1.
ج5 /1 الروض الأنف للسهيلي
2.
الروض الأنف ج5
3.
رُجُوعُهُمْ إلَى النّبِيّ فِي حُكْمِ الرّجْمِ
4.
[
ص 423 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي ابْنُ
شِهَابٍ الزّهْرِيّ أَنّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ يُحَدّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ ، أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ
حَدّثَهُمْ أَنّ أَحْبَارَ يَهُودَ اجْتَمَعُوا فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ حِينَ
قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، وَقَدْ زَنَى
رَجُلٌ مِنْهُمْ بَعْدَ إحْصَانِهِ بِامْرَأَةِ مِنْ يَهُودَ قَدْ أُحْصِنَتْ
فَقَالُوا : ابْعَثُوا بِهَذَا الرّجُلِ وَهَذِهِ الْمَرْأَةِ إلَى مُحَمّدٍ
فَسَلُوهُ كَيْفَ الْحُكْمُ [ ص 424 ] بِقَارِ ثُمّ تُسَوّدُ وُجُوهُهُمَا ،
ثُمّ يُحْمَلَانِ عَلَى حِمَارَيْنِ وَتُجْعَلُ وُجُوهُهُمَا مِنْ قِبَلِ
أَدْبَارِ الْحِمَارَيْنِ - فَاتّبِعُوهُ فَإِنّمَا هُوَ مَلِكٌ وَصَدّقُوهُ
وَإِنْ هُوَ حَكَمَ فِيهِمَا بِالرّجْمِ فَإِنّهُ نَبِيّ ، فَاحْذَرُوهُ عَلَى
مَا فِي أَيْدِيكُمْ أَنْ يَسْلُبَكُمُوهُ . فَأَتَوْهُ فَقَالُوا : يَا
مُحَمّدُ هَذَا رَجُلٌ قَدْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ بِامْرَأَةِ قَدْ
أُحْصِنَتْ فَاحْكُمْ فِيهِمَا ، فَقَدْ وَلّيْنَاك الْحُكْمَ فِيهِمَا .
فَمَشَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى أَتَى
أَحْبَارَهُمْ فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَخْرِجُوا
إلَيّ عُلَمَاءَكُمْ فَأُخْرِجَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيَا . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَقَدْ حَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي
قُرَيْظَةَ أَنّهُمْ قَدْ أَخَرَجُوا إلَيْهِ يَوْمَئِذٍ مَعَ ابْنِ صُورِيَا ،
أَبَا يَاسِرٍ بْنَ أَخْطَبَ وَوَهْبَ بْنَ يَهُوذَا ، فَقَالُوا : هَؤُلَاءِ
عُلَمَاؤُنَا . فَسَأَلَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ حَصَلَ أَمْرُهُمْ إلَى أَنْ قَالُوا لِعَبْدِ
اللّهِ بْنِ صُورِيَا : هَذَا مِنْ أَعْلَمِ مَنْ بَقِيَ بِالتّوْرَاةِ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : مِنْ قَوْلِهِ " وَحَدّثَنِي
بَعْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ - إلَى أَعْلَمِ مَنْ بَقِيَ بِالتّوْرَاةِ " مِنْ
قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْحَدِيثِ الّذِي قَبْلَهُ .
فَخَلَا بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ غُلَامًا
شَابّا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنّا فَأَلَظّ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَسْأَلَةَ يَقُولُ لَهُ يَا ابْنَ صُورِيَا ، أَنْشُدُك
اللّهَ وَأُذَكّرُك بِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُ أَنّ اللّهَ
حَكَمَ فِيمَنْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ بِالرّجْمِ فِي التّوْرَاةِ ؟ قَالَ
اللّهُمّ نَعَمْ أَمَا وَاَللّهِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إنّهُمْ لَيَعْرِفُونَ
أَنّك لَنَبِيّ مُرْسَلٌ وَلَكِنّهُمْ يَحْسُدُونَك . قَالَ فَخَرَجَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا عِنْدَ
بَابِ مَسْجِدِهِ فِي بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ . ثُمّ كَفَرَ
بَعْدَ ذَلِكَ ابْنُ صُورِيَا ، وَجَحَدَ نُبُوّةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ . [ ص 425 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَنْزَلَ اللّهُ
تَعَالَى فِيهِمْ { يَا أَيّهَا الرّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ
فِي الْكُفْرِ مِنَ الّذِينَ قَالُوا آمَنّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ
قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الّذِينَ هَادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ
آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ } أَيْ الّذِينَ بَعَثُوا مِنْهُمْ مِنْ بَعَثُوا وَتَخَلّفُوا
، وَأَمَرُوهُمْ بِمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ تَحْرِيفِ الْحُكْمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ
. ثُمّ قَالَ { يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ
أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ } أَيْ الرّجْمُ فَاحْذَرُوا
إلَى آخِرِ الْقِصّةِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ
يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ
ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِرَجْمِهِمَا ، فَرُجِمَا بِبَابِ مَسْجِدِهِ فَلَمّا وَجَدَ الْيَهُودِيّ مَسّ
الْحِجَارَةِ قَامَ إلَى صَاحِبَتِهِ فَجَنَأَ عَلَيْهَا ، يَقِيهَا مَسّ الْحِجَارَةِ
حَتّى قُتِلَا جَمِيعًا . قَالَ وَكَانَ ذَلِكَ مِمّا صَنَعَ اللّهُ لِرَسُولِهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي تَحْقِيقِ الزّنَا مِنْهُمَا . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ
اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، لَمّا حَكّمُوا رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِمَا ، دَعَاهُمْ بِالتّوْرَاةِ
وَجَلَسَ حَبْرٌ مِنْهُمْ يَتْلُوهَا ، وَقَدْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى آيَةِ
الرّجْمِ قَالَ فَضَرَبَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَامٍ يَدَ الْحَبْرِ ثُمّ قَالَ
هَذِهِ يَا نَبِيّ اللّهِ آيَةُ الرّجْمِ يَأْبَى أَنْ يَتْلُوَهَا عَلَيْك ،
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيْحَكُمْ يَا
مَعْشَرَ يَهُودَ مَا دَعَاكُمْ إلَى تَرْكِ حُكْمِ اللّهِ وَهُوَ بِأَيْدِيكُمْ
؟ قَالَ فَقَالُوا : أَمَا وَاَللّهِ إنّهُ قَدْ كَانَ فِينَا يُعْمَلُ بِهِ
حَتّى زَنَى رَجُلٌ مِنّا بَعْدَ إحْصَانِهِ مِنْ بُيُوتِ الْمُلُوكِ وَأَهْلِ الشّرَفِ
فَمَنَعَهُ الْمَلِكُ مِنْ الرّجْمِ ثُمّ زَنَى رَجُلٌ بَعْدَهُ فَأَرَادَ أَنْ
يَرْجُمَهُ فَقَالُوا : لَا وَاَللّهِ حَتّى تَرْجُمَ فُلَانًا ، فَلَمّا
قَالُوا لَهُ ذَلِكَ اجْتَمَعُوا فَأَصْلَحُوا أَمْرَهُمْ عَلَى التّجْبِيَةِ
وَأَمَاتُوا ذِكْرَ الرّجْمِ وَالْعَمَلَ بِهِ . قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنَا أَوّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَ اللّهِ
وَكِتَابَهُ وَعَمِلَ بِهِ ثُمّ أَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا عِنْدَ بَابِ
مَسْجِدِهِ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ : فَكُنْت فِيمَنْ رَجَمَهُمَا
.Sذِكْرُ الْمَرْجُومَةِ مِنْ الْيَهُودِ
5.
فَصْلٌ وَذَكَرَ الْمَرْجُومَةَ مِنْ الْيَهُودِ ، وَأَنّ
صَاحِبَهَا الّذِي رُجِمَ مَعَهَا حَنَا عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ لِيَقِيَهَا
الْحِجَارَةَ . حَنَا بِالْحَاءِ تَقَيّدَ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْ
أَبِي الْوَلِيدِ وَكَذَلِكَ فِي الْمُوَطّأِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى ، فَجَعَلَ
يَحْنَى عَلَيْهَا ، وَفِي الرّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ جَنَأَ
بِالْجِيمِ وَالْهَمْزِ وَعَلَى هَذِهِ الرّوَايَةِ فَسّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ ،
وَالْجَنَاءُ الِانْحِنَاءُ قَالَ الشّاعِرُ عَوْفُ بْنُ مُحَلّمٍ
6.
وَبَدّلَتْنِي بِالشّطَاطِ الْجَنَا
7.
وَكُنْت كَالصّعْدَةِ تَحْتَ السّنَانِ
8.
وَفِي حُنُوّهِ عَلَيْهَا مِنْ الْفِقْهِ أَنّهُمَا لَمْ
يَكُونَا فِي حُفْرَتَيْنِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي
سُنّةٍ الرّجْمِ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَحِمَهُ اللّهُ أَنّهُ حَفَرَ لِشُرَاحَةَ
بِنْتِ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيّةِ حِينَ رَجَمَهَا . وَأَمّا الْأَحَادِيثُ
فَأَكْثَرُهَا عَلَى تَرْكِ الْحَفْرِ لِلْمَرْجُومِ وَاسْمُ هَذِهِ
الْمَرْجُومَةِ بُسْرَةُ فِيمَا ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ [ ص 424 ] أَنْزَلَ
اللّهُ { وَكَيْفَ يُحَكّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التّوْرَاةُ }
الْآيَةُ إلَى قَوْلِهِ { يَحْكُمُ بِهَا النّبِيّونَ
الّذِينَ أَسْلَمُوا } يَعْنِي مُحَمّدًا ، وَمَنْ حَكَمَ بِالرّجْمِ قَبْلَهُ لِأَنّهُ
حَكَمَ بِالرّجْمِ لِأُولَئِكَ الْيَهُودِ الّذِينَ تَحَاكَمُوا إلَيْهِ
والربانيون . يَعْنِي : عَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلَامٍ وَابْنَ صُورِيَا مِنْ
الْأَحْبَارِ بِمَا اُسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللّهِ لِأَنّهُمْ حَفِظُوا
أَنّ الرّجْمَ فِي التّوْرَاةِ ، لَكِنّهُمْ بَدّلُوا وَغَيّرُوا ، وَكَانُوا
عَلَيْهِ شُهَدَاءَ لِأَنّهُمْ شَهِدُوا بِذَلِكَ عَلَى الْيَهُودِ إلَى
قَوْلِهِ { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ } فَحَكَمَ بِالرّجْمِ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهَذَا يُبَيّنُ لَك أَنّ
الرّجْمَ فِي الْقُرْآنِ وَعَلَى هَذَا فَسّرَهُ مَالِكٌ فِيمَا بَلَغَنِي ،
وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ لِلرّجُلَيْنِ لَأَحْكُمَنّ بَيْنَكُمَا
بِكِتَابِ اللّهِ فَحَكَمَ بِالرّجْمِ كَمَا فِي الْكِتَابِ الْمُنَزّلِ عَلَى
مُوسَى ، وَعَلَى مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِمَا ، وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَى
الْحَدِيثِ أَقْوَالٌ غَيْرُ هَذَا ، وَالصّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا . [ ص 425 ]
ابْنُ هِشَامٍ فِي تَفْسِيرِ الْجَهْرَةِ بِقَوْلِ أَبِي الْأَخْزَرِ الْحِمّانِيّ
. وَاسْمُهُ قُتَيْبَةُ وَحِمّانُ هُوَ ابْنُ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ
مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ ، فَقَالَ يَجْهَرُ أَفْوَاهَ الْمِيَاهِ السّدُمِ
9.
[
ص 426 ] يُقَالُ مَاءٌ سِدَامٌ إذَا غَطّاهُ الرّمْلُ
وَجَمْعُهُ سُدّمٌ وَجَمْعُهُ عَلَى سَدُمٍ غَرِيبٌ وَيُقَالُ أَيْضًا سِدَامٌ
وَأَسْدَامٌ وَنَحْوٌ مِنْ قَوْلِهِ يَجْهَرُ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهَا فِي أَبِيهَا . وَاجْتَهَرَ لَهُمْ عَيْنَ الرّوَاءِ وَأَنْشَدَ فِي
تَفْسِيرِ الْقَوْمِ وَأَنّهُ الْبُرّ :
10. فَوْقَ شِيزَى
مِثْلَ الْجَوَابِي عَلَيْهَا
11. قِطَعٌ
كَالْوَذِيلِ فِي نِقْيِ فُوَمِ
12. [ ص 427 ]
أَسْوَدُ تُصْنَعُ مِنْهُ الْجِفَانُ [ مُفْرَدُهَا : جَفْنَةُ وَهِيَ
الْقَصْعَةُ وَالْجَوَابِي : جَمْعُ جَابِيَةٍ الْحَوْضُ يُجْبَى فِيهِ الْمَاءُ
لِلْإِبِلِ ] ، وَالْوَذِيلُ جَمْعُ وَذِيلَةٍ وَهِيَ السّبِيكَةُ مِنْ
الْفِضّةِ . قَالَ الشّاعِرُ
13. وَتُرِيك
وَجْهًا كَالْوَذْي
14. لة لَا
رَيّانَ مُمْتَلِئٌ وَلَا جَهْمٌ
15. عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ أَلْفَيْت أَمْرَك ، وَهُوَ
أَشَدّ انْفِضَاحًا مِنْ حَقّ الْكُهُولِ . كَذَلِكَ رَوَاهُ الْهَرَوِيّ
وَقَالَ ابْن قُتَيْبَةَ : الْكَهْدَلُ فَمَا زِلْت أَرُمّهُ بِوَذَائِلِهِ
وَأَصْلُهُ بِوَصَائِلِهِ حَتّى تَرَكْته عَلَى مِثْلِ فَلْكَةِ الْمَدْرِ .
حَقّ الْكُهُولِ بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ وَكَمَا قَالَهُ الْهَرَوِيّ قَالَهُ
أَبُو عُمَرَ الزّاهِدُ فِي كِتَابِ الْيَاقُوتِ كَمَا وَقَعَ فِي غَرِيبِ
الْحَدِيثِ لِلْقُتَبِيّ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللّهِ بْنُ الْقَزّازِ فِي
الْكِتَابِ الْكَبِيرِ قَالَ الْكَهْدَلُ الْعَنْكَبُوتُ وَقِيلَ فِي الْكُهُولِ
إنّهُ ثَدْيُ [ ص 429 ] وَقِيلَ فِي الْفُومِ إنّهُ الثّومُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ
قُتَيْبَةَ ، وَاحْتَجّ بِأَنّهُ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
: وَثُومِهَا ، وَلَا حُجّةَ فِي هَذَا لِمَا ذَكَرَهُ
أَبُو حَنِيفَةَ فِي النّبَاتِ أَنّ الثّومَ هُوَ الْبُرّ ، وَأَنّهُ يُقَالُ
بِالْفَاءِ وَبِالثّاءِ وَمِنْ الشّاهِدِ عَلَى الْفُومِ وَأَنّهُ الْبُرّ
قَوْلُ أَبِي أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ ، وَقِيلَ هُوَ لِأَبِي مِحْجَنٍ الثّقَفِيّ
قَدْ كُنْت أَغْنَى النّاسِ شَخْصًا وَاحِدًا سَكَنَ الْمَدِينَةَ عَنْ
زِرَاعَةِ فُومِ [ ص 430 ] قَالَ وَهُوَ الْغَوْثُ بْنُ هُبَيْرَةَ بْنِ
الصّلْتِ يُكَنّى أَبَا مَالِكٍ وَالْمَعْرُوفُ غِيَاثُ بْنُ الْغَوْثِ بْنِ
هُبَيْرَةَ بْنِ الصّلْتِ وَسُمّيَ الْأَخْطَلَ لِقَوْلِهِ لَعَمْرُك إنّنِي
وَابْنَيْ جُعَيْلٍ وَأُمّهِمَا لَاسْتَارٌ لَئِيمُ [ ص 431 ] قِيلَ إنّ كَعْبَ
بْنَ جُعَيْلٍ قَالَ لَهُ فِي خَبَرٍ جَرَى بَيْنَهُمَا ، وَالْأَخْطَلُ
يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ يُقَرْزِمُ أَيْ كَمَا يَبْتَدِي يَقُولُ قُبّحَ ذَاكَ
الْوَجْهُ غِبّ الْحُمّهِ فَقَالَ الْأَخْطَلُ وَلَمْ يَكُنْ وَفَعَلَ كَعْبُ
بْنُ جُعَيْلٍ أُمّهُ فَقَالَ جُعَيْلٌ إنّك لَأَخْطَلُ
16. ظُلْمُهُمْ
فِي الدّيَةِ
17. قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ
عَبّاسٍ : أَنّ الْآيَاتِ مِنْ الْمَائِدَةِ الّتِي قَالَ اللّهُ فِيهَا : {
فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ
يَضُرّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنّ
اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ } [ ص 426 ] بَنِي النّضِيرِ وَبَيْنَ بَنِي
قُرَيْظَةَ وَذَلِكَ أَنّ قَتْلَى بَنِي النّضِيرِ وَكَانَ لَهُمْ شَرَفٌ
يُؤَدّونَ الدّيَةَ كَامِلَةً وَأَنّ بَنِي قُرَيْظَةَ كَانُوا يُؤَدّونَ نِصْفَ
الدّيَةِ فَتَحَدّثُوا فِي ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَأَنْزَلَ اللّهُ ذَلِكَ فِيهِمْ فَحَمَلَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْحَقّ فِي ذَلِكَ فَجَعَلَ الدّيَةَ سَوَاءً . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ .
18. قَصْدُهُمْ
الْفِتْنَةَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
19. قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ، وَابْنُ صَلُوبَا ، وَعَبْدُ اللّهِ
بْنُ صُورِيَا ، وَشَأْسُ بْنُ قَيْسٍ ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ اذْهَبُوا بِنَا
إلَى مُحَمّدٍ ، لَعَلّنَا نَفْتِنُهُ عَنْ دِينِهِ فَإِنّمَا هُوَ بَشَرٌ
فَأْتُوهُ فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمّدُ إنّك قَدْ عَرَفْت أَنّا أَحْبَارُ
يَهُودَ وَأَشْرَافُهُمْ وَسَادَتُهُمْ وَأَنّا إنْ اتّبَعْنَاك اتّبَعَتْك
يَهُودُ وَلَمْ يُخَالِفُونَا ، وَأَنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَعْضِ قَوْمِنَا
خُصُومَةٌ أَفَنُحَاكِمُهُمْ إلَيْك فَتَقْضِي لَنَا عَلَيْهِمْ وَنُؤْمِنُ بِك
وَنُصَدّقُك ، فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ عَلَيْهِمْ . فَأَنْزَلَ اللّهُ
فِيهِمْ { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ وَلَا تَتّبِعْ
أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللّهُ
إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلّوْا فَاعْلَمْ أَنّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ
ذُنُوبِهِمْ وَإِنّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ
الْجَاهِلِيّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ
يُوقِنُونَ } .
20. جُحُودُهُمْ
نُبُوّةَ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ
21. قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَفَرٌ
مِنْهُمْ أَبُو يَاسِرٍ بْنُ أَخْطَبَ ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ ،
وَعَازِرُ بْنُ أَبِي عَازِرٍ وَخَالِدٌ وَزَيْدٌ وَإِزَارُ بْنُ أَبِي إزَارٍ
وَأَشْيَعُ فَسَأَلُوهُ عَمّنْ يُؤْمِنُ بِهِ مِنْ الرّسُلِ فَقَالَ رَسُولُ
اللّهِ نُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلَى
إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ
مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النّبِيّونَ مِنْ رَبّهِمْ لَا نُفَرّقُ بَيْنَ
أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فَلَمّا ذَكَرَ عِيسَى ابْنَ
مَرْيَمَ جَحَدُوا نُبُوّتَهُ وَقَالُوا : لَا نُؤْمِنُ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
وَلَا بِمَنْ آمَنَ بِهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ [ ص 427 ] { قُلْ
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنّا إِلّا أَنْ آمَنّا بِاللّهِ وَمَا
أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } .
22. ادّعَاؤُهُمْ
أَنّهُمْ عَلَى الْحَقّ
23. وَأَتَى
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَافِعُ بْنُ حَارِثَةَ ،
وَسَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ ، وَمَالِكُ بْنُ الصّيْفِ ، وَرَافِعُ بْنُ
حُرَيْمِلَةَ فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ أَلَسْت تَزْعُمُ أَنّك عَلَى مِلّةِ
إبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ وَتُؤْمِنُ بِمَا عِنْدَنَا مِنْ التّوْرَاةِ ،
وَتَشْهَدُ أَنّهَا مِنْ اللّهِ حَقّ ؟ قَالَ بَلَى ، وَلَكِنّكُمْ أَحْدَثْتُمْ
وَجَحَدْتُمْ مَا فِيهَا مِمّا أَخَذَ اللّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ الْمِيثَاقِ
فِيهَا ، وَكَتَمْتُمْ مِنْهَا مَا أُمِرْتُمْ أَنّ تُبَيّنُوهُ لِلنّاسِ
فَبَرِئْت مِنْ إحْدَاثِكُمْ قَالُوا : فَإِنّا نَأْخُذُ بِمَا فِي أَيْدِينَا ،
فَإِنّا عَلَى الْهُدَى وَالْحَقّ وَلَا نُؤْمِنُ بِك ، وَلَا نَتّبِعُك ،
فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتّى
تُقِيمُوا التّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ وَلَيَزِيدَنّ
كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا
تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }
24. إشْرَاكُهُمْ
بِاَللّهِ
25. قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّحّامُ
بْنُ زَيْدٍ ، وَقَرْدَمُ بْنُ كَعْبٍ ، وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو ، فَقَالُوا
لَهُ يَا مُحَمّدُ أَمَا تَعْلَمُ مَعَ اللّهِ إلَهًا غَيْرَهُ ؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُ لَا إلَهَ إلّا هُوَ بِذَلِكَ
بُعِثْت ، وَإِلَى ذَلِكَ أَدْعُو . فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ وَفِي قَوْلِهِمْ { قُلْ أَيّ
شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ
إِلَيّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنّكُمْ لَتَشْهَدُونَ
أَنّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنّمَا هُوَ إِلَهٌ
وَاحِدٌ وَإِنّنِي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ
يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ
فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }
26. نَهْيُهُ
تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُوَادّتِهِمْ
27. وَكَانَ
رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ وَسُوَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ قَدْ
أَظْهَرَا الْإِسْلَامَ وَنَافَقَا فَكَانَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
يُوَادّونَهُمَا . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمَا : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا
تَتّخِذُوا الّذِينَ اتّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتّقُوا اللّهَ
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [ ص 428 ] { وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنّا
وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا
كَانُوا يَكْتُمُونَ } .
28. سُؤَالُهُمْ
عَنْ قِيَامِ السّاعَةِ
29. وَقَالَ
جَبَلُ بْنُ أَبِي قُشَيْرٍ ، وَشَمْوِيلُ بْنُ زَيْدٍ ، لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا مُحَمّدُ أَخْبِرْنَا ، مَتَى تَقُومُ السّاعَةُ
إنْ كُنْت نَبِيّا كَمَا تَقُولُ ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمَا : {
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ
رَبّي لَا يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنّكَ حَفِيّ
عَنْهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللّهِ وَلَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
} [ الْأَعْرَافُ 187 ] .
30. تَفْسِيرُ
ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
31. قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : { أَيّانَ مُرْسَاهَا } مَتَى مُرْسَاهَا . قَالَ قَيْسُ بْنُ
الْحُدَادِيّةِ الْخُزَاعِيّ
32. فَجِئْت
وَمُخْفَى السّرّ بَيْنِي وَبَيْنَهَا
33. لِأَسْأَلَهَا
أَيّانَ مَنْ سَارَ رَاجِعُ ؟
34. وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَ { مُرْسَاهَا } مُنْتَهَاهَا ، وَجَمْعُهُ
مَرَاسٍ . قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ الْأَسَدِيّ وَالْمُصِيبِينَ بَابَ مَا
أَخْطَأَ النّا سُ وَمُرْسَى قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي
قَصِيدَةٍ لَهُ وَمُرْسَى السّفِينَةِ حَتّى تَنْتَهِيَ . وَحَفِيّ عَنْهَا -
عَلَى التّقْدِيمِ وَالتّأْخِيرِ - يَقُولُ يَسْأَلُونَك عَنْهَا كَأَنّك حَفِيّ بِهِمْ
فَتُخْبِرُهُمْ بِمَا لَا تُخْبِرُ بِهِ غَيْرَهُمْ . وَالْحَفِيّ : الْبَرّ
الْمُتَعَهّدُ . وَفِي كِتَابِ اللّهِ { إِنّهُ
كَانَ بِي حَفِيّا } [ مَرْيَمُ : 47 ] . وَجَمْعُهُ
أَحْفِيَاءُ . وَقَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
:
35. فَإِنْ
تَسْأَلِي عَنّي فَيَا رُبّ سَائِلٍ
36. حَفِيّ عَنْ
الْأَعْشَى بِهِ حَيْثُ أَصْعَدَا
37. وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَالْحَفِيّ أَيْضًا : الْمُسْتَحْفِي عَنْ
عِلْمِ الشّيْءِ الْمُبَالِغُ فِي طَلَبِهِ .
38. ادّعَاؤُهُمْ
أَنّ عُزَيْرًا ابْنُ اللّهِ
39. [ ص 429 ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
سَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ ، وَنُعْمَانُ بْنَ أَوْفَى أَبُو أَنَسٍ وَمَحْمُودُ
بْنُ دِحْيَةَ وَشَأْسُ بْنُ قَيْسٍ ، وَمَالِكُ بْنُ الصّيْفِ ، فَقَالُوا لَهُ
كَيْفَ نَتّبِعُك وَقَدْ تَرَكْت قِبْلَتنَا ، وَأَنْتَ لَا تَزْعُمُ أَنّ
عُزَيْرًا ابْنُ اللّهِ ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ مِنْ
قَوْلِهِمْ { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتِ النّصَارَى
الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ
الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ } [
التّوْبَةُ 30ْ ] إلَى آخِرِ الْقِصّةِ .
40. تَفْسِيرُ
ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
41. قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : { يُضَاهِئُونَ } أَيْ يُشَاكِلُ قَوْلُهُمْ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُوا
، نَحْوَ أَنْ تَحَدّثَ بِحَدِيثِ فَيُحَدّثُ آخَرُ بِمِثْلِهِ فَهُوَ يُضَاهِيك .
42. طَلَبُهُمْ
كِتَابًا مِنْ السّمَاءِ
43. قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَحْمُودُ
بْنُ سَيْحَانَ ، وَنُعْمَانُ بْنُ أَضَاءٍ وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو ،
وَعُزَيْرُ بْنُ أَبِي عُزَيْرٍ ، وَسَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ ، فَقَالُوا : أَحَقّ
يَا مُحَمّدُ أَنّ هَذَا الّذِي جِئْت بِهِ لَحَقّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ فَإِنّا
لَا نَرَاهُ مُتّسِقًا كَمَا تَتّسِقُ التّوْرَاةُ ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَا وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْرِفُونَ
أَنّهُ مِنْ عِنْدِ اللّهِ . تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ ، وَلَوْ
اجْتَمَعَتْ الْإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ مَا جَاءُوا
بِهِ فَقَالُوا عِنْدَ ذَلِكَ وَهُمْ جَمِيعٌ فِنْحَاصُ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ
صُورِيَا ، وَابْنُ صَلُوبَا ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي
الْحُقَيْقِ وَأَشْيَعُ وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ، وَشَمْوِيلُ بْنُ زَيْدٍ ،
وَجَبَلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُكَيْنَةَ : يَا مُحَمّدُ أَمَا يُعَلّمُك هَذَا
إنْسٌ وَلَا جِنّ ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَمَا وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّهُ مِنْ عِنْدِ اللّهِ
وَإِنّي لَرَسُولُ اللّهِ تَجِدُونَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي
التّوْرَاةِ ؛ فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ فَإِنّ اللّهَ يَصْنَعُ لِرَسُولِهِ
إذَا بَعَثَهُ مَا يَشَاءُ وَيَقْدِرُ مِنْهُ عَلَى مَا أَرَادَ فَأَنْزِلْ
عَلَيْنَا كِتَابًا مِنْ السّمَاءِ نَقْرَؤُهُ وَنَعْرِفُهُ وَإِلّا جِئْنَاك
بِمِثْلِ مَا تَأْتِي بِهِ . فَأَنْزَلَ
اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ . [ ص 430 ] قَالُوا : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ
الْإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا
يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [
الْإِسْرَاءُ 88 ] .
44. تَفْسِيرُ
ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
45. قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : الظّهِيرُ الْعَوْنُ . وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ : تَظَاهَرُوا
عَلَيْهِ أَيْ تَعَاوَنُوا عَلَيْهِ . قَالَ الشّاعِرُ
46. يَا سَمِيّ
النّبِيّ أَصْبَحْت لِلَدَيّ
47. ن قَوّامًا
وَلِلْإِمَامِ ظَهِيرًا
48. أَيْ عَوْنًا
؛ وَجَمْعُهُ ظُهَرَاءُ .
49. سُؤَالُهُمْ
لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ
50. قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَقَالَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ، وَأَبُو
رَافِعٍ وَأَشْيَعُ وَشَمْوِيلُ بْنُ زَيْدٍ ، لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ
حِينَ أَسْلَمَ : مَا تَكُونُ النّبُوّةُ فِي الْعَرَبِ وَلَكِنّ صَاحِبَك
مَلِكٌ . ثُمّ جَاءُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَأَلُوهُ
عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ فَقَصّ عَلَيْهِمْ مَا جَاءَهُ مِنْ اللّهِ تَعَالَى
فِيهِ مِمّا كَانَ قَصّ عَلَى قُرَيْشٍ ، وَهُمْ كَانُوا مِمّنْ أَمَرَ
قُرَيْشًا أَنْ يَسْأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عَنْهُ حِينَ بَعَثُوا إلَيْهِمْ النّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَعُقْبَةَ بْنَ
أَبِي مُعَيْطٍ .
51. تَهَجّمُهُمْ
عَلَى ذَاتِ اللّهِ وَغَضَبُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِذَلِكَ
52. قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَحُدّثْت عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنّهُ قَالَ أَتَى رَهْطٌ
مِنْ يَهُودَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا :
يَا مُحَمّدُ هَذَا اللّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ ، فَمَنْ خَلَقَ اللّهَ ؟ قَالَ
فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى انْتَقَعَ
لَوْنُهُ ثُمّ سَاوَرَهُمْ غَضَبًا لِرَبّهِ . قَالَ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السّلَامُ فَسَكّنَهُ فَقَالَ خَفّضْ عَلَيْك يَا مُحَمّدُ وَجَاءَهُ
مِنْ اللّهِ بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ { قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ اللّهُ
الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [
الْإِخْلَاصُ 1 - 4 ] . قَالَ فَلَمّا تَلَاهَا عَلَيْهِمْ قَالُوا : صِفْ لَنَا يَا
مُحَمّدُ كَيْفَ خَلْقُهُ ؟ كَيْفَ ذِرَاعُهُ ؟ كَيْفَ عَضُدُهُ ؟ فَغَضِبَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَشَدّ مِنْ غَضَبِهِ الْأَوّلِ وَسَاوَرَهُمْ
. فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لَهُ
أَوّلَ مَرّةٍ وَجَاءَهُ مِنْ اللّهِ تَعَالَى بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ .
يَقُولُ [ ص 431 ] { وَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا
قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسّماوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمّا يُشْرِكُونَ } [ الزّمَرُ 67 ] . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ مَوْلَى بَنِي تَيْمٍ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ سَمِعْت
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ يُوشِكُ النّاسُ أَنْ يَتَسَاءَلُوا
بَيْنَهُمْ حَتّى يَقُولَ قَائِلُهُمْ هَذَا اللّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فَمَنْ
خَلَقَ اللّهَ ؟ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَقُولُوا : { قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ
يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [ الْإِخْلَاصُ 1 - 4 ] . ثُمّ لِيَتْفُلْ
الرّجُلُ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا ، وَلْيَسْتَعِذْ بِاَللّهِ مِنْ الشّيْطَانِ
الرّجِيمِ .
53. تَفْسِيرُ
ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
54. قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : الصّمَدُ الّذِي يُصْمَدُ إلَيْهِ وَيُفْزَعُ إلَيْهِ قَالَتْ هِنْدُ
بِنْتُ مَعْبِدِ بْنِ نَضْلَةَ تَبْكِي عَمْرَو بْنَ مَسْعُودٍ وَخَالِدَ بْنَ
نَضْلَةَ عَمّيْهَا الْأَسَدِيّيْنِ وَهُمَا اللّذَانِ قَتَلَ النّعْمَانُ بْنُ
الْمُنْذِرِ اللّخْمِيّ ، وَبَنِيّ الْغَرِيّيْنِ اللّذَيْنِ بِالْكُوفَةِ
عَلَيْهِمَا :
55. أَلَا بَكَرَ
النّاعِي بِخَيْرَى بَنِي أَسَدْ
56. بِعَمْرِو
بْنِ مَسْعُودٍ وَبِالسّيّدِ الصّمَدْ .
57. بِسْمِ اللّهِ
الرّحْمَنِ الرّحِيمِ
58. ذِكْرُ
نَصَارَى نَجْرَانَ وَمَا أَنَزَلَ اللّهُ فِيهِمْ
59. مَعْنَى
الْعَاقِبِ وَالسّيّدِ وَالْأُسْقُفِ
60. قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ [ ص 3 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ نَصَارَى نَجْرَانَ ،
سِتّونَ رَاكِبًا ، فِيهِمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ فِي
الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ إلَيْهِمْ يَئُولُ أَمْرُهُمْ
الْعَاقِبُ أَمِيرُ الْقَوْمِ وَذُو رَأْيِهِمْ وَصَاحِبُ مَشُورَتِهِمْ
وَاَلّذِي لَا يُصْدَرُونَ إلّا عَنْ رَأْيِهِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَسِيحِ
وَالسّيّدُ لَهُمْ ثِمَالُهُمْ وَصَاحِبُ رَحْلِهِمْ وَمُجْتَمَعِهِمْ وَاسْمه :
الْأَيْهَمُ ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ ، أَحَدُ بَنِي بِكْرِ بْنِ
وَائِلٍ ، أُسْقُفّهُمْ وَحَبْرُهُمْ إمَامُهُمْ وَصَاحِبُ مِدْرَاسِهِمْ .
61. مَنْزِلَةُ
أَبِي حَارِثَةَ عِنْدَ مُلُوكِ الرّومِ
62. وَكَانَ أَبُو
حَارِثَةَ قَدْ شَرُفَ فِيهِمْ وَدَرَسَ كُتُبَهُمْ حَتّى حَسُنَ عِلْمُهُ فِي
دِينِهِمْ فَكَانَتْ مُلُوكُ الرّوم ِ مِنْ النّصْرَانِيّةِ قَدْ شَرّفُوهُ
وَمَوّلُوهُ وَأَخْدَمُوهُ وَبَنَوْا لَهُ الْكَنَائِسَ وَبَسَطُوا عَلَيْهِ
الْكَرَامَاتِ لِمَا يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عِلْمِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي
دِينِهِمْ .
63. السّبَبُ فِي
إسْلَامِ كُرْزِ بْنِ عَلْقَمَةَ
64. فَلَمّا [ ص 4
] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ نَجْرَانَ ، جَلَسَ أَبُو حَارِثَةَ
عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ مُوَجّهًا ، وَإِلَى جَنْبِهِ أَخٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ كُوزُ
بْنُ عَلْقَمَةَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ كُرْزٌ - فَعَثَرَتْ
بَغْلَةُ أَبِي حَارِثَةَ فَقَالَ كُوزٌ تَعِسَ الْأَبْعَدُ ، يُرِيدُ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ لَهُ أَبُو حَارِثَةَ بَلْ
أَنْتَ تَعَسْت فَقَالَ وَلِمَ يَا أَخِي ؟ قَالَ وَاَللّهِ إنّهُ للنّبِيّ الّذِي
كُنّا نَنْتَظِرُ فَقَالَ لَهُ كُوزٌ مَا يَمْنَعُك مِنْهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ هَذَا
؟ قَالَ مَا صَنَعَ بِنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ شَرّفُونَا وَمَوّلُونَا
وَأَكْرَمُونَا ، وَقَدْ أَبَوْا إلّا خِلَافَةً فَلَوْ فَعَلْت نَزَعُوا مِنّا
كُلّ مَا تَرَى . فَأَضْمَرَ عَلَيْهَا مِنْهُ أَخُوهُ كُوزُ بْنُ عَلْقَمَةَ ،
حَتّى أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ . فَهُوَ كَانَ يُحَدّثُ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ
فِيمَا بَلَغَنِي .
65. رُؤَسَاءُ
نَجْرَانَ وَإِسْلَامُ ابْنِ رَئِيسٍ مِنْهُمْ
66. قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَبَلَغَنِي أَنّ رُؤَسَاءَ نَجْرَانَ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ كُتُبًا
عِنْدَهُمْ . فَكُلّمَا مَاتَ رَئِيسٌ مِنْهُمْ فَأَفْضَتْ الرّيَاسَةُ إلَى
غَيْرِهِ خَتَمَ عَلَى تِلْكَ الْكُتُبِ خَاتَمًا مَعَ الْخَوَاتِمِ الّتِي
كَانَتْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَكْسِرْهَا ، فَخَرَجَ الرّئِيسُ الّذِي كَانَ عَلَى
عَهْدِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَمْشِي ، فَعَثَرَ فَقَالَ
لَهُ ابْنُهُ تَعِسَ الْأَبْعَدُ يُرِيدُ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ لَا تَفْعَلْ فَإِنّهُ نَبِيّ ، وَاسْمُهُ فِي
الْوَضَائِعِ يَعْنِي الْكُتُبَ فَلَمّا مَاتَ لَمْ تَكُنْ لِابْنِهِ هِمّةٌ
إلّا أَنْ شَدّ فَكَسَرَ الْخَوَاتِمَ فَوَجَدَ فِيهَا ذِكْرَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَحَجّ وَهُوَ الّذِي
يَقُولُ
67. إلَيْك
تَعْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا ... مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا
68. مُخَالِفًا
دِينَ النّصَارَى دِينُهَا
69. قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : الْوَضِينُ الْحِزَامُ حِزَامُ النّاقَةِ . وَقَالَ هِشَامُ بْنُ
عُرْوَةَ : وَزَادَ فِيهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ : مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا
جَنِينُهَا
70. فَأَمّا أَبُو
عُبَيْدَةَ فَأَنْشَدْنَاهُ فِيهِ .
71. صَلَاةُ
النّصَارَى إلَى الْمَشْرِقِ
72. قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ [ ص 5 ] مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ لَمّا
قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الْمَدِينَةَ
، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ مَسْجِدَهُ حِينَ صَلّى الْعَصْرَ عَلَيْهِمْ ثِيَابُ
الْحِبَرَاتِ جُبَبٌ وَأَرْدِيَةٌ فِي جَمَالِ رِجَالِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ
كَعْبٍ . قَالَ يَقُولُ بَعْضُ مَنْ رَآهُمْ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ مَا رَأَيْنَا وَفْدًا مِثْلَهُمْ وَقَدْ
حَانَتْ صَلَاتُهُمْ فَقَامُوا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يُصَلّونَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - دَعُوهُمْ فَصَلّوْا إلَى
الْمَشْرِقِ .Sذِكْرُ نَصَارَى نَجْرَانَ وَمَا أَنَزَلَ
اللّهُ فِيهِمْ
73. قَدْ تَقَدّمَ
أَنّ نَجْرَانَ عُرِفَتْ بِنَجْرَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ يُشْجَبَ بْنِ يَعْرُبُ
بْنِ قَحْطَانَ وَأَمّا أَهْلُهَا فَهُمْ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ مِنْ
مَذْحِجَ .
74. أَسَمَاءُ
وَفْدِ نَجْرَانَ وَمُعْتَقِدُهُمْ وَمُجَادَلَتُهُمْ الرّسُولَ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ
75. قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : فَكَانَتْ تَسْمِيَةُ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ الّذِينَ يَئُولُ
إلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ الْعَاقِبُ وَهُوَ عَبْدُ الْمَسِيحِ وَالسّيّدُ وَهُوَ
الْأَيْهَمُ ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ أَخُو بَنِي بَكْرِ بْنِ
وَائِلٍ ، وَأَوْسٌ وَالْحَارِثُ وَزَيْدٌ وَقَيْسٌ ، وَيَزِيدُ وَنُبَيّهٌ
وَخُوَيْلِدٌ وَعَمْرٌو ، وَخَالِدٌ وَعَبْدُ اللّهِ وَيُحَنّسُ فِي سِتّينَ
رَاكِبًا ، فَكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
مِنْهُمْ أَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ ، وَالْعَاقِبُ عَبْدُ الْمَسِيحِ
وَالْأَيْهَمُ السّيّدُ - وَهُمْ مِنْ النّصْرَانِيّةِ عَلَى دِينِ الْمَلِكِ
مَعَ اخْتِلَافٍ مِنْ أَمْرِهِمْ يَقُولُونَ هُوَ اللّهُ وَيَقُولُونَ هُوَ وَلَدُ
اللّهِ وَيَقُولُونَ هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ . وَكَذَلِكَ قَوْلُ النّصْرَانِيّةِ
. فَهُمْ يَحْتَجّونَ فِي قَوْلِهِمْ " هُوَ اللّهُ " بِأَنّهُ كَانَ يُحْيِي
الْمَوْتَى ، وَيُبْرِئُ الْأَسْقَامَ وَيُخْبِرُ بِالْغُيُوبِ وَيَخْلُقُ مِنْ
الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ ثُمّ يَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَائِرًا ، وَذَلِك
كُلّهُ بِأَمْرِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ
} وَيَحْتَجّونَ فِي قَوْلِهِمْ " إنّهُ وَلَدُ اللّهِ " بِأَنّهُمْ
يَقُولُونَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ يَعْلَمُ وَقَدْ تَكَلّمَ فِي الْمَهْدِ
وَهَذَا لَمْ يَصْنَعْهُ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ قَبْلَهُ . [ ص 6 ] كَانَ
وَاحِدًا مَا قَالَ إلّا فَعَلْت ، وَقَضَيْت ، وَأَمَرْت ، وَخَلَقْت ،
وَلَكِنّهُ هُوَ وَعِيسَى وَمَرْيَمُ . فَفِي كُلّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ
نَزَلَ الْقُرْآنُ - فَلَمّا كَلّمَهُ الْحَبْرَانِ ، قَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسْلِمَا ، قَالَا : قَدْ أَسْلَمْنَا ، قَالَ
إنّكُمَا لَمْ تُسْلِمَا ، فَأَسْلَمَا ، قَالَا : بَلَى ، قَدْ أَسْلَمْنَا قَبْلَك . قَالَ كَذَبْتُمَا ، يَمْنَعُكُمَا مِنْ
الْإِسْلَامِ دُعَاؤُكُمَا لِلّهِ وَلَدًا ، وَعِبَادَتُكُمَا الصّلِيبَ
وَأَكْلُكُمَا الْخِنْزِيرَ قَالَا : فَمَنْ أَبُوهُ يَا مُحَمّدُ ؟ فَصَمَتَ
عَنْهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَلَمْ يُجِبْهُمَاSتَأْوِيلُ كُنْ فَيَكُونُ
76. [ ص 4
] ذَكَرَ فِيهِ قَوْلَهُمْ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ أَبُوهُ يَا مُحَمّدُ يَعْنُونَ عِيسَى ، فَأَنْزَلَ
اللّهُ تَعَالَى : { إِنّ مَثَلَ
عِيسَى عِنْدَ اللّهِ } إلَى قَوْلِهِ { كُنْ فَيَكُونُ } وَفِيهَا نُكْتَةٌ فَإِنّ ظَاهِرَ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ خَلَقَهُ
مِنْ تُرَابٍ ثُمّ قَالَ لَهُ كُنْ فَكَانَ فَيَعْطِفُ بِلَفْظِ الْمَاضِي عَلَى
الْمَاضِي ، وَالْجَوَابُ أَنّ الْفَاءَ تُعْطِي التّعْقِيبَ وَالتّسْبِيبَ
فَلَوْ قَالَ فَكَانَ لَمْ تَدُلّ الْفَاءُ إلّا عَلَى التّسْبِيبِ وَأَنّ
الْقَوْلَ سَبَبٌ لِلْكَوْنِ فَلَمّا جَاءَ بِلَفْظِ الْحَالِ دَلّ مَعَ
التّسْبِيبِ عَلَى اسْتِعْقَابِ الْكَوْنِ لِلْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ مَهَلٍ وَأَنّ
[ ص 5 ] قَالَ لَهُ كُنْ فَإِذَا هُوَ كَائِنٌ وَاقْتَضَى لَفْظُ فِعْلَ
الْحَالِ كَوْنَهُ فِي الْحَالِ فَإِنْ قِيلَ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى : إنّ
آدَمَ مَكَثَ دَهْرًا طَوِيلًا ، وَهُوَ طِينٌ صَلْصَالٌ وَقَوْلُهُ لِلشّيْءِ
كُنْ فَيَكُونُ يَقْتَضِي التّعْقِيبَ وَقَدْ خَلَقَ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ
فِي سِتّةِ أَيّامٍ وَهِيَ سِتّةُ آلَافِ سَنَةٍ فَأَيْنَ قَوْلُهُ كُنْ
فَيَكُونُ مِنْ هَذَا ؟ [ ص 6 ] قَالَ
أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنّ قَوْلَ الْبَارِي
سُبْحَانَهُ كُنْ يَتَوَجّهُ إلَى الْمَخْلُوقِ مُطْلَقًا وَمُقَيّدًا ، فَإِذَا
كَانَ مُطْلَقًا كَانَ كَمَا أَرَادَ لِحِينِهِ وَإِذَا كَانَ مُقَيّدًا
بِصِفَةِ أَوْ بِزَمَانِ كَانَ كَمَا أَرَادَ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ الزّمَانِ
الّذِي تَقَيّدَ الْأَمْرُ بِهِ فَإِنْ قَالَ لَهُ كُنْ فِي أَلْفِ سَنَةٍ كَانَ
فِي أَلْفِ سَنَةٍ وَإِنْ قَالَ لَهُ كُنْ فِيمَا دُونَ اللّحْظَةِ كَانَ
كَذَلِكَ .
77. تَفْسِيرُ مَا
نَزَلَ مِنْ آلِ عِمْرَانَ فِي وَفْدِ نَجْرَانَ
78. فَأَنْزَلَ
اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَاخْتِلَافُ أَمْرِهِمْ كُلّهِ
صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ إلَى بِضْعٍ وَثَمَانِينَ آيَةً مِنْهَا ، فَقَالَ
جَلّ وَعَزّ { الم اللّهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ }
فَافْتَتَحَ السّورَةَ بِتَنْزِيهِ نَفْسِهِ عَمّا قَالُوا ، وَتَوْحِيدِهِ
إيّاهَا بِالْخَلْقِ وَالْأَمْرِ لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهِ رَدّا عَلَيْهِمْ مَا
ابْتَدَعُوا مِنْ الْكُفْرِ وَجَعَلُوا مَعَهُ مِنْ الْأَنْدَادِ وَاحْتِجَاجًا
بِقَوْلِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي صَاحِبِهِمْ لِيُعَرّفَهُمْ بِذَلِكَ ضَلَالَتَهُمْ
فَقَالَ { الم اللّهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ } لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ شَرِيكٌ
فِي أَمْرِهِ { الْحَيّ الْقَيّومُ } الْحَيّ الّذِي لَا يَمُوتُ وَقَدْ مَاتَ
عِيسَى وَصُلِبَ فِي قَوْلِهِمْ . وَالْقَيّومُ الْقَائِمُ عَلَى مَكَانِهِ مِنْ
سُلْطَانِهِ فِي خَلْقِهِ لَا يَزُولُ وَقَدْ زَالَ عِيسَى فِي قَوْلِهِمْ عَنْ مَكَانِهِ
الّذِي كَانَ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ { نَزّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ
بِالْحَقّ } أَيْ [ ص 7 ] { وَأَنْزَلَ التّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ }
التّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى ، وَالْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى ، كَمَا أَنَزَلَ
الْكُتُبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُ { وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ }
وَالْإِنْجِيلَ أَيْ الْفَصْلَ بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ فِيمَا اخْتَلَفَ
فِيهِ الْأَحْزَابُ مِنْ أَمْرِ عِيسَى وَغَيْرِهِ { إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ
اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } أَيْ إنّ
اللّهَ مُنْتَقِمٌ مِمّنْ كَفَرَ بِآيَاتِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهَا ،
وَمَعْرِفَتِهِ بِمَا جَاءَ مِنْهُ فِيهَا : { إِنّ اللّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ
شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السّمَاءِ } أَيْ قَدْ عَلِمَ مَا يُرِيدُونَ
وَمَا يَكِيدُونَ وَمَا يُضَاهُونَ بِقَوْلِهِمْ فِي عِيسَى ، إذْ جَعَلُوهُ
إلَهًا وَرَبّا ، وَعِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِهِ غَيْرُ ذَلِكَ غِرّةً بِاَللّهِ
وَكُفْرًا بِهِ . { هُوَ الّذِي
يُصَوّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ } أَيْ قَدْ كَانَ عِيسَى مِمّنْ
صُوّرَ فِي الْأَرْحَامِ لَا يَدْفَعُونَ ذَلِكَ وَلَا يُنْكِرُونَهُ كَمَا
صُوّرَ غَيْرُهُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ فَكَيْفَ يَكُونُ إلَهًا ، وَقَدْ كَانَ
بِذَلِكَ الْمَنْزِلِ ؟ ثُمّ قَالَ تَعَالَى إنْزَاهًا لِنَفْسِهِ وَتَوْحِيدًا
لَهَا مِمّا جَعَلُوا مَعَهُ { لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }
الْعَزِيزُ فِي انْتِصَارِهِ مِمّنْ كَفَرَ بِهِ إذَا شَاءَ الْحَكِيمُ فِي
حُجّتِهِ وَعُذْرِهِ إلَى عِبَادِهِ { هُوَ الّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ
مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنّ أُمّ الْكِتَابِ } فِيهِنّ حُجّةُ الرّبّ
وَعِصْمَةُ الْعِبَادِ وَدَفْعُ الْخُصُومِ وَالْبَاطِلِ لَيْسَ لَهُنّ
تَصْرِيفٌ وَلَا تَحْرِيفٌ عَمّا وُضِعْنَ عَلَيْهِ { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ
} لَهُنّ تَصْرِيفٌ وَتَأْوِيلٌ ابْتَلَى اللّهُ
فِيهِنّ الْعِبَادُ كَمَا ابْتَلَاهُمْ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ أَلّا
يُصْرَفْنَ إلَى الْبَاطِلِ وَلَا يُحَرّفْنَ عَنْ الْحَقّ . يَقُولُ عَزّ
وَجَلّ { فَأَمّا الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } أَيْ مَيْلٌ عَنْ الْهُدَى
{ فَيَتّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } أَيْ مَا
تَصَرّفَ مِنْهُ لِيُصَدّقُوا بِهِ مَا ابْتَدَعُوا وَأَحْدَثُوا ، لِتَكُونَ
لَهُمْ حُجّةً وَلَهُمْ عَلَى مَا قَالُوا شُبْهَةَ { ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ }
أَيْ اللّبْسَ { وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } ذَلِكَ عَلَى مَا رَكِبُوا [ ص 8
] { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ } أَيْ الّذِي بِهِ
أَرَادُوا مَا أَرَادُوا { إِلّا اللّهُ
وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلّ مِنْ عِنْدِ رَبّنَا
} فَكَيْفَ يَخْتَلِفُ وَهُوَ قَوْلٌ وَاحِدٌ مِنْ رَبّ وَاحِدٍ ؟ ثُمّ رَدّوا
تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ عَلَى مَا عَرَفُوا مِنْ تَأْوِيلِ الْمُحْكَمَةِ
الّتِي لَا تَأْوِيلَ لِأَحَدِ فِيهَا إلّا تَأْوِيلَ وَاحِدٍ وَاتّسَقَ
بِقَوْلِهِمْ الْكِتَابَ وَصَدّقَ بَعْضُهُ بَعْضًا ، فَنَفَذَتْ بِهِ الْحُجّةُ
وَظَهَرَ بِهِ الْعُذْرُ وَزَاحَ بِهِ الْبَاطِلُ وَدَمَغَ بِهِ الْكُفْرَ
يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى فِي مِثْلِ هَذَا : { وَمَا يَذّكّرُ } فِي مِثْلِ
هَذَا { إِلّا أُولُو الْأَلْبَابِ رَبّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ
هَدَيْتَنَا } أَيْ لَا تُمْلِ قُلُوبَنَا ، وَإِنْ مِلْنَا بِأَحْدَاثِنَا {
وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ } ثُمّ قَالَ {
شَهِدَ اللّهُ أَنّهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو
الْعِلْمِ } بِخِلَافِ مَا قَالُوا : { قَائِمًا بِالْقِسْطِ } أَيْ بِالْعَدْلِ
فِيمَا يُرِيدُ { لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ إِنّ الدّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلَامُ } أَيْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ
يَا مُحَمّدُ التّوْحِيدُ [ ص 9 ] { وَمَا
اخْتَلَفَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ
الْعِلْمُ } أَيْ الّذِي جَاءَك ، أَيْ أَنّ اللّهَ الْوَاحِدَ الّذِي لَيْسَ
لَهُ شَرِيكٌ . { بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنّ
اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ فَإِنْ حَاجّوكَ } أَيْ بِمَا يَأْتُونَ بِهِ مِنْ
الْبَاطِلِ مِنْ قَوْلِهِمْ خَلَقْنَا وَفَعَلْنَا وَأَمَرْنَا ، فَإِنّمَا هِيَ
شُبْهَةُ بَاطِلٍ قَدْ عَرَفُوا مَا فِيهَا مِنْ الْحَقّ { فَقُلْ أَسْلَمْتُ
وَجْهِيَ لِلّهِ } أَيْ وَحْدَهُ { وَمَنِ اتّبَعَنِ وَقُلْ لِلّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ وَالْأُمّيّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا
وَإِنْ تَوَلّوْا فَإِنّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ
} .
79. مَا نَزَلَ
مِنْ الْقُرْآنِ فِيمَا ابْتَدَعَتْهُ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى
80. ثُمّ جَمَعَ
أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ جَمِيعًا ، وَذَكَرَ مَا أَحْدَثُوا وَمَا ابْتَدَعُوا ،
مِنْ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى ، فَقَالَ { إِنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ
وَيَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ
بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ } إلَى قَوْلِهِ { قُلِ اللّهُمّ مَالِكَ الْمُلْكِ }
أَيْ رَبّ الْعِبَادِ وَالْمُلْكُ الّذِي لَا يَقْضِي فِيهِمْ غَيْرُهُ {
تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمّنْ تَشَاءُ وَتُعِزّ
مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ } أَيْ لَا إلَهَ
غَيْرُك { إِنّكَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى
هَذَا غَيْرُك بِسُلْطَانِك وَقُدْرَتِك { تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهَارِ
وَتُولِجُ النّهَارَ فِي اللّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَتُخْرِجُ
الْمَيّتَ مِنَ الْحَيّ } بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ { وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ
حِسَابٍ } لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُك ، وَلَا يَصْنَعُهُ إلّا أَنْتَ
أَيْ فَإِنْ كُنْت سَلّطْت عِيسَى عَلَى الْأَشْيَاءِ الّتِي بِهَا يَزْعُمُونَ
أَنّهُ إلَهٌ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوْتَى ، وَإِبْرَاءِ الْأَسْقَامِ وَالْخَلْقِ
لِلطّيْرِ مِنْ الطّينِ وَالْإِخْبَارِ عَنْ الْغُيُوبِ لِأَجْعَلَهُ بِهِ آيَةً
لِلنّاسِ وَتَصْدِيقًا لَهُ فِي نُبُوّتِهِ الّتِي بَعَثْته بِهَا إلَى قَوْمِهِ
فَإِنّ مِنْ سُلْطَانِي وَقُدْرَتِي مَا لَمْ أُعْطِهِ تَمْلِيكَ الْمُلُوكِ
بِأَمْنِ النّبُوّةِ وَوَضْعِهَا حَيْثُ شِئْت ، وَإِيلَاجُ اللّيْلِ فِي
النّهَارِ وَالنّهَارِ فِي اللّيْلِ وَإِخْرَاجُ الْحَيّ مِنْ الْمَيّتِ
وَإِخْرَاجُ الْمَيّتِ مِنْ الْحَيّ وَرِزْقُ مَنْ شِئْت مِنْ بَرّ أَوْ فَاجِرٍ
بِغَيْرِ حِسَابٍ فَكُلّ ذَلِكَ لَمْ أُسَلّطْ عِيسَى عَلَيْهِ وَلَمْ
أُمَلّكْهُ إيّاهُ أَفَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ عِبْرَةٌ وَبَيّنَةٌ أَنْ
لَوْ كَانَ إلَهًا كَانَ ذَلِكَ كُلّهُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي عِلْمِهِمْ يَهْرُبُ
مِنْ الْمُلُوكِ وَيَنْتَقِلُ مِنْهُمْ فِي الْبِلَادِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ
.
81. مَا نَزَلَ
مِنْ الْقُرْآنِ فِي وَعْظِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَحْذِيرِهِمْ
82. [ ص 10 ]
قَالَ { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ } أَيْ إنْ كَانَ هَذَا مِنْ
قَوْلِكُمْ حَقّا ، حُبّا لِلّهِ وَتَعْظِيمًا لَهُ { فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ }
أَيْ مَا مَضَى مِنْ كُفْرِكُمْ { وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ
وَالرّسُولَ } فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَهُ وَتَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ { فَإِنْ
تَوَلّوْا } أَيْ عَلَى كُفْرِكُمْ { فَإِنّ اللّهَ لَا يُحِبّ الْكَافِرِينَ
}Sتَأْوِيلُ آيَاتٍ مُحْكَمَاتٍ
83. فَصْلٌ وَذَكَرَ
صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، وَفَسّرَ مِنْهُ كَثِيرًا ، فَمِنْهُ قَوْلُهُ
سُبْحَانَهُ { مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ } وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ إلّا
تَأْوِيلًا وَاحِدًا ، وَهُوَ عِنْدِي مِنْ أَحَكَمْت الْفَرَسَ بِحَكَمَتِهِ
أَيْ مَنَعْته مِنْ الْعُدُولِ عَنْ طَرِيقِهِ كَمَا قَالَ حَسّانُ وَنُحْكِمُ
بِالْقَوَافِي مَنْ هَجَانَا
84. [ ص 7 ]
{ كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } هَذَا مِنْ
الْحِكْمَةِ وَمِنْ الْإِحْكَامِ الّذِي هُوَ الْإِتْقَانُ فَالْقُرْآنُ كُلّهُ
مُحْكَمٌ عَلَى هَذَا ، وَهُوَ كُلّهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُتَشَابِهٌ أَيْضًا
، لِأَنّ بَعْضَهُ يُشْبِهُ بَعْضًا فِي بَرَاعَةِ اللّفْظِ وَإِعْجَازِ
النّظْمِ وَجَزَالَةِ الْمَعْنَى ، وَبَدَائِعِ الْحِكْمَةِ فَكُلّهُ
مُتَشَابِهٌ وَكُلّهُ مُحْكَمٌ وَعَلَى الْمَعْنَى الْأَوّلِ { مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ
هُنّ أُمّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } فَأَهْلُ الزّيْغِ يَعْطِفُونَ
الْمُتَشَابِهَ عَلَى أَهْوَائِهِمْ وَيُجَادِلُونَ بِهِ عَنْ آرَائِهِمْ
وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَرُدّونَ الْمُتَشَابِهَ إلَى الْمُحْكَمِ
أَيْضًا بِقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى : { فَإِنْ
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ
} وَعِلْمًا بِأَنّ الْكُلّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ فَلَا
يُخَالِفُ بَعْضُهُ بَعْضًا . رَوَتْ عَائِشَةُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { فَأَمّا الّذِينَ فِي
قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ
تَأْوِيلِهِ } قَالَ إذَا رَأَيْتُمْ الّذِينَ يُجَادِلُون فِيهِ فَهُمْ
أُولَئِكَ فَاحْذَرُوهُمْ [ ص 8 ] { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللّهُ }
وَيَرَوْنَهُ تَمَامَ الْكَلَامِ وَيَحْتَجّونَ بِقِرَاءَةِ ابْنِ عَبّاسٍ
وَيَقُولُ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ
الْعَزِيزِ أَنّ الرّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ لَا يَعْلَمُونَ التّأْوِيلَ وَإِنْ
عَلِمُوا التّفْسِيرَ وَالتّأْوِيلَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ غَيْرَ التّفْسِيرِ إنّمَا
هُوَ عِنْدَهُمْ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ
} وَطَائِفَةٌ يَرَوْنَ أَنّ قَوْلَهُ { وَالرّاسِخُونَ } مَعْطُوفٌ عَلَى مَا
قَبْلَهُ وَأَنّهُمْ عَالِمُونَ بِالتّأْوِيلِ وَيَحْتَجّونَ بِمَا يَطُولُ
ذِكْرُهُ مِنْ أَثَرٍ وَنَظَرٍ وَاَلّذِي أَرْتَضِيهِ مِنْ ذَلِكَ مَذْهَبٌ
ثَالِثٌ وَهُوَ الّذِي قَالَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَمَعْنَاهُ
كُلّهُ أَنّ الْكَلَامَ قَدْ تَمّ فِي قَوْلِهِ { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ
إِلّا اللّهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ } مُبْتَدَأٌ لَكِنْ لَا نَقُولُ
إنّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ . كَمَا قَالَتْ الطّائِفَةُ الْأُولَى ،
وَلَكِنْ نَقُولُ إنّهُمْ يَعْلَمُونَهُ بِرَدّ الْمُتَشَابِهِ إلَى الْمُحْكَمِ
وبالاستدلال عَلَى الْخَفِيّ بِالْجَلِيّ وَعَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ
بِالْمُتّفَقِ عَلَيْهِ فَتَنْفُذُ بِذَلِكَ الْحُجّةُ وَيُزَاحُ الْبَاطِلُ
وَتَعْظُمُ دَرَجَةُ الْعَالِمِ عِنْدَ اللّهِ تَعَالَى ، لِأَنّهُ يَقُولُ
آمَنْت بِهِ كُلّ مِنْ عِنْدِ رَبّي فَكَيْفَ يَخْتَلِفُ ؟ وَلَمّا كَانَ
الْعِلْمَانِ مُخْتَلِفَيْنِ عِلْمُ اللّهِ وَعِلْمُ الرّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ
لَمْ يَجُزْ عَطْفُ { الرّاسِخُونَ
} عَلَى مَا قَبْلَهُ فَاَللّهُ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ الْعِلْمَ الْقَدِيمَ . [
ص 9 ] الْعِبَرِ ، فَهُمْ كَمَا قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { وَمَا يَذّكّرُ إِلّا
أُولُو الْأَلْبَابِ } وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ إسْحَاقَ فِي الْآيَةِ
.
85. احْتِجَاجُ
الْقِسّيسِينَ لِلتّثْلِيثِ
86. [ ص 10 ]
وَذَكَرَ احْتِجَاجَ الْأَحْبَارِ وَالْقِسّيسِينَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ
بِقَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ خَلَقْنَا وَأَمَرْنَا وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ وَقَالُوا :
هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ تَعَالَى اللّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ
وَهَذَا مِنْ الزّيْغِ بِالْمُتَشَابِهِ دُونَ رَدّهِ إلَى الْمُحْكَمِ نَحْوَ
قَوْلِهِ { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } و : { قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ } وَالْعَجَبُ مِنْ ضَعْفِ
عُقُولِهِمْ كَيْفَ احْتَجّوا عَلَى مُحَمّدٍ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمّدٍ
وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ لِأَنّ هَذَا اللّفْظَ الّذِي احْتَجّوا
بِهِ مَجَازٌ عَرَبِيّ ، وَلَيْسَ هُوَ لَفْظَ التّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ،
وَأَصْلُ هَذَا الْمَجَازِ فِي الْعَرَبِيّةِ أَنّ الْكِتَابَ إذَا صَدَرَ عَنْ
حَضْرَةِ مَلِكٍ كَانَتْ الْعِبَارَةُ فِيهِ عَنْ الْمَلِكِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ
دَلَالَةً عَلَى أَنّهُ كَلَامُ مَلِكٍ مَتْبُوعٍ عَلَى أَمْرِهِ وَقَوْلِهِ
فَلَمّا خَاطَبَهُمْ اللّهُ تَعَالَى بِهَذَا الْكِتَابِ الْعَزِيزِ أَنْزَلَهُ
عَلَى مَذَاهِبِهِمْ فِي الْكَلَامِ وَجَاءَ اللّفْظُ فِيهِ عَلَى أُسْلُوبِ
الْكَلَامِ الصّادِرِ عَنْ حَضْرَةِ الْمَلِكِ وَلَيْسَ هَذَا فِي غَيْرِ
اللّسَانِ الْعَرَبِيّ وَلَا يَتَطَرّقُ هَذَا الْمَجَازُ فِي حُكْمِ الْعَقْلِ
إلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ إنّمَا هُوَ فِي اللّفْظِ الْمُنَزّلِ وَلِذَلِكَ
نَجِدُهُ إذَا أَخْبَرَ عَنْ قَوْلٍ قَالَهُ لِنَبِيّ قَبْلَنَا ، أَوْ خَاطَبَ
بِهِ غَيْرَنَا نَحْوَ قَوْلِهِ { مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ
} وَلَمْ يَقُلْ خَلَقْنَا بِأَيْدِينَا ، كَمَا قَالَ مِمّا عَمِلَتْهُ
أَيْدِينَا ، وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ وَحْيِهِ لِمُوسَى : [ ص 11
] { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } وَلَمْ يَقُلْ كَمَا
قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } لِأَنّهُ أَخْبَرَ
عَنْ قَوْلٍ قَالَهُ لَمْ يُنْزِلْهُ بِهَذَا اللّسَانِ الْعَرَبِيّ وَلَمْ يَحْكِ
لَفْظًا أَنْزَلَهُ وَإِنّمَا أَخْبَرَ عَنْ الْمَعْنَى ، وَلَيْسَ الْمَجَازُ
فِي الْمَعْنَى ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِعَبْدِ أَنْ يَقُولَ رَبّ اغْفِرُوا
، وَلَا ارْحَمُونِي ، وَلَا عَلَيْكُمْ تَوَكّلْت ، وَلَا إلَيْكُمْ أَنَبْت ،
وَلَا قَالَهَا نَبِيّ قَطّ فِي مُنَاجَاتِهِ وَلَا نَبِيّ فِي دُعَائِهِ
لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُشْعِرَ
قَلْبَهُ التّوْحِيدَ حَتّى يُشَاكِلَ لَفْظُهُ عَقْدَهُ الثّانِي : مَا
قَدّمْنَاهُ مِنْ سَيْرِ هَذَا الْمَجَازِ وَأَنّ سَبَبَهُ صُدُورُ الْكَلَامِ
عَنْ حَضْرَةِ الْمَلِكِ مُوَافَقَةً لِلْعَرَبِ فِي هَذَا الْأُسْلُوبِ مِنْ
كَلَامِهَا ، وَاخْتِصَاصِهَا بِعَادَةِ مُلُوكِهَا وَأَشْرَافِهَا ، وَلَا
نَنْظُرُ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبِذَلِك رُوجِعُوا ،
يَعْنِي : بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَاحْتَجّ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ خَبَرًا عَمّنْ
حَضَرَهُ الْمَوْتُ مِنْ الْكُفّارِ إذْ يَقُولُ { رَبّ ارْجِعُونِ } فَيُقَالُ
لَهُ هَذَا خَبَرٌ عَمّنْ حَضَرَتْهُ الشّيَاطِينُ أَلَا [ ص 12 ] تَرَى قَبْلَهُ
{ وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَنْ يَحْضُرُونِ } فَلَمّا جَاءَ هَذَا حِكَايَةً عَمّنْ
حَضَرَتْهُ الشّيَاطِينُ وَحَضَرَتْهُ زَبَانِيَةُ الْعَذَابِ وَجَرَى عَلَى
لِسَانِهِ فِي الْمَوْتِ مَا كَانَ يَعْتَادُهُ فِي الْحَيَاةِ مِنْ رَدّ
الْأَمْرِ إلَى الْمَخْلُوقِينَ فَلِذَلِكَ خُلِطَ فَقَالَ رَبّ ثُمّ قَالَ
ارْجِعُونِ وَإِلّا فَأَنْتَ أَيّهَا الرّجُلُ الْمُجِيزُ لِهَذَا اللّفْظِ فِي
مُخَاطَبَةِ الرّبّ سُبْحَانَهُ هَلْ قُلْت قَطّ فِي دُعَائِك : ارْحَمُونِ يَا
رَبّ وَارْزُقُونِ ؟ بَلْ لَوْ سَمِعْت غَيْرَك يَقُولُهَا لَسَطَوْت بِهِ
وَأَمّا قَوْلُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا ،
أَوْ رَأَيْنَا كَذَا ، أَوْ نَرَى كَذَا ، فَإِنّمَا ذَلِكَ لِأَنّهُ قَوْلٌ
لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ وَلَوْ انْفَرَدَ بِهِ لَكَانَ بِدْعَةً وَلَمْ يَقْصِدْ
بِهِ تَعْظِيمًا لِنَفْسِهِ لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الدّينِ وَالدّعَةِ
.
87. احْتِجَاجُهُمْ
لِأُلُوهِيّةِ عِيسَى
88. وَأَمّا
احْتِجَاجُ الْقِسّيسِينَ بِأَنّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى ، وَيَخْلُقُ مِنْ
الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ فَيَنْفُخُ فِيهِ فَلَوْ تَفَكّرُوا لَأَبْصَرُوا
أَنّهَا حُجّةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنّ اللّهَ تَعَالَى خَصّهُ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ
بِمُعْجِزَاتِ تُبْطِلُ مَقَالَةَ مَنْ كَذّبَهُ وَتُبْطِلُ أَيْضًا مَقَالَةَ
مَنْ زَعَمَ أَنّهُ إلَهٌ أَوْ ابْنُ الْإِلَهَ وَاسْتَحَالَ عِنْدَهُ أَنْ
يَكُونَ مَخْلُوقًا مِنْ غَيْرِ أَبٍ فَكَانَ نَفَخَهُ فِي الطّينِ فَيَكُونُ
طَائِرًا حَيّا : تَنْبِيهًا لَهُمْ لَوْ عَقَلُوهُ عَلَى أَنّ مَثَلَهُ
كَمَثَلِ آدَمَ خُلِقَ مِنْ طِينٍ ثُمّ نَفَخَ فِيهِ الرّوحَ فَكَانَ بَشَرًا
حَيّا ، فَنَفَخَ الرّوحَ فِي الطّائِرِ [ ص 13 ] خَلَقَهُ عِيسَى مِنْ طِينٍ لَيْسَ
بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ الْكُلّ فَعَلَ اللّهُ وَكَذَلِكَ إحْيَاؤُهُ
لِلْمَوْتَى ، وَكَلَامُهُ فِي الْمَهْدِ كُلّ ذَلِكَ يَدُلّ عَلَى أَنّهُ
مَخْلُوقٌ مِنْ نَفْخَةِ رُوحِ الْقُدْسِ فِي جَيْبِ أُمّهِ وَلَمْ يُخْلَقْ
مِنْ مَنِيّ الرّجَالِ فَكَانَ مَعْنَى الرّوحِ فِيهِ - عَلَيْهِ السّلَامُ - أَقْوَى مِنْهُ فِي غَيْرِهِ فَكَانَتْ
مُعْجِزَاتُهُ رُوحَانِيّةً دَالّةً عَلَى قُوّةِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ رُوحِ الْحَيَاةِ وَمِنْ ذَلِكَ بَقَاؤُهُ حَيّا إلَى قُرْبِ السّاعَةِ
. وَرُوِيَ عَنْ أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ أَنّ الرّوحَ
الّذِي تَمَثّلَ لَهَا بَشَرًا هُوَ الرّوحُ الّذِي حَمَلَتْ بِهِ وَهُوَ عِيسَى
عَلَيْهِ السّلَامُ دَخَلَ مِنْ فِيهَا إلَى جَوْفِهَا . رَوَاهُ الْكَشِيّ بِإِسْنَادِ
حَسَنٍ يَرْفَعُهُ إلَى أُبَيّ وَخُصّ بِإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ
وَفِي تَخْصِيصِهِ بِإِبْرَاءِ هَاتَيْنِ الْآفَتَيْنِ مُشَاكَلَةٌ لِمَعْنَاهُ
- عَلَيْهِ السّلَامُ - وَذَلِكَ أَنّ فِرْقَةً عَمِيَتْ بَصَائِرُهُمْ
فَكَذّبُوا نُبُوّتَهُ وَهُمْ الْيَهُودُ وَطَائِفَةٌ غَلَوْا فِي تَعْظِيمِهِ
بَعْدَمَا ابْيَضّتْ قُلُوبُهُمْ بِالْإِيمَانِ ثُمّ أَفْسَدُوا إيمَانَهُمْ
بِالْغُلُوّ فَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الْأَبْرَصِ أَبْيَضَ بَيَاضًا فَاسِدًا ،
وَمَثَلُ الْآخَرِينَ مَثَلُ الْأَكْمَهِ الْأَعْمَى ، وَقَدْ أَعْطَاهُ اللّهُ
مِنْ الدّلَائِلِ عَلَى [ ص 14 ] وَتَنْفِي عَنْهُ الرّبُوبِيّةَ وَخَصَائِصُ
مُعْجِزَاتِهِ تَنْفِي عَنْ أُمّهِ الرّيبَةَ وَتُثْبِتُ لَهُ وَلَهَا
النّبُوّةَ وَالصّدّيقِيّةَ فَكَانَ فِي مَسِيحِ الْهُدَى مِنْ الْآيَاتِ مَا يُشَاكِلُ
حَالَهُ وَمَعْنَاهُ حِكْمَةٌ مِنْ اللّهِ كَمَا جَعَلَ فِي الصّورَةِ الطّاهِرَةِ
مِنْ مَسِيحِ الضّلَالَةِ وَهُوَ الْأَعْوَرُ الدّجّالُ مَا يُشَاكِلُ حَالَهُ
وَيُنَاسِبُ صُورَتَهُ الْبَاطِنَةَ عَلَى نَحْوِ مَا شَرَحْنَا وَبَيّنّا فِي
إمْلَاءٍ أَمْلَيْنَاهُ عَلَى هَذِهِ النّكْتَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ
وَالْحَمْدُ لِلّهِ .
89. مَا نَزَلَ
مِنْ الْقُرْآنِ فِي خَلْقِ عِيسَى
90. ثُمّ
اسْتَقْبَلَ لَهُمْ أَمْرَ عِيسَى : عَلَيْهِ السّلَامُ وَكَيْفَ كَانَ بَدْءُ
مَا أَرَادَ اللّهُ بِهِ فَقَالَ { إِنّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ
إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِنْ
بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ثُمّ ذَكَرَ أَمْرَ امْرَأَةِ عِمْرَانَ
وَقَوْلِهَا : { رَبّ إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرًا } أَيْ
نَذَرْته فَجَعَلْته عَتِيقًا ، تَعَبّدُهُ لِلّهِ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ لِشَيْءِ
مِنْ الدّنْيَا : { فَتَقَبّلْ مِنّي إِنّكَ أَنْتَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ
فَلَمّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبّ إِنّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ
بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذّكَرُ كَالْأُنْثَى } أَيْ لَيْسَ الذّكَرُ
كَالْأُنْثَى لِمَا جَعَلْتهَا مُحَرّرًا لَك نَذِيرَةً { وَإِنّي سَمّيْتُهَا
مَرْيَمَ وَإِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيّتَهَا مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ } يَقُولُ
اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَتَقَبّلَهَا رَبّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ
وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفّلَهَا زَكَرِيّا } بَعْدَ أَبِيهَا وَأُمّهَا
. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كَفّلَهَا : ضَمّهَا
91. آيَاتٌ عَنْ
زَكَرِيّا وَمَرْيَمَ
92. [ ص 11 ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَذَكَرَهَا بِالْيُتْمِ ثُمّ قَصّ خَبَرَهَا وَخَبَرَ
زَكَرِيّا ، وَمَا دَعَا بِهِ وَمَا أَعْطَاهُ إذْ وَهَبَ لَهُ يَحْيَى ثُمّ
ذَكَرَ مَرْيَمَ ، وَقَوْلَ الْمَلَائِكَةِ وَطَهّرَك وَاصْطَفَاك لَهَا { يَا
مَرْيَمُ إِنّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ
الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ
الرّاكِعِينَ } يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ
نُوحِيهِ إلَيْك وَمَا كُنْت لَدَيْهِمْ } أَيْ مَا كُنْت مَعَهُمْ { إِذْ
يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ }
93. تَفْسِيرُ
ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
94. قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : أَقْلَامَهُمْ سِهَامَهُمْ يَعْنِي قِدَاحَهُمْ الّتِي اسْتَهَمُوا
بِهَا عَلَيْهَا ، فَخَرَجَ قَدَحُ زَكَرِيّا فَضَمّهَا ، فِيمَا قَالَ
الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ .
95. دَعْوَى
كَفَالَةِ جُرَيْجٍ الرّاهِبِ لِمَرْيَمَ
96. قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : كَفّلَهَا هَاهُنَا جُرَيْجٌ الرّاهِبُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي
إسْرَائِيلَ نَجّارٌ خَرَجَ السّهْمُ عَلَيْهِ بِحَمْلِهَا ، فَحَمَلَهَا ،
وَكَانَ زَكَرِيّا قَدْ كَفّلَهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَأَصَابَتْ بَنِي إسْرَائِيلَ
أَزْمَةٌ شَدِيدَةٌ فَعَجَزَ زَكَرِيّا عَنْ حَمْلِهَا ، فَاسْتَهَمُوا
عَلَيْهَا أَيّهُمْ يَكْفُلُهَا ، فَخَرَجَ السّهْمُ عَلَى جُرَيْجٍ الرّاهِبِ
بِكُفُولِهَا فَكَفّلَهَا . { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }
أَيْ مَا كُنْت مَعَهُمْ إذْ يَخْتَصِمُونَ فِيهَا . يُخْبِرُهُ بِخَفِيّ مَا كَتَمُوا
مِنْهُ مِنْ الْعِلْمِ عِنْدَهُمْ لِتَحْقِيقِ نُبُوّتِهِ وَالْحُجّةِ
عَلَيْهِمْ بِمَا يَأْتِيهِمْ بِهِ مِمّا أَخْفَوْا مِنْهُ . [ ص 12 ] قَالَ {
إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنّ اللّهَ يُبَشّرُكِ بِكَلِمَةٍ
مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ } أَيْ هَكَذَا كَانَ أَمْرُهُ
لَا كَمَا تَقُولُونَ فِيهِ { وَجِيهًا فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ } أَيْ
عِنْدَ اللّهِ { وَمِنَ الْمُقَرّبِينَ وَيُكَلّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا
وَمِنَ الصّالِحِينَ } يُخْبِرُهُمْ بِحَالَاتِهِ الّتِي يَتَقَلّبُ فِيهَا فِي
عُمْرَهُ كَتَقَلّبِ بَنِي آدَمَ فِي أَعْمَارِهِمْ صِغَارًا وَكِبَارًا ، إلّا
أَنّ اللّهَ خَصّهُ بِالْكَلَامِ فِي مَهْدِهِ آيَةً لِنُبُوّتِهِ وَتَعْرِيفًا
لِلْعِبَادِ بِمَوَاقِعِ قُدْرَتِهِ . { قَالَتْ
رَبّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ
يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } أَيْ يَصْنَعُ مَا أَرَادَ وَيَخْلُقُ مَا يَشَاءُ مِنْ
بَشَرٍ أَوْ غَيْرِ بَشَرٍ { إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ }
مِمّا يَشَاءُ وَكَيْفَ يَشَاءُ { فَيَكُونُ }
كَمَا أَرَادَ .
97. مَا نَزَلَ
مِنْ الْقُرْآنِ فِي بَيَانِ آيَاتِ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ
98. ثُمّ
أَخْبَرَهَا بِمَا يُرِيدُ بِهِ فَقَالَ { وَيُعَلّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَالتّوْرَاةَ } الّتِي كَانَتْ فِيهِمْ مِنْ عَهْدِ مُوسَى قَبْلَهُ {
وَالْإِنْجِيلَ } كِتَابًا آخَرَ أَحْدَثَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ إلَيْهِ لَمْ
يَكُنْ عِنْدَهُمْ إلّا ذِكْرُهُ أَنّهُ كَائِنٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَهُ
وَرَسُولًا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةِ مِنْ رَبّكُمْ
أَيْ يُحَقّقُ بِهَا نُبُوّتِي ، أَنّي رَسُولٌ مَعَهُ إلَيْكُمْ { أَنّي
أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ
طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ } الّذِي بَعَثَنِي إلَيْكُمْ وَهُوَ رَبّي وَرَبّكُمْ
{ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ }
99. تَفْسِيرُ
ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
100.
[
ص 13 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَكْمَهُ الّذِي يُولَدُ
أَعْمَى . قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ :
هَرّجْت فَارْتَدّ ارْتِدَادَ الْأَكْمَهِ
101.
وَجَمْعُهُ كُمْهٌ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَرّجْت : صِحْت
بِالْأَسَدِ وَجَلَبْت عَلَيْهِ . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ . {
وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا
تَدّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ } إنّي رَسُولُ
اللّهِ مِنْ اللّهِ إلَيْكُمْ { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمُصَدّقًا لِمَا
بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ } أَيْ لَمَا سَبَقَنِي عَنْهَا { وَلِأُحِلّ
لَكُمْ بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ } أَيْ أُخْبِرُكُمْ بِهِ أَنّهُ كَانَ
عَلَيْكُمْ حَرَامًا فَتَرَكْتُمُوهُ ثُمّ أُحِلّهُ لَكُمْ تَخْفِيفًا عَنْكُمْ
فَتُصِيبُونَ يُسْرَهُ وَتُخْرِجُوهُ مِنْ تِبَاعَاتِهِ { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ
مِنْ رَبّكُمْ فَاتّقُوا اللّهَ وَأَطِيعُونِ إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ
} أَيْ تَبَرّيًا مِنْ الّذِينَ يَقُولُونَ فِيهِ
وَاحْتِجَاجًا لِرَبّهِ عَلَيْهِمْ { فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ }
أَيْ هَذَا الّذِي قَدْ حَمَلَتْكُمْ عَلَيْهِ وَجِئْتُكُمْ بِهِ { فَلَمّا
أَحَسّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ } وَالْعُدْوَانَ عَلَيْهِ { قَالَ مَنْ
أَنْصَارِي إلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللّهِ آمَنّا بِاَللّهِ
} هَذَا قَوْلُهُمْ الّذِي أَصَابُوا بِهِ الْفَضْلَ مِنْ رَبّهِمْ { وَاشْهَدْ
بِأَنّا مُسْلِمُونَ } لَا مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يُحَاجّونَك {
رَبّنَا آمَنّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتّبَعْنَا الرّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ
الشّاهِدِينَ } أَيْ هَكَذَا كَانَ قَوْلُهُمْ وَإِيمَانُهُمْ . [ ص 14 ] [ ص 15
]Sوَضَعْتهَا أُنْثَى
102.
[
ص 15 ] وَذَكَرَ فِي
تَفْسِيرِ مَا نَزَلَ فِيهِمْ قَوْلَ حَنّةَ أُمّ مَرْيَمَ ، وَهِيَ بِنْتُ
مَاثَانَ { رَبّ إنّي وَضَعْتهَا أُنْثَى } قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التّأْوِيلِ
أَشَارَتْ إلَى مَعْنَى الْحَيْضِ أَنّ الْأُنْثَى تَحِيضُ فَلَا تَخْدُمُ
الْمَسْجِدَ وَلِذَلِكَ قَالَ { وَلَيْسَ الذّكَرُ كَالْأُنْثَى } لِأَنّ
الذّكَرَ لَا يَحِيضُ فَهُوَ أَبَدًا فِي خِدْمَةِ الْمَسْجِدِ وَهَذِهِ
إشَارَةٌ حَسَنَةٌ . فَإِنْ قِيلَ كَانَ الْقِيَاسُ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ
وَلَيْسَ الْأُنْثَى كَالذّكَرِ لِأَنّهَا دُونَهُ فَمَا بَالُهُ بَدَأَ
بِالذّكْرِ ؟ وَالْجَوَابُ أَنّ الْأُنْثَى إنّمَا هِيَ دُونَ الذّكَرِ فِي
نَظَرِ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ لِأَنّهُ يَهْوَى ذُكْرَانَ الْبَنِينَ وَهُمْ مَعَ
الْأَمْوَالِ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَأَقْرَبُ إلَى فِتْنَةِ الْعَبْدِ
وَنَظَرُ الرّبّ لِلْعَبْدِ خَيْرٌ مِنْ نَظَرِهِ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ الذّكَرُ
كَالْأُنْثَى عَلَى هَذَا ، بَلْ الْأُنْثَى أَفْضَلُ فِي الْمَوْهِبَةِ أَلَا
تَرَاهُ يَقُولُ سُبْحَانَهُ { يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا } فَبَدَأَ
بِذِكْرِهِنّ قَبْلَ الذّكُورِ [ ص 16 ] ابْدَءُوا بِالْإِنَاثِ يَعْنِي : فِي الرّحْمَةِ
وَإِدْخَالِ السّرُورِ عَلَى الْبَنِينَ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا : مَنْ عَالَ
جَارِيَتَيْنِ دَخَلْت أَنَا وَهُوَ الْجَنّةَ كَهَاتَيْنِ فَتَرَتّبَ
الْكَلَامُ فِي التّنْزِيلِ عَلَى حَسْبِ الْأَفْضَلِ فِي نَظَرِ اللّهِ
لِلْعَبْدِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ .
103.
رَفَعَ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ
104.
[
ص 16 ] ذَكَرَ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَفَعَهُ عِيسَى إلَيْهِ حِينَ اجْتَمَعُوا لِقَتْلِهِ
فَقَالَ { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } ثُمّ
أَخْبَرَهُمْ وَرَدّ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَقَرّوا لِلْيَهُودِ بِصَلْبِهِ كَيْفَ
رَفَعَهُ وَطَهّرَهُ مِنْهُمْ فَقَالَ { إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنّي مُتَوَفّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيّ وَمُطَهّرُكَ
مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الّذِينَ اتّبَعُوكَ فَوْقَ الّذِينَ كَفَرُوا
إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } ثُمّ الْقِصّةَ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ {
ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ } يَا مُحَمّدُ { مِنَ الْآيَاتِ وَالذّكْرِ الْحَكِيمِ
} الْقَاطِعِ الْفَاصِلِ الْحَقّ الّذِي لَا يُخَالِطُهُ الْبَاطِلُ مِنْ
الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى ، وَعَمّا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ فَلَا
تَقْبَلْنَ خَبَرًا غَيْرَهُ { إِنّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللّهِ } فَاسْتَمِعْ
{ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقّ
مِنْ رَبّكَ } أَيْ مَا جَاءَك مِنْ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى { فَلَا تَكُنْ مِنَ
الْمُمْتَرِينَ } أَيْ قَدْ
جَاءَك الْحَقّ مِنْ رَبّك فَلَا تَمْتَرِينَ فِيهِ وَإِنْ قَالُوا : خُلِقَ
عِيسَى مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ فَقَدْ خَلَقْت آدَمَ مِنْ تُرَابٍ بِتِلْكَ
الْقُدْرَةِ مِنْ غَيْرِ أُنْثَى وَلَا ذَكَرٍ فَكَانَ كَمَا كَانَ عِيسَى
لَحْمًا وَدَمًا ، وَشَعْرًا وَبَشَرًا ، فَلَيْسَ خَلْقُ عِيسَى مِنْ غَيْرِ
ذَكَرٍ بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا . فَمَنْ حَاجّك فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَك
مِنْ الْعِلْمِ أَيْ مِنْ بَعْدِ مَا قَصَصْت عَلَيْك مِنْ خَبَرِهِ وَكَيْفَ
كَانَ أَمْرُهُ { فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ
وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ
فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ }
105.
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
106.
[
ص 17 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ
نَبْتَهِلُ نَدْعُو بِاللّعْنَةِ قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
:
107.
لَا تَقْعُدَن وَقَدْ أَكّلْتهَا حَطَبًا ... نَعُوذُ مِنْ
شَرّهَا يَوْمًا وَنَبْتَهِلُ
108.
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . يَقُولُ نَدْعُو
بِاللّعْنَةِ . وَتَقُولُ الْعَرَبُ : بَهَلَ اللّهُ فُلَانًا ، أَيْ
لَعَنَهُ وَعَلَيْهِ بَهْلَةُ اللّهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَال : بَهْلَةُ
اللّهِ أَيْ لَعْنَةُ اللّهِ وَنَبْتَهِلُ أَيْضًا : نَجْتَهِدُ فِي الدّعَاءِ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : إنّ هَذَا الّذِي جِئْت بِهِ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى
{ لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقّ } مِنْ أَمْرِهِ { وَمَا
مِنْ إِلَهٍ إِلّا اللّهُ وَإِنّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فَإِنْ
تَوَلّوْا فَإِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا
إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلّا نَعْبُدَ إِلّا اللّهَ
وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ
دُونِ اللّهِ فَإِنْ تَوَلّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنّا مُسْلِمُونَ }
فَدَعَاهُمْ إلَى النّصْفِ وَقَطَعَ عَنْهُمْ الْحُجّةَ .
109.
إبَاؤُهُمْ الْمُلَاعَنَةَ
110.
فَلَمّا أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الْخَبَرُ مِنْ اللّهِ عَنْهُ وَالْفَضْلُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَهُ
وَبَيْنَهُمْ وَأَمَرَ بِمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ مُلَاعَنَتِهِمْ إنْ رَدّوا
ذَلِكَ عَلَيْهِ دَعَاهُمْ إلَى ذَلِكَ فَقَالُوا لَهُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ
دَعْنَا نَنْظُرُ فِي أَمْرِنَا ، ثُمّ نَأْتِيك بِمَا نُرِيدُ أَنْ نَفْعَلَ فِيمَا
دَعَوْتنَا إلَيْهِ فَانْصَرَفُوا عَنْهُ ثُمّ خَلَوْا بِالْعَاقِبِ وَكَانَ ذَا
رَأْيِهِمْ فَقَالُوا : يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ مَاذَا تَرَى ؟ فَقَالَ وَاَللّهِ
يَا مَعْشَرَ النّصَارَى لَقَدْ عَرَفْتُمْ إنّ مُحَمّدًا لَنَبِيّ مُرْسَلٌ
وَلَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْفَضْلِ مِنْ خَبَرِ صَاحِبِكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ
مَا لَاعَنَ قَوْمٌ نَبِيّا قَطّ فَبَقِيَ كَبِيرُهُمْ وَلَا نَبَتَ صَغِيرُهُمْ
وَأَنّهُ لِلِاسْتِئْصَالِ مِنْكُمْ إنْ فَعَلْتُمْ فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ
أَبَيْتُمْ إلّا إلْفَ دِينِكُمْ وَالْإِقَامَةَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ
مِنْ الْقَوْلِ فِي صَاحِبِكُمْ فَوَادِعُوا الرّجُلَ ثُمّ انْصَرِفُوا إلَى
بِلَادِكُمْ فَأَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا
: يَا أَبَا الْقَاسِمِ قَدْ رَأَيْنَا أَلّا نُلَاعِنَك ، وَأَنْ نَتْرُكَك عَلَى
دِينِك وَنَرْجِعَ عَلَى دِينِنَا ، وَلَكِنْ ابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا مِنْ
أَصْحَابِك تَرْضَاهُ لَنَا ، يَحْكُمُ بَيْنَنَا فِي أَشْيَاءَ اخْتَلَفْنَا
فِيهَا مِنْ أَمْوَالِنَا ، فَإِنّكُمْ عِنْدَنَا رِضًا .
111.
تَوْلِيَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ أُمُورَهُمْ
112.
[
ص 18 ] قَالَ مُحَمّدُ
بْنُ جَعْفَرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ائْتُونِي
الْعَشِيّةَ أَبْعَثْ مَعَكُمْ الْقَوِيّ الْأَمِينَ قَالَ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطّابِ يَقُولُ مَا أَحْبَبْت الْإِمَارَةَ قَطّ حُبّي إيّاهَا يَوْمَئِذٍ
رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ صَاحِبَهَا ، فَرُحْت إلَى الظّهْرِ مُهَجّرًا ، فَلَمّا
صَلّى بِنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الظّهْرَ سَلّمَ
ثُمّ نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ فَجَعَلْت أَتَطَاوَلُ لَهُ لِيَرَانِي
، فَلَمْ يَزَلْ يَلْتَمِسُ بِبَصَرِهِ حَتّى رَأَى أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ
الْجَرّاحِ فَدَعَاهُ فَقَالَ اُخْرُجْ مَعَهُمْ فَاقْضِ بَيْنَهُمْ بِالْحَقّ
فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ عُمَرُ فَذَهَبَ بِهَا أَبُو عُبَيْدَةَ
.Sالْمُبَاهَلَةُ
113.
فَصْلٌ
114.
وَذَكَرَ دُعَاءَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَهْلَ نَجْرَانَ
إلَى الْمُبَاهَلَةِ وَأَنّهُمْ رَضُوا بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ وَالصّغَارِ وَأَنْ
لَا يُلَاعِنُوهُ وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنّ بَعْضَهُمْ قَالَ لِبَعْضِ إنْ لَاعَنْتُمُوهُ
وَدَعَوْتُمْ بِاللّعْنَةِ عَلَى الْكَاذِبِ اضْطَرَمَ الْوَادِي عَلَيْكُمْ
نَارًا ، وَفِي تَفْسِيرِ الْكَشّيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ قَالَ لَقَدْ تَدَلّى إلَيْهِمْ الْعَذَابُ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَوْ بَاهَلُونِي لَاسْتُؤْصِلُوا مِنْ عَلَى جَدِيدِ الْأَرْضِ نُكْتَةٌ فِي
قَوْلِهِ { نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ }
بَدَأَ بِالْأَبْنَاءِ وَالنّسَاءِ قَبْلَ الْأَنْفُسِ وَالْجَوَابُ أَنّ أَهْلَ
التّفْسِيرِ قَالُوا أَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ أَيْ لِيَدْعُ بَعْضُنَا
بَعْضًا ، وَهَذَا نَحْوَ [ ص 17 ] { فَسَلّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ } فِي
أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَيْ يُسَلّمُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فَبَدَأَ بِذِكْرِ الْأَوْلَادِ
الّذِينَ هُمْ فَلَذُ الْأَكْبَادِ ثُمّ بِالنّسَاءِ الّتِي جَعَلَ بَيْنَنَا
وَبَيْنَهُمْ مَوَدّةً وَرَحْمَةً ثُمّ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ دُعَاءِ
بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، لِأَنّ الْإِنْسَانَ لَا يَدْعُو نَفْسَهُ وَانْتَظَمَ
الْكَلَامَ عَلَى الْأُسْلُوبِ الْمُعْتَادِ فِي إعْجَازِ الْقُرْآنِ وَفِي
حَدِيثِ أَهْلِ نَجْرَانَ زِيَادَةٌ كَثِيرَةٌ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ مِنْ غَيْرِ
رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ ، [ ص 18 ] نَجْرَانَ حِينَ رَجَعَ الْوَفْدُ وَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ
رَحَلَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَمِعَ مَعَهُ وَأَهْدَى
إلَيْهِ الْقَضِيبَ وَالْقَعْبَ وَالْبُرْدَ الّذِي هُوَ الْآنَ عِنْدَ خُلَفَاءِ
بَنِي الْعَبّاسِ يَتَوَارَثُونَهُ .
115.
نُبَذٌ مِنْ ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ
116.
ابْنُ أُبَيّ وَابْنُ صَيْفِيّ
117.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ - كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ
بْنِ قَتَادَةَ - وَسَيّدُ أَهْلِهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ الْعَوْفِيّ
ثُمّ أَحَدُ بَنِي الْحُبْلَى ، لَا يَخْتَلِفُ عَلِيّ فِي شَرَفِهِ اثْنَانِ
لَمْ تَجْتَمِعْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ عَلَى رَجُلٍ
مِنْ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ غَيْرِهِ وَمَعَهُ فِي
الْأَوْسِ رَجُلٌ هُوَ فِي قَوْمِهِ مِنْ الْأَوْسِ شَرِيفٌ مُطَاعٌ أَبُو
عَامِرٍ عَبْدُ عَمْرِو بْنِ صَيْفِيّ بْنِ النّعْمَانِ أَحَدُ بَنِي ضُبَيْعَةَ
بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ أَبُو حَنْظَلَةَ ، الْغَسِيلُ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَكَانَ قَدْ
تَرَهّبَ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَلَبِسَ الْمُسُوحَ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ
الرّاهِبُ . فَشَقِيَا بِشَرَفِهِمَا وَضَرّهُمَا .
118.
إسْلَامُ ابْنِ أُبَيّ [ نِفَاقًا ]
119.
[
ص 20 ] عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ فَكَانَ قَوْمُهُ
قَدْ نَظَمُوا لَهُ الْخَرَزَ لِيُتَوّجُوهُ ثُمّ يُمَلّكُوهُ عَلَيْهِمْ
فَجَاءَهُمْ اللّهُ تَعَالَى بِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ
عَلَى ذَلِكَ . فَلَمّا انْصَرَفَ قَوْمُهُ عَنْهُ
إلَى الْإِسْلَامِ ضَغِنَ وَرَأَى أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ قَدْ اسْتَلَبَهُ مُلْكًا . فَلَمّا رَأَى
قَوْمَهُ قَدْ أَبَوْا إلّا الْإِسْلَامَ دَخَلَ فِيهِ كَارِهًا مُصِرّا عَلَى
نِفَاقٍ وَضِغْنٍ .
120.
إصْرَارُ ابْنِ صَيْفِيّ عَلَى كُفْرِهِ
121.
[
ص 21 ] فَأَبَى إلّا الْكُفْرَ وَالْفِرَاقَ
لِقَوْمِهِ حِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى الْإِسْلَامِ فَخَرَجَ مِنْهُمْ إلَى مَكّةَ
بِبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مُفَارِقًا لِلْإِسْلَامِ وَلِرَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ
أَبِي أُمَامَةَ عَنْ بَعْضِ آلِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ : لَا تَقُولُوا
الرّاهِبَ وَلَكِنْ قُولُوا : الْفَاسِقَ
122.
مَا نَالَ ابْنَ صَيْفِيّ جَزَاءَ تَعْرِيضِهِ بِالرّسُولِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
123.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ أَبِي الْحَكِيمِ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ وَسَمِعَ وَكَانَ رَاوِيَةً
أَنّ أَبَا عَامِرٍ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ
قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكّةَ ، فَقَالَ مَا هَذَا الدّينُ
الّذِي جِئْت بِهِ ؟ فَقَالَ جِئْت بِالْحَنِيفِيّةِ دِينِ إبْرَاهِيمَ قَالَ
فَأَنَا عَلَيْهَا ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إنّك لَسْت عَلَيْهَا قَالَ بَلَى ، قَالَ إنّك أَدْخَلْت يَا مُحَمّدُ
فِي الْحَنِيفِيّةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا ، قَالَ مَا فَعَلْت ، وَلَكِنّي جِئْت
بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيّةً ؟ قَالَ الْكَاذِبُ أَمَاتَهُ اللّهُ طَرِيدًا
غَرِيبًا وَحِيدًا - يُعَرّضُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَيْ أَنّك جِئْت بِهَا كَذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَجَلْ فَمَنْ كَذَبَ فَفَعَلَ اللّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِهِ فَكَانَ
هُوَ ذَلِكَ عَدُوّ اللّهِ خَرَجَ إلَى مَكّةَ ، فَلَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ خَرَجَ إلَى الطّائِفِ فَلَمّا
أَسْلَمَ أَهْلُ الطّائِفِ لَحِقَ بِالشّامِ فَمَاتَ بِهَا طَرِيدًا غَرِيبًا
وَحِيدَا
124.
الِاحْتِكَامُ إلَى قَيْصَرَ فِي مِيرَاثِهِ
125.
وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مَعَهُ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ بْنِ
عَوْفِ بْنِ الْأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كَلّابٍ وَكِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ
يالَيْل بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرِ الثّقَفِيّ ، فَلَمّا مَاتَ اخْتَصَمَا فِي مِيرَاثِهِ
إلَى قَيْصَرَ صَاحِبِ الرّومِ . فَقَالَ قَيْصَرُ يَرِثُ أَهْلُ الْمَدَرِ
أَهْلَ الْمَدَرِ وَيَرِثُ أَهْلُ الْوَبَرِ أَهْلَ الْوَبَرِ فَوَرِثَهُ
كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يالَيْل بِالْمَدَرِ دُونَ عَلْقَمَةَ .
126.
هِجَاءُ كَعْبٍ لِابْنِ صَيْفِيّ
127.
فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ لِأَبِي عَامِرٍ فِيمَا صَنَعَ
128.
مَعَاذَ اللّهِ مِنْ عَمَلٍ خَبِيثٍ ... كَسَعْيِك فِي
الْعَشِيرَةِ عَبْدِ عَمْرِو
129.
فَإِمّا قُلْت لِي شَرَفٌ وَنَخْلٌ ... فَقَدْ مَا بِعْت
إيمَانًا بِكُفْرِ
130.
[
ص 22 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيَرْوِي : فَإِمّا
قُلْت لِي شَرَفٌ وَمَالٌ
131.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَمّا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ
فَأَقَامَ عَلَى شَرَفِهِ فِي قَوْمِهِ مُتَرَدّدًا ، حَتّى غَلَبَهُ
الْإِسْلَامُ فَدَخَلَ فِيهِ كَارِهًا .Sسَلُولُ
132.
فَصْلٌ
133.
[
ص 19 ] وَذَكَرَ
قِصّةَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ وَسَلُولُ هِيَ أُمّ أُبَيّ
وَهِيَ خُزَاعِيّةٌ وَهُوَ أُبَيّ بْنُ مَالِكٍ مِنْ بَنِي الْحُبْلَى ، وَاسْمُ
الْحُبْلَى : سَالِمٌ وَالنّسَبُ إلَيْهِ حُبُلِيّ بِضَمّتَيْنِ كَرِهُوا أَنْ
يَقُولُوا : حُبْلَوِيّ أَوْ حُبُلِيّ أَوْ حُبْلَاوِيّ عَلَى قِيَاسِ النّسَبِ
لِأَنّ حُبْلَى وَسَكْرَى وَنَحْوَهُمَا إذَا كَانَا اسْمًا لِرَجُلِ لَمْ
يَجْرِ فِي الْجَمْعِ عَلَى حُكْمِ التّأْنِيثِ وَكَذَلِكَ فَعْلَاءُ بِالْمَدّ
تَقُولُ فِي جَمْعِ رَجُلٍ اسْمُهُ سَلْمَى أَوْ وَرْقَاءُ الْوَرْقَاوُونَ وَالسّلَمُونَ
وَهَذَا بِخِلَافِ تَاءِ التّأْنِيثِ فَإِنّك تَقُولُ فِي طَلْحَةَ اسْمُ رَجُلٍ
طَلَحَاتٍ كَمَا كُنْت تَقُولُ فِي غَيْرِ الْعَلَمِيّةِ لِأَنّ التّاءَ لَا
تَكُونُ إلّا لِلتّأْنِيثِ وَالْأَلِفُ تَكُونُ لِلتّأْنِيثِ وَغَيْرِهِ فَلَمّا
كَانَتْ أَلِفُ التّأْنِيثِ بِخِلَافِ تَاءِ التّأْنِيثِ فِي الْأَسْمَاءِ
وَالْأَعْلَامِ كَانَ النّسَبُ إلَيْهَا مُخَالِفًا لِلنّسَبِ إلَى مَا فِيهِ
أَلِفُ التّأْنِيثِ فِي غَيْرِ الْأَعْلَامِ غَيْرَ أَنّ هَذَا فِي بَابِ
النّسَبِ لَا يَطْرُدُ وَإِنْ اطّرَدَ الْجَمْعُ كَمَا قَدّمْنَا ، وَكَانَتْ
النّكْتَةُ الّتِي خُصّ بِهَا النّسَبُ فِي بَنِي الْحُبْلَى بِمُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ
كَرَاهِيَتَهُمْ لِحُكْمِ التّأْنِيثِ فِيهِ لِأَنّ الْحُبْلَى وَصْفٌ [ ص 20 ]
اسْمُهُ سَلْمَى مِنْ الرّجَالِ كَكَرَاهِيَتِهِمْ لِبَقَاءِ حُكْمِ التّأْنِيثِ
فِيمَنْ اسْمُهُ حُبْلَى ، فَلِذَلِكَ غَيّرُوا النّسَبَ حَتّى كَأَنّهُمْ
نَسَبُوا إلَى حُبُلٍ وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَأَمّا سَلُولُ فِي خُزَاعَةَ ،
وَقَدْ تَقَدّمَ عِنْدَ ذِكْرِ حُبْشِيّةَ ابْنِ سَلُولَ قَاسِمُ رَجُلٍ
مَصْرُوفٍ وَأَمّا بَنُو سَلُولَ بْنِ صَعْصَعَةَ إخْوَةُ بَنِي عَامِرٍ فَهُمْ
بَنُو مُرّةَ بْنِ صَعْصَعَةَ . وَسَلُولُ أُمّهُمْ وَهِيَ بِنْتُ ذُهْلِ بْنِ
شَيْبَانَ فَجَمِيعُ مَا وَقَعَ لِابْنِ إسْحَاقَ فِي السّيَرِ مِنْ سَلُولَ ثَلَاثَةٌ
وَاحِدٌ اسْمُ رَجُلٍ مَصْرُوفٍ وَثِنْتِيَانِ غَيْرُ مَصْرُوفَتَيْنِ وَهُمَا
اللّتَانِ ذَكَرْنَا .
134.
الْمُلْكُ فِي الْعَرَبِ
135.
وَذَكَرَ أَنّ الْأَنْصَارَ كَانُوا قَدْ نَظَمُوا الْخَرَزَ
لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ لِيُتَوّجُوهُ وَيُمَلّكُوهُ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ
أَنّ الْأَنْصَارَ يَمَنٌ ، وَقَدْ كَانَتْ الْمُلُوكُ الْمُتَوّجُونَ مِنْ الْيَمَنِ
فِي آلِ قَحْطَانَ ، وَكَانَ أَوّلَ مَنْ تَتَوّجَ مِنْهُمْ سَبَأُ بْنُ
يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ وَلَمْ يُتَوّجْ مِنْ الْعَرَبِ إلّا
قَحْطَانِيّ كَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَقِيلَ لَهُ قَدْ تَتَوّجَ
هَوْذَةُ بْنُ عَلِيّ الْحَنَفِيّ صَاحِبُ الْيَمَامَةِ ، وَقَالَ فِيهِ
الْأَعْشَى
136.
مَنْ يَرَى هَوْذَةَ يَسْجُدُ غَيْرَ مُتّئِبٍ ... إذَا
تَعَمّمَ فَوْقَ التّاجِ أَوْ وَضَعَا
137.
وَفِي الْخَرَزَاتِ الّتِي بِمَعْنَى التّاجِ يَقُولُ
الشّاعِرُ [ لَبِيدٌ يَذْكُرُ الْحَارِثَ بْنَ أَبِي شِمْرٍ الْغَسّانِيّ ] .
138.
رَعَى خَرَزَاتِ الْمُلْكِ عِشْرِينَ حَجّةً ... وَعِشْرِينَ
حَتّى فَادَ وَالشّيْبُ شَامِلُ
139.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَكُنْ تَاجًا ، وَإِنّمَا
كَانَتْ خَرَزَاتُ تُنَظّمُ وَكَانَ سَبَبُ تَتَوّجِ هَوْذَةَ أَنّهُ أَجَارَ لَطِيمَةً
لِكَسْرَى مَنَعَهَا مِمّنْ أَرَادَهَا مِنْ الْعَرَبِ ، فَلَمّا وَفَدَ
عَلَيْهِ تَوَجّهَ لِذَلِكَ وَمَلّكَهُ [ ص 21 ]
140.
خُرُوجُ قَوْمِ ابْنِ أُبَيّ عَلَيْهِ وَشِعْرُهُ فِي ذَلِكَ
141.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ
الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ
، حِبّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ رَكِبَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ يَعُودُهُ
مِنْ شَكْوٍ أَصَابَهُ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ إكَافٌ فَوْقَهُ قَطِيفَةٌ
فَدَكِيّةٌ مُخْتَطَمَةٌ بِحَبْلِ مِنْ لِيفٍ وَأَرْدَفَنِي رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَلْفَهُ قَالَ فَمَرّ بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ
أُبَيّ وَهُوَ ( فِي ) ظِلّ مُزَاحِمٍ أُطُمِهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
مُزَاحِمٌ اسْمُ الْأُطُمِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَوْلَهُ رِجَالٌ مِنْ
قَوْمِهِ . فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
تَذَمّمَ مِنْ أَنْ يُجَاوِزَهُ حَتّى يَنْزِلَ فَنَزَلَ فَسَلّمَ ثُمّ جَلَسَ
قَلِيلًا فَتَلَا الْقُرْآنَ وَدَعَا إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَذَكَرَ
بِاَللّهِ وَحَذّرَ وَبَشّرَ وَأَنْذَرَ قَالَ وَهُوَ زَامّ لَا يَتَكَلّمُ
حَتّى إذَا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ
مَقَالَتِهِ قَالَ " يَا هَذَا ، إنّهُ لَا أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِك هَذَا
إنْ كَانَ حَقّا فَاجْلِسْ فِي بَيْتِك فَمَنْ [ ص 23 ] قَالَ فَقَالَ عَبْدُ
اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي رِجَالٍ كَانُوا عِنْدَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَلَى
، فَاغْشَنَا بِهِ وَأْتِنَا فِي مَجَالِسنَا وَدُورِنَا وَبَيْتِنَا ، فَهُوَ
وَاَللّهِ مِمّا نُحِبّ وَمِمّا أَكْرَمَنَا اللّهُ بِهِ وَهَدَانَا لَهُ
فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ حِينَ رَأَى مِنْ خِلَافِ قَوْمِهِ مَا رَأَى :
142.
مَتَى مَا يَكُنْ مَوْلَاك خَصْمُك لَا تَزَلْ ... تَذِلّ
وَيَصْرَعْك الّذِينَ تُصَارِعُ
143.
وَهَلْ يَنْهَضُ الْبَازِي بِغَيْرِ جَنَاحِهِ ... وَإِنْ
جُذّ يَوْمًا رَيْشُهُ فَهُوَ وَاقِعُ
144.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْبَيْتُ الثّانِي عَنْ غَيْرِ ابْنِ
إسْحَاقَ .
145.
غَضَبُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ
كَلَامِ ابْنِ أُبَيّ
146.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ ، عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أُسَامَةَ قَالَ وَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، وَفِي
وَجْهِهِ مَا قَالَ عَدُوّ اللّهِ ابْنُ أُبَيّ ، فَقَالَ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ
اللّهِ إنّي لَأَرَى فِي وَجْهِك شَيْئًا ، لَكَأَنّك سَمِعْت شَيْئًا تَكْرَهُهُ
قَالَ " أَجَلْ " ثُمّ أَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ ابْنُ أُبَيّ : فَقَالَ
سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللّهِ اُرْفُقْ بِهِ فَوَاَللّهِ لَقَدْ جَاءَنَا اللّهُ
بِك ، وَإِنّا لَنُنَظّمُ لَهُ الْخَرَزَ لِنُتَوّجَهُ فَوَاَللّهِ إنّهُ
لَيَرَى أَنْ قَدْ سَلَبْته مُلْكًا .Sمُزَاحِمٌ أُطُمِهِ
147.
فَصْلٌ وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ أَنّ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرّ بِهِ وَهُوَ ظِلّ مُزَاحِمٍ
أُطُمِهِ وَآطَامُ الْمَدِينَةِ : سُطُوحٌ وَلَهَا أَسْمَاءٌ فَمِنْهَا
مُزَاحِمٌ وَمِنْهَا الزّوْرَاءُ أُطُمُ بَنِي الْجِلَاحِ وَمِنْهَا مُعْرِضٌ
أُطُمُ بَنِي سَاعِدَةَ وَمِنْهَا : فَارِعٌ أُطُمُ بَنِي حُدَيْلَةَ وَمِنْهَا
مِسْعَطٌ وَمِنْهَا : وَاقِمٌ وَفِي مُعْرِضٌ يَقُولُ الشّاعِرُ
148.
وَنَحْنُ دَفَعْنَا عَنْ بُضَاعَةَ كُلّهَا ... وَنَحْنُ
بَنَيْنَا مُعْرِضًا فَهُوَ مُشْرِفُ
149.
فَأَصْبَحَ مَعْمُورًا طَوِيلًا قَذَالُهُ ... وَتَخْرَبُ
آطَامٌ بِهَا وَتَقَصّفُ
150.
وَبُضَاعَةُ أَرْضُ بَنِي سَاعِدَةَ وَإِلَيْهَا تُنْسَبُ
بِئْرُ بَنِي بُضَاعَةَ . وَالْأَجَشّ وَكَانَ بِقُبَاءَ وَالْحَمِيمُ
وَالنّوّاحَانِ وَهُمَا أُطُمَانِ لِبَنِي أُنَيْفٍ وَصِرَارٍ وَكَانَ
بِالْجَوّانِيّةِ وَالرّثّانِ وَالشّبْعَانِ وَهُوَ فِي تمغ . وراتح
وَالْأَبْيَضُ وَمِنْهَا عَاصِمٌ وَالرّغْلُ وَكَانَ لِحَضِيرِ بْنِ سِمَاكٍ
وَمِنْهَا خَيْطٌ وَوَاسِطٌ وَحُبَيْشٌ وَالْأَغْلَبُ وَمَنِيعٌ فَهَذِهِ آطَامُ
الْمَدِينَةِ ذَكَرَ أَكْثَرَهَا الزّبَيْرُ وَالْأُطُمُ اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنْ [
ص 23 ] ائْتَطَمَ إذَا ارْتَفَعَ وَعَلَا ، يُقَال : ائْتَطَمَ عَلَيّ فُلَانٌ
إذَا غَضِبَ وَانْتَفَخَ وَالْأَطَمَاتُ نِيرَانٌ مَعْرُوفَةٌ فِي جِبَالٍ لَا
تَخْمُدُ فِيهَا ، تَأْخُذُ بِأَعْنَانِ السّمَاءِ فَهِيَ أَبَدًا بَاقِيَةٌ
لِأَنّهَا فِي مَعَادِنِ الْكِبْرِيتِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْعُودِيّ مِنْهَا
جُمْلَةً وَذَكَرَ مَوَاضِعَهَا ، وَقَوْلَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ :
151.
مَتَى مَا يَكُنْ مَوْلَاك خَصْمُك لَا تَزَلْ ... تَذِلّ
وَيَصْرَعْك الّذِينَ تُصَارِعُ
152.
يُقَالُ إنّ ابْنَ أَبِي تَمَثّلَ بِهِمَا ، وَيُقَالُ
إنّهُمَا الْخُفَافِ ابْنُ نُدْبَةَ وَخُفَافٌ هُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ
الشّرِيدِ أَحَدُ غِرْبَانِ الْعَرَبِ ، وَأُمّهُ نُدْبَةَ وَيُقَالُ فِيهَا : نَدْبَةُ
وَنُدْبَةُ وَهُوَ سَلْمَى . وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ رَسُولَ
اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ
يَعُودُهُ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ زِيَادَةٌ فِيهَا فِقْهٌ قَالَ كَانَ سَعْدٌ
قَدْ دَعَاهُ رَجُلٌ مِنْ اللّيْلِ فَخَرَجَ إلَيْهِ فَضَرَبَهُ الرّجُلُ
بِسَيْفِ فَأَشْوَاهُ فَجَاءَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يَعُودُهُ مِنْ تِلْكَ الضّرْبَةِ وَلَامَهُ عَلَى خُرُوجِهِ لَيْلًا ، وَهَذَا
هُوَ مَوْضِعُ الْفِقْهِ .
153.
ذِكْرُ مَنْ اعْتَلّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
154.
مَرَضُ أَبِي بَكْرٍ وَعَامِرٍ وَبِلَالٍ وَحَدِيثُ
عَائِشَةَ عَنْهُمْ
155.
[
ص 24 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي هِشَامُ
بْنُ عُرْوَةَ ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ لَمّا قَدِمَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، قَدِمَهَا وَهِيَ
أَوْبَأُ أَرْضِ اللّهِ مِنْ الْحُمّى ، فَأَصَابَ أَصْحَابَهُ مِنْهَا بَلَاءٌ
وَسَقَمٌ فَصَرَفَ اللّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ قَالَتْ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ ، وَبِلَالٌ
مَوْلَيَا أَبِي بَكْرٍ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَأَصَابَتْهُمْ
الْحُمّى ، فَدَخَلْت عَلَيْهِمْ أَعُودُهُمْ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ
عَلَيْنَا الْحِجَابُ وَبِهِمْ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلّا اللّهُ مِنْ شِدّةِ
الْوَعْكِ فَدَنَوْت مِنْ أَبِي بَكْرٍ فَقُلْت لَهُ كَيْفَ تَجِدُك يَا أَبَتْ
؟ فَقَالَ
156.
كُلّ امْرِئِ مُصَبّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى
مِنْ شِرَاكِ نَعْلَيْهِ
157.
قَالَتْ فَقُلْت : وَاَللّهِ مَا يَدْرِي أَبِي مَا يَقُولُ
. قَالَتْ ثُمّ دَنَوْت إلَى عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ فَقُلْت لَهُ كَيْفَ
تَجِدُك يَا عَامِرُ ؟ فَقَالَ
158.
لَقَدْ وَجَدْت الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ ... إنّ الْجَبَانَ
حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ
159.
كُلّ امْرِئِ مُجَاهَدٌ بِطَوْقِهِ ... كَالثّوْرِ يَحْمِي
جِلْدَهُ بِرَوْقِهِ
160.
[
ص 25 ] بِطَاقَتِهِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
قَالَتْ فَقُلْت : وَاَللّهِ مَا
يَدْرِي عَامِرٌ مَا يَقُولُ قَالَتْ وَكَانَ بِلَالٌ إذَا تَرَكَتْهُ الْحُمّى
اضْطَجَعَ بِفِنَاءِ الْبَيْتِ . ثُمّ رَفَعَ عَقِيرَتَهُ فَقَالَ
161.
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَن لَيْلَةً ... بِفَجّ
وَحَوْلِي إذْخِرٌ وَجَلِيلُ
162.
وَهَلْ أَرِدَن يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنّةٍ ... وَهَلْ
يَبْدُونَ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلٌ
163.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : شَامَةٌ وَطَفِيلٌ جَبَلَانِ بِمَكّةَ .Sوَعْكُ أَبِي
بَكْرٍ وَبِلَالٍ وَعَامِرٍ
164.
[
ص 24 ] وَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ حِينَ وُعِكَ أَبُو
بَكْرٍ وَبِلَالٌ وَعَامِرٌ بْنُ فُهَيْرٍ وَمَا أَجَابُوهَا بِهِ مِنْ الرّجَزِ
فَيَذْكُرُ أَنّ قَوْلَ عَامِرٍ لَقَدْ وَجَدْت الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ
165.
[
ص 25 ] مَامَةَ وَفِي هَذَا الْخَبَرِ وَمَا ذُكِرَ
فِيهِ مِنْ حَنِينِهِمْ إلَى مَكّةَ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النّفُوسُ مِنْ حُبّ الْوَطَنِ
وَالْحَنِينِ إلَيْهِ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أُصَيْلٍ الْغِفَارِيّ وَيُقَالُ
فِيهِ الْهُدَلِيّ أَنّهُ قَدِمَ مِنْ مَكّةَ ، فَسَأَلْته عَائِشَةُ كَيْفَ
تَرَكْت مَكّةَ يَا أُصَيْلُ ؟ فَقَالَ تَرَكْتهَا حِينَ ابْيَضّتْ أَبَاطِحُهَا
، وَأَحْجَن ثُمَامُهَا ، وَأَغْدَقَ إذْخِرَهَا ، وَأَمْشَرَ سَلَمُهَا ،
فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
وَقَالَ " لَا تُشَوّفْنَا يَا أُصَيْلُ " ، وَيُرْوَى أَنّهُ قَالَ
لَهُ " دَعْ الْقُلُوبَ تَقَرْ " ، وَقَدْ قَالَ الْأَوّلُ
166.
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَن لَيْلَةً ... بِوَادِي
الْخُزَامَى حَيْثُ رَبّتْنِي أَهْلِي
167.
بِلَادٌ بِهَا نِيطَتْ عَلَيّ تَمَائِمِي ... وَقُطّعْنَ
عَنّي حِينَ أَدْرَكَنِي عَقْلِي
168.
وَأَمّا قَوْلُ بِلَالٍ بِفَجّ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وَجَلِيلُ
169.
فَفَجّ مَوْضِعٌ خَارِجُ مَكّةَ بِهِ مُوَيْهٌ يَقُولُ فِيهِ
الشّاعِرُ
170.
مَاذَا بِفَجّ مِنْ الْإِشْرَاقِ وَالطّيبِ ... وَمِنْ
جَوَارٍ نَقِيّاتٍ رَعَابِيبِ
171.
وَبِفَجّ اغْتَسَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ وَالْإِذْخِرُ مِنْ نَبَاتِ مَكّةَ . قَالَ
أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ الدّينَوَرِيّ صَاحِبُ كِتَابِ
النّبَاتِ الْإِذْخِرُ فِيمَا حُكِيَ عَنْ الْأَعْرَابِ الْأُوَلِ لَهُ أَصْلٌ مُنْدَفِقٌ
وَقُضْبَانٌ دِقَاقٌ وَهُوَ ذَفِرُ الرّيحِ وَهُوَ مِثْلُ الْأَصْلِ أَصْلِ
الْكَوْلَانِ إلّا أَنّهُ أَعْرَضُ كُعُوبًا ، وَلَهُ ثَمَرَةٌ كَأَنّهَا
مَكَاسِحُ الْقَصَبِ إلّا أَنّهَا أَرَقّ وَأَصْغَرُ . قَالَ أَبُو زِيَادٍ الْإِذْخِرُ يُشَبّهُ فِي نَبَاتِهِ بِنَبَاتِ الْأَسَلِ
الّذِي تُعْمَلُ مِنْهُ الْحُصْرُ ، وَيُشْبِهُ نَبَاتُهُ الْغَرَزَ وَالْغَرَزُ
ضَرْبٌ مِنْ الثّمَامِ وَاحِدَتُهُ غَرْزَةٌ وَيُتّخَذُ مِنْ الْغَرَزِ
الْغَرَابِيلُ وَالْإِذْخِرُ أَرَقّ مِنْهُ وَالْإِذْخِرُ يُطْحَنُ فَيَدْخُلُ [
ص 26 ] وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو : وَهُوَ مِنْ
الْجَنَبَةِ وَقَلّمَا تَنْبُتُ الْإِذْخِرَةُ مُتَفَرّدَةً وَقَالَ فِي
الْجَلِيلِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ إنّ أَهْلَ الْحِجَازِ يُسَمّونَ الثّمَامَ
الْجَلِيلَ ، وَمَعْنَى الْجَنَبَةِ الّتِي ذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو : وَهُوَ كُلّ
نَبَاتٍ لَهُ أُصُولٌ ثَابِتَةٌ لَا تَذْهَبُ بِذَهَابِ فَزَعِهِ فِي الْغَيْطِ
وَتُلَقّحُ فِي الْخَرِيفِ وَلَيْسَتْ كَالشّجَرِ الّذِي يَبْقَى أَصْلُهُ وَفَرْعُهُ
فِي الْغَيْطِ وَلَا كَالنّجْمِ الّذِي يَذْهَبُ فَرْعُهُ وَأَصْلُهُ فَلَا
يَعُودُ إلّا زِرّيعَتُهُ جَانِبَ النّجْمِ وَالشّجَرِ فَسُمّيَ جَنَبَةً
وَيُقَالُ لِلْجَنَبَةِ أَيْضًا : الطّرِيفَةُ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ .
وَمِجَنّةٌ سُوقٌ مِنْ أَسْوَاقِ الْعَرَبِ بَيْنَ عُكَاظٍ وَفِي الْمَجَازِ
وَكُلّهَا ، أَسْوَاقٌ قَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُهَا . وَمَجَنّةٌ يَجُوزُ أَنْ
تَكُونَ مَفْعَلَةً وَفَعْلَةً فَقَدْ قَالَ سِيبَوَيْهِ : فِي الْمِجَنّ إنّ مِيمَه
أَصْلِيّةٌ وَأَنّهُ فَعَلَ وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ الْعَبّاسُ وَجَعَلُوهُ
مِفْعَلًا ، مِنْ جَنّ إذَا سَتَرَ وَمِنْ أَسْوَاقِهِمْ أَيْضًا حُبَاشَةُ
وَهِيَ أَبْعَدُ مِنْ هَذِهِ وَأَمّا شَامَةُ وَطَفِيلُ فَقَالَ الْخَطّابِيّ
فِي كِتَابِ الْأَعْلَامِ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيّ : كُنْت أَحْسَبُهُمَا جَبَلَيْنِ حَتّى مَرَرْت بِهِمَا ، وَوَقَفْت عَلَيْهِمَا
فَإِذَا هُمَا عَيْنَانِ مِنْ مَاءٍ وَيُقَوّي قَوْلَ الْخَطّابِيّ إنّهُمَا
عَيْنَانِ قَوْلٌ كَثِيرٌ
172.
وَمَا أَنْسَ م الْأَشْيَاءِ لَا أَنْسَ مَوْقِفًا ... لَنَا
، وَلَهَا بِالْخَبْتِ خَبْتِ طَفِيلِ
173.
وَالْخَبْتُ مُنْخَفَضُ الْأَرْضِ .
174.
دُعَاءُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَقْلِ
وَبَاءِ
175.
الْمَدِينَةِ إلَى مَهْيَعَةَ
176.
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا : فَذَكَرْت
لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا سَمِعْت مِنْهُمْ فَقُلْت
: إنّهُمْ لَيَهْذُونَ وَمَا يَعْقِلُونَ مِنْ شِدّةِ الْحُمّى . قَالَتْ
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ حَبّبْ
إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبّبْت إلَيْنَا مَكّةَ ، أَوْ أَشَدّ وَبَارِكْ
لَنَا فِي مُدّهَا وَصَاعِهَا وَانْقُلْ وَبَاءَهَا إلَى مَهْيَعَةَ ومَهْيَعَةُ
: الْجُحْفَةُ
.Sوَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ اللّهُمّ حَبّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبّبْت إلَيْنَا مَكّةَ
، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدّهَا وَصَاعِهَا يَعْنِي الطّعَامَ الّذِي يُكَالُ بِالصّاعِ
وَلِذَلِكَ قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ كَيّلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ
فِيهِ وَشَكَا إلَيْهِ قَوْمٌ سُرْعَةَ فَنَاءِ طَعَامِهِمْ فَقَالَ
أَتَهِيلُونَ أَمْ تَكِيلُونَ ؟ فَقَالُوا : بَلْ نَهِيلُ فَقَالَ كَيّلُوا
وَلَا تَهِيلُوا وَمَنْ رَوَاهُ قُوتُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ
فَمَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ تَصْغِيرُ الْأَرْغِفَةِ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَزّارُ
مِنْ طَرِيقِ أَبِي الدّرْدَاءِ وَذَكَرَ فِي تَفْسِيرِهِ مَا قُلْنَاهُ
وَذَكَرَ [ ص 27 ] عُبَيْدٍ :
الْمُدّ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ أَعْنِي مُدّ الْمَدِينَةِ فَقَالَ هُوَ
رِطْلٌ وَثُلُثٌ وَالرّطْلُ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا ،
وَالدّرْهَمُ خَمْسُونَ حَبّةً وَخُمُسَانِ . وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَانْقُلْ حُمّاهَا ، وَاجْعَلْهَا
بِمَهْيَعَة وَهِيَ الْجُحْفَةُ ، كَأَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمْ يُرِدْ
إبْعَادَ الْحُمّى عَنْ جَمِيعِ أَرْضِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ أَرَادَ ذَلِكَ
لَقَالَ اُنْقُلْ حُمّاهَا ، وَلَمْ يَخُصّ مَوْضِعًا ، أَوْ كَانَ يَخُصّ
بِلَادَ الْكُفْرِ وَذَلِكَ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - لِأَنّهُ قَدْ نَهَى عَنْ
سَبّ الْحُمّى وَلَعْنِهَا فِي حَدِيثِ أُمّ الْمُسَيّبِ وَأَخْبَرَ أَنّهَا
طَهُورٌ وَأَنّهَا حَظّ كُلّ مُؤْمِنٍ مِنْ النّارِ فَجَمَعَ بَيْنَ الرّفْقِ
بِأَصْحَابِهِ فَدَعَا لَهُمْ بِالشّفَاءِ مِنْهَا ، وَبَيْنَ أَنْ لَا
يُحَرّمُوا أَيْضًا الْأَجْرَ فِيمَا يُصِيبُوا مِنْهَا ، فَلَمْ يُبْعِدْهَا
كُلّ الْبُعْدِ . وَأَمّا مَهْيَعَةُ ، فَقَدْ
اشْتَدّ الْوَبَاءُ فِيهَا بِسَبَبِ هَذِهِ الدّعْوَةِ حَتّى قِيلَ إنّ
الطّائِرَ يَمُرّ بِغَدِيرِ خُمّ فَيَسْقَمُ وَغَدِيرُ خُمّ فِيهَا ، وَيُقَالُ
إنّهَا ، مَا وُلِدَ فِيهَا مَوْلُودٌ فَبَلَغَ الْحُلْمَ وَهِيَ أَرْضٌ
بُجْعَةٍ لَا تُسْكَنُ وَلَا يُقَامُ فِيهَا إقَامَةً دَائِمَةً فِيمَا
بَلَغَنِي وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَذَكَرَ تَحْرِيمَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ عَنْ ابْنِ
إسْحَاقَ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كُنْت أَصْطَادُ فِي حَرَمِ
الْمَدِينَةِ بِالْوَقَاقِيصِ وَهِيَ شِبَاكُ الطّيْرِ فَاصْطَدْت نُهَسًا ،
فَأَخَذَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَصَكّ فِي قَفَايَ ثُمّ أَرْسَلَهُ
.
177.
مَا جَهَدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْوَبَاءِ
178.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ،
عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ أَصَابَتْهُمْ
حُمّى الْمَدِينَةِ ، حَتّى جَهَدُوا مَرَضًا ، وَصَرَفَ اللّهُ تَعَالَى ذَلِكَ
عَنْ نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى كَانُوا مَا يُصَلّونَ إلّا
وَهُمْ قُعُودٌ قَالَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَهُمْ يُصَلّونَ كَذَلِكَ فَقَالَ لَهُمْ ا عْلَمُوا أَنّ صَلَاةَ
الْقَاعِدِ عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ قَالَ فَتَجَشّمَ
الْمُسْلِمُونَ الْقِيَامَ عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ الضّعْفِ وَالسّقَمِ
الْتِمَاسَ الْفَضْلِ .
179.
بَدْءُ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ
180.
[
ص 28 ] قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَهَيّأَ
لِحَرْبِهِ قَامَ فِيمَا أَمَرَهُ اللّهُ مِنْ جِهَادِ عَدُوّهِ وَقِتَالِ مَنْ
أَمَرَهُ اللّهُ بِهِ مِمّنْ يَلِيهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ ،
وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللّهُ تَعَالَى بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً
.Sوَذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو ،
وَقَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاةِ
الْقَائِمِ حِينَ رَآهُمْ يَصِفُونَ قُعُودًا مِنْ الْوَعْكِ قَالَ فَتَجَشّمَ
النّاسُ الْقِيَامَ عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ السّقَمِ وَهَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا
اللّفْظِ يُقَوّي مَا تَأَوّلَهُ الْخَطّابِيّ فِي صَلَاةِ الْقَاعِدِ أَنّهَا
عَلَى [ ص 28 ] قَالَ الْخَطّابِيّ : إنّمَا ذَلِكَ لِلضّعِيفِ الّذِي
يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ بِكُلْفَةِ وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْقِيَامِ
الْبَتّةَ فَصَلَاتُهُ مِثْلُ صَلَاةِ الْقَائِمِ وَهَذَا كُلّهُ فِي
الْفَرِيضَةِ وَالنّافِلَةِ وَخَالَفَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي تَخْصِيصِهِ هَذَا
الْحَدِيثَ بِصَلَاةِ النّافِلَةِ فِي حَالِ الصّحّةِ وَاحْتَجّ الْخَطّابِيّ بِحَدِيثِ
عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَفِيهِ وَصَلَاتُهُ قَائِمًا عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاتِهِ
قَاعِدًا ، قَالَ وَقَدْ أَجَمَعَتْ الْأُمّةُ أَنْ لَا يُصَلّيَ أَحَدٌ
مُضْطَجِعًا إلّا مِنْ مَرَضٍ فَدَلّ عَلَى أَنّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا
الْحَدِيثِ كُلّهِ إلّا الْمَرِيضَ الّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِكُلْفَةِ
أَوْ عَلَى الْقُعُودِ بِمَشَقّةِ وَنَسَبَ بَعْضُ النّاسِ النّسَوِيّ إلَى
التّصْحِيفِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالُوا : إنّمَا هُوَ وَصَلَاتُهُ نَائِمًا عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاتِهِ
قَاعِدًا ، فَتَوَهّمَهُ النّسَوِيّ قَائِمًا ، أَيْ مُضْطَجِعًا ، فَتَرْجَمَ عَلَيْهِ
فِي كِتَابِهِ بَابُ صَلَاةِ النّائِمِ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا ، فَإِنّ فِي
الرّوَايَةِ الثّانِيَةِ وَصَلَاةُ النّائِمِ عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاةِ
الْقَاعِدِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَتَصَحّفُ وَقَوْلُ الْخَطّابِيّ : أَجَمَعَتْ
الْأُمّةُ عَلَى أَنّ الْمُضْطَجِعَ لَا يُصَلّي فِي حَالِ الصّحّةِ نَافِلَةً
وَلَا غَيْرَهَا ، وَافَقَهُ أَبُو عُمَرَ عَلَى ادّعَاءِ الْإِجْمَاعِ فِي
هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَتْ بِمَسْأَلَةِ إجْمَاعٍ كَمَا زَعَمَا ، بَلْ
كَانَ مِنْ اللّهِ مَنْ يُجِيزُ لِلصّحِيحِ أَنْ يَتَنَفّلَ مُضْطَجِعًا ،
مَعَهُمْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيّ ، ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عِيسَى التّرْمِذِيّ فِي
مُصَنّفِهِ .
181.
تَارِيخُ الْهِجْرَةِ
182.
[
ص 29 ] قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ
الْبَكّائِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ حِينَ
اشْتَدّ الضّحَاءُ وَكَادَتْ الشّمْسُ تَعْتَدِلَ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ
مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَهُوَ التّارِيخُ ( فِيمَا ) قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ
بَعَثَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَقَامَ بِهَا
بَقِيّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَشَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَجُمَادَيَيْنِ
وَرَجَبًا ، وَشَعْبَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ وَشَوّالًا ، وَذَا الْقَعْدَةِ
وَذَا الْحَجّةِ - وَوَلِيَ تِلْكَ الْحَجّةَ الْمُشْرِكُونَ - وَالْمُحَرّمَ
ثُمّ خَرَجَ غَازِيًا فِي صَفَرَ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ
مَقْدِمِهِ الْمَدِينَةَ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ
.
183.
غَزْوَةَ وَدّانَ
184.
وَهِيَ أَوّلُ غَزَوَاتِهِ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ
185.
مُوَادَعَةُ بَنِي ضَمْرَةَ وَالرّجُوعُ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ
186.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى بَلَغَ وَدّانَ ، وَهِيَ
غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ ، يُرِيدُ قُرَيْشًا وَبَنِيّ ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ
مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ [ ص 30 ] بَنُو ضَمْرَةَ ، وَكَانَ الّذِي وَادَعَهُ
مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ مَخْشِيّ بْنُ عَمْرٍو الضّمْرِيّ ، وَكَانَ سَيّدَهُمْ فِي
زَمَانِهِ ذَلِكَ . ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
إلَى الْمَدِينَةِ ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا ، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ صَفَرَ
وَصَدْرًا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهِيَ
أَوّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا .Sتَارِيخُ الْهِجْرَةِ
وَغَزْوَةُ وَدّانَ
187.
[
ص 29 ] ذَكَرَ قُدُومَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ وَقَدْ
قَدّمْنَا فِي [ ص 30 ] قَالَهُ ابْنُ الْكَلْبِيّ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ وَفِي
أَيّ شَهْرٍ كَانَ قُدُومُهُ مِنْ شُهُورِ الْعَجَمِ . وَذَكَرَ أَنّهُ أَقَامَ
بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَشَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ
وَجُمَادَيْنِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ وَشَهْرَيْ جُمَادَى ، أَوْ
يَقُولُ وَبَقِيّةُ رَبِيعٍ وَرَبِيعًا الْآخَرَ كَمَا قَالَ فِي سَائِرِ
الشّهُورِ وَلَكِنْ الشّهْرُ إذَا سَمّيْته بِالِاسْمِ الْعَلَمِ لَمْ يَكُنْ
ظَرْفًا ، وَكَانَتْ الْإِقَامَةُ أَوْ الْعَمَلُ فِيهِ كُلّهِ إلّا أَنْ
تَقُولَ شَهْرَ كَذَا ، كَمَا تَقَدّمَ مِنْ كَلَامِنَا عَلَى شَهْرِ رَمَضَانَ
فِي حَدِيثِ الْمَبْعَثِ وَكَذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ ، فَقَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ
: جُمَادَيْنِ وَرَجَبًا مُسْتَقِيمٌ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ
. وَقَوْلُهُ بَقِيّةُ شَهْرِ رَبِيعٍ فَلِأَنّ
الْعَمَلَ وَالْإِقَامَةَ كَانَ فِي بَعْضِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بَقِيّةَ
رَبِيعٍ الْأَوّلِ لَكِنّهُ قَالَ وَشَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ لِيَزْدَوِجَ
الْكَلَامُ وَيُشَاكِلَ مَا قَبْلَهُ وَهَذَا كُلّهُ مِنْ فَصَاحَتِهِ رَحِمَهُ
اللّهُ أَوْ مِنْ فَصَاحَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ إنْ كَانَ رَوَاهُ عَلَى اللّفْظِ
. وَقَوْلُهُ وَجُمَادَيْنِ وَرَجَبًا . كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ
وَالْجُمَادَيْنِ بِالْأَلِفِ وَاللّامِ لِأَنّهُ اسْمُ عَلَمٍ وَلَا يُثَنّى
الْعَلَمُ فَيَكُونُ مَعْرِفَةً إلّا أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ الْأَلِفُ
وَاللّامُ فَتَقُولُ الزّيْدَانِ وَالْعُمَرَانِ لَكِنّهُ أَجْرَاهُ
بِفَصَاحَتِهِ مَجْرَى أَبَانَيْنِ وَقَنَوَيْنِ وَكُلّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ
اسْمٌ لِجَبَلَيْنِ وَلَا تَدْخُلُهُ الْأَلِفُ وَاللّامُ لِأَنّ تَعْرِيفَهُ
لَمْ يَزَلْ بِالتّثْنِيَةِ لِأَنّهُمَا أَبَدًا مُتَلَازِمَانِ فَالتّثْنِيَةُ
لَازِمَةٌ لَهُمَا مَعَ الْعَلَمِيّةِ بِخِلَافِ الْآدَمِيّينَ وَلَمّا كَانَ
جُمَادَيَانِ شَهْرَيْنِ مُتَكَارِهَيْنِ جَعَلَهُمَا فِي الزّمَانِ
كَأَبَانَيْنِ فِي الْمَكَانِ وَلَمْ يَجْعَلْهُمَا كَالزّيْدَيْنِ
وَالْعُمَرَيْنِ اللّذَيْنِ لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا ، وَهَذَا كَلَامُ
الْعَرَبِ . قَالَ الْحُطَيْئَةُ
188.
بَاتَتْ لَهُ بِكَثِيبِ جَرْبَةَ لَيْلَةً ... وَطَفَاءَ
بَيْنَ جُمَادَيْنِ دَرُورُ
189.
فَإِنْ قُلْت : فَقَدْ قَالُوا : السّمَاكَيْنِ فِي
النّجُومِ وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ وَكَذَلِكَ السّرَطَانُ قُلْنَا : إنّمَا
كَانَ ذَلِكَ لِوُجُودِ مَعْنَى الصّفَةِ فِيهِمَا ، وَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ
الْحَارِثِ وَالْعَبّاسِ فِي الْآدَمِيّينَ وَأَكْشَفَ سِرّ الْعَلَمِيّةِ فِي
الشّهُورِ وَالْأَيّامِ وَتَقْسِيمِ أَنْوَاعِ الْعَلَمِيّةِ وَالْمُرَادُ بِهَا
فِي [ ص 31 ] فَصَاحَةُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ بَقِيّةَ شَهْرِ كَذَا
وَشَهْرَ كَذَا وَجُمَادَيْنِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ وَنَزّلَ الْأَلْفَاظَ
عِنْدَ مَنَازِلِهَا عِنْدَ أَرْبَابِ اللّغَةِ الْفَاهِمِينَ لِحَقَائِقِهَا ،
يَرْحَمُهُ اللّهُ .
190.
سَرِيّةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ
191.
وَهِيَ أَوّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا عَلَيْهِ الصّلَاةُ
وَالسّلَامُ
192.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 31 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ
بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ فِي سِتّينَ أَوْ ثَمَانِينَ رَاكِبًا مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ ، فَسَارَ حَتّى
بَلَغَ مَاءً بِالْحِجَازِ بِأَسْفَلَ ثَنِيّةِ الْمَرّةِ ، فَلَقِيَ بِهَا
جَمْعًا عَظِيمًا مِنْ قُرَيْشٍ ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ إلّا أَنّ
سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ قَدْ رَمَى يَوْمَئِذٍ بِسَهْمِ فَكَانَ أَوّلَ
سَهْمٍ رُمِيَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ .
193.
مَنْ فَرّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ
194.
ثُمّ انْصَرَفَ الْقَوْمُ عَنْ الْقَوْمِ وَالْمُسْلِمِينَ
حَامِيَةٌ . وَفَرّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ
الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيّ ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةِ ،
وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ الْمَازِنِيّ ، حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلِ
بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَكَانَا مُسْلِمَيْنِ وَلَكِنّهُمَا خَرَجَا
لِيَتَوَصّلَا بِالْكُفّارِ . وَكَانَ عَلَى
الْقَوْمِ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي
ابْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيّ أَنّهُ
كَانَ عَلَيْهِمْ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ ، أَحَدُ بَنِي مَعِيصِ
بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ .Sغَزْوَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ
195.
وَذَكَرَ فِي غَزْوَةِ عُبَيْدَةَ وَلِقَائِهِ
الْمُشْرِكِينَ وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ ،
هَكَذَا الرّوَايَةُ حَيْثُ وَقَعَ بِكَسْرِ الْمِيمِ . وَذَكَرَ ابْنُ
مَاكُولَا فِي الْمُؤْتَلَفِ وَالْمُخْتَلَفِ عَنْ أَبِي عَبْدَةَ النّسّابَةِ
أَنّهُ كَانَ يَقُولُ فِيهِ مَكْرَزُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَأَنّهُ مِفْعَلٌ
أَوْ مَفْعَلٌ مِنْ الْكَرِيزِ وَهُوَ الْأَقِطُ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ هُوَ
وَغَيْرُهُ فِي الْأَخْيَفِ هَهُنَا أَنّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ
الْخَاءِ وَكَانَ ابْنُ مَاكُولَا وَحْدَهُ يَقُولُ فِي الْأَخْيَفِ مِنْ بَنِي أُسَيْدِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ وَهُوَ جَدّ الْخَشْخَاشِ التّمِيمِيّ : أُخَيْفٌ بِضَمّ
الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْخَاءِ وَقَالَ الدّارَقُطْنِيّ : أَخْيَفُ كَمَا قَالُوا فِي الْأَوّلِ .
196.
شِعْرُ أَبِي بَكْرٍ فِيهَا
197.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 32 ] فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ
الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ
لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
198.
أَمِنْ طَيْفِ سَلْمَى بِالْبِطَاحِ الدّمَائِثِ ... أَرِقْت
وَأَمْرٍ فِي الْعَشِيرَةِ حَادِثِ
199.
تَرَى مِنْ لُؤَيّ فَرْقَةً لَا يَصُدّهَا ... عَنْ
الْكُفْرِ تَذْكِيرٌ وَلَا بَعْثُ بَاعِثِ
200.
رَسُولٌ أَتَاهُمْ صَادِقٌ فَتَكَذّبُوا ... عَلَيْهِ
وَقَالُوا : لَسْت فِينَا بِمَاكِثِ
201.
إذَا مَا دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْحَقّ أَدْبَرُوا ...
وَهَرّوا هَرِيرَ الْمُحْجَرَاتِ اللّوَاهِثِ
202.
فَكَمْ قَدْ مَتَتْنَا فِيهِمْ بِقَرَابَةِ ... وَتَرْكُ
التّقَى شَيْءٌ لَهُمْ غَيْرُ كَارِثِ
203.
فَإِنْ يَرْجِعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ وَعُقُوقِهِمْ ... فَمَا
طَيّبَاتُ الْحِلّ مِثْلُ الْخَبَائِثِ
204.
لِأَنْ يَرْكَبُوا طُغْيَانَهُمْ وَضَلَالَهُمْ ... فَلَيْسَ
عَذَابُ اللّهِ عَنْهُمْ بِلَابِثِ
205.
وَنَحْنُ أُنَاسٌ مِنْ ذُؤَابَةَ غَالِبٌ ... لَنَا الْعِزّ
مِنْهَا فِي الْفُرُوعِ الْأَثَائِثِ
206.
فَأُولِي بِرَبّ الرّاقِصَاتِ عَشِيّةً ... حَراجِيجُ
تَخْدِي فِي الرّيحِ الرّثَائِثِ
207.
كَأَدْمِ ظِبَاءٍ حَوْلَ مَكّةَ عُكّفٍ ... يَرِدْنَ حِيَاضَ
الْبِئْرِ ذَاتِ التّبَائِثِ
208.
لَئِنْ لَمْ يُفِيقُوا عَاجِلًا مِنْ ضَلَالِهِمْ ...
وَلَسْت إذَا آلَيْتَ قَوْلًا بِحَانِثِ
209.
لَتَبْتَدِرَنهُمْ غَارَةٌ ذَاتُ مَصْدَقٍ ... تُحَرّمُ
أَطْهَارَ النّسَاءِ الطّوَامِثِ
210.
تُغَادِرُ قَتْلَى تَعْصِبُ الطّيْرُ حَوْلَهُمْ ... وَلَا
تَرْأَفُ الْكُفّارَ رَأْفَ ابْنِ حَارِثِ
211.
فَأَبْلِغْ بَنِي سَهْمٍ لَدَيْك رِسَالَةً ... وَكُلّ
كَفُورٍ يَبْتَغِي الشّرّ بَاحِثِ
212.
فَإِنْ تَشْعَثُوا عِرْضِي عَلَى سُوءِ رَأْيِكُمْ ...
فَإِنّي مِنْ أَعْرَاضِكُمْ غَيْرُ شَاعِثِ
213.
[
ص 33 ] الزّبَعْرَى السّهْمِيّ فَقَالَ
214.
أَمِنْ رَسْمِ دَارٍ أَقْفَرَتْ بِالْعَثَاعِثِ ... بَكَيْت
بِعَيْنِ دَمْعُهَا غَيْرُ لَابِثِ
215.
وَمِنْ عَجَبِ الْأَيّامِ وَالدّهْرُ كُلّهُ ... لَهُ عَجَبٌ
مِنْ سَابِقَاتٍ وَحَادِثِ
216.
لِجَيْشِ أَتَانَا ذِي عُرَامٍ يَقُودُهُ ... عُبَيْدَةُ
يُدْعَى فِي الْهِيَاجِ ابْنَ حَارِثِ
217.
لِنَتْرُكَ أَصْنَامًا بِمَكّةَ عُكّفًا ... مَوَارِيثَ
مَوْرُوثٍ كَرِيمٍ لِوَارِثِ
218.
فَلَمّا لَقِينَاهُمْ بِسُمْرِ رُدَيْنَةٍ ... وَجُرْدٍ
عِتَاقٍ فِي الْعَجَاجِ لَوَاهِثِ
219.
وَبِيضٍ كَأَنّ الْمِلْحَ فَوْقَ مُتُونِهَا ... بِأَيْدِي
كُمَاةٍ كَاللّيُوثِ الْعَوَائِثِ
220.
نُقِيمُ بِهَا إصْعَارَ مَنْ كَانَ مَائِلًا ... وَنَشْفِي
الدّخُولَ عَاجِلًا غَيْرَ لَابِثِ
221.
فَكَفّوا عَلَى خَوْفٍ شَدِيدٍ وَهَيْبَةٍ ...
وَأَعْجَبَهُمْ أَمْرٌ لَهُمْ أَمْرُ رَائِثِ
222.
وَلَوْ أَنّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا نَاحَ نِسْوَةٌ ...
أَيَامَى لَهُمْ مِنْ بَيْنَ نَسْءٍ وَطَامِثِ
223.
وَقَدْ غُودِرَتْ قَتْلَى يُخْبِرُ عَنْهُمْ ... حَفِيّ
بِهِمْ أَوْ غَافِلٌ غَيْرُ بَاحِثِ
224.
فَأَبْلِغْ أَبَا بَكْرٍ لَدَيْك رِسَالَةً ... فَمَا أَنْتَ
عَنْ أَغْرَاضِ فِهْرٍ بِمَاكِثِ
225.
وَلَمّا تَجِبْ مِنّي يَمِينٌ غَلِيظَةٌ ... تُجَدّدُ
حَرْبًا حَلْفَةٌ غَيْرَ حَانِثِ
226.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 34 ] الْقَصِيدَةَ لِابْنِ
الزّبَعْرَى .
227.
شِعْرُ ابْنِ أَبِي وَقّاصٍ فِي رَمْيَتِهِ
228.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ
فِي رَمْيَتِهِ تِلْكَ فِيمَا يَذْكُرُونَ
229.
أَلَا هَلْ أَتَى رَسُولَ اللّهِ أَنّي ... حَمَيْت
صَحَابَتِي بِصُدُورِ نَبْلِي
230.
أَذُودُ بِهَا أَوَائِلَهُمْ ذِيَادًا ... بِكُلّ حُزُونَةٍ
وَبِكُلّ سَهْلِ
231.
فَمَا يَعْتَدّ رَامٍ فِي عَدُوّ ... بِسَهْمِ يَا رَسُولَ
اللّهِ قَبْلِي
232.
وَذَلِكَ أَنّ دِينَك دِينُ صَدْقٍ ... وَذُو حَقّ أَتَيْت
بِهِ وَعَدْلِ
233.
يُنْجِي الْمُؤْمِنُونَ بِهِ وَيُجْزَى ... بِهِ الْكُفّارُ
عِنْدَ مَقَامِ مَهْلِ
234.
فَمَهْلًا قَدْ غَوِيتَ فَلَا تَعِبْنِي ... غَوِيّ الْحَيّ
وَيْحَك يَا بْنَ جَهْلِ
235.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ
بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِسَعْدِ .
236.
أَوّلُ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لِعُبَيْدَةَ
237.
[
ص 35 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَكَانَتْ رَايَةُ
عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ - فِيمَا بَلَغَنِي - أَوّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
. وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَزْعُمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بَعَثَهُ حِينَ أَقْبَلَ مِنْ غَزْوَةِ الْأَبْوَاءِ ، قَبْلَ أَنْ
يَصِلَ إلَى الْمَدِينَةِ .Sشَرْحُ الْقَصِيدَةِ
الْمَنْسُوبَةِ
238.
إلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَصِيدَةِ ابْنِ الزّبَعْرَى وَأَبِي
جَهْلٍ
239.
فَصْلٌ
240.
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 32 ] الْقَصِيدَةَ الّتِي
تُعْزَى إلَى أَبِي بَكْرٍ وَنَقِيضَتُهَا لِابْنِ الزّبَعْرَى ، وَالّزِبَعْرَى
فِي اللّغَةِ السّيّئُ الْخُلُقِ يُقَالُ رَجُلٌ زِبَعْرَى ، وَامْرَأَةٌ
زِبَعْرَاةَ وَالزّبَعْرَى أَيْضًا الْبَعِيرُ الْأَزَبّ الْكَثِيرُ شَعْرِ الْأُذُنَيْنِ
مَعَ قِصَرٍ قَالَهُ الزّبَيْرُ . وَفِي هَذَا الشّعْرِ أَوْ الّذِي بَعْدَهُ
ذَكَرَ الدّبّةَ وَهُوَ الْكَثِيبُ مِنْ الرّمْلِ وَأَمّا الدّبّةُ بِضَمّ
الدّالِ فَإِنّهُ يُقَالُ جَرَى فُلَانٌ عَلَى دُبّةِ فُلَانٍ أَيْ عَلَى
سُنّتِهِ وَطَرِيقَتِهِ وَالدّبّةُ أَيْضًا ظَرْفٌ لِلزّيْتِ قَالَ الرّاجِزُ
لِيَكُ بِالْعُنْفِ عِفَاصُ الدّبّةِ
241.
وَالدّبّةُ بِكَسْرِ الدّالِ هَيْئَةُ الدّبِيبِ وَلَيْسَ
فِيهَا مَا يُشْكِلُ مَعْنَاهُ . وَقَوْلُهُ . . . تَحْدِي فِي السّرِيحِ
الرّثَائِثِ [ ص 33 ] الْحَرَاجِيجَ وَهِيَ الطّوَالُ تَحْدِي أَيْ
تُسْرِعُ فِي سَرِيحٍ قَدْ رَثّ مِنْ طُولِ السّيْرِ قَالَ الشّاعِرُ دَوَمَى
الْأَيْدِ يَحْبِطْنَ السّرِيحَا
242.
وَذَكَرَ الْعَثَاعَثَ ، وَاحِدُهَا : عَثْعَثٌ وَهُوَ مِنْ أَكْرَمِ
مَنَابِتِ الْعُشْبِ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَفِي الْعَيْنِ الْعُثْعُثُ
ظَهْرُ الْكَثِيبِ الّذِي لَا نَبَاتَ فِيهِ . وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ أَنّ
قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ أَنْكَرُوا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ
الْقَصِيدَةُ لِأَبِي بَكْرٍ وَيَشْهَدُ لِصِحّةِ مَنْ أَنْكَرَ لَهُ مَا رَوَى
عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ
كَذَبَ مَنْ أَخْبَرَكُمْ أَنّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ بَيْتَ شِعْرٍ فِي
الْإِسْلَامِ رَوَاهُ مُحَمّدٌ الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكّلِ عَنْ
عَبْدِ الرّزّاقِ . وَقَوْلُ ابْنِ الزّبَعْرَى : بَيْنَ نَسْءٍ وَطَامِثِ
وَالنّسْءُ حَمْلُ الْمَرْأَةِ [ ص 34 ] يُقَالُ نُسِئَتْ الْمَرْأَةُ [ نَسَأً
] إذَا تَأَخّرَ حَيْضُهَا مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ . مِنْ كِتَابِ الْعَيْنِ . وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ رَأْبَ ابْنِ حَارِثٍ
. يَعْنِي : عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ .
243.
سَرِيّةُ حَمْزَةَ إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ
244.
مَا جَرَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفّارِ
245.
وَبَعَثَ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ، إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ ، مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ ،
فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ
أَحَدٌ . فَلَقِيَ أَبَا جَهْلٍ بْنَ هِشَامٍ بِذَلِكَ السّاحِلِ فِي ثَلَاثِ
مِائَةِ رَاكِبٍ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ . فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِي بْنُ عَمْرٍو
الْجُهَنِيّ . وَكَانَ مُوَادِعًا لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا ، فَانْصَرَفَ
بَعْضُ الْقَوْمِ عَنْ بَعْضٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ .
246.
كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوّلَ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ
وَشِعْرُ حَمْزَةَ فِي ذَلِكَ
247.
وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوّلَ
رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَحَدِ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ . وَذَلِكَ أَنْ بَعْثَهُ وَبَعْثَ عُبَيْدَةَ كَانَا مَعًا ،
فَشُبّهَ ذَلِكَ عَلَى النّاسِ . وَقَدْ زَعَمُوا أَنّ حَمْزَةَ قَدْ قَالَ فِي
ذَلِكَ شِعْرًا يَذْكُرُ فِيهِ أَنّ رَايَتَهُ أَوّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنْ كَانَ حَمْزَةُ قَدْ قَالَ ذَلِكَ
فَقَدْ صَدَقَ إنْ شَاءَ اللّهُ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ إلّا حَقّا ، فَاَللّهُ
أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ . فَأَمّا مَا سَمِعْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
عِنْدَنَا . فَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ أَوّلُ مَنْ عَقَدَ لَهُ . فَقَالَ
حَمْزَةُ فِي ذَلِكَ فِيمَا يَزْعُمُونَ [ ص 36 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشّعْرَ لِحَمْزَةِ
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
248.
أَلَا يَا لِقَوْمِي لِلتّحَلّمِ وَالْجَهْلِ ...
وَلِلنّقْصِ مِنْ رَأْيِ الرّجَالِ وَلِلْعَقْلِ
249.
وَلِلرّاكِبِينَا بِالْمَظَالِمِ لَمْ نَطَأْ ... لَهُمْ
حُرُمَاتٍ مِنْ سَوَامٍ وَلَا أَهْلٍ
250.
كَأَنّا تَبَلْنَاهُمْ وَلَا تَبْلَ عِنْدَنَا ... لَهُمْ
غَيْرُ أَمْرٍ بِالْعَفَافِ وَبِالْعَدْلِ
251.
وَأَمْرٍ بِإِسْلَامِ فَلَا يَقْبَلُونَهُ ... وَيَنْزِلُ
مِنْهُمْ مِثْلَ مَنْزِلَةِ الْهَزْلِ
252.
فَمَا بَرِحُوا حَتّى انْتَدَبْت لِغَارَةِ ... لَهُمْ
حَيْثُ حَلّوا أَبْتَغِي رَاحَةَ الْفَضْلِ
253.
بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ أَوّلُ خَافِقٍ ... عَلَيْهِ
لِوَاءٌ لَمْ يَكُنْ لَاحَ مِنْ قَبْلِي
254.
لِوَاءٌ لَدَيْهِ النّصْرُ مِنْ ذِي كَرَامَةٍ ... إلَهٍ
عَزِيزٍ فِعْلُهُ أَفْضَلُ الْفِعْلِ
255.
عَشِيّةَ سَارُوا حَاشِدِينَ وَكُلّنَا ... مَرَاجِلُهُ مِنْ
غَيْظِ أَصْحَابِهِ تَغْلِي
256.
فَلَمّا تَرَاءَيْنَا أَنَاخُوا فَعَقّلُوا ... مَطَايَا
وَعَقّلْنَا مَدَى غَرَضِ النّبْلِ
257.
فَقُلْنَا لَهُمْ حَبْلُ الْإِلَهِ نَصِيرُنَا ... وَمَا
لَكُمْ إلّا الضّلَالَةُ مِنْ حَبْلِ
258.
فَثَارَ أَبُو جَهْلٍ هُنَالِكَ بَاغِيًا ... فَخَابَ وَرَدّ
اللّهُ كَيْدَ أَبِي جَهْلٍ
259.
وَمَا نَحْنُ إلّا فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا ... وَهُمْ
مِئَتَانِ بَعْدَ وَاحِدَةٍ فَضْلِ
260.
فَيَا لَلُؤَيّ لَا تُطِيعُوا غُوَاتَكُمْ ... وَفِيئُوا
إلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَنْهَجِ السّهْلِ
261.
فَإِنّي أَخَافُ أَنْ يُصَبّ عَلَيْكُمْ ... عَذَابٌ
فَتَدْعُوا بِالنّدَامَةِ وَالثّكْلِ
262.
شِعْرُ أَبِي جَهْلٍ فِي الرّدّ عَلَى حَمْزَةَ
263.
[
ص 37 ] أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ ، فَقَالَ
264.
عَجِبْت لِأَسْبَابِ الْحَفِيظَةِ وَالْجَهْلِ ...
وَلِلشّاغِبِينَ بِالْخِلَافِ وَبِالْبُطْلِ
265.
وَلِلتّارِكِينَ مَا وَجَدْنَا جُدُودَنَا ... عَلَيْهِ
ذَوِي الْأَحْسَابِ وَالسّؤْدُدِ الْجَزْلِ
266.
أَتَوْنَا بِإِفْكِ كَيْ يُضِلّوا عُقُولَنَا ... وَلَيْسَ
مُضِلّا إفْكُهُمْ عَقْلَ ذِي عَقْلِ
267.
فَقُلْنَا لَهُمْ يَا قَوْمَنَا لَا تُخَالِفُوا ... عَلَى
قَوْمِكُمْ إنّ الْخِلَافَ مَدَى الْجَهْلِ
268.
فَإِنّكُمْ إنْ تَفْعَلُوا تَدْعُ نِسْوَةٌ ... لَهُنّ
بَوَاكٍ بِالرّزِيّةِ وَالثّكْلِ
269.
وَإِنْ تَرْجِعُوا عَمّا فَعَلْتُمْ فَإِنّنَا ... بَنُو
عَمّكُمْ أَهْلُ الْحَفَائِظِ وَالْفَضْلِ
270.
فَقَالُوا لَنَا : إنّا وَجَدْنَا مُحَمّدًا ... رِضَا
لِذَوِي الْأَحْلَامِ مِنّا وَذِي الْعَقْلِ
271.
فَلَمّا أَبَوْا إلّا الْخِلَافَ وَزَيّنُوا ... جِمَاعَ
الْأُمُورِ بِالْقَبِيحِ مِنْ الْفِعْلِ
272.
تَيَمّمَتْهُمْ بِالسّاحِلَيْنِ بِغَارَةِ ... لِأَتْرُكهُمْ
كَالْعَصْفِ لَيْسَ بِذِي أَصْلِ
273.
فَوَرّعَنِي مَجْدِي عَنْهُمْ وَصُحْبَتِي ... وَقَدْ
وَازْرُونِي بِالسّيُوفِ وَبِالنّبْلِ
274.
لِإِلّ عَلَيْنَا وَاجِبٍ لَا نُضَيّعُهُ ... أَمِينٌ قَوّاهُ
غَيْرُ مُنْتَكِثِ الْحَبْلِ
275.
فَلَوْلَا ابْنُ عَمْرٍو كُنْت غَادَرْت مِنْهُمْ ...
مَلَاحِمَ لِلطّيْرِ الْعُكُوفِ بِلَا تَبْلِ
276.
وَلَكِنّهُ آلَى بِإِلّ فَقَلّصَتْ ... بِأَيْمَانِنَا حَدّ
السّيُوفِ عَنْ الْقَتْلِ
277.
فَإِنْ تُبْقِنِي الْأَيّامُ أَرْجِعُ عَلَيْهِمْ ...
بِبِيضِ رِقَاقِ الْحَدّ مُحْدَثَةِ الصّقْلِ
278.
بِأَيْدِي حُمَاةٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَامِ
الْمَسَاعِي فِي الْجُدُوبَةِ وَالْمَحْلِ
279.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ
بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشّعْرَ لِأَبِي جَهْلٍ .Sأَسْمَاءٌ مَمْنُوعَةٌ مِنْ
التّنْوِينِ
280.
وَقَوْلُ أَبِي جَهْلٍ وَوَرّعَنِي مَجْدِي عَنْهُمْ
وَصُحْبَتِي
281.
[
ص 35 ] تَرَكَ صَرْفَ مَجْدِي ، لِأَنّهُ عَلَمٌ
وَتَرَكَ التّنْوِينَ فِي الْمَعَارِفِ كُلّهَا أَصْلٌ لَا يُنَوّنُ مُضْمَرٌ
وَلَا مُبْهَمٌ وَلَا مَا فِيهِ الْأَلِفُ وَاللّامُ وَلَا مُضَافٌ وَكَذَلِكَ
كَانَ الْقِيَاسُ فِي الْعَلَمِ فَإِذَا لَمْ يُنَوّنْ فِي الشّعْرِ فَهُوَ الْأَصْلُ
فِيهِ لِأَنّ دُخُولَ التّنْوِينِ فِي الْأَسْمَاءِ إنّمَا هُوَ عَلَامَةٌ
لِانْفِصَالِهَا عَنْ الْإِضَافَةِ فَمَا لَا يُضَافُ لَا يَحْتَاجُ إلَى
تَنْوِينٍ وَقَدْ كَشَفْنَا سِرّ التّنْوِينِ وَامْتِنَاعَ التّنْوِينِ
وَالْخَفْضَ مِمّا لَا يَنْصَرِفُ فِي مَسْأَلَةٍ أَفْرَدْنَاهَا فِي هَذَا
الْبَابِ وَأَتَيْنَا فِيهَا بِالْعَجَبِ الْعُجَابِ وَالشّوَاهِدِ عَلَى حَذْفِ
التّنْوِينِ فِي الشّعْرِ مِنْ الِاسْمِ الْعَلَمِ كَثِيرَةٌ جِدّا ،
فَتَأَمّلْهُ فِي أَشْعَارِ السّيَرِ وَالْمَغَازِي تَجِدُهَا ، وَعَرَضْنَا فِي
شَرْحِ هَذِهِ الْأَشْعَارِ الْوَارِدَةِ فِي كِتَابِ السّيرَةِ أَنْ نَشْرَحَ
مِنْهَا مَا اُسْتُغْلِقَ لَفْظُهُ جِدّا ، أَوْ غَمُضَ إعْرَابُهُ عَلَى
شَرْطِنَا فِي أَوّلِ الْكِتَابِ .
282.
رِوَايَةُ شِعْرِ الْكَفَرَةِ
283.
[
ص 36 ] نَالُوا
فِيهَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا شِعْرَ مَنْ
أَسْلَمَ وَتَابَ كَضِرَارِ وَابْنِ الزّبَعْرَى ، وَقَدْ كَرِهَ كَثِيرٌ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ فِعْلَ ابْنِ إسْحَاقَ فِي إدْخَالِهِ الشّعْرَ الّذِي نِيلَ
فِيهِ مِنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَمِنْ النّاسِ
مَنْ اعْتَذَرَ عَنْهُ قَالَ حِكَايَةَ الْكُفْرِ لَيْسَ بِكُفْرِ وَالشّعْرُ
كَلَامٌ وَلَا فَرْقَ أَنْ يُرْوَى كَلَامُ الْكَفَرَةِ وَمُحَاجّتُهُمْ
لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَدّهُمْ عَلَيْهِ مَنْثُورًا
وَبَيْنَ أَنْ يُرْوَى مَنْظُومًا ، وَقَدْ حَكَى رَبّنَا سُبْحَانَهُ فِي
كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مَقَالَاتِ الْأُمَمِ لِأَنْبِيَائِهَا ، وَمَا طَعَنُوا
بِهِ عَلَيْهِمْ فَمَا ذَكَرَ مِنْ هَذَا عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ نَظْمًا
أَوْ نَثْرًا فَإِنّمَا يُقْصَدُ بِهِ الِاعْتِبَارُ بِمَا مَضَى ، وَتَذَكّرُ
نِعْمَةِ اللّهِ تَعَالَى عَلَى الْهُدَى ، وَالْإِنْقَاذِ مِنْ الْعَمَى .
وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ
لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا وَتَأَوّلَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهَا فِي الْأَشْعَارِ [ ص 37 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
وَأَنْكَرَتْ قَوْلَ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْعُمُومِ
فِي جَمِيعِ الشّعْرِ وَإِذَا قُلْنَا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ
فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إلّا عَيْبُ امْتِلَاءِ الْجَوْفِ مِنْهُ . وَأَمّا رِوَايَةُ
الْيَسِيرِ مِنْهُ عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ أَوْ الِاسْتِشْهَادُ عَلَى
اللّغَةِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي النّهْيِ وَقَدْ رَدّ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى مَنْ
تَأَوّلَ الْحَدِيثَ فِي الشّعْرِ الّذِي هُجِيَ بِهِ الْإِسْلَامُ وَقَالَ
رِوَايَةُ نِصْفِ بَيْتٍ مِنْ ذَلِكَ الشّعْرِ حَرَامٌ فَكَيْفَ يَخُصّ
امْتِلَاءَ الْجَوْفِ مِنْهُ بِالذّمّ وَعَائِشَةُ أَعْلَمُ فَإِنّ الْبَيْتَ
وَالْبَيْتَيْنِ وَالْأَبْيَاتَ مِنْ تِلْكَ الْأَشْعَارِ عَلَى جِهَةِ
الْحِكَايَةِ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ الْمَنْثُورِ الّذِي ذَمّوا بِهِ رَسُولَ
اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَا فَرْقَ وَقَوْلُ عَائِشَةَ
الّذِي ، قَدّمْنَاهُ ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ وَعَلَى الْقَوْلِ
بِالْإِبَاحَةِ فَإِنّ النّفْسَ تَقَذّرُ تِلْكَ الْأَشْعَارَ وَتُبْغِضُهَا
وَقَائِلِيهَا فِي اللّهِ فَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا خَيْرٌ مِنْ الْخَوْضِ فِيهَا
وَالتّتَبّعِ لِمَعَانِيهَا .
284.
غَزْوَةُ بُوَاطَ
285.
[
ص 38 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ . ثُمّ غَزَا رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ يُرِيدُ
قُرَيْشًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ
عَلَى الْمَدِينَةِ السّائِبَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى بَلَغَ بُوَاطَ ، مِنْ
نَاحِيَةِ رَضْوَى ، ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا ،
فَلَبِثَ بِهَا بَقِيّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَبَعْضَ جُمَادَى الْأُولَى
.Sغَزْوَةُ بُوَاطَ
286.
[
ص 38 ] وَبُوَاطُ جَبَلَانِ فَرْعَانِ لِأَصْلِ وَأَحَدُهُمَا
: جَلْسِيّ ، وَالْآخَرُ غَوْرِيّ ، وَفِي الْجَلْسِيّ بَنُو دِينَارٍ [
مَوَالِي بَنِي كُلَيْبِ بْنِ كَثِيرٍ ] يُنْسَبُونَ إلَى دِينَارٍ مَوْلَى
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ . ذَكَرَ فِيهِ اسْتِخْلَافَ رَسُولِ اللّهِ -
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَلَى الْمَدِينَةِ السّائِبَ بْنَ مَظْعُونٍ
وَهُوَ أَخُو عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ
بْنِ جُمَحَ ، شَهِدَ بَدْرًا فِي قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ
مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْبَدْرِيّينَ وَأَمّا السّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ
وَهُوَ ابْنُ أَخِي هَذَا ، فَشَهِدَ بَدْرًا فِي قَوْلِ جَمِيعِهِمْ إلّا ابْنَ
الْكَلْبِيّ وَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا .
287.
غَزْوَةُ الْعُشَيْرَةِ
288.
أَبُو سَلَمَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ
289.
ثُمّ غَزَا قُرَيْشًا ، فَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ
أَبَا سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 39 ]
290.
الطّرِيقُ إلَى الْعُشَيْرَةِ
291.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَسَلَكَ عَلَى نَقْبِ بَنِي
دِينَارٍ ، ثُمّ عَلَى فَيْفَاءِ الْخَبَارِ فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ
بِبَطْحَاءِ ابْنِ أَزْهَرَ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ السّاقِ فَصَلّى عِنْدَهَا .
فَثَمّ مَسْجِدُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصُنِعَ لَهُ عِنْدَهَا طَعَامٌ
فَأَكَلَ مِنْهُ وَأَكَلَ النّاسُ مَعَهُ فَمَوْضِعُ أَثَافِي الْبُرْمَةِ
مَعْلُومٌ هُنَالِكَ وَاسْتُقِيَ لَهُ مِنْ مَاءٍ بِهِ يُقَالُ لَهُ
الْمُشْتَرِبُ ، ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَتَرَكَ الْخَلَائِقَ بِيَسَارِ وَسَلَكَ شُعْبَةً يُقَالُ لَهَا : شُعْبَةُ
عَبْدِ اللّهِ ، وَذَلِكَ اسْمُهَا الْيَوْمَ ثُمّ صَبّ لِلْيَسَارِ حَتّى
هَبَطَ يَلْيَلَ ، فَنَزَلَ بِمُجْتَمَعِهِ وَمُجْتَمَعِ الضّبُوعَةِ ،
وَاسْتَقَى مِنْ بِئْرٍ بِالضّبُوعَةِ ثُمّ سَلَكَ الْفَرْشَ فَرْشَ مَلَلَ ،
حَتّى لَقِيَ الطّرِيقَ بِصُحَيْرَاتِ الْيَمَامِ ثُمّ اعْتَدَلَ بِهِ الطّرِيقُ
حَتّى نَزَلَ الْعُشَيْرَةَ مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ . فَأَقَامَ بِهَا جُمَادَى
الْأُولَى وَلَيَالِيَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَادَعَ فِيهَا بَنِي مُدْلِجٍ
وَحُلَفَاءَهُمْ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَلَمْ
يَلْقَ كَيْدًا .
292.
تَكْنِيَةُ عَلِيّ بِأَبِي تُرَابٍ
293.
[
ص 40 ] قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ
السّلَامُ مَا قَالَ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ خَيْثَمٍ الْمُحَارِبِيّ ،
عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ خَيْثَمٍ أَبِي
يَزِيدَ عَنْ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، قَالَ كُنْت أَنَا وَعَلِيّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ رَفِيقَيْنِ فِي غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ فَلَمّا نَزَلَهَا رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقَامَ بِهَا ، رَأَيْنَا أُنَاسًا
مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يَعْمَلُونَ فِي عَيْنٍ لَهُمْ وَفِي نَخْلٍ ، فَقَالَ لِي
عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : يَا أَبَا الْيَقْظَانِ هَلْ لَك فِي أَنْ تَأْتِيَ
هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَنَنْظُرُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ ؟ قَالَ قُلْت : إنْ شِئْت ،
قَالَ فَجِئْنَاهُمْ فَنَظَرْنَا إلَى عَمَلِهِمْ سَاعَةً ثُمّ غَشِينَا
النّوْمُ . فَانْطَلَقْت أَنَا وَعَلِيّ حَتّى اضْطَجَعْنَا فِي صُورٍ مِنْ
النّخْلِ وَفِي دَقْعَاءَ مِنْ التّرَابِ فَنِمْنَا ، فَوَاَللّهِ مَا أَهَبّنَا
إلّا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحَرّكُنَا بِرِجْلِهِ .
وَقَدْ تَتَرّبْنَا مِنْ تِلْكَ الدّقْعَاءِ الّتِي نِمْنَا فِيهَا ،
فَيَوْمَئِذٍ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَلِيّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَا لَك يَا أَبَا تُرَابٍ لِمَا يَرَى عَلَيْهِ مِنْ
التّرَابِ ثُمّ قَالَ أَلَا أُحَدّثُكُمَا بِأَشْقَى النّاسِ رَجُلَيْنِ ؟
قُلْنَا : بَلَى يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ " أُحَيْمِرُ ثَمُودَ الّذِي
عَقَرَ النّاقَةَ وَاَلّذِي يَضْرِبُك يَا عَلِيّ عَلَى هَذِهِ - وَوَضَعَ
يَدَهُ عَلَى قَرْنِهِ - حَتّى يَبُلّ
مِنْهَا هَذِهِ وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ [ ص 41 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ
حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إنّمَا سَمّى عَلِيّا أَبَا تُرَابٍ ، أَنّهُ كَانَ إذَا عَتَبَ عَلَى
فَاطِمَةَ فِي شَيْءٍ لَمْ يُكَلّمْهَا ، وَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا
تَكْرَهُهُ إلّا أَنّهُ يَأْخُذُ تُرَابًا فَيَضَعُهُ عَلَى رَأْسِهِ . قَالَ
فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا رَأَى عَلَيْهِ
التّرَابَ عَرَفَ أَنّهُ عَاتِبٌ عَلَى فَاطِمَةَ فَيَقُولُ مَا لَك يَا أَبَا
تُرَابٍ ؟ فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ .Sغَزْوَةُ الْعُشَيْرَةِ
294.
يُقَالُ فِيهَا : الْعُشَيْرَةُ وَالْعُشَيْرَاءُ وَبِالسّينِ الْمُهْمَلَةِ
أَيْضًا الْعُسَيْرَةُ وَالْعُسَيْرَاءُ أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ
أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللّهُ وَفِي الْبُخَارِيّ : أَنّ قَتَادَةَ سُئِلَ
عَنْهَا فَقَالَ الْعُشَيْرُ وَمَعْنَى الْعُسَيْرَةِ وَالْعُسَيْرَاءِ أَنّهُ
اسْمٌ مُصَغّرٌ مِنْ الْعَسْرَاءِ وَالْعُسْرَى ، وَإِذَا صُغّرَ تَصْغِيرَ
التّرْخِيمِ [ ص 39 ] قِيلَ عُسَيْرَةُ وَهِيَ بَقْلَةٌ تَكُونُ أَذَنَةً أَيْ
عَصِيفَةً ثُمّ تَكُونُ سَحّاءَ ثُمّ يُقَالُ لَهَا : الْعُسْرَى . قَالَ
الشّاعِرُ
295.
وَمَا مَنَعْنَاهَا الْمَاءَ إلّا ضَنَانَةً ... بِأَطْرَافِ
عُسْرَى شَوْكُهَا قَدْ تَخَدّدَا
296.
وَمَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ كَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا
يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ وَأَمّا الْعُشَيْرَةُ
بِالشّينِ الْمَنْقُوطَةِ فَوَاحِدَةُ الْعُشَرِ مُصَغّرَةٌ . وَذَكَرَ فِيهَا الضّبُوعَةَ
، وَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ وَهُوَ فَعُولَةٌ مِنْ ضَبَعَتْ الْإِبِلُ إذَا
أَمَرّتْ أَضْبَاعَهَا فِي السّيْرِ وَفِي الضّبُوعَةِ نَزَلَ عِنْدَ شَجَرَةٍ
يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ السّاقِ وَابْتَنَى ثُمّ مَسْجِدًا ، وَاسْتَسْقَى مِنْ
مَاءٍ هُنَالِكَ يُقَالُ لَهُ الْمُشَيْرِبُ كَذَلِكَ جَاءَ فِي رِوَايَةِ
الْبَكّائِيّ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ . وَذَكَرَ فِيهِ مَلَلًا ، وَهُوَ
اسْمُ مَوْضِعٍ يُقَالُ إنّهُ إنّمَا سُمّيَ مَلَلًا لِأَنّ الْمَاشِيَ إلَيْهِ
مِنْ الْمَدِينَةِ لَا يَبْلُغُهُ إلّا بَعْدَ جَهْدٍ وَمَلَلٍ ، وَهُوَ عَلَى
عِشْرِينَ مِيلًا مِنْ الْمَدِينَةِ ، أَوْ أَكْثَرُ قَلِيلًا وَذَكَرَ
الْحَلَائِقَ وَهِيَ آبَارٌ مَعْلُومَةٌ . وَرَوَاهُ غَيْرُ أَبِي الْوَلِيدِ
الْخَلَائِقَ بِخَاءِ مَنْقُوطَةٍ وَفَسّرَهَا بَعْضُهُمْ جَمْعُ خَلِيقَةٍ
وَهِيَ الْبِئْرُ الّتِي لَا مَاءَ فِيهَا ، وَأَكْثَرُ رِوَايَاتِ الْكِتَابِ عَلَى
هَذَا فَاَللّهُ أَعْلَمُ . [ ص 40 ] وَذَكَرَ فَرْشَ مَلَلٍ ، وَالْفَرْشُ
فِيمَا ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ : مَكَانٌ مُسْتَوٍ نَبْتُهُ الْعُرْفُطُ
وَالسّيَالُ وَالسّمُرُ يَكُونُ نَحْوًا مِنْ مِيلٍ أَوْ فَرْسَخٍ فَإِنْ
أَنْبَتَ الْعُرْفُطَ وَحْدَهُ فَهُوَ وَهْطٌ وَإِنْ أَنْبَتَ الطّلْحَ وَحْدَهُ
فَهُوَ غَوْلٌ وَجَمْعُهُ غَيْلَانُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَإِنْ أَنْبَتَ
النّصِيّ وَالصّلّيَانَ وَكَانَ نَحْوًا مِنْ مِيلَيْنِ قِيلَ لَهُ لُمِعَةٌ .
297.
تَكْنِيَةُ عَلِيّ بِأَبِي تُرَابٍ
298.
وَذَكَرَ حَدِيثَيْنِ فِي تَكْنِيَةِ عَلِيّ بِأَبِي تُرَابٍ
وَأَصَحّ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي جَامِعِهِ وَهُوَ أَنّ
رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَجَدَهُ فِي الْمَسْجِدِ نَائِمًا
وَقَدْ تَرِبَ جَنْبُهُ فَجَعَلَ يَحُثّ التّرَابَ عَنْ جَنْبِهِ وَيَقُولُ قُمْ
أَبَا تُرَابٍ وَكَانَ قَدْ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ مُغَاضِبًا لِفَاطِمَةَ
وَهَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ عَمّارٍ
مُخَالِفٌ لَهُ إلّا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ كَنّاهُ بِهَا مَرّتَيْنِ مَرّةً فِي الْمَسْجِدِ وَمَرّةً فِي هَذِهِ
الْغَزْوَةِ فَاَللّهُ أَعْلَمُ .
299.
أَشْقَى النّاسِ
300.
وَذَكَرَ أَشْقَى النّاسِ قَالَ وَهُوَ أُحَيْمِرُ ثَمُودَ
الّذِي عَقَرَ نَاقَةَ صَالِحٍ وَاسْمُهُ [ ص 41 ] قَدَارُ بْنُ سَالِفِ
وَأُمّهُ فُذَيْرَةُ وَهُوَ مِنْ التّسْعَةِ رَهْطٍ الْمَذْكُورِينَ فِي سُورَةِ
النّمْلِ وَقَدْ ذَكَرْت أَسَمَاءَهُمْ فِي كِتَابِ التّعْرِيفِ وَالْإِعْلَامِ .
301.
مُوَادَعَةُ بَنِي ضَمْرَةَ
302.
وَذَكَرَ مُوَادَعَتَهُ لِبَنِي ضَمْرَةَ ، وَهُمْ بَطْنٌ
مِنْ كِنَانَةَ ثُمّ مِنْ بَنِي لَيْثٍ ، وَهُمْ بَنُو غِفَارٍ وَبَنُو
نُعَيْلَةَ بَنِي مُلَيْلِ بْنِ ضَمْرَةَ وَكَانَتْ نُسْخَةُ الْمُوَادَعَةِ
فِيمَا ذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ [ ص 42 ] بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ
الرّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ لِبَنِي ضَمْرَةَ
فَإِنّهُمْ آمِنُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأَنّ لَهُمْ النّصْرَ
عَلَى مَنْ رَامَهُمْ إلّا أَنْ يُحَارِبُوا فِي دِينِ اللّهِ مَا بَلّ بَحْرٌ
صُوفَةً وَإِنّ النّبِيّ إذَا دَعَاهُمْ لِنَصْرِهِ أَجَابُوهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ
ذِمّةُ اللّهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ وَلَهُمْ النّصْرُ عَلَى مَنْ بَرّ مِنْهُمْ
وَاتّقَى
303.
سَرِيّةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ
304.
وَذَهَابُهُ إلَى الْخَرّارِ وَرُجُوعُهُ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ
305.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوَةِ سَعْدِ بْنِ
أَبِي وَقّاصٍ ، فِي ثَمَانِيَةِ رَهْطٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَخَرَجَ حَتّى بَلَغَ
الْخَرّارَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ ، ثُمّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ بَعْثَ سَعْدٍ هَذَا كَانَ
بَعْدَ حَمْزَةَ .
306.
غَزْوَةُ سَفْوَانَ
307.
وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى
308.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمْ يَقُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمَ مِنْ غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ
إلّا لَيَالِيَ قَلَائِلَ لَا تَبْلُغُ الْعَشْرَ حَتّى أَغَارَ كُرْزُ بْنُ
جَابِرٍ الْفِهْرِيّ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَبِهِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ زَيْدَ
بْنَ حَارِثَةَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى
بَلَغَ وَادِيًا ، يُقَالُ لَهُ سَفْوَانُ ، مِنْ نَاحِيَةِ بَدْرٍ وَفَاتَهُ
كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ . ، فَلَمْ يُدْرِكْهُ وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى . ثُمّ
رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَأَقَامَ
بِهَا بَقِيّةَ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ .
309.
سَرِيّةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ
310.
وَنُزُولُ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ }
311.
كِتَابُ الرّسُولِ لَهُ
312.
[
ص 42 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ
بْنَ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأَسَدِيّ فِي رَجَبٍ مَقْفَلَهُ مِنْ بَدْرٍ
الْأُولَى ، وَبَعَثَ مَعَهُ ثَمَانِيَةَ رَهْطٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ
فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا وَأَمَرَهُ أَنْ لَا
يَنْظُرَ فِيهِ حَتّى يَسِيرَ يَوْمَيْنِ ثُمّ يَنْظُرَ فِيهِ فَيَمْضِيَ لِمَا
أَمَرَهُ بِهِ لَا يَسْتَكْرِهَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا . وَكَانَ أَصْحَابُ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ . ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ
شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : أَبُو حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ
بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ ، وَهُوَ
أَمِيرُ الْقَوْمِ وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ أَحَدُ بَنِي
أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافٍ : عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . وَمِنْ
بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ : سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ . وَمِنْ بَنِي عَدِيّ
بْنِ كَعْبٍ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ
، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَرِينِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ ، أَحَدُ بَنِي تَمِيمٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَخَالِدُ
بْنُ الْبُكَيْرِ أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . وَمِنْ بَنِي
الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : سُهَيْلُ ابْنُ بَيْضَاءَ . [ ص 43 ] سَارَ عَبْدُ
اللّهِ بْنُ جَحْشٍ يَوْمَيْنِ فَتَحَ الْكِتَابَ فَنَظَرَ فِيهِ فَإِذَا فِيهِ
إذَا نَظَرْت فِي كِتَابِي هَذَا فَامْضِ حَتّى تَنْزِلَ نَخْلَةَ ، بَيْنَ
مَكّةَ وَالطّائِفِ ، فَتَرَصّدْ بِهَا قُرَيْشًا وَتَعَلّمْ لَنَا مِنْ
أَخْبَارِهِمْ . فَلَمّا نَظَرَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ فِي الْكِتَابِ قَالَ
سَمْعًا وَطَاعَةً ثُمّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ قَدْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَمْضِيَ إلَى نَخْلَةَ ، أَرْصُدَ بِهَا
قُرَيْشًا ، حَتّى آتِيَهُ مِنْهُمْ بِخَبَرِ وَقَدْ نَهَانِي أَنْ لَا
أَسْتَكْرِهَ أَحَدًا مِنْكُمْ . فَمَنْ كَانَ
مِنْكُمْ يُرِيدُ الشّهَادَةَ وَيَرْغَبُ فِيهَا فَلْيَنْطَلِقْ وَمَنْ كَرِهَ
ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ فَأَمّا أَنَا فَمَاضٍ لِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَمَضَى وَمَضَى مَعَهُ أَصْحَابُهُ لَمْ يَتَخَلّفْ
عَنْهُ مَعَهُمْ أَحَدٌ . وَسَلَكَ عَلَى الْحِجَازِ ، حَتّى إذَا كَانَ
بِمَعْدِنِ فَوْقَ الْفُرُعِ ، يُقَالُ لَهُ بَحْرَانُ ، أَضَلّ سَعْدُ بْنُ
أَبِي وَقّاصٍ ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بَعِيرًا لَهُمَا ، كَانَا
يَعْتَقِبَانِهِ . فَتَخَلّفَا عَلَيْهِ فِي طَلَبِهِ . وَمَضَى عَبْدُ اللّهِ
بْنُ جَحْشٍ وَبَقِيّةُ أَصْحَابِهِ حَتّى نَزَلَ بِنَخْلَةَ فَمَرّتْ بِهِ
عِيرٌ لِقُرَيْشِ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَأَدَمًا ، وَتِجَارَةً مِنْ تِجَارَةِ
قُرَيْشٍ ، فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ .
313.
الْخِلَافُ حَوْلَ نَسَبِ الْحَضْرَمِيّ
314.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ الْحَضْرَمِيّ عَبْدُ اللّهِ
بْنُ عَبّادٍ ، وَيُقَالُ مَالِكُ بْنُ عَبّادٍ أَحَدُ [ ص 44 ] الصّدِفِ ،
وَاسْمُ الصّدِفِ عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ ، أَحَدُ السّكُونِ بْنِ أَشْرَسَ بْنِ كِنْدَةَ
، وَيُقَالُ كِنْدِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ ، وَأَخُوهُ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْمَخْزُومِيّانِ
وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ . فَلَمّا
رَآهُمْ الْقَوْمُ هَابُوهُمْ وَقَدْ نَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ فَأَشْرَفَ
لَهُمْ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ وَكَانَ قَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ فَلَمّا رَأَوْهُ
أَمِنُوا ، وَقَالُوا عُمّارٌ لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ . وَتَشَاوَرَ
الْقَوْمُ فِيهِمْ وَذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ فَقَالَ الْقَوْمُ
وَاَللّهِ لَئِنْ تَرَكْتُمْ الْقَوْمَ هَذِهِ اللّيْلَةَ لَيَدْخُلَن الْحَرَمَ
، فَلَيَمْتَنِعُنّ مِنْكُمْ بِهِ وَلَئِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ لَتَقْتُلَنهُمْ فِي
الشّهْرِ الْحَرَامِ فَتَرَدّدَ الْقَوْمُ وَهَابُوا الْإِقْدَامَ عَلَيْهِمْ
ثُمّ شَجّعُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِمْ وَأَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ مَنْ قَدَرُوا
عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَأَخَذَ مَا مَعَهُمْ . فَرَمَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِيّ
عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيّ بِسَهْمِ فَقَتَلَهُ وَاسْتَأْسَرَ عُثْمَانَ بْنَ
عَبْدِ اللّهِ ، وَالْحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ ؛ وَأَفْلَتَ الْقَوْمَ نَوْفَلُ
بْنُ عَبْدِ اللّهِ فَأَعْجَزَهُمْ . وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ وَأَصْحَابُهُ
بِالْعِيرِ وَبِالْأَسِيرِينَ حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ . وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
جَحْشٍ : أَنّ عَبْدَ اللّهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ إنّ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِمّا غَنِمْنَا الْخُمُسَ وَذَلِكَ أَنْ يَفْرِضَ
اللّهُ تَعَالَى الْخُمُسَ مِنْ الْمَغَانِمِ - فَعَزَلَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خُمُسَ الْعِيرِ وَقَسّمَ سَائِرَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ
.Sسَرِيّةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ
315.
صِحّةُ الرّمَايَةِ بِالْمُنَاوَلَةِ
316.
وَهُوَ الْمُجَدّعُ فِي اللّهِ وَسَيَأْتِي حَدِيثُهُ فِي
غَزْوَةِ أُحُدٍ وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ
الْعِلْمِ احْتِجَاجًا بِهِ عَلَى صِحّةِ الرّوَايَةِ بِالْمُنَاوَلَةِ لِأَنّ رَسُولَ
اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - نَاوَلَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَحْشٍ
كِتَابَهُ فَفَتَحَهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ فَعَمِلَ عَلَى مَا فِيهِ . وَكَذَلِكَ
الْعَالِمُ إذَا نَاوَلَ [ ص 43 ] جَازَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ مَا فِيهِ
وَهُوَ فِقَةٌ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنّ النّاسَ جَعَلُوا الْمُنَاوَلَةَ الْيَوْمَ
عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصّورَةِ يَأْتِي الطّالِبُ الشّيْخَ فَيَقُولُ نَاوِلْنِي
كُتُبَك ، فَيُنَاوِلُهُ ثُمّ يُمْسِكُ مَتَاعَهُ عِنْدَهُ ثُمّ يَنْصَرِفُ الطّالِبُ
فَيَقُولُ حَدّثَنِي فُلَانٌ مُنَاوَلَةٌ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ لَا تَصِحّ عَلَى
هَذَا الْوَجْهِ حَتّى يَذْهَبَ بِالْكِتَابِ مَعَهُ وَقَدْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُحَدّثَ
بِمَا فِيهِ عَنْهُ وَمِمّنْ قَالَ بِصِحّةِ الْمُنَاوَلَةِ عَلَى الْوَجْهِ
الّذِي ذَكَرْنَاهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، رَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ صَالِحٍ
عَنْهُ أَنّهُ أَخَرَجَ لَهُمْ كُتُبًا مَشْدُودَةً فَقَالَ هَذِهِ كُتُبِي
صَحّحْتهَا وَرَوَيْتهَا ، فَارْوُوهَا عَنّي ، فَقَالَ لَهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ
صَالِحٍ فَنَقُولُ حَدّثَنَا مَالِكٌ ؟ قَالَ نَعَمْ رَوَى قِصّةَ إسْمَاعِيلَ
هَذِهِ الدّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابِ رُوَاةِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللّهُ .
317.
أَوْلَادُ الْحَضْرَمِيّ
318.
وَذَكَرَ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيّ ، وَكَانُوا ثَلَاثَةً
عَمْرًا وَعَامِرًا وَالْعَلَاءَ فَأَمّا الْعَلَاءُ فَمِنْ أَفَاضِلِ
الصّحَابَةِ وَأُخْتُهُمْ الصّعْبَةُ أُمّ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ ،
وَكَانَتْ قَبْلَ أَبِيهِ عِنْدَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَفِيهَا يَقُولُ
حِينَ فَارَقَهَا :
319.
وَإِنّي وَصَعْبَةً فِيمَا نَرَى ... بَعِيدَانِ وَالْوِدّ
وِدّ قَرِيبْ
320.
فَإِنْ لَا يَكُنْ نَسَبٌ ثَاقِبٌ ... فَعِنْدَ الْفَتَاةِ
جَمَالٌ وَطِيبْ
321.
فَيَالَ قُصَيّ أَلَا تَعْجَبُونَ ... إلَى الْوَبْرِ صَارَ
الْغَزَالَ الرّبِيبْ
322.
[
ص 44 ] بَنِي الْحَضْرَمِيّ اضْطِرَابٌ فَقَدْ قِيلَ
مَا قَالَهُ ابْنُ إسْحَاقَ ، وَقِيلَ هُوَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عِمَادِ بْنِ
رَبِيعَةَ ، وَقِيلَ ابْنُ عَيّادٍ وَابْنُ عَبّادٍ بِالْبَاءِ وَاَلّذِي
ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ أَصَحّ ، وَهُمْ مِنْ الصّدِفِ ، وَيُقَالُ فِيهِ
الصّدِفُ بِكَسْرِ الدّالِ قَالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ وَالصّدِفُ : مَالِكُ بْنُ مُرَتّعِ
بْنِ ثَوْرٍ وَهُوَ كِنْدَةُ وَقَدْ قَدّمْنَا مَا قِيلَ فِي اسْمِ كِنْدَةَ
وَفِي مَعْنَاهُ فِي الْمَبْعَثِ وَقَدْ قِيلَ فِي الصّدِفِ :
هُوَ ابْنُ سَمّالِ بْنِ دُعْمِيّ بْنِ زِيَادِ بْنِ
حَضْرَمَوْتَ ، وَقِيلَ فِي حَضْرَمَوْتَ : إنّهُ مِنْ وَلَدِ حِمْيَرِ بْنِ
سَبَأٍ ، وَقِيلَ هُوَ ابْنُ قَحْطَانَ بْنِ عَابِرٍ وَاَللّهُ أَعْلَمُ
.
323.
الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَنْكِرُ
الْقِتَالَ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ
324.
[
ص 45 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، قَالَ مَا
أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالِ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ فَوَقّفَ الْعِيرَ
وَالْأَسِيرَيْنِ . وَأَبَى أَنْ
يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ، فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَقَطَ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ وَظَنّوا أَنّهُمْ قَدْ
هَلَكُوا ، وَعَنّفَهُمْ إخْوَانُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا صَنَعُوا .
وَقَالَتْ قُرَيْشٌ قَدْ اسْتَحَلّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ الشّهْرَ الْحَرَامَ
وَسَفَكُوا فِيهِ الدّمَ وَأَخَذُوا فِيهِ الْأَمْوَالَ وَأَسَرُوا فِيهِ
الرّجَالَ . فَقَالَ مَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمّنْ كَانَ
بِمَكّةَ إنّمَا أَصَابُوا مَا أَصَابُوا فِي شَعْبَانَ . وَقَالَتْ يَهُودُ -
تَفَاءَلَ بِذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ قَتَلَهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، عَمْرٌو ، عَمَرْت
الْحَرْبَ وَالْحَضْرَمِيّ ، حَضَرْت الْحَرْبَ وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ،
وَقُدْت الْحَرْبَ . فَجَعَلَ اللّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ
.
325.
مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي فِعْلِ ابْنِ جَحْشٍ
326.
فَلَمّا أَكْثَرَ النّاسُ فِي ذَلِكَ أَنَزَلَ اللّهُ عَلَى
رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ
الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدّ عَنْ سَبِيلِ
اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ
عِنْدَ اللّهِ } أَيْ إنْ كُنْتُمْ قَتَلْتُمْ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ فَقَدْ
صَدّوكُمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَعَ الْكُفْرِ بِهِ وَعَنْ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ ، وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْهُ وَأَنْتُمْ أَهْلُهُ أَكْبَرُ عِنْدَ
اللّهِ مِنْ قَتْلِ مَنْ قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ { وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ
الْقَتْلِ } أَيْ قَدْ كَانُوا يَفْتِنُونَ الْمُسْلِمَ فِي دِينِهِ حَتّى
يَرُدّوهُ إلَى الْكُفْرِ بَعْدَ إيمَانِهِ فَذَلِكَ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ
مِنْ الْقَتْلِ { وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدّوكُمْ عَنْ
دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا } أَيْ ثُمّ
هُمْ مُقِيمُونَ عَلَى أَخْبَثِ ذَلِكَ وَأَعْظَمِهِ غَيْرَ تَائِبِينَ ولا [ ص
46 ] نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَذَا مِنْ الْأَمْرِ وَفَرّجَ اللّهُ تَعَالَى عَنْ
الْمُسْلِمِينَ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الشّفَقِ قَبَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ وَبَعَثَتْ إلَيْهِ
قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَالْحَكَمِ بْنِ كَيْسَانَ
، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا نُفْدِيكُمُوهَا
حَتّى يَقْدَمَ صَاحِبَانَا - يَعْنِي
سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ ، وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ - فَإِنّا نَخْشَاكُمْ
عَلَيْهِمَا ، فَإِنْ تَقْتُلُوهُمَا ، نَقْتُلْ صَاحِبَيْكُمْ . فَقَدِمَ
سَعْدٌ وَعُتْبَةُ فَأَفْدَاهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مِنْهُمْ . فَأَمّا الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ
إسْلَامُهُ وَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
حَتّى قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا . وَأَمّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ
اللّهِ فَلَحِقَ بِمَكّةَ فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا . فَلَمّا تَجَلّى عَنْ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ جَحْشٍ وَأَصْحَابِهِ مَا كَانُوا فِيهِ حِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ
طَمِعُوا فِي الْأَجْرِ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَطْمَعُ أَنْ تَكُونَ
لَنَا غَزْوَةٌ تُعْطَى فِيهَا أَجْرَ الْمُجَاهَدِينَ ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ
وَجَلّ فِيهِمْ { إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي
سَبِيلِ اللّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
فَوَضَعَهُمْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَعْظَمِ الرّجَاءِ .
وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا عَنْ الزّهْرِيّ وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ، عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ : أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَسَمَ الْفَيْءَ حِينَ
أَحَلّهُ فَجَعَلَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ لِمَنْ أَفَاءَهُ اللّهُ وَخُمُسًا إلَى
اللّهِ وَرَسُولِهِ فَوَقَعَ عَلَى مَا كَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ صَنَعَ
فِي تِلْكَ الْعِيرِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهِيَ أَوّلُ غَنِيمَةٍ غَنِمَهَا
الْمُسْلِمُونَ . وَعَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ أَوّلُ مَنْ قَتَلَهُ
الْمُسْلِمُونَ وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ
أَوّلُ مَنْ أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ .
327.
مَا قِيلَ مِنْ شِعْرٍ فِي هَذِهِ السّرِيّةِ
328.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ ، وَيُقَالُ بَلْ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ قَالَهَا ، حِينَ قَالَتْ قُرَيْشٌ : قَدْ أَحَلّ مُحَمّدٌ
وَأَصْحَابُهُ [ ص 47 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هِيَ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ
329.
تَعُدّونَ قَتْلًا فِي الْحَرَامِ عَظِيمَةً ... وَأَعْظَمُ
مِنْهُ لَوْ يَرَى الرّشْدَ رَاشِدُ
330.
صُدُودُكُمْ عَمّا يَقُولُ مُحَمّدُ ... وَكُفْرٌ بِهِ
وَاَللّهُ رَاءٍ وَشَاهِدُ
331.
وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْ مَسْجِدِ اللّهِ أَهْلَهُ ... لِئَلّا
يُرَى لِلّهِ فِي الْبَيْتِ سَاجِدُ
332.
فَإِنّا وَإِنْ عَيّرْتُمُونَا بِقِتْلَةِ ... وَأَرْجَفَ
بِالْإِسْلَامِ بَاغٍ وَحَاسِدُ
333.
سَقَيْنَا مِنْ ابْنِ الْحَضْرَمِيّ رِمَاحَنَا ...
بِنَخْلَةَ لَمّا أَوْقَدَ الْحَرْبَ وَاقِدُ
334.
دَمًا وَابْنُ عَبْدِ اللّهِ عُثْمَانُ بَيْنَنَا ...
يُنَازِعُهُ غُلّ مِنْ الْقَدّ عَانِدُSحِكْمَةُ تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ
335.
[
ص 45 ] وَذَكَرَ الشّهْرَ الْحَرَامَ وَمَا كَانَ مِنْ
أَهْلِ السّرِيّةِ فِيهِ وَأَنّهُ سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ لِمَا أَصَابُوا فِيهِ
مِنْ الدّمِ وَذَلِكَ أَنّ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ
كَانَ حُكْمًا مَعْمُولًا بِهِ مِنْ عَهْدِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَكَانَ
مِنْ حُرُمَاتِ اللّهِ وَمِمّا جَعَلَهُ مَصْلَحَةً لِأَهْلِ مَكّةَ ، قَالَ
اللّهُ تَعَالَى : { جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا
لِلنّاسِ وَالشّهْرَ الْحَرَامَ } [ الْمَائِدَةُ 97 ] وَذَلِكَ لَمّا دَعَا
إبْرَاهِيمُ لِذُرّيّتِهِ بِمَكّةَ إذْ كَانُوا بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ أَنْ يَجْعَلَ
أَفْئِدَةً مِنْ النّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ فَكَانَ فِيمَا فُرِضَ عَلَى النّاسِ
مِنْ حَجّ الْبَيْتِ قِوَامًا لِمَصْلَحَتِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ ثُمّ جَعَلَ
الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ أَرْبَعَةً ثَلَاثَةً سَرْدًا ، وَوَاحِدًا فَرْدًا ،
وَهُوَ رَجَبٌ أَمّا الثّلَاثَةُ فَلِيَأْمَنَ الْحُجّاجُ وَارِدِينَ إلَى
مَكّةَ ، وَصَادِرِينِ عَنْهَا شَهْرًا قَبْلَ شَهْرِ الْحَجّ وَشَهْرًا
بَعْدَهُ قَدْرَ مَا يَصِلُ الرّاكِبُ مِنْ أَقْصَى بِلَادِ الْعَرَبِ ، ثُمّ
يَرْجِعُ حِكْمَةً مِنْ اللّهِ وَأَمّا رَجَبٌ فَلِلْعُمّارِ يَأْمَنُونَ فِيهِ
مُقْبِلِينَ وَرَاجِعِينَ نِصْفُ [ ص 46 ] لِلْإِيَابِ إذْ لَا تَكُونُ
الْعُمْرَةُ مِنْ أَقَاصِي بِلَادِ الْعَرَبِ كَمَا يَكُونُ الْحَجّ ، أَلَا
تَرَى أَنّا لَا نَعْتَمِرُ مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ فَإِذَا أَرَدْنَا
عُمْرَةً فَإِنّمَا تَكُونُ مَعَ الْحَجّ وَأَقْصَى مَنَازِلِ الْمُعْتَمِرِينَ بَيْنَ
مَسِيرَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، فَكَانَتْ الْأَقْوَاتُ تَأْتِيهِمْ فِي
الْمَوَاسِمِ وَفِي سَائِرِ الْعَامِ تَنْقَطِعُ عَنْهُمْ ذُؤْبَانُ الْعَرَبِ
وَقُطّاعُ السّبُلِ فَكَانَ فِي رَجَبٍ أَمَانٌ لِلسّالِكِينَ إلَيْهَا
مَصْلَحَةً لِأَهْلِهَا وَنَظَرًا مِنْ اللّهِ لَهُمْ دَبّرَهُ وَأَبْقَاهُ مِنْ
مِلّةِ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُغَيّرْ حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ فَكَانَ الْقِتَالُ
فِيهِ مُحَرّمًا كَذَلِكَ صَدْرًا مِنْ الْإِسْلَامِ ثُمّ أَبَاحَتْهُ آيَةُ
السّيْفِ وَبَقِيَتْ حُرْمَةِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ لَمْ [ ص 47 ] قَالَ اللّهُ
سُبْحَانَهُ { مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ فَلَا تَظْلِمُوا
فِيهِنّ أَنْفُسَكُمْ } [ التّوْبَةُ 36ْ ] ، فَتَعْظِيمُ حُرْمَتِهَا بَاقٍ
وَإِنْ أُبِيحَ الْقِتَالُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنّ تَحْرِيمَ
الْقِتَالِ فِيهَا حُكْمٌ ثَابِتٌ لَمْ يُنْسَخْ وَقَدْ تَقَدّمَ فِي بَابِ
نَسَبِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ذِكْرُ سَعْدٍ رَجَبًا ، وَهُوَ
أَوّلُ مَنْ سَنّهُ لِلْعَرَبِ فِيمَا زَعَمُوا .
336.
صَرْفُ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ
337.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَيُقَالُ صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ فِي
شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ .
338.
غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى
339.
عِيرُ أَبِي سُفْيَان
340.
[
ص 48 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ . ثُمّ إنّ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَمِعَ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ
مُقْبِلًا مِنْ الشّامِ فِي عِيرٍ لِقُرَيْشِ عَظِيمَةٍ فِيهَا أَمْوَالٌ
لِقُرَيْشِ وَتِجَارَةٌ مِنْ تِجَارَاتِهِمْ وَفِيهَا ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ
أَوْ أَرْبَعُونَ مِنْهُمْ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هِشَامٍ
.
341.
نَدْبُ الْمُسْلِمِينَ لِلْعِيرِ وَحَذَرُ أَبِي سُفْيَانَ
342.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بْنِ
وَائِلِ بْنِ هَاشِمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ
مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَعَبْدُ اللّهِ
بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَغَيْرُهُمْ
مِنْ عُلَمَائِنَا عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ هَذَا
الْحَدِيثِ فَاجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ فِيمَا سُقْت مِنْ حَدِيثِ بَدْرٍ قَالُوا :
لَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ
مُقْبِلًا مِنْ الشّامِ نَدَبَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ وَقَالَ [ ص 49 ]
يُنْفِلُكُمُوهَا . فَانْتَدَبَ النّاسُ فَخَفّ بَعْضُهُمْ وَثَقُلَ بَعْضُهُمْ
وَذَلِكَ أَنّهُمْ لَمْ يَظُنّوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ يَلْقَى حَرْبًا ، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ دَنَا مِنْ
الْحِجَازِ يَتَحَسّسُ الْأَخْبَارَ وَيَسْأَلُ مَنْ لَقِيَ مِنْ الرّكْبَانِ
تَخَوّفًا عَلَى أَمْرِ النّاسِ . حَتّى أَصَابَ خَبَرًا مِنْ بَعْضِ
الرّكْبَانِ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ لَك وَلِعِيرِك
فَحَذِرَ عِنْدَ ذَلِكَ . فَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيّ
فَبَعَثَهُ إلَى مَكّةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ قُرَيْشًا فَيَسْتَنْفِرَهُمْ
إلَى أَمْوَالِهِمْ وَيُخْبِرَهُمْ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ عَرَضَ لَهَا فِي أَصْحَابِهِ
. فَخَرَجَ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو سَرِيعًا إلَى مَكّةَ .Sغَزْوَةُ بَدْر
343.
[
ص 48 ] اسْمُ بِئْرٍ حَفَرَهَا رَجُلٌ مِنْ غِفَارٍ
ثُمّ مِنْ بَنِي النّارِ مِنْهُمْ اسْمُهُ بَدْرٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا
الْكِتَابِ قَوْلَ مَنْ قَالَ هُوَ بَدْرُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ يَخْلُدَ الّذِي
سُمّيَتْ قُرَيْشٌ بِهِ . وَرَوَى يُونُسُ عَنْ ابْنِ أَبِي زَكَرِيّا عَنْ
الشّعْبِيّ قَالَ بَدْرٌ اسْمُ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ بَدْرٌ .
344.
تَحَسّسُ الْأَخْبَارِ
345.
فَصْلٌ
346.
[
ص 49 ] وَذَكَرَ
أَبَا سُفْيَانَ وَأَنّهُ حِينَ دَنَا مِنْ الْحِجَازِ كَانَ يَتَحَسّسُ
الْأَخْبَارَ . التّحَسّسُ بِالْحَاءِ أَنْ تَتَسَمّعَ الْأَخْبَارَ بِنَفْسِك ،
وَالتّجَسّسُ بِالْجِيمِ هُوَ أَنْ تَفْحَصَ عَنْهَا بِغَيْرِك ، وَفِي
الْحَدِيثِ لَا تَجَسّسُوا ، وَلَا تَحَسّسُوا .
347.
ذِكْرُ رُؤْيَا عَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ
348.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فَأَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزّبَيْرِ قَالَا : وَقَدْ رَأَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ قَبْلَ قُدُومِ
ضَمْضَمٍ مَكّةَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ رُؤْيَا أَفْزَعَتْهَا . فَبَعَثَتْ إلَى أَخِيهَا
الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَقَالَتْ لَهُ يَا أَخِي ، وَاَللّهِ
لَقَدْ رَأَيْت اللّيْلَةَ رُؤْيَا أَفْظَعَتْنِي ، وَتَخَوّفْت أَنْ يَدْخُلَ
عَلَى قَوْمِك مِنْهَا شَرّ وَمُصِيبَةٌ فَاكْتُمْ عَنّي مَا أُحَدّثُك بِهِ
فَقَالَ لَهَا : وَمَا رَأَيْت ؟ قَالَتْ رَأَيْت [ ص 50 ] أَقْبَلَ عَلَى
بَعِيرٍ لَهُ حَتّى وَقَفَ بِالْأَبْطَحِ ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَلَا
انْفِرُوا يَا آلَ غُدُرٍ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ فَأَرَى النّاسَ
اجْتَمَعُوا إلَيْهِ ثُمّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنّاسُ يَتْبَعُونَهُ
فَبَيْنَمَا هُمْ حَوْلَهُ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ ثُمّ
صَرَخَ بِمِثْلِهَا : أَلَا انْفِرُوا يَا آلَ غُدُرٍ لِمَصَارِعِكُمْ فِي
ثَلَاثٍ ثُمّ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى رَأْسِ أَبِي قُبَيْسٍ فَصَرَخَ بِمِثْلِهَا
. ثُمّ أَخَذَ صَخْرَةً فَأَرْسَلَهَا فَأَقْبَلَتْ تَهْوِي ، حَتّى إذَا
كَانَتْ بِأَسْفَلَ الْجَبَلِ ارْفَضّتْ فَمَا بَقِيَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ
مَكّةَ وَلَا دَارٌ إلّا دَخَلْتهَا مِنْهَا فِلْقَةٌ قَالَ الْعَبّاسُ
وَاَللّهِ إنّ هَذِهِ لَرُؤْيَا ، وَأَنْتِ فَاكْتُمِيهَا ، وَلَا تَذْكُرِيهَا
لِأَحَدِ .
349.
ذُيُوعُ الرّؤْيَا وَمَا أَحْدَثَتْ بَيْنَ أَبِي جَهْلٍ
وَالْعَبّاسِ
350.
ثُمّ أُخْرِجَ الْعَبّاسُ فَلَقِيَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ
بْنِ رَبِيعَةَ وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا ، فَذَكَرَهَا لَهُ وَاسْتَكْتَمَهُ إيّاهَا
. فَذَكَرَهَا الْوَلِيدُ لِأَبِيهِ عُتْبَةَ فَفَشَا الْحَدِيثُ بِمَكّةَ حَتّى
تَحَدّثَتْ بِهِ قُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهَا . قَالَ الْعَبّاسُ فَغَدَوْت
لِأَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِي رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ
قُعُودٍ يَتَحَدّثُونَ بِرُؤْيَا عَاتِكَةَ فَلَمّا رَآنِي أَبُو جَهْلٍ قَالَ
يَا أَبَا الْفَضْلِ إذَا فَرَغْت مِنْ طَوَافِك فَأَقْبِلْ إلَيْنَا ، فَلَمّا
فَرَغْت أَقْبَلْت حَتّى جَلَسْت مَعَهُمْ فَقَالَ لِي أَبُو جَهْلٍ يَا بَنِي
عَبْدِ الْمُطّلِبِ مَتَى حَدّثَتْ فِيكُمْ هَذِهِ النّبِيّةُ ؟ قَالَ قُلْت :
وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ تِلْكَ الرّؤْيَا الّتِي رَأَتْ عَاتِكَةُ قَالَ فَقُلْت : وَمَا رَأَتْ
؟ قَالَ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَمَا رَضِيتُمْ أَنْ يَتَنَبّأَ رِجَالُكُمْ
حَتّى تَتَنَبّأَ نِسَاؤُكُمْ قَدْ زَعَمَتْ عَاتِكَةُ فِي رُؤْيَاهَا أَنّهُ
قَالَ انْفِرُوا فِي ثَلَاثٍ فَسَنَتَرَبّصُ بِكُمْ هَذِهِ الثّلَاثَ فَإِنْ
يَكُ حَقّا مَا تَقُولُ فَسَيَكُونُ وَإِنْ تَمْضِ الثّلَاثُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ
ذَلِكَ شَيْءٌ نَكْتُبُ عَلَيْكُمْ كِتَابًا أَنّكُمْ أَكْذَبُ أَهْلِ بَيْتٍ
مِنْ الْعَرَبِ . قَالَ الْعَبّاسُ فَوَاَللّهِ مَا كَانَ مِنّي إلَيْهِ كَبِيرٌ
إلّا أَنّي جَحَدْت ذَلِكَ وَأَنْكَرْت أَنْ تَكُونَ رَأَتْ شَيْئًا : قَالَ .
ثُمّ تَفَرّقْنَا . [ ص 51 ] بَنِي
عَبْدِ الْمُطّلِبِ إلّا أَتَتْنِي ، فَقَالَتْ أَقْرَرْتُمْ لِهَذَا الْفَاسِقِ
الْخَبِيثِ أَنْ يَقَعَ فِي رِجَالِكُمْ ثُمّ قَدْ تَنَاوَلَ النّسَاءَ وَأَنْتَ
تَسْمَعُ ثُمّ لَمْ يَكُنْ عِنْدَك غِيَرٌ لِشَيْءِ مِمّا سَمِعْت ، قَالَ قُلْت
: قَدْ وَاَللّهِ فَعَلْت ، مَا كَانَ مِنّي إلَيْهِ مِنْ كَبِيرٍ . وَاَيْمُ
اللّهِ لَأَتَعَرّضَن لَهُ فَإِنْ عَادَ لأكْفِينّكُنّه . قَالَتْ فَغَدَوْت فِي
الْيَوْمِ الثّالِثِ مِنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ وَأَنَا حَدِيدٌ مُغْضَبٌ أُرَى
أَنّي قَدْ فَاتَنِي مِنْهُ أَمْرٌ أُحِبّ أَنْ أُدْرِكَهُ مِنْهُ . قَالَ
فَدَخَلْت الْمَسْجِدَ فَرَأَيْته ، فَوَاَللّهِ أَنّي لَأَمْشِي نَحْوَهُ أَتَعَرّضُهُ
لِيَعُودَ لِبَعْضِ مَا قَالَ فَأَقَعُ بِهِ وَكَانَ رَجُلًا خَفِيفًا ، حَدِيدَ
الْوَجْهِ حَدِيدَ اللّسَانِ حَدِيدَ النّظَرِ . قَالَ إذْ خَرَجَ نَحْوَ بَابِ
الْمَسْجِدِ يَشْتَدّ . قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي : مَا لَهُ لَعَنَهُ اللّهُ أَكُلّ هَذَا فَرَقٌ مِنْ أَنْ أُشَاتِمَهُ قَالَ
وَإِذَا هُوَ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو
الْغِفَارِيّ وَهُوَ يَصْرُخُ بِبَطْنِ الْوَادِي وَاقِفًا عَلَى بَعِيرِهِ قَدْ
جَدّعَ بَعِيرَهُ وَحَوّلَ رَحْلَهُ وَشَقّ قَمِيصَهُ وَهُوَ يَقُولُ يَا
مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اللّطِيمَةَ اللّطِيمَةَ أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ
قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمّدٌ فِي أَصْحَابِهِ لَا . أَرَى أَنْ تُدْرِكُوهَا ،
الْغَوْثَ الْغَوْثَ . قَالَ فَشَغَلَنِي عَنْهُ وَشَغَلَهُ عَنّي مَا جَاءَ
مِنْ الْأَمْرِ .Sرُؤْيَا عَاتِكَةَ
351.
وَذَكَرَ رُؤْيَا عَاتِكَةَ وَالصّارِخَ الّذِي رَأَتْهُ
يَصْرُخُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا لَغُدُرِ هَكَذَا هُوَ بِضَمّ الْغَيْنِ
وَالدّالِ جَمْعُ غَدُورٍ وَلَا تَصِحّ رِوَايَةُ مَنْ رَوَاهُ يَا لَغُدَرِ
بِفَتْحِ الدّالِ مَعَ كَسْرِ الرّاءِ وَلَا فَتْحِهَا ، لِأَنّهُ لَا يُنَادِي
وَاحِدًا ، وَلِأَنّ لَامَ الِاسْتِغَاثَةِ لَا تَدْخُلُ عَلَى مِثْلِ هَذَا
الْبِنَاءِ فِي النّدَاءِ وَإِنّمَا يَقُولُ يَا لَغُدُرُ انْفِرُوا
وَتَحْرِيضًا لَهُمْ أَيْ إنْ تَخَلّفْتُمْ فَأَنْتُمْ غُدُرٌ لِقَوْمِكُمْ
وَفُتِحَتْ لَامُ الِاسْتِغَاثَةِ لِأَنّ الْمُنَادِيَ قَدْ وَقَعَ مَوْقِعَ
الِاسْمِ الْمُضْمَرِ وَلِذَلِكَ بَنَى ، فَلَمّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَامُ
الِاسْتِغَاثَةِ وَهِيَ لَامُ جَرّ فُتِحَتْ كَمَا تُفْتَحُ لَامُ الْجَرّ إذَا
دَخَلَتْ عَلَى الْمُضْمَرَاتِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ السّرَاجِ وَلِأَبِي سَعِيدٍ
السّيرَافِيّ فِيهَا تَعْلِيلٌ غَيْرُ هَذَا كَرِهْنَا الْإِطَالَةَ بِذِكْرِهِ
وَهَذَا الْقَوْلُ [ ص 50 ] وَقَعَ فِي أَصْلِهِ وَأَمّا أَبُو عُبَيْدَةَ
فَقَالَ فِي الْمُصَنّفِ تَقُولُ يَا غُدُرُ أَيْ يَا غَادِرُ فَإِذَا جَمَعْت قُلْت
: يَا آلَ غُدَرِ وَهَكَذَا وَاَللّهُ أَعْلَمُ . كَانَ الْأَصْلُ فِي هَذَا
الْخَبَرِ وَاَلّذِي تَقَدّمَ تَغْيِيرٌ . وَقَوْلُهُ ثُمّ مَثَلَ بِهِ
بَعِيرُهُ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ سُمّيَ هَذَا الْجَبَلُ أَبَا قُبَيْسٍ بِرَجُلِ
هَلَكَ فِيهِ مِنْ جُرْهُمَ اسْمُهُ قُبَيْسِ بْنِ شَالِخَ وَقَعَ ذِكْرُهُ فِي
حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُضَاضٍ كَمَا سُمّيَ حُنَيْنٌ الّذِي كَانَتْ فِيهِ
حُنَيْنٌ بِحُنَيْنِ بْنِ قَالِيَةَ بْنِ مِهْلَايِلَ أَظُنّهُ كَانَ مِنْ
الْعَمَالِيقِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبَكْرِيّ فِي كِتَابِ مُعْجَمِ مَا
اُسْتُعْجِمَ .
352.
قُرَيْشٌ تَتَجَهّزُ لِلْخُرُوجِ
353.
فَتَجَهّزَ النّاسُ سِرَاعًا ، وَقَالُوا : أَيَظُنّ
مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَنْ تَكُونَ كَعِيرِ ابْنِ الْحَضْرَمِيّ كَلّا
وَاَللّهِ لَيَعْلَمَن غَيْرَ ذَلِكَ . فَكَانُوا بَيْنَ رَجُلَيْنِ إمّا
خَارِجٌ وَإِمّا بَاعِثٌ مَكَانَهُ رَجُلًا . وَأَوْعَبَتْ قُرَيْشٌ فَلَمْ يَتَخَلّفْ
مِنْ أَشْرَافِهَا أَحَدٌ . إلّا أَنّ أَبَا لَهَبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَخَلّفَ
وَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصِيَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَانَ قَدْ
لَاطَ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ أَفْلَسَ بِهَا
، فَاسْتَأْجَرَهُ بِهَا عَلَى أَنْ يُجْزِئَ عَنْهُ بَعَثَهُ فَخَرَجَ عَنْهُ
وَتَخَلّفَ أَبُو لَهَبٍ .Sمَعْنَى اللّيَاطِ
354.
[
ص 51 ] وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي لَهَبٍ وَبَعْثَهُ
الْعَاصِيَ بْنَ هِشَامٍ وَكَانَ لَاطَ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ .
لَاطَ لَهُ أَيْ أَرْبَى لَهُ وَكَذَلِكَ جَاءَ اللّيَاطُ مُفَسّرًا فِي غَرِيبِ
الْحَدِيثِ لِلْخَطّابِيّ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي الْكِتَابِ
الّذِي كَتَبَهُ لِثَقِيفِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دِينٍ لَا رَهْنَ فِيهِ
فَهُوَ لِيَاطٌ مُبَرّأٌ مِنْ اللّهِ . وَقَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ وَسُمّيَ الرّبَا لِيَاطًا ، لِأَنّهُ مُلْصَقٌ بِالْبَيْعِ وَلَيْسَ
بِبَيْعِ وَقِيلَ لِلرّبَا لِيَاطًا لِأَنّهُ لَاصِقٌ بِصَاحِبِهِ لَا يَقْضِيهِ
وَلَا يُوضَعُ عَنْهُ وَأَصْلُ هَذَا اللّفْظِ مِنْ اللّصُوقِ
.
355.
خُرُوجُ عُقْبَةَ
356.
[
ص 52 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَحَدّثَنِي عَبْدُ
اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَنّ أُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ كَانَ أَجْمَعَ الْقُعُودَ
وَكَانَ شَيْخًا جَلِيلًا جَسِيمًا ثَقِيلًا ، فَأَتَاهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي
مُعَيْطٍ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمِهِ
بِمِجْمَرَةِ يَحْمِلُهَا ، فِيهَا نَارٌ وَمِجْمَرٌ حَتّى وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ
ثُمّ قَالَ يَا أَبَا عَلِيّ اسْتَجْمِرْ فَإِنّمَا أَنْتَ مِنْ النّسَاءِ ؟
قَالَ قَبّحَك اللّهُ وَقَبّحَ مَا جِئْت بِهِ قَالَ ثُمّ تَجَهّزَ فَخَرَجَ
مَعَ النّاسِ .Sالْمِجْمَرَةُ وَالْأُلُوّةُ
357.
[
ص 52 ] أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَهُ بِمِجْمَرَةِ فِيهَا
نَارٌ وَمِجْمَرٌ وَقَالَ اسْتَجْمِرْ فَإِنّمَا أَنْتَ مِنْ النّسَاءِ .
الْمِجْمَرَةُ هِيَ الْأَدَاةُ الّتِي يُجْعَلُ فِيهَا الْبَخُورُ وَالْمِجْمَرُ
هُوَ الْبَخُورُ نَفْسُهُ وَفِي الْحَدِيثِ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنّةِ
مَجَامِرُهُمْ الْأُلُوّةُ فَهَذَا جَمْعُ مِجْمَرٍ لَا مِجْمَرَةٍ
وَالْأُلُوّةُ هِيَ الْعُودُ الرّطْبُ وَفِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ أُلُوّةٌ
وَأَلُوّةٌ وَلُوّةٌ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلِيّةٌ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ
.
358.
مَا وَقَعَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ
359.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَلَمّا فَرَغُوا مِنْ جَهَازِهِمْ
وَأَجْمَعُوا الْمَسِيرَ ذَكَرُوا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرِ
بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ مِنْ الْحَرْبِ فَقَالُوا : إنّا نَخْشَى أَنْ
يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا ، وَكَانَتْ الْحَرْبُ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ
قُرَيْشٍ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ - كَمَا حَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي عَامِرِ بْنِ
لُؤَيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ - فِي ابْنٍ لِحَفْصِ بْنِ
الْأَخْيَفِ أَحَدِ بَنِي مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ خَرَجَ يَبْتَغِي
ضَالّةً لَهُ بِضَجْنَانَ وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثَ فِي رَأْسِهِ ذُؤَابَةٌ
وَعَلَيْهِ حُلّةٌ لَهُ وَكَانَ غُلَامًا وَضِيئًا نَظِيفًا ، فَمَرّ بِعَامِرِ
بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُلَوّحِ أَحَدِ بَنِي يَعْمَرَ بْنِ عَوْفِ
بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ
كِنَانَةَ وَهُوَ بِضَجْنَانَ وَهُوَ سَيّدُ بَنِي بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ فَرَآهُ
فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ مَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ ؟ قَالَ أَنَا ابْنٌ لِحَفْصِ
بْنِ الْأَخْيَفِ الْقُرَشِيّ . فَلَمّا وَلّى الْغُلَامَ قَالَ عَامِرُ بْنُ زَيْدٍ يَا
بَنِي بَكْرٍ مَا لَكُمْ فِي قُرَيْشٍ مِنْ دَمٍ ؟ قَالُوا : بَلَى وَاَللّهِ
إنّ لَنَا فِيهِمْ لَدِمَاءً ؟ قَالَ مَا كَانَ رَجُلٌ لِيَقْتُلَ هَذَا
الْغُلَامَ بِرَجُلِهِ إلّا كَانَ قَدْ اسْتَوْفَى دَمَهُ . قَالَ فَتَبِعَهُ
رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ فَقَتَلَهُ بِدَمِ كَانَ لَهُ فِي قُرَيْشٍ فَتَكَلّمَتْ
فِيهِ قُرَيْشٌ فَقَالَ عَامِرُ بْنُ يَزِيدَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ كَانَتْ
لَنَا فِيكُمْ دِمَاءٌ فَمَا شِئْتُمْ . إنْ شِئْتُمْ فَأَدّوا عَلَيْنَا
مَالَنَا قِبَلَكُمْ وَنُؤَدّي مَالَكُمْ قِبَلَنَا ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَإِنّمَا
هِيَ الدّمَاءُ رَجُلٌ بِرَجُلِ فَتَجَافَوْا عَمّا لَكُمْ قِبَلَنَا ،
وَنَتَجَافَى عَمّا لَنَا قِبَلَكُمْ فَهَانَ ذَلِكَ الْغُلَامُ عَلَى هَذَا
الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ وَقَالُوا : صَدَقَ رَجُلٌ بِرَجُلِ . فَلَهَوْا عَنْهُ
فَلَمْ يَطْلُبُوا بِهِ . [ ص 53 ] قَالَ فَبَيْنَمَا أَخُوهُ مِكْرَزُ بْنُ
حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ يَسِيرُ بِمَرّ الظّهْرَانِ إذْ نَظَرَ إلَى عَامِرِ
بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ الْمُلَوّحِ عَلَى جَمَلٍ لَهُ فَلَمّا رَآهُ
أَقْبَلَ إلَيْهِ حَتّى أَنَاخَ بِهِ وَعَامِرٌ مُتَوَشّحٌ سَيْفَهُ فَعَلَاهُ
مِكْرَزُ بِسَيْفِهِ حَتّى قَتَلَهُ ثُمّ خَاضَ بَطْنَهُ بِسَيْفِهِ ثُمّ أَتَى
بِهِ مَكّةَ فَعَلّقَهُ مِنْ اللّيْلِ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ . فَلَمّا
أَصْبَحَتْ قُرَيْشٌ رَأَوْا سَيْفَ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ
مُعَلّقًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَعَرَفُوهُ فَقَالُوا : إنّ هَذَا لَسَيْفُ عَامِرِ
بْنِ يَزِيدَ عَدَا عَلَيْهِ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَتَلَهُ فَكَانَ ذَلِكَ
مِنْ أَمْرِهِمْ . فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ حَرْبِهِمْ حَجَزَ
الْإِسْلَامُ بَيْنَ النّاسِ ؟ فَتَشَاغَلُوا بِهِ حَتّى أَجَمَعَتْ قُرَيْشٌ
الْمَسِيرَ إلَى بَدْرٍ فَذَكَرُوا الّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ
فَخَافُوهُمْ . وَقَالَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فِي قَتْلِهِ عَامِرًا
:
360.
لَمّا رَأَيْت أَنّهُ هُوَ عَامِرٌ
361.
تَذَكّرْت أَشْلَاءَ الْحَبِيبِ الْمُلَحّب
362.
وَقُلْت لِنَفْسِي : إنّهُ هُوَ عَامِرٌ
363.
فَلَا تَرْهَبِيهِ وَانْظُرِي أَيّ مَرْكَب
364.
وَأَيْقَنْت أَنّي إنْ أُجَلّلْهُ ضَرْبَةً
365.
مَتَى مَا أُصِبْهُ بِالْفُرَافِرِ يَعْطَب
366.
خَفَضْت لَهُ جَأْشِي وَأَلْقَيْت كَلْكَلِي
367.
عَلَى بَطَلٍ شَاكِي السّلَاحِ مُجَرّبِ
368.
وَلَمْ أَكُ لَمّا الْتَفّ رُوعِي وَرُوعِهِ
369.
عُصَارَةَ هُجْنٍ مِنْ نِسَاءٍ وَلَا أَبِ
370.
حَلَلْت بِهِ وِتْرِي وَلَمْ أَنْسَ ذَحْلَهُ
371.
إذَا مَا تَنَاسَى ذَحْلَهُ كُلّ عَيْهَب
372.
[
ص 54 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ الْفُرَافِرُ فِي غَيْرِ
هَذَا الْمَوْضِعِ الرّجُلُ الْأَضْبَطُ وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ السّيْفُ .
وَالْعَيْهَبُ الّذِي لَا عَقْلَ لَهُ وَيُقَالُ تَيْسُ الظّبَاءِ وَفَحْلُ
النّعَامِ قَالَ الْخَلِيلُ الْعَيْهَبُ الرّجُلُ الضّعِيفُ عَنْ إدْرَاكِ
وِتْرِهِ .Sوَذَكَرَ فِي شِعْرِ مِكْرَزٍ [ ص 53
] تَذَكّرْت أَشْلَاءَ الْحَبِيبِ الْمُلَحّبِ
373.
شَرْحُ شِعْرِ مِكْرَزٍ
374.
الْأَشْلَاءُ أَعْضَاءٌ مُقَطّعَةٌ وَالْمُلَحّبُ مِنْ
قَوْلِهِمْ لَحّبْت اللّحْمَ إذَا قَطَعْته طُولًا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ .
وَذَكَرَ فِي شِعْرِ مِكْرَزٍ مَتَى مَا أُجَلّلْهُ الْفُرَافِرَ يَعْطَبْ
375.
[
ص 54 ] وَقَالَ هُوَ اسْمُ سَيْفٍ وَهُوَ عِنْدِي مِنْ
فَرْفَرَ اللّحْمَ إذَا قَطَعَهُ أَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدٍ
376.
كَكَلْبِ طَسْمٍ وَقَدْ تَرَبّبَه
377.
يَعُلْهُ بِالْحَلِيبِ فِي الْغَلَس
378.
أَنْحَى عَلَيْهِ يَوْمًا يُفَرْفِرُه
379.
إنْ يَلِغْ فِي الدّمَاءِ يَنْتَهِسُ
380.
وَيَرْوِي : يُشَرْشِرُهُ . وَالْعَيْهَبُ الّذِي لَا عَقْلَ
لَهُ وَيُقَالُ لِذَكْرِ النّعَمِ عَيْهَبُ .
381.
الشّيْطَانُ وَقُرَيْشٌ
382.
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ
، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ لَمّا أَجْمَعَتْ قُرَيْشٌ الْمَسِيرَ ذَكَرَتْ
الّذِي كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ فَكَادَ ذَلِكَ يُثْنِيهِمْ
فَتَبَدّى لَهُمْ إبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ
الْمُدْلِجِيّ ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي كِنَانَةَ فَقَالَ لَهُمْ أَنَا
لَكُمْ جَارٌ مِنْ أَنْ تَأْتِيَكُمْ كِنَانَةُ مِنْ خَلْفِكُمْ بِشَيْءِ
تَكْرَهُونَهُ فَخَرَجُوا سِرَاعًا .
383.
خُرُوجُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
384.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي لَيَالٍ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي
أَصْحَابِهِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : خَرَجَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثَمَانِ
لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ - وَاسْتَعْمَلَ عَمْرَو ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ
- وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ اللّهِ ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ أَخَا بَنِي عَامِرِ
بْنِ لُؤَيّ ، عَلَى الصّلَاةِ بِالنّاسِ ثُمّ رَدّ أَبَا لُبَابَةَ مِنْ
الرّوْحَاءِ ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ .
385.
اللّوَاءُ وَالرّايَتَانِ
386.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى مُصْعَبِ
بْنِ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ أَبْيَضَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَمَامَ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَايَتَانِ سَوْدَاوَانِ إحْدَاهُمَا
مَعَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، يُقَالُ لَهَا : الْعُقَابُ وَالْأُخْرَى مَعَ
بَعْضِ الْأَنْصَارِ .
387.
إبِلُ الْمُسْلِمِينَ إلَى بَدْرٍ
388.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَتْ إبِلُ أَصْحَابِ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ بَعِيرًا ، [ ص 55 ] فَكَانَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ،
وَمَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا ، وَكَانَ
حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، وَأَبُو كَبْشَةَ
، وَأَنَسَةَ مُولِيًا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ
بْنُ عَوْفٍ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَجَعَلَ عَلَى
النّاقَةِ قَيْسَ بْنَ أَبِي صَعْصَعَةَ أَخَا بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ .
وَكَانَتْ رَايَةُ الْأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ .
389.
الطّرِيقُ إلَى بَدْرٍ
390.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَسَلَكَ طَرِيقَهُ مِنْ
الْمَدِينَةِ إلَى مَكّةَ ، عَلَى نَقْبِ الْمَدِينَةِ ، ثُمّ عَلَى الْعَقِيقِ
، ثُمّ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمّ عَلَى أُولَاتِ الْجَيْشِ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : ذَاتُ الْجَيْشِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ مَرّ عَلَى
تُرْبَانَ ثُمّ عَلَى مَلَلٍ ، ثُمّ عَلَى غَمِيسِ الْحَمَامِ مِنْ مَرَيَيْنِ ،
ثُمّ عَلَى صُخَيْرَاتِ الْيَمَامِ ، ثُمّ عَلَى السّيَالَةِ ، ثُمّ عَلَى فَجّ الرّوْحَاءِ
، ثُمّ عَلَى شَنُوكَةَ ، وَهِيَ الطّرِيقُ الْمُعْتَدِلَةُ حَتّى إذَا كَانَ
بِعِرْقِ الظّبْيَةِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الظّبْيَةُ : عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ - لَقَوْا رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ ، فَسَأَلُوهُ
عَنْ النّاسِ فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَهُ خَبَرًا ، فَقَالَ لَهُ النّاسُ سَلّمْ
عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أَفِيكُمْ رَسُولُ
اللّهِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ فَسَلّمَ عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ إنْ كُنْت رَسُولَ
اللّهِ فَأَخْبِرْنِي عَمّا فِي بَطْنِ نَاقَتِي ، هَذِهِ قَالَ لَهُ سَلَمَةُ
بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقَشٍ لَا تَسْأَلْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَأَقْبِلْ عَلَيّ فَأَنَا أُخْبِرُك عَنْ ذَلِكَ . نَزَوْت عَلَيْهَا
، فَفِي بَطْنِهَا مِنْك سَخْلَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مَهْ أَفْحَشْت عَلَى الرّجُلِ ، ثُمّ أَعَرَضَ عَنْ سَلَمَةَ . [ ص 56
] سَجْسَجَ ، وَهِيَ بِئْرُ الرّوْحَاءِ ، ثُمّ
ارْتَحَلَ مِنْهَا ، حَتّى إذَا كَانَ بِالْمُنْصَرَفِ تَرَكَ طَرِيقَ مَكّةَ
بِيَسَارِ وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى النّازِيَةِ يُرِيدُ بَدْرًا ،
فَسَلَكَ فِي نَاحِيَةٍ مَعَهَا ، حَتّى جَزَعَ وَادِيًا ، يُقَال لَهُ
رُحْقَانُ ، بَيْنَ النّازِيّةِ وَبَيْنَ مَضِيقِ الصّفْرَاءِ ، ثُمّ عَلَى
الْمَضِيقِ ثُمّ انْصَبّ مِنْهُ حَتّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الصّفْرَاءِ ،
بَعَثَ بَسْبَسَ بْنَ عَمْرٍو [ ص 57 ] الْجُهَنِيّ ، حَلِيفَ بَنِي سَاعِدَةَ وَعَدِيّ
بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ الْجُهَنِيّ حَلِيفُ بَنِي النّجّارِ إلَى بَدْرٍ
يَتَحَسّسَانِ لَهُ الْأَخْبَارَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ
.Sمَوَاضِعُ نَزَلَ فِيهَا الرّسُولُ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ
391.
[
ص 55 ] وَذَكَرَ عِرْقَ الظّبْيَةِ ، وَالظّبْيَةُ
: شَجَرَةٌ شِبْهُ الْقَتَادَةَ يُسْتَظَلّ بِهَا ،
وَجَمْعُهَا : ظُبْيَانٌ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ السّيَالَة فِي طَرِيقِ بَدْرٍ
وَالسّيَالُ شَجَرٌ وَيُقَالُ هُوَ عِظَامُ السّلَمِ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ .
[ ص 56 ] وَذَكَرَ النّازِيَةَ وَهِيَ
رَحْبَةٌ وَاسِعَةٌ فِيهَا عِضَاةٌ وَمُرُوجٌ . وَذَكَرَ سَجْسَجًا ، وَهِيَ بِ الرّوْحَاءِ ، وَسُمّيَتْ سَجْسَجًا ، لِأَنّهَا
بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَكُلّ شَيْءٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَهُوَ سَجْسَجٌ . وَفِي
الْحَدِيثِ إنّ هَوَاءَ الْجَنّةِ سَجْسَجٌ ، أَيْ لَا حَرّ وَلَا بَرْدٌ وَهُوَ
عِنْدِي مِنْ لَفْظِ السّجَاجِ وَهُوَ لَبَنٌ غَيْرُ خَالِصٍ وَذَلِكَ إذَا
أُكْثِرَ مَزْجُهُ بِالْمَاءِ قَالَ الشّاعِرُ
392.
وَيَشْرَبُهَا مَزْجًا وَيَسْقِي عِيَالَهُ ... سَجَاجًا
كَأَقْرَابِ الثّعَالِبِ أَوْرَقَا
393. &nbs |