الروض
الأنف ج6 شِعْرُ صَفِيّةَ وَقَالَ صَفِيّةُ بِنْتُ مُسَافِرِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ . تَبْكِي أَهْلَ الْقَلِيبِ الّذِينَ أُصِيبُوا يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ : ( وَتَذْكُرُ مُصَابَهُمْ ) : يَا مَنْ لِعَيْنِ قَذَاهَا عَائِرُ الرّمَدِ ... حَدّ النّهَارِ وَقَرْنُ الشّمْسِ لَمْ يَقِدْ أُخْبِرْت أَنّ سَرَاةَ الْأَكْرَمِينَ مَعًا ... قَدْ أَحَرَزَتهمْ مَنَايَاهُمْ إلَى أَمَدِ وَفَرّ بِالْقَوْمِ أَصْحَابُ الرّكَابِ وَلَمْ ... تَعْطِفْ غَدَائتِذٍ أُمّ عَلَى وَلَدِ قَوْمِي صَفِيّ وَلَا تَنْسَى قَرَابَتَهُمْ ... وَإِنْ بَكَيْت فَمَا تَبْكِينَ مِنْ بُعُدِ كَانُوا سُقُوبَ سَمَاءِ الْبَيْتِ فَانْقَصَفَتْ ... فَأَصْبَحَ السّمْكُ مِنْهَا غَيْرَ ذِي عَمَدِ [ ص 217 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي بَيْتَهَا : " كَانُوا سُقُوبًا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ مُسَافِرٍ أَيْضًا : أَلَا يَأْمَن لِعَيْنِ لِلتّ ... بَكّي دَمْعُهَا فَانٍ كَغَرْنَيْ دَالِجٍ يَسْقِي ... خِلَالَ الْغَيّثِ الدّانِ وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ ذُو ... أَظَافِيرَ وَأَسْنَانِ أَبُو شِبْلَيْنِ وَثّابٌ ... شَدِيدُ الْبَطْشِ غَرْثَانِ كَحِبّي إذْ تَوَلّى و ... أَلْوَانِ وَبِالْكَفّ حُسَامٌ صَا ... رِمٌ أَبْيَضُ ذُكْرَانِ وَأَنْتَ الطّاعِنُ النّجْلَا ... ءِ مِنْهَا مُزْبِدٌ آنٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيَرَوْنَ قَوْلَهَا : " وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ " إلَى آخِرِهَا مَفْصُولًا مِنْ الْبَيْتَيْنِ اللّذَيْنِ قَبْلَهُ . [ ص 217 ] شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عُبّادِ بْنِ الْمُطّلِبِ تَرِثِي عُبَيْدَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ لَقَدْ ضَمّنْ الصّفْرَاءُ مَجْدًا وَسُؤْدُدًا ... وَحِلْمًا أَصِيلًا وَافِرَ اللّبّ وَالْعَقْلِ عُبَيْدَةَ فَابْكِيهِ لِأَضْيَافِ غُرْبَةٍ ... وَأَرْمَلَةَ تَهْوِي لِأَشْعَثَ كَالْجِذْلِ وَبَكّيهِ لِلْأَقْوَامِ فِي كُلّ شَتْوَةٍ ... إذَا احْمَرّ آفَاقُ الْسمَاءِ مِنْ الْمَحْلِ وَبَكّيهِ لِلْأَيْتَامِ وَالرّيحُ زَفْزَفٌ ... وَتَشْبِيبُ قِدْرٍ طَالَمَا أَزْبَدَتْ تَغْلِي فَإِنْ تُصْبِحْ النّيرَانُ قَدْ مَاتَ ضَوْءُهَا ... فَقَدْ كَانَ يُذَكّيهِنّ بِالْحَطَبِ الْجَزْلِ لِطَارِقِ لَيْلٍ أَوْ لِمُلْتَمِسِ الْقِرَى ... وَمُسْتَنْبَحٍ أَضْحَى لَدَيْهِ عَلَى رَسْلِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدِ . شِعْرُ قُتَيْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ [ ص 218 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ قُتَيْلَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ أُخْتُ النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ تَبْكِيهِ يَا رَاكِبًا إنّ الْأُثَيْلَ مَظِنّةَ ... مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ مُوَفّقُ أَبْلِغْ بِهَا مَيْتًا بِأَنّ تَحِيّةَ ... مَا إنْ تَزَالُ بِهَا النّجَائِبُ تَخْفُقُ مِنّي إلَيْك وَعَبْرَةً مَسْفُوحَةً ... جَادَتْ بِوَاكِفِهَا وَأُخْرَى تَخْفُقُ هَلْ يَسْمَعُنِي النّضْرُ إنْ نَادَيْته ... أَمْ كَيْفَ يَسْمَعُ مَيّتٌ لَا يَنْطِقُ أَمُحَمّدٌ يَا خَيْرَ ضَنْءِ كَرِيمَةٍ ... فِي قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ مُعَرّقُ مَا كَانَ ضَرّك لَوْ مَنَنْت وَرُبّمَا ... من الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ الْمُحُنَقُ أَوْ كُنْت قَابِلَ فَدِيَةٍ فَلْيُنْفِقَنْ ... بِأَعَزّ مَا يَغْلُو بِهِ مَا يُنْفِقُ فَالنّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَسَرْت قَرَابَةً ... وَأَحَقّهُمْ إنْ كَانَ عِتْقٌ يُعْتَقُ ظَلّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ ... لِلّهِ أَرْحَامٌ هُنَاكَ تُشَقّقُ صَبْرًا يُقَادُ إلَى الْمَنِيّةِ مُتْعَبًا ... رَسْفَ الْمُقَيّدِ وَهُوَ عَانٍ مُوثَقُ [ ص 219 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَيُقَالُ وَاَللّهُ أَعْلَمُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا بَلَغَهُ هَذَا الشّعْرُ قَالَ لَوْ بَلَغَنِي هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمَنَنْت عَلَيْهِ تَارِيخُ الْفَرَاغِ مِنْ بَدْرٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ فَرَاغُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَدْرٍ فِي عَقِبِ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ فِي شَوّالٍ .Sشِعْرُ قُتَيْلَةَ [ ص 218 ] وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ شِعْرَ قُتَيْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ تَرِثِي أَخَاهَا النّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَالصّحِيحُ أَنّهَا بِنْتُ النّضْرِ لَا أُخْتُهُ كَذَلِكَ قَالَ الزّبَيْرُ وَغَيْرُهُ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي كِتَابِ الدّلَائِلِ وَقُتَيْلَةُ هَذِهِ كَانَتْ تَحْتَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ الْأَصْغَرِ فَهِيَ جَدّةُ الثّرَيّا بِنْتِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ الّتِي يَقُولُ فِيهَا عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ حِينَ خَطَبَهَا سُهَيْلُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ : أَيّهَا الْمُنْكِحُ الثّرَيّا سُهَيْلًا ... عَمْرُك اللّهُ كَيْفَ يَلْتَقِيَانِ هِيَ شَامِيّةٌ إذَا مَا اسْتَقَلّتْ ... وَسُهَيْلٌ إذَا اسْتَقَلّ يَمَانِ وَرَهْطُ الثّرَيّا هَذِهِ يُقَالُ لَهُمْ الْعَبَلَاتُ ، لِأَنّ أُمّهُمْ عَبْلَةُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ جَاذِبٍ . وَفِي شِعْرِ قُتَيْلَةَ أَمُحَمّدٌ هَا أَنْتَ ضِئْيُ نَحِيبَةٍ [ ص 219 ] قَالَ قَاسِمٌ أَرَادَتْ يَا مُحَمّدَاهُ عَلَى النّدْبَةِ قَالَ وَالضّئْيُ الْوَلَدُ وَالضّئْيُ الْأَصْلُ يُقَالُ ضئت الْمَرْأَةُ واضئنات وَضَنَتْ تَضْوِ إذَا وَلَدَتْ . غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْمٍ بِالْكُدْرِ [ ص 220 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ لَمْ يَقُمْ بِهَا إلّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتّى غَزَا بِنَفْسِهِ يُرِيدُ بَنِي سُلَيْمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَة الْغِفَارِيّ أَوْ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَبَلَغَ مَاءً مِنْ مِيَاهِهِمْ يُقَالُ لَهُ الْكُدْرُ ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا ، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ شَوّالٍ وَذَا الْقَعَدَةِ وَأَفْدَى فِي إقَامَتِهِ تِلْكَ جَلّ الْأُسَارَى مِنْ قُرَيْشٍ .Sغَزْوَةُ قَرْقَرَةِ الْكُدْرِ [ ص 220 ] الْقَرْقَرَةُ : أَرْضٌ مَلْسَاءُ وَالْكُدْرُ : طَيْرٌ فِي أَلْوَانِهَا كُدْرَةٌ عُرِفَ بِهَا ذَلِكَ الْمَوْضِعُ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - يَذْكُرُ مَسِيرَهُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ فَقَالَ لِعِمْرَانَ بْنِ سَوَادَةَ حِينَ قَالَ لَهُ إنّ رَعِيّتَك تَشْكُو مِنْك عُنْفَ السّيَاقِ وَقَهْرَ الرّعِيّةِ فَدَقَر عَلَى الدّرّةِ وَجَعَلَ يَمْسَحُ سُيُورَهَا ، ثُمّ قَالَ قَدْ كُنْت زَمِيل رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَرْقَرَةِ الْكُدْرِ ، فَكُنْت أُرْتِعُ فَأُشْبِعُ وَأَسْقِي فَأَرْوِي ، وَأُكْثِرُ الزّجْرَ وَأُقِلّ الضّرْبَ وَأَرُدّ الْعَنُودَ وَأَزْجُرُ الْعَرُوضَ وَاضَمّ اللّفُوتَ وَأُشْهِرُ الْعَصَا ، وَأَضْرِبُ بِالْيَدِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَغْذَرْتُ [ بَعْضَ مَا أَسُوقُ ] أَيْ لَضَيّعْت فَتَرَكْت ، يَذْكُرُ حَسَنَ سِيَاسَتِهِ فِيمَا وَلِي مِنْ ذَلِكَ . وَالْعَنُودُ الْخَارِجُ عَنْ الطّرِيقِ وَالْعَرُوضُ الْمُسْتَصْعَبُ مِنْ النّاسِ وَالدّوَابّ . غَزْوَةُ السّوِيقِ [ ص 221 ] قَالَ حَدّثَنَا أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ ثُمّ غَزَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْب ٍ غَزْوَةُ السّوِيقِ فِي ذِي الْحِجّةِ وَوَلِيَ تِلْكَ الْحِجّةَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ تِلْكَ السّنَةِ فَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ وَمَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ الْأَنْصَارِ ، حِينَ رَجَعَ إلَى مَكّةَ ، وَرَجَعَ فَلّ قُرَيْشٍ مِنْ بَدْرٍ نَذَرَ أَنْ لَا يَمَسّ رَأْسَهُ مَاءٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتّى يَغْزُوَ مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجَ فِي مِائَتَيْ رَاكِبٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، لِيَبَرّ يَمِينَهُ فَسَلَكَ النّجْدِيّةَ ، حَتّى نَزَلَ بِصَدْرِ قَنَاةٍ إلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ ثَيْب ، مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى بَرِيدٍ أَوْ نَحْوِهِ ثُمّ خَرَجَ مِنْ اللّيْلِ حَتّى أَتَى بَنِي النّضِيرِ تَحْتَ اللّيْلِ فَأَتَى حُيَيّ بْنَ أَخْطَبَ ، فَضَرَبَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ بَابَهُ وَخَافَهُ فَانْصَرَفَ عَنْهُ إلَى سَلّامِ بْنِ مِشْكَمٍ ، وَكَانَ سَيّدَ بَنِي النّضِيرِ فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ وَصَاحِبَ كَنْزِهِمْ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ فَقْرَاهُ وَسَقَاهُ وَبَطَنَ لَهُ مِنْ خَبَرِ النّاسِ ثُمّ خَرَجَ فِي عَقِبِ لَيْلَتِهِ حَتّى أَتَى أَصْحَابَهُ فَبَعَثَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَأَتَوْا نَاحِيَةً مِنْهَا ، قَالَ لَهَا : الْعُرَيْض ، فَحَرَقُوا فِي أَصْوَارٍ مِنْ نَخْلٍ بِهَا ، وَوَجَدُوا بِهَا رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ وَحَلِيفًا [ ص 222 ] وَنَذَرَ بِهِمْ النّاسُ . فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَبِهِمْ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَبُو لُبَابَةَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، حَتّى بَلَغَ قَرْقَرَةَ الْكُدْرِ ، ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا ، وَقَدْ فَاتَهُ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ وَقَدْ رَأَوْا أَزْوَادًا مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ قَدْ طَرَحُوهَا فِي الْحَرْثِ يَتَخَفّوْنَ مِنْهَا لِلنّجَاءِ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ رَجَعَ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَطْمَعُ لَنَا أَنْ تَكُونَ غَزْوَةً ؟ قَالَ " نَعَمْ " . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا سُمّيَتْ غَزْوَةَ السّوِيقِ ، فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ أَكْثَرَ مَا طَرَحَ الْقَوْمُ مِنْ أَزْوَادِهِمْ السّوِيقُ ، فَهَجَمَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى سَوِيقِ كَثِيرٍ فَسُمّيَتْ غَزْوَةَ السّوِيقِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ لِمَا صَنَعَ بِهِ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ : وَإِنّي تَخَيّرْت الْمَدِينَةَ وَاحِدًا ... لِحِلْفِ فَلَمْ أَنْدَمْ وَلَمْ أَتَلَوّمْ سَقَانِي فَرَوَانِي كُمَيْتًا مُدَامَةً ... عَلَى عَجَلٍ مِنّي سَلّامُ بْنُ مِشْكَمِ وَلَمّا تَوَلّى الْجَيْشُ قُلْت وَلَمْ أَكُنْ ... لِأُفْرِحَهُ أَبْشِرْ بِعِزّ وَمَغْنَمِ تَأَمّلْ فَإِنّ الْقَوْمَ سِرّ وَأَنّهُمْ ... صَرِيحُ لُؤَيّ لَا شَمَاطِيطُ جُرْهُمِ وَمَا كَانَ إلّا بَعْضُ لَيْلَةِ رَاكِبٍ ... أَتَى سَاعِيًا مِنْ غَيْرِ خَلّةِ مُعْدِمِS[ ص 221 ] وَذَكَرَ أَنّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ نَذَرَ أَلّا يَمَسّ رَأْسَهُ مَاءٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتّى يَغْزُوَ مُحَمّدًا . فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنّ الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ كَانَ مَعْمُولًا بِهِ فِي الْجَاهِلِيّةِ بَقِيّةً مِنْ دِينِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ كَمَا بَقِيَ فِيهِمْ الْحَجّ وَالنّكَاحُ وَلِذَلِكَ سَمّوْهَا جَنَابَةً وَقَالُوا : رَجُلٌ جُنُبٌ وَقَوْمٌ جُنُبٌ لِمُجَانَبَتِهِمْ فِي تِلْكَ الْحَالِ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ، وَمَوَاضِعَ قُرْبَاتِهِمْ وَلِذَلِكَ عُرِفَ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي الْقُرْآنِ أَعْنِي قَوْلَهُ { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطّهّرُوا } فَكَانَ الْحَدَثُ أَكْبَرَ مَعْرُوفًا بِهَذَا الِاسْمِ فَلَمْ يَحْتَاجُوا إلَى تَفْسِيرِهِ وَأَمّا الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْوُضُوءِ فَلَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ فِيهِ وَإِنْ كُنْتُمْ مُحْدِثِينَ فَتَوَضّئُوا كَمَا قَالَ { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطّهّرُوا } بَلْ قَالَ { فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } الْآيَةَ [ الْمَائِدَةُ 6 ] فَبَيّنَ الْوُضُوءَ وَأَعْضَاءَهُ وَكَيْفِيّتَهُ وَالسّبَبَ الْمُوجِبَ لَهُ كَالْقِيَامِ مِنْ النّوْمِ وَالْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ وَمُلَامَسَةِ النّسَاءِ وَلَمْ يَحْتَجْ فِي أَمْرِ الْجَنَابَةِ إلَى بَيَانِ أَكْثَرَ مِنْ وُجُوبِ الطّهَارَةِ مِنْهَا : الصّلَاةُ . وَقَوْلُهُ أَصْوَارِ نَخْلٍ ، هِيَ جَمْعُ صُورٍ . وَالصّورُ نَخْلٌ مُجْتَمَعَةٌ . سَلَامَةُ بْنُ مِشْكَمٍ [ ص 222 ] وَذَكَرَ سَلّامَ بْنَ مِشْكَمٍ ، وَيُقَالُ فِيهِ سَلَامَةُ وَيُقَالُ إنّهُ وَلَدُ شَعْثَاءَ الّتِي يَقُولُ فِيهَا حَسّانُ لِشَعْثَاءَ الّتِي قَدْ تَيّمَتْهُ ... فَلَيْسَ لِعَقْلِهِ مَعَهَا شِفَاءٌ وَقَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ شَمَاطِيطُ جُرْهُمِ . الشّمَاطِيطُ الْخَيْلُ الْمُتَفَرّقَةُ وَيُقَالُ لِلْأَخْلَاطِ مِنْ النّاسِ أَيْضًا : شَمَاطِيطُ وَأَصْلُهُ مِنْ الشّمِيطِ وَهُوَ اخْتِلَاطُ الظّلَامِ بِالضّوْءِ وَمِنْهُ الشّمَطُ فِي الرّأْسِ . وَقَوْلُهُ وَلَمْ أَكُنْ لِأُقْرِحَهُ وَالْمُقْرَحُ الّذِي قَدْ أَثْقَلَهُ الدّيْنُ وَقَدْ تَقَدّمَ شَرْحُهُ . غَزْوَةُ ذِي أَمْرٍ [ ص 223 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ غَزْوَةِ السّوِيقِ ، أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ ذِي الْحَجّةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا ، ثُمّ غَزَا نَجْدًا ، يُرِيدُ غَطَفَان ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمْرٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ بِنَجْدِ صَفَرًا كُلّهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا . فَلَبِثَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْأَوّلَ كُلّهُ أَوْ إلّا قَلِيلًا مِنْهُ . غَزْوَةُ الْفُرُعِ مِنْ بَحْرَانِ ثُمّ غَزَا ( رَسُولُ اللّهِ ) صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرِيدُ قُرَيْشًا ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى بَلَغَ بَحْرَانِ ، مَعْدِنًا بِالْحِجَازِ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرُعِ ، فَأَقَامَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخِرَ وَجُمَادَى الْأُولَى ، ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا .S[ ص 223 ] وَذَكَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَتَى بَحْرَانِ مَعْدِنًا بِالْحِجَازِ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرُعِ ، فَأَقَامَ بِهِ شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخِرَ وَجُمَادَى الْأُولَى . الْفُرُعُ بِضَمّتَيْنِ يُقَالُ هِيَ أَوّلُ قَرْيَةٍ مَارَتْ إسْمَاعِيلَ وَأُمّهُ التّمْرَ بِمَكّةَ وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ ، وَفِيهَا عَيْنَانِ يُقَالُ لَهُمَا : الرّبُضُ وَالنّجْفُ يَسْقِيَانِ عِشْرِينَ أَلْفَ نَخْلَةٍ كَانَتْ لِحَمْزَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ . وَتَفْسِيرُ الرّبُضِ مَنَابِتُ الْأَرَاكِ فِي الرّمْلِ وَالْفَرَعُ بِفَتْحَتَيْنِ مَوْضِعٌ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ . قَالَ سُوَيْد بْنُ أَبِي كَاهِلٍ حَلّ . أَهْلِي حَيْثُ لَا أَطْلُبُهَا ... جَانِبَ الْحَضْرِ وَحَلّتْ بِالْفَرَعِ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ . وَقَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ : أَقَامَ شَهْرَ رَبِيعٍ وَجُمَادَى لِأَنّ الرّبِيعَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اسْمِ الشّهْرِ وَزَمَنِ الرّبِيعِ فَكَانَ فِي لَفْظِ الشّهْرِ بَيَانٌ لِمَا أَرَادَ . وَجُمَادَى اسْمُ عَلَمٍ لَيْسَ فِيهِ اشْتِرَاكٌ وَقَدْ قَدّمْنَا قَوْلَ سِيبَوَيْهِ ، وَمِمّا لَا يَكُونُ الْعَمَلُ إلّا فِيهِ كُلّهِ الْمُحَرّمُ وَصَفَرٌ يَعْنِي هَذِهِ الْأَسْمَاءَ كُلّهَا ، وَكَذَلِكَ أَسَمَاءُ الْأَيّامِ لَا تَقُولُ سِرْت الْخَمِيسَ وَلَا مَشَيْت الْأَرْبِعَاءَ إلّا [ ص 224 ] أَمْرُ بَنِي قَيْنُقَاعَ نَصِيحَةُ الرّسُولِ لَهُمْ وَرَدّهُمْ عَلَيْهِ [ ص 224 ] قَالَ ) : وَقَدْ كَانَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمْرُ بَنِي قَيْنُقَاعَ ، وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَمَعَهُمْ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ احْذَرُوا مِنْ اللّهِ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِقُرَيْشِ مِنْ النّقْمَةِ وَأَسْلِمُوا ، فَإِنّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ أَنّي نَبِيّ مُرْسَلٌ تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ وَعَهْدِ اللّهِ إلَيْكُمْ قَالُوا : يَا مُحَمّدُ إنّك تَرَى أَنّا قَوْمُك لَا يَغُرّنّكَ أَنّك لَقِيت قَوْمًا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ فَأَصْبَحْت مِنْهُمْ فُرْصَةً إنّا وَاَللّهِ لَئِنْ حَارَبْنَاك لَتَعْلَمَنّ أَنّا نَحْنُ النّاسَ مَا نَزَلَ فِيهِمْ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مَوْلًى لِآلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، أَوْ عَنْ [ ص 225 ] عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ مَا نَزَلَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ إلّا فِيهِمْ { قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا } أَيْ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقُرَيْشٌ { فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ } كَانُوا أَوّلَ مَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ بَنِي قَيْنُقَاع َ كَانُوا أَوّلَ يَهُودَ نَقَضُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحَارَبُوا فِيمَا بَيْنَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ . سَبَبُ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ كَانَ مِنْ أَمْرِ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنّ امْرَأَةً مِنْ الْعَرَبِ قَدِمَتْ بِجَلَبِ لَهَا ، فَبَاعَتْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَجَلَسَتْ إلَى صَائِغٍ بِهَا ، فَجَعَلُوا يُرِيدُونَهَا عَلَى كُشْفِ وَجْهِهَا ، فَأَبَتْ فَعَمِدَ الصّائِغُ إلَى طَرَفِ ثَوْبِهَا فَعَقَدَهُ إلَى ظَهْرِهَا ، فَلَمّا قَامَتْ انْكَشَفَتْ سَوْءَتُهَا ، فَضَحِكُوا بِهَا ، فَصَاحَتْ . فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصّائِغ فَقَتَلَهُ وَكَانَ يَهُودِيّا ، وَشَدّتْ الْيَهُودُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَتَلُوهُ فَاسْتَصْرَخَ أَهْلُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ ، فَغَضِبَ الْمُسْلِمُونَ فَوَقَعَ الشّرّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي قَيْنُقَاعَ . مَا كَانَ مِنْ ابْنِ أُبَيّ مَعَ الرّسُولِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، قَالَ فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَقَامَ إلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ ، حِينَ أَمْكَنَهُ اللّهُ مِنْهُمْ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مُوَالِيّ وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ ، قَالَ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مُوَالِيّ قَالَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللّهِ . [ ص 226 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ الْفُضُولِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْسِلْنِي ، وَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى رَأَوْا لِوَجْهِهِ ظُلَلًا ، ثُمّ قَالَ وَيْحَك أَرْسِلْنِي ؛ قَالَ لَا وَاَللّهِ لَا أُرْسِلَك حَتّى تُحْسِنَ فِي مُوَالِيّ أَرْبَعِ مِائَةِ حَاسِرٍ وَثَلَاثِ مِائَةِ دَارِعٍ قَدْ مَنَعُونِي مِنْ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ إنّي وَاَللّهِ امْرِئِ أَخْشَى الدّوَائِرَ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " هُمْ لَك " . مُدّةَ حِصَارِهِمْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي مُحَاصَرَتِهِ إيّاهُمْ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَكَانَتْ مُحَاصَرَتُهُ إيّاهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً . تَبَرّؤُ ابْنِ الصّامِتِ مِنْ حِلْفِهِمْ وَمَا نَزَلَ فِيهِ وَفِي ابْنِ أبَيِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ، قَالَ لَمّا حَارَبَتْ بَنُو قَيْنُقَاعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَشَبّثَ بِأَمْرِهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ وَقَامَ دُونَهُمْ قَالَ وَمَشَى عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ أَحَدَ بَنِي عَوْفٍ لَهُ مِنْ حِلْفِهِ مِثْلَ الّذِي لَهُمْ مِنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ ، فَخَلَعَهُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَبَرّأَ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ حِلْفِهِمْ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَوَلّى اللّهُ وَرَسُولُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَأَبْرَأُ مِنْ حِلْفِ هَؤُلَاءِ الْكُفّارِ وَوِلَايَتِهِمْ . قَالَ فَفِيهِ وَفِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ نَزَلَتْ هَذِهِ السّورَةُ مِنْ الْمَائِدَةِ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَتّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ إِنّ اللّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ فَتَرَى الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } أَيْ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ وَقَوْلُهُ إنّي أَخْشَى الدّائِرَ { يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } ثُمّ الْقِصّةُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } وَذَكَرَ لِتَوَلّي عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَاَلّذِينَ آمَنُوا ، وَتَبَرّئِهِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَحِلْفِهِمْ وَوِلَايَتِهِمْ { وَمَنْ يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }Sخَبَرُ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَقَدْ تَقَدّمَ مِنْهُ طَرَفٌ قَبْلَ غَزْوَةِ بَدْرٍ . وَفِيهِ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُبَيّ قَالَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحْسِنْ فِي مُوَالِيّ وَأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - غَضِبَ حَتّى رَأَوْا لِوَجْهِهِ ظِلَالًا ، هَكَذَا فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ مُصَحّحًا عَلَيْهِ وَفِي غَيْرِهَا ظُلَلًا جَمْعُ ظُلّةٍ وَقَدْ تُجْمَعُ فُعْلَة عَلَى فَعَالٍ نَحْوَ بُرْمَةٍ وَبِرَامٍ وَجُفْرَةٍ وَجِفَارٍ فَمَعْنَى الرّوَايَتَيْنِ إذًا وَاحِدٌ وَالظّلّةُ مَا حَجَبَ عَنْك ضَوْءَ الشّمْسِ وَصَحْوَ السّمَاءِ وَكَانَ وَجْهُ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مَشْرِقًا بَسّامًا ، فَإِذَا غَضِبَ تَلَوّنَ أَلْوَانًا فَكَانَتْ تِلْكَ الْأَلْوَانُ حَائِلَةً دُونَ الْإِشْرَاقِ وَالطّلَاقَةِ وَالضّيَاءِ الْمُنْشَرِ عِنْدَ تَبَسّمِهِ وَقَدْ رُوِيَ أَنّهُ كَانَ يَسْطَعُ عَلَى الْجِدَارِ نُورٌ مِنْ ثَغْرِهِ إذَا تَبَسّمَ أَوْ قَالَ تَكَلّمَ يُنْظَرُ فِي الشّمَائِلِ لِلتّرْمِذِيّ . وَذَكَرَ فِيهِ الْآيَةَ الّتِي نَزَلَتْ فِيهِمْ { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ } الْفِئَةِ عَلَى وَزْنِ فِعَة مِنْ [ ص 225 ] فَأَوْتُ رَأْسَهُ بِالْعَصَا إذَا شَقَقْته ، أَوْ مِنْ الْفَأْوِ وَهِيَ جِبَالٌ مُجْتَمَعَةٌ وَبَيْنَهُمَا فُسْحَةٌ مِنْ الْأَرْضِ فَحَقِيقَةُ الْفِئَةِ الْفرْقَةُ الّتِي كَانَتْ مُجْتَمَعَةً مَعَ الْأُخْرَى ، فَافْتَرَقَتْ . [ ص 226 ] سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الْقَرَدَةِ إصَابَةُ زَيْدٍ لِلْعِيرِ وَإِفْلَاتُ الرّجَالِ [ ص 227 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الّتِي بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهَا ، حِينَ أَصَابَ عِيرَ قُرَيْشٍ ، وَفِيهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، عَلَى الْقَرَدَةِ مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ نَجْدٍ . وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا : أَنّ قُرَيْشًا خَافُوا طَرِيقَهُمْ الّذِي كَانُوا يَسْلُكُونَ إلَى الشّامِ ، حِينَ كَانَ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ مَا كَانَ فَسَلَكُوا طَرِيقَ الْعِرَاقِ ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ تُجّارٌ فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَمَعَهُ فِضّةٌ كَثِيرَةٌ وَهِيَ عِظَمُ تِجَارَتِهِمْ وَاسْتَأْجَرُوا رَجُلًا مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، يُقَالُ لَهُ فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ يَدُلّهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى الطّرِيقِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ ، مِنْ بَنِي عِجْلٍ حَلِيفٌ لِبَنِي سَهْمٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فَلَقِيَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ فَأَصَابَ تِلْكَ الْعِيرَ وَمَا فِيهَا ، وَأَعْجَزَهُ الرّجَالُ فَقَدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .Sسَرِيّةُ زَيْدٍ [ ص 227 ] ذَكَرَ فِيهَا فُرَاتَ بْنَ حَيّانَ الْعِجْلِيّ مَنْسُوبٌ إلَى عَجِلِ بْنِ لُجَيْمِ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ . وَاللّجَيْمُ تَصْغِيرُ لُجَمٍ وَهِيَ دُوَيْبّةٌ تَطِيرُ بِهَا الْعَرَبُ ، وَأَنْشَدُوا : لَهَا ذَنَبٌ مِثْلَ ذَيْلِ الْعَرُو ... سِ إلَى سَبّةٍ مِثْلَ جُحْرِ اللّجَمْ وَكَانَ عَيْنَ قُرَيْشٍ وَدَلِيلَ أَبِي سُفْيَانَ أَسْلَمَ فُرَاتٌ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَقَالَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إنّ مِنْكُمْ رِجَالًا نَكِلْهُمْ إلَى إسْلَامِهِمْ مِنْهُمْ فُرَاتٌ وَأَرْسَلَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ فِي شَأْنِ مُسَيْلِمَةَ وَرَدّتْهُ وَمَرّ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالرّجّالُ بْنُ عُنْفُوَةَ فَقَالَ ضِرْسُ أَحَدِكُمْ فِي النّارِ مِثْلُ أُحُدٍ ، فَمَا زَالَ فُرَاتٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ خَائِفِينَ حَتّى بَلَغَتْهُمَا رِدّةُ الرّجّالِ وَإِيمَانُهُ بِمُسَيْلِمَةَ فَخَرّا سَاجِدِينَ وَاسْمُ الرّجّالِ نَهَارُ بْنُ عُنْفُوَةَ وَالْعُنْفُوَةُ ضَرْبٌ مِنْ النّبْتِ يُقَالُ لَهُ الصّلّيَان . شِعْرُ حَسّانَ فِي تَأْنِيبِ قُرَيْشٍ [ ص 228 ] فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ بَعْدَ أُحُدٍ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الْآخِرَةِ يُؤَنّبُ قُرَيْشًا لِأَخْذِهِمْ تِلْكَ الطّرِيقَ [ ص 229 ] دَعُوا فَلَجَاتِ الشّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا ... جَلّادٌ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ الْأَوَارِكِ بِأَيْدِي رِجَالٍ هَاجَرُوا نَحْوَ رَبّهِمْ ... وَأَنْصَارُهُ حَقّا وَأَيْدِي الْمَلَائِكِ إذَا سَلَكَتْ لِلْغَوْرِ مِنْ بَطْنِ عَالِجٍ ... فَقُولَا لَهَا لَيْسَ الطّرِيقُ هُنَالِكِ [ ص 230 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لِحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ نَقَضَهَا عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَلّبِ ، وَسَنَذْكُرُهَا وَنَقِيضَتَهَا إنْ شَاءَ اللّهُ ( فِي ) مَوْضِعِهَا .S[ ص 228 ] دَعُوا فَلَجَاتِ الشّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا الْفَلَجَاتُ جَمْعُ فَلَجٍ وَهِيَ الْعَيْنُ الْجَارِيَةُ يُقَالُ مَاءٌ فَلَجٌ وَعَيْنٌ فَلَجٌ وَذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ : فَلَحَات بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَقَالَ الْفَلَحَةُ الْمَزْرَعَةُ . حَوْلَ كَلِمَةِ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُلْكِ وَقَوْلُهُ جِلَادُ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ الْأَوَارِكِ أَيْ الّتِي أَكَلَتْ الْأَرَاكَ ، فَدُمِيَتْ أَفْوَاهُهَا ، وَالْمَخَاضُ وَاحِدَتُهَا خَلِفَةٌ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهَا ، وَهِيَ الْحَامِلُ [ مِنْ النّوقِ ] ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْوَاحِدِ مَاخِضٌ وَمِنْهُ قَوْلُ الطّائِيّ وَأَخّرْتهَا عَنْ وَقْتِهَا وَهِيَ مَاخِضُ وَعِنْدِي أَنّ الْمَخَاضَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِجَمْعِ إنّمَا هُوَ مَصْدَرٌ وَلِذَلِكَ وُصِفَ بِهِ الْجَمِيعُ وَفِي التّنْزِيلِ { فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ } وَقَوْلُهُمْ نَاقَةٌ مَاخِضٌ كَقَوْلِهِمْ حَامِلٌ أَيْ ذَاتُ مَخَاضٍ وَذَاتُ حَمْلٍ وَقَدْ يَقُولُ الرّجُلُ لِنِسَائِهِ أَنْتُنّ الطّلَاقُ فَلَيْسَ الطّلَاقُ بِجَمْعِ وَإِنّمَا مَعْنَاهُ ذَوَاتُ طَلَاقٍ وَكَذَلِكَ مَعْنَى الْمَخَاضِ أَيْ ذَوَاتُ مَخَاضٍ غَيْرَ أَنّهُ قِيلَ لِلْوَاحِدَةِ مَاخِضٌ وَلَمْ يَقُلْ نَاقَةٌ مَخَاضٌ أَيْ ذَاتُ مَخَاضٍ كَمَا يُقَالُ امْرَأَةٌ زَوْرٌ وَصَوْمٌ لِأَنّ الْمَصْدَرَ إذَا وُصِفَ بِهِ فَإِنّمَا يُرَادُ بِهِ الْكَثِيرُ وَلَا تَكْثِيرُ فِي حَمْلِ الْوَاحِدَةِ أَلَا تَرَى أَنّك تَقُولُ هِيَ أَصْوَمُ النّاسِ وَمَا أَصْوَمَهَا ، وَلَا يُقَالُ إذَا حَبَلَتْ مَا أَحْبَلَهَا ، لِأَنّهُ شَيْءٌ [ ص 229 ] يُقَالُ فِي الْمَوْتِ مَا أَمْوَتَهَا ، فَلَمّا عَدِمَ قَصْدَ التّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ لَمْ تُوصَفْ بِهِ كَمَا لَا تُوصَفُ بِالسّيْرِ إذَا قُلْت : مَا هِيَ الْأَسِيرُ فَإِذَا كَانَتْ إبِلًا كَثِيرَةً حَصَلَ مَعْنَى الْكَثْرَةِ فَوُصِفَتْ بِالْمَخَاضِ وَهُوَ الْمَصْدَرُ لِذَلِكَ فَإِنْ قُلْت : فَقَدْ يَقُولُ الرّجُلُ أَنْتِ الطّلَاقُ وَأَنْتِ الْفِرَاقُ قُلْنَا : فِيهِ مَعْنَى التّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ وَلِذَلِكَ جَازَ لِأَنّهُ شَيْءٌ يَتَمَادَى وَيَدُومُ لَا سِيّمَا إنْ أَرَادَ بِالطّلَاقِ الطّلَاقَ كُلّهُ لَا وَاحِدَةً وَلِي كَذَلِكَ الْمَخَاضُ وَالْحَمْلُ فَإِنّ مُدّتَهُ مَعْلُومَةٌ وَمِقْدَارُهُ مُؤَقّتٌ . وَقَوْلُهُ بِأَيْدِي الْمَلَائِكِ هُوَ جَمْعُ مَلَكٍ عَلَى غَيْرِ لَفْظِهِ وَلَوْ جَمَعُوهُ عَلَى لَفْظِهِ لَقَالُوا : أَمْلَاكٌ وَلَكُنّ الْمِيمَ مِنْ مَلَكٍ زَائِدَةٌ فِيمَا زَعَمُوا ، وَأَصْلُهُ مَأْلُك مِنْ الْأُلُوكِ وَهِيَ الرّسَالَةُ قَالَ لَبِيدٌ : وَغُلَامٌ أَرْسَلْته أُمّهُ ... بِأَلُوكِ فَبَذَلْنَا مَا سَأَلَ وَقَالَ الطّائِيّ : مَنْ مُبْلِغُ الْفِتْيَانَ عَنّي مَأْلُكًا أَبِي مَتَى يَتَثَلّمُوا أَتَهَدّمُ و [ أَبُو تَمّامٍ حَبِيبُ بْنُ أَوْسٍ ] الطّائِيّ وَإِنْ كَانَ مُتَوَلّدًا ، فَإِنّمَا يُحْتَجّ بِهِ لِتَلَقّي أَهْلِ الْعَرَبِيّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ وَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنّهُ لَمْ يَلْحَنْ وَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ مَأْلُكًا فَإِنّمَا قَلَبُوهُ إرَادَة إلْغَاءِ الْهَمْزَةِ إذْ سَهّلُوا وَلَوْ سَهّلُوا مَأْلُكًا ، وَالْهَمْزَةُ مُقَدّمَةٌ لَمْ تَسْقُطْ وَإِنّمَا تَسْقُطُ إذَا سُكّنَ قَبْلَهَا ، فَقَالُوا : مَلْك ، فَإِذَا جَمَعُوا عَادَتْ الْهَمْزَةُ وَلَمْ تَعُدْ إلَى مَوْضِعِهَا لِئَلّا تَرْجِعَ كَجَمْعِ مَأْلُكَةٍ وَهِيَ الرّسَالَةُ وَلَوْ قِيلَ إنّ لَفْظَ مَلَكٍ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَلَكُوتِ فَلِذَلِكَ لَمْ يُهْمَزْ لِأَنّ . أَكْثَرَ الْمَلَائِكَةِ لَيْسُوا بِرُسُلِ وَلَوْ أُرِيدَ مَعْنَى الرّسَالَةِ لَقَالُوا : مُؤْلَكٌ كَمَا تَقُولُ مُرْسَلٌ وَلَضَمّتْ الْمِيمُ فِي الْوَاحِدِ وَتَكُونُ الْهَمْزَةُ عَلَى هَذَا زَائِدَةٌ فِي الْجَمِيعِ كَمَا زَادُوهَا فِي شَمْأَلٍ وَهِيَ مِنْ شَمَلَتْ الرّيحُ لَكَانَ هَذَا وَجْهًا حَسَنًا ، وَسِرّ زِيَادَةِ الْهَمْزَةِ فِي شَمْأَلٍ وَهِيَ مِنْ شَمَلَتْ الرّيحُ فَأَطْلَعَتْ الْهَمْزَةُ رَأْسَهَا لِذَلِكَ إذْ قَدْ اجْتَمَعَ فِيهَا أَنّهَا مِنْ عَنْ شِمَالِ الْبَيْتِ وَأَنّهَا شَامِيّةٌ وَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ هُمْ مِنْ مَلَكُوتِ اللّهِ وَفِيهِمْ رُسُلٌ وَكَوَاحِدِ مِنْهُمْ مِنْ مَلَكُوتِ اللّهِ فَقَطْ لِأَنّهُ لَا يَتَبَعّضُ كَمَا تَتَبَعّضُ الْجُمْلَةُ مِنْهُمْ فَأَمّا قَوْلُ الشّاعِرِ فَلَسْت لَا لِإِنْسِيّ وَلَكِنْ لَمَأْلُك ٍ تَنْزِلُ مِنْ جَوّ السّمَاءِ يَصُوبُ [ ص 230 ] قَائِلُهُ وَقَدْ نَسَبَهُ ابْنُ سِيدَهْ إلَى عَلْقَمَةَ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ وَصَفَ مَأْلُكًا بِالرّسَالَةِ لِقَوْلِهِ تَنْزِلُ مِنْ جَوّ السّمَاءِ يَصُوبُ فَحُسْنُ الْهَمْزَةِ لِتَضَمّنِهِ مَعْنَى الْأُلُوكِ كَمَا حَسُنَ فِي جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ إذْ لِلْجُمْلَةِ بَعْضُ هَمّ إرْسَالٍ وَالْكُلّ مِنْ مَلَكُوتِ اللّهِ سُبْحَانَهُ وَلَيْسَ فِي الْوَاحِدِ إلّا مَعْنَى الْمَلَكُوتِيّة فَقَطْ حَتّى يَتَخَصّصَ بِالرّسَالَةِ كَمَا فِي هَذَا الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ فَيَتَضَمّنُ حِينَئِذٍ الْمَعْنَيَيْنِ فَتَطْلُعُ الْهَمْزَةُ فِي اللّفْظِ لِمَا فِي ضِمْنِهِ مَعْنَى الْأُلُوكِ وَهِيَ الرّسَالَةُ . مَقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ اسْتِنْكَارُهُ خَبَرَ رَسُولَيْ الرّسُولِ بِقَتْلِ نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ : أَنّهُ لَمّا أُصِيبَ أَصْحَابُ بَدْرٍ ، وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ إلَى أَهْلِ السّافِلَةِ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ بَشِيرِينَ بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِفَتْحِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ عَلَيْهِ وَقَتْلُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الظّفَرِيّ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، وَصَالِحُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ حَدِيثِهِ قَالُوا : قَالَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَكَانَ رَجُلًا [ ص 231 ] طَيّءٍ ، ثُمّ أَحَدَ بَنِي نَبْهَانَ ، وَكَانَتْ أُمّهُ مِنْ بَنِي النّضِيرِ ، حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ : أَحَقّ هَذَا ؟ أَتَرَوْنَ مُحَمّدًا قَتَلَ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يُسَمّي هَذَانِ الرّجُلَانِ يَعْنِي زَيْدًا وَعَبْد اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فَهَؤُلَاءِ أَشْرَافُ الْعَرَبِ وَمُلُوكُ النّاسِ وَاَللّهِ لَئِنْ كَانَ مُحَمّدٌ أَصَابَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا . شِعْرُهُ فِي التّحْرِيضِ عَلَى الرّسُولِ فَلَمّا تَيَقّنَ عَدُوّ اللّهِ الْخَبَرَ ، خَرَجَ حَتّى قَدِمَ مَكّةَ ، فَنَزَلَ عَلَى عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَةَ السّهْمِيّ وَعِنْدَهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَأَنْزَلَتْهُ وَأَكْرَمَتْهُ وَجَعَلَ يُحَرّضُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيُنْشِدُ الْأَشْعَارَ وَيَبْكِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ ، الّذِينَ أُصِيبُوا بِبَدْرِ فَقَالَ طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ ... وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ وَتَدْمَعُ قُتِلَتْ سَرَاةُ النّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِمْ ... لَا تَبْعُدُوا إنّ الْمُلُوكَ تُصَرّعُ كَمْ قَدْ أُصِيبَ بِهِ مِنْ أَبْيَضَ مَاجِدٍ ... ذِي بَهْجَةٍ يَأْوِي إلَيْهِ الضّيّعُ طَلْقُ الْيَدَيْنِ إذَا الْكَوَاكِبُ أَخْلَفَتْ ... حَمّالُ أَثْقَالٍ يَسُودُ وَيُرْبَعُ وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أُسَرّ بِسَخَطِهِمْ ... إنّ ابْنَ الْأَشْرَفِ ظَلّ كَعْبًا يَجْزَعُ صَدَقُوا فَلَيْتَ الْأَرْضُ سَاعَةَ قُتّلُوا ... ظَلّتْ تَسَوّخُ بِأَهْلِهَا وَتُصَدّعُ صَارَ الّذِي أَثَرَ الْحَدِيثَ بِطَعْنِهِ ... أَوْ عَاشَ أَعْمَى مُرْعَشًا لَا يَسْمَعُ نُبّئْت أَنّ بَنِي الْمُغِيرَةِ كُلّهُمْ ... خَشَعُوا الْقَتْلَ أَبِي الْحَكِيمِ وَجُدّعُوا وَابْنَا رَبِيعَةَ عِنْدَهُ وَمُنَبّهٌ ... مَا نَالَ مِثْلَ الْمُهْلِكِينَ وَتُبّعُ نُبّئْت أَنّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامِهِمْ ... فِي النّاسِ يَبْنِي الصّالِحَاتِ وَيُجْمَعُ لِيَزُورَ يَثْرِبَ بِالْجُمُوعِ وَإِنّمَا ... يَحْمَى عَلَى الْحَسَبِ الْكَرِيمِ الْأَرْوَعُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " تُبّعٌ " وَأُسَرّ بِسَخَطِهِمْ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . [ ص 232 ] شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَيْهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ ، فَقَالَ أَبَكَى لِكَعْبِ ثُمّ عُلّ بِعَبْرَةِ ... مِنْهُ وَعَاشٍ مُجَدّعًا لَا يَسْمَعُ وَلَقَدْ رَأَيْت بِبَطْنِ بَدْرٍ مِنْهُمْ ... قَتْلَى تَسِحّ لَهَا الْعُيُونُ وَتَدْمَعُ فَأَبْكِي فَقَدْ أَبَكَيْت عَبْدًا رَاضِعًا ... شِبْهُ الْكُلَيْبِ إلَى الْكُلَيْبَةِ يَتْبَعُ وَلَقَدْ شَفَى الرّحْمَنُ مِنّا سَيّدًا ... وَأَهَانَ قَوْمًا قَاتَلُوهُ وَصُرّعُوا وَنَجَا وَأَفْلَتَ مِنْهُمْ مِنْ قَلْبِهِ ... شَغَفٌ يَظِلّ لِخَوْفِهِ يَتَصَدّعُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسّانَ . وَقَوْلُهُ " أَبْكِي لِكَعْبِ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . شِعْرُ مَيْمُونَةَ فِي الرّدّ عَلَى كَعْبٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي مُرَيْدٍ بَطْنٌ مِنْ بَلِيّ كَانُوا حُلَفَاءَ فِي بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ ، يُقَالُ لَهُمْ الْجَعَادِرَةُ ، تُجِيبُ كَعْبًا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : اسْمُهَا [ ص 233 ] مَيْمُونَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللّهِ ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لَهَا ، وَيُنْكِرُ نَقِيضَتَهَا لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ تَحَنّنّ هَذَا الْعَبْدَ كُلّ تَحَنّنٍ ... يُبْكَى عَلَى قَتْلَى وَلَيْسَ بِنَاصِبِ بَكَتْ عَيْنُ مَنْ يَبْكِي لِبَدْرِ وَأَهْلِهِ ... وَعُلّتْ بِمِثْلَيْهَا لُؤَيّ بْنُ غَالِبِ فَلَيْتَ الّذِينَ ضُرّجُوا بِدِمَائِهِمْ ... يَرَى مَا بِهِمْ مَنْ كَانَ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ فَيَعْلَمُ حَقّا عَنْ يَقِينٍ وَيُبْصِرُوا ... مَجَرّهُمْ فَوْقَ اللّحَى وَالْحَوَاجِبِ شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ عَلَى مَيْمُونَةَ فَأَجَابَهَا كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ فَقَالَ أَلَا فَازْجُرُوا مِنْكُمْ سَفِيهًا لِتَسْلَمُوا ... عَنْ الْقَوْلِ يَأْنَى مِنْهُ غَيْرَ مُقَارِبِ أَتَشْتُمُنِي إنْ كُنْت أَبْكِي بِعَبْرَةِ ... لِقَوْمِ أَتَانِي رَدّهُمْ غَيْرَ كَاذِبِ فَإِنّي لَبَاكٍ مَا بَقِيت وَذَاكِرٌ ... مَآثِرَ قَوْمٍ مَجْدُهُمْ بِالْجَبَاجِبِ لَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتْ مُرَيْدٌ بِمَعْزِلِ ... عَنْ الشّرّ فَاحْتَالَتْ وُجُوهُ الثّعَالِبِ فَحُقّ مُرَيْدٌ أَنْ تَجَدّ أُنُوفَهُمْ ... بِشَتْمِهِمْ حَيّ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ وَهَبْت نَصِيبِي مِنْ مُرَيْدٍ لِجَعْدَرٍ ... وَفَاءً وَبَيْتُ اللّهِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ تَشْبِيبُ كَعْبٍ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحِيلَةُ فِي قَتْلِهِ ثُمّ رَجَعَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ إلَى الْمَدِينَةِ فَشَبّبَ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ حَتّى آذَاهُمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ مَنْ لِي بِابْنِ الْأَشْرَفِ ؟ فَقَالَ لَهُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَنَا لَك يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا أَقْتُلُهُ ؟ قَالَ فَافْعَلْ إنْ قَدَرْت عَلَى ذَلِكَ فَرَجَعَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَمَكَثَ ثَلَاثًا لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ إلّا مَا يُعْلِقُ بِهِ نَفْسَهُ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ لِمَ تَرَكْت الطّعَامَ وَالشّرَابَ ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قُلْت لَك قَوْلًا لَا أَدْرِي هَلْ أَفِيَنّ لَك بِهِ أَمْ لَا ؟ فَقَالَ " إنّمَا عَلَيْك الْجَهْدُ " ؛ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ لَا بُدّ لَنَا مِنْ أَنْ نَقُولَ قَالَ قُولُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَأَنْتُمْ فِي حِلّ مِنْ ذَلِكَ . فَاجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، وَسِلْكَانُ بْنُ سَلّامِ بْنِ وَقْشٍ وَهُوَ أَبُو نَائِلَةَ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، وَكَانَ [ ص 234 ] أَخَا كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ مِنْ الرّضَاعَةِ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشٍ ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، وَالْحَارِثُ مِنْ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، وَأَبُو عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ ؛ ثُمّ قَدّمُوا إلَى عَدُوّ اللّهِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ سَلْكَانَ بْنَ سَلَامَةَ [ بْنِ وَقْشٍ ] أَبَا نَائِلَةَ ، فَجَاءَهُ فَتَحَدّثَ مَعَهُ سَاعَةً وَتَنَاشَدُوا شِعْرًا ، وَكَانَ أَبُو نَائِلَةَ يَقُولُ الشّعْرَ ثُمّ قَالَ وَيْحَك يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ إنّي قَدْ جِئْتُك لِحَاجَةِ أُرِيدُ ذِكْرَهَا لَك ، فَاكْتُمْ عَنّي ؛ قَالَ افْعَلْ قَالَ كَانَ قُدُومُ هَذَا الرّجُلِ عَلَيْنَا بَلَاءٌ مِنْ الْبَلَاءِ عَادَتْنَا بِهِ الْعَرَبُ ، وَرَمَتْنَا عَنْ قَوْسٍ وَاحِدٍ وَقَطَعَتْ عَنّا السّبُلَ حَتّى ضَاعَ الْعِيَالُ وَجَهَدَتْ الْأَنْفُسُ وَأَصْبَحْنَا قَدْ جُهِدْنَا وَجُهِدَ عِيَالُنَا . فَقَالَ كَعْبٌ أَنَا ابْنُ الْأَشْرَفِ أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ كُنْت أُخْبِرُك يَا ابْنَ سَلَامَةَ أَنّ الْأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَى مَا أَقُولُ فَقَالَ لَهُ سَلْكَانُ : إنّي قَدْ أَرَدْت أَنْ تَبِيعَنَا طَعَامًا وَنَرْهَنَك وَنُوثِقَ لَك ، وَنُحْسِنَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَتَرْهَنُونَنِي أَبْنَاءَكُمْ ؟ قَالَ لَقَدْ أَرَدْت أَنْ تَفْضَحَنَا ، إنّ مَعِي أَصْحَابًا لِي عَلَى مِثْلِ رَأْيِي ، وَقَدْ أَرَدْت أَنْ آتِيَك بِهِمْ فَتَبِيعُهُمْ وَتُحْسِنُ فِي ذَلِكَ وَنَرْهَنُك مِنْ الْحَلَقَةِ مَا فِيهِ وَفَاءٌ وَأَرَادَ سَلْكَانُ أَنْ لَا يُنْكِرَ السّلَاحَ إذَا جَاءُوا بِهَا ، قَالَ إنّ فِي الْحَلَقَةِ لَوَفَاءً قَالَ فَرَجَعَ سَلْكَانُ إلَى أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا السّلَاحَ ثُمّ يَنْطَلِقُوا فَيَجْتَمِعُوا إلَيْهِ فَاجْتَمَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أَتَرْهَنُونَنِي نِسَاءَكُمْ ؟ قَالَ كَيْفَ نَرْهَنُك نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَشَبّ أَهْلِ يَثْرِبَ وَأَعْطَوْهُمْ قَالَ أَتَرْهَنُونَنِي أَبْنَاءَكُمْ ؟ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ مَشَى مَعَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ، ثُمّ وَجّهَهُمْ فَقَالَ انْطَلِقُوا عَلَى اسْمِ اللّهِ اللّهُمّ أَعِنْهُمْ ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِهِ وَهُوَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ وَأَقْبَلُوا حَتّى انْتَهَوْا إلَى حِصْنِهِ فَهَتَفَ بِهِ أَبُو نَائِلَةَ ، وَكَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسِ فَوَثَبَ فِي مِلْحَفَتِهِ فَأَخَذَتْ امْرَأَتُهُ بِنَاحِيَتِهَا ، وَقَالَتْ إنّك امْرِئِ مُحَارِبٌ وَإِنّ أَصْحَابَ الْحَرْبِ لَا يَنْزِلُونَ فِي هَذِهِ السّاعَةِ قَالَ إنّهُ أَبُو نَائِلَةَ ، لَوْ وَجَدَنِي نَائِمًا لَمَا أَيْقَظَنِي ، فَقَالَتْ وَاَللّه إنّي لَأَعْرِفُ فِي صَوْتِهِ الشّرّ ؟ قَالَ يَقُولُ لَهَا كَعْبٌ لَوْ يُدْعَى الْفَتَى لِطَعْنَةِ لَأَجَابَ . فَنَزَلَ فَتَحَدّثَ مَعَهُمْ سَاعَةً وَحَدّثُوا مَعَهُ ثُمّ قَالَ هَلْ لَك يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ أَنْ تَتَمَاشَى إلَى شِعْبٍ الْعَجُوزِ ، فَنَتَحَدّثَ بِهِ بَقِيّة لَيْلَتِنَا هَذِهِ ؟ قَالَ إنْ شِئْتُمْ . فَخَرَجُوا يَتَمَاشَوْنَ فَمَشَوْا سَاعَةً ثُمّ إنّ أَبَا نَائِلَةَ شَامَ يَدَهُ فِي فَوْدِ رَأْسِهِ ثُمّ شَمّ يَدَهُ فَقَالَ مَا رَأَيْت كَاللّيْلَةِ طِيبًا أَعْطَرَ قَطّ ، ثُمّ مَشَى سَاعَةً ثُمّ عَادَ لِمِثْلِهَا حَتّى اطْمَأَنّ ثُمّ مَشَى سَاعَةً ثُمّ عَادَ [ ص 235 ] فَأَخَذَ بِفَوْدِ رَأْسِهِ ثُمّ قَالَ اضْرِبُوا عَدُوّ اللّهِ فَضَرَبَهُ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُهُمْ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا . قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَذَكَرْت مِغْوَلًا فِي سَيْفِي ، حِينَ رَأَيْت أَسْيَافَنَا لَا تُغْنِي شَيْئًا ، فَأَخَذْته ، وَقَدْ صَاحَ عَدُوّ اللّهِ صَيْحَةً لَمْ يَبْقَ حَوْلَنَا حِصْنٌ إلّا وَقَدْ أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نَارٌ قَالَ فَوَضَعْته فِي ثُنّتِهِ ثُمّ تَحَامَلْت عَلَيْهِ حَتّى بَلَغْت عَانَتَهُ فَوَقَعَ عَدُوّ اللّهِ وَقَدْ أُصِيبَ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ فَجُرِحَ فِي رَأْسِهِ أَوْ فِي رِجْلِهِ أَصَابَهُ بَعْضُ أَسْيَافِنَا . قَالَ فَخَرَجْنَا حَتّى سَلَكْنَا عَلَى بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ ، ثُمّ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، ثُمّ عَلَى بُعَاث حَتّى أَسْنَدْنَا فِي حُرّةِ الْعُرَيْض ، وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْنَا صَاحِبُنَا الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ ، وَنَزَفَ الدّمَ فَوَقَفْنَا لَهُ سَاعَةً ثُمّ أَتَانَا يَتْبَعُ آثَارَنَا . قَالَ فَاحْتَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آخِرَ اللّيْلِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي ، فَسَلّمْنَا عَلَيْهِ فَخَرَجَ إلَيْنَا ، فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوّ اللّهِ وَتَفَلَ عَلَى جُرْحِ صَاحِبِنَا ، فَرَجَعَ وَرَجَعْنَا إلَى أَهْلِنَا فَأَصْبَحْنَا وَقَدْ خَافَتْ يَهُودُ لِوَقْعَتِنَا بِعَدُوّ اللّهِ فَلَيْسَ بِهَا يَهُودِيّ إلّا وَهُوَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ .Sمَقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ ذَكَرَ فِيهِ أَنّهُ شَبّبَ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَآذَاهُمْ وَكَانَ قَدْ شَبّبَ بِأُمّ الْفَضْلِ زَوْجِ الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَقَالَ أَرَاحِلٌ أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ لَمِنْعَبَته ... وَتَارِكٌ أَنْتَ أُمّ الْفَضْلِ بِالْحَرَمِ فِي أَبْيَاتٍ رَوَاهَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ . [ ص 231 ] وَذَكَرَ فِيهِ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ مَنْ لِكَعْبِ [ بْنِ الْأَشْرَفِ ] ، فَقَدْ آذَى اللّهَ وَرَسُولَهُ . فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ وُجُوبُ قَتْلِ مَنْ سَبّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَإِنْ كَانَ ذَا عَهْدٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللّهُ فَإِنّهُ لَا يَرَى قَتْلَ الذّمّيّ فِي مِثْلِ هَذَا ، وَوَقَعَ فِي كِتَابِ شَرَفِ الْمُصْطَفَى أَنّ الّذِينَ قُتِلُوا [ ص 232 ] الْمَدِينَةِ ، فَقِيلَ إنّهُ أَوّلُ رَأْسٍ حُمِلَ فِي الْإِسْلَامِ وَقِيلَ بَلْ رَأْسُ أَبِي عَزّةَ الْجُمَحِيّ الّذِي قَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرّتَيْنِ فَقَتَلَهُ وَاحْتَمَلَ رَأْسَهُ فِي رُمْحٍ إلَى الْمَدِينَةِ فِيمَا ذُكِرَ وَأَمّا أَوّلُ مُسْلِمٍ حُمِلَ رَأْسُهُ فِي الْإِسْلَامِ فَعَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ وَلَهُ صُحْبَةٌ . وَفِيهِ مِنْ قَوْلِ حَسّانَ فِي كَعْبٍ : بَكَى كَعْبٌ ثُمّ عُلّ بِعَبْرَةِ فِيهِ دُخُولُ زِحَافٍ عَلَى زِحَافٍ وَذَلِكَ أَنّ أَوّلَ الْجُزْءِ سَبَبٌ ثَقِيلٌ وَسَبَبٌ خَفِيفٌ فَإِذَا دَخَلَ فِيهِ الزّحَافُ الّذِي يُسَمّى الْإِضْمَارُ صَارَا سَبَبَيْنِ خَفِيفَيْنِ فَيَعُودُ مُتَفَاعِلُن إلَى وَزْنِ مُسْتَفْعِلُنْ وَمُسْتَفْعِلُنْ يَدْخُلُهُ الْخَبْنُ وَالطّيّ ، وَهُوَ حَذْفُ الرّابِعِ مِنْهُ فَشَبّهَ حَسّانُ مُتَفَاعِلَانِ فِي الْكَامِلِ بِمُسْتَفْعِلُنْ لَمّا صَارَ إلَى وَزْنِهِ فَحُذِفَ الْحَرْفُ السّاكِنُ وَهُوَ الرّابِعُ مِنْ مُتَفَاعِلُن إلَى وَزْنِ مُفْتَعِلُنْ وَهُوَ غَرِيبٌ فِي الزّحَافِ فَإِنّهُ زِحَافٌ سَهْلٌ زِحَافًا آخَرَ وَلَوْلَا الزّحَافُ الّذِي هُوَ الْإِضْمَارُ مَا جَازَ الْبَتّةَ حَذْفُ الرّابِعِ مِنْ مُتَفَاعِلُن . [ ص 233 ] وَذَكَرَ فِي الّذِينَ قَتَلُوا كَعْبًا أَبَا عَبْسِ بْنِ جَبْر ٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ وَذَكَرَ سَلْكَانَ بْنَ سَلَامَةَ وَاسْمُهُ سَعْدٌ . [ ص 234 ] [ ص 235 ] شِعْرُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي مَقْتَلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ : فَغُودِرَ مِنْهُمْ كَعْبٌ صَرِيعًا ... فَذَلّتْ بَعْدَ مَصْرَعِهِ النّضِيرُ عَلَى الْكَفّيْنِ ثُمّ وَقَدْ عَلَتْهُ ... بِأَيْدِينَا مُشْهَرَةٌ ذُكُورٌ بِأَمْرِ مُحَمّدٍ إذْ دَسّ لَيْلًا ... إلَى كَعْبٍ أَخَا كَعْبٍ يَسِيرُ فَمَا كَرِهَ فَأَنْزَلَهُ بِمَكْرِ ... وَمَحْمُودٌ أَخُو ثِقَةٍ جُسُورُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي يَوْمِ بَنِي النّضِيرِ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللّهُ فِي حَدِيثِ ذَلِكَ الْيَوْمِ . شِعْرُ حَسّانَ فِي قَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ وَابْنِ أَبِي الْحُقَيْق قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَذْكُرُ قَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَقَتْلَ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْق [ ص 236 ] لِلّهِ دَرّ عِصَابَةٍ لَاقَيْتهمْ ... يَا ابْنَ الْحُقَيْق وَأَنْتَ يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ يَسْرُونَ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ إلَيْكُمْ ... مَرَحًا كَأُسْدِ فِي عَرِينٍ مُغْرِفِ حَتّى أَتَوْكُمْ فِي مَحِلّ بِلَادِكُمْ ... فَسَقَوْكُمْ حَتْفًا بِبِيضِ ذُفّفِ مُسْتَنْصِرِينَ لِنَصْرِ دِينِ نَبِيّهِمْ ... مُسْتَصْغَرِينَ لِكُلّ أَمْرٍ مُجْحِفِ [ ص 237 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَسَأَذْكُرُ قَتْلَ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْق فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللّهُ . وَقَوْلُهُ " ذُفّفِ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .S[ ص 236 ] وَذَكَرَ فِي شِعْر حَسّانَ الْفَاوِيّ وفيه : بِبِيضِ ذُفّفِ . الذّفّفُ جَمْعُ ذَفِيفٍ وَهُوَ الْخَفِيفُ السّرِيعُ وَهُوَ جَمْعٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَإِنّمَا فُعّل جَمْعُ فَاعِلٍ وَلَكِنّ الذّفِيفَ مِنْ السّيُوفِ فِي مَعْنَى الْقَاطِعِ وَالصّارِمِ . وَفِيهِ فِي عَرِينٍ مُغْرِفٍ . الْعَرِينُ أَجَمَةُ الْأَسَدِ وَهُوَ الْغَرِيفُ أَيْضًا ، وَالْغَرِيفُ أَيْضًا الْكَثِيرُ فَيَحْتَمِلُ إنّ أَرَادَ بِمُغْرِفِ مُكْثِرًا مِنْ الْأُسْدِ وَيَحْتَمِلُ إنْ أَرَادَ تَوْكِيدَ مَعْنَى الْغَرِيفِ كَمَا يُقَالُ خَبِيثٌ مُخْبِثٌ . وَذَكَرَ قَوْلَ امْرَأَةِ كَعْبٍ وَاَللّهِ إنّي لَأَعْرِفُ فِي صَوْتِهِ الشّرّ وَفِي كِتَابِ الْبُخَارِيّ : إنّي لَأَسْمَعُ صَوْتًا يَقْطُرُ مِنْهُ الدّمُ . وَفِيهِ مَا رَأَيْت عِطْرًا كَالْيَوْمِ مَعْنَاهُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ : مَا رَأَيْت كَعِطْرِ أَرَاهُ الْيَوْمَ عِطْرًا : كَذَلِكَ قَالَ فِي قَوْلِ الْعَرَبِ : لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ رَجُلًا ، أَيْ كَرَجُلِ أَرَاهُ الْيَوْمَ رَجُلًا ، فَحَذَفَ مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْكَافُ وَحَذَفَ الْفِعْلَ وَهُوَ أَرَى ، وَفَاعِلُهُ وَمَفْعُولُهُ وَهَذَا حَذْفُ كَثِيرٍ لَا سِيمَا ، وَقَدْ يُقَالُ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ وَلَا تُذْكَرُ بَعْدَهُ شَيْئًا إذَا تَعَجّبْت ، فَدَلّ عَلَى أَنّهُمْ لَمْ يَحْذِفُوا هَذَا الْحَذْفَ الْكَثِيرَ وَلَكِنّهُمْ أَوْقَعُوا التّعَجّبَ عَلَى الْيَوْمِ لِأَنّ الْأَيّامَ تَأْتِي بِالْأَعَاجِيبِ وَالْعَرَبُ تَذُمّهَا وَتَمْدَحُهَا فِي نَظْمِهَا وَنَثْرِهَا ، وَيَعْلَمُ الْمُخَاطَبُ أَنّ الْيَوْمَ لَمْ يُذَمّ لِنَفْسِهِ وَلَا يُعْجَبُ مِنْهُ لِنَفْسِهِ فَيَلْتَمِسُ مِنْك الْبَيَانَ وَالتّفْسِيرَ لِمَا تَعَجّبْت مِنْهُ فَتَأْتِي بِالتّمْيِيزِ لِتُبَيّنَ . فَعِطْرًا مَنْصُوبٌ عَلَى التّمْيِيزِ وَالدّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنّهُ يَحْسُنُ خَفْضُهُ بِمِنْ لِأَنّهُ مُتَعَجّبٌ مِنْهُ فَتَقُولُ لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مِنْ رَجُلٍ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَمَشَوْا سَاعَةً قَالَ فَجَعَلَ كَعْبٌ يُنْشِدُهُ [ ص 237 ] رُبّ خَالٍ لِي لَوْ أَبْصَرْته ... سَبِطِ الْمِشْيَةِ أَبّاءٍ أَنِفْ لَيّنِ الْجَانِبِ فِي أَقْرَبِهِ ... وَعَلَى الْأَعْدَاءِ كَالسّمّ الدّعُفْ وَكِرَامٍ لَمْ يَشِنْهُمْ حَسَبٌ ... أَهْلِ عِزّ وَحُفّاظٍ وَشَرَفْ يَبْذُلُونَ الْمَالَ فِيمَا نَابَهُمْ ... لِحُقُوقِ تَعْتَرِيهِمْ وَعُرَفْ وَلُيُوثٍ حِينَ يَشْتَدّ الْوَغَى ... غَيْرِ أَنْكَاسٍ وَلَا مِيلٍ كُشُفْ فَهُمْ أَهْلُ سَمَاحٍ وَقِرًى ... وَحُفّاظٍ لَمْ يُعَانُوا بِصَلَفْ سَكَنُوا مِنْ يَثْرِبَ كُلّ رُبًى ... وَسُهُولٍ حَيْثُ حَلّوا فِي أُنُفْ وَهُمْ أَهْلُ مَشَارِيبَ بِهَا ... وَحُصُونٍ وَنَخِيلٍ وَغُرَفْ وَلَهَا بِئْرٌ رَوَاءٌ جَمّةٌ ... مَنْ يَرْدِهَا بِإِنَاءِ يَغْتَرِفْ وَنَخِيلٍ فِي تِلَاعٍ جَمّةٍ ... تُخْرِجُ التّمْرَ كَأَمْثَالِ الْأَكُفّ وَصَرِير مِنْ مَحَالٍ خِلْته ... آخِرَ اللّيْلِ مَهَارِيجَ نُدُفْ تَدْلُجُ الْجُونُ عَلَى أَكْتَافِهَا ... بِدِلَاءِ ذَاتِ أَرْكَانٍ صَدَفْ كُلّ حَاجَاتِي قَدْ قَضَيْتهَا ... غَيْرَ حَاجَاتِي فِي بَطْنِ الْجُرُفْ أَمْرُ مُحَيّصَة وَحُوَيّصَة لَوْمُ حُوَيّصَة لِأَخِيهِ مُحَيّصَة لِقَتْلِهِ يَهُودِيّا ثُمّ إسْلَامُهُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ طَفَرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ يَهُودَ فَاقْتُلُوهُ فَوَثَبَ مَحِيصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 238 ] وَيُقَالُ مُحَيّصَة بْنُ مَسْعُودِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ عَلَى ابْنِ سُبَيْنَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ سُبَيْعَةَ رَجُلٌ مِنْ تُجّارِ يَهُودَ كَانَ يُلَابِسُهُمْ وَيُبَايِعُهُمْ فَقَتَلَهُ وَكَانَ حُوَيّصَة بْنُ مَسْعُودٍ إذْ ذَاكَ لَمْ يُسْلِمْ كَانَ أَسَنّ مِنْ مُحَيّصَة ، فَلَمّا قَتَلَهُ جَعَلَ حُوَيّصَة يَضْرِبُهُ وَيَقُولُ أَيْ عَدُوّ اللّهِ أَقَتَلْته ، أَمَا وَاَللّهِ لَرُبّ شَحْمٍ فِي بَطْنِك فِي مَالِهِ . قَالَ مُحَيّصَة : فَقُلْت : وَاَللّهِ لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَوْ أَمَرَنِي بِقَتْلِك لَضَرَبْت عُنُقَك ، قَالَ فَوَاَللّهِ إنْ كَانَ لَأَوّلَ إسْلَامِ حُوَيّصَة ، قَالَ أَوَاَللّه لَوْ أَمَرَك مُحَمّدٌ بِقَتْلِي لَقَتَلْتنِي ؟ قَالَ نَعَمْ وَاَللّهِ لَوْ أَمَرَنِي بِضَرْبِ عُنُقِك لَضَرَبْتهَا قَالَ وَاَللّهِ إنّ دِينًا بَلَغَ بِك هَذَا لَعَجَبٌ فَأَسْلَمَ حُوَيّصَة . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ مَوْلًى لِبَنِي حَارِثَةَ ، عَنْ ابْنَةِ مُحَيّصَة ، عَنْ أَبِيهَا مُحَيّصَة . فَقَالَ مُحَيّصَة فِي ذَلِكَ . يَلُومُ ابْنَ أُمّي لَوْ أُمِرْت بِقَتْلِهِ ... لَطَبّقْت ذِفْرَاهُ بِأَبْيَضَ قَاضِبِ حُسَامٍ كَلَوْنِ الْمِلْحِ أُخْلِصُ صَقْلَهُ ... مَتَى مَا أُصَوّبُهُ لَيْسَ بِكَاذِبِ وَمَا سَرّنِي أَنّي قَتَلْتُك طَائِعًا ... وَأَنْ لَنَا مَا بَيْنَ بِصَرَى وَمَأْرِبِ رِوَايَةٌ أُخْرَى فِي إسْلَامِ حُوَيّصَة قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيّ قَالَ لَمّا ظَفِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِبَنِي قُرَيْظَةَ أَخَذَ مِنْهُمْ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِ مِائَةِ رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْأَوْسِ عَلَى الْخَزْرَجِ ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنْ تُضْرَبُ أَعْنَاقُهُمْ فَجَعَلَتْ الْخَزْرَجُ تَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ وَيَسُرّهُمْ ذَلِكَ فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْخَزْرَجِ وَوُجُوهُهُمْ مُسْتَبْشِرَةٌ وَنَظَرَ إلَى الْأَوْسِ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ فِيهِمْ فَظَنّ أَنّ ذَلِكَ لِلْحِلْفِ الّذِي بَيْنَ الْأَوْسِ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ إلّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا ، فَدَفَعَهُمْ إلَى الْأَوْسِ ، فَدَفَعَ إلَى كُلّ رَجُلَيْنِ مِنْ الْأَوْسِ رَجُلًا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقَالَ لِيُضْرَبْ فُلَانٌ وَلْيُذَفّفْ فُلَانٌ فَكَانَ مِمّنْ دُفِعَ إلَيْهِمْ كَعْبُ بْنُ يَهُوذَا ، وَكَانَ عَظِيمًا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَدَفَعَهُ إلَى مُحَيّصَة بْنِ مَسْعُودٍ ، وَإِلَى [ ص 239 ] أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نَيّارٍ وَأَبُو بُرْدَةَ الّذِي رَخّصَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَنْ يَذْبَحَ جَذْعًا مِنْ الْمَعْزِ فِي الْأَضْحَى وَقَالَ لِيَضْرِبْهُ مُحَيّصَة وَلْيُذَفّفْ عَلَيْهِ أَبُو بُرْدَةَ فَضَرَبَهُ مُحَيّصَة ضَرْبَةً لَمْ تَقْطَعْ وَذَفّفَ أَبُو بُرْدَةَ فَأَجْهَزَ عَلَيْهِ . فَقَالَ حُوَيّصَة : وَكَانَ كَافِرًا ، لِأَخِيهِ مُحَيّصَة : أَقَتَلْت كَعْبَ بْنَ يَهُوذَا ؟ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ حُوَيّصَة : أَمَا وَاَللّهِ لَرُبّ شَحْمٍ قَدْ نَبَتَ فِي بَطْنِك مِنْ مَالِهِ إنّك لَلَئِيمٌ يَا مُحَيّصَة ، فَقَالَ لَهُ مُحَيّصَة : لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَوْ أَمَرَنِي بِقَتْلِك لَقَتَلْتُك فَعَجِبَ مِنْ قَوْلِهِ ثُمّ ذَهَبَ عَنْهُ مُتَعَجّبًا . فَذَكَرُوا أَنّهُ جَعَلَ يَتَيَقّظُ مِنْ اللّيْلِ فَيَعْجَبُ مِنْ قَوْلِ أَخِيهِ مُحَيّصَة . حَتّى أَصْبَحَ وَهُوَ يَقُولُ وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَدِينٌ . ثُمّ أَتَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمَ فَقَالَ مُحَيّصَة فِي ذَلِكَ أَبْيَاتًا قَدْ كَتَبْنَاهَا .Sقَتْلُ مُحَيّصَة الْيَهُودِيّ مُحَيّصَة بْنُ مَسْعُودٍ كَانَ أَصْغَرَ مِنْ أَخِيهِ حُوَيّصَة ، لَكِنْ سَبَقَهُ إلَى الْإِسْلَامِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ ، وَشَهِدَ أُحُدًا وَالْخَنْدَقَ ، وَأَرْسَلَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَهْلِ فَدَكَ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَهُوَ الّذِي اسْتَفْتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي أُجْرَةِ الْحَجّامِ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَمَا أَلَحّ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَعْلِفْهُ نَاضِحَك وَاجْعَلْهُ فِي كَرِشِك وَذَلِكَ أَنّ أَبَا طِيبَةَ الْحَجّامَ كَانَ عَبْدًا لَهُ وَقَدْ تَقَدّمَ اسْمُ أَبِي طِيبَةَ . [ ص 238 ] بُصْرَى وَمَأْرِبِ . بُصْرَى بِالشّامِ ، وَمَأْرِبُ بِالْيَمَنِ ، حَيْثُ كَانَ السّدّ ، وَمَأْرِبُ : اسْمُ قَصْرٍ كَانَ لِسَبَأِ . وَقَالَ الْمَسْعُودِيّ : مَأْرِبُ اسْمُ كُلّ مَلِكٍ وَلِيَ أَمْرَ سَبَأٍ ، كَخَاقَانِ فِي التّرْكِ ، وَكِسْرَى فِي الْفُرْسِ ، وَقَيْصَرَ فِي الرّومِ ، وَالنّجَاشِيّ فِي الْحَبَشَةِ . وَحُوَيّصَة : تَصْغِيرُ حَوْصَة مِنْ حُصْت الثّوْبَ إذَا خِطّته . [ ص 239 ] وَفِي حَدِيثِهِمَا ذِكْرُ سُنَيْنَةَ الْمَقْتُولِ كَأَنّهُ تَصْغِيرُ سِنّ . وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي اسْمِهِ سُبَيْنَةُ بِالْبَاءِ كَأَنّهُ مُصَغّرٌ تَصْغِيرَ التّرْخِيمِ مِنْ سَبَنِيّةَ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ السّبَنِيّةُ ضَرْبٌ مِنْ النّبَاتِ وَأَمّا شُنَيْنَةُ بِالشّيْنِ الْمَنْقُوطَةِ . فَوَالِدُ صِقْلَابِ بْنِ شُنَيْنَةَ قَرَأَ عَلَى نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ ، وَقَالَ قَالَ لِي نَافِعٌ يَا صِقْلَابُ بَيْنَ النّونِ عِنْدَ الْحَاءِ وَالْخَاءِ وَالْعَيْنِ وَالْغَيْنِ وَالْهَاءِ وَالْأَلِفِ . الْمُدّةُ بَيْنَ قُدُومِ الرّسُولِ بَحْرَانِ وَغَزْوَةِ أُحُدٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَتْ إقَامَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ قُدُومِهِ مِنْ بَحْرَانِ ، جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ وَغَزَتْهُ قُرَيْشٌ غَزْوَةَ أُحُدٍ فِي شَوّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ . غَزْوَةُ أُحُدٍ [ ص 240 ] وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ أُحُدٍ ، كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا ، كُلّهُمْ قَدْ حَدّثَ بَعْضَ الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ ، وَقَدْ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ كُلّهُ فِيمَا سُقْت مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالُوا ، أَوْ مَنْ قَالَهُ مِنْهُمْ [ ص 241 ] التّحْرِيضُ عَلَى غَزْوِ الرّسُولِ لَمّا أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ كُفّارِ قُرَيْشٍ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ ، وَرَجَعَ فَلّهُمْ إلَى مَكّةَ ، وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بَعِيرِهِ مَشَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ، فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، مِمّنْ أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَكَلّمُوا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ فِي تِلْكَ الْعِيرِ مِنْ قُرَيْشٍ تِجَارَةٌ فَقَالُوا : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إنّ مُحَمّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ ، وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَالِ عَلَى حَرْبِهِ فَلَعَلّنَا نَدْرِك مَعَهُ ثَأْرَنَا بِمَنْ أَصَابَ مِنّا ، فَفَعَلُوا . مَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَفِيهِمْ كَمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَزَلَ اللّهُ تَعَالَى : { إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمّ يُغْلَبُونَ وَالّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنّمَ يُحْشَرُونَ }Sغَزْوَةُ أُحُدٍ فَضْلُ أُحُدٍ [ ص 240 ] وَأُحُدٌ الْجَبَلُ الْمَعْرُوفُ بِالْمَدِينَةِ ، سُمّيَ بِهَذَا الِاسْمِ لِتَوَحّدِهِ وَانْقِطَاعِهِ عَنْ جِبَالٍ أُخَرَ هُنَالِكَ وَقَالَ فِيهِ الرّسُولُ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبّنَا وَنُحِبّهُ وَلِلْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَقْوَالٌ . قِيلَ أَرَادَ أَهْلَهُ وَهُمْ الْأَنْصَارُ ، وَقِيلَ أَرَادَ أَنّهُ كَانَ يُبَشّرُهُ إذَا رَآهُ عِنْدَ الْقُدُومِ مِنْ أَسْفَارِهِ بِالْقُرْبِ مِنْ أَهْلِهِ وَلِقَائِهِمْ وَذَلِكَ فِعْلُ الْمُحِبّ وَقِيلَ بَلْ حُبّهُ حَقِيقَةً وُضِعَ الْحُبّ فِيهِ كَمَا وُضِعَ التّسْبِيحُ فِي الْجِبَالِ الْمُسَبّحَةِ مَعَ دَاوُد ، وَكَمَا وُضِعَتْ الْخَشْيَةُ فِي الْحِجَارَةِ الّتِي قَالَ اللّهُ فِيهَا : { وَإِنّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ } وَفِي الْآثَارِ الْمُسْنَدَةِ أَنّ [ ص 241 ] أُحُدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ بَابِ الْجَنّةِ مِنْ دَاخِلِهَا ، وَفِي بَعْضِهَا أَنّهُ رُكْنٌ لِبَابِ الْجَنّةِ ذَكَرَهُ ابْنُ سَلّامٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أُحُدٌ يُحِبّنَا وَنُحِبّهُ وَهُوَ عَلَى بَابِ الْجَنّةِ قَالَ وَعَيْرٌ يَبْغُضُنَا وَنَبْغُضُهُ وَهُوَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ النّارِ وَيُقَوّيهِ قَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبّ مَعَ قَوْلِهِ يُحِبّنَا وَنُحِبّهُ فَتَنَاسَبَتْ هَذِهِ الْآثَارُ وَشَدّ بَعْضُهَا بَعْضًا . [ ص 242 ] مُشَاكَلَةُ اسْمِ الْجَبَلِ لِأَغْرَاضِ التّوْحِيدِ وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ يُحِبّ الِاسْمَ الْحَسَنَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْ اسْمٍ مُشْتَقّ مِنْ الْأَحَدِيّةِ وَقَدْ سَمّى اللّهُ هَذَا الْجَبَلَ بِهَذَا الِاسْمِ تَقْدِمَةً لِمَا أَرَادَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ مُشَاكَلَةِ اسْمِهِ وَمَعْنَاهُ إذْ أَهْلُهُ وَهُمْ الْأَنْصَارُ نَصَرُوا التّوْحِيدَ وَالْمَبْعُوثَ بِدِينِ التّوْحِيدِ عِنْدَهُ اسْتَقَرّ حَيّا وَمَيّتًا ، وَكَانَ مِنْ عَادَتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْوِتْرَ وَيُحِبّهُ فِي شَأْنِهِ كُلّهِ اسْتِشْعَارًا لِلْأَحَدِيّةِ فَقَدْ وَافَقَ اسْمُ هَذَا الْجَبَلِ لِأَغْرَاضِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ وَمَقَاصِدِهِ فِي الْأَسْمَاءِ فَقَدْ بَدّلَ كَثِيرًا مِنْ الْأَسْمَاءِ اسْتِقْبَاحًا لَهَا مِنْ أَسْمَاءِ الْبِقَاعِ وَأَسْمَاءِ النّاسِ وَذَلِكَ لَا يُخْصَى كَثْرَةً فَاسْمُ هَذَا الْجَبَلِ مِنْ أَوْفَقِ الْأَسْمَاءِ لَهُ وَمَعَ أَنّهُ مُشْتَقّ مِنْ الْأَحَدِيّةِ فَحَرَكَاتُ حُرُوفِهِ الرّفْعُ وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِارْتِفَاعِ دِينِ الْأَحَدِ وَعُلُوّهِ فَتَعَلّقَ الْحُبّ مِنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهِ اسْمًا وَمُسَمّى ، فَخَصّ مِنْ بَيْنِ الْجِبَالِ بِأَنْ يَكُونَ مَعَهُ فِي الْجَنّةِ { وَبُسّتِ الْجِبَالُ بَسّا فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّا } وَفِي أُحُدٍ قَبْرُ هَارُونَ أَخِي مُوسَى عَلَيْهِمَا السّلَامُ وَفِيهِ قُبِضَ وَثَمّ وَارَاهُ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ وَكَانَا قَدْ مَرّا بِأُحُدِ حَاجّينِ أَوْ [ ص 243 ] أَسْنَدَهُ الزّبَيْرُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْمَدِينَةِ . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مَسِيرَ قُرَيْشٍ بِالظّعُنِ الْتِمَاسَ الْحَفِيظِيّة ، وَالْحَفِيظَةُ الْغَضَبُ لِلْحُرَمِ وَيُقَالُ أَحْفَظَ الرّجُلُ إذَا غَضِبَ اجْتِمَاعُ قُرَيْشٍ لِلْحَرْبِ فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِحَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبِ وَأَصْحَابُ الْعِيرِ بِأَحَابِيشِهَا ، وَمَنْ أَطَاعَهَا مِنْ قَبَائِلِ كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ . وَكَانَ أَبُو عَزّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْجُمَحِيّ قَدْ مَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ فَقِيرًا ذَا عِيَالٍ [ ص 242 ] وَكَانَ فِي الْأُسَارَى فَقَالَ إنّي فَقِيرٌ ذُو عِيَالٍ وَحَاجَةٍ قَدْ عَرَفْتهَا فَامْنُنْ عَلَيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْك وَسَلّمَ فَمَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ : يَا أَبَا عَزّةَ إنّك امْرِئِ شَاعِرٌ فَأَعِنّا بِلِسَانِك ، فَاخْرُجْ مَعَنَا ، فَقَالَ إنّ مُحَمّدًا قَدْ مَنّ عَلَيّ فَلَا أُرِيدُ أَنْ أُظَاهِرَ عَلَيْهِ قَالَ فَأَعِنّا بِنَفْسِك ، فَلَك اللّهُ عَلَيّ إنْ رَجَعْت أَنْ أُغْنِيَك ، وَإِنْ أُصِبْت أَنْ أَجْعَلَ بَنَاتَك مَعَ بَنَاتِي ، يُصِيبُهُنّ مَا أَصَابَهُنّ مِنْ عُسْرٍ وَيُسْرٍ . فَخَرَجَ أَبُو عَزّةَ فِي تِهَامَةَ ، وَيَدْعُو بَنِي كِنَانَةَ وَيَقُولُ إيهًا بَنِي عَبْدِ مَنَاةَ الرّزّام ... أَنْتُمْ حُمَاةٌ وَأَبُوكُمْ حَامْ لَا تَعِدُونِي نَصْرَكُمْ بَعْدَ الْعَامِ ... لَا تُسَلّمُونِي لَا يَحِلّ إسْلَامْ وَخَرَجَ مُسَافِعُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ إلَى بَنِي مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ ، يُحَرّضُهُمْ وَيَدْعُوهُمْ إلَى حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا مَالِ مَالِ الْحَسَبِ الْمُقَدّمِ ... أَنْشُدُ ذَا الْقُرْبَى وَذَا التّذَمّمِ مِنْ كَانَ ذَا رُحْمٍ وَمَنْ لَمْ يَرْحَمْ ... الْحِلْفَ وَسْطَ الْبَلَدِ الْمُحَرّمِ عِنْدَ حَطِيمِ الْكَعْبَةِ الْمُعَظّمِ [ ص 243 ] وَدَعَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ غُلَامًا لَهُ حَبَشِيّا يُقَال لَهُ وَحْشِيّ ، يَقْذِفُ بِحَرْبَةِ لَهُ قَذْفَ الْحَبَشَةِ ، قَلّمَا يُخْطِئُ بِهَا ، فَقَالَ لَهُ اُخْرُجْ مَعَ النّاسِ وَإِنْ أَنْتَ قَتَلْت حَمْزَةَ عَمّ مُحَمّدٍ بِعَمّي طُعَيْمَة بْنِ عَدِيّ ، فَأَنْتَ عَتِيقٌ . خُرُوجُ قُرَيْشٍ مَعَهُمْ نِسَاؤُهُمْ فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ بِحَدّهَا وَجَدّهَا وَحَدِيدِهَا وَأَحَابِيشِهَا ، وَمَنْ تَابَعَهَا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ ، وَأَهْلِ تِهَامَةَ ، وَخَرَجُوا مَعَهُمْ بِالظّعُنِ الْتِمَاسَ الْحَفِيظَةِ وَأَلّا يَفِرّوا . فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، وَهُوَ قَائِدُ النّاسِ بِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ وَخَرَجَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ بِأُمّ حَكِيمٍ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَخَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَخَرَجَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ بِبَرْزَةَ بِنْتِ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثّقَفِيّ وَهِيَ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ رُقَيّةُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِرَيْطَةَ بِنْتِ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ وَهِيَ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو ، وَخَرَجَ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَأَبُو طَلْحَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ ، بِسُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شَهِيدٍ الْأَنْصَارِيّةِ وَهِيَ أُمّ بَنِي طَلْحَةَ مُسَافِعٌ وَالْجُلَاسُ وَكِلَاب ، قُتِلُوا يَوْمئِذٍ ( هُمْ ) وَأَبُوهُمْ ؟ وَخَرَجَتْ خِنَاسُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ الْمُضْرِبِ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ مَعَ ابْنِهَا أَبِي عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرٍ ، وَهِيَ أُمّ مُصْعَب بْنِ عُمَيْرٍ ، وَخَرَجَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَة َ . وَكَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ كُلّمَا مَرّتْ بِوَحْشِيّ أَوْ مَرّ بِهَا ، قَالَتْ وَيْهَا أَبَا دَسْمَةَ اشْفِ وَاسْتَشْفِ وَكَانَ وَحْشِيّ يُكَنّى بِأَبِي دَسْمَةَ فَأَقْبَلُوا حَتّى نَزَلُوا بِعَيْنَيْنِ بِجَبَلِ بِبَطْنِ السّبْخَةِ مِنْ قَنَاةَ عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي ، مُقَابِلَ الْمَدِينَةِ . رُؤْيَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 244 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ نَزَلُوا حَيْثُ نَزَلُوا ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلِلْمُسْلِمِينَ إنّي قَدْ رَأَيْت وَاَللّهِ خَيْرًا ، رَأَيْت بَقَرًا ، وَرَأَيْت فِي ذُبَابِ سَيْفِي ثُلْمًا ، وَرَأَيْت أَنّي أَدْخَلْت يَدِي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوّلْتهَا : الْمَدِينَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ رَأَيْت بَقَرًا لِي تُذْبَحُ ، قَالَ فَأَمّا الْبَقَرُ فَهِيَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي يُقْتَلُونَ وَأَمّا الثّلْمُ الّذِي رَأَيْت فِي ذُبَابِ سَيْفِي ، فَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُقْتَلُ . مُشَاوَرَةُ الرّسُولِ الْقَوْمَ قِي الْخُرُوجِ أَوْ الْبَقَاءِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ وَتَدْعُوهُمْ حَيْثُ نَزَلُوا ، فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرّ مَقَامٍ وَإِنْ هُمْ دَخَلُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ فِيهَا وَكَانَ رَأْيُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ مَعَ رَأْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرَى رَأْيَهُ فِي ذَلِكَ وَأَلّا يَخْرُجَ إلَيْهِمْ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَكْرَهُ الْخُرُوجَ فَقَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمّنْ أَكْرَمَ اللّهُ بِالشّهَادَةِ يَوْمَ أُحُدٍ وَغَيْرِهِ مِمّنْ كَانَ فَاتَهُ بَدْرٌ يَا رَسُولَ اللّهِ اُخْرُجْ بِنَا إلَى أَعْدَائِنَا ، لَا يَرَوْنَ أَنّا جَبُنّا عَنْهُمْ وَضَعُفْنَا . فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ : يَا رَسُولَ اللّهِ أَقِمْ بِالْمَدِينَةِ لَا تَخْرُجْ إلَيْهِمْ [ ص 245 ] قَطّ إلّا أَصَابَ مِنّا ، وَلَا دَخَلَهَا عَلَيْنَا إلّا أَصَبْنَا مِنْهُ فَدَعْهُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرّ مَحْبِسٍ وَإِنْ دَخَلُوا قَاتَلَهُمْ الرّجَالُ فِي وَجْهِهِمْ وَرَمَاهُمْ النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ بِالْحِجَارَةِ مِنْ فَوْقِهِمْ وَإِنْ رَجَعُوا رَجَعُوا خَائِبِينَ كَمَا جَاءُوا . فَلَمْ يَزَلْ النّاسُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ حُبّ لِقَاءِ الْقَوْمِ حَتّى دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْتَهُ فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ وَذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ حِينَ فَرَغَ مِنْ الصّلَاةِ . وَقَدْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَال لَهُ مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو ، أَحَدُ بَنِي النّجّارِ ، فَصَلّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ نَدِمَ النّاسُ وَقَالُوا : اسْتَكْرَهْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَكُنْ لَنَا ذَلِكَ . فَلَمّا خَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ اسْتَكْرَهْنَاك وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَنَا ، فَإِنْ شِئْت فَاقْعُدْ صَلّى اللّهُ عَلَيْك ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا يَنْبَغِي لِنَبِيّ إذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتّى يُقَاتِلَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَلْفٍ مِنْ أَصْحَابِهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتِعْمَالُ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ عَلَى الصّلَاةِ بِالنّاسِ .Sرُؤْيَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَصْلٌ [ ص 244 ] وَذَكَرَ رُؤْيَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ رَأَى بَقَرًا تُنْحَرُ حَوْلَهُ وَثُلْمَةً فِي سَيْفِهِ وَفِي غَيْرِ السّيرَةِ قَالَ رَأَيْت بَقَرًا تُنْحَرُ وَاَللّهِ خَيْرٌ فَأَوّلْت الْخَيْرَ مَا جَاءَ اللّهُ بِهِ مِنْ الْخَيْرِ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ كَانَتْ بَدْرٌ قَبْلَ أُحُدٍ ، وَلَكِنْ نَفَعَ اللّهُ بِذَلِكَ الْخَيْرِ الّذِي كَانَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ وَكَانَ فِيهِ تَأْسِيَةً وَتَعْزِيَةً لَهُمْ فَلِذَلِكَ تَضَمّنَتْهُ الرّؤْيَا بِقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى : { أَوَلَمّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا } وَفِي الْبُخَارِيّ : مَا جَاءَ اللّهُ بِهِ مِنْ الْخَيْرِ بَعْدَ بَدْرٍ . وَفِي مُسْلِمٍ : وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللّهُ بِهِ بَعْدُ وَثَوَابُ الصّدْقِ الّذِي أَتَانَا اللّهُ بِهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَهَذِهِ أَقَلّ الرّوَايَاتِ إشْكَالًا . " قَالَ الْمُؤَلّفُ " أَبُو الْقَاسِمُ [ السّهَيْلِيّ ] : أَمّا الْبَقَرُ فَعِبَارَةٌ عَنْ رِجَالٍ مُسَلّحِينَ يَتَنَاطَحُونَ وَقَدْ رَأَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا - مِثْلَ هَذَا ، فَكَانَ تَأْوِيلُهُ قَتْلَ مَنْ قُتِلَ مَعَهَا يَوْمَ الْجَمَلِ [ ص 245 ] عَرَفَ هَذَا مِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ لَكِنْ الصّوَرُ الْمُرَئّيَةُ فِي النّوْمِ تَكُونُ فِي الْغَالِبِ أَمْثَالًا مَضْرُوبَةً وَقَدْ تَكُونُ عَلَى ظَاهِرِهَا ، وَأَمّا الْكَلَامُ الّذِي يَسْمَعُهُ بِسَمْعِ الْوَهْمِ مُمَثّلًا فِي الْخَلَدِ فَلَا يَكُونُ إلّا عَلَى ظَاهِرِهِ مِثْلَ أَنْ يَسْمَعَ أَنْتَ سَالِمٌ أَوْ اللّهُ خَيْرٌ لَك ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ فَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى سِوَى ظَاهِرِهِ . وَذَكَرَ أَنّ فَرَسًا ذَبّبَ بِذَيْلِهِ فَأَصَابَ كُلّابَ سَيْفٍ فَاسْتَلّهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كُلّابُ السّيْفِ هِيَ الْحَدِيدَةُ الْعَقْفَاءُ وَهِيَ الّتِي ، تَلِي ، الْغِمْدَ وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ الْكَلْبُ مِسْمَارٌ فِي قَائِمِ السّيْفِ . انْخِذَالُ الْمُنَافِقِينَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى إذَا كَانُوا بِالشّوْطِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَأُحُدٍ ، انْخَزَلَ عَنْهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ بِثُلُثِ النّاسِ وَقَالَ أَطَاعَهُمْ وَعَصَانِي ، مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا هَاهُنَا أَيّهَا النّاسُ فَرَجَ بِمَنْ اتّبَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَهْلِ النّفَاقِ وَالرّيْبِ وَاتّبَعَهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ ، يَقُولُ يَا قَوْمِ أُذَكّرُكُمْ اللّهَ أَلّا تَخْذُلُوا قَوْمَكُمْ وَنَبِيّكُمْ [ ص 246 ] حَضَرَ مِنْ عَدُوّهِمْ فَقَالُوا : لَوْ نَعْلَمُ أَنّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَمَا أَسْلَمْنَاكُمْ وَلَكِنّا لَا نَرَى أَنّهُ يَكُونُ قِتَالٌ . قَالَ فَلَمّا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ وَأَبَوْا إلّا الِانْصِرَافَ عَنْهُمْ قَالَ أَبَعْدَكُمْ اللّهُ أَعْدَاءَ اللّهِ فَسَيُغْنِي اللّهُ عَنْكُمْ نَبِيّهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ زِيَادٌ مُحَمّدَ بْنَ إسْحَاقَ عَنْ الزّهْرِيّ : أَنّ الْأَنْصَارَ يَوْمَ أُحُدٍ ، قَالُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَا نَسْتَعِينُ بِحُلَفَائِنَا مِنْ يَهُودَ ؟ فَقَالَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِمْ حَادِثَةٌ تَفَاءَلَ بِهَا الرّسُولُ قَالَ زِيَادٌ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ قَالَ وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى سَلَكَ فِي حَرّةِ بَنِي حَارِثَةَ ، فَذَبّ فَرَسٌ بِذَنَبِهِ فَأَصَابَ كُلّابَ سَيْفٍ فَاسْتَلّهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ كَلّابُ سَيْفٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ يُحِبّ الْفَأْلَ وَلَا يَعْتَافُ لِصَاحِبِ السّيْفِ شِمْ سَيْفَك ، فَإِنّي أَرَى السّيُوفَ سَتُسَلّ الْيَوْمَ مَا كَانَ مِنْ مِرْبَعٍ حِينَ سَلَكَ الْمُسْلِمُونَ حَائِطَهُ [ ص 247 ] قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَصْحَابِهِ مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ أَيْ مِنْ قُرْبٍ مِنْ طَرِيقٍ لَا يَمُرّ بِنَا عَلَيْهِمْ ؟ فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ فَنَفَذَ بِهِ حَرّةَ بَنِي حَارِثَةَ ، وَبَيْنَ أَمْوَالِهِمْ حَتّى سَلَكَ فِي مَالٍ لِمِرْبَعِ بْنِ قَيْظِيّ وَكَانَ رَجُلًا مُنَافِقًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ فَلَمّا سَمِعَ حِسّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَامَ يَحْثِي فِي وُجُوهِهِمْ التّرَابَ وَيَقُولُ إنْ كُنْت رَسُولَ اللّهِ فَإِنّي لَا أَحِلّ لَك أَنْ تَدْخُلَ حَائِطِي . وَقَدْ ذَكَرَ لِي أَنّهُ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فِي يَدِهِ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنّي لَا أُصِيبُ بِهَا غَيْرَك يَا مُحَمّدُ لَضَرَبْت بِهَا وَجْهَك . فَابْتَدَرَهُ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَقْتُلُوهُ فَهَذَا الْأَعْمَى أَعْمَى الْقَلْبِ ، أَعْمَى الْبَصَرِ وَقَدْ بَدَرَ إلَيْهِ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قِيلَ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُ فَضَرَبَهُ بِالْقَوْسِ فِي رَأْسِهِ فَشَجّهُ . قَالَ وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلَ الشّعْبُ مِنْ أُحُدٍ ، فِي عُدْوَةِ الْوَادِي إلَى الْجَبَلِ فَجَعَلَ ظَهْرَهُ وَعَسْكَرَهُ إلَى أُحُدٍ ، وَقَالَ لَا يُقَاتِلُنّ أَحَدٌ مِنْكُمْ حَتّى نَأْمُرُهُ بِالْقِتَالِ . وَقَدْ سَرّحَتْ قُرَيْشٌ الظّهْرَ وَالْكُرَاعَ فِي زُرُوعٍ كَانَتْ بِالصّمْغَةِ مِنْ قَنَاةٍ لِلْمُسْلِمِينَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ الْقِتَالِ أَتُرَعّى زُرُوعُ بَنِي قَيْلَةَ وَلَمّا [ ص 248 ] وَتَعَبّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْقِتَالِ وَهُوَ فِي سَبْعِ مِائَةِ رَجُلٍ وَأَمّرَ عَلَى الرّمَاةِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جُبَيْرٍ ، أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ مُعَلّمٌ يَوْمئِذٍ بِثِيَابِ بِيضٍ وَالرّمَاةُ خَمْسُونَ رَجُلًا ، فَقَالَ انْضَحْ الْخَيْلَ عَنّا بِالنّبْلِ ، لَا يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا ، إنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا ، فَأَثْبُت مَكَانَك لَا نُؤْتَيَنّ مِنْ قِبَلِك . وَظَاهَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ وَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى مُصْعَب بْنِ عُمَيْرٍ ، أَخِي بَنِي عَبْدِ الدّارِ .Sالْفَأْلُ وَالطّيَرَةُ [ ص 246 ] قَالَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحِبّ الْفَأْلَ وَلَا يَعْتَافُ يَفْتَالُ يَفْتَعِلُ مِنْ الْعِيَافَةِ . وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنّ الْعِيَافَةَ فِي الْمَكْرُوهِ خَاصّةً وَالْفَأْلُ فِي الْمَحْبُوبِ وَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَكْرُوهِ وَالطّيَرَةُ تَكُونُ فِي الْمَحْبُوبِ الْمَكْرُوهِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنّهُ نَهَى عَنْ الطّيَرَةِ وَقَالَ خَيْرُهَا الْفَأْلُ فَدَلّ عَلَى أَنّهَا تَكُونُ عَلَى وُجُوهٍ وَالْفَأْلُ خَيْرُهَا . وَلَفْظُهَا يُعْطِي أَنّهَا تَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشّرّ لِأَنّهَا مِنْ الطّيْرِ تَقُولُ الْعَرَبُ : جَرَى لَهُ الطّائِرُ بِخَيْرِ وَجَرَى لَهُ بِشَرّ وَفِي التّنْزِيلِ { وَكُلّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ } وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنّي أَرَى السّيُوفَ سَتُسَلّ الْيَوْمَ يُقَوّي مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ التّوَسّمِ وَالزّجْرِ الْمُصِيبِ وَأَنّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لَكِنّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ إلّا أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ قَدّمْنَا فِيهِ قَوْلًا مُقْنِعًا فِي حَدِيثِ زَمْزَمَ وَنُقْرَة الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ وَلِلّهِ فِي كُلّ شَيْءٍ حِكْمَةٌ وَإِعْمَالُ الْفِكْرِ فِي الْوُقُوفِ عَلَى حِكْمَةِ اللّهِ عِبَادَةٌ . مَنْ أَجَازَهُمْ الرّسُولُ وَهُمْ فِي الْخَامِسَةَ عَشَرَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَجَازَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيّ وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ ، أَخَا بَنِي حَارِثَةَ وَهُمَا ابْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَ قَدْ رَدّهُمَا ، فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ رَافِعًا رَامٍ ، فَأَجَازَهُ فَلَمّا أَجَازَ رَافِعًا ، قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ سَمُرَةَ يَصْرَعُ رَافِعًا ، فَأَجَازَهُ وَرَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ، أَحَدَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ ، أَحَدَ بَنِي حَارِثَةَ وَعَمْرَو بْنَ حَزْمٍ ، أَحَدَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ وَأُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ ، أَحَدَ بَنِي حَارِثَةَ ثُمّ أَجَازَهُمْ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ، وَهُمْ أَبْنَاءُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً . [ ص 249 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَتَعَبّأَتْ قُرَيْشٌ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافِ رَجُلٍ وَمَعَهُمْ مِائَتَا فَرَسٍ قَدْ جَنَبُوهَا ، فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَةِ الْخَيْلِ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهَا عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ .Sالْمُسْتَصْغَرُونَ يَوْمَ أُحُدٍ [ ص 247 ] وَذَكَرَ الْمُسْتَصْغَرِينَ يَوْمَ أُحُدٍ الّذِينَ أَرَادُوا الْخُرُوجَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَرَدّ أَصْغَرَهُمْ مِنْهُمْ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَأُسَيْدُ بْنُ ظُهَيْرٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إلَى آخِرِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمْ عَرَابَةَ بْنَ أَوْسِ بْنِ قَيْظِيّ وَقَدْ ذَكَرَتْهُ طَائِفَةٌ فِيهِمْ وَمِمّنْ ذَكَرَهُ فِيهِمْ الْقُتَبِيّ فِي كِتَابِ الْمَعَارِفِ وَهُوَ الّذِي يَقُولُ فِيهِ الشّمّاخُ إذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدِ ... تَلْقَاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ وَلِعَرَابَةَ أَخٌ اسْمُهُ كَبَاثَةُ لَهُ صُحْبَةٌ . وَمِنْ الْمُسْتَصْغَرِينَ يَوْمَ أُحُدٍ سَعْدُ ابْنُ حَبْتَةَ عُرِفَ بِأُمّهِ وَهِيَ حَبْتَةُ بِنْتُ مَالِكٍ أَنْصَارِيّةٌ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ بُجَيْرٍ مِنْ بَجِيلَةَ ، رَدّهُ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ لِصِغَرِ سِنّهِ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ رَآهُ يُقَاتِلُ قِتَالًا شَدِيدًا ، فَدَعَاهُ وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ فَكَانَ عَمّا لِأَرْبَعِينَ وَخَالًا لِأَرْبَعِينَ وَأَبًا لِعِشْرِينَ وَمِنْ وَلَدِهِ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ حُبَيْشِ بْنِ سَعْدِ بْنِ حَبْتَةَ . أَمْرُ أَبِي دُجَانَةَ وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السّيْفَ بِحَقّهِ ؟ فَقَامَ إلَيْهِ رِجَالٌ فَأَمْسَكَهُ عَنْهُمْ حَتّى قَامَ إلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ ، أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالَ وَمَا حَقّهُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ أَنْ تَشْرَبَ بِهِ الْعَدُوّ حَتّى يَنْحَنِي قَالَ أَنَا آخُذُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ بِحَقّهِ فَأَعْطَاهُ إيّاهُ . وَكَانَ أَبُو دُجَانَةَ رَجُلًا شُجَاعًا يَخْتَالُ عِنْدَ الْحَرْبِ إذَا كَانَتْ وَكَانَ إذَا أُعْلِمَ بِعِصَابَةِ لَهُ حَمْرَاءَ ، فَاعْتَصَبَ بِهَا عَلَى النّاسِ أَنّهُ سَيُقَاتِلُ فَلَمّا أَخَذَ السّيْفَ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخَرَجَ عِصَابَتَهُ تِلْكَ فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ وَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصّفّيْنِ . [ ص 250 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَسْلَمَ ، مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ رَأَى أَبَا دُجَانَةَ يَتَبَخْتَرُ إنّهَا لَمِشْيَةٌ يَبْغُضُهَا اللّهُ إلّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ . أَمْرُ أَبِي عَامِرٍ الْفَاسِقِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ أَبَا عَامِرٍ عَبْدَ عَمْرِو بْنِ صَيْفِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّعْمَانِ أَحَدُ بَنِي ضُبَيْعَةَ وَقَدْ كَانَ خَرَجَ حِينَ خَرَجَ إلَى مَكّةَ مُبَاعِدًا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُ خَمْسُونَ غُلَامًا مِنْ الْأَوْسِ ، وَبَعْضُ النّاسِ كَانَ يَقُولُ كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، وَكَانَ يَعِدُ قُرَيْشًا أَنْ لَوْ قَدْ لَقِيَ قَوْمَهُ لَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مَعَهُمْ رَجُلَانِ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ كَانَ أَوّلَ مِنْ لَقِيَهُمْ أَبُو عَامِرٍ فِي الْأَحَابِيشِ وَعُبْدَانُ أَهْلِ مَكّةَ ، فَنَادَى : يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ ، أَنَا أَبُو عَامِرَةَ قَالُوا : فَلَا أَنْعَمَ اللّهُ بِك عَيْنًا يَا فَاسِقُ وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ يُسَمّى فِي الْجَاهِلِيّةِ الرّاهِبَ فَسَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْفَاسِقَ فَلَمّا سَمِعَ رَدّهُمْ عَلَيْهِ قَالَ لَقَدْ أَصَابَ قَوْمِي بَعْدِي شَرّ ، ثُمّ قَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا ، ثُمّ رَاضَخَهُمْ بِالْحِجَارَةِ . أُسْلُوبُ أَبِي سُفْيَانَ فِي تَحْرِيضِ قُرَيْشٍ [ ص 251 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِأَصْحَابِ اللّوَاءِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ يُحَرّضُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْقِتَالِ يَا بَنِي عَبْدِ الدّارِ إنّكُمْ قَدْ وُلّيتُمْ لِوَاءَنَا يَوْمَ بَدْرٍ فَأَصَابَنَا مَا قَدْ رَأَيْتُمْ وَإِنّمَا يُؤْتَى النّاسُ مِنْ قِبَلِ رَايَاتِهِمْ إذَا زَالَتْ زَالُوا ، فَإِمّا أَنْ تَكْفُونَا لِوَاءَنَا ، وَإِمّا أَنْ تُخَلّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَنَكْفِيكُمُوهُ فَهَمّوا بِهِ وَتُوَاعَدُوهُ وَقَالُوا : نَحْنُ نُسَلّمُ إلَيْك لِوَاءَنَا ، سَتَعْلَمُ غَدًا إذَا الْتَقَيْنَا كَيْفَ نَصْنَعُ وَذَلِكَ أَرَادَ أَبُو سُفْيَانَ . تَحْرِيضُ هِنْدٍ وَالنّسْوَةِ مَعَهَا فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ قَامَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ فِي النّسْوَةِ اللّاتِي مَعَهَا ، وَأَخَذْنَ الدّفُوفَ يَضْرِبْنَ بِهَا خَلْفَ الرّجَالِ وَيُحَرّضْنَهُمْ فَقَالَتْ هِنْدٌ فِيمَا تَقُولُ وَيْهًا بَنِي عَبْدِ الدّارْ ... وَيْهًا حُمَاةَ الْأَدْبَارْ ضَرْبًا بِكُلّ بَتّارْ وَتَقُولُ إنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ ... وَنَفْرِشُ النّمَارِقْ أَوْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ ... فِرَاقَ غَيْرِ وَامِقْ شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ : أَمِتْ أَمِتْ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . تَمَامُ قِصّةِ أَبِي دُجَانَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَاقْتَتَلَ النّاسُ حَتّى حَمِيَتْ الْحَرْبُ وَقَاتَلَ أَبُو دُجَانَةَ حَتّى أَمْعَنَ فِي النّاسِ . [ ص 252 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوَامّ قَالَ وَجَدْت فِي نَفْسِي حِينَ سَأَلْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّيْفَ فَمَنَعْنِيهِ وَأَعْطَاهُ أَبَا دُجَانَةَ وَقُلْت : أَنَا ابْنُ صَفِيّةَ عَمّتِهِ ، وَمِنْ قُرَيْشٍ ، وَقَدْ قُمْت إلَيْهِ فَسَأَلْته إيّاهُ قَبْلَهُ فَأَعْطَاهُ إيّاهُ وَتَرَكَنِي ، وَاَللّهِ لَأَنْظُرَنّ مَا يَصْنَعُ فَاتّبَعْته ، فَأَخْرَجَ عِصَابَةً لَهُ حَمْرَاءَ ، فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ : أَخَرَجَ أَبُو دُجَانَةَ عِصَابَةَ الْمَوْتِ ، وَهَكَذَا كَانَتْ تَقُولُ لَهُ إذَا تَعَصّبَ بِهَا ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ أَنَا الّذِي عَاهَدَنِي خَلِيلِي ... وَنَحْنُ بِالسّفْحِ لَدَى النّخِيلِ أَلّا أَقَوْمَ الدّهْرَ فِي الْكَيّولِ ... أَضْرِبْ بِسَيْفِ اللّهِ وَالرّسُولِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى فِي الْكُبُولِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إلّا قَتَلَهُ . وَكَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ رَجُلٌ لَا يَدَعُ لَنَا جَرِيحًا إلّا ذَفّفَ عَلَيْهِ فَجَعَلَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدْنُو مِنْ صَاحِبِهِ . فَدَعَوْت اللّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا ، فَالْتَقَيَا ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَ الْمُشْرِكُ أَبَا دُجَانَةَ فَاتّقَاهُ بِدَرَقَتِهِ فَعَضّتْ بِسَيْفِهِ وَضَرَبَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ ثُمّ رَأَيْته قَدْ حَمَلَ السّيْفَ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ ، ثُمّ عَدَلَ السّيْفَ عَنْهَا . قَالَ الزّبَيْرُ فَقُلْت : اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ : رَأَيْت إنْسَانًا يَخْمُشُ النّاسَ خَمْشًا شَدِيدًا ، فَصَمَدْت لَهُ فَلَمّا حَمَلْت عَلَيْهِ السّيْفَ وَلْوَلَ فَإِذَا امْرَأَةٌ فَأَكْرَمْت سَيْفَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَضْرِبَ بِهِ امْرَأَةًSحَوْلَ شِعْرِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ [ ص 248 ] وَذَكَرَ قَوْلَ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ : وَيْهًا بَنِي عَبْدِ الدّارِ وَيْهًا كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا الْإِغْرَاءُ . قَالَ الرّاجِزُ وَهُوَ إذَا قِيلَ لَهُ وَيْهًا فُلُ ... فَإِنّهُ مُوَاشِكٌ مُسْتَعْجِلُ وَأَمّا وَاهَا ، فَإِنّ مَعْنَاهَا : التّعَجّبُ وَإِيهًا مَعْنَاهَا : الْأَمْرُ بِالْكَفّ . وَقَوْلُهَا : إنْ تَقْبَلُوا نُعَانِقْ فَيُقَالُ إنّهَا تَمَثّلَتْ بِهَذَا الرّجَزِ وَإِنّهُ لِهِنْدِ بِنْتِ طَارِقِ بْنِ بَيَاضَةَ الْإِيَادِيّة ، قَالَتْهُ فِي حَرْبِ الْفُرْسِ لِإِيَادِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ إنْشَاءَهُ بَنَاتُ طَارِقْ بِالنّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ كَمَا قَالَ نَحْنُ بَنِي ضَبّةَ أَصْحَابُ الْجَمَلْ وَإِنْ كَانَتْ أَرَادَتْ النّجْمَ فَبَنَاتٌ مَرْفُوعٌ لِأَنّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ أَيْ نَحْنُ شَرِيفَاتٌ رَفِيعَاتٌ كَالنّجُومِ وَهَذَا التّأْوِيلُ عِنْدِي بَعِيدٌ لِأَنّ طَارِقًا وَصْفٌ لِلنّجْمِ لِطُرُوقِهِ فَلَوْ أَرَادَتْهُ لَقَالَتْ [ ص 249 ] أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ قَالَ فِي كِتَابِ أَنْسَابِ قُرَيْشٍ لَهُ أَوّلَ هَذَا الرّجَزِ الّذِي قَالَتْهُ عِنْدَ يَوْمِ أُحُدٍ : نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقْ نَمْشِي عَلَى النّمَارِقْ مَشْيَ الْقَطَا النّوَاتِقْ إلَى آخِرِ الرّجَزِ قَالَ وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْهُدَيْرِيّ قَالَ جَلَسْت لَيْلَةً وَرَاءَ الضّحّاكِ بْنِ عُثْمَانَ الْجُذَامِيّ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا مُتَقَنّعٌ فَذَكَرَ الضّحّاكُ وَأَصْحَابُهُ قَوْلَ هِنْدَ يَوْمَ أُحُدٍ نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقْ فَقَالُوا : مَا طَارِقُ ؟ فَقُلْت : النّجْمُ فَالْتَفَتَ الضّحّاكُ ، فَقَالَ أَبَا زَكَرِيّا ، وَكَيْفَ بِذَلِكَ ؟ فَقُلْت : قَالَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَالسّمَاءِ وَالطّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطّارِقُ النّجْمُ الثّاقِبُ } فَإِنّهَا قَالَتْ نَحْنُ بَنَاتُ النّجْمِ فَقَالَ أَحْسَنْت أَبُو دُجَانَةَ وَذَكَرَ أَبَا دُجَانَةَ وَلُبْسَهُ الْمُشَهّرَةَ وَأَبُو دُجَانَةَ السّاعِدِيّ مِمّنْ دَافَعَ عَنْ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَحَنَا عَلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرّسَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ حَتّى كَثُرَتْ النّبْلُ فِي ظَهْرِهِ وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ ، بَعْدَ أَنْ شَارَكَ فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ اشْتَرَكَ فِي قَتْلِهِ هُوَ وَوَحْشِيّ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدٍ ، وَسَنَذْكُرُ مَا قَالَهُ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ فِي قَاتِلِ مُسَيْلِمَةَ فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللّهُ . [ ص 250 ] وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي دُجَانَةَ إٍنّي امْرِئِ عَاهَدَنِي خَلِيلِي يَعْنِي رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ حَدّثَنِي خَلِيلِي ، وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ بَعْضُ الصّحَابَةِ وَقَالَ لَهُ مَتَى كَانَ خَلِيلُك وَإِنّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ الْمُنْكِرَ هَذَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ لَوْ كُنْت مُتّخِذًا خَلِيلًا لَاِتّخَذْت أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا ، وَلَكِنْ أُخُوّةُ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدْفَعُ أَنْ يَقُولَ الصّحَابِيّ حَدّثَنِي خَلِيلِي ، لِأَنّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ مَعْنَى الْحَبِيبِ وَإِنّمَا فِيهِ عَلَيْهِ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَكُنْ يَقُولُهَا لِأُحُدِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا خَصّ بِهَا أَحَدًا دُونَ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْ يَقُولَهَا لَهُ وَمَا كَانَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْمَحَبّةِ لَهُ يَقْتَضِي هَذَا ، وَأَكْثَرَ مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْغُلُوّ وَالْقَوْلُ الْمَكْرُوهُ فَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ لَا تُطْرُونِي ، كَمَا أَطْرَتْ النّصَارَى الْمَسِيحَ فَإِنّمَا أَنَا عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ . وَقَالَ لِرَجُلِ قَالَ لَهُ أَنْتَ سَيّدُنَا وَأَطْوَلُنَا طُولًا ، وَأَنْتَ الْجَفْنَةُ الْغَرّاءُ فَقَالَ قُولُوا بِقَوْلِكُمْ وَلَا يَسْتجْوِيَنّكم الشّيْطَانُ أَيْ قُولُوا بِقَوْلِ أَهْلِ [ ص 251 ] الْخَطّابِيّ ، وَمَعْنَاهُ عِنْدِي : قُولُوا : بِقَوْلِكُمْ لَا بِقَوْلِ الشّيْطَانِ لِأَنّهُ قَدْ جَعَلَهُمْ جَرِيّا لَهُ أَيْ وَكِيلًا وَرَسُولًا ، وَإِذَا كَانُوا جَرِيّا لَهُ وَقَالُوا : مَا يُرْضِيهِ مِنْ الْغُلُوّ فِي الْمَنْطِقِ فَقَدْ قَالُوا بِقَوْلِهِ وَيَسْتجْرِيَنّكم مِنْ قَوْلِهِمْ جَرَيْت جَرْيًا ، أَيْ وَكّلْت وَكَيْلًا . وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ أَنْتَ أَشْرَفُنَا حَسَبًا وَأَكْرَمُنَا أُمّا وَأَبًا ، فَقَالَ كَمْ دُونَ لِسَانِك مِنْ طَبَقٍ ؟ فَقَالَ أَرْبَعَةُ أَطْبَاقٍ فَقَالَ أَمَا كَانَ فِيهَا مَا يَزَعُ عَنّي غَرِبَ لِسَانِك رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ . [ ص 252 ] أَبِي دُجَانَةَ أَلّا أَقَوْمَ الدّهْرَ فِي الْكَيّولِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الْكَيّولُ آخِرُ الصّفُوفِ قَالَ وَلَمْ يُسْمَعْ إلّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ الْهَرَوِيّ مِثْلَ مَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ ، وَزَادَ فِي الشّرْحِ وَقَالَ سُمّيَ بِكَيّولِ الزّنْدِ وَهِيَ سَوَادٌ وَدُخَانٌ يَخْرُجُ مِنْهُ آخِرًا ، بَعْدَ الْقَدَحِ إذَا لَمْ يُورِ نَارًا ، وَذَلِكَ شَيْءٌ لَا غِنَاءَ فِيهِ يُقَالُ مِنْهُ كَالَ الزّنْدَ يَكُولُ فَالْكَيّولُ فَيْعُول مِنْ هَذَا ، وَكَذَلِكَ كَيّولُ الصّفُوفِ لَا يُوقِدُ نَارَ الْحَرْبِ وَلَا يُزْكِيهَا ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ لَا لَفْظِهِ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ نَحْوًا مِنْ هَذَا إلّا أَنّهُ قَالَ كَالَ الزّنْدَ يَكِيلُ بِالْيَاءِ لَا غَيْرُ . وَقَوْلُهُ رَأَيْت رَجُلًا يَحْمُشُ النّاسَ حَمْشًا شَدِيدًا ، يُرْوَى بِالشّيْنِ وَبِالسّينِ فَالْمَعْنَى بِالسّينِ غَيْرُ مُعْجَمَةٍ فِي هَذَا الْمَكَانِ الشّدّةُ كَأَنّهُ قَالَ يَشُدّهُمْ وَيُشَجّعُهُمْ لِأَنّهُ يُقَالُ رَجُلٌ [ ص 253 ] أَحْمَسُ أَيْ شُجَاعٌ شَدِيدٌ وَالْمَعْنَى فِيهِ بِالسّينِ مُعْجَمَةٌ أَلّا يُقَادُ وَالْإِغْضَابُ لِأَنّهُ يُقَالُ أَحْمَشْتُ النّارَ أَوْقَدْتهَا وَحَمَشْت الرّجُلَ وَأَحْمَشْتُهُ أَغْضَبْته ، فَيَكُونُ أَفَعَلْت مِنْ ذَلِكَ لِلْإِيقَادِ وَالْإِغْضَابِ وَفَعَلْت لِلْإِغْضَابِ . مَقْتَلُ حَمْزَةَ [ ص 253 ] حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ حَتّى قَتَلَ أَرَطْأَةَ بْنَ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ وَكَانَ أَحَدَ النّفَرِ الّذِينَ يَحْمِلُونَ اللّوَاءَ ثُمّ مَرّ بِهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى الْغُبْشَانِيّ وَكَانَ يُكَنّى بِأَبِي نَيّارٍ فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ هَلُمّ إلَيّ يَا ابْنَ مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ وَكَانَتْ أُمّهُ أُمّ أَنْمَارٍ مُوَلّاةُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ . ( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : شَرِيقُ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ ) وَكَانَتْ خَتّانَةً بِمَكّةَ فَلَمّا الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَقَتَلَهُ . قَالَ وَحْشِيّ ، غُلَامُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ : وَاَللّهِ إنّي لَأَنْظُرُ إلَى حَمْزَةَ يَهُدّ النّاسَ بِسَيْفِهِ مَا يَلِيقُ بِهِ شَيْئًا ، مِثْلَ الْجَمَلِ الْأَوْرَقِ إذْ تَقَدّمَنِي إلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى ، فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ هَلُمّ إلَيّ يَا ابْنَ مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَكَأَنّ مَا أَخْطَأَ رَأْسَهُ وَهَزَزْت حَرْبَتِي حَتّى إذَا رَضِيت مِنْهَا دَفَعْتهَا عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ فِي ثُنّتِهِ حَتّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ فَأَقْبَلَ نَحْوِي ، فَغَلَبَ فَوَقَعَ وَأَمْهَلْته حَتّى إذَا مَاتَ جِئْت فَأَخَذْت حَرْبَتِي ، ثُمّ تَنَحّيْت إلَى الْعَسْكَرِ وَلَمْ تَكُنْ لِي بِشَيْءِ حَاجَةٌ غَيْرَهُ وَحْشِيّ يُحَدّثُ الضّمْرِيّ وَابْنَ الْخِيَارِ عَنْ قَتْلِهِ حَمْزَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبّاسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ قَالَ خَرَجْت أَنَا وَعُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ ، أَخُو بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، فَأَدْرَبْنَا مَعَ النّاسِ فَلَمّا قَفَلْنَا مَرَرْنَا بِحِمْصَ وَكَانَ وَحْشِيّ ، مَوْلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، قَدْ سَكَنَهَا ، وَأَقَامَ بِهَا فَلَمّا قَدِمْنَاهَا ، قَالَ لِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَدِيّ هَلْ لَك فِي أَنْ تَأْتِيَ وَحْشِيّا فَنَسْأَلَهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلَهُ ؟ قَالَ قُلْت لَهُ إنْ شِئْت . فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ عَنْهُ بِحِمْصَ فَقَالَ لَنَا [ ص 254 ] دَارِهِ وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْخَمْرُ فَإِنْ تَجِدَاهُ صَاحِيًا تَجِدَا رَجُلًا عَرَبِيّا ، وَتَجِدَا عِنْدَهُ بَعْضَ مَا تُرِيدَانِ وَتُصِيبَا عِنْدَهُ مَا شِئْتُمَا مِنْ حَدِيثٍ تَسْأَلَانِهِ عَنْهُ وَإِنْ تَجِدَاهُ وَبَهْ بَعْضُ مَا يَكُونُ بِهِ فَانْصَرَفَا عَنْهُ وَدَعَاهُ . قَالَ فَخَرَجْنَا نَمْشِي حَتّى جِئْنَاهُ فَإِذَا هُوَ بِفِنَاءِ دَارِهِ عَلَى طَنْفَسَةٍ لَهُ فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ مِثْلَ الْبُغَاثِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْبُغَاثُ ضَرْبٌ مِنْ الطّيْرِ إلَى السّوَادِ . فَإِذَا هُوَ صَاحٍ لَا بَأْسَ بِهِ . قَالَ فَلَمّا انْتَهَيْنَا إلَيْهِ سَلّمْنَا عَلَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَدِيّ فَقَالَ ابْنٌ لِعَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ أَنْتَ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَمَا وَاَللّهِ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ نَاوَلْتُك أُمّك السّعْدِيّةَ الّتِي أَرْضَعَتْك بِذِي طُوًى ، فَإِنّي نَاوَلْتُكهَا وَهِيَ عَلَى بَعِيرِهَا ، فَأَخَذَتْك بِعُرْضَيْك ، فَلَمَعَتْ لِي قَدَمَاك حِينَ رَفَعْتُك إلَيْهَا ، فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ وَقَفْت عَلَيّ فَعَرَفْتهمَا . قَالَ فَجَلَسْنَا إلَيْهِ فَقُلْنَا لَهُ جِئْنَاك لِتُحَدّثَنَا عَنْ قَتْلِك حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلْته ؟ فَقَالَ أَمَا إنّي سَأُحَدّثُكُمَا كَمَا حَدّثْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ سَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ كُنْت غُلَامًا لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَكَانَ عَمّهُ طُعَيْمَة بْنُ عَدِيّ قَدْ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمّا سَارَتْ قُرَيْشٌ إلَى أُحُدٍ ، قَالَ لِي جُبَيْرٌ إنْ قَتَلْت حَمْزَةَ عَمّ مُحَمّدٍ بِعَمّي فَأَنْتَ عَتِيقٌ . قَالَ فَخَرَجْت مَعَ النّاسِ وَكُنْت رَجُلًا حَبَشِيّا أَقْذِفُ بِالْحَرْبَةِ قَذْفَ الْحَبَشَةِ ، قَلّمَا أُخْطِئُ بِهَا شَيْئًا ؟ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ خَرَجْت أَنْظُرُ حَمْزَةَ وَأَتَبَصّرُهُ حَتّى رَأَيْته فِي عُرْضِ النّاسِ مِثْلَ الْجَمَلِ الْأَوْرَقِ يَهُدّ النّاسَ بِسَيْفِهِ هَذَا ، مَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَتَهَيّأُ لَهُ أُرِيدُهُ وَأَسْتَتِرُ مِنْهُ [ ص 255 ] سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى ، فَلَمّا رَآهُ حَمْزَةُ قَالَ لَهُ هَلُمّ إلَيّ يَا ابْنَ مُقَطّعَةَ الْبُظُورِ . قَالَ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً كَانَ مَا أُخْطِئُ رَأْسَهُ . قَالَ وَهَزَزْت حَرْبَتِي ، حَتّى إذَا رَضِيت مِنْهَا ، دَفَعْتهَا عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ فِي ثُنّتِهِ حَتّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ وَذَهَبَ لِيَنُوءَ نَحْوِي ، فَغَلَبَ وَتَرَكْته وَإِيّاهَا حَتّى مَاتَ ثُمّ أَتَيْته فَأَخَذْت حَرْبَتِي ، ثُمّ رَجَعْت إلَى الْعَسْكَرِ فَقَعَدْت فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِي بِغَيْرِهِ حَاجَةٌ وَإِنّمَا قَتَلْته لِأُعْتَقَ . فَلَمّا قَدِمْت مَكّةَ أُعْتِقْت ، ثُمّ أَقَمْت حَتّى إذَا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ هَرَبْت إلَى الطّائِفِ ، فَمَكَثْت بِهَا ، فَلَمّا خَرَجَ وَفْدُ الطّائِفِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُسْلِمُوا تَعَيّتْ عَلَيّ الْمَذَاهِبُ فَقُلْت : أَلْحِقْ بِالشّامِ أَوْ الْيَمَنِ ، أَوْ بِبَعْضِ الْبِلَادِ فَوَاَللّهِ إنّي لَفِي ذَلِكَ مِنْ هَمّي ، إذْ قَالَ لِي رَجُلٌ وَيْحَك إنّهُ وَاَللّهِ مَا يَقْتُلُ أَحَدًا مِنْ النّاسِ دَخَلَ فِي دِينِهِ وَتَشْهَدُ شَهَادَتَهُ . وَحْشِيّ بَيْنَ يَدَيْ الرّسُولِ يُسْلِمُ فَلَمّا قَالَ لِي ذَلِكَ خَرَجْت حَتّى قَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَلَمْ يَرُعْهُ إلّا بِي قَائِمًا عَلَى رَأْسِهِ أَتَشْهَدُ بِشَهَادَةِ الْحَقّ ؟ فَلَمّا رَآنِي قَالَ أَوَحْشِيّ ؟ قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ . قَالَ اُقْعُدْ فَحَدّثْنِي كَيْفَ قَتَلْت حَمْزَةَ ، قَالَ فَحَدّثْته كَمَا حَدّثْتُكُمَا ، فَلَمّا فَرَغْت مِنْ حَدِيثِي قَالَ وَيْحَك غَيّبْ عَنّي وَجْهَك ، فَلَا أَرَيَنّكَ . قَالَ فَكُنْت أَتَنَكّبُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْثُ كَانَ لِئَلّا يَرَانِي ، حَتّى قَبَضَهُ اللّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَتْلُ وَحْشِيّ لِمُسَيْلِمَةَ فَلَمّا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ خَرَجْت مَعَهُمْ وَأَخَذْت [ ص 256 ] مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابَ قَائِمًا فِي يَدِهِ السّيْفُ وَمَا أَعْرِفُهُ فَتَهَيّأْت لَهُ وَتَهَيّأَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ النّاحِيَةِ الْأُخْرَى ، كِلَانَا يُرِيدُهُ فَهَزَزْت حَرْبَتِي حَتّى إذَا رَضِيت مِنْهَا دَفَعْتهَا عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ فِيهِ وَشَدّ عَلَيْهِ الْأَنْصَارِيّ فَضَرَبَهُ بِالسّيْفِ فَرَبّك أَعْلَمُ أَيّنَا قَتَلَهُ فَإِنْ كُنْت قَتَلْته ، فَقَدْ قَتَلْت خَيْرَ النّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ قَتَلْت شَرّ النّاسِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ الْيَمَامَةَ ، قَالَ سَمِعْت يَوْمئِذٍ صَارِخًا يَقُولُ : قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ . خَلْعُ وَحْشِيّ مِنْ الدّيوَانِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَبَلَغَنِي أَنّ وَحْشِيّا لَمْ يَزَلْ يُحَدّ فِي الْخَمْرِ حَتّى خُلِعَ مِنْ الدّيوَانِ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَقُولُ قَدْ عَلِمْت أَنّ اللّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ قَاتِلَ حَمْزَةَ .Sحَدِيثُ وَحْشِيّ قَالَ فِيهِ فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ كَالْبُغَاثِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الْبُغَاثُ الطّيْرُ الّذِي لَا يُصَادُ بِهِ مِثْلُ الرّخَمِ وَالْحِدَاءِ وَاحِدَتُهَا بِغَاثَةَ . وَيُقَالُ بِغَاثِيّ وَجَمْعُهُ بُغَاثٌ وَبِغْثَانٌ . وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عِنْدَ ذِكْرِ الْبُغَاثِ الْبُغَاثُ هُوَ ذَكَرُ الرّخَمِ إذَا هَرِمَ اسْوَدّ . [ ص 254 ] السّعْدِيّةَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَهَا ، وَأُمّ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَدِيّ هِيَ أُمّ قِتَالٍ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيّةَ ذَكَرَهَا الْبُخَارِيّ فِي هَذَا الْخَبَرِ ، وَلَمْ يَقُلْ السّعْدِيّةُ فَهِيَ إذًا قُرَشِيّةٌ أُمَوِيّةٌ لَا سَعْدِيّةٌ إلّا أَنْ يُرِيدَ بِهَا مُرْضِعَتَهُ إنْ كَانَتْ سَعْدِيّةً وَأَمّا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَدِيّ فَوُلِدَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَلَهُ دَارٌ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ دَارِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - يُرْوَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهِ وَلَهُ حَدِيثٌ فِي الْمُوَطّأِ فِي كِتَابِ الصّلَاةِ . وَقَوْلُهُ بِذِي طُوًى : مَوْضِعٌ بِمَكّةَ وَقَدْ قَدّمْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذِي طِوَاءٍ بِالْهَمْزِ وَالْمَدّ وَبَيْنَ طُوًى بِالضّمّ وَالْقَصْرِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ هَاهُنَا . وَقَوْلُ وَحْشِيّ يَهُذّ النّاسَ بِسَيْفِهِ مَا يَلِيقُ شَيْئًا ، مِثْلَ الْجَمَلِ الْأَوْرَقِ يُرِيدُ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - وَرَقَةَ الْغُبَارِ وَإِنّهُ قَدْ نَافَعَ بِهِ إذْ الْأَوْرَقُ مِنْ الْإِبِلِ لَيْسَ بِأَقْوَاهَا ، وَلَكِنّهُ أَطْيَبُهَا لَحْمًا فِيمَا ذَكَرُوا . [ ص 255 ] ذَكَرَهُ صَاحِبُ الدّلَائِلِ وَفَسّرَهُ مِنْ الْهَذّ وَهِيَ السّرْعَةُ وَأَمّا الْهَذْمُ بِالْمِيمِ فَسُرْعَةُ الْقَطْعِ يُقَالُ سَيْفٌ مِهْذَمٌ وَالْهَيْذَامُ الْكَثِيرُ الْأَكْلِ وَهُوَ الشّجَاعُ أَيْضًا ، وَفِي الْحَدِيثِ أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللّذّاتِ يُرْوَى بِالذّالِ الْمَنْقُوطَةِ أَيْ قَاطَعَهَا ، وَمِمّا ذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي خَبَرِ وَحْشِيّ قَالَ فَخَرَجْت حِينَ قَالَ لَيْسَ سَيّدِي مَا قَالَ فَنَظَرْت فَإِذَا رَجُلٌ عَبْعَبٌ عَلَيْهِ دِرْعٌ قَضّاءُ وَإِذَا هُوَ عَلِيّ ، فَقُلْت : لَيْسَ هَذَا مِنْ شَأْنِي ، وَإِذَا رَجُلٌ حُلَابِسٌ أَيّهُمْ غَشَمْشَمٌ يَهُذّ النّاسَ كَأَنّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ فَكَمَنْت لَهُ إلَى صَخْرَةٍ كَأَنّهَا فُسْطَاطٌ وَقُلْت : هَذَا الّذِي أُرِيدُ وَهَزَزْت حَرْبَةً لِي عَرّاصَةً فَرَمَيْته بِهَا ، فَأَصَبْت ثُنّتَهُ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ . الْعَبْعَبُ الشّابّ ، وَالدّرْعُ الْقَضّاءُ الْمُحْكَمَةُ النّسْجِ وَالْأَيْهَمُ : الّذِي لَا يَرُدّهُ شَيْءٌ . وَفِي الْحَدِيثِ أَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ شَرّ الْأَيْهَمَيْنِ يَعْنِي : السّيْلَ وَالْحَرِيقَ . وَالْعَرّاصَةُ الّتِي تَضْطَرِبُ مِنْ اللّينِ . وَقَوْلُهُ فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ سَبَقَنِي إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مُسَيْلِمَةَ وَنَسَبَهُ [ ص 256 ] الْأَنْصَارِ الّذِي ذَكَرَهُ وَحْشِيّ ، وَلَمْ يُسَمّهِ ابْنُ إسْحَاقَ ، فَذَكَرَ مُحَمّدَ بْنَ عُمَرَ الْوَاقِدِيّ - رَحِمَهُ اللّهُ - فِي كِتَابِ الرّدّةِ أَنّ الرّجُلَ الّذِي شَارَكَ وَحْشِيّا ، فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ هُوَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيّ مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَذَكَرَ سَيْفَ بْنَ عُمَرَ فِي كِتَابِ الْفُتُوحِ أَنّهُ عَدِيّ بْنُ سَهْلٍ وَأَنْشَدَ لَهُ أَلَمْ تَرَ أَنّي وَوَحْشِيّهُمْ ... قَتَلْت مُسَيْلِمَةَ الْمُفْتَتَنْ وَيَسْأَلُنِي النّاسُ عَنْ قَتْلِهِ ... فَقُلْت : ضَرَبْت ، وَهَذَا طَعَنْ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا قُبَيْلَ هَذَا الْحَدِيثِ . أَنّ أَبَا دُجَانَةَ أَيْضًا شَارَكَ فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ وَذَكَرَهُ أَبُو عُمَر النّمَرِيّ وَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ هَؤُلَاءِ الثّلَاثَةِ أَرَادَ وَحْشِيّ . وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ زِيَادَةٌ فِي إسْلَامِ وَحْشِيّ قَالَ لَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، قَالَ النّاسُ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا وَحْشِيّ ، فَقَالَ دَعُوهُ فَلِإِسْلَامِ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَحَبّ إلَيّ مِنْ قَتْلِ أَلْفِ رَجُلٍ كَافِرٍ [ ص 257 ] وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي سَعْدِ بْنِ أَبِي طُلَيْحَةَ : أَنَا قَاصِمُ مَنْ يُبَارِزُنِي ، فَبَرَزَ إلَيْهِ عَلِيّ ، فَقَالَ أَبُو الْقُصَمِ بِالْقَافِ قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ ، وَهُوَ أَصَحّ ، وَإِنّمَا قَالَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنَا أَبُو الْقُصَمِ لِقَوْلِ أَبِي سَعْدٍ أَنَا قَاصِمُ مَنْ يُبَارِزُنِي ، فَالْقُصَمُ جَمْعُ قَصِمَةٍ وَهِيَ الْعَضَلَةُ الْمُهْلِكَةُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ الْقُصْمَى ، أَيْ الدّاهِيَةُ الّتِي تَقْصِمُ . وَالدّوَاهِي الْقُصَمُ عَلَى وَزْنِ الْكُبَرِ وَهَذَا الْمَعْنَى أَصَحّ ، لِأَنّهُ لَا يُعْرَفُ قُصَمَةٌ وَلَكِنّهُ لِمَا قَالَ أَبُو سَعْدٍ أَنَا قَاصِمٌ قَالَ عَلِيّ : أَنَا أَقْصِمُ مِنْك ، بَلْ أَنَا أَبُو الْقُصَمِ أَيْ أَبُو الْمُعْضِلَاتِ الْقُصَمُ وَالدّوَاهِي الْعُظَم ، وَالْقُصَمُ كَسْرُ بِبَيْنُونَةِ وَالْقُصَمُ كَسْرٌ بِغَيْرِ بَيْنُونَةٍ كَكَسْرِ الْقَضِيبِ الرّطْبِ وَنَحْوِهِ وَفِي التّنْزِيلِ { وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ } وَفِيهِ { لَا انْفِصَامَ لَهَا } وَقَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ : قَتَلَ أَبَا سَعْدِ بْنِ أَبِي طُلَيْحَةَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ ، كَذَلِكَ رَوَاهُ الْكَشّيّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سَعْدٍ قَالَ لَمّا كَفّ عَنْهُ عَلِيّ طَعَنْته فِي حَنْجَرَتِهِ فَدَلَعَ لِسَانَهُ إلَيّ كَمَا يَصْنَعُ الْكَلْبُ ثُمّ مَاتَ . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَيْضًا هَذَا فِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ ، وَقَوْلُ عَلِيّ إنّهُ اتّقَانِي بِعَوْرَتِهِ فَأَذْكَرَنِي الرّحِمَ فَعَطَفَتْنِي عَلَيْهِ الرّحِمُ وَقَدْ فَعَلَهَا عَلَيّ مَرّةً أُخْرَى يَوْمَ صِفّينَ حَمَلَ عَلَى [ ص 258 ] كَشَفَ عَنْ عَوْرَتِهِ فَانْصَرَفَ عَنْهُ وَيُرْوَى أَيْضًا مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، مَعَ عَلِيّ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - يَوْمَ صِفّينَ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْحَارِثُ بْنُ النّضْرِ السّهْمِيّ ، رَوَاهُ ابْنُ الْكَلْبِيّ وَغَيْرُهُ أَفِي كُلّ يَوْمٍ فَارِسٌ غَيْرُ مُنْتَهٍ ... وَعَوْرَتُهُ وَسْطَ الْعَجَاجَةِ بَادِيَهْ يَكُفّ لَهَا عَنْهُ عَلِيّ سِنَانَهُ ... وَيَضْحَكُ مَعَهُ فِي الْخَلَاءِ مُعَاوِيَهْ مَقْتَلُ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَاتَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ دُونَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قُتِلَ وَكَانَ [ ص 257 ] قَمِئَةَ اللّيْثِيّ وَهُوَ يَظُنّ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ قَتَلْت مُحَمّدًا . فَلَمّا قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّوَاءَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَقَاتَلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَرِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِيّ ، قَالَ لَمّا اشْتَدّ الْقِتَالُ يَوْمَ أُحُدٍ ، جَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحْتَ رَايَةِ الْأَنْصَارِ ، وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى عَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ أَنْ قَدّمْ الرّايَةَ . فَتَقَدّمَ عَلِيّ ، فَقَالَ أَنَا أَبُو الْفُصَمِ وَيُقَالُ أَبُو الْقُصَمِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فَنَادَاهُ أَبُو سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، وَهُوَ صَاحِبُ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ هَلْ لَك يَا أَبَا الْقُصَمِ فِي الْبَرَازِ مِنْ حَاجَةٍ ؟ قَالَ نَعَمْ . فَبَرَزَ بَيْنَ الصّفّيْنِ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَهُ عَلِيّ فَصَرَعَهُ ثُمّ انْصَرَفَ عَنْهُ وَلَمْ يَجْهَزْ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ أَفَلَا أَجْهَزْت عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ إنّهُ اسْتَقْبَلَنِي بِعَوْرَتِهِ ، فَعَطَفَتْنِي عَنْهُ الرّحِمُ وَعَرَفْت أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ قَتَلَهُ . وَيُقَالُ إنّ أَبَا سَعْدِ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ خَرَجَ بَيْنَ الصّفّيْنِ فَنَادَى أَنَا قَاصِمُ مَنْ يُبَارِزُ بَرَازًا ، فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْهِ أَحَدٌ . فَقَالَ يَا أَصْحَابَ مُحَمّدٍ زَعَمْتُمْ أَنّ قَتَلَاكُمْ فِي الْجَنّةِ وَأَنّ قَتَلَانَا فِي النّارِ كَذَبْتُمْ وَاَللّاتِي لَوْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ حَقّا لَخَرَجَ إلَيّ بَعْضُكُمْ فَخَرَجَ إلَيْهِ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَهُ عَلِيّ فَقَتَلَهُ . [ ص 258 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَتَلَ أَبَا سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ . شَأْنُ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ وَقَاتَلَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ . فَقَتَلَ مُسَافِعَ بْنَ طَلْحَةَ وَأَخَاهُ الْجُلَاسَ بْنَ طَلْحَةَ كِلَاهُمَا يُشْعِرُهُ سَهْمًا . فَيَأْتِي أُمّهُ سُلَافَةَ . فَيَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهَا فَتَقُولُ يَا بُنَيّ . مَنْ أَصَابَك ؟ فَيَقُولُ سَمِعْت رَجُلًا حِينَ رَمَانِي وَهُوَ يَقُولُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ أَبِي الْأَقْلَحِ . فَنَذَرْت إنْ أَمْكَنَهَا اللّهُ مِنْ رَأْسِ عَاصِمٍ أَنْ تَشْرَبَ فِيهِ الْخَمْرَ . وَكَانَ عَاصِمٌ قَدْ عَاهَدَ اللّهَ أَنْ لَا يَمَسّ مُشْرِكًا أَبَدًا . وَلَا يَمَسّهُ مُشْرِكٌ . وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمئِذٍ وَهُوَ يَحْمِلُ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ إنّ عَلَى أَهْلِ اللّوَاءِ حَقّا ... أَنْ يَخْضِبُوا الصّعْدَةَ أَوْ تَنْدَقّا فَقَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . حَنْظَلَةُ غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ وَالْتَقَى حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْغَسِيلُ وَأَبُو سُفْيَانَ فَلَمّا اسْتَعْلَاهُ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ رَآهُ شَدّادَ بْنَ الْأَسْوَدِ ، وَهُوَ ابْنُ شَعُوبٍ قَدْ عَلَا أَبَا سُفْيَانَ . فَضَرَبَهُ شَدّادٌ فَقَتَلَهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ صَاحِبَكُمْ يَعْنِي حَنْظَلَةَ لَتُغَسّلُهُ الْمَلَائِكَةُ . فَسَأَلُوا أَهْلَهُ مِنْ شَأْنِهِ ؟ فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَاتِفَةَ . [ ص 259 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ الْهَائِعَةُ . وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ خَيْرُ النّاسِ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ كُلّمَا سَمِعَ هَيْعَةً طَارَ إلَيْهَا . قَالَ الطّرِمّاحُ بْنُ حَكِيمٍ الطّائِيّ ، وَالطّرِمّاحُ الطّوِيلُ مِنْ الرّجَالِ أَنَا ابْنُ حُمَاةِ الْمَجْدِ مِنْ آلِ مَالِكٍ ... إذَا جَعَلْت خَوْرَ الرّجَالِ تَهِيعُ ( وَالْهَيْعَةُ الصّيْحَةُ الّتِي فِيهَا الْفَزَعُ ) . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِذَلِكَ غَسّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ . شِعْرُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِمَا حَنْظَلَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ ( قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ) : وَقَالَ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِ حَنْظَلَةَ لَأَحْمِيَنّ صَاحِبِي وَنَفْسِي ... بِطَعْنَةِ مِثْلِ شُعَاعِ الشّمْسِ وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَهُوَ يَذْكُرُ صَبْرَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمُعَاوَنَةَ ابْنِ شَعُوبٍ إيّاهُ عَلَى حَنْظَلَةَ [ ص 260 ] وَلَوْ شِئْت نَجّتْنِي كُمَيْتٌ طِمِرّةٌ ... وَلَمْ أَحْمِلْ النّعْمَاءَ لَابْنِ شَعُوبٍ وَمَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ ... لَدُنْ غَدْوَةٍ حَتّى دَنَتْ لِغُرُوبِ أُقَاتِلُهُمْ وَأَدّعِي بِالْغَالِبِ ... وَأَدْفَعُهُمْ عَنّي بِرُكْنِ صَلِيبِ فَبَكّي وَلَا تَرْعَى مَقَالَةَ عَاذِلٍ ... وَلَا تَسْأَمِي مِنْ عَبْرَةٍ وَنَحِيبِ أَبَاك وَإِخْوَانًا لَهُ قَدْ تَتَابَعُوا ... وَحُقّ لَهُمْ مِنْ عَبْرَةٍ بِنَصِيبِ وَسَلّى الّذِي قَدْ كَانَ فِي النّفْسِ أَنّنِي ... قَتَلْت مِنْ النّجّارِ كُلّ نَجِيبِ وَمِنْ هَاشِمٍ قَرْمًا كَرِيمًا وَمُصْعَبًا ... وَكَانَ لَدَى الْهَيْجَاءِ غَيْرَ هَيُوبِ وَلَوْ أَنّنِي لَمْ أَشْفِ نَفْسِي مِنْهُمْ ... لَكَانَتْ شَجًا فِي الْقَلْبِ ذَاتَ نُذُوبِ فَآبُوا وَقَدْ أَوْدَى الْجَلَابِيبُ مِنْهُمْ ... بِهِمْ خَدَبٌ مِنْ مُعْطَبٍ وَكَئِيبِ أَصَابَهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِدِمَائِهِمْ ... كِفَاءً وَلَا فِي خُطّةٍ بِضَرِيبِ شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ [ ص 261 ] حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ ، فَقَالَ ذَكَرْت الْقُرُومَ الصّيْدَ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... وَلَسْت لِزُورِ قُلْته بِمُصِيبِ أَتَعْجَبُ أَنْ أَقَصَدْت حَمْزَةَ مِنْهُمْ ... نَجِيبًا وَقَدْ سَمّيْته بِنَجِيبِ أَلَمْ يَقْتُلُوا عَمْرًا وَعُتْبَةَ وَابْنَهُ ... وَشَيْبَةَ وَالْحَجّاجَ وَابْنَ حَبِيبِ غَدَاةَ دَعَا الْعَاصِي عَلِيّا فَرَاعَهُ ... بِضَرْبَةِ عَضْبٍ بَلّهُ بِخَضِيبِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ ابْنُ شَعُوبٍ يَذْكُرُ يَدَهُ عِنْدَ أَبِي سُفْيَانَ فِيمَا دَفَعَ عَنْهُ فَقَالَ وَلَوْلَا دِفَاعِي يَا ابْنَ حَرْبٍ وَمَشْهَدِي ... لَأَلْفَيْت يَوْمَ النّعْفِ غَيْرَ مُجِيبِ وَلَوْلَا مَكَرّي الْمُهْرِ بِالنّعْفِ قَرْقَرْت ... ضِبَاعٌ عَلَيْهِ أَوْ ضِرَاءُ كَلِيبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ قَوْلُهُ " عَلَيْهِ أَوْ ضِرَاءُ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . شِعْرُ الْحَارِثِ فِي الرّدّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ أَيْضًا [ ص 262 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ يُجِيبُ أَبَا سُفْيَانَ جِزْيَتهمْ يَوْمًا بِبَدْرِ كَمِثْلِهِ ... عَلَى سَابِحٍ ذِي مَيْعَةٍ وَشَبِيبِ لَدَى صَحْنِ بَدْرٍ أَوْ أَقَمْت نَوَائِحَا ... عَلَيْك وَلَمْ تَحْفِلْ مُصَابُ حَبِيبِ وَإِنّك لَوْ عَايَنْت مَا كَانَ مِنْهُمْ ... لَأَبَتْ بِقَلْبِ مَا بَقِيت نَخِيبُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا أَجَابَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ أَبَا سُفْيَانَ لِأَنّهُ ظَنّ أَنّهُ عَرّضَ بِهِ فِي قَوْلِهِ وَمَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرُ الْكَلْبِ مِنْهُمْ لِفِرَارِ الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْرٍ .Sعَنْ مَقْتَلِ حَنْظَلَةَ فَصْلٌ وَذَكَرَ مَقْتَلَ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْغَسِيلِ ، وَاسْمَ أَبِي عَامِرٍ عَمْرٌو ، وَقِيلَ عَبْدُ عَمْرِو بْنِ صَيْفِيّ ، وَذَكَرَ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ شَعُوبٍ حِين قَتَلَهُ بَعْدَمَا كَانَ عَلَا حَنْظَلَةَ أَبَا سُفْيَانُ لِيَقْتُلَهُ وَذَكَرَ الْحُمَيْدِيّ فِي التّفْسِيرِ مَكَانَ شَدّادٍ جَعْوَنَةَ بْنَ شَعُوبٍ اللّيْثِيّ وَهُوَ مَوْلَى نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ الْقَارِيّ . وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إنّ صَاحِبَكُمْ لَتُغَسّلُهُ الْمَلَائِكَةُ يَعْنِي : حَنْظَلَةَ وَفِي غَيْرِ السّيرَةِ [ ص 259 ] قَالَ رَأَيْت الْمَلَائِكَةَ تُغَسّلُهُ فِي صِحَافِ الْفِضّةِ بِمَاءِ الْمُزْنِ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ، فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ فَقَالَتْ خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَاتِفَةَ . صَاحِبَتُهُ يَعْنِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ جَمِيلَةُ بِنْتُ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ أُخْتُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ ، وَكَانَ ابْتَنَى بِهَا تِلْكَ اللّيْلَةَ فَكَانَتْ عَرُوسًا عِنْدَهُ فَرَأَتْ فِي النّوْمِ تِلْكَ اللّيْلَ كَأَنّ بَابًا فِي السّمَاءِ فُتِحَ لَهُ فَدَخَلَهُ ثُمّ أُغْلِقَ دُونَهُ فَعَلِمَتْ أَنّهُ مَيّتٌ مِنْ غَدِهِ فَدَعَتْ رِجَالًا مِنْ قَوْمِهَا حِينَ أَصْبَحَتْ فَأَشْهَدَتْهُمْ عَلَى الدّخُولِ بِهَا خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيّ فِيمَا ذُكِرَ لِي ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنّهُ اُلْتُمِسَ فِي الْقَتْلَى ، فَوَجَدُوهُ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً وَلَيْسَ بِقُرْبِهِ مَاءٌ تَصْدِيقًا لِمَا قَالَهُ الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفِي هَذَا الْخَبَرِ مُتَعَلّقٌ لِمَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ إنّ الشّهِيدَ يُغَسّلُ إذَا كَانَ جُنُبًا ، وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَقُولُ لَا يُغَسّلُ كَسَائِرِ الشّهَدَاءِ ، لِأَنّ التّكْلِيفَ سَاقِطٌ عَنْهُ بِالْمَوْتِ . شِعْرُ أَبِي سُفْيَانَ وَقَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ وَمَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ ... لَدُنْ غَدْوَةٍ حَتّى دَنَتْ لِغُرُوبِ [ ص 260 ] نَصْبُهُ فَغَرِيبٌ وَشَيْءٌ خَصّتْ الْعَرَبُ بِهِ غُدْوَةً وَلَا يُقَاسَ عَلَيْهَا ، وَكَثِيرًا مَا يَذْكُرُهَا سِيبَوَيْهِ ، وَيَمْنَعُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَيْهَا ، وَذَلِكَ أَنّ لَدُنْ يُقَالُ فِيهَا : لَدُنْ وَلَدٍ فَلَمّا كَانَتْ تَارَةً تُنَوّنُ وَلَا تُنَوّنُ أُخْرَى ، شَبّهُوهَا إذَا نُوّنَتْ بِاسْمِ الْفَاعِلِ فَنَصَبُوا غُدْوَةً بَعْدَهَا ، تَشْبِيهًا بِالْمَفْعُولِ وَلَوْلَا أَنّ غُدْوَةً تُنَوّنُ إذَا نُكّرَتْ وَتُنَوّنُ ضَرُورَةً إذَا كَانَتْ مَعْرِفَةً مَا عُرِفَ نَصْبُهَا ، لِأَنّهَا اسْمٌ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعَلَمِيّةِ وَالتّأْنِيثِ فَخَفْضُهَا وَنَصْبُهَا سَوَاءٌ فَإِذَا نُوّنَتْ لِلضّرُورَةِ كَمَا فِي بَيْتِ أَبِي سُفْيَانَ أَوْ أَرَدْت غُدْوَةً مِنْ الْغَدَوَاتِ تَبَيّنَ حِينَئِذٍ أَنّهُمْ قَصَدُوا النّصْبَ وَالتّشْبِيهَ بِالْمَفْعُولِ وَوَجْهٌ آخَرُ مِنْ الْبَيَانِ وَهُوَ أَنّهُمْ قَدْ رَفَعُوهَا ، فَقَالُوا : لَدُنْ غُدْوَةُ غَيْرُ مَصْرُوفَةٍ كَمَا يُرْفَعُ الِاسْمُ بَعْدَ اسْمِ الْفَاعِلِ إذا كَانَ فَاعِلًا وَيُنْصَبُ إذَا كَانَ مَفْعُولًا إذَا نُوّنَ اسْمُ الْفَاعِلِ كَذَلِكَ غُدْوَةٌ بَعْد لَدُنْ لَا يَكُونُ هَذَا فِيهَا إلّا إذَا نُوّنَتْ لَدُنْ فَإِنْ قُلْت : لَدُ غُدْوَةٍ لَمْ يَكُنْ إلّا الْخَفْضُ إنْ نَوّنْتهَا ، وَإِنْ تَرَكْت صَرْفَهَا لِلتّعْرِيفِ فَالْفَتْحَةُ عَلَامَةُ خَفْضِهَا ، وَلَا تَكُونُ غَدْوَةٌ عَلَمًا إلّا إذَا أَرَدْتهَا لِيَوْمِ بِعَيْنِهِ وَبُكْرَةٌ مِثْلُهَا فِي الْعَلَمِيّةِ وَلَيْسَتْ مِثْلَهَا مَعَ لَدُنْ وَصَحْوَةٍ وَعَشِيّةٍ مَصْرُوفَتَانِ وَإِنْ أَرَدْتهمَا لِيَوْمِ بِعَيْنِهِ . وَقَدْ فَرَغْنَا مِنْ كَشْفِ أَسْرَارِ هَذَا الْبَابِ فِي " نَتَائِجِ الْفِكْرِ " وَأَوْضَحْنَا هُنَالِكَ بَدَائِعَ وَعَجَائِبَ لَمْ يُبَيّنْهَا أَحَدٌ إلّا أَنّهَا مُنْتَزِعَةٌ مِنْ فَحَوَى كَلَامِ سِيبَوَيْهِ ، وَمِنْ قَوَاعِدِهِ الّتِي أَصْلٌ وَالْحَمْدُ لِلّهِ . وَقَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ فِي هَذَا الشّعْرِ بِهِمْ خَدَبٌ . الْخَدَبُ الْهَوَجُ وَفِي الْجَمْهَرَةِ طَعْنَةٌ خَدْبَاءُ إذَا هَجَمَتْ عَلَى الْجَوْفِ وَهَذَا هُوَ الّذِي أَرَادَ أَبُو سُفْيَانَ بِالْخَدَبِ . [ ص 261 ] إذَا عَضَلٌ سِيقَتْ إلَيْنَا كَأَنّهَا ... جَدَايَةُ شُرْكٍ مُعْلَمَاتِ الْحَوَاجِبِ شُرْكٌ جَمْعُ شِرَاكٍ . وَالْجَدَايَةُ جَدَايَةُ السّرْجِ عَلَى أَنّ الْمَعْرُوفَ جَدِيّةُ السّرْجِ لَا جَدَابَتُهُ فِي أَقْرَبِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى أَنْ يُرِيدَ الْجَدَايَةَ مِنْ الْوَحْشِ وَبِالشّرْكِ الْأَشْرَاكُ الّتِي تُنْصَبُ لَهَا ، وَلِذَلِكَ قَالَ دَامِيَاتُ الْحَوَاجِبِ وَهَذَا أَصَحّ فِي مَعْنَاهُ فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنّ الْجَدَايَةَ يُقَالُ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمِيعِ وَالذّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الظّبَاءِ وَيَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ الْجَدَايَةَ جَمْعُ جَدِيّةٍ وَهِيَ جَدِيّةُ السّرْجِ وَالرّحْلُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُقَالُ فِي الْجَمْعِ فَعَالٍ وَفِعَالَة نَحْوُ جِمَالٍ وَجِمَالَةٍ وَلَكِنّهُ هَا هُنَا بَعِيدٌ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَيُرْوَى شِرْكٌ بِكَسْرِ الشّينِ وَأَقْرَبُ مَا يُقَالُ فِي مَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ أَنّهُ أَرَادَ الْجِدَايَةَ مِنْ الْوَحْشِ وَهِيَ أَوْلَادُ الظّبَاءِ وَنَحْوُهَا ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنّهُ يُقَالُ جِدَايَةٌ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالذّكَرِ وَالْأُنْثَى ، فَيَكُونُ الشّرْكُ عَلَى هَذَا فِي مَعْنَى الْأَشْرَاكِ الّتِي يُصَادُ بِهَا ، وَقَدْ قِيلَ إنّ شُرْكًا اسْمُ مَوْضِعٍ وَاَللّهُ أَعْلَمُ وَعَضَلٌ قَبِيلَةٌ مِنْ خُزَيْمَةَ غَادِرَةٌ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ غَدْرُ عَضَلٍ [ ص 262 ] وَالْقَارَةُ . وَقَوْلُهُ مُعْلَمَات الْحَوَاجِبِ يَعْنِي : بِالدّمَاءِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدُ سَوَادَهَا مَا بَيْنَ أَعْيُنِهَا ، كَمَا أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ [ لِلْأَعْشَى ] : وَكَأَنّهُ لَهْقُ السّرَاةِ كَأَنّهُ ... مَا حَاجِبَيْهِ مُعَيّنٌ بِسَوَادِ حَدِيثُ الزّبَيْرِ عَنْ سَبَبِ الْهَزِيمَةِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ أَنَزَلَ اللّهُ نَصْرَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَصَدّقَهُمْ وَعْدَهُ فَحَسّوهُمْ بِالسّيُوفِ حَتّى كَشَفُوهُمْ عَنْ الْعَسْكَرِ وَكَانَتْ الْعَزِيمَةُ لَا شَكّ فِيهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ الزّبَيْرِ أَنّهُ قَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْتنِي أَنْظُرُ إلَى خَدَمِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ وَصَوَاحِبِهَا مُشَمّرَاتٍ هَوَارِبَ مَا دُونَ أَخْذِهِنّ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إذْ مَالَتْ الرّمَاةُ إلَى الْعَسْكَرِ حِينَ كَشَفْنَا الْقَوْمَ عَنْهُ وَخَلَوْا ظُهُورَنَا لِلْخَيْلِ فَأُتِينَا مِنْ خَلْفِنَا ، وَصَرَخَ صَارِخٌ أَلَا إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ . فَانْكَفَأْنَا وَانْكَفَأَ عَلَيْنَا الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ أَصَبْنَا أَصْحَابَ اللّوَاءِ حَتّى مَا يَدْنُو مِنْهُ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الصّارِخُ أَزَبّ الْعَقَبَةِ ، يَعْنِي الشّيْطَانَ . شُجَاعَةُ صُؤَابٍ وَشِعْرُ حَسّانَ فِي ذَلِكَ [ ص 263 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ اللّوَاءَ لَمْ يَزَلْ صَرِيعًا حَتّى أَخَذَتْهُ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيّةُ ، فَرَفَعَتْهُ لِقُرَيْشِ فَلَاثُوا بِهِ . وَكَانَ اللّوَاءُ مَعَ صُؤَابٍ غُلَامٌ لِبَنِي أَبِي طَلْحَةَ حَبَشِيّ وَكَانَ آخِرَ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ فَقَاتَلَ بِهِ حَتّى قُطِعَتْ يَدَاهُ ثُمّ بَرَكَ عَلَيْهِ فَأَخَذَ اللّوَاءَ بِصَدْرِهِ وَعُنُقِهِ حَتّى قُتِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُول : اللّهُمّ هَلْ أَعَزَزْت يَقُولُ أَعَذَرْت فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ فَخُرْتُمْ بِاللّوَاءِ وَشَرّ فَخْرٍ ... لِوَاءٌ حِينَ رُدّ إلَى صُؤَابِ جَعَلْتُمْ فَخْرَكُمْ فِيهِ بِعَبْدِ ... وَأَلْأَمُ مَنْ يَطَأُ عَفَرَ التّرَابِ ظَنَنْتُمْ وَالسّفِيهُ لَهُ ظُنُونٌ ... وَمَا إنّ ذَاكَ مِنْ أَمْرِ الصّوَابِ بِأَنّ جِلَادَنَا يَوْمَ الْتَقَيْنَا ... بِمَكّةَ بَيْعُكُمْ حُمْرَ الْعِيَابِ أَقَرّ الْعَيْنَ أَنْ عُصِبَتْ يَدَاهُ ... وَمَا إنْ تُعْصَبَانِ عَلَى خِضَاب قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : آخِرُهَا بَيْتًا يُرْوَى لِأَبِي خِرَاشٍ الْهُذَلِيّ وَأَنْشَدَ فِيهِ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ أَقَرّ الْعَيْنَ أَنْ عُصِبَتْ يَدَاهَا ... وَمَا إنْ تُعْصَبَانِ عَلَى خِضَابِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . يَعْنِي امْرَأَتَهُ . فِي غَيْرِ حَدِيثِ أُحُدٍ . وَتُرْوَى الْأَبْيَاتُ أَيْضًا لِمَعْقِلِ بْنِ خُوَيْلِدٍ الْهُذَلِيّ . شِعْرُ حَسّانَ فِي عَمْرَةَ الْحَارِثِيّةِ [ ص 264 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَأْنِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيّةِ وَرَفْعِهَا اللّوَاءَ إذَا عَضَلٌ سِيقَتْ إلَيْنَا كَأَنّهَا ... جَدَايَةُ شُرْكٍ مُعْلَمَاتِ الْحَوَاجِبِ أَقَمْنَا لَهُمْ طَعْنًا مُبِيرًا مُنَكّلًا ... وَحُزْنَاهُمْ بِالضّرْبِ مِنْ كُلّ جَانِبِ فَلَوْلَا لِوَاءُ الْحَارِثِيّةِ أَصْبَحُوا ... يُبَاعُونَ فِي الْأَسْوَاقِ بَيْعَ الْجَلَائِبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ .Sالصّارِخُ يَوْمَ أُحُدٍ فَصْلٌ وَذَكَرَ الصّارِخَ يَوْمَ أُحُدٍ بِقَتْلِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَقَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ : الصّارِخُ أَزَبّ الْعَقَبَةِ ، هَكَذَا قَيْدٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الزّاي ، وَذَكَرْنَا فِي بَيْعَةِ [ ص 263 ] الْعَقَبَةِ مَا قَالَهُ ابْنُ مَاكُولَا فِي أُمّ كُرْزٍ بِنْتُ الْأَزَبّ بْنِ عَمْرِو بْنِ بَكِيلٍ ، وَأَنّهُ قَالَ لَا يُعْرَفُ الْأَزَبّ فِي الْعَرَبِ إلّا هَذَا ، وَأَزَبّ الْعَقَبَةِ ، وَذَكَرْنَا حَدِيثَ ابْنِ الزّبَيْرِ الّذِي ذَكَرَهُ الْقُتَبِيّ إذْ رَأَى رَجُلًا طُولُهُ شِبْرَانِ عَلَى بَرْذعَةِ رَحْلِهِ فَنَفَضَهَا مِنْهُ ثُمّ عَدّ إلَيْهِ فَقَالَ مَا أَنْتَ ؟ قَالَ أَنَا أَزَبّ ، قَالَ وَمَا أَزَبّ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْجِنّ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ أَزَبّ مَعَ قَوْلِ يَعْقُوبَ فِي الْأَلْفَاظِ الْإِزْبُ الرّجُلُ الْقَصِيرُ وَاَللّهُ أَعْلَمُ هَلْ الْإِزْبُ وَالْأَزَبّ شَيْطَانٌ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ وَيُقَالُ الْمَوْضِعُ الّذِي صَرَخَ مِنْهُ الشّيْطَانُ جَبَلُ عَيْنَيْنِ ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِعُثْمَانِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَفَرَرْت يَوْمَ عَيْنَيْنِ ، وَعَيْنَانِ أَيْضًا : بَلَدٌ عِنْدَ الْحِيرَةِ ، وَبِهِ عُرِفَ خُلَيْدُ عَيْنَيْنِ الشّاعِرُ . مَا لَقِيَهُ الرّسُولُ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ فَأَصَابَ فِيهِمْ الْعَدُوّ ، وَكَانَ يَوْمَ بَلَاءٍ وَتَمْحِيصٍ أَكْرَمَ اللّهُ فِيهِ مَنْ أَكْرَمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالشّهَادَةِ حَتّى خَلَصَ الْعَدُوّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَدُثّ بِالْحِجَارَةِ حَتّى وَقَعَ لِشِقّهِ فَأُصِيبَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَشُجّ فِي وَجْهِهِ وَكُلِمَتْ شَفَتُهُ وَكَانَ الّذِي أَصَابَهُ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي حُمَيْدٌ الطّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ كُسِرَتْ رَبَاعِيَةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَشُجّ فِي وَجْهِهِ فَجَعَلَ الدّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ وَجَعَلَ يَمْسَحُ الدّمَ وَهُوَ يَقُولُ كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَبُوا وَجْهَ نَبِيّهِمْ ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى رَبّهِمْ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ } [ ص 265 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ رُبَيْحَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ أَنّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ رَمَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ فَكَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ الْيُمْنَى السّفْلَى ، وَجَرَحَ شَفَتَهُ السّفْلَى ، وَأَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ شِهَابٍ الزّهْرِيّ شَجّهُ فِي جَبْهَتِهِ وَأَنّ ابْنَ قَمِئَةَ جَرَحَ وَجْنَتَهُ فَدَخَلَتْ حَلَقَتَانِ مِنْ حِلَقِ الْمِغْفَرِ فِي وَجْنَتِهِ وَوَقَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حُفْرَةٍ مِنْ الْحُفَرِ الّتِي عَمِلَ أَبُو عَامِرٍ لِيَقَعَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ؟ فَأَخَذَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَفَعَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ حَتّى اسْتَوَى قَائِمًا ، وَمَصّ مَالِكُ بْنُ سِنَانٍ أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ الدّمُ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ ازْدَرَدَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . مَنْ مَسّ دَمِي دَمَهُ لَمْ تُصِبْهُ النّارُ . [ ص 266 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ الدّرَاوَرْدِيّ : أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ مَنْ أَحَبّ أَنّ يَنْظُرَ إلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلْيَنْظُرْ إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ . وَذَكَرَ يَعْنِي عَبْدَ الْعَزِيزِ الدّرَاوَرْدِيّ ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ أَنّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ نَزَعَ إحْدَى الْحَلْقَتَيْنِ مِنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَقَطَتْ ثَنِيّتُهُ ثُمّ نَزَعَ الْأُخْرَى ، فَسَقَطَتْ ثَنِيّتَهُ الْأُخْرَى ، فَكَانَ سَاقِطُ الثّنِيّتَيْنِ شِعْرُ حَسّانَ فِي عُتْبَةَ وَمَا أَصَابَ بِهِ الرّسُولَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ لِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ إذَا اللّهُ جَازَى مَعْشَرًا بِفَعَالِهِمْ ... وَضَرّهُمْ الرّحْمَنُ رَبّ الْمَشَارِقِ فَأَخْزَاك رَبّي يَا عُتَيْبُ بْنَ مَالِكٍ ... وَلَقّاك قَبْلَ الْمَوْتِ إحْدَى الصّوَاعِقِ بَسَطَتْ يَمِينًا لِلنّبِيّ تَعَمّدًا ... فَأَدْمَيْت فَاهُ قُطّعَتْ بِالْبَوَارِقِ فَهَلّا ذَكَرْت اللّهَ وَالْمَنْزِلَ الّذِي ... تَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ إحْدَى الْبَوَائِقِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ أَقْذَعَ فِيهِمَا .Sحَالُ مَنْ رَمَوْا النّبِيّ فَصْلٌ [ ص 264 ] وَذَكَرَ ابْنَ قَمِئَةَ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللّهِ وَهُوَ الّذِي قَتَلَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ ، وَجَرَحَ وَجْهَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَعُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ أَخُو سَعْدٍ هُوَ الّذِي كَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ - عَلَيْهِ السّلَامُ - ثُمّ لَمْ يُولَدْ مِنْ نَسْلِهِ وَلَدٌ فَبَلَغَ الْحُلُمَ إلّا وَهُوَ أَبْحُرُ أَوْ أَهْتَمُ يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي عَقِبِهِ . وَمِمّنْ رَمَاهُ يَوْمئِذٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ شِهَابٍ جَدّ شَيْخِ مَالِكٍ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شِهَابٍ ، وَقَدْ قِيلَ لَابْنِ شِهَابٍ : أَكَانَ جَدّك عَبْدَ اللّهِ بْنَ شِهَابٍ مِمّنْ شَهِدَ بَدْرًا ؟ قَالَ نَعَمْ [ ص 265 ] شِهَابٍ ، وَهُوَ عَبْدُ اللّهِ الْأَكْبَرُ فَهُوَ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ ، تُوُفّيَ بِمَكّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِمَا أَيّهُمَا كَانَ الْمُهَاجِرُ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، فَقِيلَ الْأَكْبَرُ وَقِيلَ الْأَصْغَرُ وَكَانَ أَحَدُهُمَا جَدّ الزّهْرِيّ لِأَبِيهِ وَالْآخَرُ لِأُمّهِ وَقَدْ أَسْلَمَ الّذِي شَهِدَ أَحَدًا مَعَ الْكُفّارِ وَجُرِحَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَاَللّهُ يَنْفَعُهُ بِإِسْلَامِهِ . أَسْمَاءُ أَجْزَاءِ اللّيْلِ وَذَكَرَ مَالِكَ بْنَ سِنَانٍ وَالِدَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ مِنْ بَنِي خُدْرَةَ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ الْخَزْرَجِ ، وَالْخُدْرَةُ فِي اللّغَةِ نَحْوٌ مِنْ خُمْسِ اللّيْلِ وَبَعْدَهُ الْيَعْفُورُ وَهُوَ خُمْسٌ آخَرُ مِنْ اللّيْلِ وَبَعْدَهُ الْجَهْمَةُ وَالسّدْقَةُ وَاَلّذِي قَبْلَ الْخُدْرَةِ يُقَالُ لَهُ الْهَزِيعُ كُلّ هَذَا مِنْ كِتَابِ كُرَاعٍ . عَنْ الدّمِ وَالْبَوْلِ وَذَكَرَ أَنّ مَالِكَ بْنَ سِنَانٍ مَصّ دَمَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَازْدَرَدَهُ وَقَدْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ابْنُ الزّبَيْرِ وَهُوَ غُلَامٌ حَزَوّرٌ حِينَ أَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - دَمَ مَحَاجِمِهِ لِيَدْفِنَهُ فَشَرِبَهُ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَمَا قَالَ لِمَالِكِ حِينَ ازْدَرَدَ دَمَ جُرْحِهِ مَنْ مَسّ دَمَهُ دَمِي ، لَمْ تُصِبْهُ النّارُ . لَكِنّهُ قَالَ لَابْنِ الزّبَيْرِ وَيْلٌ لَك مِنْ النّاسِ وَوَيْلٌ لِلنّاسِ مِنْك . ذَكَرَهُ الدّارَقُطْنِيّ فِي السّنَنِ وَفِي هَذَا مِنْ الْفِقْهِ أَنّ دَمَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يُخَالِفُ دَمَ غَيْرِهِ فِي التّحْرِيمِ وَكَذَاك بَوْلُهُ قَدْ شَرِبَتْهُ أُمّ أَيْمَنَ حِينَ وَجَدَتْهُ فِي إنَاءٍ مِنْ عِيدَانٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، وَذَلِكَ وَاَللّهُ أَعْلَمُ لِلْمَعْنَى الّذِي بَيّنّاهُ فِي حَدِيثِ نُزُولِ الْمَلَكَيْنِ عَلَيْهِ حِينَ غَسَلَا جَوْفَهُ بِالثّلْجِ فِي [ ص 266 ] فَصَارَ بِذَلِكَ مِنْ الْمُتَطَهّرِينَ وَبَيّنَا أَيْضًا هُنَالِكَ أَنّهُ مِنْ الْمُتَطَهّرِينَ كَأُمّتِهِ لِتَطَهّرِهِ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَالْحَمْدُ لِلّهِ إلّا أَنّ أَبَا عُمَرَ النّمَرِيّ ذَكَرَ فِي الِاسْتِيعَابِ [ ص 267 ] أَنّ رَجُلًا مِنْ الصّحَابَةِ اسْمُهُ سَالِمٌ حَجَمَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ثُمّ ازْدَرَدَ دَمَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " أَمَا عَلِمْت أَن الدّمُ كُلّهُ حَرَامٌ ؟ غَيْرَ أَنّهُ حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ إسْنَادٌ وَاَللّهُ أَعْلَمُ وَحَدِيثُ ابْنِ الزّبَيْرِ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ رَوَى الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ مَا يَشُدّهُ وَيُتَمّمُ مَعْنَاهُ . قَالَ فِي حَدِيثٍ أَسْنَدَهُ [ ص 268 ] لَمّا وُلِدَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَيْرِ نَظَرَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ هُوَ هُوَ فَلَمّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ أَسْمَاءُ أُمّهُ أَمْسَكَتْ عَنْ إرْضَاعِهِ فَقَالَ لَهَا - عَلَيْهِ السّلَامُ أَرْضِعِيهِ وَلَوْ بِمَاءِ عَيْنَيْك ، كَبْشٌ بَيْنَ ذِئَابٍ وَذِئَابٌ عَلَيْهَا ثِيَابٌ لَيَمْنَعَنّ الْبَيْتَ أَوْ لَيُقْتَلَنّ دُونَهُ ابْنُ السّكَنِ وَبَلَاؤُهُ يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ غَشِيَهُ الْقَوْمُ مَنْ رَجُلٌ يَشْرِي لَنَا نَفْسَهُ ؟ كَمَا حَدّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ فَقَامَ زِيَادُ بْنُ السّكَنِ فِي نَفَرٍ خَمْسَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ إنّمَا هُوَ عُمَارَةُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ السّكَنِ فَقَاتَلُوا دُونَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلًا ثُمّ رَجُلًا ، يُقْتَلُونَ دُونَهُ حَتّى كَانَ آخِرُهُمْ زِيَادٌ أَوْ عُمَارَةُ فَقَاتَلَ حَتّى أَثَبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ ثُمّ فَاءَتْ فِئَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاجْهَضُوهُمْ عَنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَدْنُوهُ مِنّي ، فَأَدْنَوْهُ مِنْهُ فَوَسّدَهُ قَدَمَهُ فَمَاتَ وَخَدّهُ عَلَى قَدَمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَدِيثُ أُمّ سَعْدٍ عَنْ نَصِيبِهَا فِي الْجِهَادِ يَوْمَ أُحُدٍ [ ص 267 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَاتَلَتْ أُمّ عُمَارَةَ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ الْمَازِنِيّةُ يَوْمَ أُحُدٍ . فَذَكَرَ سَعِيدَ بْنَ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ أَنّ أُمّ سَعْدٍ بِنْتَ سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ كَانَتْ تَقُولُ دَخَلْت عَلَى أُمّ عُمَارَةَ فَقُلْت لَهَا : يَا خَالَةُ أَخْبِرِينِي خَبَرَك ، فَقَالَتْ خَرَجْت أَوّلَ النّهَارِ وَأَنَا أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النّاسُ وَمَعِي سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ فَانْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ وَالدّوْلَةُ وَالرّيحُ لِلْمُسْلِمِينَ . فَلَمّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ انْحَزْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُمْت أُبَاشِرُ الْقِتَالَ وَأَذُبّ عَنْهُ بِالسّيْفِ وَأَرْمِي عَنْ الْقَوْسِ حَتّى خَلَصَتْ الْجِرَاحُ إلَيّ . قَالَتْ فَرَأَيْت عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا أَجَوْفَ لَهُ غَوْرٌ ، فَقُلْت : مَنْ أَصَابَك بِهَذَا ؟ قَالَتْ ابْنُ قَمِئَةَ أَقْمَأَهُ اللّهُ لَمّا وَلِيَ النّاسُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَقْبَلَ يَقُولُ دُلّونِي عَلَى مُحَمّدٍ ، فَلَا نَجَوْت إنْ نَجَا ، فَاعْتَرَضْت لَهُ أَنَا وَمَصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ، وَأُنَاسٌ مِمّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَضَرَبَنِي هَذِهِ الضّرْبَةَ وَلَكِنْ فَلَقَدْ ضَرَبْته عَلَى ذَلِكَ ضَرْبَاتٍ وَلَكِنْ عَدُوّ اللّهِ كَانَ عَلَيْهِ دِرْعَانِ . أَبُو دُجَانَةَ وَابْنُ أَبِي وَقّاصٍ يَدْفَعَانِ عَنْ الرّسُولِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَتَرّسَ دُونَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبُو دُجَانَةَ بِنَفْسِهِ يَقَعُ النّبْلُ فِي ظَهْرِهِ وَهُوَ مُنْحَنٍ عَلَيْهِ حَتّى كَثُرَ فِيهِ النّبْلُ . وَرَمَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ دُونَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ سَعْدٌ فَلَقَدْ رَأَيْته يُنَاوِلُنِي النّبْلَ وَهُوَ يَقُولُ ارْمِ فِدَاك أَبِي وَأُمّي ، حَتّى إنّهُ لَيُنَاوِلُنِي السّهْمَ مَا لَهُ نَصْلٌ . فَيَقُولُ ارْمِ بِهِ بَلَاءُ قَتَادَةَ وَحَدِيثُ عَيْنِهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَمَى عَنْ قَوْسِهِ حَتّى انْدَقّتْ سِيَتُهَا ، فَأَخَذَهَا قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ وَأُصِيبَتْ يَوْمئِذٍ عَيْنُ قَتَادَةَ بْنِ النّعْمَانِ ، حَتّى وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَدّهَا بِيَدِهِ فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدّهُمَا شَأْنُ أَنَسِ بْنِ النّضْرِ [ ص 268 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ قَالَ انْتَهَى أَنَسُ بْنُ النّضْرِ ، عَمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ ، فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَقَدْ أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ مَا يُجْلِسُكُمْ ؟ قَالُوا : قُتِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فَمَاذَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ ؟ ( قُومُوا ) فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ اسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ وَبِهِ سُمّيَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي حُمَيْدٌ الطّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ لَقَدْ وَجَدْنَا بِأَنَسِ بْنِ النّضْرِ يَوْمئِذٍ سَبْعِينَ ضَرْبَةً فَمَا عَرَفَهُ إلّا أُخْتُهُ عَرَفَتْهُ بِبَنَانِهِ . مَا أَصَابَ ابْنَ عَوْفٍ مِنْ الْجِرَاحَاتِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أُصِيبَ فُوهُ يَوْمئِذٍ فَهَتَمَ وَجُرِحَ عِشْرِينَ جِرَاحَةً أَوْ أَكْثَرَ أَصَابَهُ بَعْضُهَا فِي رِجْلِهِ فَعَرَجَ . أَوّلُ مَنْ عَرَفَ الرّسُولَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَوّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ وَقَوْلُ النّاسِ قُتِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، قَالَ عَرَفْت عَيْنَيْهِ تَزْهَرَانِ مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ فَنَادَيْت بِأَعْلَى صَوْتِي : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرُوا ، هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَشَارَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَنْصِتْ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَضُوا بِهِ وَنَهَضَ مَعَهُمْ نَحْوُ الشّعْبِ ، مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ ، وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوَامّ ، رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ وَرَهْطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . قَتْلُ الرّسُولِ لِأُبَيّ بْنِ خَلَفٍ ( قَالَ ) : فَلَمّا أَسْنَدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الشّعْبِ أَدْرَكَهُ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ وَهُوَ يَقُولُ أَيْ مُحَمّدُ لَا نَجَوْت إنْ نَجَوْت ، فَقَالَ الْقَوْمُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَيَعْطِفُ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنّا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " دَعُوهُ " فَلَمّا دَنَا ، تَنَاوَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَرْبَةَ مِنْ الْحَارِثِ بْنِ الصّمّةِ يَقُولُ بَعْضُ الْقَوْمِ فِيمَا ذُكِرَ لِي : فَلَمّا أَخَذَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُ انْتَفَضَ بِهَا انْتِفَاضَةً تَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُرَ الشّعْرَاءِ عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ إذَا انْتَفَضَ بِهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الشّعْرَاءُ ذُبَابٌ لَهُ لَدْغٌ ثُمّ اسْتَقْبَلَهُ فَطَعَنَهُ فِي عُنُقِهِ طَعْنَةً تَدَأْدَأَ مِنْهَا عَنْ فَرَسِهِ مِرَارًا . [ ص 270 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَدَأْدَأَ يَقُولُ تَقَلّبَ عَنْ فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَتَدَحْرَجُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ ، كَمَا حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، يَلْقَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ فَيَقُولُ يَا مُحَمّدُ إنّ عِنْدِي الْعَوْذَ فَرَسًا أَعْلِفُهُ كُلّ يَوْمٍ فَرَقًا مِنْ ذرةٍ أَقْتُلُك عَلَيْهِ . فَيَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلْ أَنَا أَقْتُلُك إنْ شَاءَ اللّهُ فَلَمّا رَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ وَقَدْ خَدَشَهُ فِي عُنُقِهِ خَدْشًا غَيْرَ كَبِيرٍ فَاحْتَقَنَ الدّمُ فَقَالَ قَتَلَنِي وَاَللّهِ مُحَمّدٌ قَالُوا لَهُ ذَهَبَ وَاَللّهِ فُؤَادُك وَاَللّهِ إن بِك مِنْ بَأْسٍ قَالَ إنّهُ قَدْ كَانَ قَالَ لِي بِمَكّةَ أَنَا أَقْتُلُك ، فَوَاَللّهِ لَوْ بَصَقَ عَلَيّ لَقَتَلَنِي . فَمَاتَ عَدُوّ اللّهِ بِسَرِفِ وَهُمْ قَافِلُونَ بِهِ إلَى مَكّةَ . شِعْرُ حَسّانَ فِي مَقْتَلِ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ لَقَدْ وَرِثَ الضّلَالَةَ عَنْ أَبِيهِ ... أُبَيّ يَوْمَ بَارَزَهُ الرّسُولُ أَتَيْت إلَيْهِ تَحْمِلُ رِمّ عَظْمٍ ... وَتُوعِدُهُ وَأَنْتَ بِهِ جَهُولُ وَقَدْ قَتَلَتْ بَنُو النّجّارِ مِنْكُمْ ... أُمَيّةَ إذْ يَغُوثُ يَا عَقِيلُ وَتَبّ ابْنَا رَبِيعَةَ إذْ أَطَاعَا ... أَبَا جَهْلٍ لَأُمّهِمَا الْهُبُولُ وَأَفْلَتْ حَارِثٌ لَمّا شَغَلْنَا ... بِأَسْرِ الْقَوْمِ أُسْرَتُهُ فَلَيْلُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أُسْرَتُهُ قَبِيلَتُهُ . وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا فِي ذَلِكَ أَلَا مَنْ مُبَلّغٌ عَنّي أُبَيّا ... لَقَدْ أَلْقَيْت فِي سُحْقِ السّعِيرِ تَمَنّى بِالضّلَالَةِ مِنْ بِعِيدِ ... وَتُقْسِمُ إنْ قَدَرَتْ مَعَ النّذُورِ تَمَنّيك الْأَمَانِي مِنْ بِعِيدِ ... وَقَوْلُ الْكُفْرِ يَرْجِعُ فِي غُرُورِ فَقَدْ لَاقَتْك طَعْنَةُ ذِي حِفَاظٍ ... كَرِيمِ الْبَيْتِ لَيْسَ بِذِي فُجُورِ لَهُ فَضْلٌ عَلَى الْأَحْيَاءِ طُرّا ... إذَا نَابَتْ مُلِمّاتُ الْأُمُورِSقَتْلُ الرّسُولِ لِأُبَيّ بْنِ خَلَفٍ فَصْلٌ [ ص 269 ] وَذَكَرَ قَتْلَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأُبَيّ وَفِيهِ تَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُر الشّعْرَاءِ عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ . الشّعْرَاءُ ذُبَابٌ صَغِيرٌ لَهُ لَدْغٌ تَقُولُ الْعَرَبُ فِي أَمْثَالِهَا : قِيلَ لِلذّئْبِ مَا تَقُولُ فِي غَنِيمَةٍ تَحْرُسُهَا جُوَيْرِيَةُ ؟ قَالَ شُحَيْمَةُ فِي حَلْقِي ، قِيلَ فَمَا تَقُولُ فِي غَنِيمَةٍ يَحْسُرُهَا غُلَيْمٌ ؟ قَالَ شَعْرَاءُ فِي إبْطِي أَخْشَى خُطُوَاتِهِ الْخُطُوَاتُ سِهَامٌ مِنْ قُضْبَانٍ لَيّنَةٍ يَتَعَلّمُ بِهَا الْغِلْمَانُ الرّمْيَ وَهِيَ الْجُمّاحُ أَيْضًا قَالَ الشّاعِرُ أَصَابَتْ حَبّةَ الْقَلْبِ ... بِسَهْمِ غَيْرَ جُمّاحِ مِنْ كِتَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَاهُ الْقُتَبِيّ تَطَايُرَ الشّعَرِ وَقَالَ هِيَ جَمْعُ شَعْرَاءَ وَهِيَ ذُبَابٌ أَصْغَرُ مِنْ الْقَمَعِ وَفِي الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ فَزَجَلَهُ بِالْحَرْبَةِ أَيْ رَمَاهُ بِهَا . [ ص 270 ] انْتِهَاءُ الرّسُولِ إلَى الشّعْبِ [ ص 271 ] قَالَ ) : فَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى فَمِ الشّعْبِ خَرَجَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، حَتّى مَلَأ دَوْقَتَهُ مَاءً مِنْ الْمِهْرَاسِ ، فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَشْرَبَ مِنْهُ فَوَجَدَهُ لَهُ رِيحًا ، فَعَافَهُ فَلَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ وَغَسَلَ عَنْ وَجْهِهِ الدّمَ وَصَبّ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ اشْتَدّ غَضَبُ اللّهِ عَلَى مَنْ دَمّى وَجْهَ نَبِيّهِ حِرْصُ ابْنِ أَبِي وَقّاصٍ عَلَى قَتْلِ عُتْبَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَمّنْ حَدّثَهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ وَاَللّهِ مَا حَرَصْت عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ قَطّ كَحِرْصِي عَلَى قَتْلِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ، وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمْت لَسَيّئَ الْخُلُقِ مُبْغَضًا فِي قَوْمِهِ وَلَقَدْ كَفَانِي مَعَهُ قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اشْتَدّ غَضَبُ اللّهِ عَلَى مَنْ دَمّى وَجْهَ رَسُولِهِ حَوْلَ عَيْنِ قَتَادَةَ [ ص 271 ] وَذَكَرَ قَتَادَةَ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ أَخُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ لِأُمّهِ وَهُوَ الرّجُلُ الّذِي سَمِعَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَقْرَأُ { قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ } يُرَدّدُهَا ، فَقَالَ وَجَبَتْ وَحَدِيثُهُ فِي الْمُوَطّأِ وَذَكَرَ أَنّ عَيْنَهُ أُصِيبَتْ يَوْمَ أُحُدٍ . رَوَى عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ أُصِيبَتْ عَيْنُ رَجُلٍ مِنّا يَوْمَ أُحُدٍ ، وَهُوَ قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ ، حَتّى وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ إنّ لِي امْرَأَةً أُحِبّهَا ، وَأَخْشَى إنْ رَأَتْنِي أَنْ تَقْذَرَنِي ، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِيَدِهِ وَرَدّهَا إلَى مَوْضِعِهَا ، وَقَالَ اللّهُمّ اكْسِبْهُ جَمَالًا فَكَانَتْ أَحَسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدّهُمَا نَظَرًا ، وَكَانَتْ لَا تَرْمَدُ إذَا رَمِدَتْ الْأُخْرَى " ، وَقَدْ وَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللّهُ - رَجُلٌ مِنْ ذُرّيّتِهِ فَسَأَلَهُ عُمَرُ مَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ أَنَا ابْنُ الّذِي سَالَتْ عَلَى الْخَدّ عَيْنُهُ ... فَرُدّتْ بِكَفّ الْمُصْطَفَى أَيّمَا رَدّ فَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ لِأَوّلِ أَمْرِهَا ... فَيَا حُسْنَ مَا عَيْنٍ وَيَا حُسْنَ مَا خَدّ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ ... شِيبَا بِمَاءِ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالَا [ ص 272 ] وَأَحْسَنَ جَائِزَتَهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنّ عَيْنَيْهِ جَمِيعًا سَقَطَتَا ، فَرَدّهُمَا النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - رَوَاهُ مُحَمّدُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ [ أَبُو مَرْوَانَ الْأُمَوِيّ ] عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَخِيهِ قَتَادَةَ بْنِ النّعْمَانِ قَالَ أُصِيبَتْ عَيْنَايَ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَسَقَطَتَا عَلَى وَجْنَتِي ، فَأَتَيْت بِهِمَا النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَعَادَهُمَا النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مَكَانَهُمَا ، وَبَصَقَ فِيهِمَا فَعَادَتَا تَبْرُقَانِ [ ص 273 ] قَالَ الدّارَقُطْنِيّ : هَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ عَنْ مَالِكٍ تَفَرّدَ بِهِ عَمّارُ بْنُ نَضْرٍ وَهُوَ ثِقَةٌ وَرَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ عَنْ إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيّ عَنْ عَمّارِ بْنِ نَصْرٍ [ السّعْدِيّ أَبُو يَاسِرٍ الْمَرْوَزِيّ ] . صُعُودُ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ وَقِتَالُ عُمَرَ لَهُمْ [ ص 272 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالشّعْبِ مَعَهُ أُولَئِكَ النّفَرُ مِنْ أَصْحَابِهِ إذْ عَلَتْ عَالِيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كَانَ عَلَى تِلْكَ الْخَيْلِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ إنّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا فَقَاتَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَرَهْطٌ مَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتّى أَهْبَطُوهُمْ مِنْ الْجَبَلِ . ضَعْفُ الرّسُولِ عَنْ النّهُوضِ وَمُعَاوَنَةُ طَلْحَةَ لَهُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى صَخْرَةٍ مِنْ الْجَبَلِ لِيَعْلُوَهَا ، وَقَدْ كَانَ بَدّنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ فَلَمّا ذَهَبَ لِيَنْهَضَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَسْتَطِعْ فَجَلَسَ تَحْتَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ ، فَنَهَضَ بِهِ حَتّى اسْتَوَى عَلَيْهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ الزّبَيْرِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ يَقُولُ أَوْجَبَ طَلْحَةُ حِينَ صَنَعَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا صَنَعَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَبْلُغْ الدّرَجَةَ الْمَبْنِيّةَ فِي الشّعْبِ صَلَاةُ الرّسُولِ قَاعِدًا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ : أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَلّى الظّهْرَ يَوْمَ أُحُدٍ قَاعِدًا مِنْ الْجِرَاحِ الّتِي أَصَابَتْهُ وَصَلّى الْمُسْلِمُونَ خَلْفَهُ قُعُودًا مَقْتَلُ الْيَمَانِ وَابْنِ وَقْشٍ [ ص 273 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ النّاسُ انْهَزَمُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى انْتَهَى بَعْضُهُمْ إلَى الْمُنَقّى ، دَوّنَ الْأَعْوَصِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ ، قَالَ [ ص 274 ] لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ ، رَفَعَ حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ وَهُوَ الْيَمَانِ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، وَثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فِي الْآطَامِ مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ وَهُمَا شَيْخَانِ كَبِيرَانِ لَا أَبَا لَك ، مَا تَنْتَظِرُ ؟ فَوَاَللّهِ لَا بَقِيَ لِوَاحِدِ مِنّا مِنْ عُمُرِهِ إلّا ظِمْءُ حِمَارٍ إنّمَا نَحْنُ هَامَةُ الْيَوْمِ أَوْ غَد ، أَفَلَا نَأْخُذُ أَسْيَافَنَا ، ثُمّ نَلْحَقُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَعَلّ اللّهُ يَرْزُقُنَا شَهَادَةً مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ فَأَخَذَا أَسْيَافَهُمَا ثُمّ خَرَجَا ، حَتّى دَخَلَا فِي النّاسِ وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِمَا ، فَأَمّا ثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فَقَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ وَأَمّا حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلُوهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَبِي ، فَقَالُوا : وَاَللّهِ إنْ عَرَفْنَاهُ وَصَدَقُوا . قَالَ حُذَيْفَةُ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَدِيَهُ فَتَصَدّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَزَادَهُ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًاSحَوْلَ نَسَبِ حُذَيْفَةَ الْيَمَانِيّ فَصْلٌ وَذَكَرَ ثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ وَالْوَقْشُ الْحَرَكَةُ وَحُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ وَالِدُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، وَسُمّيَ حُسَيْلَ بْنَ جَابِرٍ الْيَمَانِيّ لِأَنّهُ مِنْ وَلَدِ جِرْوَةِ بْنِ مَازِنِ بْنِ قُطَيْعَةَ بْنِ عَبْسِ [ بْنِ بَغِيضٍ ] وَكَانَ جِرْوَةُ قَدْ بَعُدَ عَنْ أَهْلِهِ فِي الْيَمَنِ زَمَنًا طَوِيلًا ، ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ فَسَمّوْهُ الْيَمَانِيّ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ يُكَنّى أَبَا عَبْدِ اللّهِ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أُمّهُ الرّبَابُ بِنْتُ كَعْبٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ يَعْنِي الْيَمَانِيّ أَسْيَافُ الْمُسْلِمِينَ . وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ عَبّاسٍ : إنّ الّذِي قَتَلَهُ مِنْهُمْ خَطَأً هُوَ عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ أَخُو عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَجَدّ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الْفَقِيهِ ذَكَرَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي التّفْسِيرِ وَعُتْبَةُ هُوَ أَوّلُ مَنْ سَمّى الْمُصْحَفَ مُصْحَفًا ، فِيمَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي الْجَامِعِ . الْهَامَةُ وَالظّمْءُ وَقَوْلُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ وَحُسَيْلٍ إنّمَا نَحْنُ هَامَةُ الْيَوْمَ أَوْ غَد ، يُرِيد : الْمَوْتَ وَكَانَ مِنْ مَذْهَبِ الْعَرَبِ فِي الْمَيّتِ أَنّ رُوحَهُ تَصِيرُ هَامَةً وَلِذَلِكَ قَالَ الْآخَرُ وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ وَقَوْلُهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمُرِنَا إلّا ظِمْءُ حِمَارٍ . إنّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنّ الْحِمَارَ أَقْصَرُ الدّوَابّ ظِمْئًا ، وَالْإِبِلُ أَطْوَلُهَا إظْمَاءً . مَقْتَلُ حَاطِبٍ وَمَقَالَةُ أَبِيهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ رَجُلًا مِنْهُمْ كَانَ يُدْعَى حَاطِبَ بْنَ أُمَيّةَ بْنِ رَافِعٍ وَكَانَ لَهُ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ حَاطِبٍ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَأُتِيَ بِهِ إلَى دَارِ قَوْمِهِ وَهُوَ بِالْمَوْتِ فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ أَهْلُ الدّارِ فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ لَهُ مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ أَبْشِرْ يَا ابْنَ حَاطِبٍ بِالْجَنّةِ ، قَالَ وَكَانَ حَاطِبٌ شَيْخًا قَدْ عَسَا فِي الْجَاهِلِيّةِ فَنَجَمَ يَوْمئِذٍ نِفَاقُهُ فَقَالَ بِأَيّ شَيْءٍ تُبَشّرُونَهُ ؟ بِجَنّةِ مِنْ حَرْمَلٍ غَرَرْتُمْ وَاَللّهِ هَذَا الْغُلَامَ مِنْ نَفْسِهِ . مَقْتَلُ قُزْمَانَ مُنَافِقًا كَمَا حَدّثَ الرّسُولُ بِذَلِكَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، قَالَ كَانَ فِينَا رَجُلٌ أَتِيّ لَا يَدْرِي مِمّنْ هُوَ يُقَالُ لَهُ قُزْمَانُ ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ إذَا ذُكِرَ لَهُ إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ النّارِ ، قَالَ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا ، فَقَتَلَ وَحْدَهُ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ ذَا بَأْسٍ فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ فَاحْتُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرَ ، قَالَ فَجَعَلَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ لَهُ وَاَللّهِ لَقَدْ أَبْلَيْت الْيَوْمَ يَا قُزْمَانُ ، فَأَبْشِرْ قَالَ بِمَاذَا أَبْشِرْ ؟ فَوَاَللّهِ إنْ قَاتَلْت إلّا عَنْ أَحْسَابِ قَوْمِي ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا قَاتَلْت . قَالَ فَلَمّا اشْتَدّتْ عَلَيْهِ جِرَاحَتُهُ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَقَتَلَ بِهِ نَفْسَهُSحَوْلَ بَعْضِ رِجَالِ أُحُدٍ [ ص 274 ] وَذَكَرَ قُزْمَانَ ، وَهُوَ اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَزَمِ وَهُوَ رُذَالُ الْمَالِ وَيُقَالُ الْقُزْمَانُ الرّدِيءُ مِنْ كُلّ شَيْءٍ . وَذَكَرَ الْأُصَيْرِمَ ، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ ، وَيُقَالُ فِيهِ وَقَشٌ بِتَحْرِيكِ الْقَافِ . وَقَوْلُ حَاطِبٍ الْمُنَافِقِ الْجَنّةُ مِنْ حَرْمَلٍ يُرِيدُ الْأَرْضَ الّتِي دُفِنَ فِيهَا وَكَانَتْ تُنْبِتُ الْحَرْمَلَ أَيْ لَيْسَ لَهُ جَنّةٌ إلّا ذَاكَ . [ ص 275 ] قَتْلُ مُخَيْرِيقٍ [ ص 275 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّنْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ مُخَيْرِيقٌ ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ الْفِطْيُونِ قَالَ لَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ ، قَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ وَاَللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنّ نَصْرَ مُحَمّدٍ عَلَيْكُمْ لَحَقّ ، قَالُوا : إنّ الْيَوْمَ يَوْمُ السّبْتِ قَالَ لَا سَبْتَ لَكُمْ . فَأَخَذَ سَيْفَهُ وَعُدّتَهُ وَقَالَ إنْ أُصِبْت فَمَالِي لِمُحَمّدِ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ ثُمّ غَدَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَاتَلَ مَعَهُ حَتّى قُتِلَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنَا : مُخَيْرِيقٌ خَيْرُ يَهُودَ أَمْرُ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْد قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد بْنِ صَامِتٍ مُنَافِقًا ، فَخَرَجَ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ عَدَا عَلَى الْمُجَذّرِ بْنِ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ وَقَيْسِ بْنِ زَيْدٍ أَحَدِ بَنِي ضُبَيْعَةَ فَقَتَلَهُمَا ، ثُمّ لَحِقَ بِمَكّةَ بِقُرَيْشِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا يَذْكُرُونَ قَدْ أَمَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ بِقَتْلِهِ إنْ هُوَ ظَفِرَ بِهِ فَفَاتَهُ فَكَانَ بِمَكّةَ ثُمّ بَعَثَ إلَى أَخِيهِ الْجُلَاسِ بْنِ سُوَيْد يَطْلُبُ التّوْبَةَ لِيَرْجِعَ إلَى قَوْمِهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ فِيمَا بَلَغَنِي ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : { كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنّ الرّسُولَ حَقّ وَجَاءَهُمُ الْبَيّنَاتُ وَاللّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ . تَحْقِيقُ ابْنِ هِشَامٍ فِيمَنْ قَتَلَ الْمُجَذّرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْد قَتَلَ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ وَلَمْ يَقْتُلْ قَيْسَ بْنَ زَيْدٍ وَالدّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ ، وَإِنّمَا قَتَلَ الْمُجَذّرَ لِأَنّ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ كَانَ قَتَلَ أَبَاهُ سُوَيْدًا فِي بَعْضِ الْحُرُوبِ الّتِي كَانَتْ بَيْن الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ . فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إذْ خَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد مِنْ بَعْضِ حَوَائِطِ الْمَدِينَةِ ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُضَرّجَانِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَيُقَالُ بَعْضُ الْأَنْصَارِ . [ ص 276 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَتَلَ سُوَيْد بْنَ الصّامِتِ مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ غِيلَةً فِي غَيْرِ حَرْبٍ رَمَاهُ بِسَهْمِ فَقَتَلَهُ قَبْلَ يَوْمِ بُعَاثٍ . أَمْرُ أُصَيْرِمٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ يَقُولُ حَدّثُونِي عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْجَنّةَ لَمْ يُصَلّ قَطّ ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ النّاسُ سَأَلُوهُ مَنْ هُوَ ؟ فَيَقُولُ أُصَيْرِمُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ . قَالَ الْحُصَيْنُ فَقُلْت لِمَحْمُودِ بْنِ أَسَدٍ : كَيْفَ كَانَ شَأْنُ الْأُصَيْرِمِ ؟ قَالَ كَانَ يَأْبَى الْإِسْلَامَ عَلَى قَوْمِهِ . فَلَمّا كَانَ يَوْمٌ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ ، بَدَا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَعَدَا حَتّى دَخَلَ فِي عُرْضِ النّاسِ فَقَاتَلَ حَتّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ . قَالَ فَبَيْنَا رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَلْتَمِسُونَ قَتْلَاهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ إذَا هُمْ بِهِ فَقَالُوا : وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَلْأُصَيْرِمُ مَا جَاءَ بِهِ ؟ لَقَدْ تَرَكْنَاهُ وَأَنّهُ لَمُنْكِرٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَسَأَلُوهُ مَا جَاءَ بِهِ فَقَالُوا : مَا جَاءَ بِك يَا عَمْرُو ؟ أَحَدَبٌ عَلَى قَوْمِك أَمْ رَغْبَةٌ فِي الْإِسْلَامِ ؟ قَالَ بَلْ رَغْبَةٌ فِي الْإِسْلَامِ آمَنْت بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَسْلَمْت ، ثُمّ أَخَذْت سَيْفِي ، فَغَدَوْت مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَاتَلْت حَتّى أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي ، ثُمّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فِي أَيْدِيهِمْ . فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ . مَقْتَلُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَنّ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ كَانَ رَجُلًا أَعْرَجَ شَدِيدَ الْعَرَجِ ، وَكَانَ لَهُ بَنُونَ أَرْبَعَةٌ مِثْلُ الْأُسْدِ يَشْهَدُونَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَشَاهِدَ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أَرَادُوا حَبْسَهُ وَقَالُوا لَهُ إنّ اللّهَ [ ص 277 ] عَزّ وَجَلّ قَدْ عَذَرَك ، فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّ بَنِيّ يُرِيدُونَ أَنْ يَحْبِسُونِي عَنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْخُرُوجِ مَعَك فِيهِ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَرْجُو أَنْ أَطَأَ بِعَرْجَتِي هَذِهِ فِي الْجَنّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمّا أَنْتَ فَقَدْ عَذَرَك اللّهُ فَلَا جِهَادَ عَلَيْك ، وَقَالَ لِبَنِيهِ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَمْنَعُوهُ لَعَلّ اللّهَ أَنْ يَرْزُقَهُ الشّهَادَةَ فَخَرَجَ مَعَهُ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ .Sابْنُ الْجَمُوحِ فَصْلٌ [ ص 276 ] وَذَكَرَ خَبَرَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ حِينَ أَرَادَ بَنُوهُ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى آخِرِ الْقِصّةِ وَزَادَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّهُ لَمّا خَرَجَ قَالَ اللّهُمّ لَا تَرُدّنِي ، فَاسْتُشْهِدَ فَجَعَلُوهُ بَنُوهُ عَلَى بَعِيرٍ لِيَحْمِلُوهُ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِمْ الْبَعِيرُ فَكَانَ إذَا وَجّهُوهُ إلَى كُلّ جِهَةٍ سَارَعَ إلّا جِهَةِ الْمَدِينَةِ ، فَكَانَ يَأْبَى الرّجُوعَ إلَيْهَا ، فَلَمّا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ ذَكَرُوا قَوْلَهُ اللّهُمّ لَا تَرُدّنِي إلَيْهَا ، فَدَفَنُوهُ فِي مَصْرَعِهِ . هِنْدُ وَتَمْثِيلُهَا بِحَمْزَةِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَوَقَعَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ ، كَمَا حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ ، وَالنّسْوَةُ اللّاتِي مَعَهَا ، يُمَثّلْنَ بِالْقَتْلَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُجَدّعْنَ الْآذَانَ وَالْأُنُفَ حَتّى اتّخَذَتْ هِنْدُ مِنْ آذَانِ الرّجَالِ وَأُنُفِهِمْ خَدَمًا وَقَلَائِدَ وَأَعْطَتْ خَدَمَهَا وَقَلَائِدَهَا وَقِرَطَتَهَا وَحْشِيّا ، غُلَامَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، وَبَقَرَتْ عَنْ كَبِدِ حَمْزَةَ فَلَاكَتْهَا ، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُسِيغَهَا ، فَلَفَظَتْهَا ، ثُمّ عَلَتْ عَلَى صَخْرَةٍ مُشْرِفَةٍ فَصَرَخَتْ بِأَعْلَى صَوْتهَا فَقَالَتْ نَحْنُ جَزَيْنَاكُمْ بِيَوْمِ بَدْرٍ ... وَالْحَرْبُ بَعْدَ الْحَرْبِ ذَاتُ سُعْرِ مَا كَانَ عَنْ عُتْبَةَ لِي مِنْ صَبْرِ ... وَلَا أَخِي وَعَمّهِ وَبَكْرِي شَفَيْت نَفْسِي وَقَضَيْت نَذْرِي ... شَفَيْت وَحْشِيّ غَلِيلَ صَدْرِي فَشُكْرُ وَحْشِيّ عَلَيّ عُمْرِي ... حَتّى تُرَمّ أَعْظُمِي فِي قَبْرِي شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ فِي الرّدّ عَلَى هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ فَأَجَابَتْهَا هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عُبّادِ بْنِ الْمُطَلّبِ فَقَالَتْ [ ص 278 ] خَزِيت فِي بَدْرٍ وَبَعْدَ بَدْرٍ ... يَا بِنْت وَقّاعٍ عَظِيمِ الْكُفْرِ صَبّحَك اللّهُ غَدَاةَ الْفَجْرِ ... مِلْهاشِمِيّينِ الطّوّالِ الزّهْرِ بِكُلّ قُطّاعٍ حُسَامٍ يَفْرِي ... حَمْزَةُ لَيْثِيٌ وَعَلِيّ صَقْرِيّ إذَا رَامَ شَيْبٌ وَأَبُوك غَدْرِي ... فَخَضْبًا مِنْهُ ضَوَاحِي النّحْرِ وَنَذْرُك السّوءُ فَشَرّ نَذْرٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ أَقَذَعَتْ فِيهَا . شِعْرٌ لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ أَيْضًا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ أَيْضًا : شَفَيْت مِنْ حَمْزَةَ نَفْسِي بِأُحُدْ ... حَتّى بَقَرْت بَطْنَهُ عَنْ الْكَبِدْ أَذَهَبَ عَنّي ذَاكَ مَا كُنْت أَجِدْ ... مِنْ لَذْعَةِ الْحُزْنِ الشّدِيدِ الْمُعْتَمِدْ وَالْحَرْبُ تَعْلُوكُمْ بِشُؤْبُوبٍ بَرِدْ ... تُقْدِمُ إقْدَامًا عَلَيْكُمْ كَالْأَسَدِ تَحْرِيضُ عُمَرَ لِحَسّانَ عَلَى هَجْوِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ أَنّهُ حَدّثَ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ قَالَ لِحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ يَا ابْنَ الْفُرَيْعَةِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْفُرَيْعَةُ بِنْتُ خَالِدِ بْنِ خُنَيْسٍ وَيُقَالُ خُنَيْسُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَان بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ لَوْ سَمِعْت مَا تَقُولُ هِنْدٌ ، وَأَرَيْت أَشِرَهَا قَائِمَةً عَلَى صَخْرَةٍ تَرْتَجِزُ بِنَا ، وَتَذْكُرُ مَا صَنَعَتْ بِحَمْزَةِ ؟ قَالَ لَهُ حَسّانُ وَاَللّهِ إنّي لَأَنْظُرُ إلَى الْحَرْبَةِ تَهْوِي وَأَنَا عَلَى رَأْسٍ فَارِعٍ يَعْنِي أُطُمَهُ فَقُلْت : وَاَللّهِ إنّ هَذِهِ لَسِلَاحَ مَا هِيَ بِسِلَاحِ الْعَرَبِ ، وَكَأَنّهَا إنّمَا تَهْوِي إلَى حَمْزَةَ وَلَا أَدْرِي ، لَكِنْ أَسْمِعْنِي بَعْضَ قَوْلِهَا أَكْفِكُمُوهَا ، قَالَ فَأَنْشَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ بَعْضَ مَا قَالَتْ فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ : أَشِرَتْ لَكَاعُ وَكَانَ عَادَتُهَا ... لُؤْمًا إذَا أَشَرَتْ مَعَ الْكُفْرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ تَرَكْنَاهَا ، وَأَبْيَاتًا أَيْضًا لَهُ عَلَى الدّالِ . وَأَبْيَاتًا أُخَرُ عَلَى الذّالِ لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهَا . اسْتِنْكَارُ الْحُلَيْسِ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ تَمْثِيلَهُ بِحَمْزَةِ [ ص 279 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ الْحُلَيْسُ بْنُ زَبّانٍ أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ وَهُوَ يَوْمئِذٍ سَيّدُ الأبيش ، قَدْ مَرّ بِأَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَضْرِبُ فِي شِدْقِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بِزُجّ الرّمْحِ وَيَقُولُ ذُقْ عُقَقُ . فَقَالَ الْحُلَيْسُ يَا بَنِي كِنَانَةَ هَذَا سَيّدُ قُرَيْشٍ يَصْنَعُ بِابْنِ عَمّهِ مَا تَرَوْنَ لَحْمًا ؟ فَقَالَ وَيْحَك اُكْتُمْهَا عَنّي ، فَإِنّهَا كَانَتْ زَلّةًSحُكْمُ ( مِنْ ) وَالسّاكِنُ بَعْدَهَا فَصْلٌ [ ص 277 ] هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ مِلْ هَاشِمِيّيْنِ الطّوّالِ الزّهْرِ بِحَذْفِ النّونِ مِنْ حَرْفِ مِنْ لِالْتِقَاءِ السّاكِنَيْنِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلّا فِي مِنْ وَحْدَهَا لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا ، كَمَا خُصّتْ نُونُهَا بِالْفَتْحِ إذَا الْتَقَتْ مَعَ لَامِ التّعْرِيفِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي نُونٍ سَاكِنَةٍ غَيْرِهَا ، كَرِهُوا تُوَالِي الْكَسْرَتَيْنِ مَعَ تَوَالِي الِاسْتِعْمَالِ فَإِنْ الْتَقَتْ مَعَ سَاكِنٍ غَيْرِ لَامِ التّعْرِيفِ نَحْوُ مَنْ ابْنُك ، وَمَنْ اسْمُك ، كَسَرْت عَلَى الْأَصْلِ وَالْقِيَاسِ الْمُسْتَتِبّ . قَالَ سِيبَوَيْهِ : وَقَدْ فَتَحَهَا قَوْمٌ فُصَحَاءُ يَعْنِي مَعَ غَيْرِ لَامِ التّعْرِيفِ . لَكَاعُ وَلُكَعُ [ ص 278 ] هِنْدٍ : أَشِرَتْ لَكَاعُ جَعَلَهُ اسْمًا لَهَا فِي غَيْرِ النّدَاءِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ فِي النّدَاءِ أَكْثَرُ نَحْوُ يَا غَدَارِ وَيَا فَسَاقِ وَكَذَلِكَ لُكَعٌ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ النّدَاءِ نَحْوُ [ ص 279 ] أَيْنَ لُكَعُ يَعْنِي : الْحَسَنَ أَوْ الْحُسَيْنَ مُمَازِحًا لَهُمَا . فَإِنْ قِيلَ إنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَانَ يَمْزَحُ وَلَا يَقُولُ إلّا حَقّا ، فَكَيْفَ يَقُولُ أَيْنَ لُكَعُ وَقَدْ سَمّاهُ سَيّدًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ ؟ فَالْجَوَابُ أَنّهُ أَرَادَ التّشْبِيهَ بِاللّكَعِ الّذِي هُوَ الْفَلُوّ أَوْ الْمُهْرُ لِأَنّهُ طِفْلٌ كَمَا أَنّ الْفَلُوّ وَالْمُهْرُ كَذَلِكَ وَإِذَا قَصَدَ بِالْكَلَامِ قَصْدَ التّشْبِيهِ لَمْ يَكُنْ كَذِبًا ، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى يَكُونَ أَسْعَدَ النّاسِ فِي الدّنْيَا لُكَعُ بْنُ لُكَعٍ وَاللّكَعُ فِي اللّغَةِ وَسَخُ الْغُرْلَةِ وَهُوَ أَيْضًا الْفَلُوّ الصّغِيرُ فَمِنْ أَجْلِ هَذَا جَازَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي غَيْرِ النّدَاءِ لِأَنّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ مَعْدُولٍ كَمَا عُدِلَ خُبَثُ عَنْ خَبِيثٍ وَفُسَقُ عَنْ فَاسِقٍ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ فِي الزّاهِرِ : اشْتِقَاقُهُ مِنْ الْمَلَاكِعِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مَعَ الْمَوْلُودِ مِنْ مَاءِ الرّحِمِ وَدَمِهَا ، وَأَنْشَدَ رَمَتْ الْفَلَاةُ بِمَعْجَلٍ مُتَسَرْبِلٍ ... غِرْسَ السّلَى وَمَلَاكِعَ الْأَمْشَاجِ [ ص 280 ] قَالَ وَيُقَالُ فِي الْوَاحِدِ يَا لُكَعُ وَفِي الِاثْنَيْنِ يَا ذَوِي لَكِيعَةَ وَلَكَاعَةٍ وَلَا تُصْرَفُ لَكِيعَةَ وَلَكِنْ تُصْرَفُ لَكَاعَةُ لِأَنّهُ مَصْدَرٌ وَفِي الْجَمِيعِ يَا ذَوِي لَكِيعَةَ وَلَكَاعَةٍ وَفِي الْمُؤَنّثِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ . قَالَ الْمُؤَلّفُ وَلَا يُقَالُ يَا لُكَاعَانِ وَلَا فُسَقَانِ لِسِرّ شَرَحْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ . وَتَلْخِيصُ مَعْنَاهُ أَنّ الْعَرَبَ قَصَدَتْ بِهَذَا النّبَإِ مِنْ النّدَاءِ قَصْدَ الْعَلَمِ لِأَنّ الِاسْمَ الْعَلَمَ أَلْزَمُ لِلْمُسَمّى مِنْ الْوَصْفِ الْمُشْتَقّ مِنْ الْفِعْلِ نَحْوُ فَاسِقٍ وَغَادِرٍ كَمَا قَالُوا : عُمَرُ وَعَدَلُوا عَنْ عَامِرٍ الّذِي هُوَ وَصْفٌ فِي الْأَصْلِ تَحْقِيقًا مِنْهُمْ لِلْعَلَمِيّةِ ثُمّ إنّ الِاسْمَ الْعَلَمَ لَا يُثَنّى وَلَا يُجْمَعُ وَهُوَ عَلَمٌ فَإِذَا ثُنّيَ زَالَ عَنْهُ تَعْرِيفُ الْعَلَمِيّةِ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يُثَنّوا يَا فُسَقُ وَيَا غُدَرُ لِأَنّ فِي ذَلِكَ نَقْضًا لِمَا قَصْدُوهُ مِنْ تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الِاسْمِ الْعَلَمِ أَيْ إنّهُ مُسْتَحِقّ لِأَنْ يُسَمّى بِهَذَا الِاسْمِ فَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يَقُولُوا : يَا فَاسِقُ فَيَجِيئُوا بِالِاسْمِ الّذِي يَجْرِي مَجْرَى الْفِعْلِ وَالْفِعْلُ غَيْرُ لَازِمٍ وَالْعَلَمُ أُلْزِمَ مَعَهُ وَالتّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ تُبْطِلُ الْعَلَمِيّةَ كَمَا ذَكَرْنَا فَافْهَمْهُ وَوَقَعَ فِي الْمُوَطّإِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ لِمُوَلّاةِ لَهُ اُقْعُدِي لُكَعُ وَفْد عِيبَتْ هَذِهِ الرّوَايَةُ عَلَى يَحْيَى ، لِأَنّ الْمَرْأَةَ إنّمَا يُقَالُ لَهَا : لَكَاعِ وَقَدْ وَجَدْت الْحَدِيثَ كَمَا رَوَاهُ يَحْيَى فِي كِتَابِ الدّارَقُطْنِيّ ، وَوَجْهُهُ فِي الْعَرَبِيّةِ أَنّهُ مَنْقُولٌ غَيْرُ مَعْدُولٍ فَجَائِزٌ أَنْ يُقَالَ لِلْأَمَةِ يَا لُكَعُ كَمَا يُقَالُ لَهَا إذَا سُبّتْ يَا زُبَلُ وَيَا وُسَخُ إذْ اللّكَعُ ضَرْبٌ مِنْ الْوَسَخِ كَمَا قَدّمْنَاهُ وَهُوَ فِي كِتَابِ الْعَيْنِ . شَمَاتَةُ أَبِي سُفْيَانَ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أُحُدٍ وَحَدِيثُهُ مَعَ عُمَرَ ثُمّ إنّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ حِينَ أَرَادَ الِانْصِرَافَ أَشْرَفَ عَلَى الْجَبَلِ ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ فَقَالَ أَنِعْمَتْ فَعَالِ وَإِنّ الْحَرْبَ سِجَالٌ يَوْمٌ بِيَوْمِ أَعْلِ هُبَلُ أَيْ اظْهَرْ دِينك ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُمْ يَا عُمَرُ فَأَجِبْهُ ، فَقُلْ اللّهُ أَعَلَى وَأَجَلّ ، لَا سَوَاءَ قَتْلَانَا فِي الْجَنّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النّارِ . فَلَمّا أَجَابَ عُمَرُ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ هَلُمّ إلَيّ يَا عُمَرُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعُمَرِ ائْتِهِ فَانْظُرْ مَا شَأْنُهُ ؛ فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ أَنْشُدُك اللّهَ يَا عُمَرُ أَقَتَلْنَا مُحَمّدًا ؟ قَالَ عُمَرُ اللّهُمّ لَا ، وَإِنّهُ لَيَسْمَعَ كَلَامَك الْآنَ قَالَ أَنْتَ أَصْدَقُ عِنْدِي مِنْ ابْنِ قَمِئَةَ وَأَبَرّ لِقَوْلِ ابْنِ قَمِئَةَ لَهُمْ إنّي قَدْ قَتَلْت مُحَمّدًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ ابْنِ قَمِئَةَ عَبْدُ اللّهِ . تَوَعّدُ أَبِي سُفْيَانَ الْمُسْلِمِينَ [ ص 280 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ نَادَى أَبُو سُفْيَانَ إنّهُ قَدْ كَانَ فِي قَتْلَاكُمْ مُثُلٌ وَاَللّهِ مَا رَضِيت ، وَمَا سَخِطْت ، وَمَا نَهَيْت ، وَمَا أَمَرْت . وَلَمّا انْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ نَادَى : إنّ مَوْعِدَكُمْ بَدْرٌ لِلْعَامِ الْقَابِلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِرَجُلِ مِنْ أَصْحَابِهِ قُلْ نَعَمْ هُوَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ مَوْعِدٌ خُرُوجُ عَلِيّ فِي آثَارِ الْمُشْرِكِينَ ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ اُخْرُجْ فِي آثَارِ الْقَوْمِ ، فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُونَ وَمَا يُرِيدُونَ فَإِنْ كَانُوا قَدْ جَنّبُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوْا الْإِبِلَ فَإِنّهُمْ يُرِيدُونَ مَكّةَ ، وَإِنْ رَكِبُوا الْخَيْلَ وَسَاقُوا الْإِبِلَ فَإِنّهُمْ يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ ، وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ أَرَادُوهَا لَأَسِيرَنّ إلَيْهِمْ فِيهَا ، ثُمّ لَأُنَاجِزَنّهُمْ . قَالَ عَلِيّ : فَخَرَجْت فِي آثَارِهِمْ أَنْظُرُ مَاذَا يَصْنَعُونَ فَجَنّبُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوْا الْإِبِلَ وَوَجّهُوا إلَى مَكّةَ أَمْرُ الْقَتْلَى بِأُحُدِ [ ص 281 ] فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيّ أَخُو بَنِي النّجّارِ مِنْ رَجُلٍ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ ؟ أَفِي الْأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : أَنَا أَنْظُرُ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ مَا فَعَلَ سَعْدٌ فَنَظَرَ فَوَجَدَهُ جَرِيحًا فِي الْقَتْلَى وَبِهِ رَمَقٌ . قَالَ فَقُلْت لَهُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ أَفِي الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ ؟ قَالَ أَنَا فِي الْأَمْوَاتِ فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنّي السّلَامَ وَقُلْ لَهُ إنّ سَعْدَ بْنَ الرّبِيعِ يَقُولُ لَك : جَزَاك اللّهُ عَنّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيّا عَنْ أُمّتِهِ وَأَبْلِغْ قَوْمَك عَنّي السّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ إنّ سَعْدَ بْنَ الرّبِيعِ يَقُولُ لَكُمْ إنّهُ لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ إنْ خُلِصَ إلَى نَبِيّكُمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ . قَالَ ثُمّ لَمْ أَبْرَحْ حَتّى مَاتَ قَالَ فَجِئْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرْته خَبَرَهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الزّبَيْرِيّ أَنّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ وَبِنْتٌ لِسَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ جَارِيَةٌ صَغِيرَةٌ عَلَى صَدْرِهِ يَرْشُفُهَا وَيُقَبّلُهَا فَقَالَ لَهُ الرّجُلُ مَنْ هَذِهِ ؟ قَالَ هَذِهِ بِنْتُ رَجُلٍ خَيْرٍ مِنّي ، سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ ، كَانَ مِنْ النّقَبَاءِ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، وَشَهِدَ بَدْرًا ، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍSالرّسُولُ يَسْأَلُ عَنْ ابْنِ الرّبِيعِ فَصْلٌ [ ص 281 ] وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : أَنَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . الرّجُلُ هُوَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيّ ، وَذَكَرَ أَنّهُ نَادَى فِي الْقَتْلَى : يَا سَعْدُ بْنَ الرّبِيعِ مَرّةً بَعْدَ مَرّةٍ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ ، حَتّى قَالَ يَا سَعْدُ إنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَرْسَلَنِي أَنْظُرُ مَا صَنَعْت ، فَأَجَابَهُ حِينَئِذٍ بِصَوْتِ ضَعِيفٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فِي كِتَابِ الصّحَابَةِ فَإِنّهُ ذَكَرَ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ أَنّ الرّجُلَ الّذِي الْتَمَسَ سَعْدًا فِي الْقَتْلَى هُوَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ . حُزْنُ الرّسُولِ عَلَى حَمْزَةَ وَتَوَعّدُهُ الْمُشْرِكِينَ بِالْمُثْلَةِ قَال [ ص 282 ] ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي يَتَلَمّسُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَوَجَدَهُ بِبَطْنِ الْوَادِي قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ عَنْ كَبِدِهِ وَمُثّلَ بِهِ فَجُدِعَ أَنْفُهُ وَأُذُنَاهُ . فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ حِينَ رَأَى مَا رَأَى : لَوْلَا أَنْ تَحْزَنَ صَفِيّةُ ، وَيَكُونَ سُنّةً مِنْ بَعْدِي لَتَرَكْته ، حَتّى يَكُونَ فِي بُطُونِ السّبَاعِ وَحَوَاصِلِ الطّيْرِ وَلَئِنْ أَظَهَرَنِي اللّهُ عَلَى قُرَيْشٍ فِي مَوْطِنٍ مِنْ الْمَوَاطِنِ لَأُمَثّلَنّ بِثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَلَمّا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَزِنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَغَيْظَهُ عَلَى مَنْ فَعَلَ بِعَمّهِ مَا فَعَلَ قَالُوا : وَاَللّهِ لَئِنْ أَظْفَرَنَا اللّهُ بِهِمْ يَوْمًا مِنْ الدّهْرِ لَنُمَثّلَنّ بِهِمْ مُثْلَةً لَمْ يُمَثّلْهَا أَحَدٌ مِنْ الْعَرَبِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَلَمّا وَقَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى حَمْزَةَ قَالَ " لَنْ أُصَابَ بِمِثْلِك أَبَدًا ؟ مَا وَقَفْت مَوْقِفًا قَطّ أَغْيَظَ إلَيّ مِنْ هَذَا ثُمّ قَالَ " جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ مَكْتُوبٌ فِي أَهْلِ السّمَوَاتِ السّبْعِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، أَسَدُ اللّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحَمْزَةُ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ إخْوَةً مِنْ الرّضَاعَةِ أَرْضَعَتْهُمْ مُوَلّاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ . مَا نَزَلَ فِي النّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ أَنَزَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَوْلِ أَصْحَابِهِ { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلّا بِاللّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ } فَعَفَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصَبَرَ وَنَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حُمَيْدٌ الطّوِيلُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، [ ص 283 ] قَالَ مَا قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَقَامٍ قَطّ . فَفَارَقَهُ حَتّى يَأْمُرَنَا بِالصّدَقَةِ وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِS[ ص 282 ] وَذَكَرَ عَنْ حُمَيْدٍ الطّوِيلِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي النّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ وَحُمَيْدٌ الطّوِيلُ هُوَ حُمَيْدُ بْنُ تِيرَوَيْهِ وَيُقَالُ ابْنُ تِيرِي يُكَنّى أَبَا حُمَيْدَةَ مَوْلَى طَلْحَةَ [ ص 283 ] فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ مَثّلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِالْعُرَنِيّينَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعَيْنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرّةِ قُلْنَا : فِي ذَلِكَ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا : أَنّهُ فَعَلَ ذَلِكَ قِصَاصًا لِأَنّهُمْ قَطَعُوا أَيْدِي الرّعَاءِ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلُوا أَعْيُنَهُمْ رُوِيَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَقِيلَ إنّ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْمُثْلَةِ . فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ تَرَكَهُمْ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ حَتّى مَاتُوا عَطَشًا ، قُلْنَا : عَطّشَهُمْ لِأَنّهُمْ عَطّشُوا أَهْلَ بَيْتِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - تِلْكَ اللّيْلَةَ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمّا بَقِيَ وَأَهْلُهُ تِلْكَ اللّيْلَةَ بِلَا لَبَنٍ قَالَ " اللّهُمّ عَطّشْ مَنْ عَطّشَ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيّك " . وَقَعَ هَذَا فِي شَرْحِ ابْنِ بَطّالٍ ، وَقَدْ خَرّجَهُ النّسَوِيّ . صَلَاةُ الرّسُولِ عَلَى حَمْزَةَ وَالْقَتْلَى قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ ، مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِحَمْزَةِ فَسُجّيَ بِبُرْدَةِ ثُمّ صَلّى عَلَيْهِ فَكَبّرَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمّ أُتِيَ بِالْقَتْلَى فَيُوضَعُونَ إلَى حَمْزَةَ فَصَلّى عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ مَعَهُمْ حَتّى صَلّى عَلَيْهِ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ صَلَاةً [ ص 284 ] صَفِيّةُ وَحُزْنُهَا عَلَى حَمْزَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ أَقْبَلَتْ فِيمَا بَلَغَنِي ، صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ لِتَنْظُرَ إلَيْهِ وَكَانَ أَخَاهَا لِأَبِيهَا وَأُمّهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَابْنِهَا الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ : الْقَهَا فَارْجِعْهَا ، لَا تَرَى مَا بِأَخِيهَا ، فَقَالَ لَهَا : يَا أُمّهْ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُك أَنْ تَرْجِعِي ، قَالَتْ وَلِمَ ؟ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنْ قَدْ مُثّلَ بِأَخِي ، وَذَلِكَ فِي اللّهِ فَمَا أَرْضَانَا بِمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لَأَحْتَسِبَنّ وَلَأَصْبِرَنّ إنْ شَاءَ اللّهُ . فَلَمّا جَاءَ الزّبَيْرُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ قَالَ خَلّ سَبِيلَهَا ، فَأَتَتْهُ فَنَظَرَتْ إلَيْهِ فَصَلّتْ عَلَيْهِ وَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمّ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدُفِنَ .Sالصّلَاةُ عَلَى الشّهَدَاءِ وَرَوَى ابْنُ إسْحَاقَ عَمّنْ لَا يَتّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - صَلّى عَلَى حَمْزَةَ وَعَلَى شُهَدَاءِ يَوْمِ أُحُد ٍ ، وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ ، وَلَا الْأَوْزَاعِيّ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ضَعْفُ إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنّ ابْنَ إسْحَاقَ قَالَ حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ يَعْنِي : الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ - فِيمَا ذَكَرُوا - وَلَا خِلَافَ فِي ضَعْفِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَرَوْنَهُ شَيْئًا ، وَإِنْ كَانَ الّذِي قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ غَيْرَ الْحَسَنِ فَهُوَ مَجْهُولٌ وَالْجَهْلُ يُوبِقُهُ . وَالْوَجْهُ الثّانِي : أَنّهُ حَدِيثٌ لَمْ يَصْحَبْهُ الْعَمَلُ وَلَا يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنّهُ صَلّى عَلَى شَهِيدٍ فِي شَيْءٍ مِنْ مَغَازِيهِ إلّا هَذِهِ الرّوَايَةَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ ، وَكَذَلِكَ فِي مُدّةِ [ ص 284 ] الْخَلِيفَتَيْنِ إلّا أَنْ يَكُونَ الشّهِيدُ مُرْتَثّا مِنْ الْمَعْرَكَةِ وَأَمّا تَرْكُ غَسْلِهِ فَقَدْ أَجَمَعُوا عَلَيْهِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الصّلَاةِ إلّا رِوَايَةً شَاذّةً عِنْدَ بَعْضِ التّابِعِينَ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - تَحْقِيقُ حَيَاةِ الشّهَدَاءِ وَتَصْدِيقُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { وَلَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا } الْآيَةَ مَعَ أَنّ فِي تَرْكِ غُسْلِهِ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ أَنّ دَمَهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ وَهُوَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يُثْعَبُ دَمًا ، وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ فَكَيْفَ يَطْهُرُ مِنْهُ وَهُوَ طَيّبٌ وَأَثَرُ عِبَادَةٍ وَمِنْ هَذَا الْأَصْلِ انْتَزَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَرَاهِيَةَ تَجْفِيفِ الْوَجْهِ مِنْ مَاءِ الْوُضُوءِ وَهُوَ قَوْلُ الزّهْرِيّ ، قَالَ الزّهْرِيّ : وَبَلَغَنِي أَنّهُ يُوزَنُ وَمِنْ هَذَا الْأَصْلِ انْتَزَعَ كَرَاهِيَةَ السّوَاكِ بِالْعَشِيّ لِلصّائِمِ لِئَلّا يَذْهَبُ خُلُوفُ فَمِهِ وَهُوَ أَثَرُ عِبَادَةٍ وَجَاءَ فِيهِ مَا جَاءَ فِي دَمِ الشّهَدَاءِ أَنّهُ أَطْيَبُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَيُرْوَى أَطْيَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِاللّفْظَيْنِ جَمِيعًا ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَجَاءَتْ الْكَرَاهِيَةُ لِلسّوَاكِ بِالْعَشِيّ لِلصّائِمِ عَنْ عَلِيّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، ذَكَرَ ذَلِكَ الدّارَقُطْنِيّ . دفن عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ مَعَ حَمْزَةَ قَالَ فَزَعَمَ لِي آلُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ وَكَانَ لِأُمَيْمَةِ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، حَمْزَةُ خَالُهُ وَقَدْ كَانَ مُثّلَ بِهِ كَمَا مُثّلَ بِحَمْزَةِ إلّا أَنّهُ لَمْ يُبْقَرْ عَنْ كَبِدِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَفَنَهُ مَعَ حَمْزَةَ فِي قَبْرِهِ وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ إلّا عَنْ أَهْلِهِ .Sعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ الْمُجْدَعُ وَذَكَرَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَحْشٍ ابْنَ أُخْت حَمْزَةَ وَأَنّهُ مُثّلَ بِهِ كَمَا مُثّلَ بِحَمْزَةِ وَعِنْدَ اللّهِ هَذَا يُعْرَفُ بِالْمُجْدَعِ فِي اللّهِ لِأَنّهُ جُدِعَ أَنْفُهُ وَاذُنَاه يَوْمئِذٍ وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ يُحَدّثُ أَنّهُ لَقِيَهُ يَوْمَ أُحُدٍ أَوّلَ النّهَارِ فَخَلَا بِهِ وَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ يَا سَعْدُ هَلُمّ فَلْنَدْعُ اللّهَ وَلِيَذْكُرَ كُلّ [ ص 285 ] قَالَ سَعْدٌ فَدَعَوْت اللّهَ أَنْ أَلْقَى فَارِسًا شَدِيدًا بَأْسُهُ شَدِيدًا حَرْدُهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَقْتُلُهُ وَآخُذُ سَلَبَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ آمِنْ ثُمّ اسْتَقْبَلَ عَبْدُ اللّهِ الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السّمَاءِ وَقَالَ اللّهُمّ لَقّنِي الْيَوْمَ فَارِسًا شَدِيدًا بَأْسُهُ شَدِيدًا حَرْدُهُ يَقْتُلُنِي وَيَجْدَعُ أَنْفِي وَأُذُنِي ، فَإِذَا لَقِيتُك غَدًا تَقُولُ لِي : يَا عَبْدِي : فِيمَ جُدِعَ أَنْفُك وَأُذُنَاك ، فَأَقُولُ فِيك يَا رَبّ وَفِي رَسُولِك ، فَتَقُولُ لِي : صَدَقْت ، قُلْ يَا مُحَمّدُ آمِينَ قَالَ فَقُلْت : آمِينَ ثُمّ مَرَرْت بِهِ آخِرَ النّهَارِ قَتِيلًا مَجْدُوع الْأَنْفِ وَالْأُذُنَيْنِ وَأَنّ أُذُنَيْهِ وَأَنْفَهُ مُعَلّقَانِ بِخَيْطِ وَلَقِيت أَنَا فُلَانًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقَتَلْته ، وَأَخَذْت سَلَبَهُ وَذَكَرَ الزّبَيْرُ أَنّ سَيْفَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ انْقَطَعَ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُرْجُونًا ، فَعَادَ فِي يَدِهِ سَيْفًا ، فَقَاتَلَ لَهُ فَكَانَ يُسَمّى ذَلِكَ السّيْفُ الْعُرْجُونَ وَلَمْ يَزَلْ يُتَوَارَثُ حَتّى بِيعَ مِنْ بِغَاء التّرْكِيّ بِمِائَتَيْنِ دِينَارٍ ، وَهَذَا نَحْوٌ مِنْ حَدِيثِ عُكَاشَةَ الّذِي تَقَدّمَ إلّا سَيْفَ عُكَاشَةَ كَانَ يُسَمّى الْعَوْنَ وَكَانَتْ قِصّةُ عُكَاشَةَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ الّذِي قَتَلَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَحْشٍ أَبُو الْحُكْم بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ حِينَ قُتِلَ ابْنَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً فِيمَا ذَكَرُوا وَدُفِنَ مَعَ حَمْزَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ . دَفْنُ الشّهَدَاءِ قَال [ ص 285 ] ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ قَدْ احْتَمَلَ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتْلَاهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَدَفَنُوهُمْ بِهَا ، ثُمّ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ ادْفِنُوهُمْ حَيْثُ صُرِعُوا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيّ ، حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا أَشْرَفَ عَلَى الْقَتْلَى يَوْمَ أُحُدٍ ، قَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ ، إنّهُ مَا مِنْ جَرِيحٍ يَخْرُجُ فِي اللّهِ إلّا وَاَللّهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى جُرْحُهُ اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرّيحُ رِيحُ مِسْكٍ وَانْظُرُوا أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ جَمْعًا لِلْقُرْآنِ فَاجْعَلُوهُ أَمَامَ أَصْحَابِهِ فِي الْقَبْرِ وَكَانُوا يَدْفِنُونَ الِاثْنَيْنِ وَالثّلَاثَةَ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ قَالَ وَحَدّثَنِي عَمّي مُوسَى بْنُ يَسَارٍ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي اللّهِ إلّا وَاَللّهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَدْمَى ، اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرّيحُ رِيحُ مِسْكٍ . [ ص 286 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمئِذٍ حِينَ أَمَرَ بِدَفْنِ الْقَتْلَى : اُنْظُرُوا إلَى عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ فَإِنّهُمَا كَانَا مُتَصَافِيَيْنِ فِي الدّنْيَا ، فَاجْعَلُوهُمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ . حُزْنُ حَمْنَةَ عَلَى حَمْزَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ ، فَلَقِيَتْهُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ ، كَمَا ذُكِرَ لِي ، فَلَمّا لَقِيَتْ النّاسَ نُعِيَ إلَيْهَا أَخُوهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ ، فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمّ نُعِيَ لَهَا خَالُهَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمّ نُعِيَ لَهَا زَوْجُهَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ، فَصَاحَتْ وَوَلْوَلَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ مِنْهَا لَبِمَكَانِ لِمَا رَأَى مِنْ تَثَبّتِهَا عِنْدَ أَخِيهَا وَخَالِهَا ، وَصِيَاحِهَا عَلَى زَوْجِهَا . بُكَاءُ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ عَلَى حَمْزَةَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِدَارِ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَل ِ وَظَفَرَ فَسَمِعَ الْبُكَاءَ وَالنّوَائِحَ عَلَى قَتْلَاهُمْ فَذَرَفْت عَيْنَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَكَى ، ثُمّ قَالَ لَكِنّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ فَلَمّا رَجَعَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ إلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَمَرَا نِسَاءَهُمْ أَنْ يَتَحَزّمْنَ ثُمّ يَذْهَبْنَ فَيَبْكِينَ عَلَى عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ عَبّادِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَ لَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بُكَاءَهُنّ عَلَى حَمْزَةَ خَرَجَ عَلَيْهِنّ وَهُنّ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ يَبْكِينَ عَلَيْهِ فَقَالَ ارْجِعْنَ يَرْحَمُكُنّ اللّهُ فَقَدْ آسَيْتُنّ بِأَنْفُسِكُنّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَنُهِيَ يَوْمئِذٍ عَنْ النّوْحِ . [ ص 287 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا سَمِعَ بُكَاءَهُنّ قَالَ رَحِمَ اللّهُ الْأَنْصَارَ فَإِنّ الْمُوَاسَاةَ مِنْهُمْ مَا عَلِمْت لَقَدِيمَةٌ مَرّوهُنّ فَلْيَنْصَرِفْنَ . شَأْنُ الْمَرْأَةِ الدّينَارِيّةِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمّدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ، قَالَ مَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِامْرَأَةِ مِنْ بَنِي دِينَارٍ ، وَقَدْ أُصِيبَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا وَأَبُوهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأُحُدِ فَلَمّا نُعُوا لَهَا ، قَالَتْ فَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قَالُوا : خَيْرًا يَا أُمّ فُلَانٍ هُوَ بِحَمْدِ اللّهِ كَمَا تُحِبّينَ قَالَتْ أَرُونِيهِ حَتّى أَنْظُرَ إلَيْهِ قَالَ فَأُشِيرَ لَهَا إلَيْهِ حَتّى إذَا . رَأَتْهُ قَالَتْ كُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَك جَلَلٌ تُرِيدُ صَغِيرَةً . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْجَلَلُ يَكُونُ مِنْ الْقَلِيلِ وَمِنْ الْكَثِيرِ وَهُوَ هَاهُنَا مِنْ الْقَلِيلِ . قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ فِي الْجَلَلِ الْقَلِيلِ لَقَتْلُ بَنِي أَسَدٍ رَبّهُمْ ... أَلَا كُلّ شَيْءٍ سِوَاهُ جَلَلْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَمّا قَوْلُ الشّاعِرِ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ وَعْلَةَ الْجَرْمِيّ وَلَئِنْ عَفَوْت لَأَعْفُوَنْ جَلَلًا ... وَلَئِنْ سَطَوْت لَأُوهِنَنّ عَظْمِي ( فَهُوَ مِنْ الْكَثِيرِ ) . حَدِيث عُمَرَ وَأَبِي سُفْيَانَ فَصْلٌ [ ص 286 ] وَقَعَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ مِنْ الْكَلِمِ الّذِي يُسْأَلُ عَنْهُ قَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ قَالَ اُعْلُ هُبَلْ أَيْ زِدْ عُلُوّا ، ثُمّ قَالَ أَنْعَمَتْ فَعَالِ قَالُوا : مَعْنَاهُ الْأَزْلَامُ وَكَانَ اسْتَقْسَمَ بِهَا حِينَ خَرَجَ إلَى أُحُد ٍ ، فَخَرَجَ الّذِي يُحِبّ وَقَوْلُهُ فَعَالِ أَمْرٌ أَيْ عَالِ عَنْهَا وَأَقْصِرْ عَنْ لَوْمِهَا ، تَقُولُ الْعَرَبُ : اُعْلُ عَنّي ، وَعَالِ عَنّي بِمَعْنَى : أَيْ ارْتَفِعْ عَنّي ، وَدَعْنِي . وَيُرْوَى أَنّ الزّبَيْرَ قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ يَوْمَ الْفَتْحِ أَيْنَ قَوْلُك : أَنْعَمَتْ فَعَالِ ؟ فَقَالَ قَدْ صَنَعَ اللّهُ خَيْرًا ، وَذَهَبَ أَمْرُ الْجَاهِلِيّةِ . [ ص 287 ] لَا سَوَاءَ أَيْ لَا نَحْنُ سَوَاءٌ وَلَا يَجُوزُ دُخُولُ لَا عَلَى اسْمٍ مُبْتَدَأٍ مَعْرِفَةٍ إلّا مَعَ التّكْرَارِ نَحْوُ لَا زَيْدٌ قَائِمٌ وَلَا عَمْرٌو خَارِجٌ وَلَكِنّهُ جَازَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَنّ الْقَصْدَ فِيهِ إلَى نَفْيِ الْفِعْلِ أَيْ لَا يَسْتَوِي ، كَمَا جَازَ لَا نُوَلّك ، أَيْ لَا يَنْبَغِي لَك ، وَقَدْ بَيّنّا هَذَا فِي أَوّلِ الْكِتَابِ حَيْثُ تَكَلّمْنَا عَلَى قَوْلِهِ فَشَتْتَنَا سَعْدٌ فَلَا نَحْنُ مِنْ سَعْدِ حَدِيثُ مُخَيْرِيقٍ وَأَوّلُ وَقْفٍ فِي الْإِسْلَامِ وَمِمّا يَلِيقُ ذِكْرُهُ بِهَذِهِ الْغَزَاةِ حَدِيثُ مُخَيْرِيقٍ ، وَهُوَ أَحَدُ بَنِي النّضِيرِ ، وَقَوْلُهُ إنْ أُصِبْت فَمَالِي لِمُحَمّدِ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ فَأُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حِينَ انْصَرَفَ مَالُهُ أَوْقَافًا ، وَهُوَ أَوّلُ حَبْسٍ حُبِسَ فِي الْإِسْلَامِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، وَقَالَ الزّهْرِيّ : كَانَتْ سَبْعَ حَوَائِطَ وَأَسْمَاؤُهَا : الْأَعْرَافُ وَالْأَعْوَافُ وَالصّافِيَةُ وَالذّلَالُ وَبُرْقَةُ [ ص 288 ] أُمّ إبْرَاهِيمَ ، وَإِنّمَا سُمّيَتْ مُشْرَبَةَ أُمّ إبْرَاهِيمَ لِأَنّهَا كَانَتْ تَسْكُنُهَا ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ مُخَيْرِيقٍ ، وَهَذَا الّذِي ذَكَرْنَاهُ تَكْمِلَةٌ لَهُ وَزِيَادَةُ فَائِدَةٍ فِيهِ . غَسْلُ السّيُوفِ قَالَ [ ص 288 ] ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَهْلِهِ نَاوَلَ سَيْفَهُ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ فَقَالَ اغْسِلِي عَنْ هَذَا دَمَهُ يَا بُنَيّةُ فَوَاَللّهِ لَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ وَنَاوَلَهَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سَيْفَهُ فَقَالَ وَهَذَا أَيْضًا ، فَاغْسِلِي عَنْهُ دَمَهُ فَوَاَللّهِ لَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَئِنْ كُنْت صَدَقْت الْقِتَالَ لَقَدْ صَدَقَ مَعَك سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَأَبُو دُجَانَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ يُقَالُ لِسَيْفِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذُو الْفَقَارِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ نَادَى مُنَادٍ يَوْمَ أُحُدٍ : لَا سَيْفَ إلّا ذُو الْفَقَارِ ... وَلَا فَتَى إلّا عَلِيّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَا يُصِيبُ الْمُشْرِكُونَ مِنّا مِثْلَهَا حَتّى يَفْتَحَ اللّهُ عَلَيْنَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ السّبْتِ لِلنّصْفِ مِنْ شَوّالٍ .Sوَذَكَرَ لَا سَيْفَ إلّا ذُو الْفَقَارِ بِفَتْحِ الْفَاءِ جَمْعُ فَقَارَةٍ وَإِنْ قِيلَ ذُو الْفِقَارِ بِالْكَسْرِ فَهُوَ جَمْعُ فِقْرَةٍ وَقَدْ تَقَدّمَ شَرْحُهُ . وَوَقَعَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ أَنّ رِيحًا هَبّتْ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَسَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ لَا سَيْفَ إلّا ذُو الْفَقَارِ ... وَلَا فَتَى إلّا عَلِيّ [ ص 289 ] ذَكَرَهَا ، وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ قَوْلَ عَلِيّ لِفَاطِمَةَ حِينَ غَسَلَتْ سَيْفَهُ مِنْ الدّمِ أَفَاطِمُ هَاتِي السّيْفَ غَيْرَ ذَمِيمِ فَلَسْت بِرِعْدِيدِ وَلَا بِلَئِيمِ خُرُوجُ الرّسُولِ فِي أَثَرِ الْعَدُوّ لِيُرْهِبَهُ قَالَ فَلَمّا كَانَ الْغَدُ ( مِنْ ) يَوْمِ الْأَحَدِ لِسِتّ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَوّالٍ أَذّنَ مُؤَذّنُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي النّاسِ بِطَلَبِ الْعَدُوّ فَأَذّنَ مُؤَذّنُهُ أَنْ لَا يَخْرُجَنّ مَعَنَا أَحَدٌ إلّا أَحَدٌ حَضَرَ يَوْمَنَا بِالْأَمْسِ . فَكَلّمَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَبِي كَانَ خَلّفَنِي عَلَى أَخَوَاتٍ لِي سَبْعٍ وَقَالَ يَا بُنَيّ إنّهُ لَا يَنْبَغِي لِي وَلَا لَك أَنْ نَتْرُكَ هَؤُلَاءِ [ ص 289 ] أُوثِرُكَ بِالْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى نَفْسِي ، فَتَخَلّفْ عَلَى أَخَوَاتِك ، فَتَخَلّفْت عَلَيْهِنّ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجَ مَعَهُ وَإِنّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُرْهِبًا لِلْعَدُوّ وَلِيُبَلّغْهُمْ أَنّهُ خَرَجَ فِي طَلَبِهِمْ لِيَظُنّوا بِهِ قُوّةً وَأَنّ الّذِي أَصَابَهُمْ لَمْ يُوهِنْهُمْ عَنْ عَدُوّهِمْ . مثل من اسْتِمَاتَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي نُصْرَةِ الرّسُولِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي السّائِبِ مَوْلَى عَائِشَةَ بِنْتِ عُثْمَانَ أَنّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، كَانَ شَهِدَ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ شَهِدْت أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنَا وَأَخٌ لِي ، فَرَجَعْنَا جَرِيحَيْنِ فَلَمّا أَذّنَ مُؤَذّنُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعَدُوّ قُلْت لِأَخِي أَوْ قَالَ لِي : أَتَفُوتُنَا غَزْوَةٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ وَاَللّهِ مَا لَنَا مِنْ دَابّةٍ نَرْكَبُهَا وَمَا مِنّا إلّا جَرِيحٌ ثَقِيلٌ فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكُنْت أَيْسَرَ جُرْحًا ، فَكَانَ إذَا غَلَبَ حَمَلْته عُقْبَةً حَتّى انْتَهَيْنَا إلَى مَا انْتَهَى إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ اسْتِعْمَالُ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى انْتَهَى إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ، وَهِيَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ بِهَا الِاثْنَيْنِ وَالثّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ . شَأْنُ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ قَالَ وَقَدْ مَرّ بِهِ كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ ، وَكَانَ خُزَاعَةُ ، مُسْلِمُهُمْ وَمُشْرِكُهُمْ عَيْبَةَ نُصْحٍ لِرَسُولِ اللّهِ بِتِهَامَةَ صَفْقَتُهُمْ مَعَهُ لَا يُخْفُونَ عَنْهُ شَيْئًا كَانَ بِهَا ، وَمَعْبَدٌ يَوْمئِذٍ مُشْرِكٌ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ ، أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ عَزّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَك ، وَلَوَدِدْنَا أَنّ اللّهَ عَافَاك فِيهِمْ ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ حَتّى لَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ بِالرّوْحَاءِ وَقَدْ أَجَمَعُوا الرّجْعَةَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 290 ] وَقَالُوا : أَصَبْنَا حَدّ أَصْحَابِهِ وَأَشْرَافَهُمْ وَقَادَتَهُمْ ثُمّ نَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ نَسْتَأْصِلَهُمْ لَنَكُرّنّ عَلَى بَقِيّتِهِمْ فَلْنَفْرُغَنّ مَعَهُمْ . فَلَمّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ مَعْبَدًا ، قَالَ مَا وَرَاءَك يَا مَعْبَدُ ؟ قَالَ مُحَمّدٌ قَدْ خَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ يَطْلُبُكُمْ فِي جَمْعٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطّ ، يَتَحَرّقُونَ عَلَيْكُمْ تَحَرّقًا ، قَدْ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلّفَ عَنْهُ فِي يَوْمِكُمْ وَنَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا فِيهِمْ مِنْ الْحَنَقِ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطّ ، قَالَ وَيْحَك مَا تَقُولُ ؟ قَالَ وَاَللّهِ مَا أَرَى أَنْ تَرْتَحِلَ حَتّى أَرَى نَوَاصِيَ الْخَيْلِ قَالَ فَوَاَللّهِ لَقَدْ أَجَمَعْنَا الْكَرّةَ عَلَيْهِمْ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيّتَهُمْ . قَالَ فَإِنّي أَنَهَاك عَنْ ذَلِكَ فَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْت عَلَى أَنْ قُلْت فِيهِمْ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ قَالَ وَمَا قُلْت ؟ قَالَ قُلْت : [ ص 291 ] كَادَتْ تُهَدّ مِنْ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي ... إذْ سَالَتْ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ تَرْدِي بِأُسْدِ كِرَامٍ لَا تَنَابِلَةٍ ... عِنْدَ اللّقَاءِ وَلَا مِيلٍ مَعَازِيلِ فَظَلّتْ عَدْوًا أَظُنّ الْأَرْضَ مَائِلَةً ... لَمّا سَمَوْا بِرَئِيسِ غَيْرِ مَخْذُولِ فَقُلْت : وَيْلُ ابْنِ حَرْبٍ مِنْ لِقَائِكُمْ ... إذَا تَغَطْمَطَتْ الْبَطْحَاءُ بِالْخَيْلِ إنّي نَذِيرٌ لِأَهْلِ الْبَسْلِ . ضَاحِيَةً ... لِكُلّ ذِي إرْبَةٍ مِنْهُمْ وَمَعْقُولِ مِنْ جَيْشِ أَحْمَدَ لَا وَخْشِ تَنَابِلَةٍ ... وَلَيْسَ يُوصَفُ مَا أَنْذَرْت بِالْقِيلِ فَثَنَى ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ رِسَالَةُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى الرّسُولِ عَلَى لِسَانِ رَكْبٍ وَمَرّ بِهِ رَكْبٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا : نُرِيدُ الْمَدِينَةَ ؟ قَالَ وَلِمَ ؟ قَالُوا : نُرِيدُ الْمِيرَةَ قَالَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُبَلّغُونَ عَنّي مُحَمّدًا رِسَالَةً أُرْسِلُكُمْ بِهَا إلَيْهِ وَأَحْمِلُ لَكُمْ هَذِهِ غَدًا زَبِيبًا بِعُكَاظِ إذَا وَافَيْتُمُوهَا ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ فَإِذَا وَافَيْتُمُوهُ فَأَخْبِرُوهُ أَنّا قَدْ أَجَمَعْنَا السّيْرَ إلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيّتَهُمْ فَمَرّ الرّكْبُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ فَأَخْبَرُوهُ بِاَلّذِي قَالَ أَبُو سُفْيَانَ . فَقَالَ { حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } كَفّ صَفْوَانَ لِأَبِي سُفْيَانَ عَنْ مُعَاوَدَةِ الْكَرّةِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ لَمّا انْصَرَفَ يَوْمَ أُحُدٍ ، أَرَادَ الرّجُوعَ إلَى الْمَدِينَةِ ، لِيَسْتَأْصِلَ بَقِيّةَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُمْ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ بْنُ خَلَفٍ : لَا تَفْعَلُوا ، فَإِنّ الْقَوْمَ قَدْ حَرِبُوا ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ قِتَالٌ غَيْرُ الّذِي كَانَ فَارْجِعُوا ، فَرَجَعُوا . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ حِينَ بَلَغَهُ أَنّهُمْ هَمّوا بِالرّجْعَةِ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سُوّمَتْ لَهُمْ حِجَارَةٌ لَوْ صُبّحُوا بِهَا لَكَانُوا كَأَمْسِ الذّاهِبِSغَزْوَةُ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ شَرْحُ قَصِيدَةِ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ [ ص 290 ] ذَكَرَ شِعْرَ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ وَفِيهِ إذَا تَغَطْمَطَتْ الْبَطْحَاءُ بِالْخَيْلِ لَفْظٌ مُسْتَعَارٌ مِنْ الغطمة ، وَهُوَ صَوْتُ غَلَيَانِ الْقِدْرِ . قَوْلُهُ بِالْخَيْلِ جَعَلَ الرّدْفَ حَرْفَ لِينٍ وَالْأَبْيَاتُ كُلّهَا مُرْدَفَةُ الرّوِيّ بِحَرْفِ مَدّ وَلِينٍ وَهَذَا هُوَ السّنَادُ الّذِي بَيّنّاهُ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ فَسُونِدَ بَيْنَ الْقَبَائِلِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُ [ عَمْرِو ] بْنِ كُلْثُومٍ : أَلَا هُبّي بِصَحْنِك فَاصْبَحِينَا ثُمّ قَالَ تُصَفّقُهَا الرّيَاحُ إذَا جَرَيْنَا [ ص 291 ] قَالَ عَدِيّ بْنُ الرّقَاعِ وَقَصِيدَةٍ قَدْ بِتّ أَجْمَعُ بَيْنَهَا ... حَتّى أُقَوّمَ مِيلَهَا وَسِنَادَهَا نَظَرَ الْمُثَقّفِ فِي كُعُوبِ قَنَاتِهِ ... كَيْمَا يُقِيمُ ثِقَافُهُ مُنْآدَهَا وَقَوْلُهُ لَا تَنَابِلَةٍ . التّنَابِلَةُ الْقِصَارُ وَأَحَدُهُمْ تِنْبَالٌ تِفْعَالٌ مِنْ النّبْلِ وَهِيَ صِغَارُ الْحَصَى . مَقْتَلُ أَبِي عَزّةَ وَمُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ قَالَ [ ص 292 ] عُبَيْدَةَ وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي جِهَةِ ذَلِكَ قَبْلَ رُجُوعِهِ إلَى الْمَدِينَةِ ، مُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَهُوَ جَدّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ، أَبُو أُمّهِ عَائِشَةَ بِنْتِ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا عَزّةَ الْجُمَحِيّ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسَرَهُ بِبَدْر ِ ثُمّ مَنّ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَقِلْنِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " وَاَللّهِ لَا تَمْسَحْ عَارِضَيْك بِمَكّةَ بَعْدَهَا وَتَقُولُ خَدَعْت مُحَمّدًا مَرّتَيْنِ اضْرِبْ عُنُقَهُ يَا زُبَيْرُ . فَضَرَبَ عُنُقَهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَلَغَنِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إنّ الْمُؤْمِنَ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرّتَيْنِ اضْرِبْ عُنُقَهُ يَا عَاصِمُ بْنَ ثَابِتٍ فَضَرَبَ عُنُقَهُ مَقْتَلُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ إنّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَمّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَتَلَا مُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بَعْدَ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ، كَانَ لَجَأَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ فَاسْتَأْمَنَ لَهُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمّنَهُ عَلَى أَنّهُ إنْ وُجِدَ بَعْدَ ثَلَاثٍ قُتِلَ فَأَقَامَ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَتَوَارَى ، فَبَعَثَهُمَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ إنّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا ، فَوَجَدَاهُ فَقَتَلَاهُSأَبُو عَزّةَ الْجُمَحِيّ وَذَكَرَ [ ص 292 ] أَبَا عَزّةَ وَكَانَ الّذِي أَسَرَهُ عُمَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ كَذَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَأَحْسَبُهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَيْرٍ أَحَدَ بَنِي خُدَارَةَ أَوْ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَيْرٍ الْخَطْمِيّ . وَمِنْ خَبَرِ أَبِي عَزّةَ مَا ذَكَرَ الزّبَيْرُ عَنْ ابْنِ جُعْدُبَةَ وَالضّحّاكِ بْنِ عُثْمَانَ . وَالْجُعْدُبَةُ فِي اللّغَةِ وَاحِدَةٌ الْجِعَادِبِ وَهِيَ النّفّاخَاتُ الّتِي تَكُونُ فِي الْمَاءِ . قَالَا : بَرِصَ أَبُو عَزّةَ الْجُمَحِيّ فَكَانَتْ قُرَيْشٌ لَا تُؤَاكِلُهُ وَلَا تُجَالِسُهُ فَقَالَ لَلْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ هَذَا ، فَأَخَذَ حَدِيدَةً وَدَخَلَ بَعْضَ شِعَابِ مَكّةَ فَطَعَنَ بِهَا فِي مَعَدّهِ وَالْمَعَدّ مَوْضِعٌ عَقِبَ الرّاكِبِ مِنْ الدّابّةِ وَقَالَ ابْنُ جُعْدُبَةَ فَمَارَتْ الْحَدِيدَةُ وَقَالَ الضّحّاكُ : بَيْنَ الْجِلْدِ وَالصّفَاقِ فَسَالَ مِنْهُ أَصْفَرُ فَبَرِئَ فَقَالَ اللّهُمّ رَبّ وَائِلٍ وَنَهْدِ ... وَالتّهِمَاتِ وَالْجِبَالِ الْجُرْدِ وَرَبّ مَنْ يَرْعَى بِأَرْضِ نَجِدْ ... أَصْبَحْت عَبْدًا لَك وَابْنَ عَبْدِ أَبَرّأَتْنِي مِنْ وَضَحٍ بِجِلْدِ ... مِنْ بَعْدَ مَا طَعَنْت فِي مَعَدّي مُوصِلُ مَقَالَةِ أَبِي سُفْيَانَ وَذَكَرَ [ ص 293 ] أَبِي سُفْيَانَ مَعَ الرّكْبِ بِالْوَعِيدِ وَكَانَ الْمُوَصّلُ مَقَالَتَهُ لِلْمُؤْمِنَيْنِ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَالُوا { حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } ، كَذَلِكَ جَاءَ فِي التّفْسِيرِ . شَأْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنُ أُبَيّ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ [ ص 293 ] ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ بْنُ سَلُولَ ، كَمَا حَدّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، لَهُ مَقَامٌ يَقُومُهُ كُلّ جُمُعَةٍ لَا يُنْكِرُ شَرَفًا لَهُ فِي نَفْسِهِ وَفِي قَوْمِهِ وَكَانَ فِيهِمْ شَرِيفًا ، إذَا جَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ النّاسَ قَامَ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ أَكْرَمَكُمْ اللّهُ وَأَعَزّكُمْ بِهِ فَانْصُرُوهُ وَعَزّرُوهُ وَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا ثُمّ يَجْلِسُ حَتّى إذَا صَنَعَ يَوْمَ أُحُدٍ مَا صَنَعَ وَرَجَعَ بِالنّاسِ قَامَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ فَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بِثِيَابِهِ مِنْ نَوَاحِيهِ وَقَالُوا : اجْلِسْ أَيْ عَدُوّ اللّهِ لَسْت لِذَلِكَ بِأَهْلِ ، وَقَدْ صَنَعْت مَا صَنَعْت ، فَخَرَجَ يَتَخَطّى رِقَابَ النّاسِ وَهُوَ يَقُولُ وَاَللّهِ لَكَأَنّمَا قُلْت بَجْرًا إنْ قُمْت أُشَدّدُ أَمْرَهُ . فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا لَك ؟ وَيْلَك قَالَ قُمْت أُشَدّدُ أَمْرَهُ فَوَثَبَ عَلَيّ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَجْذِبُونَنِي وَيُعَنّفُونَنِي ، لَكَأَنّمَا قُلْت بَجْرًا أَنْ قُمْت أُشَدّدُ أَمْرَهُ قَالَ وَيْلَك ارْجِعْ يَسْتَغْفِرْ لَك رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ وَاَللّهِ مَا ابْتَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِيSقَوْلٌ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ وَذَكَرَ قَوْلَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ حِينَ أُخْرِجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَكَأَنّمَا قُلْت : بَجْرًا . الْبَجْرُ الْأَمْرُ الْعَظِيمُ وَالْبَجَارِي : الدّوَاهِي ، وَفِي وَصِيّةِ أَبِي بَكْرٍ يَا هَادِي الطّرِيقِ جُرْت ، إنّمَا هُوَ الْفَخْرُ أَوْ الْبَجْرُ قَالَ الْخَطّابِيّ : مَعْنَاهُ الدّاهِيَةُ . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ قَوْلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ : " يَا لَيْتَنِي غُودِرْت مَعَ أَصْحَابٍ نُحْصِ الْجَبَلَ نُحْصُ الْجَبَلِ أَسْفَلُهُ قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ . كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ مِحْنَةٍ كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ بَلَاءٍ وَمُصِيبَةٍ وَتَفْحِيصٍ اخْتَبَرَ اللّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَحَقَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ مِمّنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ بِلِسَانِهِ وَهُوَ مُسْتَخْفٍ بِالْكُفْرِ فِي قَلْبِهِ وَيَوْمًا أَكْرَمَ اللّهُ فِيهِ مَنْ أَرَادَ كَرَامَتَهُ بِالشّهَادَةِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ . ذِكْرُ مَا أَنَزَلَ اللّهُ فِي أُحُدٍ مِنْ الْقُرْآنِ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ [ ص 294 ] قَالَ حَدّثَنَا أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ فَكَانَ مِمّا أَنَزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ مِنْ الْقُرْآنِ سِتّونَ آيَةً مِنْ آلِ عِمْرَانَ ، فِيهَا صِفَةُ مَا كَانَا فِي يَوْمِهِمْ ذَلِكَ وَمُعَاتَبَةُ مَنْ عَاتَبَ مِنْهُمْ يَقُولُ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ آلُ عِمْرَانَ : 121 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ تُبَوّئُ لِلْمُؤْمِنِينَ تَتّخِذُ لَهُمْ مُقَاعِدَ وَمَنَازِلَ . قَالَ الْكُمَيْت بْنُ زَيْدٍ لَيْتَنِي كُنْت قَبْلَهُ ... قَدْ تَبَوّأْت مَضْجَعًا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . أَيْ سَمِيعٌ بِمَا تَقُولُونَ عَلِيمٌ بِمَا تَخْفُونَ . { إِذْ هَمّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا } أَنْ تَتَخَاذَلَا ، وَلَلطّائِفَتَانِ بَنُو سَلِمَةَ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَبَنُو حَارِثَةَ بْنِ النّبِيت مِنْ الْأَوْسِ ، وَهُمَا الْجَنَاحَانِ . يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { وَاللّهُ وَلِيّهُمَا } أَيْ الْمَدَافِعُ عَنْهُمَا مَا هَمّتَا بِهِ مِنْ فَشَلِهِمَا ، وَذَلِكَ أَنّهُ إنّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عَنْ ضَعْفٍ وَوَهَنٍ أَصَابَهُمَا غَيْرَ شَكّ فِي دِينِهِمَا ، فَتَوَلّى دَفْعَ ذَلِكَ عَنْهُمَا بِرَحْمَتِهِ وَعَائِدَتِهِ حَتّى سَلِمَتَا مِنْ وُهُونِهِمَا وَضَعْفِهِمَا ، وَلَحِقَتَا بِنَبِيّهِمَا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ الْأُسْدِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ قَالَتْ الطّائِفَتَانِ مَا نُحِبّ أَنّا لَمْ نَهُمّ بِمَا هَمَمْنَا بِهِ ، لِتَوَلّي اللّهَ إيّانَا فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ } أَيْ مَنْ كَانَ بِهِ ضَعْفٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَلْيَتَوَكّلْ عَلَيّ وَلْيَسْتَعِنْ بِي ، أَعِنْهُ عَلَى أَمْرِهِ وَأَدْفَعُ عَنْهُ حَتّى أُبَلّغَ بِهِ وَأَدْفَعُ عَنْهُ وَأُقَوّيهِ عَلَى نِيّتِهِ . { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلّةٌ فَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ } أَيْ فَاتّقُونِي ، فَإِنّهُ شُكْرُ نِعْمَتِي . { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ } وَأَنْتُمْ أَقَلّ عَدَدًا [ ص 295 ] وَأَضْعَفُ قُوّةً { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوّمِينَ } أَيْ إنْ تَصْبِرُوا لِعَدُوّي ، وَتُطِيعُوا أَمْرِي ، وَيَأْتُوكُمْ مِنْ وَجْهِهِمْ هَذَا ، أَمَدّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُسَوّمِينَ . تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مُسَوّمِينَ مُعَلّمِينَ بَلَغَنَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ أَنّهُ قَالَ أَعْلِمُوا عَلَى أَذْنَابِ خَيْلِهِمْ وَنَوَاصِيهَا بِصُوفِ أَبْيَضَ فَأَمّا ابْنُ إسْحَاقَ فَقَالَ كَانَتْ سِيمَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ بِيضًا وَقَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ فِي حَدِيثِ بَدْرٍ وَالسّيمَا الْعَلَامَةُ وَفِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السّجُودِ } أَيْ عَلَامَتُهُمْ و { حِجَارَةً مِنْ سِجّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوّمَةً } يَقُولُ مُعَلّمَةٌ بَلَغَنَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ أَنّهُ قَالَ عَلَيْهَا عَلَامَةٌ أَنّهَا لَيْسَتْ مِنْ حِجَارَةٍ لِلدّنْيَا ، وَأَنّهَا مِنْ حِجَارَةِ الْعَذَابِ قَالَ رُؤْبَةُ بْنِ الْعَجّاجِ : فَالْآنَ تُبْلَى بِي الْجِيَادُ السّهْمُ ... وَلَا تُجَارِينِي إذَا مَا سَوّمُوا وَشَخَصَتْ أَبْصَارُهُمْ وَأَجْذَمُوا [ أَجَذَمُوا " بِالذّالِ الْمُعْجَمَةِ " : أَيْ أَسْرَعُوا : وَأَجْدَمُوا " بِالدّالِ الْمُهْمَلَةِ " : أَقَطَعُوا ] وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ وَالْمُسَوّمَةُ ( أَيْضًا ) الْمَرْعِيّةُ وَفِي كِتَابِ اللّهِ تَعَالَى : { وَالْخَيْلِ الْمُسَوّمَةِ } و { شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } تَقُولُ الْعَرَبُ : سَوّمَ خَيْلَهُ وَإِبِلَهُ وَأَسَامَهَا : إذَا رَعَاهَا . قَالَ الْكُمَيْت بْنُ زَيْدٍ رَاعِيَا كَانَ مُسْجِحًا فَفَقَدْنَا ... هُ وَفَقْدُ الْمُسِيمِ هُلْكُ السّوَامِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مُسْجِحًا : سَلِسُ السّيَاسَةِ مُحْسِنٌ ( إلَى الْغَنَمِ ) وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . { وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النّصْرُ إِلّا مِنْ عِنْدِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } أَيْ مَا سَمّيْت لَكُمْ مَنْ سَمّيْت مِنْ جُنُودِ مَلَائِكَتِي إلّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنّ قُلُوبُكُمْ بِهِ لِمَا أَعْرِفُ مِنْ ضَعْفِكُمْ وَمَا النّصْرُ إلّا مِنْ عِنْدِي ، لِسُلْطَانِي وَقُدْرَتِي ، وَذَلِكَ أَنّ الْعِزّ وَالْحُكْمَ إلَيّ لَا إلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِي . ثُمّ قَالَ { لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ } أَيْ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِقَتْلِ يَنْتَقِمُ بِهِ [ ص 296 ] خَائِبِينَ أَيْ وَيَرْجِعُ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ فَلَا خَائِبِينَ لَمْ يَنَالُوا شَيْئًا مِمّا كَانُوا يَأْمُلُونَ . تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَكْبِتُهُمْ يَغُمّهُمْ أَشَدّ الْغَمّ وَيَمْنَعُهُمْ مَا أَرَادُوا . قَالَ ذُو الرّمّةِ مَا أَنْسَ مِنْ شَجَنٍ لَا أَنْسَ مَوْقِفَنَا ... فِي حِيرَةٍ بَيْنَ مَسْرُورٍ وَمَكْبُوتِ وَيَكْبِتُهُمْ ( أَيْضًا ) يَصْرَعُهُمْ لِوُجُوهِهِمْ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَالَ لِمُحَمّدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ } أَيْ لَيْسَ لَك مِنْ الْحُكْمِ شَيْءٌ فِي عِبَادِي ، إلّا مَا أَمَرْتُك بِهِ فِيهِمْ أَوْ أَتُوبَ عَلَيْهِمْ بِرَحْمَتِي ، فَإِنْ شِئْت فَعَلْت ، أَوْ أُعَذّبَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ فَبِحَقّي { فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ } أَيْ قَدْ اسْتَوْجَبُوا ذَلِكَ بِمَعْصِيَتِهِمْ إيّايَ { وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } أَيْ يَغْفِرُ الذّنْبَ وَيَرْحَمُ الْعِبَادَ عَلَى مَا فِيهِمْ . النّهْيُ عَنْ الرّبَا [ ص 297 ] قَالَ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً } أَيْ لَا تَأْكُلُوا فِي الْإِسْلَامِ إذْ هَدَاكُمْ اللّهُ بِهِ مَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ إذْ أَنْتُمْ عَلَى غَيْرِهِ مِمّا لَا يَحِلّ لَكُمْ فِي دِينِكُمْ { وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ } أَيْ فَأَطِيعُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَنْجُونَ مِمّا حَذّرَكُمْ اللّهُ مِنْ عَذَابِهِ وَتُدْرِكُونَ مَا رَغّبَكُمْ اللّهُ فِيهِ مِنْ ثَوَابِهِ { وَاتّقُوا النّارَ الّتِي أُعِدّتْ لِلْكَافِرِينَ } أَيْ الّتِي جُعِلَتْ دَارًا لِمَنْ كَفَرَ بِي . الْحَضّ عَلَى الطّاعَةِ ثُمّ قَالَ { وَأَطِيعُوا اللّهَ وَالرّسُولَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ } مُعَاتَبَةً لِلّذِينَ عَصَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَمَرَهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي غَيْرِهِ . ثُمّ قَالَ { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبّكُمْ وَجَنّةٍ عَرْضُهَا السّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدّتْ لِلْمُتّقِينَ } أَيْ دَارًا لِمَنْ أَطَاعَنِي وَأَطَاعَ رَسُولِي : { الّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السّرّاءِ وَالضّرّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } أَيْ وَذَلِكَ هُوَ الْإِحْسَانُ وَأَنَا أُحِبّ مَنْ عَمِلَ بِهِ { وَالّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذّنُوبَ إِلّا اللّهُ وَلَمْ يُصِرّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أَيْ إنْ أَتَوْا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَعْصِيَةِ ذَكَرُوا نَهْيَ اللّه عَنْهَا ، وَمَا حَرّمَ عَلَيْهِمْ فَاسْتَغْفَرُوهُ لَهَا ، وَعَرَفُوا أَنّهُ لَا يَغْفِرُ الذّنُوبَ إلّا هُوَ . { وَلَمْ يُصِرّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أَيْ لَمْ يُقِيمُوا عَلَى مَعْصِيَتِي كَفِعْلِ مَنْ أَشْرَكَ بِي فِيمَا غَلَوْا بِهِ فِي كُفْرِهِمْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَا حَرّمْت عَلَيْهِمْ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِي . [ ص 298 ] { أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبّهِمْ وَجَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } أَيْ ثَوَابُ الْمُطِيعِينَ .Sتَفْسِيرُ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي أُحُدٍ بَعْضُ مَنْ آمَنَ رَغْمَ الدّعَاءِ عَلَيْهِمْ [ ص 294 ] ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ قَارِئُ السّيرَةِ مِنْ تَفْسِيرِ ذَلِكَ وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } الْآيَةَ لَمْ يُزِدْ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ مِنْهُ . وَفِي تَفْسِيرِ [ ص 295 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَانَ يَدْعُو عَلَى أَبِي سُفْيَانَ وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ [ ص 296 ] الْعَاصِي ، حَتّى أَنَزَلَ اللّهُ تَعَالَى : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } قَالَ فَتَابُوا وَأَسْلَمُوا ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُمْ وَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ فِي حُسْنِ إسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ غَيْرَ ذَلِكَ وَأَمّا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ فَلَا خِلَافَ فِي حُسْنِ إسْلَامِهِ وَفِي مَوْتِهِ شَهِيدًا بِالشّامِ وَأَمّا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي ، فَقَدْ قَالَ فِيهِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ أَسْلَمَ النّاسُ وَآمَنَ عَمْرٌو وَقَالَ فِي حَدِيثٍ جَرَى : مَا كَانَتْ هِجْرَتِي لِلْمَالِ وَإِنّمَا كَانَتْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - نِعِمّا بِالْمَالِ الصّالِحِ لِلرّجُلِ الصّالِحِ فَسَمّاهُ رَجُلًا صَالِحًا ، وَالْحَدِيثُ الّذِي جَرَى : أَنّهُ كَانَ قَالَ لَهُ إنّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَك وَجْهًا يُسَلّمُك اللّهُ فِيهِ وَيُغَنّمُكَ وَأَزْعَبُ لَك زَعْبَةً مِنْ الْمَالِ وَسَتَأْتِي نُكَتٌ . وَعُيُونٌ مِنْ أَخْبَارِ الْحَارِثِ وَأَبِي سُفْيَانَ - فِيمَا بَعْدُ - إنْ شَاءَ اللّهُ . مَعْنَى اتّخَذَ وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ { وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ } وَفِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لِلشّهَدَاءِ وَتَنْبِيهٌ عَلَى حُبّ اللّهِ إيّاهُمْ حَيْثُ قَالَ { وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ } وَلَا يُقَالُ اتّخَذْت وَلَا اتّخَذَ إلّا فِي مُصْطَفًى [ ص 297 ] قَالَ اللّهُ سُبْحَانَهُ { مَا اتّخَذَ اللّهُ مِنْ وَلَدٍ } وَقَالَ { مَا اتّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا } فَالِاتّخَاذُ إنّمَا هُوَ اقْتِنَاءٌ وَاجْتِبَاءٌ وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنْ الْأَخَذِ فَإِذَا قُلْت : اتّخَذْت كَذَا ، فَمَعْنَاهُ أَخَذْته لِنَفْسِي ، وَاخْتَرْته لَهَا ، فَالتّاءُ الْأُولَى بَدَلٌ مِنْ يَاءٍ وَتِلْكَ الْيَاءُ بَدَلٌ مِنْ هَمْزَةِ أَخَذَ فَقُلِبَتْ تَاءً إذْ كَانَتْ الْوَاوُ تَنْقَلِبُ تَاءً فِي مِثْلِ هَذَا الْبِنَاءِ نَحْوُ اُتّعِدَ وَاِتّزِرْ وَالْيَاءُ أُخْت الْوَاوِ فَقُلِبَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تَاءً وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ حَتّى قَالُوا : تَخِذْت بِحَذْفِ إحْدَى التّاءَيْنِ اكْتِفَاءً بِأَحَدَيْهِمَا عَنْ الْأُخْرَى ، وَلَا يَكُونُ هَذَا الْحَذْفُ إلّا فِي الْمَاضِي خَاصّةً لَا يُقَالُ تَتّخِذُ كَمَا يُقَالُ تَخِذَ لِأَنّ الْمُسْتَقْبَلَ لَيْسَ فِيهِ هَمْزَةُ وَصْلٍ وَإِنّمَا فَرّوا فِي الْمَاضِي مِنْ ثِقَلِ الْهَمْزَةِ فِي الِابْتِدَاءِ وَاسْتَغْنَوْا بِحَرَكَةِ التّاءِ عَنْهَا ، وَكَسَرُوا الْخَاءَ مِنْ تَخِذْت لِأَنّهُ لَا مُسْتَقْبَلَ لَهُ مَعَ الْحَذْفِ فَحَرّكُوا عَيْنَ الْفِعْلِ بِالْحَرَكَةِ الّتِي كَانَتْ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ . وَكَلَامُنَا هَذَا عَلَى اللّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَإِلّا فَقَدْ حُكِيَ يَتّخِذُ فِي لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ ذَكَرَهَا أَبُو عُبَيْدٍ ، وَذَكَرَهَا النّحّاسُ فِي إعْرَابِ الْقُرْآنِ . ذَكَرَ مَا أَصَابَهُمْ وَتَعْزِيَتَهُمْ عَنْهُ ثُمّ اسْتَقْبَلَ ذِكْرَ الْمُصِيبَةِ الّتِي نَزَلَتْ بِهِمْ وَالْبَلَاءَ الّذِي أَصَابَهُمْ وَالتّمْحِيصَ لِمَا كَانَ فِيهِمْ وَاِتّخَاذَهُ الشّهَدَاءَ مِنْهُمْ فَقَالَهُ تَعْزِيَةً لَهُمْ وَتَعْرِيفًا لَهُمْ فِيمَا صَنَعُوا ، وَفِيمَا هُوَ صَانِعٌ بِهِمْ { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ } أَيْ قَدْ مَضَتْ مِنْهُ وَقَائِعُ نِقْمَةٍ فِي أَهْلِ التّكْذِيبِ لِرُسُلِي وَالشّرْكِ بِي : عَادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ ، قَرَءُوا مُثُلَاتٍ قَدْ مَضَتْ مِنّي فِيهِمْ وَلِمَنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مِنّي ، فَإِنّي أَمْلَيْت لَهُمْ أَيْ لِئَلّا يَظُنّوا أَنّ نِقْمَتِي انْقَطَعَتْ عَنْ عَدُوّكُمْ وَعَدُوّي لِلدّوْلَةِ الّتِي أَدَلّتْهُمْ بِهَا عَلَيْكُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ بِذَلِكَ لِيُعَلّمَكُمْ مَا عِنْدَكُمْ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { هَذَا بَيَانٌ لِلنّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتّقِينَ } أَيْ هَذَا تَفْسِيرٌ لِلنّاسِ إنْ قَبِلُوا الْهُدَى { وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ } أَيْ نُورٌ وَأَدَبٌ { لِلْمُتّقِينَ } أَيْ لِمَنْ أَطَاعَنِي وَعَرَفَ أَمْرِي ، { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا } أَيْ لَا تَضْعُفُوا وَلَا تَبْتَئِسُوا عَلَى مَا أَصَابَكُمْ { وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ } أَيْ لَكُمْ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ وَالظّهُورُ { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } أَيْ إنْ كُنْتُمْ صَدّقْتُمْ نَبِيّي بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ عَنّي ، { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ } أَيْ جِرَاحٌ مِثْلُهَا ، { وَتِلْكَ الْأَيّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النّاسِ } أَيْ نُصَرّفُهَا بَيْنَ النّاسِ لِلْبَلَاءِ وَلِلتّمْحِيصِ { وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللّهُ لَا يُحِبّ الظّالِمِينَ } أَيْ لِيُمَيّزَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَلْيُكْرِمْ مَنْ أَكْرَمَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِالشّهَادَةِ { وَاللّهُ لَا يُحِبّ الظّالِمِينَ } أَيْ الْمُنَافِقِينَ الّذِينَ يُظْهِرُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ الطّاعَةَ وَقُلُوبُهُمْ مُصِرّةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ { وَلِيُمَحّصَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا } أَيْ يُخْتَبَرُ الّذِينَ آمَنُوا حَتّى يَخْلُصُهُمْ بِالْبَلَاءِ الّذِي نَزَلَ بِهِمْ [ ص 299 ] وَكَيْفَ صَبْرُهُمْ وَيَقِينُهُمْ { وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ } أَيْ يُبْطِلُ مِنْ الْمُنَافِقِينَ قَوْلَهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ حَتّى يَظْهَرَ مَعَهُمْ كُفْرُهُمْ الّذِي يَسْتَتِرُونَ بِهِ دَعْوَةُ الْجَنّةِ لِلْمُجَاهِدِينَ ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ } أَيْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنّةَ فَتُصِيبُوا مِنْ ثَوَابِي الْكَرَامَةَ وَلَمْ أَخْتَبِرْكُمْ بِالشّدّةِ وَأَبْتَلِيكُمْ بِالْمَكَارِهِ حَتّى أَعْلَمَ صِدْقَ ذَلِكَ مِنْكُمْ بِالْإِيمَانِ بِي ، وَالصّبْرِ عَلَى مَا أَصَابَكُمْ فِيّ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنّوْنَ الشّهَادَةَ عَلَى الّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقّ قَبْلَ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوّكُمْ يَعْنِي الّذِينَ اسْتَنْهَضُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خُرُوجَهُ بِهِمْ إلَى عَدُوّهِمْ لِمَا فَاتَهُمْ مِنْ حُضُورِ الْيَوْمِ الّذِي كَانَ قَتَلَهُ بِبَدْرِ وَرَغْبَةً فِي الشّهَادَةِ الّتِي فَاتَتْهُمْ بِهَا ، فَقَالَ { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ } يَقُولُ { فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } أَيْ الْمَوْتَ بِالسّيُوفِ فِي أَيْدِي الرّجَالِ قَدْ خَلّى بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ ثُمّ صَدّهُمْ عَنْكُمْ { وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ } أَيْ لِقَوْلِ النّاسِ قُتِلَ مُحَمّدٌ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَانْهِزَامُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَانْصِرَافُهُمْ عَنْ عَدُوّهِمْ { أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ } رَجَعْتُمْ عَنْ دِينِكُمْ كُفّارًا كَمَا كُنْتُمْ وَتَرَكْتُمْ جِهَادَ عَدُوّكُمْ وَكِتَابَ اللّهِ وَمَا خَلّفَ نَبِيّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ دِينِهِ مَعَكُمْ وَعِنْدَكُمْ وَقَدْ بَيّنَ لَكُمْ فِيمَا جَاءَكُمْ بِهِ عَنّي أَنّهُ مَيّتٌ وَمُفَارِقُكُمْ { وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ } أَيْ يَرْجِعُ عَنْ دِينِهِ { فَلَنْ يَضُرّ اللّهَ شَيْئًا } أَيْ لَيْسَ يَنْقُصُ ذَلِكَ عِزّ اللّهِ تَعَالَى وَلَا مُلْكه وَلَا سُلْطَانَهُ وَلَا قُدْرَتَهُ { وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ } أَيْ مَنْ أَطَاعَهُ وَعَمِلَ بِأَمْرِهِ . [ ص 300 ] ذِكْرُهُ أَنّ الْمَوْتَ بِإِذْنِ اللّهِ ثُمّ قَالَ { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلّا بِإِذْنِ اللّهِ كِتَابًا مُؤَجّلًا } أَيْ أَنّ لِمُحَمّدِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَجَلًا هُوَ بَالِغُهُ فَإِذَا أَذِنَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ كَانَ . { وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشّاكِرِينَ } أَيْ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الدّنْيَا ، لَيْسَتْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا مَا قَسَمَ لَهُ مِنْ رِزْقٍ وَلَا يَعُدّوهُ فِيهَا ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ حَظّ { وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا } مَا وَعَدَ بِهِ مَعَ مَا يُجْزَى عَلَيْهِ مِنْ رِزْقِهِ فِي دُنْيَاهُ وَذَلِكَ جَزَاءُ الشّاكِرِينَ أَيْ الْمُتّقِينَ .Sأَدِلّةٌ عَلَى صِحّةِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ [ ص 298 ] وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ { أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ } إلَى قَوْلِهِ { وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ } ظَهَرَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ حِينَ انْقَلَبَ أَهْلُ الرّدّةِ عَلَى أَعْقَابِهِمْ فَلَمْ يَضُرّ ذَلِكَ دِينَ اللّهِ وَلَا أُمّةَ نَبِيّهِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُسَمّى : أَمِير الشّاكِرِينَ لِذَلِكَ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى صِحّةِ خِلَافَتِهِ لِأَنّهُ الّذِي قَاتَلَ الْمُنْقَلِبِينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ حِينَ رَدّهُمْ إلَى الدّينِ الّذِي خَرَجُوا مِنْهُ وَكَانَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ } دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُمْ سَيَظْفَرُونَ بِمَنْ ارْتَدّ وَتَكْمُلُ عَلَيْهِمْ النّعْمَةُ فَيَشْكُرُونَ فَتَحْرِيضُهُ إيّاهُمْ عَلَى الشّكْرِ - وَالشّكْرُ لَا يَكُونُ إلّا عَلَى نِعْمَةٍ - دَلِيلٌ عَلَى أَنّ بَلَاءَ الرّدّةِ لَا يَطُولُ وَأَنّ الظّفَرَ بِهِمْ سَرِيعٌ كَمَا كَانَ . [ ص 299 ] { قُلْ لِلْمُخَلّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ } فِيهِ أَيْضًا : التّصْحِيحُ لِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ لِأَنّهُ الّذِي دَعَا الْأَعْرَابَ إلَى جِهَادِ حَنِيفَةَ وَكَانُوا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ وَلَمْ يُقَاتِلُوا لِجِزْيَةِ وَإِنّمَا قُوتِلُوا لِيُسْلِمُوا ، وَكَانَ قِتَالُهُمْ بِأَمْرِ أَبِي بَكْرٍ وَفِي سُلْطَانِهِ ثُمّ قَالَ { فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللّهُ أَجْرًا حَسَنًا } فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ الطّاعَةَ لِأَبِي بَكْرٍ فَكَانَ فِي الْآيَةِ كَالنّصّ عَلَى خِلَافَتِهِ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ } وَقَدْ بَيّنَ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ مَنْ الصّادِقُونَ وَهُمْ الْمُهَاجِرُونَ بِقَوْلِهِ { أُولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ } فَأَمَرَ الّذِينَ تَبَوّءُوا الدّارَ وَالْإِيمَانَ أَنْ يَكُونُوا مَعَهُمْ أَيْ تَبَعًا لَهُمْ فَحَصَلَتْ الْخِلَافَةُ فِي الصّادِقِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَاسْتَحَقّوهَا بِهَذَا الِاسْمِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الصّادِقِينَ مَنْ سَمّاهُ اللّهُ الصّدّيقَ إلّا أَبُو بَكْرٍ فَكَانَتْ لَهُ خَاصّةً ثُمّ لِلصّادِقِينَ بَعْدَهُ . . ذِكْرُ شَجَاعَةِ الْمُجَاهَدِينَ مِنْ قَبْلُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ ثُمّ قَالَ { وَكَأَيّنْ مِنْ نَبِيّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ } أَيْ وَكَأَيّنْ مِنْ نَبِيّ أَصَابَهُ الْقَتْلُ وَمَعَهُ رِبّيّونَ كَثِيرٌ أَيْ جَمَاعَةٌ فَمَا وَهَنُوا لِفَقْدِ نَبِيّهِمْ وَمَا ضَعُفُوا عَنْ عَدُوّهِمْ وَمَا اسْتَكَانُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي الْجِهَادِ عَنْ اللّهِ تَعَالَى وَعَنْ دِينِهِمْ وَذَلِكَ الصّبْرِ وَاَللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ { وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلّا أَنْ قَالُوا رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } [ ص 301 ] تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاحِدُ الرّبّيّينَ رِبّيّ وَقَوْلُهُمْ الرّبَابُ ، لِوَلَدِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ أَدّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إلْيَاسَ وَلِضَبّةَ لِأَنّهُمْ تَجَمّعُوا وَتَحَالَفُوا ، مِنْ هَذَا ، يُرِيدُونَ الْجَمَاعَاتِ . وَوَاحِدَةُ الرّبَابِ : رِبّةٌ ( وَرِبَابَةٌ ) وَهِيَ جَمَاعَاتٌ قِدَاحٌ أَوْ عِصِيّ وَنَحْوِهَا ، فَشَبّهُوهَا بِهَا . قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيّ : وَكَأَنّهُنّ رِبَابَةٌ وَكَأَنّهُ ... يَسَرٌ يَفِيضُ عَلَى الْقِدَاحِ وَيَصْدَعُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ : حَوْلَ شَيَاطِينِهِمْ أَبَابِيلُ رِبّ ... يّونَ شَدّوا سِنّوْرًا مَدْسُورَا وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَالرّبَابَةُ ( أَيْضًا ) الْخِرْقَةُ الّتِي تُلَفّ فِيهَا الْقِدَاحُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَالسّنّوْرُ الدّرُوعُ . وَالدّسُرُ هِيَ الْمَسَامِيرُ الّتِي فِي الْحِلَقِ يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } قَالَ الشّاعِرُ وَهُوَ أَبُو الْأَخْرَزِ الْحِمّانِيّ ، مِنْ تَمِيمٍ دَسْرًا بِأَطْرَافِ الْقَنَا الْمُقَوّمِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : أَيْ فَقُولُوا مِثْلَ مَا قَالُوا ، وَاعْلَمُوا إنّمَا ذَلِكَ بِذُنُوبِ مِنْكُمْ وَاسْتَغْفِرُوهُ كَمَا اسْتَغْفَرُوهُ وَامْضُوا عَلَى دِينِكُمْ كَمَا مَضَوْا عَلَى دِينِهِمْ وَلَا تَرْتَدّوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ رَاجِعِينَ وَاسْأَلُوهُ كَمَا سَأَلُوهُ أَنْ يُثَبّتَ أَقْدَامَكُمْ وَاسْتَنْصِرُوهُ كَمَا اسْتَنْصَرُوهُ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَكُلّ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ كَانَ . وَقَدْ قُتِلَ نَبِيّهُمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا كَمَا فَعَلْتُمْ { فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدّنْيَا } بِالظّهُورِ عَلَى عَدُوّهِمْ { وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ } وَمَا وَعَدَ اللّهُ فِيهَا ، وَاَللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ .Sرِبّيّونَ وَرَفْعُهَا فِي الْآيَةِ [ ص 300 ] وَذَكَرَ قَوْلَهُ تَعَالَى : " وَكَأَيّنْ مِنْ نَبِيّ قُتِلَ مَعَهُ رِبّيّونَ كَثِير ٌ " ارْتَفَعَ رِبّيّونَ عَلَى تَفْسِيرِ ابْنِ إسْحَاقَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ الضّمِيرِ فِي قُتِلَ وَهَذَا أَصَحّ التّفْسِيرَيْنِ لِأَنّهُ قَالَ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ وَلَوْ كَانُوا هُمْ الْمَقْتُولِينَ مَا قَالَ فِيهِمْ مَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ أَيْ مَا ضَعُفُوا ، وَقَدْ يُخَرّجُ أَيْضًا قَوْلُ مَنْ قَالَ رِبّيّونَ مَفْعُولٌ لَمْ يُسَمّ فَاعِلُهُ بِقُتِلَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَمَا وَهَنُوا أَيْ مَا وَهَنَ الْبَاقُونَ مِنْهُمْ لِمَا أُصِيبُوا بِهِ مِنْ قَتْلِ إخْوَانِهِمْ وَهَذَا وَجْهٌ وَلَكِنْ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ يَدُلّ عَلَى صِحّةِ التّفْسِيرِ الْأَوّلِ . وَقَوْلُهُ رِبّيّونَ وَهُمْ الْجَمَاعَاتُ فِي قَوْلِ أَهْلِ اللّغَةِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رِبّيّونَ أُلُوفٌ وَقَالَ أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ : الرّبّيّ : عَشَرَةُ آلَافٍ . تَحْذِيرُهُ إيّاهُمْ مِنْ إطَاعَةِ الْكُفّارِ [ ص 302 ] { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الّذِينَ كَفَرُوا يَرُدّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } أَيْ عَنْ عَدُوّكُمْ فَتَذْهَبُ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتُكُمْ { بَلِ اللّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ } فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِكُمْ صِدْقًا فِي قُلُوبِكُمْ فَاعْتَصِمُوا بِهِ وَلَا تَسْتَنْصِرُوا بِغَيْرِهِ وَلَا تَرْجِعُوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ مُرْتَدّينَ عَنْ دِينِهِ . { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ } أَيْ الّذِي بَهْ كُنْت أَنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ بِمَا أَشْرَكُوا بِي مَا لَمْ أَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ حُجّةٍ أَيْ فَلَا تَظُنّوا أَنّ لَهُمْ عَاقِبَةَ نَصْرٍ وَلَا ظُهُورٍ عَلَيْكُمْ مَا اعْتَصَمْتُمْ بِي ، وَاتّبَعْتُمْ أَمْرِي ، لِلْمُصِيبَةِ الّتِي أَصَابَتْكُمْ مِنْهُمْ بِذُنُوبِ قَدّمْتُمُوهَا لِأَنْفُسِكُمْ خَالَفْتُمْ بِهَا أَمْرِي لِلْمَعْصِيَةِ وَعَصَيْتُمْ بِهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } أَيْ وَقَدْ وَفّيْت لَكُمْ بِمَا وَعَدْتُكُمْ مِنْ النّصْرِ عَلَى عَدُوّكُمْ إذْ تُحِسّونَهُمْ بِالسّيُوفِ أَيْ الْقَتْلِ بِإِذْنِي وَتَسْلِيطِي أَيْدِيكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَفّي أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْحِسّ : الِاسْتِئْصَالُ يُقَالُ حَسَسْت الشّيْءَ أَيّ اسْتَأْصَلْته بِالسّيْفِ وَغَيْرِهِ . قَالَ جَرِيرٌ تُحِسّهُمْ السّيُوفُ كَمَا تَسَامَى ... حَرِيقُ النّارِ فِي الْأَجَمِ الْحَصِيدِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ : إذَا شَكَوْنَا سَنَةً حَسُوسَا ... تَأْكُلُ بَعْدَ الْأَخْضَرِ الْيَبِيسَا وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ . [ ص 303 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : { حَتّى إِذَا فَشِلْتُمْ } أَيْ تَخَاذَلْتُمْ { وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ } أَيْ اخْتَلَفْتُمْ فِي أَمْرِي ، أَيْ تَرَكْتُمْ أَمْرَ نَبِيّكُمْ وَمَا عَهِدَ إلَيْكُمْ يَعْنِي الرّمَاةَ { وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبّونَ } أَيْ الْفَتْحَ لَا شَكّ فِيهِ وَهَزِيمَةُ الْقَوْمِ عَنْ نِسَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدّنْيَا } أَيْ الّذِينَ أَرَادُوا النّهْبَ فِي الدّنْيَا وَتَرْكَ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الطّاعَةِ الّتِي عَلَيْهَا ثَوَابُ الْآخِرَةِ { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ } أَيْ الّذِينَ جَاهَدُوا فِي اللّهِ وَلَمْ يُخَالِفُوا إلَى مَا نُهُوا عَنْهُ لِعَرَضِ مِنْ الدّنْيَا ، رَغْبَةً فِيهَا ، رَجَاءَ مَا عِنْدَ اللّهِ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ فِي الْآخِرَةِ أَيْ الّذِينَ جَاهَدُوا فِي الدّينِ وَلَمْ يُخَالِفُوا إلَى مَا نُهُوا عَنْهُ لِعَرَضِ مِنْ الدّنْيَا ، لِيَخْتَبِرَكُمْ وَذَلِك بِبَعْضِ ذُنُوبِكُمْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْ عَظِيمِ ذَلِكَ أَنْ لَا يُهْلِكَكُمْ بِمَا أَتَيْتُمْ مِنْ مَعْصِيَةِ نَبِيّكُمْ وَلَكِنّي عُدْت بِفَضْلِي عَلَيْكُمْ وَكَذَلِكَ { مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } أَنْ عَاقَبَ بِبَعْضِ الذّنُوبِ فِي عَاجِلِ الدّنْيَا أَدَبًا وَمَوْعِظَةً فَإِنّهُ غَيْرُ مُسْتَأْصِلٍ لِكُلّ مَا فِيهِمْ مِنْ الْحَقّ لَهُ عَلَيْهِمْ بِمَا أَصَابُوا مِنْ مَعْصِيَتِهِ رَحْمَةً لَهُمْ وَعَائِدَةً عَلَيْهِمْ لِمَا فِيهِمْ مِنْ الْإِيمَانِ .Sمِنْ تَفْسِيرِ آيَاتِ أُحُدٍ [ ص 301 ] { فَأَثَابَكُمْ غَمّا بِغَمّ } وَعَلَى : تَفْسِيرِ ابْنِ إسْحَاقَ غَمّا بَعْدَ غَمّ الْبَاءُ مُتَعَلّقَةٌ بِمَحْذُوفِ التّقْدِيرُ غَمّ مَقْرُونٌ بِغَمّ وَعَلَى تَفْسِيرٍ آخَرَ مُتَعَلّقَةٌ بِأَثَابَكُمْ أَيْ أَثَابَكُمْ غَمّا بِمَا غَمَمْتُمْ نَبِيّهُ حِينَ خَالَفْتُمْ أَمْرَهُ . [ ص 302 ] { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ } قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : هُوَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرٍ الّذِي كَانَ أَمِيرًا عَلَى الرّمَاةِ وَكَانَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَلْزَمُوا مَكَانَهُمْ وَأَلّا يُخَالِفُوا أَمْرَ نَبِيّهِمْ فَثَبَتَتْ مَعَهُ طَائِفَةٌ فَاسْتُشْهِدَ وَاسْتُشْهِدُوا ، وَهُمْ الّذِينَ أَرَادُوا الْآخِرَةَ وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْمَغْنَمِ وَأَخْذِ السّلَبِ فَكَرّ عَلَيْهِمْ الْعَدُوّ ، وَكَانَتْ الْمُصِيبَةُ وَفِي الْخَبَرِ : لَقَدْ رَأَيْت خَدَمَ هِنْدٍ وَصَوَاحِبَهَا ، وَهُنّ مُشَمّرَاتٌ فِي الْحَرْبِ . وَالْخَدَمُ الْخَلَاخِيلُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ حِينَ ذَكَرَ هِنْدًا ، وَأَنّهَا اتّخَذَتْ مِنْ آذَانِ الشّهَدَاءِ وَآنُفِهِمْ خَدَمًا وَقَلَائِدَ وَأَعْطَتْ خَدَمَهَا وَقَلَائِدَهَا وَقِرَطَتَهَا وَحْشِيّا ، مَعْنَاهُ الْخَلَاخِلُ أَيْضًا . [ ص 303 ] { لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } فِي صَحِيحِ التّفْسِيرِ أَنّ عَتّابَ بْنَ قُشَيْرٍ هُوَ قَائِلٌ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَكَانَ مَنْبُوذًا بِالنّفَاقِ . تَأْنِيبُهُ إيّاهُمْ لِفِرَارِهِمْ عَنْ نَبِيّهِمْ ثُمّ أَنّبَهُمْ بِالْفِرَارِ عَنْ نَبِيّهِمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ يَدْعُونَ لَا يَعْطِفُونَ عَلَيْهِ لِدُعَائِهِ إيّاهُمْ فَقَالَ { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّا بِغَمّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } أَيْ كَرْبًا بَعْدَ كَرْبٍ بِقَتْلِ مَنْ قُتِلَ مِنْ إخْوَانِكُمْ وَعُلُوّ عَدُوّكُمْ عَلَيْكُمْ وَبِمَا وَقَعَ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ قُتِلَ نَبِيّكُمْ فَكَانَ ذَلِكَ مِمّا تَتَابَعَ عَلَيْكُمْ غَمّا بِغَمّ { لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ } مِنْ ظُهُورِكُمْ عَلَى عَوْدِكُمْ بَعْدَ أَنْ رَأَيْتُمُوهُ بِأَعْيُنِكُمْ { وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } مِنْ قَتْلِ إخْوَانِكُمْ حَتّى فَرّجْت ذَلِكَ الْكَرْبَ عَنْكُمْ { وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } وَكَانَ الّذِي فَرّجَ اللّهُ بِهِ عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْكَرْبِ وَالْغَمّ الّذِي أَصَابَهُمْ أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ رَدّ عَنْهُمْ كِذْبَةَ الشّيْطَانِ بِقَتْلِ نَبِيّهِمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا رَأَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيّا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ هَانَ عَلَيْهِمْ مَا فَاتَهُمْ مِنْ الْقَوْمِ بَعْدَ الظّهُورِ عَلَيْهِمْ وَالْمُصِيبَةُ الّتِي أَصَابَتْهُمْ فِي إخْوَانِهِمْ حِينَ صَرَفَ اللّهُ الْقَتْلَ عَنْ نَبِيّهِمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { ثُمّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنّ الْأَمْرَ كُلّهُ لِلّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } [ ص 304 ] فَأَنْزَلَ اللّهُ النّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ عَلَى أَهْلِ الْيَقِينِ بِهِ فَهُمْ نِيَامٌ لَا يَخَافُونَ وَأَهْلُ النّفَاقِ قَدْ أَهَمّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنّونَ بِاَللّهِ غَيْرَ الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ تَخَوّفَ الْقَتْلِ وَذَلِكَ أَنّهُمْ لَا يَرْجُونَ عَاقِبَةً فَذَكَرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ تَلَاوُمَهُمْ وَحَسْرَتَهُمْ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ . ثُمّ قَالَ اللّهُ سُبْحَانَهُ لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ } لَمْ تَحْضُرُوا هَذَا الْمَوْطِنَ الّذِي أَظْهَرَ اللّهُ فِيهِ مَعَكُمْ مَا أَظْهَرَ مِنْ سَرَائِرِكُمْ لَبَرَزَ لَأَخْرَجَ { الّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ } إلَى مَوْطِنٍ غَيْرِهِ يَصْرَعُونَ فِيهِ حَتّى يَبْتَلِيَ بِهِ مَا فِي صُدُورِهِمْ { وَلِيُمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا فِي صُدُورِهِمْ مِمّا اسْتَخْفُوا بِهِ مَعَكُمْ .S[ ص 304 ] { يَظُنّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقّ } أَيْ يَظُنّونَ أَنّ اللّهَ خَاذِلٌ دِينَهُ وَنَبِيّهُ . وَقَوْلُهُ { ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ } أَيْ أَهْلَ الْجَاهِلِيّةِ كَأَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ . تَحْذِيرُهُمْ أَنْ يَكُونُوا مِمّنْ يَخْشَوْنَ الْمَوْتَ فِي اللّهِ ثُمّ قَالَ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أَيْ لَا تَكُونُوا كَالْمُنَافِقِينَ الّذِينَ يَنْهَوْنَ إخْوَانَهُمْ عَنْ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالضّرْبُ فِي الْأَرْضِ فِي طَاعَةِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَقُولُونَ إذَا مَاتُوا أَوْ قُتِلُوا : لَوْ أَطَاعُونَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا { لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ } لِقِلّةِ الْيَقِينِ بِرَبّهِمْ { وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ } أَيْ يُعَجّلُ مَا يَشَاءُ وَيُؤَخّرُ مَا يَشَاءُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ أَجَابَهُمْ بِقُدْرَتِهِ . قَالَ تَعَالَى : { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ } أَيْ إنّ الْمَوْتَ لَكَائِنٌ لَا بُدّ مِنْهُ فَمَوْتٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ قَتْلٌ خَيْرٌ لَوْ عَلِمُوا وَأَيْقَنُوا مِمّا يَجْمَعُونَ مِنْ الدّنْيَا الّتِي لَهَا يَتَأَخّرُونَ عَنْ الْجِهَادِ تَخَوّفَ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ لِمَا جَمَعُوا مِنْ زَهْرَةِ الدّنْيَا زَهَادَةً فِي الْآخِرَةِ { وَلَئِنْ مُتّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ } أَيْ ذَلِكَ كَانَ { لَإِلَى اللّهِ تُحْشَرُونَ } أَيْ إنّ إلَى اللّهِ الْمَرْجِعَ فَلَا تَغُرّنكُمْ الدّنْيَا ، وَلَا تَغْتَرّوا بِهَا ، وَلِيَكُنْ الْجِهَادُ وَمَا رَغّبَكُمْ اللّهُ فِيهِ مِنْ ثَوَابِهِ آثَرَ عِنْدَكُمْ مِنْهَا . ذِكْرُهُ رَحْمَةَ الرّسُولِ عَلَيْهِمْ ثُمّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضّوا مِنْ حَوْلِكَ } أَيْ لَتَرَكُوك { فَاعْفُ عَنْهُمْ } أَيْ فَتَجَاوَزْ عَنْهُمْ { وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ } فَذَكَرَ لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 305 ] لِينَهُ لَهُمْ وَصَبْرَهُ عَلَيْهِمْ لِضَعْفِهِمْ وَقِلّةِ صَبْرِهِمْ عَلَى الْغِلْظَةِ لَوْ كَانَتْ مِنْهُ عَلَيْهِمْ فِي كُلّ مَا خَالَفُوا عَنْهُ مِمّا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَةِ نَبِيّهِمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . ثُمّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَاعْفُ عَنْهُمْ } أَيْ تَجَاوَزْ عَنْهُمْ { وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ } ذُنُوبَهُمْ مَنْ قَارَفَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } أَيْ لِتُرِيهِمْ أَنّك تَسْمَعُ مِنْهُمْ وَتَسْتَعِينُ بِهِمْ وَإِنْ كُنْت غَنِيّا عَنْهُمْ تَأَلّفًا لَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى دِينِهِمْ { فَإِذَا عَزَمْتَ } أَيْ عَلَى أَمْرٍ جَاءَك مِنّي وَأَمْرٍ مِنْ دِينِك فِي جِهَادِ عَدُوّك لَا يُصْلِحُك وَلَا يُصْلِحُهُمْ إلّا ذَلِكَ فَامْضِ عَلَى مَا أُمِرْت بِهِ عَلَى خِلَافِ مَنْ خَالَفَك ، وَمُوَافَقَةِ مَنْ وَافَقَك ، { فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ } أَيْ ارْضَ بِهِ مِنْ الْعِبَادِ { إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ } أَيْ لِئَلّا تَتْرُكَ أَمْرِي لِلنّاسِ وَارْفُضْ أَمْرَ النّاسِ إلَى أَمْرِي ، { وَعَلَى اللّهِ } لَا عَلَى النّاسِ { فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ }S[ ص 305 ] وَذَكَرَ قَوْلَهُ { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } وَفَسّرَهُ وَقَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أُمِرَ بِمُشَاوَرَتِهِمَا . مَا نَزَلَ فِي الْغُلُولِ ثُمّ قَالَ { وَمَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمّ تُوَفّى كُلّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } أَيْ مَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَكْتُمَ النّاسَ مَا بَعَثَهُ اللّهُ بِهِ إلَيْهِمْ عَنْ رَهْبَةٍ مِنْ النّاسِ وَلَا رَغْبَةٍ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَأْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِهِ ثُمّ يُجْزَى بِكَسْبِهِ غَيْرَ مَظْلُومٍ وَلَا مُعْتَدًى عَلَيْهِ { أَفَمَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ } عَلَى مَا أَحَبّ النّاسُ أَوْ سَخِطُوا { كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ } لِرِضَا النّاسِ أَوْ لِسَخَطِهِمْ . يَقُولُ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى طَاعَتِي ، فَثَوَابُهُ الْجَنّةُ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطِ مِنْ اللّهِ وَاسْتَوْجَبَ سَخَطَهُ فَكَانَ { وَمَأْوَاهُ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } أَسَوَاءٌ الْمَثَلَانِ فَاعْرِفُوا . { هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } لِكُلّ دَرَجَاتٌ مِمّا عَمِلُوا فِي الْجَنّةِ وَالنّارِ أَيْ إنّ اللّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْلُ طَاعَتِهِ مِنْ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ .Sحُكْمُ الْغُلُولِ وَذَكَرَ قَوْلَهُ { وَمَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَغُلّ } وَفَسّرَهُ أَنْ يَكْتُمَ مَا أَنَزَلَ اللّهُ وَأَكْثَرُ الْمُفَسّرِينَ يَقُولُونَ نَزَلَتْ فِي الْغُلُولِ وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ أَنّهُمْ فَقَدُوا قَطِيفَةً مِنْ الْمَغْنَمِ فَقَالَ قَائِلٌ لَعَلّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَخَذَهَا ، فَأَنْزَلَ اللّهُ الْآيَةَ وَمَنْ قَرَأَ يُغَلّ بِضَمّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَلْقَى غَالّا ، تَقُولُ أَجْبَنْت الرّجُلَ إذَا أَلْفَيْته جَبَانًا ، وَكَذَلِكَ أَغَلَلْته : إذَا وَجَدْته . غَالّا ، وَقَدْ قَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ لِبَنِي سُلَيْمٍ : قَاتَلْنَاكُمْ فَمَا أَجْبَنّاكُمْ وَسَأَلْنَاكُمْ فَمَا أَبْخَلْنَاكُمْ وَتَفْسِيرُ ابْنِ إسْحَاقَ [ ص 306 ] فَمَنْ كَتَمَ فَقَدْ غَلّ أَيْ سَتَرَ وَكَذَلِكَ مَنْ خَانَ فِي شَيْءٍ وَأَخَذَهُ خُفْيَةً فَقَدْ سَتَرَهُ وَكَتَمَهُ وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ السّتْرُ وَالْإِخْفَاءُ وَمِنْهُ الْغِلَالَةُ وَالْغَلَلُ لِلْمَاءِ الّذِي يُغَطّيهِ الشّجَرُ وَالنّبَاتُ وَقَدْ أَمَرَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي بَعْضِ الْمَغَازِي بِإِحْرَاقِ مَتَاعِ الْغَالّ وَأَخَذَتْ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ . فَضْلُ اللّهِ عَلَى النّاسِ بِبَعَثُ الرّسُلَ [ ص 306 ] قَالَ { لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } أَيْ لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ إذْ بَعَثَ فِيكُمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِهِ فِيمَا أَحْدَثْتُمْ وَفِيمَا عَمِلْتُمْ فَيُعَلّمُكُمْ الْخَيْرَ وَالشّرّ لِتَعْرِفُوا الْخَيْرَ فَتَعْمَلُوا بِهِ وَالشّرّ فَتَتّقُوهُ وَيُخْبِرُكُمْ بِرِضَاهُ عَنْكُمْ إذَا أَطَعْتُمُوهُ فَتَسْتَكْثِرُوا مِنْ طَاعَتِهِ وَتَجْتَنِبُوا مَا سَخِطَ مِنْكُمْ مِنْ مَعْصِيَتِهِ لِتَتَخَلّصُوا بِذَلِكَ مِنْ نِقْمَتِهِ وَتُدْرِكُوا بِذَلِكَ ثَوَابَهُ مِنْ جَنّتِهِ وَإِنْ كُنْتُمْ { مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } أَيْ لَفِي عَمْيَاءَ مِنْ الْجَاهِلِيّةِ أَيْ لَا تَعْرِفُونَ حَسَنَةً وَلَا تَسْتَغْفِرُونَ مِنْ سَيّئَةٍ صُمّ عَنْ الْخَيْرِ بُكْمٌ عَنْ الْحَقّ عُمْيٌ عَنْ الْهُدَى . ذِكْرُهُ الْمُصِيبَةَ الّتِي أَصَابَتْهُمْ ثُمّ ذَكَرَ الْمُصِيبَةَ الّتِي أَصَابَتْهُمْ فَقَالَ { أَوَلَمّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنّ اللّهَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أَيْ إنْ تَكُ قَدْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ فِي إخْوَانِكُمْ بِذُنُوبِكُمْ فَقَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قَبْلُ مِنْ عَدُوّكُمْ فِي الْيَوْمِ الّذِي كَانَ قَبْلَهُ بِبَدْرِ قَتْلًا وَأَسْرًا وَنَسِيتُمْ مَعْصِيَتَكُمْ وَخِلَافَكُمْ عَمّا أَمَرَكُمْ بِهِ نَبِيّكُمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْتُمْ أَحَلَلْتُمْ ذَلِكَ بِأَنْفُسِكُمْ { إِنّ اللّهَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أَيْ إنّ اللّهَ عَلَى مَا أَرَادَ بِعِبَادِهِ مِنْ نِقْمَةٍ أَوْ عَفْوٍ قَدِيرٌ { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ } أَيْ مَا أَصَابَكُمْ حِينَ الْتَقَيْتُمْ أَنْتُمْ وَعَدُوّكُمْ فَبِإِذْنِي ، كَانَ ذَلِكَ حِينَ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بَعْدَ أَنْ جَاءَكُمْ نَصْرِي ، وَصَدَقْتُكُمْ وَعْدِي ، لِيُمَيّزَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ { وَلِيَعْلَمَ الّذِينَ نَافَقُوا } مِنْكُمْ أَيْ لِيَظْهَرَ مَا فِيهِمْ . { وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُوا } يَعْنِي عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُبَيّ وَأَصْحَابَهُ الّذِينَ رَجَعُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ سَارَ إلَى عَدُوّهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدِ وَقَوْلُهُمْ لَوْ نَعْلَمُ أَنّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَسِرْنَا مَعَكُمْ وَلَدَفَعْنَا عَنْكُمْ وَلَكِنّا لَا نَظُنّ أَنّهُ يَكُونُ قِتَالٌ . فَأَظْهَرَ مَعَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ . يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } أَيْ يُظْهِرُونَ لَك الْإِيمَانَ وَلَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ { وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } أَيْ مَا يُخْفُونَ { الّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ } [ ص 307 ] { لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَيْ أَنّهُ لَا بُدّ مِنْ الْمَوْتِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَدْفَعُوهُ عَنْ أَنْفُسِكُمْ فَافْعَلُوا ، وَذَلِكَ أَنّهُمْ إنّمَا نَافَقُوا وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللّهِ حِرْصًا عَلَى الْبَقَاءِ فِي الدّنْيَا ، وَفِرَارًا مِنْ الْمَوْتِ . التّرْغِيبُ فِي الْجِهَادِ ثُمّ قَالَ لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرَغّبُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجِهَادِ وَيُهَوّنُ عَلَيْهِمْ الْقَتْلَ { وَلَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } أَيْ لَا تَظُنّن الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا : أَيْ قَدْ أَحْيَيْتهمْ فَهُمْ عِنْدِي يُرْزَقُونَ فِي رَوْحِ الْجَنّةِ وَفَضْلِهَا ، مَسْرُورِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى جِهَادِهِمْ عَنْهُ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِاَلّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَيْ وَيُسَرّونَ بِلُحُوقِ مَنْ لَحِقَهُمْ مِنْ إخْوَانِهِمْ عَلَى مَا مَضَوْا عَلَيْهِ مِنْ جِهَادِهِمْ لِيُشْرِكُوهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنْ ثَوَابِ اللّهِ الّذِي أَعْطَاهُمْ قَدْ أَذَهَبَ اللّهُ عَنْهُمْ الْخَوْفَ وَالْحُزْنَ . يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنّ اللّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } لِمَا عَايَنُوا مِنْ وَفَاءِ الْمَوْعُودِ وَعَظِيمِ الثّوَابِ . مَصِيرُ قَتْلَى أُحُدٍ [ ص 308 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيّةَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا أُصِيبَ إخْوَانُكُمْ بِأُحُدِ جَعَلَ اللّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنّةِ وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا ، وَتَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلّ الْعَرْشِ فَلَمّا وَجَدُوا طِيبَ مَشْرَبِهِمْ وَمَأْكَلِهِمْ وَحُسْنَ مَقِيلِهِمْ قَالُوا : يَا لَيْتَ إخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ اللّهُ بِنَا ، لِئَلّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ وَلَا يَنْكُلُوا عَنْ الْحَرْبِ فَقَالَ اللّهُ تَعَالَى : فَأَنَا أُبَلّغُهُمْ عَنْكُمْ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ { وَلَا تَحْسَبَنّ } [ ص 309 ] [ ص 310 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ الْفُضَيْلِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ الْأَنْصَارِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الشّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ بِبَابِ الْجَنّةِ ، فِي فِئَةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْ الْجَنّةِ بُكْرَةً وَعَشِيّا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ { وَلَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ } فَقَالَ أَمَا إنّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْهَا فَقِيلَ لَنَا : إنّهُ لَمّا أُصِيبَ إخْوَانُكُمْ بِأُحُدِ جَعَلَ اللّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنّةِ وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا ، وَتَأْوِي إلَى قِنْدِيلٍ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلّ الْعَرْشِ فَيَطّلِعُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَلَيْهِمْ إطْلَاعَةً فَيَقُولُ يَا عِبَادِي ، مَا تَشْتَهُونَ فَأَزِيدُكُمْ ؟ قَالَ فَيَقُولُونَ رَبّنَا لَا فَوْقَ مَا أَعْطَيْتنَا ، الْجَنّةُ نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا قَالَ ثُمّ يَطّلِعُ اللّهُ عَلَيْهِمْ إطْلَاعَةً فَيَقُولُ يَا عِبَادِي ، مَا تَشْتَهُونَ فَأَزِيدُكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ رَبّنَا لَا فَوْقَ مَا أَعْطَيْتنَا ، الْجَنّةُ نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا قَالَ ثُمّ يَطّلِعُ عَلَيْهِمْ إطْلَاعَةً فَيَقُولُ يَا عِبَادِي ، مَا تَشْتَهُونَ فَأَزِيدُكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ رَبّنَا لَا فَوْقَ مَا أَعْطَيْتنَا ، الْجَنّةُ نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا . إلّا أَنّا نُحِبّ أَنْ تُرَدّ أَرْوَاحُنَا فِي أَجْسَادِنَا ، ثُمّ نُرَدّ إلّا الدّنْيَا ، فَنُقَاتِلُ فِيك ، حَتّى نُقْتَلَ مَرّةً أُخْرَى [ ص 311 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عُقَيْلٍ ، قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَا أُبَشّرُك يَا جَابِرُ ؟ قَالَ قُلْت : بَلَى يَا نَبِيّ اللّهِ قَالَ إنّ أَبَاك حَيْثُ أُصِيبَ بِأُحُدِ أَحْيَاهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ ثُمّ قَالَ لَهُ مَا تُحِبّ يَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرٍو أَنْ أَفْعَلَ بِك ؟ قَالَ أَيْ رَبّ أُحِبّ أَنْ تَرُدّنِي إلَى الدّنْيَا فَأُقَاتِلُ فِيك ، فَأُقْتَلَ مَرّةً أُخْرَى قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ الْحَسَنِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُفَارِقُ الدّنْيَا يُحِبّ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَأَنّ لَهُ الدّنْيَا وَمَا فِيهَا إلّا الشّهِيدُ فَإِنّهُ يُحِبّ أَنْ يُرَدّ إلَى الدّنْيَا ، فَيُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلُ مَرّةً أُخْرَىSالشّهَادَةُ وَالشّهَدَاءُ فَصْلٌ [ ص 307 ] وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ { وَلَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ } الْآيَاتِ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الّذِينَ سَمّاهُمْ اللّهُ شُهَدَاءَ بِقَوْلِهِ { وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ } وَهَذَا الِاسْمُ مَأْخُوذٌ مِنْ الشّهَادَةِ أَوْ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الشّهَادَةِ فَهُوَ شَهِيدٌ بِمَعْنَى مَشْهُودٍ أَيْ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ وَمَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنّةِ أَمّا مَشْهُودٌ عَلَيْهِ فَلِأَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حِينَ وَقَفَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ ، قَالَ هَؤُلَاءِ الّذِينَ أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَيْ أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِالْوَفَاءِ وَقَالَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ لِأَنّ الْمَعْنَى : أَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ وَهِيَ وِلَايَةٌ وَقِيَادَةٌ فَوُصِلَتْ بِحَرْفِ عَلَى ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الشّهَادَةِ وَتَكُونُ فَعِيلًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ لِأَنّ اللّهَ تَعَالَى يَقُولُ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النّاسِ أَيْ تَشْهَدُونَ عَلَيْهِمْ وَهَذَا ، وَإِنْ كَانَ عَامّا فِي جَمِيعِ أُمّةِ مُحَمّدٍ - عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ - فَالشّهَدَاءُ أَوْلَى بِهَذَا الِاسْمِ إذْ هُمْ تَبَعٌ لِلصّدّيقِينَ وَالنّبِيّينَ . قَالَ اللّهُ سُبْحَانَهُ { فَأُولَئِكَ مَعَ الّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَالشّهَدَاءِ } فَهَذَانِ وَجْهَانِ فِي مَعْنَى الشّهِيدِ إذَا جَعَلْته مُشْتَقّا مِنْ الشّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى : فَاعِلٍ أَيْضًا ، لِأَنّهُ يُشَاهِدُ مِنْ مَلَكُوتِ اللّهِ وَيُعَايِنُ مِنْ مَلَائِكَتِهِ مَا لَا يُشَاهِدُ غَيْرُهُ وَيَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَهُوَ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ أَيْ إنّ الْمَلَائِكَةَ تُشَاهِدُ قَبْضَهُ وَالْعُرُوجَ بِرُوحِهِ وَنَحْوِ [ ص 308 ] وَأَوْلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلّهَا بِالصّحّةِ أَنْ يَكُونَ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ . مَشْهُودًا لَهُ بِالْجَنّةِ أَوْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ كَمَا قَالَ " هَؤُلَاءِ أَنَا شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ أَيْ قَيّمٌ عَلَيْهِمْ بِالشّهَادَةِ لَهُمْ وَإِذَا حُشِرُوا تَحْتَ لِوَائِهِ فَهُوَ وَالٍ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ شَاهِدًا لَهُمْ فَمِنْ هَاهُنَا اتّصَلَ الْفِعْلُ بِعَلَى ، فَتَقَوّى هَذَا الْوَجْهُ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ الْعَرَبِيّةِ وَهُوَ أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حِينَ ذَكَرَ الشّهَدَاءَ قَالَ " وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجَمْعِ شَهِيدٍ " ، وَلَمْ يَقُلْ شَهِيدَةً وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ " وَالنّفَسَاءُ شَهِيدٌ يَجُرّهَا جَنِينُهَا بِسَرَرِهِ إلَى الْجَنّةِ " ، وَلَمْ يَقُلْ شَهِيدَةً وَفَعِيلٌ إذَا كَانَ صِفَةً لِمُؤَنّثِ كَانَ بِغَيْرِ هَاءٍ إذَا كَانَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ نَحْوَ امْرَأَةٍ قَتِيلٍ وَجَرِيحٍ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ كَانَ بِالْهَاءِ كَقَوْلِهِمْ امْرَأَةٌ عَلِيمَةٌ وَرَحِيمَةٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَدَلّ عَلَى أَنّ الشّهِيدَ مَشْهُودٌ لَهُ وَمَشْهُودٌ عَلَيْهِ وَهَذَا اسْتِقْرَاءٌ مِنْ اللّغَةِ صَحِيحٌ وَاسْتِنْبَاطٌ مِنْ الْحَدِيثِ بَدِيعٌ فَقِفْ عَلَيْهِ . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ ابْنِ عَبّاسٍ الْمَرْفُوعَ وَفِيهِ أَنّ اللّهَ جَعَلَ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ ذُكِرَ لَنَا أَنّ أَرْوَاحَ الشّهَدَاءَ تَتَعَارَفُ عِنْدَ السّدْرَةِ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ بِيضٍ وَقَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ الرّوَايَةَ قَوْمٌ وَقَالُوا : لَا يَكُونُ رَوْحَانِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ وَإِنّ ذَلِكَ مُحَالٌ وَهَذَا جَهْلٌ بِالْحَقَائِقِ فَإِنّ مَعْنَى الْكَلَامِ بَيّنٌ فَإِنّ رُوحَ الشّهِيدِ الّذِي كَانَ فِي جَسَدِهِ فِي الدّنْيَا ، يُجْعَلُ فِي جَسَدٍ آخَرَ كَأَنّهُ صُورَةُ طَائِرٍ فَيَكُونُ فِي هَذَا الْجَسَدِ الْآخَرِ كَمَا كَانَ فِي الْأَوّلِ إلَى أَنْ يُعِيدَهُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا خَلَقَهُ وَهَذِهِ الرّوَايَةُ لَا تُعَارِضُ مَا رَوَوْهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي صُوَرِ طَيْرٍ خُضْرٍ وَالشّهَدَاءُ طَيْرٌ خُضْرٌ وَجَمِيعُ الرّوَايَاتِ كُلّهَا مُتّفِقَةُ الْمَعْنَى ، وَإِنّمَا الّذِي يَسْتَحِيلُ فِي الْعَقْلِ قِيَامُ حَيَاتَيْنِ بِجَوْهَرِ وَاحِدٍ فَيَحْيَا الْجَوْهَرُ بِهِمَا جَمِيعًا ، وَأَمّا رَوْحَانِ فِي جَسَدٍ فَلَيْسَ بِمُحَالِ إذَا لَمْ نَقُلْ بِتَدَاخُلِ الْأَجْسَامِ فَهَذَا الْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمّهِ وَرُوحِهِ غَيْرُ [ ص 309 ] قِيلَ لَهُمْ إنّ الطّائِرَ لَهُ رُوحٌ غَيْرُ رُوحِ الشّهِيدِ وَهُمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ فَكَيْفَ وَإِنّمَا قَالَ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ أَيْ فِي صُورَةِ طَيْرٍ خُضْرٍ كَمَا تَقُولُ رَأَيْت مَلَكًا فِي صُورَةِ إنْسَانٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ " إنّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلَقُ فِي ثَمَرِ الْجَنّةِ " تَأَوّلَهُ بَعْضُهُمْ مَخْصُوصًا بِالشّهِيدِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنّمَا الشّهِيدُ فِي الْجَنّةِ يَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شَاءَ ثُمّ يَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مُعَلّقَةٍ فِي الْعَرْشِ وَغَيْرُ الشّهِيدِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ نَسَمَتُهُ أَيْ رُوحُهُ طَائِرٌ لَا أَنّ رُوحَهُ جُعِلَ فِي جَوْفِ طَائِرٍ لِيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ كَمَا فَعَلَ بِالشّهِيدِ لَكِنّ الرّوحَ نَفْسَهُ طَائِرٌ يَعْلَقُ بِشَجَرِ الْجَنّةِ يَعْلَقُ بِفَتْحِ اللّامِ يَنْشَبُ بِهَا ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْهَا ، وَمَنْ رَوَاهُ يَعْلَقُ فَمَعْنَاهُ يُصِيبُ الْعَلَقَةَ أَيْ يَنَالُ مَعَهَا مَا هُوَ دُونَ نَيْلِ الشّهِيدِ فَضَرَبَ الْعَلَقَةَ مَثَلًا ، لِأَنّ مَنْ أَصَابَ الْعَلَقَةَ مِنْ الطّعَامِ وَالشّرَابِ فَقَدْ أَصَابَ دُونَ مَا أَصَابَ غَيْرُهُ مِمّنْ أَدْرَكَ الرّغَدَ فَهُوَ مِثْلُ مَضْرُوبٍ يُفْهَمُ مِنْهُ هَذَا الْمَعْنَى . وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِيَعْلَقُ الْأَكْلَ نَفْسَهُ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالشّهِيدِ فَتَكُونُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَاهُ بِالضّمّ لِلشّهَدَاءِ وَرِوَايَةُ الْفَتْحِ لِمَنْ دُونَهُمْ فَاَللّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ رَسُولُهُ مِنْ ذَلِكَ . وَقَوْلُهُ ثُمّ تَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ يُصَدّقُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى عَزّ وَجَلّ { وَالشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } [ الْحَدِيدُ 19 ] . وَإِنّمَا تَأْوِي إلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ لَيْلًا ، وَتَسْرَحُ نَهَارًا ، فَتَعْلَمُ بِذَلِكَ اللّيْلَ مِنْ النّهَارِ وَبَعْدَ دُخُولِ الْجَنّةِ فِي الْآخِرَةِ لَا تَأْوِي إلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - وَإِنّمَا ذَلِكَ مُدّةُ الْبَرْزَخِ هَذَا مَا يَدُلّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ . وَقَالَ مُجَاهِدٌ : الشّهَدَاءُ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِ الْجَنّةِ وَلَيْسُوا فِيهَا ، وَقَدْ أَنْكَرَ أَبُو عُمَرَ قَوْلَ مُجَاهِدٍ ، وَرَدّهُ وَلَيْسَ بِمُنْكَرِ عِنْدِي ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا وَقَعَ فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ " الشّهَدَاءُ بِنَهَرِ " أَوْ عَلَى نَهَرٍ يُقَالُ لَهُ " بَارِقٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنّةِ فِي قِبَابٍ خُضْرٍ يَأْتِيهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْهَا بُكْرَةً وَعَشِيّا " ، فَهَذَا يُبَيّنُ مَا أَرَادَ مُجَاهِدٌ ، وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَمِمّا وَقَعَ السّيرَةُ أَيْضًا ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ هِشَامٍ حَدِيثٌ رَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ ، قَالَ حَدّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ قَالَ حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَ [ ص 310 ] الشّهَدَاءُ ثَلَاثَةٌ فَأَدْنَى الشّهَدَاءُ عِنْدَ اللّهِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ خَرَجَ مُسَوّدًا بِنَفْسِهِ وَرَحْلِهِ لَا يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ وَلَا يُقْتَلَ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَأَصَابَهُ قَالَ فَأَوّلُ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهِ يَغْفِرُ اللّهُ بِهَا مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ثُمّ يُهْبِطُ اللّهُ إلَيْهِ جَسَدًا مِنْ السّمَاءِ فَيَجْعَلُ فِيهِ رُوحَهُ ثُمّ يُصْعَدُ بِهِ إلَى اللّهِ فَمَا يَمُرّ بِسَمَاءِ مِنْ السّمَوَاتِ إلّا شَيّعَتْهُ الْمَلَائِكَةُ حَتّى يَنْتَهِيَ بِهِ إلَى اللّهِ فَإِذَا انْتَهَى بِهِ إلَيْهِ وَقَعَ سَاجِدًا ، ثُمّ يُؤْمَرُ بِهِ فَيُكْسَى سَبْعِينَ زَوْجًا مِنْ الْإِسْتَبْرَقِ " ، ثُمّ يَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَأَحْسَنِ مَا رَأَيْتُمْ مِنْ شَقَائِقِ النّعْمَان وَحَدّثَ كَعْبُ الْأَخْبَارِ عَنْ قَوْلِ - رَسُولِ اللّهِ عَلَيْهِ السّلَامُ - فَقَالَ كَعْبُ الْأَخْبَارِ أَجَلّ كَأَحْسَنِ مَا رَأَيْتُمْ مِنْ شَقَائِقِ النّعْمَانِ ثُمّ يَقُولُ اذْهَبُوا بِهِ إلَى إخْوَتِهِ مِنْ الشّهَدَاءِ ، فَاجْعَلُوهُ . مَعَهُمْ فَيُؤْتَى بِهِ إلَيْهِمْ مِنْ قُبّةٍ خَضْرَاءَ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْجَنّةِ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ حُوتٌ وَنُورٌ مِنْ الْجَنّةِ لِغَدَائِهِمْ فَيَلْعَبَانِهِمْ حَتّى إذَا كَثُرَ عَجَبُهُمْ مِنْهَا طَعَنَ الثّوْرُ الْحُوتَ بِقَرْنِهِ فَبَقَرَهُ . لَهُمْ عَمّا يَدْعُونَ . ثُمّ يَرُوحَانِ عَلَيْهِمْ لِعَشَائِهِمْ فَيُلَعّبَانِهِمْ حَتّى إذَا كَثُرَ عَجَبُهُمْ مِنْهُمَا ضَرَبَ الْحُوتُ الثّوْرَ بِذَنْبِهِ فَبَقَرَهُ . لَهُمْ عَمّا يَدْعُونَ فَإِذَا انْتَهَى إلَى إخْوَانِهِ سَأَلُوهُ . تَسْأَلُوا الرّاكِبَ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ بِلَادَكُمْ فَيَقُولُونَ مَا فَعَلَ فُلَانٌ ؟ فَيَقُولُ أَفْلَسَ فَيَقُولُونَ فَمَا أَهْلَكَ مَالَهُ فَوَاَللّهِ إنْ كَانَ لَكَيّسًا جَمُوعًا تَاجِرًا ، فَيُقَالُ لَهُمْ إنّا لَا نَعُدّ الْفَلَسَ مَا تَعُدّونَ وَإِنّمَا نَعُدّ الْفَلَسَ مِنْ الْأَعْمَالِ فَمَا فَعَلَ فُلَانٌ وَامْرَأَتُهُ فُلَانَةُ ؟ فَيَقُولُ طَلّقَهَا ، فَيَقُولُونَ فَمَا الّذِي نَزَلَ بَيْنَهُمَا ، حَتّى طَلّقَهَا ، فَوَاَللّهِ إنْ كَانَ بِهَا لَمُعْجَبًا ؟ فَيَقُولُونَ مَا فَعَلَ فُلَانٌ ؟ فَيَقُولُونَ مَاتَ أيهات قَبْلُ بِزَمَانِ فَيَقُولُونَ هَلَكَ وَاَللّهِ مَا سَمِعْنَا لَهُ بِذِكْرِ إنّ لِلّهِ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا : عَلَيْنَا ، [ ص 311 ] أَرَادَ اللّهُ بِعَبْدِ خَيْرًا أَمَرّ بِهِ عَلَيْنَا ، فَعَرَفْنَا ، وَعَرَفْنَا مَتَى مَاتَ وَاذَا أَرَادَ اللّهُ بِعَبْدِ شَرّا خُولِفَ بِهِ عَنّا ، فَلَمْ نَسْمَعْ لَهُ بِذِكْرِ هَلَكَ وَاَللّهِ فُلَانٌ فَإِنّ هَذَا لِأَدْنَى الشّهَدَاءِ عِنْدَ اللّهِ نَزْلَةً وَإِنّ الْآخَرَ رَجُلٌ خَرَجَ مُسَوّدًا بِنَفْسِهِ وَرَحْلِهِ يُحِبّ أَنْ يَقْتُلَ وَلَا يُقْتَلَ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَأَصَابَهُ فَذَلِكَ رَفِيقُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرّحْمَنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحُكّ رُكْبَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ وَأَفْضَلُ الشّهَدَاءِ : رَجُلٌ خَرَجَ مُسَوّدًا بِنَفْسِهِ وَرَحْلِهِ يُحِبّ أَنْ يَقْتُلَ وَأَنْ يُقْتَلَ وَقَاتَلَ حَتّى قَتَلَ قَعْصًا فَذَلِكَ يَبْعَثُهُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَاهِرًا سَيْفَهُ يَتَمَنّى عَلَى اللّهِ لَا يَسْأَلُهُ شَيْئًا إلّا أَعْطَاهُ إيّاهُ [ ص 312 ] وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْحُوتِ وَلَعِبُهُ مَعَ الثّوْرِ وَقَدْ خَرّجَهُ هَنّادُ بْنُ السّرِيّ بِإِسْنَادِ حَسَنٍ فِي كِتَابِ الرّقَاقِ لَهُ بِأَكْثَرَ مِمّا وَقَعَ هَا هُنَا ، وَفِي الصّحِيحَيْنِ مِنْهُ ذَكَرَ أَكْلَ أَهْلِ الْجَنّةِ مِنْ كَبِدٍ أَوّلَ مَا يَأْكُلُونَ ثُمّ يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنّةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ بَابِ التّفَكّرِ وَالِاعْتِبَارِ أَنّ الْحُوتَ لَمّا كَانَ عَلَيْهِ قَرَرُ هَذِهِ الْأَرْضِ وَهُوَ حَيَوَانٌ سَابِحٌ لِيَسْتَشْعِرَ أَهْلُ هَذِهِ الدّارِ أَنّهُمْ فِي مَنْزِلٍ قُلْعَةٍ وَلَيْسَ بِدَارِ قَرَارٍ فَإِذَا نُحِرَ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنّةَ فَأَكَلُوا مِنْ كَبِدِهِ كَانَ فِي ذَلِكَ إشْعَارٌ لَهُمْ بِالرّاحَةِ مِنْ دَارِ الزّوَالِ وَأَنّهُمْ قَدْ صَارُوا إلَى دَارِ الْقَرَارِ كَمَا يُذْبَحُ لَهُمْ الْكَبْشُ الْأَمْلَحُ عَلَى الصّرَاطِ وَهُوَ صُورَةُ الْمَوْتِ لِيَسْتَشْعِرُوا أَنْ لَا مَوْتَ وَأَمّا الثّوْرُ فَهُوَ آلَةُ الْحَرْثِ وَأَهْلُ الدّنْيَا لَا يَخْلَوْنَ مِنْ أَحَدِ الْحَرْثَيْنِ حَرْثٍ لِدُنْيَاهُمْ وَحَرْثٍ لِأُخْرَاهُمْ فَفِي نَحْرِ الثّوْرِ لَهُمْ هُنَالِكَ إشْعَارٌ بِإِرَاحَتِهِمْ مِنْ الْكَدّيْنِ وَتَرْفِيهِهِمْ مِنْ نَصَبِ الْحَرْثَيْنِ فَاعْتَبِرْ وَاَللّهُ الْمُسْتَعَانُ . إغْفَالُ ابْنِ إسْحَاقَ نَسَبَ عُبَيْدِ بْنِ التّيّهَانِ فَصْلٌ [ ص 313 ] وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ عُبَيْدَ بْنَ التّيّهَانِ . وَاسْمُ التّيّهَانِ مَالِكٌ " وَلَمْ يَرْفَعْ نَسَبَهُ وَكَذَلِكَ فَعَلَ فِي هَذَا النّسَبِ حَيْثُ وَقَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ نَسَبٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَدْ رَفَعْنَاهُ عِنْدَ ذِكْرِ أَبِي الْهَيْثَمِ وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ هُنَالِكَ . وَقَوْلُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ : وَلَا مِثْلَ أَضْيَافِ الْأَرَاشِيّ مَعْشَرَا [ ص 314 ] أَبَا الْهَيْثَمِ فَجَعَلَهُ إرَاشِيّا ، وَلَيْسَتْ إرَاشَةً مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَنَسَبَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي جَمَاعَةٍ مَعَهُ إلَى بَلِيّ ، وَقَالُوا : هُوَ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ ، وَلَيْسَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيّ فِي الْمُسْتَشْهَدِ يَوْمَ أُحُدٍ : عُبَيْدُ بْنُ التّيّهَانِ ، وَقَالَ ابْنُ عُقْبَةَ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَابْنُ عُمَارَةَ هُوَ عَتِيكُ بْنُ التّيّهَانِ . أَبُو حَنّةَ أَوْ حَبّةَ [ ص 315 ] وَذَكَرَ فِيهِمْ أَبَا حَبّةٍ الْأَنْصَارِيّ الْبَدْرِيّ وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو حَنّةَ بْنُ ثَابِتٍ بِالنّونِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْوَاقِدِيّ ، قَالَ لَيْسَ فِيمَنْ شَهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ اسْمِهِ أَبُو حَبّة بِالْبَاءِ وَكَذَلِكَ رَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ : أَبُو حَنّةَ بِالنّونِ شَهِدَ بَدْرًا ، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَهُوَ مِنْ [ ص 316 ] الْأَوْسِ ، وَاسْمُهُ ثَابِتٍ وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ وَالِاخْتِلَافُ فِي اسْمِهِ وَفِي كُنْيَتِهِ كَثِيرٌ . وَأَمّا أَبُو حَبّةَ الْمُسْتَشْهَدُ يَوْمَ الْيَمَامَةِ ، فَهُوَ أَبُو حَبّةَ بْنُ غَزِيّةَ بِالْبَاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِوَاحِدَةِ مِنْ أَسْفَلَ وَلَمْ [ ص 317 ] يُؤْبَهُ بِقَوْلِهِ وَاسْمُهُ زَيْدُ بْنُ غَزِيّةَ بْنِ عَمْرٍو ، وَهُوَ مِنْ الْخَزْرَجِ ، وَالْأَوّلُ مِنْ الْأَوْسِ ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْأَوّلِ أَوْ حَيّةُ بِيَاءِ مُعْجَمَةٍ بِاثْنَتَيْنِ فَاَللّهُ أَعْلَمُ . [ ص 318 ] بِالشّامِ ، وَحَنّةُ أُمّ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ وَخَنّةُ بِخَاءِ مَنْقُوطَةٍ بِنْتُ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ الْقَاضِي ، وَهِيَ أُمّ مُحَمّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيّ الْفَقِيهِ وَجَنّةُ بِالْجِيمِ لَا يُعْرَفُ إلّا أَبُو جَنّةَ خَالُ ذِي الرّمّةِ الشّاعِرِ قَالَهُ ابْنُ مَاكُولَا . [ ص 319 ] وَذَكَرَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ الْعَجْلَانِيّ سَلَمَةُ بِفَتْحِ اللّامِ تَقَيّدَ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْأُصُولِ الصّحَاحِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ ، وَذَكَرَهُ الدّارَقُطْنِيّ فِي بَابِ سَلِمَةَ بِكَسْرِ [ ص 320 ] وَأَخْبَرَ أَنّهَا رِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ أَيْضًا أَنّهَا رِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، وَاَللّهُ أَعْلَمُ . ذِكْرُ مَنْ خَرَجُوا مَعَ الرّسُولِ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { الّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ وَالرّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ } أَيْ الْجِرَاحُ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ سَارُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ - الْغَدَ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ أَلَمِ الْجِرَاحِ { لِلّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } وَالنّاسُ الّذِينَ قَالُوا لَهُمْ مَا قَالُوا ، النّفَرُ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ الّذِينَ قَالَ لَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ مَا قَالَ قَالُوا إنّ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ رَاجِعُونَ إلَيْكُمْ يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتّبَعُوا رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } لِمَا صَرَفَ اللّهُ عَنْهُمْ مِنْ لِقَاءِ عَدُوّهِمْ { إِنّمَا ذَلِكُمُ الشّيْطَانُ } أَيْ لِأُولَئِكَ الرّهْطِ وَمَا أَلْقَى الشّيْطَانُ عَلَى أَفْوَاههمْ { يُخَوّفُ أَوْلِيَاءَهُ } أَيْ يَرْهَبُكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ { فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَلَا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ } أَيْ الْمُنَافِقُونَ [ ص 312 ] { إِنّهُمْ لَنْ يَضُرّوا اللّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللّهُ أَلّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِنّ الّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرّوا اللّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَا يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُوا أَنّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ مَا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ } أَيْ الْمُنَافِقِينَ { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ } أَيْ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يَبْتَلِيَكُمْ بِهِ لِتَحْذَرُوا مَا يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ فِيهِ وَلَكِنّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ أَيْ يُعَلّمُهُ ذَلِكَ { فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتّقُوا } أَيْ تَرْجِعُوا وَتَتُوبُوا { فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ } ذِكْرُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ بِأُحُدِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَاسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ؟ قَتَلَهُ وَحْشِيّ ، غُلَامُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ . مِنْ بَنِي أُمَيّةَ وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ . مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ [ ص 313 ] بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ، قَتَلَهُ ابْنُ قَمِئَةَ اللّيْثِيّ . مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ : شَمّاسُ بْنُ عُثْمَانَ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ . مِنْ الْأَنْصَارِ وَمِنْ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ : عَمْرُو بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ وَالْحَارِثُ بْنُ أَنَسِ بْنِ رَافِعٍ وَعُمَارَةُ بْنُ زِيَادِ بْنِ السّكَنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : السّكَنُ بْنُ رَافِعِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ ، وَيُقَالُ السّكَنُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَلَمَةُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ وَعَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ زَعَمَ لِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ أَبَاهُمَا ثَابِتًا قُتِلَ يَوْمَئِذٍ . وَرِفَاعَةُ بْنُ وَقْشٍ . وَحُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ أَبُو حُذَيْفَةَ وَهُوَ الْيَمَانُ أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَلَا يَدْرُونَ فَتَصَدّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ وَصَيْفِيّ بْنُ قَيْظِيّ . وَحَبَابُ بْنُ قَيْظِيّ . وَعَبّادُ بْنُ سَهْلٍ ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا . مِنْ رَاتِجٍ وَمِنْ أَهْلِ رَاتِجٍ : إيَاسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَمِ بْنِ زَعُورَاءَ بْنِ جُشَمِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ ؟ وَعُبَيْدُ بْنُ التّيّهَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَتِيكُ بْنُ التّيّهَانِ . وَحَبِيبُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ تَيْمٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . مِنْ بَنِي ظَفَرٍ [ ص 314 ] بَنِي ظَفَرٍ : يَزِيدُ بْنُ حَاطِبِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ رَافِعٍ . رَجُلٌ . مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ : أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ زَيْدٍ ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرِ بْنِ صَيْفِيّ بْنِ نُعْمَانَ بْنِ مَالِكِ بْنِ أُمَةَ ، هُوَ غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ قَتَلَهُ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ شَعُوبٍ اللّيْثِيّ رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَيْسُ : بْنُ زَيْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ وَمَالِكُ بْنُ أُمَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ . مِنْ بَنِي عُبَيْدٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدٍ : أُنَيْسُ بْنُ قَتَادَةَ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : أَبُو حَيّةَ وَهُوَ أَخُو سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ لِأُمّهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو حَيّةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ وَهُوَ أَمِيرُ الرّمَاةِ . رَجُلَانِ . مِنْ بَنِي السّلْمِ وَمِنْ بَنِي السّلْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ : خَيْثَمَةُ أَبُو سَعْدِ بْنُ خَيْثَمَةَ . رَجُلٌ . مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ : رَجُلٌ . مِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ وَمِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكٍ سُبَيْعُ بْنُ حَاطِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ هَيْشَةَ . رَجُلٌ . مِنْ بَنِي النّجّارِ [ ص 315 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ سُوَيْبِقُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبِ بْنِ هَيْشَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي النّجّارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنِيّ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ ، وَابْنُهُ قَيْسُ بْنُ عَمْرٍو . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَمْرُو بْنُ قَيْسِ : بْنُ زَيْدِ بْنِ سَوَادٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَثَابِتُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ ، وَعَامِرُ بْنُ مَخْلَدٍ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ . مِنْ بَنِي مَبْذُولٍ وَمِنْ بَنِي مَبْذُولٍ أَبُو هُبَيْرَةَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَقَفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ مَبْذُولٍ وَعَمْرُو بْنُ مُطّرِفِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَمْرٍو رَجُلَانِ . مِنْ بَنِي عَمْرٍو وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ : أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ . رَجُلٌ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَوْسُ بْنُ ثَابِتٍ أَخُو حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ . مِنْ بَنِي عَدِيّ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّار ِ أَنَسُ بْنُ النّضْرِ بْنِ ضَمْضَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ النّجّارِ . رَجُلٌ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنَسُ بْنُ النّضْرِ ، عَمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : خَادِمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . مِنْ بَنِي مَازِنٍ وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّار ِ قَيْسُ بْنُ مَخْلَدٍ وَكَيْسَانُ عَبْدٌ لَهُنّ . رَجُلَانِ . مِنْ بَنِي دِينَارٍ وَمِنْ بَنِي دِينَارِ بْنِ النّجّارِ : سُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ وَنُعْمَانُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو . رَجُلَانِ . مِنْ بَنِي الْحَارِثِ [ ص 316 ] بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ وَسَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ دُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَأَوْسُ بْنُ الْأَرْقَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . مِنْ بَنِي الْأَبْجَرِ وَمِنْ بَنِي الْأَبْجَرِ ، وَهُمْ بَنُو خُدْرَةَ : مَالِكُ بْنُ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْجَرِ ، وَهُوَ أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : اسْمُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ سِنَانٌ وَيُقَالُ سَعْدٌ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَعِيدُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبّادِ بْنِ الْأَبْجَرِ ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعِ بْنِ رَافِعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْجَرِ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ : ثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَالِدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ وَثَقْفُ بْنُ فَرْوَةَ بْنِ الْبَدِيّ . رَجُلَانِ . مِنْ بَنِي طَرِيف& |