وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا
إسحاق بن إبراهيم ، حدثنا يحيى بن سليم ، عن ابن خثيم ، عن أبي الزبير ، عن جابر ،
قال : لما رجعت مهاجرة الحبشة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ألا تخبروني بأعجب ما رأيتم في
أرض الحبشة ؟ " ، فقال فتية منهم : بلى يا رسول الله ، بينما نحن جلوس إذ مرت
علينا عجوز من عجائزهم ، تحمل على رأسها قلة من ماء ، فمرت بفتى منهم ، فجعل إحدى
يديه بين كتفيها ، ثم دفعها ، فخرت على ركبتيها ، وانكسرت قلتها ، فلما ارتفعت
التفتت إليه ، وقالت : سوف تعلم يا غدر ، إذا وضع الله الكرسي لفصل القضاء ، وجمع
الأولين والآخرين ، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون ، سوف تعلم كيف أمري
وأمرك عنده غدا . قال : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدقت ، كيف
يقدس الله قوما لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم ؟ " .
[ ص: 33 ] وقد تقدم في حديث عبد الله بن أنيس ، أن الله تعالى ينادي العباد يوم القيامة ، فيقول : أنا الملك ، أنا الديان ، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده مظلمة . وذكر الحديث كما تقدم ، رواه أحمد ، وعلقه البخاري في " صحيحه " .
وقال الإمام مالك ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " من كانت لأخيه عنده مظلمة فليتحلله منها ، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم ، من قبل أن يؤخذ من حسناته ، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه " . ورواه البخاري ، ومسلم .
وروى ابن أبي الدنيا من حديث العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتدرون من المفلس ؟ " قالوا : من لا درهم له ولا دينار . فقال : " بل المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيقضى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه ، أخذ من خطاياهم ، فطرحت عليه ، ثم طرح في النار " .
[ ص: 34 ] وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا الوليد بن شجاع السكوني أنبأنا القاسم بن مالك المزني ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تموتن وعليك دين ; فإنه ليس ثم دينار ولا درهم ، إنما هي الحسنات ، جزاء بجزاء ، ولا يظلم ربك أحدا " . وروي من وجهين آخرين ، عن ابن عمر مرفوعا مثله .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا بكر بن يونس بن بكير ، عن موسى بن علي بن رباح ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليأتي العبد يوم القيامة ، وقد سرته حسناته ، فيجيء الرجل فيقول : يا رب ، ظلمني هذا ، فيؤخذ من حسناته ، فيجعل في حسنات الذي سأله ، فما يزال كذلك حتى ما تبقى له حسنة ، فإذا جاء من يسأله ، نظر إلى سيئاته فجعلت مع سيئات الرجل ، فلا يزال يستوفى من حسناته ، وترد عليه سيئات من ظلمه ، فما يزال يستوفى منه حتى يدخل النار " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا صدقة بن موسى ، حدثنا أبو عمران الجوني ، عن يزيد بن بابنوس عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 35 ] " الدواوين عند الله ، عز وجل ، ثلاثة : ديوان لا يعبأ الله به شيئا ، وديوان لا يترك الله منه شيئا ، وديوان لا يغفره الله ; فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك ، قال الله عز وجل : إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة [ المائدة : 72 ] وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا ، فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه ، من صوم يوم تركه ، أو صلاة تركها ، فإن الله يغفر ذلك ، ويتجاوز إن شاء ، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا ، القصاص لا محالة " .
وروى البيهقي من حديث زائدة بن أبي الرقاد ، عن زياد النميري ، عن أنس مرفوعا : " الظلم ثلاثة : فظلم لا يغفره الله ، وهو الشرك ، وظلم يغفره ، وهو ظلم العباد أنفسهم فيما بينهم وبين ربهم ، وظلم لا يترك الله منه شيئا ، وهو ظلم العباد بعضهم بعضا ، حتى يدين بعضهم من بعض " . ثم ساقه من طريق يزيد الرقاشي ، عن أنس ، مرفوعا بنحوه ، وكلا الطريقين ضعيف .
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا أبو عبد الله تميم بن المنتصر ، أخبرنا إسحاق بن يوسف ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن السائب ، عن زاذان ، عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " القتل في سبيل الله يكفر كل شيء - أو قال : يكفر الذنوب كلها - إلا الأمانة " . قال : " يؤتى بصاحب الأمانة ، فيقال له : أد أمانتك . فيقول : أنى يا رب ، وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقال : اذهبوا به إلى الهاوية . فيذهب به إليها ، فيهوي حتى ينتهي إلى قعرها ، فيجدها هناك كهيئتها ، فيحملها فيضعها على عاتقه ، فيصعد بها في نار جهنم ، حتى إذا رأى أنه قد خرج زلت فهوت ، وهوى في إثرها ، فهو كذلك أبد الآبدين " . قال : " والأمانة في الصلاة ، والأمانة في الصوم ، والأمانة في الوضوء ، والأمانة في الحديث ، وأشد ذلك الودائع " . قال : فلقيت البراء ، فقلت : ألا تسمع إلى ما يقول أخوك عبد الله ؟ قال : صدق .
قال شريك : وحدثنا عباس العامري ، عن زاذان ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله ، ولم يذكر الأمانة في الصلاة ، والأمانة في كل شيء . إسناده جيد ، ولم يروه أحمد ، ولا أحد من أصحاب الكتب الستة ، وله شاهد من الحديث الذي رواه مسلم . عن أبي سعيد ، أن رجلا قال : يا رسول الله ، أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا ، مقبلا غير مدبر ، يكفر الله عني خطاياي ؟ قال : " نعم ، إلا الدين وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا محمد بن عبيد ، أخبرنا محمد بن عمرو ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن عبد الله بن الزبير ، قال : لما نزلت : إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون [الزمر : 30 ، 31 ] ، قال الزبير : يا رسول الله : أيكرر علينا ما يكون بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ قال : " نعم ، ليكررن عليكم ، حتى تؤدوا إلى كل ذي حق حقه " . فقالالزبير : والله إن الأمر لشديد .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، أخبرنا أبو سنان ، عن عبد الله بن السائب ، عن زاذان ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : الأمم جاثون للحساب ، فلهم يومئذ أشد تعلقا بعضهم ببعض منهم في الدنيا ، الأب بابنه ، والابن بأبيه ، والأخت بأخيها ، والأخ بأخته ، والزوج بامرأته ، والمرأة بزوجها . ثم تلا عبد الله : فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون
[ المؤمنون : 101 ] وقال أبو بكر البزار : حدثنا الفضل بن يعقوب ، حدثنا سعيد بن مسلمة ، عن ليث ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يؤتى بالمليك والمملوك ، والزوج والزوجة ، فيحاسب المليك والمملوك ، والزوج والزوجة ، حتى يقال للرجل : شربت يوم كذا وكذا على لذة . ويقال للزوج : خطبت فلانة مع خطاب فزوجتكها وتركتهم " . وقال ابن أبي الدنيا : حدثني عمرو بن حبان مولى بني تميم ، حدثنا عبد بن حميد ، عن إبراهيم بن مسلم ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يدعو العبد يوم القيامة ، فيذكره ويعد عليه : دعوتني يوم كذا وكذا فأجبتك حتى يعد عليه فيما يعد ; وقلت : يا رب ، زوجني فلانة - ويسميها باسمها - فزوجناكها " . وروي من حديث ليث بن أبي سليم ، عن أبي بردة ، عن عبد الله بن سلام ، موقوفا ، بنحوه وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا إبراهيم بن سعيد ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، حدثني الفضل بن عيسى ، حدثنا محمد بن المنكدر ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن العار ليلزم العبد يوم القيامة ، حتى يقول : يا رب لإرسالك بي إلى النار أيسر علي مما ألقى من العار . وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب " . وقد قال تعالى : ثم لتسألن يومئذ عن النعيم التكاثر/8]
وفي " الصحيح " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أكل هو وأصحابه في حديقة أبي الهيثم بن التيهان من تلك الشاة التي ذبحت له ، وأكلوا من الرطب ، وشربوا من ذلك الماء ، قال : " هذا من النعيم الذي تسألون عنه " . أي عن القيام بشكره ، وماذا عملتم في مقابلة ذلك ، كما ورد في الحديث : " أذيبوا طعامكم بذكر الله ، وبالصلاة ، ولا تناموا عليه ، فتقسو قلوبكم " . وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا وكيع ، أنبأنا سفيان ، عن الأعمش ، عن ثابت - أو أبي ثابت - أن رجلا دخل مسجد دمشق ، فقال : اللهم آنس وحشتي ، وارحم غربتي ، وارزقني جليسا صالحا . فسمعه أبو الدرداء ، فقال : لئن كنت صادقا لأنا أسعد بما قلت منك ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " فمنهم ظالم لنفسه [فاطر : 32 ] . قال : الظالم الذي يؤخذ منه في مقامه ذلك ، وذلك الحزن والغم . ومنهم مقتصد . قال : يحاسب حسابا يسيرا . ومنهم سابق بالخيرات . قال : يدخل الجنة بغير حساب " . وستأتي الأحاديث فيمن يدخل الجنة بغير حساب ، وكم عدتهم
وقال البخاري : حدثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة ، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة ، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة ، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ، ولو يعلم المسلم بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار " . انفرد به البخاري من هذا الوجه
ثم قال ابن ماجه : حدثنا أبو غريب ، وأحمد بن سنان ، قالا : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلق الله ، يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة ، فجعل في الأرض منها رحمة ، فبها تعطف الوالدة على ولدها ، والبهائم بعضها على بعض ، والطير ، وأخر تسعا وتسعين إلى يوم القيامة ، فإذا كان يوم القيامة أكملها الله بهذه الرحمة " . انفرد به ، وهو على شرط " الصحيحين ثم أورد ابن ماجه ما أخرجاه في " الصحيحين " من طرق عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله كتب كتابا يوم خلق السماوات والأرض : إن رحمتي تغلب غضبي " . وفي رواية : " سبقت غضبي " . وفي رواية : " فهو موضوع عنده على العرش " . وفي رواية : " فوق العرش. وكلها روايات صحيحة
وقد قال تعالى : كتب ربكم على نفسه الرحمة [ الأنعام : 54 ] . وقال : ورحمتي وسعت كل شيء الآية : [ الأعراف : 156 ] ) ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما [غافر : 7 ] . هذا إخبار من الملائكة عن الله سبحانه أنه وسع كل شيء رحمة وعلما . وقال : فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين [ ص: 52 ] [ الأنعام : 147 ثم أورد ابن ماجه حديث ابن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال له : " يا معاذ ، أتدري ما حق الله على عباده ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا " . ثم قال : " أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك ؟ أن لا يعذبهم " . وهو ثابت في " صحيح البخاري " ، من طريق الأسود بن هلال ، وأنس بن مالك ، عن معاذ وقال ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا سهيل بن عبد الله ، أخو حزم القطعي ، حدثنا ثابت البناني ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ - أو تلا - هذه الآية : هو أهل التقوى وأهل المغفرة [المدثر : 56 ] . قال : " قال الله تعالى : أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله آخر ، فمن اتقى أن يجعل معي إلها آخر فأنا أهل أن أغفر له وقال ابن ماجه : حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا إبراهيم بن أعين ، حدثنا إسماعيل بن يحيى الشيباني ، عن عبد الله بن عمر بن حفص ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته ، فمر بقوم فقال : " من القوم ؟ " قالوا : نحن المسلمون . وامرأة تحصب تنورها ، ومعها ابن لها ، فإذا ارتفع وهج التنور تنحت به ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : أنت رسول الله ؟ قال : " نعم " . قالت : بأبي أنت وأمي ، أليس الله بأرحم الراحمين ؟ قال : " بلى " . قالت : أوليس الله أرحم بعباده من الأم بولدها ؟ قال : " بلى " . قالت : إن الأم لا تلقي ولدها في النار . فأكب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي ، ثم رفع رأسه إليها ، فقال : " إن الله ، عز وجل ، لا يعذب من عباده إلا المارد المتمرد ، الذي يتمرد على الله ، وأبى أن يقول : لا إله إلا الله . إسناده فيه ضعف ، وسياقه فيه غرابة وقد قال تعالى : لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى [ الليل : 15 ، 16 ] . وقال تعالى : فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى [ القيامة : 31 ،32 وقال البخاري : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا أبو غسان ، حدثني زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قال : قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي ، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسعى ، فإذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها ، فأرضعته ، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم : " أترون هذه طارحة ولدها في النار ؟ " قلنا : لا ، وهي تقدر على أن لا تطرحه . فقال : " لله أرحم بعباده من هذه بولدها ورواه مسلم عن حسن الحلواني ، ومحمد بن سهل بن عسكر ، كلاهما عن سعيد بن أبي مريم ، عن أبي غسان محمد بن مطرف ، به . وفي رواية : " والله لله أرحم بعباده من هذه بولدها ثم قال ابن ماجه : حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي ، حدثنا عمرو بن هاشم ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عبد ربه بن سعيد ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل النار إلا شقي " . قيل : يا رسول الله ، ومن الشقي ؟ قال : " من لم يعمل لله بطاعة ، ولم يترك له معصية " . وفى إسناده ضعف أيضا . وفى " صحيح مسلم " من حديث أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم القيامة دفع الله عز وجل ، إلى كل مسلم يهوديا ، أو نصرانيا ، فيقول : هذا فكاكك من النار " . وفي رواية : " لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه إلى النار يهوديا أو نصرانيا " . قال: فاستحلف عمر بن عبد العزيز أبا بردة بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات ، أن أباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فحلف له . وفي رواية لمسلم أيضا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال ، فيغفرها الله لهم ، ويضعها على اليهود والنصارى وقال ابن ماجه : حدثنا جبارة بن المغلس ، حدثنا عبد الأعلى بن أبي المساور ، عن أبي بردة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد صلى الله عليه وسلم في السجود ، فيسجدون له طويلا ، ثم يقال : ارفعوا رءوسكم ، قد جعلنا عدتكم فداءكم من النار وقال الطبراني : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا سعد أبو غيلان الشيباني ، عن حماد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الفاجر في دينه ، الأحمق في معيشته ، والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الذي قد محشته النار بذنبه ، والذي نفسي بيده ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه
ذكر كيفية تفرق العباد عن موقف الحساب وما إليه أمرهم يصير ; ففريق في الجنة وفريق في السعير
قال الله تعالى : وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون [ مريم : 39 ] . وقال تعالى : ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون [ الروم : 14 - 16 ] . وقال تعالى : فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون [الروم : 43 ] . وقال تعالى : ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون الآيات إلى قوله : وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين [ الجاثية : 27 - 31 ] إلى آخر السورة . وقال تعالى : ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا / الزمر : 70 ، 71 ] الآيات إلى آخر السورة ، وذكر أن هؤلاء سيقوا إلى الجنة ، وهؤلاء سيقوا إلى جهنم ، بعد موقف الحساب وانصرافهم عنه . وقال تعالى : يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ / هود 105 - 108 ] . وقال تعالى : وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير /الشورى : 7 ] . وقال تعالى : يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير
/التغابن : 9 ، 10 ] . وقال تعالى : يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا / مريم : 85 ، 86 ] . وقال تعالى : يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون / آل عمران : 106 ، 107
والآيات في هذا كثيرة جدا ، ولنذكر من الأحاديث ما يناسب هذا المقام ، وهي مشتملة على مقاصد كثيرة غير هذا الفصل ، وسنشير إليها وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن عثمان العجلي ، حدثنا أبو أسامة ، عن مالك بن مغول ، عن القاسم بن الوليد ، في قوله تعالى : فإذا جاءت الطامة الكبرى / النازعات : 34 ] . قال : حين سيق أهل الجنة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار
إيراد الأحاديث في ذلك : قال البخاري : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني سعيد وعطاء بن يزيد ، أن أبا هريرة أخبرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ( ح ) . وحدثني محمود ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي هريرة ، قال : قال أناس : يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال : " هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب " ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : " هل تضارون في القمر ليلة البدر ، ليس دونه سحاب " ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : " فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك ، يجمع الله الناس فيقول : من كان يعبد شيئا فليتبعه . فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت ، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها ، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم . فيقولون : نعوذ بالله منك ، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا جاء ربنا عرفناه . فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم . فيقولون : أنت ربنا . فيتبعونه ، ويضرب جسر جهنم " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأكون أول من يجيز . ودعاء الرسل يومئذ : اللهم سلم سلم . وفيه كلاليب مثل شوك السعدان ، أما رأيتم شوك السعدان ؟ " قالوا : نعم ، يا رسول الله . قال " فإنها مثل شوك السعدان ، غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله عز وجل ، فتخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم الموبق بعمله ، ومنهم المخردل ، ثم ينجو ، حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده ، وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرجه ، ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله ، أمر الملائكة أن يخرجوهم ، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود ، وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود ، فيخرجونهم قد امتحشوا ، فيصب عليهم ماء ، يقال له : ماء الحياة . فينبتون نبات الحبة في حميل السيل ، ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار ، فيقول : يا رب ، قد قشبني ريحها ، وأحرقني ذكاؤها ، فاصرف وجهي عن النار . فلا يزال يدعو الله ، فيقول : لعلك إن أعطيتك ذلك تسألني غيره ؟ فيقول : لا ، وعزتك لا أسألك غيره . فيصرف وجهه عن النار ، ثم يقول بعد ذلك : يارب ، قربني إلى باب الجنة . فيقول : أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره ؟ ويلك ! يا بن آدم ، ما أغدرك ! فلا يزال يدعو ، فيقول : لعلي إن أعطيتك ذلك تسألني غيره ؟ فيقول : لا ، وعزتك ، لا أسألك غيره . فيعطي الله من عهود ومواثيق أن لا يسأله غيره ، فيقربه إلى باب الجنة ، فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت ، ثم يقول : رب ، أدخلني الجنة . فيقول : أوليس قد زعمت أن لا تسألني غيره ؟ ويلك يا بن آدم ، ما أغدرك ! . فيقول : يا رب ، لا تجعلني أشقى خلقك . فلا يزال يدعو الله حتى يضحك الله منه ، فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها ، فإذا دخل فيها قيل له : تمن من كذا . فيتمنى ، ثم يقال له : تمن من كذا . فيتمنى ، حتى تنقطع به الأماني ، فيقول : هذا لك ، ومثله معه " . قال أبو هريرة : وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا . قال : وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي هريرة لا يغير عليه شيئا من حديثه ، حتى إذا انتهى إلى قوله : " هذا لك ومثله معه " . قال أبو سعيد : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " هذا لك وعشرة أمثاله " . قال أبو هريرة : ما حفظت إلا : " ومثله معه وهكذا رواه البخاري من حديث إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، به ، وزاد : فقال أبو سعيد : أشهد أني حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : " ذلك لك وعشرة أمثاله " ، وهذا الإثبات من أبي سعيد مقدم على ما لم يحفظه أبو هريرة ، حتى ولو نفاه أبو هريرة قدمنا إثبات أبي سعيد ، لما معه من زيادة الثقة المقبولة ، لا سيما وقد تابعه غيره من الصحابة ، كابن مسعود ، كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى وقال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن زيد ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قلنا : يا رسول الله ، هل نرى ربنا ؟ قال : " هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا ؟ " قلنا : لا . قال : " فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤيتهما " . قال : " ثم ينادي مناد : ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون . فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم ، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم ، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم ، حتى لا يبقى إلا من كان يعبد الله من بر أو فاجر ، وغبرات من أهل الكتاب ، ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب ، فيقال لليهود : ما كنتم تعبدون ؟ قالوا : كنا نعبد عزيرا ابن الله . فيقال لهم : كذبتم ; لم يكن لله صاحبة ولا ولد ، فما تريدون ؟ قالوا : نريد أن تسقينا . قال : فيقال : اشربوا . فيتساقطون في جهنم ، ثم يقال للنصارى : ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون : كنا نعبد المسيح ابن الله . فيقال لهم : كذبتم ، لم يكن لله صاحبة ولا ولد . فيقال : ما تريدون ؟ فيقولون : نريد أن تسقينا . فيقال : اشربوا . فيتساقطون فيها حتى لا يبقى إلا من كان يعبد الله من بر أو فاجر ، فيقال لهم : ما يجلسكم وقد ذهب الناس ؟! فيقولون : إن لنا إلها كنا نعبده ، فارقنا الناس ، ونحن أحوج منا إليه اليوم ، وإنا سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون . وإنا ننتظر ربنا ، عز وجل " . قال : " فيأتيهم الجبار ، سبحانه ، في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة ، فيقول : أنا ربكم . فيقولون : أنت ربنا ؟ ولا يكلمه يومئذ إلا الأنبياء ، فيقال : هل بينكم وبينه علامة تعرفونه بها ؟ فيقولون : الساق . فيكشف عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن ، ويبقى من كان يسجد رياء وسمعة ، فيذهب كيما يسجد ، فيعود ظهره طبقا واحدا ، ثم يؤتى بالجسر ، فيجعل بين ظهري جهنم " . قلنا : يا رسول الله ، وما الجسر ؟ قال : " مدحضة مزلة ، عليه خطاطيف ، وكلاليب ، وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفة تكون بنجد ، يقال لها : السعدان . المؤمن عليها كالطرف ، وكالبرق ، وكالريح ، وكأجاويد الخيل ، والركاب ، فناج مسلم ، وناج مخدوش ، ومكدوس في نار جهنم ، حتى يمر آخرهم يسحب سحبا ، فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم ، من المؤمنين يومئذ للجبار ، إذا رأوا أنهم قد نجوا ، في إخوانهم ، يقولون : ربنا ، إخواننا كانوا يصلون معنا ، ويصومون معنا ، ويعملون معنا . فيقول الله تعالى : اذهبوا ، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوهم . ويحرم الله صورهم على النار ، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدميه ، وإلى أنصاف ساقه ، فيخرجون من عرفوا ، ثم يعودون ، فيقول : اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه . فيخرجون من عرفوا ، ثم يعودون ، فيقول : اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه فيخرجون من عرفوا " . قال أبو سعيد : فإن لم تصدقوني فاقرءوا : إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها) النساء/4 فيشفع النبيون ، والملائكة ، والمؤمنون ، فيقول الجبار ، عز وجل : بقيت شفاعتي . فيقبض قبضة ، فيخرج أقواما قد امتحشوا ، فيلقون في نهر بأفواه الجنة ، يقال له : نهر الحياة . فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل ، قد رأيتموها إلى جانب الصخرة ، وإلى جانب الشجرة ، فما كان إلى الشمس منها كان أخضر ، وما كان منها إلى الظل كان أبيض،فيخرجون كأنهم اللؤلؤ ، فيجعل في رقابهم الخواتيم ، فيدخلون الجنة ،فيقول أهل الجنة : هؤلاء عتقاء الرحمن ، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ، ولا خير قدموه . فيقال لهم : لكم ما رأيتم ومثله معه وقال مسلم : حدثنا عبيد الله بن سعيد ، وإسحاق بن منصور ، كلاهما عن روح ، قال عبيد الله : حدثنا روح بن عبادة القيسي ، حدثنا ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود ، فقال : نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا - انظر : أي ذلك فوق الناس - قال : فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد ، الأول فالأول ، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول : من تنتظرون ؟ فيقولون : ننتظر ربنا . فيقول : أنا ربكم . فيقولون : حتى ننظر إليك . فيتجلى لهم يضحك ، قال : فينطلق بهم ، ويتبعونه ، ويعطى كل إنسان منهم ; منافق أو مؤمن نورا ، ثم يتبعونه ، وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك ، تأخذ من شاء الله ، ثم يطفأ نور المنافقين ، ثم ينجو المؤمنون ، فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر ، سبعون ألفا لا يحاسبون ، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء ، ثم كذلك ، ثم تحل الشفاعة ، فيشفعون ، حتى يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله ، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ، فيجعلون بفناء الجنة ، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل ، ويذهب حراقه ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا ، وعشرة أمثالها معها وقال مسلم : حدثنا محمد بن طريف بن خليفة البجلي ، حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا أبو مالك الأشجعي ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، وأبو مالك ، عن ربعي ، عن حذيفة ، قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجمع الله سبحانه الناس ، فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة ، فيأتون آدم ، فيقولون : يا أبانا ، استفتح لنا الجنة . فيقول : وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم ؟! لست بصاحب ذلك ، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله " . قال : " فيقول إبراهيم :لست بصاحب ذلك ، إنما كنت خليلا من وراء وراء ، اعمدوا إلى موسى الذي كلمه الله تكليما . فيأتون موسى . فيقول : لست بصاحب ذلك ، اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه . فيقول عيسى : لست بصاحب ذلك ، اذهبوا إلى محمد . فيأتون محمدا صلى الله عليه وسلم ، فيقوم ويؤذن له ، وترسل الأمانة والرحم ، فيقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا ، فيمر أولكم كالبرق " . قال : قلت : بأبي أنت وأمي ، أي شيء كمر البرق ؟ قال : " ألم تروا إلى البرق ، كيف يمر ويرجع في طرفة عين ؟ ثم كمر الريح ، ثم كمر الطير ، وشد الرجال ، تجري بهم أعمالهم ، ونبيكم قائم على الصراط ، يقول : رب ، سلم سلم . حتى تعجز أعمال العباد ، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا " . قال : " وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة ، تأخذ من أمرت به ، فمخدوش ناج ، ومكدوس في النار " . والذي نفس أبي هريرة بيده ، إن قعر جهنم لسبعون خريفا . وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن عمارة القرشي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يحشر الله تعالى الأمم في صعيد واحد ، فإذا أراد أن يصدع بين خلقه مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون ، فيتبعونهم حتى يقحمونهم النار ، ثم يأتينا ربنا ونحن في مكان رفيع ، فيقول : ما أنتم ؟ فنقول : نحن المسلمون . فيقول : ما تنتظرون ؟ فنقول : ننتظر ربنا . فيقول : هل تعرفونه [ ص: 80 ] إن رأيتموه ؟ فنقول : نعم . فيقول : وكيف تعرفونه ولم تروه ؟ فنقول : إنه لا عدل له . فيتجلى لنا ضاحكا ، فيقول : أبشروا معشر المسلمين ; فإنه ليس منكم أحد إلا قد جعلت مكانه في النار يهوديا أو نصرانيا وهكذا رواه الإمام أحمد ، عن عبد الصمد وعفان ، عن حماد بن سلمة ، به مثله ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه ، ولكن روى مسلم من حديث سعيد بن أبي بردة وعون بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي بردة ، عن أبيه أبي موسى الأشعري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديا أو نصرانيا
ورود الناس جميعهم جهنم
قال الله تعالى : فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا الآيات إلى قوله : ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا [ مريم : 68 - 72 ] . أقسم سبحانه بنفسه الكريمة أنه سيجمع بني آدم ممن كان يطيع الشياطين ويعبدها مع الله ، عز وجل ، ويطيعها فيما تأمره به من معاصي الله عز وجل ، فإن طاعة الشياطين هي عبادتها ، فإذا كان يوم القيامة جمع الشياطين ومن أطاعهم وأحضرهم حول جهنم جثيا ، أي جلوسا على الركب ، كما قال تعالى : وترى كل أمة جاثية [ الجاثية : 28 ] وعن ابن مسعود : قياما . وهم يعاينون هولها ، وبشاعة منظرها ، وقد جزموا أنهم داخلوها لا محالة ، كما قال تعالى : ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا [ الكهف : 53 ] وقال تعالى : ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم
[ الشورى : 22 ] . وقال : إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا إلى قوله : كان على ربك وعدا مسئولا [ الفرقان : 12 - 16 ] . وقال تعالى : لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين [التكاثر : 6 ،7 ] ثم أقسم تعالى أن الخلق كلهم سيردون جهنم ، فقال : وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا [مريم : 71 ] ، قال ابن مسعود : قسما واجبا وفى " الصحيحين " من حديث الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من مات له ثلاثة من الولد لم تمسه النار إلا تحلة القسم وروى الإمام أحمد ، عن حسن ، عن ابن لهيعة ، عن زبان بن فائد ، عن سهل بن معاذ بن أنس ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من حرس من وراء المسلمين متطوعا لا بأجر سلطان لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم ، قال الله تعالى : وإن منكم إلا واردها وذكر تمام الحديث وقد اختلف المفسرون في المراد بالورود ما هو ، والأظهر ، كما قررناه في " التفسير " ، أنه المرور على الصراط . والله أعلم . كما قال تعالى)ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا مريم/72 وقال مجاهد : الحمى حظ كل مؤمن من النار ، ثم قرأ : وإن منكم إلا واردها . وقد روى ابن جرير في " تفسيره " حديثا يشبه هذا ، فقال : حدثني عمران بن بكار الكلاعي ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود رجلا من أصحابه وعكا ، وأنا معه ، ثم قال : " إن الله يقول : هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار في الآخرة " . وهذا إسناد حسن وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عن مرة ، عن عبد الله بن مسعود : وإن منكم إلا واردها . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يرد الناس النار كلهم ، ثم يصدرون عنها بأعمالهم وهكذا رواه الترمذي من حديث إسرائيل ، عن السدي ، به ، مرفوعا ، ثم رواه من حديث شعبة ، عن السدي به ، فوقفه ، وهكذا رواه أسباط عن السدي ، عن مرة ، عن ابن مسعود ، قال : يرد الناس جميعا الصراط ، وورودهم قيامهم حول النار ، ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم ، فمنهم من يمر كمر البرق ، ومنهم من يمر مثل الريح ، ومنهم من يمر مثل الطير ، ومنهم من يمر كأجود الخيل ، ومنهم من يمر كأجود الإبل ، ومنهم من يمر كعدو الرجل ، حتى إن آخرهم مرا رجل نوره على موضعي إبهامي قدميه ، يمر يتكفأ به الصراط ، والصراط دحض مزلة ، عليه حسك كحسك القتاد ، حافتاه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس . وذكر تمام الحديث . وله شواهد مما مضى ، ومما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقال سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الزعراء ، عن ابن مسعود ، قال : يأمر الله بالصراط فيضرب على جهنم ، فيمر الناس عليه على قدر أعمالهم ; أولهم كلمح البرق ، ثم كمر الريح ، ثم كأسرع البهائم ، ثم كذلك ، حتى يمر الرجل سعيا ، حتى يمر الرجل ماشيا ، ثم يكون آخرهم يتلبط على بطنه ، ثم يقول : يا رب ، لم أبطأت بي ؟ فيقول : لم أبطئ بك ، إنما أبطأ بك عملك .
وروي نحوه من وجه آخر عن ابن مسعود مرفوعا ، والموقوف أصح . والله أعلم
وقال الحافظ أبو نصر الوائلي في كتاب " الإبانة " : أخبرنا محمد بن محمد بن الحجاج ، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الربعي ، حدثنا علي بن الحسين ، أبو عبيد ، حدثنا زكريا بن يحيى أبو السكين ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا أبو همام القرشي ، عن سليمان بن المغيرة ، عن قيس بن مسلم ، عن طاوس ، عن أبي هريرة ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " علم الناس سنتي وإن كرهوا ذلك ، وإن أحببت أن لا توقف على الصراط طرفة عين حتى تدخل الجنة فلا تحدثن في دين الله حدثا برأيك " . ثم قال : وهذا غريب الإسناد ، والمتن حسن . أورده القرطبي
وقال الحسن بن عرفة : حدثنا مروان بن معاوية ، عن بكار بن أبي مروان ، عن خالد بن معدان ، قال : قال أهل الجنة بعدما دخلوا الجنة : ألم يعدنا ربنا الورود على النار ؟! فيقال:قد مررتم عليها وهى خامدة .
وقد ذهب آخرون إلى أن المراد بالورود الدخول ، قاله ابن عباس ، وعبد الله بن رواحة ، وأبو ميسرة ، وغير واحد
وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا غالب بن سليمان ، عن كثير بن زياد البرساني ، عن أبي سمية ، قال : اختلفنا في الورود ، فقال بعضنا : لا يدخلها مؤمن . وقال بعضنا : يدخلونها جميعا ، ثم ينجي الله الذين اتقوا ، فلقيت جابر بن عبد الله ، فقلت له : إنا اختلفنا في الورود ، فقال : يردونها جميعا - وقال سليمان مرة : يدخلونها جميعا . وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه ، وقال : صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها ، فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم ، حتى إن للنار ضجيجا من بردهم ; ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا [ مريم : 72 ] . لم يخرجوه في كتبهم ، وهو حسن وقال أبو بكر أحمد بن سلمان النجاد ، حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدة السليطي ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي ، حدثنا سليم بن منصور بن عمار ، حدثني أبي منصور بن عمار ، حدثني بشير بن طلحة الجذامي ، عن خالد بن دريك ، عن يعلى بن منية ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تقول النار للمؤمن يوم القيامة : جز يا مؤمن ، فقد أطفأ نورك لهبي " . وهذا حديث غريب جدا وقال ابن المبارك " ، عن سفيان ، عن رجل ، عن خالد بن معدان ، قال : قالوا : ألم يعدنا ربنا أنا نرد النار ؟ فيقال : إنكم مررتم عليها وهي خامدة .
وفي رواية عن خالد بن معدان ، قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا : ألم يقل ربنا أنا نرد النار ؟ فيقال : إنكم وردتموها فألفيتموها رمادا وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، عن الجريري ، عن أبي السليل ، عن غنيم بن قيس ، قال : ذكروا ورود النار ، فقال كعب : تمسك النار للناس كأنها متن إهالة ، حتى يستوي عليها أقدام الخلائق ، برهم وفاجرهم ، ثم يناديها مناد أن أمسكي أصحابك ، ودعي أصحابي . قال : فتخسف بكل ولي لها ، فلهي أعلم بهم من الرجل بولده ، ويخرج المؤمنون ندية ثيابهم وروي مثله أيضا عنه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن إدريس ، حدثنا الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن أم مبشر امرأة زيد بن حارثة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة ، فقال : " لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية " . قالت حفصة : أليس الله عز وجل ، يقول : وإن منكم إلا واردها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فمه ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ورواه الإمام أحمد أيضا ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن أم مبشر ، عن حفصة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله ورواه مسلم من حديث ابن جريج ، عن أبي الزبير ، سمع جابرا ، عن أم مبشر ، فذكر نحوه ، وقد تقدم ، وسيأتي في أحاديث الشفاعة كيفية جواز المؤمنين على الصراط ، وتفاوت سيرهم عليه ، بحسب أعمالهم ، وقد تقدم من ذلك جانب ، وتقدم عنه ، عليه السلام ، أنه أول الأنبياء إجازة بأمته على الصراط وعن عبد الله بن سلام قال : محمد صلى الله عليه وسلم أول الرسل إجازة على الصراط ، ثم عيسى ، ثم موسى ، ثم إبراهيم ، حتى يكون آخرهم إجازة نوح ، عليه السلام . قال : فإذا خلص المؤمنون من الصراط تلقتهم الخزنة يهدونهم إلى الجنة ، فإنهم إذا خلصوا من الصراط وأتوا على آخره ، فليس بعد ذلك إلا دخول الجنة . كما سيأتي وثبت في " الصحيح / من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة : يا عبد الله ، هذا خير . فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الزكاة دعي من باب الزكاة ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان " . فقال أبو بكر : يا رسول الله ، ما على أحد يدعى من أيها شاء من ضرورة ، فهل يدعى أحد منها كلها ؟ قال ؟ " نعم ، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر ، فإذا دخلوا الجنة هدوا إلى منازلهم ، فلهم أعرف بها من منازلهم التي كانت في الدنيا " . كما سيأتي بيانه في " الصحيح " عند البخاري .
وقد قال الطبراني : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، عن عبد الرزاق ، عن سفيان الثوري ، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن عطاء بن يسار ، عن سلمان الفارسي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة أحد إلا بجواز ; بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من الله لفلان بن فلان ، أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية وقد رواه الحافظ الضياء ، من طريق سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يعطى المؤمن جوازا على الصراط ; بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لفلان ابن فلان ، أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية وقد روى الترمذي في " جامعه " ، عن المغيرة بن شعبة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " شعار المؤمن على الصراط ، رب سلم سلم " . ثم قال : غريب وفى " صحيح مسلم " : " ونبيكم يقول : رب سلم سلم " . وتقدم أن الأنبياء كلهم يقولون ذلك ، وكذلك الملائكة كلهم يقولون ذلك)
وثبت في " صحيح البخاري " من حديث قتادة ، عن أبي المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار ، فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا ، حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة ، فلأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا وقد تكلم القرطبي على هذا الحديث في " التذكرة " ، وجعل هذه القنطرة صراطا ثانيا للمؤمنين خاصة ، وليس يسقط منه أحد في النار . قلت : هذه القنطرة تكون بعد مجاوزة النار ، فقد تكون هذه القنطرة منصوبة على هول آخر مما يعلمه الله ، ولا نعلمه نحن . والله أعلم .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا صالح بن موسى ، عن ليث ، عن عثمان ، عن محمد ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى يوم القيامة للمؤمنين : جوزوا النار بعفوي ، وادخلوا الجنة برحمتي ، فاقتسموها بفضائل أعمالكم " . وهذا حديث غريب - أول زمرة تدخل الجنة (اللهم اجعلنا منهم ) قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر ، لا يبصقون فيها ، ولا يمتخطون فيها ، ولا يتغوطون فيها ، آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة ، ومجامرهم من الألوة ، ورشحهم المسك ، ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم ; من الحسن ، لا اختلاف بينهم ولا تباغض ، قلوبهم على قلب واحد ، يسبحون الله بكرة وعشيا وهكذا رواه مسلم ، عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق ، وأخرجه البخاري عن محمد بن مقاتل ، عن ابن المبارك ، كلاهما عن معمر ، به )
وقال أبو يعلى : حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا جرير ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والذين يلونهم على صورة أشد كوكب دري في السماء إضاءة ، لا يبولون ، ولا يتغوطون ، ولا يتفلون ولا يمتخطون ، أمشاطهم الذهب ، ورشحهم المسك ، ومجامرهم الألوة ، وأزواجهم الحور العين ، أخلاقهم على خلق رجل واحد ، على صورة أبيهم آدم ، ستون ذراعا في السماء ورواه مسلم عن أبي خيثمة ، واتفقا عليه ، من حديث جرير وروى الإمام أحمد ، والطبراني ، واللفظ له ، من حديث حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا ، بيضا جعادا مكحلين ، أبناء ثلاث وثلاثين ، وهم على خلق آدم ; ستون ذراعا في عرض سبعة أذرع /وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن إسماعيل العدوي ، حدثنا عمرو بن مرزوق ، أنا عمران القطان ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن معاذ بن جبل ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يدخل أهل الجنة الجنة جردا ، مردا ، مكحلين بني ثلاث وثلاثين " ورواه الترمذي من حديث عمران بن داود القطان ، ثم قال : هذا حديث حسن غريب ،وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا القاسم بن هاشم ، حدثنا صفوان بن صالح ، حدثني رواد بن جراح العسقلاني ، حدثنا الأوزاعي ، عن هارون بن رئاب ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ; ستين ذراعا بذراع الملك ، على حسن يوسف ، وعلى ميلاد عيسى ، ثلاث وثلاثين سنة ، وعلى لسان محمد ، جرد مرد مكحلون وقد رواه أبو بكر بن أبي داود ، حدثنا محمود بن خالد وعباس بن الوليد قالا : حدثنا عمر ، عن الأوزاعي ، عن هارون بن رئاب ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يبعث أهل الجنة على صورة آدم ، في ميلاد ثلاث وثلاثين سنة ، جردا مردا مكحلين ، ثم يذهب بهم إلى شجرة في الجنة ، فيكسون منها ، لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم ،وقال أبو بكر بن أبي داود : حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو بن الحارث ، أن دراجا أبا السمح حدثه ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون بني ثلاث وثلاثين سنة في الجنة ، لا يزيدون عليها أبدا ، وكذلك أهل النار ) ورواه الترمذي عن سويد بن نصر ، عن ابن المبارك ، عن رشدين بن سعد ، عن عمرو بن الحارث ، فذكره . والله أعلم
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف العجلي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن معاذ ، قال :قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " يبعث المؤمنون يوم القيامة جردا مردا مكحلين بني ثلاث وثلاثين . وهذا منقطع بين شهر ومعاذ انقطاعا لو كان ساقه لكانت أبعد من شهر ، وهو يفهم بعثهم من قبورهم كذلك ، وقد تقدم أن كل أحد يبعث على ما مات عليه ، ثم تغير حلاهم إلى الطول والعرض ، كل أحد بحسبه بعد ذلك عند دخول الجنة والنار ، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ذكر صفة الجنة وما فيها من النعيم المقيم الدائم على الأبد ، لا يفنى ولا يضمحل ولا يبيد أبدا بل كل ما له في ازدياد وبهاء وحسن ، نسأل الله سبحانه الجنة ، ونعوذ به من النار
قال تعالى : أكلها دائم وظلها [ الرعد : 35 ].والمنقطع ولو بعد ألوف من السنين ليس بدائم ، وقال تعالى : إن هذا لرزقنا ما له من نفاد والمنقطع ينفد ، وقال تعالى ما عندكم ينفد وما عند الله باق [ النحل : 96 ] . فأخبر أن الدنيا وما فيها ينفد ، وما عند الله باق لا ينفد ، فلو كان له آخر لكان ينفد كما ينفد نعيم الدنيا . وقال تعالى : لهم أجر غير ممنون [ الانشقاق : 25 ] أي : غير مقطوع . قاله طائفة من المفسرين ; غير مقطوع ولا منقوص ، ومنه المنون ، وهو قطع عمر الإنسان ، وعن مجاهد : غير محسوب . وهو مثل
[ ص: 33 ] وقد تقدم في حديث عبد الله بن أنيس ، أن الله تعالى ينادي العباد يوم القيامة ، فيقول : أنا الملك ، أنا الديان ، لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده مظلمة . وذكر الحديث كما تقدم ، رواه أحمد ، وعلقه البخاري في " صحيحه " .
وقال الإمام مالك ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " من كانت لأخيه عنده مظلمة فليتحلله منها ، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم ، من قبل أن يؤخذ من حسناته ، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه " . ورواه البخاري ، ومسلم .
وروى ابن أبي الدنيا من حديث العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتدرون من المفلس ؟ " قالوا : من لا درهم له ولا دينار . فقال : " بل المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيقضى هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه ، أخذ من خطاياهم ، فطرحت عليه ، ثم طرح في النار " .
[ ص: 34 ] وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا الوليد بن شجاع السكوني أنبأنا القاسم بن مالك المزني ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تموتن وعليك دين ; فإنه ليس ثم دينار ولا درهم ، إنما هي الحسنات ، جزاء بجزاء ، ولا يظلم ربك أحدا " . وروي من وجهين آخرين ، عن ابن عمر مرفوعا مثله .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا ابن أبي شيبة ، حدثنا بكر بن يونس بن بكير ، عن موسى بن علي بن رباح ، عن محمد بن المنكدر ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليأتي العبد يوم القيامة ، وقد سرته حسناته ، فيجيء الرجل فيقول : يا رب ، ظلمني هذا ، فيؤخذ من حسناته ، فيجعل في حسنات الذي سأله ، فما يزال كذلك حتى ما تبقى له حسنة ، فإذا جاء من يسأله ، نظر إلى سيئاته فجعلت مع سيئات الرجل ، فلا يزال يستوفى من حسناته ، وترد عليه سيئات من ظلمه ، فما يزال يستوفى منه حتى يدخل النار " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا يزيد ، حدثنا صدقة بن موسى ، حدثنا أبو عمران الجوني ، عن يزيد بن بابنوس عن عائشة ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 35 ] " الدواوين عند الله ، عز وجل ، ثلاثة : ديوان لا يعبأ الله به شيئا ، وديوان لا يترك الله منه شيئا ، وديوان لا يغفره الله ; فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك ، قال الله عز وجل : إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة [ المائدة : 72 ] وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا ، فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه ، من صوم يوم تركه ، أو صلاة تركها ، فإن الله يغفر ذلك ، ويتجاوز إن شاء ، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فظلم العباد بعضهم بعضا ، القصاص لا محالة " .
وروى البيهقي من حديث زائدة بن أبي الرقاد ، عن زياد النميري ، عن أنس مرفوعا : " الظلم ثلاثة : فظلم لا يغفره الله ، وهو الشرك ، وظلم يغفره ، وهو ظلم العباد أنفسهم فيما بينهم وبين ربهم ، وظلم لا يترك الله منه شيئا ، وهو ظلم العباد بعضهم بعضا ، حتى يدين بعضهم من بعض " . ثم ساقه من طريق يزيد الرقاشي ، عن أنس ، مرفوعا بنحوه ، وكلا الطريقين ضعيف .
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا أبو عبد الله تميم بن المنتصر ، أخبرنا إسحاق بن يوسف ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن عبد الله بن السائب ، عن زاذان ، عن عبد الله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " القتل في سبيل الله يكفر كل شيء - أو قال : يكفر الذنوب كلها - إلا الأمانة " . قال : " يؤتى بصاحب الأمانة ، فيقال له : أد أمانتك . فيقول : أنى يا رب ، وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقال : اذهبوا به إلى الهاوية . فيذهب به إليها ، فيهوي حتى ينتهي إلى قعرها ، فيجدها هناك كهيئتها ، فيحملها فيضعها على عاتقه ، فيصعد بها في نار جهنم ، حتى إذا رأى أنه قد خرج زلت فهوت ، وهوى في إثرها ، فهو كذلك أبد الآبدين " . قال : " والأمانة في الصلاة ، والأمانة في الصوم ، والأمانة في الوضوء ، والأمانة في الحديث ، وأشد ذلك الودائع " . قال : فلقيت البراء ، فقلت : ألا تسمع إلى ما يقول أخوك عبد الله ؟ قال : صدق .
قال شريك : وحدثنا عباس العامري ، عن زاذان ، عن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله ، ولم يذكر الأمانة في الصلاة ، والأمانة في كل شيء . إسناده جيد ، ولم يروه أحمد ، ولا أحد من أصحاب الكتب الستة ، وله شاهد من الحديث الذي رواه مسلم . عن أبي سعيد ، أن رجلا قال : يا رسول الله ، أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا ، مقبلا غير مدبر ، يكفر الله عني خطاياي ؟ قال : " نعم ، إلا الدين وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا محمد بن عبيد ، أخبرنا محمد بن عمرو ، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ، عن عبد الله بن الزبير ، قال : لما نزلت : إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون [الزمر : 30 ، 31 ] ، قال الزبير : يا رسول الله : أيكرر علينا ما يكون بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب ؟ قال : " نعم ، ليكررن عليكم ، حتى تؤدوا إلى كل ذي حق حقه " . فقالالزبير : والله إن الأمر لشديد .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا إسحاق بن سليمان ، أخبرنا أبو سنان ، عن عبد الله بن السائب ، عن زاذان ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : الأمم جاثون للحساب ، فلهم يومئذ أشد تعلقا بعضهم ببعض منهم في الدنيا ، الأب بابنه ، والابن بأبيه ، والأخت بأخيها ، والأخ بأخته ، والزوج بامرأته ، والمرأة بزوجها . ثم تلا عبد الله : فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون
[ المؤمنون : 101 ] وقال أبو بكر البزار : حدثنا الفضل بن يعقوب ، حدثنا سعيد بن مسلمة ، عن ليث ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يؤتى بالمليك والمملوك ، والزوج والزوجة ، فيحاسب المليك والمملوك ، والزوج والزوجة ، حتى يقال للرجل : شربت يوم كذا وكذا على لذة . ويقال للزوج : خطبت فلانة مع خطاب فزوجتكها وتركتهم " . وقال ابن أبي الدنيا : حدثني عمرو بن حبان مولى بني تميم ، حدثنا عبد بن حميد ، عن إبراهيم بن مسلم ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يدعو العبد يوم القيامة ، فيذكره ويعد عليه : دعوتني يوم كذا وكذا فأجبتك حتى يعد عليه فيما يعد ; وقلت : يا رب ، زوجني فلانة - ويسميها باسمها - فزوجناكها " . وروي من حديث ليث بن أبي سليم ، عن أبي بردة ، عن عبد الله بن سلام ، موقوفا ، بنحوه وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا إبراهيم بن سعيد ، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، حدثني الفضل بن عيسى ، حدثنا محمد بن المنكدر ، عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن العار ليلزم العبد يوم القيامة ، حتى يقول : يا رب لإرسالك بي إلى النار أيسر علي مما ألقى من العار . وإنه ليعلم ما فيها من شدة العذاب " . وقد قال تعالى : ثم لتسألن يومئذ عن النعيم التكاثر/8]
وفي " الصحيح " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أكل هو وأصحابه في حديقة أبي الهيثم بن التيهان من تلك الشاة التي ذبحت له ، وأكلوا من الرطب ، وشربوا من ذلك الماء ، قال : " هذا من النعيم الذي تسألون عنه " . أي عن القيام بشكره ، وماذا عملتم في مقابلة ذلك ، كما ورد في الحديث : " أذيبوا طعامكم بذكر الله ، وبالصلاة ، ولا تناموا عليه ، فتقسو قلوبكم " . وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا وكيع ، أنبأنا سفيان ، عن الأعمش ، عن ثابت - أو أبي ثابت - أن رجلا دخل مسجد دمشق ، فقال : اللهم آنس وحشتي ، وارحم غربتي ، وارزقني جليسا صالحا . فسمعه أبو الدرداء ، فقال : لئن كنت صادقا لأنا أسعد بما قلت منك ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " فمنهم ظالم لنفسه [فاطر : 32 ] . قال : الظالم الذي يؤخذ منه في مقامه ذلك ، وذلك الحزن والغم . ومنهم مقتصد . قال : يحاسب حسابا يسيرا . ومنهم سابق بالخيرات . قال : يدخل الجنة بغير حساب " . وستأتي الأحاديث فيمن يدخل الجنة بغير حساب ، وكم عدتهم
وقال البخاري : حدثنا قتيبة بن سعيد ، ثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن عمرو بن أبي عمرو ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة ، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة ، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة ، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ، ولو يعلم المسلم بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار " . انفرد به البخاري من هذا الوجه
ثم قال ابن ماجه : حدثنا أبو غريب ، وأحمد بن سنان ، قالا : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خلق الله ، يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة ، فجعل في الأرض منها رحمة ، فبها تعطف الوالدة على ولدها ، والبهائم بعضها على بعض ، والطير ، وأخر تسعا وتسعين إلى يوم القيامة ، فإذا كان يوم القيامة أكملها الله بهذه الرحمة " . انفرد به ، وهو على شرط " الصحيحين ثم أورد ابن ماجه ما أخرجاه في " الصحيحين " من طرق عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله كتب كتابا يوم خلق السماوات والأرض : إن رحمتي تغلب غضبي " . وفي رواية : " سبقت غضبي " . وفي رواية : " فهو موضوع عنده على العرش " . وفي رواية : " فوق العرش. وكلها روايات صحيحة
وقد قال تعالى : كتب ربكم على نفسه الرحمة [ الأنعام : 54 ] . وقال : ورحمتي وسعت كل شيء الآية : [ الأعراف : 156 ] ) ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما [غافر : 7 ] . هذا إخبار من الملائكة عن الله سبحانه أنه وسع كل شيء رحمة وعلما . وقال : فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين [ ص: 52 ] [ الأنعام : 147 ثم أورد ابن ماجه حديث ابن أبي ليلى ، عن معاذ بن جبل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال له : " يا معاذ ، أتدري ما حق الله على عباده ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا " . ثم قال : " أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك ؟ أن لا يعذبهم " . وهو ثابت في " صحيح البخاري " ، من طريق الأسود بن هلال ، وأنس بن مالك ، عن معاذ وقال ابن ماجه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا سهيل بن عبد الله ، أخو حزم القطعي ، حدثنا ثابت البناني ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ - أو تلا - هذه الآية : هو أهل التقوى وأهل المغفرة [المدثر : 56 ] . قال : " قال الله تعالى : أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي إله آخر ، فمن اتقى أن يجعل معي إلها آخر فأنا أهل أن أغفر له وقال ابن ماجه : حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا إبراهيم بن أعين ، حدثنا إسماعيل بن يحيى الشيباني ، عن عبد الله بن عمر بن حفص ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته ، فمر بقوم فقال : " من القوم ؟ " قالوا : نحن المسلمون . وامرأة تحصب تنورها ، ومعها ابن لها ، فإذا ارتفع وهج التنور تنحت به ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : أنت رسول الله ؟ قال : " نعم " . قالت : بأبي أنت وأمي ، أليس الله بأرحم الراحمين ؟ قال : " بلى " . قالت : أوليس الله أرحم بعباده من الأم بولدها ؟ قال : " بلى " . قالت : إن الأم لا تلقي ولدها في النار . فأكب رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي ، ثم رفع رأسه إليها ، فقال : " إن الله ، عز وجل ، لا يعذب من عباده إلا المارد المتمرد ، الذي يتمرد على الله ، وأبى أن يقول : لا إله إلا الله . إسناده فيه ضعف ، وسياقه فيه غرابة وقد قال تعالى : لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى [ الليل : 15 ، 16 ] . وقال تعالى : فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى [ القيامة : 31 ،32 وقال البخاري : حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا أبو غسان ، حدثني زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قال : قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي ، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسعى ، فإذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها ، فأرضعته ، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم : " أترون هذه طارحة ولدها في النار ؟ " قلنا : لا ، وهي تقدر على أن لا تطرحه . فقال : " لله أرحم بعباده من هذه بولدها ورواه مسلم عن حسن الحلواني ، ومحمد بن سهل بن عسكر ، كلاهما عن سعيد بن أبي مريم ، عن أبي غسان محمد بن مطرف ، به . وفي رواية : " والله لله أرحم بعباده من هذه بولدها ثم قال ابن ماجه : حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي ، حدثنا عمرو بن هاشم ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عبد ربه بن سعيد ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل النار إلا شقي " . قيل : يا رسول الله ، ومن الشقي ؟ قال : " من لم يعمل لله بطاعة ، ولم يترك له معصية " . وفى إسناده ضعف أيضا . وفى " صحيح مسلم " من حديث أبي بردة بن أبي موسى ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا كان يوم القيامة دفع الله عز وجل ، إلى كل مسلم يهوديا ، أو نصرانيا ، فيقول : هذا فكاكك من النار " . وفي رواية : " لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه إلى النار يهوديا أو نصرانيا " . قال: فاستحلف عمر بن عبد العزيز أبا بردة بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات ، أن أباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : فحلف له . وفي رواية لمسلم أيضا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال ، فيغفرها الله لهم ، ويضعها على اليهود والنصارى وقال ابن ماجه : حدثنا جبارة بن المغلس ، حدثنا عبد الأعلى بن أبي المساور ، عن أبي بردة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أذن لأمة محمد صلى الله عليه وسلم في السجود ، فيسجدون له طويلا ، ثم يقال : ارفعوا رءوسكم ، قد جعلنا عدتكم فداءكم من النار وقال الطبراني : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا سعد أبو غيلان الشيباني ، عن حماد بن أبي سليمان ، عن إبراهيم ، عن صلة بن زفر ، عن حذيفة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الفاجر في دينه ، الأحمق في معيشته ، والذي نفسي بيده ليدخلن الجنة الذي قد محشته النار بذنبه ، والذي نفسي بيده ليغفرن الله يوم القيامة مغفرة يتطاول لها إبليس رجاء أن تصيبه
ذكر كيفية تفرق العباد عن موقف الحساب وما إليه أمرهم يصير ; ففريق في الجنة وفريق في السعير
قال الله تعالى : وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون [ مريم : 39 ] . وقال تعالى : ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون [ الروم : 14 - 16 ] . وقال تعالى : فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون [الروم : 43 ] . وقال تعالى : ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون الآيات إلى قوله : وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين [ الجاثية : 27 - 31 ] إلى آخر السورة . وقال تعالى : ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا / الزمر : 70 ، 71 ] الآيات إلى آخر السورة ، وذكر أن هؤلاء سيقوا إلى الجنة ، وهؤلاء سيقوا إلى جهنم ، بعد موقف الحساب وانصرافهم عنه . وقال تعالى : يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ / هود 105 - 108 ] . وقال تعالى : وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير /الشورى : 7 ] . وقال تعالى : يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير
/التغابن : 9 ، 10 ] . وقال تعالى : يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا / مريم : 85 ، 86 ] . وقال تعالى : يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون / آل عمران : 106 ، 107
والآيات في هذا كثيرة جدا ، ولنذكر من الأحاديث ما يناسب هذا المقام ، وهي مشتملة على مقاصد كثيرة غير هذا الفصل ، وسنشير إليها وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن عثمان العجلي ، حدثنا أبو أسامة ، عن مالك بن مغول ، عن القاسم بن الوليد ، في قوله تعالى : فإذا جاءت الطامة الكبرى / النازعات : 34 ] . قال : حين سيق أهل الجنة إلى الجنة ، وأهل النار إلى النار
إيراد الأحاديث في ذلك : قال البخاري : حدثنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرني سعيد وعطاء بن يزيد ، أن أبا هريرة أخبرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ( ح ) . وحدثني محمود ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي هريرة ، قال : قال أناس : يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال : " هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب " ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : " هل تضارون في القمر ليلة البدر ، ليس دونه سحاب " ؟ قالوا : لا يا رسول الله . قال : " فإنكم ترونه يوم القيامة كذلك ، يجمع الله الناس فيقول : من كان يعبد شيئا فليتبعه . فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ، ويتبع من كان يعبد القمر القمر ، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت ، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها ، فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم . فيقولون : نعوذ بالله منك ، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا جاء ربنا عرفناه . فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم . فيقولون : أنت ربنا . فيتبعونه ، ويضرب جسر جهنم " . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فأكون أول من يجيز . ودعاء الرسل يومئذ : اللهم سلم سلم . وفيه كلاليب مثل شوك السعدان ، أما رأيتم شوك السعدان ؟ " قالوا : نعم ، يا رسول الله . قال " فإنها مثل شوك السعدان ، غير أنها لا يعلم قدر عظمها إلا الله عز وجل ، فتخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم الموبق بعمله ، ومنهم المخردل ، ثم ينجو ، حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده ، وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرجه ، ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله ، أمر الملائكة أن يخرجوهم ، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود ، وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود ، فيخرجونهم قد امتحشوا ، فيصب عليهم ماء ، يقال له : ماء الحياة . فينبتون نبات الحبة في حميل السيل ، ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار ، فيقول : يا رب ، قد قشبني ريحها ، وأحرقني ذكاؤها ، فاصرف وجهي عن النار . فلا يزال يدعو الله ، فيقول : لعلك إن أعطيتك ذلك تسألني غيره ؟ فيقول : لا ، وعزتك لا أسألك غيره . فيصرف وجهه عن النار ، ثم يقول بعد ذلك : يارب ، قربني إلى باب الجنة . فيقول : أليس قد زعمت أن لا تسألني غيره ؟ ويلك ! يا بن آدم ، ما أغدرك ! فلا يزال يدعو ، فيقول : لعلي إن أعطيتك ذلك تسألني غيره ؟ فيقول : لا ، وعزتك ، لا أسألك غيره . فيعطي الله من عهود ومواثيق أن لا يسأله غيره ، فيقربه إلى باب الجنة ، فإذا رأى ما فيها سكت ما شاء الله أن يسكت ، ثم يقول : رب ، أدخلني الجنة . فيقول : أوليس قد زعمت أن لا تسألني غيره ؟ ويلك يا بن آدم ، ما أغدرك ! . فيقول : يا رب ، لا تجعلني أشقى خلقك . فلا يزال يدعو الله حتى يضحك الله منه ، فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها ، فإذا دخل فيها قيل له : تمن من كذا . فيتمنى ، ثم يقال له : تمن من كذا . فيتمنى ، حتى تنقطع به الأماني ، فيقول : هذا لك ، ومثله معه " . قال أبو هريرة : وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولا . قال : وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي هريرة لا يغير عليه شيئا من حديثه ، حتى إذا انتهى إلى قوله : " هذا لك ومثله معه " . قال أبو سعيد : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " هذا لك وعشرة أمثاله " . قال أبو هريرة : ما حفظت إلا : " ومثله معه وهكذا رواه البخاري من حديث إبراهيم بن سعد ، عن الزهري ، به ، وزاد : فقال أبو سعيد : أشهد أني حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله : " ذلك لك وعشرة أمثاله " ، وهذا الإثبات من أبي سعيد مقدم على ما لم يحفظه أبو هريرة ، حتى ولو نفاه أبو هريرة قدمنا إثبات أبي سعيد ، لما معه من زيادة الثقة المقبولة ، لا سيما وقد تابعه غيره من الصحابة ، كابن مسعود ، كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى وقال البخاري : حدثنا يحيى بن بكير ، حدثنا الليث ، عن خالد بن يزيد ، عن سعيد بن أبي هلال ، عن زيد ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قلنا : يا رسول الله ، هل نرى ربنا ؟ قال : " هل تضارون في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوا ؟ " قلنا : لا . قال : " فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤيتهما " . قال : " ثم ينادي مناد : ليذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون . فيذهب أصحاب الصليب مع صليبهم ، وأصحاب الأوثان مع أوثانهم ، وأصحاب كل آلهة مع آلهتهم ، حتى لا يبقى إلا من كان يعبد الله من بر أو فاجر ، وغبرات من أهل الكتاب ، ثم يؤتى بجهنم تعرض كأنها سراب ، فيقال لليهود : ما كنتم تعبدون ؟ قالوا : كنا نعبد عزيرا ابن الله . فيقال لهم : كذبتم ; لم يكن لله صاحبة ولا ولد ، فما تريدون ؟ قالوا : نريد أن تسقينا . قال : فيقال : اشربوا . فيتساقطون في جهنم ، ثم يقال للنصارى : ما كنتم تعبدون ؟ فيقولون : كنا نعبد المسيح ابن الله . فيقال لهم : كذبتم ، لم يكن لله صاحبة ولا ولد . فيقال : ما تريدون ؟ فيقولون : نريد أن تسقينا . فيقال : اشربوا . فيتساقطون فيها حتى لا يبقى إلا من كان يعبد الله من بر أو فاجر ، فيقال لهم : ما يجلسكم وقد ذهب الناس ؟! فيقولون : إن لنا إلها كنا نعبده ، فارقنا الناس ، ونحن أحوج منا إليه اليوم ، وإنا سمعنا مناديا ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون . وإنا ننتظر ربنا ، عز وجل " . قال : " فيأتيهم الجبار ، سبحانه ، في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة ، فيقول : أنا ربكم . فيقولون : أنت ربنا ؟ ولا يكلمه يومئذ إلا الأنبياء ، فيقال : هل بينكم وبينه علامة تعرفونه بها ؟ فيقولون : الساق . فيكشف عن ساقه ، فيسجد له كل مؤمن ، ويبقى من كان يسجد رياء وسمعة ، فيذهب كيما يسجد ، فيعود ظهره طبقا واحدا ، ثم يؤتى بالجسر ، فيجعل بين ظهري جهنم " . قلنا : يا رسول الله ، وما الجسر ؟ قال : " مدحضة مزلة ، عليه خطاطيف ، وكلاليب ، وحسكة مفلطحة لها شوكة عقيفة تكون بنجد ، يقال لها : السعدان . المؤمن عليها كالطرف ، وكالبرق ، وكالريح ، وكأجاويد الخيل ، والركاب ، فناج مسلم ، وناج مخدوش ، ومكدوس في نار جهنم ، حتى يمر آخرهم يسحب سحبا ، فما أنتم بأشد لي مناشدة في الحق قد تبين لكم ، من المؤمنين يومئذ للجبار ، إذا رأوا أنهم قد نجوا ، في إخوانهم ، يقولون : ربنا ، إخواننا كانوا يصلون معنا ، ويصومون معنا ، ويعملون معنا . فيقول الله تعالى : اذهبوا ، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوهم . ويحرم الله صورهم على النار ، فيأتونهم وبعضهم قد غاب في النار إلى قدميه ، وإلى أنصاف ساقه ، فيخرجون من عرفوا ، ثم يعودون ، فيقول : اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار فأخرجوه . فيخرجون من عرفوا ، ثم يعودون ، فيقول : اذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه فيخرجون من عرفوا " . قال أبو سعيد : فإن لم تصدقوني فاقرءوا : إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها) النساء/4 فيشفع النبيون ، والملائكة ، والمؤمنون ، فيقول الجبار ، عز وجل : بقيت شفاعتي . فيقبض قبضة ، فيخرج أقواما قد امتحشوا ، فيلقون في نهر بأفواه الجنة ، يقال له : نهر الحياة . فينبتون في حافتيه كما تنبت الحبة في حميل السيل ، قد رأيتموها إلى جانب الصخرة ، وإلى جانب الشجرة ، فما كان إلى الشمس منها كان أخضر ، وما كان منها إلى الظل كان أبيض،فيخرجون كأنهم اللؤلؤ ، فيجعل في رقابهم الخواتيم ، فيدخلون الجنة ،فيقول أهل الجنة : هؤلاء عتقاء الرحمن ، أدخلهم الجنة بغير عمل عملوه ، ولا خير قدموه . فيقال لهم : لكم ما رأيتم ومثله معه وقال مسلم : حدثنا عبيد الله بن سعيد ، وإسحاق بن منصور ، كلاهما عن روح ، قال عبيد الله : حدثنا روح بن عبادة القيسي ، حدثنا ابن جريج ، أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود ، فقال : نجيء نحن يوم القيامة عن كذا وكذا - انظر : أي ذلك فوق الناس - قال : فتدعى الأمم بأوثانها وما كانت تعبد ، الأول فالأول ، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول : من تنتظرون ؟ فيقولون : ننتظر ربنا . فيقول : أنا ربكم . فيقولون : حتى ننظر إليك . فيتجلى لهم يضحك ، قال : فينطلق بهم ، ويتبعونه ، ويعطى كل إنسان منهم ; منافق أو مؤمن نورا ، ثم يتبعونه ، وعلى جسر جهنم كلاليب وحسك ، تأخذ من شاء الله ، ثم يطفأ نور المنافقين ، ثم ينجو المؤمنون ، فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر ، سبعون ألفا لا يحاسبون ، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء ، ثم كذلك ، ثم تحل الشفاعة ، فيشفعون ، حتى يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله ، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة ، فيجعلون بفناء الجنة ، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل ، ويذهب حراقه ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا ، وعشرة أمثالها معها وقال مسلم : حدثنا محمد بن طريف بن خليفة البجلي ، حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا أبو مالك الأشجعي ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة ، وأبو مالك ، عن ربعي ، عن حذيفة ، قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجمع الله سبحانه الناس ، فيقوم المؤمنون حين تزلف لهم الجنة ، فيأتون آدم ، فيقولون : يا أبانا ، استفتح لنا الجنة . فيقول : وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم آدم ؟! لست بصاحب ذلك ، اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله " . قال : " فيقول إبراهيم :لست بصاحب ذلك ، إنما كنت خليلا من وراء وراء ، اعمدوا إلى موسى الذي كلمه الله تكليما . فيأتون موسى . فيقول : لست بصاحب ذلك ، اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه . فيقول عيسى : لست بصاحب ذلك ، اذهبوا إلى محمد . فيأتون محمدا صلى الله عليه وسلم ، فيقوم ويؤذن له ، وترسل الأمانة والرحم ، فيقومان جنبتي الصراط يمينا وشمالا ، فيمر أولكم كالبرق " . قال : قلت : بأبي أنت وأمي ، أي شيء كمر البرق ؟ قال : " ألم تروا إلى البرق ، كيف يمر ويرجع في طرفة عين ؟ ثم كمر الريح ، ثم كمر الطير ، وشد الرجال ، تجري بهم أعمالهم ، ونبيكم قائم على الصراط ، يقول : رب ، سلم سلم . حتى تعجز أعمال العباد ، حتى يجيء الرجل فلا يستطيع السير إلا زحفا " . قال : " وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة ، تأخذ من أمرت به ، فمخدوش ناج ، ومكدوس في النار " . والذي نفس أبي هريرة بيده ، إن قعر جهنم لسبعون خريفا . وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن عمارة القرشي ، عن أبي بردة ، عن أبي موسى الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يحشر الله تعالى الأمم في صعيد واحد ، فإذا أراد أن يصدع بين خلقه مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون ، فيتبعونهم حتى يقحمونهم النار ، ثم يأتينا ربنا ونحن في مكان رفيع ، فيقول : ما أنتم ؟ فنقول : نحن المسلمون . فيقول : ما تنتظرون ؟ فنقول : ننتظر ربنا . فيقول : هل تعرفونه [ ص: 80 ] إن رأيتموه ؟ فنقول : نعم . فيقول : وكيف تعرفونه ولم تروه ؟ فنقول : إنه لا عدل له . فيتجلى لنا ضاحكا ، فيقول : أبشروا معشر المسلمين ; فإنه ليس منكم أحد إلا قد جعلت مكانه في النار يهوديا أو نصرانيا وهكذا رواه الإمام أحمد ، عن عبد الصمد وعفان ، عن حماد بن سلمة ، به مثله ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب من هذا الوجه ، ولكن روى مسلم من حديث سعيد بن أبي بردة وعون بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي بردة ، عن أبيه أبي موسى الأشعري ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديا أو نصرانيا
ورود الناس جميعهم جهنم
قال الله تعالى : فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا الآيات إلى قوله : ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا [ مريم : 68 - 72 ] . أقسم سبحانه بنفسه الكريمة أنه سيجمع بني آدم ممن كان يطيع الشياطين ويعبدها مع الله ، عز وجل ، ويطيعها فيما تأمره به من معاصي الله عز وجل ، فإن طاعة الشياطين هي عبادتها ، فإذا كان يوم القيامة جمع الشياطين ومن أطاعهم وأحضرهم حول جهنم جثيا ، أي جلوسا على الركب ، كما قال تعالى : وترى كل أمة جاثية [ الجاثية : 28 ] وعن ابن مسعود : قياما . وهم يعاينون هولها ، وبشاعة منظرها ، وقد جزموا أنهم داخلوها لا محالة ، كما قال تعالى : ورأى المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها ولم يجدوا عنها مصرفا [ الكهف : 53 ] وقال تعالى : ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم
[ الشورى : 22 ] . وقال : إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا إلى قوله : كان على ربك وعدا مسئولا [ الفرقان : 12 - 16 ] . وقال تعالى : لترون الجحيم ثم لترونها عين اليقين [التكاثر : 6 ،7 ] ثم أقسم تعالى أن الخلق كلهم سيردون جهنم ، فقال : وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا [مريم : 71 ] ، قال ابن مسعود : قسما واجبا وفى " الصحيحين " من حديث الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من مات له ثلاثة من الولد لم تمسه النار إلا تحلة القسم وروى الإمام أحمد ، عن حسن ، عن ابن لهيعة ، عن زبان بن فائد ، عن سهل بن معاذ بن أنس ، عن أبيه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من حرس من وراء المسلمين متطوعا لا بأجر سلطان لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم ، قال الله تعالى : وإن منكم إلا واردها وذكر تمام الحديث وقد اختلف المفسرون في المراد بالورود ما هو ، والأظهر ، كما قررناه في " التفسير " ، أنه المرور على الصراط . والله أعلم . كما قال تعالى)ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا مريم/72 وقال مجاهد : الحمى حظ كل مؤمن من النار ، ثم قرأ : وإن منكم إلا واردها . وقد روى ابن جرير في " تفسيره " حديثا يشبه هذا ، فقال : حدثني عمران بن بكار الكلاعي ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن تميم ، حدثنا إسماعيل بن عبيد الله ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود رجلا من أصحابه وعكا ، وأنا معه ، ثم قال : " إن الله يقول : هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار في الآخرة " . وهذا إسناد حسن وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، عن إسرائيل ، عن السدي ، عن مرة ، عن عبد الله بن مسعود : وإن منكم إلا واردها . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يرد الناس النار كلهم ، ثم يصدرون عنها بأعمالهم وهكذا رواه الترمذي من حديث إسرائيل ، عن السدي ، به ، مرفوعا ، ثم رواه من حديث شعبة ، عن السدي به ، فوقفه ، وهكذا رواه أسباط عن السدي ، عن مرة ، عن ابن مسعود ، قال : يرد الناس جميعا الصراط ، وورودهم قيامهم حول النار ، ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم ، فمنهم من يمر كمر البرق ، ومنهم من يمر مثل الريح ، ومنهم من يمر مثل الطير ، ومنهم من يمر كأجود الخيل ، ومنهم من يمر كأجود الإبل ، ومنهم من يمر كعدو الرجل ، حتى إن آخرهم مرا رجل نوره على موضعي إبهامي قدميه ، يمر يتكفأ به الصراط ، والصراط دحض مزلة ، عليه حسك كحسك القتاد ، حافتاه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس . وذكر تمام الحديث . وله شواهد مما مضى ، ومما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقال سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل ، عن أبي الزعراء ، عن ابن مسعود ، قال : يأمر الله بالصراط فيضرب على جهنم ، فيمر الناس عليه على قدر أعمالهم ; أولهم كلمح البرق ، ثم كمر الريح ، ثم كأسرع البهائم ، ثم كذلك ، حتى يمر الرجل سعيا ، حتى يمر الرجل ماشيا ، ثم يكون آخرهم يتلبط على بطنه ، ثم يقول : يا رب ، لم أبطأت بي ؟ فيقول : لم أبطئ بك ، إنما أبطأ بك عملك .
وروي نحوه من وجه آخر عن ابن مسعود مرفوعا ، والموقوف أصح . والله أعلم
وقال الحافظ أبو نصر الوائلي في كتاب " الإبانة " : أخبرنا محمد بن محمد بن الحجاج ، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الربعي ، حدثنا علي بن الحسين ، أبو عبيد ، حدثنا زكريا بن يحيى أبو السكين ، حدثنا عبد الله بن صالح ، حدثنا أبو همام القرشي ، عن سليمان بن المغيرة ، عن قيس بن مسلم ، عن طاوس ، عن أبي هريرة ، قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " علم الناس سنتي وإن كرهوا ذلك ، وإن أحببت أن لا توقف على الصراط طرفة عين حتى تدخل الجنة فلا تحدثن في دين الله حدثا برأيك " . ثم قال : وهذا غريب الإسناد ، والمتن حسن . أورده القرطبي
وقال الحسن بن عرفة : حدثنا مروان بن معاوية ، عن بكار بن أبي مروان ، عن خالد بن معدان ، قال : قال أهل الجنة بعدما دخلوا الجنة : ألم يعدنا ربنا الورود على النار ؟! فيقال:قد مررتم عليها وهى خامدة .
وقد ذهب آخرون إلى أن المراد بالورود الدخول ، قاله ابن عباس ، وعبد الله بن رواحة ، وأبو ميسرة ، وغير واحد
وقال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا غالب بن سليمان ، عن كثير بن زياد البرساني ، عن أبي سمية ، قال : اختلفنا في الورود ، فقال بعضنا : لا يدخلها مؤمن . وقال بعضنا : يدخلونها جميعا ، ثم ينجي الله الذين اتقوا ، فلقيت جابر بن عبد الله ، فقلت له : إنا اختلفنا في الورود ، فقال : يردونها جميعا - وقال سليمان مرة : يدخلونها جميعا . وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه ، وقال : صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها ، فتكون على المؤمن بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم ، حتى إن للنار ضجيجا من بردهم ; ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا [ مريم : 72 ] . لم يخرجوه في كتبهم ، وهو حسن وقال أبو بكر أحمد بن سلمان النجاد ، حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدة السليطي ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد البوشنجي ، حدثنا سليم بن منصور بن عمار ، حدثني أبي منصور بن عمار ، حدثني بشير بن طلحة الجذامي ، عن خالد بن دريك ، عن يعلى بن منية ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تقول النار للمؤمن يوم القيامة : جز يا مؤمن ، فقد أطفأ نورك لهبي " . وهذا حديث غريب جدا وقال ابن المبارك " ، عن سفيان ، عن رجل ، عن خالد بن معدان ، قال : قالوا : ألم يعدنا ربنا أنا نرد النار ؟ فيقال : إنكم مررتم عليها وهي خامدة .
وفي رواية عن خالد بن معدان ، قال : إذا دخل أهل الجنة الجنة قالوا : ألم يقل ربنا أنا نرد النار ؟ فيقال : إنكم وردتموها فألفيتموها رمادا وقال ابن جرير : حدثني يعقوب ، حدثنا ابن علية ، عن الجريري ، عن أبي السليل ، عن غنيم بن قيس ، قال : ذكروا ورود النار ، فقال كعب : تمسك النار للناس كأنها متن إهالة ، حتى يستوي عليها أقدام الخلائق ، برهم وفاجرهم ، ثم يناديها مناد أن أمسكي أصحابك ، ودعي أصحابي . قال : فتخسف بكل ولي لها ، فلهي أعلم بهم من الرجل بولده ، ويخرج المؤمنون ندية ثيابهم وروي مثله أيضا عنه .
وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن إدريس ، حدثنا الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن أم مبشر امرأة زيد بن حارثة ، قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة ، فقال : " لا يدخل النار أحد شهد بدرا والحديبية " . قالت حفصة : أليس الله عز وجل ، يقول : وإن منكم إلا واردها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فمه ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا ورواه الإمام أحمد أيضا ، عن أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن أم مبشر ، عن حفصة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله ورواه مسلم من حديث ابن جريج ، عن أبي الزبير ، سمع جابرا ، عن أم مبشر ، فذكر نحوه ، وقد تقدم ، وسيأتي في أحاديث الشفاعة كيفية جواز المؤمنين على الصراط ، وتفاوت سيرهم عليه ، بحسب أعمالهم ، وقد تقدم من ذلك جانب ، وتقدم عنه ، عليه السلام ، أنه أول الأنبياء إجازة بأمته على الصراط وعن عبد الله بن سلام قال : محمد صلى الله عليه وسلم أول الرسل إجازة على الصراط ، ثم عيسى ، ثم موسى ، ثم إبراهيم ، حتى يكون آخرهم إجازة نوح ، عليه السلام . قال : فإذا خلص المؤمنون من الصراط تلقتهم الخزنة يهدونهم إلى الجنة ، فإنهم إذا خلصوا من الصراط وأتوا على آخره ، فليس بعد ذلك إلا دخول الجنة . كما سيأتي وثبت في " الصحيح / من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة : يا عبد الله ، هذا خير . فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الزكاة دعي من باب الزكاة ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان " . فقال أبو بكر : يا رسول الله ، ما على أحد يدعى من أيها شاء من ضرورة ، فهل يدعى أحد منها كلها ؟ قال ؟ " نعم ، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر ، فإذا دخلوا الجنة هدوا إلى منازلهم ، فلهم أعرف بها من منازلهم التي كانت في الدنيا " . كما سيأتي بيانه في " الصحيح " عند البخاري .
وقد قال الطبراني : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ، عن عبد الرزاق ، عن سفيان الثوري ، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، عن عطاء بن يسار ، عن سلمان الفارسي ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يدخل الجنة أحد إلا بجواز ; بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من الله لفلان بن فلان ، أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية وقد رواه الحافظ الضياء ، من طريق سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يعطى المؤمن جوازا على الصراط ; بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من الله العزيز الحكيم لفلان ابن فلان ، أدخلوه جنة عالية قطوفها دانية وقد روى الترمذي في " جامعه " ، عن المغيرة بن شعبة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " شعار المؤمن على الصراط ، رب سلم سلم " . ثم قال : غريب وفى " صحيح مسلم " : " ونبيكم يقول : رب سلم سلم " . وتقدم أن الأنبياء كلهم يقولون ذلك ، وكذلك الملائكة كلهم يقولون ذلك)
وثبت في " صحيح البخاري " من حديث قتادة ، عن أبي المتوكل الناجي ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا خلص المؤمنون من النار حبسوا بقنطرة بين الجنة والنار ، فاقتص لهم مظالم كانت بينهم في الدنيا ، حتى إذا نقوا وهذبوا أذن لهم بدخول الجنة ، فلأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا وقد تكلم القرطبي على هذا الحديث في " التذكرة " ، وجعل هذه القنطرة صراطا ثانيا للمؤمنين خاصة ، وليس يسقط منه أحد في النار . قلت : هذه القنطرة تكون بعد مجاوزة النار ، فقد تكون هذه القنطرة منصوبة على هول آخر مما يعلمه الله ، ولا نعلمه نحن . والله أعلم .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا صالح بن موسى ، عن ليث ، عن عثمان ، عن محمد ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يقول الله تعالى يوم القيامة للمؤمنين : جوزوا النار بعفوي ، وادخلوا الجنة برحمتي ، فاقتسموها بفضائل أعمالكم " . وهذا حديث غريب - أول زمرة تدخل الجنة (اللهم اجعلنا منهم ) قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول زمرة تلج الجنة صورهم على صورة القمر ليلة البدر ، لا يبصقون فيها ، ولا يمتخطون فيها ، ولا يتغوطون فيها ، آنيتهم وأمشاطهم الذهب والفضة ، ومجامرهم من الألوة ، ورشحهم المسك ، ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ ساقهما من وراء اللحم ; من الحسن ، لا اختلاف بينهم ولا تباغض ، قلوبهم على قلب واحد ، يسبحون الله بكرة وعشيا وهكذا رواه مسلم ، عن محمد بن رافع ، عن عبد الرزاق ، وأخرجه البخاري عن محمد بن مقاتل ، عن ابن المبارك ، كلاهما عن معمر ، به )
وقال أبو يعلى : حدثنا أبو خيثمة ، حدثنا جرير ، عن عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر ، والذين يلونهم على صورة أشد كوكب دري في السماء إضاءة ، لا يبولون ، ولا يتغوطون ، ولا يتفلون ولا يمتخطون ، أمشاطهم الذهب ، ورشحهم المسك ، ومجامرهم الألوة ، وأزواجهم الحور العين ، أخلاقهم على خلق رجل واحد ، على صورة أبيهم آدم ، ستون ذراعا في السماء ورواه مسلم عن أبي خيثمة ، واتفقا عليه ، من حديث جرير وروى الإمام أحمد ، والطبراني ، واللفظ له ، من حديث حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدخل أهل الجنة الجنة جردا مردا ، بيضا جعادا مكحلين ، أبناء ثلاث وثلاثين ، وهم على خلق آدم ; ستون ذراعا في عرض سبعة أذرع /وقال الطبراني : حدثنا أحمد بن إسماعيل العدوي ، حدثنا عمرو بن مرزوق ، أنا عمران القطان ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن عبد الرحمن بن غنم ، عن معاذ بن جبل ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يدخل أهل الجنة الجنة جردا ، مردا ، مكحلين بني ثلاث وثلاثين " ورواه الترمذي من حديث عمران بن داود القطان ، ثم قال : هذا حديث حسن غريب ،وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا القاسم بن هاشم ، حدثنا صفوان بن صالح ، حدثني رواد بن جراح العسقلاني ، حدثنا الأوزاعي ، عن هارون بن رئاب ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدخل أهل الجنة الجنة على طول آدم ; ستين ذراعا بذراع الملك ، على حسن يوسف ، وعلى ميلاد عيسى ، ثلاث وثلاثين سنة ، وعلى لسان محمد ، جرد مرد مكحلون وقد رواه أبو بكر بن أبي داود ، حدثنا محمود بن خالد وعباس بن الوليد قالا : حدثنا عمر ، عن الأوزاعي ، عن هارون بن رئاب ، عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يبعث أهل الجنة على صورة آدم ، في ميلاد ثلاث وثلاثين سنة ، جردا مردا مكحلين ، ثم يذهب بهم إلى شجرة في الجنة ، فيكسون منها ، لا تبلى ثيابهم ولا يفنى شبابهم ،وقال أبو بكر بن أبي داود : حدثنا سليمان بن داود ، حدثنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو بن الحارث ، أن دراجا أبا السمح حدثه ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون بني ثلاث وثلاثين سنة في الجنة ، لا يزيدون عليها أبدا ، وكذلك أهل النار ) ورواه الترمذي عن سويد بن نصر ، عن ابن المبارك ، عن رشدين بن سعد ، عن عمرو بن الحارث ، فذكره . والله أعلم
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف العجلي ، عن سعيد ، عن قتادة ، عن شهر بن حوشب ، عن معاذ ، قال :قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " يبعث المؤمنون يوم القيامة جردا مردا مكحلين بني ثلاث وثلاثين . وهذا منقطع بين شهر ومعاذ انقطاعا لو كان ساقه لكانت أبعد من شهر ، وهو يفهم بعثهم من قبورهم كذلك ، وقد تقدم أن كل أحد يبعث على ما مات عليه ، ثم تغير حلاهم إلى الطول والعرض ، كل أحد بحسبه بعد ذلك عند دخول الجنة والنار ، على ما سيأتي إن شاء الله تعالى ذكر صفة الجنة وما فيها من النعيم المقيم الدائم على الأبد ، لا يفنى ولا يضمحل ولا يبيد أبدا بل كل ما له في ازدياد وبهاء وحسن ، نسأل الله سبحانه الجنة ، ونعوذ به من النار
قال تعالى : أكلها دائم وظلها [ الرعد : 35 ].والمنقطع ولو بعد ألوف من السنين ليس بدائم ، وقال تعالى : إن هذا لرزقنا ما له من نفاد والمنقطع ينفد ، وقال تعالى ما عندكم ينفد وما عند الله باق [ النحل : 96 ] . فأخبر أن الدنيا وما فيها ينفد ، وما عند الله باق لا ينفد ، فلو كان له آخر لكان ينفد كما ينفد نعيم الدنيا . وقال تعالى : لهم أجر غير ممنون [ الانشقاق : 25 ] أي : غير مقطوع . قاله طائفة من المفسرين ; غير مقطوع ولا منقوص ، ومنه المنون ، وهو قطع عمر الإنسان ، وعن مجاهد : غير محسوب . وهو مثل
يأتي إن شاء الله بعدة رقم 9 دمار الكون
The Emperor Casino No Deposit Bonus Codes - Shootercasino
ردحذفThis online casino is งานออนไลน์ legal in Malaysia and is licensed by the Government of Curacao. There are no deposit bonuses available for 바카라 사이트 players 제왕 카지노 in the Philippines.