أَتَاهُمْ فِي الزَّحْفِ رَهْوًا رَسُولُ اللَّهِ وَهْوَ بِهِمْ بَصِيرُ وَغَسَّانَ الْحُمَاةَ مُوَازِرُوهُ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَهْوَ لَهُمْ وَزِيرُ فَقَالَ السِّلَمُ وَيْحَكُمْ فَصَدُّوا وَحَالَفَ أَمْرَهُمْ كَذِبٌ وَزُورُ فَذَاقُوا غِبَّ أَمْرِهِمْ وَبَالًا لِكُلِّ ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ بَعِيرُ وَأَجْلَوْا عَامِدِينَ لِقَيْنُقَاعَ وَغُودِرَ مِنْهُمْ نَخْلٌ وَدُورُ[ ص: 200 ] [ شِعْرُ سَمَّاكٍ فِي الرَّدِّ عَلَى كَعْبٍ ] فَأَجَابَهُ سَمَّاكٌ الْيَهُودِيُّ ، فَقَالَ : أَرِقْتُ وَضَافَنِي هَمٌّ كَبِيرُ بِلَيْلٍ غَيْرُهُ لَيْلٌ قَصِيرُ أَرَى الْأَحْبَارَ تُنْكِرُهُ جَمِيعًا وَكُلُّهُمْ لَهُ عِلْمٌ خَبِيرُ وَكَانُوا الدَّارِسِينَ لِكُلِّ عِلْمٍ بِهِ التَّوْرَاةُ تَنْطِقُ وَالزَّبُورُ قَتَلْتُمْ سَيِّدَ الْأَحْبَارِ كَعْبًا وَقِدْمًا كَانَ يَأْمَنُ مَنْ يُجِيرُ تَدَلَّى نَحْوَ مَحْمُودٍ أَخِيهِ وَمَحْمُودٌ سَرِيرَتُهُ الْفُجُورُ فَغَادَرَهُ كَأَنَّ دَمًا نَجِيعًا يَسِيلُ عَلَى مَدَارِعِهِ عَبِيرُ فُقِدَ وَأَبِيكُمْ وَأَبِي جَمِيعًا أُصِيبَتْ إذْ أُصِيبَ بِهِ النَّضِيرُ فَإِنْ نَسْلَمُ لَكُمْ نَتْرُكُ رِجَالًا بِكَعْبٍ حَوْلَهُمْ طَيْرٌ تَدُورُ كَأَنَّهُمْ عَتَائِرُ يَوْمَ عِيدٍ تُذَبَّحُ وَهْيَ لَيْسَ لَهَا نَكِيرُ بِبِيضٍ لَا تُلِيقُ لَهُنَّ عَظْمًا صَوَافِي الْحَدِّ أَكْثَرُهَا ذُكُورُ كَمَا لَاقَيْتُمْ مِنْ بَأْسِ صَخْرٍ بِأُحْدٍ حَيْثُ لَيْسَ لَكُمْ نَصِيرُ [ شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي امْتِدَاحِ رِجَالِ بَنِي النَّضِيرِ ] وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَخُو بَنِي سُلَيْمٍ يَمْتَدِحُ رِجَالَ بَنِي النَّضِيرِ : [ ص: 201 ]لَوْ أَنَّ أَهْلَ الدَّارِ لَمْ يَتَصَدَّعُوا رَأَيْتَ خِلَالَ الدَّارِ مَلْهًى وَمَلْعَبَا فَإِنَّكَ عَمْرِي هَلْ أُرِيكَ ظَعَائِنَا سَلَكْنَ عَلَى رُكْنِ الشَّطَاةِ فَتَيْأَبَا عَلَيْهِنَّ عِينٌ مِنْ ظِبَاءٍ تَبَّالَةٍ أَوَانِسُ يُصْبِيَنَ الْحَلِيمَ الْمُجَرِّبَا إذَا جَاءَ بَاغِي الْخَيْرِ قُلْنَ فُجَاءَةً لَهُ بِوُجُوهٍ كَالدَّنَانِيرِ مَرْحَبَا وَأَهْلًا فَلَا مَمْنُوعَ خَيْرٍ طَلَبْتَهُ وَلَا أَنْتَ تَخْشَى عِنْدَنَا أَنْ تُؤَنَّبَا فَلَا تَحْسَبَنِّي كُنْتُ مَوْلَى ابْنِ مِشْكَمٍ سَلَامٍ وَلَا مَوْلَى حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَا [ شِعْرُ خَوَّاتٍ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ مِرْدَاسٍ ] فَأَجَابَهُ خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، فَقَالَ : تُبَكِّي عَلَى قَتْلَى يَهُودَ وَقَدْ تَرَى مِنْ الشَّجْوِ لَوْ تَبْكِي أَحَبَّ وَأَقْرَبَا فَهَلَّا عَلَى قَتْلَى بِبَطْنِ أُرَيْنِقٍ بَكَيْتَ وَلَمْ تُعْوِلْ مِنْ الشَّجْوِ مُسْهِبَا إذَا السِّلْمُ دَارَتْ فِي صَدِيقٍ رَدَدْتَهَا وَفِي الدِّينِ صَدَّادًا وَفِي الْحَرْبِ ثَعْلَبَا عَمَدْتَ إلَى قَدْرٍ لِقَوْمِكَ تَبْتَغِي لَهُمْ شَبَهًا كَيْمَا تَعِزَّ وَتَغْلِبَا فَإِنَّكَ لَمَّا أَنْ كَلِفْتَ تَمَدُّحًا لِمَنْ كَانَ عَيْبًا مَدْحُهُ وَتَكَذُّبَا رَحَلْتَ بِأَمْرٍ كُنْتَ أَهْلًا لِمِثْلِهِ وَلَمْ تُلْفِ فِيهِمْ قَائِلًا لَكَ مَرْحَبَا فَهَلَّا إلَى قَوْمٍ مُلُوكٍ مَدَحْتَهُمْ تَبَنَّوْا مِنْ الْعَزِّ الْمُؤَثَّلِ مَنْصِبَا إلَى مَعْشَرٍ صَارُوا مُلُوكًا وَكُرِّمُوا وَلَمْ يُلْفَ فِيهِمْ طَالِبُ الْعُرْفِ مُجْدِبَا أُولَئِكَ أَحْرَى مِنْ يَهُودَ بِمِدْحَةٍ تَرَاهُمْ وَفِيهِمْ عِزَّةُ الْمَجْدِ تُرْتُبَا[ ص: 202 ] [ شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي الرَّدِّ عَلَى خَوَّاتٍ ] فَأَجَابَهُ عَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيُّ ، فَقَالَ : هَجَوْتَ صَرِيحَ الْكَاهِنَيْنِ وَفِيكُمْ لَهُمْ نِعَمٌ كَانَتْ مِنْ الدَّهْرِ تُرْتُبَا أُولَئِكَ أَحْرَى لَوْ بَكَيْتَ عَلَيْهِمْ وَقَوْمُكَ لَوْ أَدَّوْا مِنْ الْحَقِّ مُوجَبَا مِنْ الشُّكْرِ إنَّ الشُّكْرَ خَيْرٌ مَغَبَّةً وَأَوْفَقُ فِعْلًا لِلَّذِي كَانَ أَصْوَبَا فَكُنْتَ كَمَنْ أَمْسَى يُقَطِّعُ رَأْسَهُ لِيَبْلُغَ عِزًّا كَانَ فِيهِ مُرَكَّبَا فَبَكِّ بَنِي هَارُونَ وَاذْكُرْ فِعَالَهُمْ وَقَتْلَهُمْ لِلْجُوعِ إذْ كُنْتَ مُجْدِبَا أَخَوَّاتُ أَذِرْ الدَّمْعَ بِالدَّمْعِ وَابْكِهِمْ وَأَعْرِضْ عَنْ الْمَكْرُوهِ مِنْهُمْ وَنَكِّبَا فَإِنَّكَ لَوْ لَاقَيْتَهُمْ فِي دِيَارِهِمْ لَأُلْفِيتَ عَمَّا قَدْ تَقُولُ مُنَكِّبَا سِرَاعٌ إلَى الْعَلْيَا كِرَامٌ لَدَى الْوَغَى يُقَالُ لِبَاغِي الْخَيْرِ أَهْلًا وَمَرْحَبَا [ شِعْرٌ لِكَعْبِ أَوْ ابْنِ رَوَاحَةَ فِي الرَّدِّ عَلَى ابْنِ مِرْدَاسٍ ] فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، أَوْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، فَقَالَ [ ص: 203 ] . لَعَمْرِي لَقَدْ حَكَّتْ رَحَى الْحَرْبِ بَعْدَمَا أَطَارَتْ لُؤَيًّا قَبْلُ شَرْقًا وَمَغْرِبَا بَقِيَّةَ آلِ الْكَاهِنَيْنِ وَعِزَّهَا فَعَادَ ذَلِيلًا بَعْدَ مَا كَانَ أَغْلَبَا فَطَاحَ سَلَامٌ وَابْنُ سَعْيَةَ عَنْوَةً وَقِيدَ ذَلِيلًا لِلْمَنَايَا ابْنُ أَخْطَبَا وَأَجْلَبَ يَبْغِي الْعِزَّ وَالذُّلَّ يَبْتَغِي خِلَافَ يَدَيْهِ مَا جَنَى حِينَ أَجْلَبَا كَتَارِكِ سَهْلِ الْأَرْضِ وَالْحَزَنُ هَمَّهُ وَقَدْ كَانَ ذَا فِي النَّاسِ أَكْدَى وَأَصْعَبَا وَشَأْسٌ وعَزُّالٌ وَقَدْ صَلَيَا بِهَا وَمَا غُيِّبَا عَنْ ذَاكَ فِيمَنْ تَغَيَّبَا وَعَوْفُ بْنُ سَلْمَى وَابْنُ عَوْفٍ كِلَاهُمَا وَكَعْبٌ رَئِيسُ الْقَوْمِ حَانَ وَخُيِّبَا فَبُعْدًا وَسُحْقًا لِلنَّضِيرِ وَمِثْلِهَا إنْ أَعْقَبَ فَتْحٌ أَوْ إنْ اللَّهُ أَعْقَبَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيُّ : ثُمَّ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ بَنِي النَّضِيرِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ . وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَهُمْ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِيهِ . |
0000000000000000000000000000000000000000000000000000
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق