الخميس، 24 مايو 2018

7. دمار الكزن هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين فإن كان لكم كيد فكيدون ويل يومئذ للمكذبين [ المرسلات]


قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها [ الأحزاب : 69 ] . وقال تعالى : واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا [ مريم : 51 - 53 ] . وقال تعالى : قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي [ الأعراف : 144 ] . وقال : وألقيت عليك محبة مني ولتصنع على عيني . إلى قوله : واصطنعتك لنفسي [ طه : 39 ، 41 ] . والقرآن مملوء بذكر موسى والثناء عليه من الله عز وجل ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تفضلوني على موسى; فإن الناس يصعقون يوم القيامة ، فأكون أول من يفيق ، فإذا موسى ، باطش بالعرش " . الحديث .
وقال تعالى : وكلم الله موسى تكليما [ النساء : 164 ] . وثبت في الصحيح في حديث الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بموسى ليلة الإسراء وهو قائم يصلي في قبره ، ورآه في السماء السابعة - وفي رواية : في السادسة - ليلة الإسراء ، وكانت شريعة موسى عظيمة جدا ، وأمته كثيرة جدا ، وكان فيهم [ ص: 488 ] الأنبياء والعلماء ، والربانيون ، والأحبار ، والعباد ، والزهاد ، والصالحون ، والمؤمنون ، والمسلمون ، والملوك ، والسادات ، والكبراء ، وطالت أيامهم في أرغد عيش وأطيبه ، مع القهر ، والغلبة لأهل الأرض قاطبة ، ولا سيما في زمن داود ، وسليمان ، عليهما السلام ، وقد مدح الله بعضهم ، وأثنى عليه في القرآن ، فقال تعالى : ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون [ الأعراف : 159 ] ، وقال : وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك [ الأعراف : 168 ] . وقال : أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا [ مريم : 158 ] . وقال تعالى : ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين وآتيناهم بينات من الأمر [ الجاثية : 16 ، 17 ] ، وقد ذكرهم الله كثيرا في القرآن . وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم سوادا عظيما قد سد الأفق ، فظنها أمته ، فقيل : هذا موسى وقومه . والآيات والأحاديث في فضل موسى صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة كثيرة جدا . ( مخاطبة الله عز وجل لعبده الكافر يوم القيامة )
وأما الكفار فقد قال الله تعالى : إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم [ آل عمران : 77 ] .
وقال تعالى : إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم [ البقرة : 174 ، 1175 ] والمراد من هذا أنه لا يكلمهم ولا ينظر إليهم كلاما ينتفعون به ونظرا يرحمهم به . كما أنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون; لقوله تعالى : ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من الإنس وقال أولياؤهم من الإنس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم [ الأنعام : 128 ] . وقال تعالى : هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين فإن كان لكم كيد فكيدون ويل يومئذ للمكذبين [ المرسلات : 38 - 40 ] . وقال تعالى : يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون [ المجادلة : 18 ] [ ص: 494 ] ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون قال الذين حق عليهم القول ربنا هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون وقيل ادعوا شركاءكم فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون [ القصص : 62 - 66 ] . وقال بعده ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون [ القصص : 74 ، 75 ] . والآيات في هذا كثيرة جدا .
وثبت في " الصحيحين " - كما سيأتي - من طريق خيثمة ، عن عدي بن حاتم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان " . " فيلقى الرجل فيقول : ألم أكرمك؟ ألم أزوجك؟ ألم أسخر لك الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول : بلى . فيقول : أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول : لا . فيقول : فاليوم أنساك كما نسيتني " . فهذا فيه تصريح بمخاطبة الله لعبده الكافر .
وأما العصاة ففي حديث ابن عمر الذي في " الصحيحين " حديث النجوى - كما سيأتي - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يدني الله العبد يوم القيامة [ ص: 495 ] حتى يضع عليه كنفه ، ثم يقرره بذنوبه ، فيقول : عملت في يوم كذا كذا وكذا ، وفي يوم كذا كذا وكذا . فيقول : نعم يا رب . حتى إذا ظن أنه قد هلك ، قال الله تعالى : إني سترتها عليك في الدنيا ، وأنا أغفرها لك اليوم " . ذكر إبداء عنق من النار إلى المحشر فيطلع على الناس
قال الله تعالى : وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى [ ص: 496 ] [ الفجر : 23 ] وقال مسلم في " صحيحه " : حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، عن العلاء بن خالد الكاهلي ، عن شقيق ، عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام ، مع كل زمام سبعون ألف ملك ، يجرونها " . وكذا رواه الترمذي مرفوعا ، ومن وجه آخر هو وابن جرير موقوفا .
وقال الإمام أحمد : حدثنا معاوية ، حدثنا شيبان ، عن فراس ، عن عطية ، عن أبي سعيد الخدري ، عن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : " يخرج عنق من النار يتكلم فيقول : وكلت اليوم بثلاثة : بكل جبار ، ومن جعل مع الله إلها آخر ، ومن قتل نفسا بغير نفس . فينطوي عليهم ، فيقذفهم في غمرات جهنم " . تفرد به من هذا الوجه ، وسيأتي في باب الميزان عن خالد ، عن القاسم ، عن عائشة ، نحوه .
وقد قال تعالى : إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا وإذا ألقوا منها مكانا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا [ الفرقان : 12 - 14 ] ، . قال السدي : إذا رأتهم من مكان بعيد .
[ ص: 497 ] قال : من مسيرة مائة عام . سمعوا لها تغيظا وزفيرا . من شدة حنقها وبغضها لمن أشرك بالله ، واتخذ معه إلها آخر . وفي الحديث " من كذب علي ، وادعى إلى غير أبيه ، وانتمى إلى غير مواليه فليتبوأ بين عيني جهنم مقعدا " ، قالوا : يا رسول الله ، وهل لها من عينين؟ قال : " أوما سمعتم الله يقول : إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظا وزفيرا . رواه ابن أبي حاتم .
وقال ابن جرير : حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا عبيد الله بن موسى ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي يحيى ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : إن الرجل ليجر إلى النار ، فتنزوي وينقبض بعضها إلى بعض ، فيقول الرحمن : ما لك ؟ فتقول : إنه يستجير مني . فيقول : أرسلوا عبدي . وإن الرجل ليجر إلى النار فيقول : يا رب ، ما كان هذا الظن بك . فيقول : فما كان ظنك؟ فيقول : أن تسعني رحمتك . فيقول : أرسلوا عبدي . وإن الرجل ليجر إلى النار فتشهق إليه النار شهوق البغلة إلى الشعير ، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا خاف . إسناده صحيح .
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر ، عن المنصور ، عن مجاهد ، عن عبيد بن عمر ، قال : إن جهنم تزفر زفرة ، لا يبقى ملك ولا نبي إلا خر ترعد فرائصه ، حتى إن إبراهيم ليجثو على ركبتيه ، ويقول : رب ، لا أسألك اليوم إلا نفسي .
[ ص: 498 ] وقال في حديث الصور : " ثم يأمر الله جهنم فيخرج منها عنق ساطع مظلم ، ثم يقول تعالى : ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون هذه جهنم التي كنتم توعدون اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون [ يس : 60 - 64 ] . وقال : وامتازوا اليوم أيها المجرمون [ يس : 159 ] . فيميز الله بين الخلائق ، وتجثو الأمم ، وذلك قوله تعالى : وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون )[ الجاثية : 28 ، 29 ] . ( ( بيان كون الميزان له كفتان حسيتان مشاهدتان
قال الإمام أحمد : حدثنا إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، حدثنا ابن المبارك ، عن ليث بن سعد ، حدثني عامر بن يحيى ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، واسمه عبد الله بن يزيد : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى يستخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة ، فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا ، كل سجل مد البصر ، ثم يقول له : أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ قال : لا يا رب . فيقول : ألك عذر ، أو حسنة؟ فيبهت الرجل ، فيقول : لا يا رب . فيقول : بلى ، إن لك عندنا حسنة واحدة ، لا ظلم عليك اليوم . فتخرج له بطاقة ، فيها : أشهد أن لا إله [ ص: 500 ] إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله . فيقول : أحضروه . فيقول : يا رب ، ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟! فيقول : إنك لا تظلم . قال : فتوضع السجلات في كفة ، والبطاقة في كفة . قال : فطاشت السجلات ، وثقلت البطاقة ، ولا يثقل شيء مع اسم الله الرحمن الرحيم " . وهكذا رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وابن أبي الدنيا ، من حديث الليث - زاد الترمذي : وابن لهيعة - كلاهما عن عامر بن يحيى ، به . قال الترمذي : حسن غريب .
سياق آخر لهذا الحديث : قال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عمرو بن يحيى ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " توضع الموازين يوم القيامة ، فيؤتى بالرجل ، فيوضع في كفة ، فيوضع ما أحصي عليه ، فيتمايل به الميزان ، [ ص: 501 ] قال : فيبعث به إلى النار ، قال : فإذا أدبر به ، إذا صائح من عند الرحمن تعالى ، يقول : لا تعجلوا ، لا تعجلوا ، فإنه قد بقي له . فيؤتى ببطاقة فيها : لا إله إلا الله . فتوضع مع الرجل في كفة ، حتى يميل به الميزان " . وهذا السياق فيه غرابة ، فيه فائدة جليلة; وهي أن العامل يوزن مع عمله .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أحمد بن محمد بن البراء المقرئ ، حدثنا يعلى بن عبيد ، عن عبد الرحمن بن زياد ، عن أبي عبد الرحمن ، عن عبد الله بن عمرو - رفعه - قال : " يؤتى برجل يوم القيامة إلى الميزان ، فيخرج له تسعة وتسعون سجلا ، كل سجل منها مد البصر ، فيها ذنوبه وخطاياه ، فتوضع في كفة ، ثم يخرج له قرطاس مثل الأنملة ، فيه شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، فتوضع في الكفة الأخرى ، فترجح بخطاياه " .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام ، حدثنا حجاج ، عن فطر بن خليفة ، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن سابط قال : لما حضر أبا بكر الموت أرسل إلى عمر ، فقال : إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا ، وثقله عليهم ، وحق لميزان إذا وضع فيه الحق غدا أن يكون ثقيلا ، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا ، وخفته عليهم ، وحق لميزان إذا وضع فيه الباطل غدا أن يكون خفيفا .
[ ص: 502 ] وقال الإمام أحمد : عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن يعلى بن مملك ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أثقل شيء يوضع في الميزان خلق حسن " .
وقد وردت الأحاديث بوزن الأعمال أنفسها ، كما في " صحيح مسلم " ، من طريق أبي سلام ، عن أبي مالك الأشعري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماوات والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو ، فبائع نفسه فمعتقها ، أو موبقها " . فقوله : " والحمد لله تملأ الميزان " . فيه دلالة على أن العمل نفسه يوزن ، وذلك بأحد شيئين؟ إما أن العمل نفسه وإن كان عرضا قد قام بالفاعل ، يحيله الله تعالى يوم القيامة ، فيجعله ذاتا توضع في الميزان ، كما ورد في الحديث الذي رواه ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو خيثمة ، ومحمد بن سليمان ، وغيرهما ، قالوا : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن أبي مليكة ، عن يعلى بن مملك ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أثقل شيء يوضع في الميزان خلق حسن " .
[ ص: 503 ] وكذا رواه الإمام أحمد ، عن سفيان بن عيينة به . ورواه أحمد ، عن غندر ، ويحيى بن سعيد ، عن شعبة ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن عطاء الكيخاراني ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من شيء أثقل في الميزان من خلق حسن " . وقد رواه الإمام أحمد أيضا من حديث الحسن بن مسلم ، عن عطاء ، وأخرجه أبو داود من حديث شعبة ، به ، والترمذي من حديث مطرف ، عن عطاء الكيخاراني ، به .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا أبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن زيد ، عن أبي سلام ، عن مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بخ بخ لخمس ، ما أثقلهن في الميزان : لا إله إلا الله ، والله أكبر ، وسبحان الله ، والحمد لله ، والولد الصالح يتوفى فيحتسبه والده . وقال : بخ بخ لخمس ، من لقي الله مستيقنا بهن دخل الجنة : يؤمن بالله ، واليوم الآخر ، وبالجنة والنار ، وبالبعث بعد الموت ، والحساب " . انفرد به أحمد .
وكما ثبت في الحديث الآخر : " تأتي البقرة وآل عمران يوم القيامة كأنهما غمامتان ، أو غيايتان ، أو فرقان من طير صواف ، يحاجان عن صاحبهما " . والمراد من ذلك ثواب تلاوتهما يصير يوم القيامة كذلك ، وقيل : إنهما بذاتهما يحاجان عنه ، لا ثوابهما
الأمر الثاني : إن العمل نفسه يوزن بوضع الصحيفة التي كتب فيها العمل ، فيوزن العمل بالصحيفة ، كما في حديث البطاقة . والله أعلم
وقد جاء أن العامل نفسه يوزن ، كما قال البخاري : حدثنا محمد بن عبد الله ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، أخبرنا المغيرة ، حدثني أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة " . وقال : اقرءوا إن شئتم : فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا قال البخاري : وعن يحيى بن بكير ، عن المغيرة بن عبد الرحمن ، عن أبي الزناد ، مثله . وقد أسند مسلم ما علقه البخاري ، عن أبي بكر محمد بن إسحاق ، عن يحيى بن بكير ، فذكره . وقد روي من وجه آخر عن أبي هريرة; فقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي " حدثنا أبو الوليد ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن صالح مولى التوأمة ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يؤتى بالرجل الأكول الشروب العظيم ، فيوزن بحبة فلا يزنها " . قال : وقرأ : فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا .
ورواه ابن جرير ، عن أبي كريب ، عن ابن الصلت ، عن ابن أبي الزناد ، عن صالح " عن أبي هريرة ، مرفوعا بلفظ البخاري سواء ، وقد قال البزار : حدثنا العباس بن محمد ، حدثنا عون بن عمارة ، حدثنا هشام بن حسان ، عن واصل ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبل رجل من قريش يخطر في حلة له ، فلما قام على النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يا بريدة ، هذا ممن لا يقيم الله له يوم القيامة وزنا " . ثم قال : تفرد به عون بن عمارة ، وليس بالحافظ ، ولم يتابع عليه .
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، وحسن بن موسى ، قالا : حدثنا حماد ، عن عاصم ، عن زر بن حبيش ، عن ابن مسعود ، أنه كان يجتني سواكا من الأراك ، وكان دقيق الساقين ، فجعلت الريح تكفئه ، فضحك القوم منه ، [ ص: 506 ] فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مم تضحكون ؟ " قالوا : يا نبي الله ، من دقة ساقه . فقال : " والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد " . تفرد به أحمد ، وإسناده جيد قوي ، فقد جاءت الروايات بهذه الصفات .
وفي " مسند أحمد " في بعض طرق حديث البطاقة ، من طريق ابن لهيعة; أن العامل يوزن مع عمله وصحيفته . والله أعلم بالصواب .
وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا القاسم بن الفضل ، قال : قال الحسن : قالت عائشة : يا رسول الله ، هل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال : " أما في مواطن ثلاثة فلا : الكتاب ، والميزان ، والصراط " .
فقوله : " الكتاب " يحتمل أن يكون كتاب الأعمال ليشهد على الأنفس بأعمالها ، ويحتمل أن يكون ذلك عند تطاير الصحف في أيدي الناس فآخذ بيمينه ، وآخذ بشماله ، كما قال البيهقي : أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المقرئ ، أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق ، حدثنا يوسف بن يعقوب القاضي ، حدثنا محمد بن منهال ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا يونس بن عبيد ، عن الحسن ، أن عائشة ذكرت النار فبكت ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما [ ص: 507 ] يبكيك يا عائشة؟ " قالت : ذكرت النار فبكيت ; هل تذكرون أهليكم يوم القيامة؟ قال : أما في ثلاثة مواطن فلا يذكر أحد أحدا : حيث يوضع الميزان; حتى يعلم أيثقل ميزانه أم يخف ، وحيث يقول : هاؤم اقرءوا كتابيه [ الحاقة : 19 ] . حيث تطاير الصحف ، حتى يعلم كتابه في يمينه ، أو في شماله ، أو من وراء ظهره ، وحيث يوضع الصراط على جسر جهنم " . قال يونس : أشك هل قال الحسن : حافتاه كلاليب وحسك ، يحبس الله به من يشاء من خلقه ، حتى يعلم أينجو أم لا ينجو؟ .
ثم قال البيهقي : أخبرنا الروذباري ، أخبرنا ابن داسة ، حدثنا أبو داود ، حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، وحميد بن مسعدة ، أن إسماعيل بن إبراهيم حدثهم ، قال : أخبرنا يونس ، عن الحسن ، عن عائشة ، أنها ذكرت النار فبكت ، وذكر الحديث بنحوه ، إلا أنه قال : " وعند الكتاب ، حين يقال : هاؤم اقرءوا كتابيه . حتى يعلم أين يقع كتابه ، أفي يمينه أم في شماله ، أم من وراء ظهره ، وعند الصراط ، إذا وضع بين ظهري جهنم " . قال يعقوب عن يونس : وهذا لفظ حديثه .
طريق أخرى عن عائشة ، رضي الله عنها : قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن إسحاق ، أخبرنا ابن لهيعة ، عن خالد بن أبي عمران ، عن القاسم بن محمد ، عن عائشة ، قالت : قلت : يا رسول الله ، هل يذكر الحبيب حبيبه يوم [ ص: 508 ] القيامة؟ قال : " يا عائشة ، أما عند ثلاث فلا; أما عند الميزان حتى يثقل أو يخف فلا ، وأما عند تطاير الكتب ، فإما أن يعطى بيمينه أو يعطى بشماله فلا ، ثم حين يخرج عنق من النار فينطوي عليهم ، ويتغيظ عليهم ، ويقول ذلك العنق : وكلت بثلاثة ، وكلت بمن ادعى مع الله إلها آخر ، ووكلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب ، ووكلت بكل جبار عنيد " . قال : " فينطوي عليهم ، ويرمي بهم في غمرات ، ولجهنم جسر أدق من الشعر ، وأحد من السيف ، عليه كلاليب وحسك ، تأخذ من شاء الله ، والناس عليه كالطرف ، وكالبرق ، وكالريح ، وكأجاويد الخيل والركاب ، والملائكة يقولون : رب سلم ، رب سلم . فناج مسلم ، ومخدوش مسلم ، ومكور في النار على وجهه " .
وتقدم من رواية حرب بن ميمون ، عن النضر بن أنس ، عن أنس ، أنه قال : اشفع لي يا رسول الله ، قال : " أنا فاعل " . قال : فأين أطلبك؟ قال : " اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط " . قال : فإن لم ألقك؟ قال : " فعند الحوض " . قال : فإن لم ألقك؟ قال : " فعند الميزان؟ فإني لا أخطئ هذه الثلاثة مواطن يوم القيامة " . رواه أحمد والترمذي .
[ ص: 509 ] وقال الحافظ البيهقي : أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن إبراهيم المهراني ، حدثنا أحمد بن سلمان الفقيه ببغداد ، حدثنا الحارث بن محمد ، حدثنا داود بن المحبر ، حدثنا صالح المري ، عن جعفر بن زيد ، عن أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يؤتى بابن آدم يوم القيامة ، فيوقف بين كفتي الميزان ، ويوكل به ملك ، فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق : سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا . وإن خف ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق : شقي فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا " . ثم مال : إسناده ضعيف بمرة .
وقد رواه الحافظان البزار ، وابن أبي الدنيا ، عن إسماعيل بن أبي الحارث ، عن داود بن المحبر ، حدثنا صالح المري ، عن ثابت البناني ، وجعفر بن زيد ، زاد البزار : ومنصور بن زاذان ، عن أنس بن مالك ، - يرفعه ، بنحوه . وقال عبد الله بن المبارك : حدثنا مالك بن مغول ، عن عبيد الله بن العيزار ، قال؟ عند الميزان ملك إذا وزن العبد نادى : ألا إن فلان ابن فلان ثقلت موازينه ، وسعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا ، ألا إن فلان ابن فلان خفت موازينه ، وشقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا .
[ ص: 510 ] وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا الفضل بن دكين ، حدثنا يوسف بن صهيب ، حدثنا موسى بن أبي المختار ، عن بلال العبسي ، عن حذيفة ، قال : صاحب الميزان يوم القيامة جبريل ، يرد بعضهم على بعض ، ولا ذهب يومئذ ولا فضة . قال : فيؤخذ من حسنات الظالم ، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم ، فردت على الظالم .
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن العباس بن محمد ، حدثنا عبد الله بن صالح العجلي ، حدثنا أبو الأحوص ، قال : افتخرت قريش عند سلمان ، فقال سلمان : لكني خلقت من نطفة قذرة ، ثم أعود جيفة منتنة ، ثم يؤتى بي إلى الميزان ، فإن ثقلت فأنا كريم ، وإن خفت فأنا لئيم . قال أبو الأحوص : تدري من أي شيء يخاف؟ إذا ثقلت ميزان عبد نودي في مجمع فيه الأولون والآخرون : ألا إن فلان ابن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا ، وإذا خفت ميزانه نودي على رءوس الخلائق : ألا إن فلان ابن فلان قد شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا .
وقال البيهقي : حدثنا أبو الحسن علي بن أبي علي السقاء ، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، حدثنا محمد بن عبيد الله المنادي ، حدثنا يونس بن [ ص: 511 ] محمد ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، عن أبيه ، عن يحيى بن يعمر ، عن ابن عمر ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، في حديث الإيمان ، قال : يا محمد ، ما الإيمان ، قال : " الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ، وتؤمن بالجنة والنار والميزان ، وتؤمن بالبعث بعد الموت ، وتؤمن بالقدر خيره وشره " . قال : فإذا فعلت هذا فأنا مؤمن؟ قال : " نعم " . قال : صدقت . وقال شعبة : عن الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، هو ابن مسعود ، قال : للناس عند الميزان تجادل وزحام .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أبو نصر التمار ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت البناني ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي ، قال : يوضع الميزان وله كفتان ، لو وضع في إحداهما السماوات والأرض وما فيهن لوسعتها ، فتقول الملائكة : يا ربنا من يزن بهذا؟ فيقول تعالى : من شئت من خلقي . فيقولون : ربنا ، ما عبدناك حق عبادتك .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا يوسف بن موسى : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا أبو حنيفة ، عن حماد ، عن إبراهيم ، في قوله تعالى : ونضع الموازين القسط ليوم القيامة [ الأنبياء : 47 ] . قال : يجاء بعمل الرجل فيوضع في كفة ميزانه ، ويجاء بشيء مثل الغمامة ، أو مثل السحاب كثرة فيوضع في كفة أخرى في ميزانه ، فيرجح ، فيقال : أتدري ما هذا؟ هذا العلم [ ص: 512 ] الذي تعلمته ، وعلمته الناس ، فعلموه وعملوا به بعدك .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أحمد بن محمد ، حدثنا علي بن إسحاق ، حدثنا ابن المبارك ، عن أبي بكر الهذلي ، قال : قال سعيد بن جبير وهو يحدث ذاك عن ابن مسعود ، قال : يحاسب الناس يوم القيامة ، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته بواحدة دخل الجنة ، ومن كانت سيئاته أكثر من حسناته بواحدة دخل النار . ثم قرأ : فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم [ المؤمنون : 102 ، 103 ] . ثم قال؟ إن الميزان يخف بمثقال حبة من خردل أو يرجح .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا هارون بن سفيان ، حدثنا السهمي ، حدثنا عباد بن شيبة ، عن سعيد بن أنس ، عن الحسن ، قال : يعتذر الله يوم القيامة إلى آدم ثلاث معاذير ، يقول : يا آدم ، لولا أني لعنت الكاذبين ، وأبغض الكذب والخلف ، لرحمت ذريتك اليوم من شدة ما أعددت لهم من العذاب ، ولكن حق القول مني لمن كذب رسلي وعصى أمري ، لأملأن جهنم منهم أجمعين . ويا آدم ، اعلم أني لا أعذب بالنار أحدا من ذريتك ، وأدخل النار أحدا منهم إلا من قد علمت في علمي أنه لو رددته إلى الدنيا لعاد إلى شر مما كان عليه ، ولن يرجع . ويا آدم ، أنت اليوم عدل بيني وبين ذريتك ، قم عند الميزان ، فانظر ما يرجع إليك من أعمالهم ، فمن رجح خيره على شره مثقال ذرة فله الجنة ، حتى تعلم أني لا أعذب إلا كل ظالم .
[ ص: 513 ] وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن يوسف بن الصباح ، حدثنا عبد الله بن وهب ، عن معاوية بن صالح ، عن أبي عبد الرحمن ، عن أبي أمامة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم القيامة قامت ثلة من الناس ، يسدون الأفق ، نورهم كنور الشمس ، فيقال : للنبي الأمي . فيتحسس لها كل نبي ، فيقال : محمد وأمته . ثم تقوم ثلة أخرى تسد ما بين الأفق ، نورهم كنور القمر ليلة البدر ، فيقال : للنبي الأمي . فيتحسس لها كل نبي ، فيقال : محمد وأمته . ثم تقوم ثلة أخرى ، نورهم مثل كل كوكب في السماء ، فيقال : للنبي الأمي . فيتحسس لها كل نبي ، فيقال : محمد وأمته . ثم يجيء الرب تعالى ، فيقول : هذا لك مني يا محمد ، وهذا لك مني يا محمد ثم يوضع الميزان ، ويؤخذ في الحساب "الحكم فيمن ثقلت حسناته على سيئاته بحسنة أو بحسنات )
قال القرطبي وغيره : من ثقلت حسناته على سيئاته ، ولو بصؤابة دخل الجنة ، ومن كانت سيئاته أثقل ولو بصؤابة دخل النار ، إلا أن يعفو الله سبحانه عنه ، ومن استوت حسناته وسيئاته فهو من أهل الأعراف . وروي مثل هذا عن ابن مسعود ، رضي الله عنه .
قلت : يشهد له قوله تعالى : إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما [ النساء : 40 ] لكن ما الحكم فيمن ثقلت حسناته على سيئاته بحسنة أو بحسنات؟ هل يدخل الجنة فيرتفع في [ ص: 517 ] درجاتها بجميع حسناته ، وتكون قد أحبطت السيئات التي وازنتها وقابلتها؟ أو يرتفع بما بقي له من الحسنات الراجحة على السيئات ، وتكون السيئات قد أسقطت ما وازنها من الحسنات ، فأبطلتها؟ وكذلك إذا رجحت سيئاته على حسناته بسيئة أو بسيئات ، هل يعذب في النار بجميع سيئاته ، أو بما رجح على حسناته من سيئاته//////أول ما يقضي الله تعالى بينهم من المخلوقات الحيوانات )
فأول ما يقضي الله تعالى بينهم من المخلوقات الحيوانات ، قبل الإنس والجن ، وهما الثقلان ; فالإنس ثقل والجن ثقل ، والدليل على حشر الحيوانات يوم القيامة قوله تعالى : وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون [ الأنعام : 38 ] . وقال تعالى : وإذا الوحوش حشرت [ التكوير : 5 ] .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا عباس بن محمد ، وأبو يحيى البزاز ، قالا : حدثنا حجاج بن نصير ، حدثنا شعبة ، عن العوام بن مراجم ، من بني قيس بن ثعلبة ، عن أبي عثمان النهدي ، عن عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الجماء لتقص من القرناء يوم القيامة " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا ابن أبي عدي ، ومحمد بن جعفر ، عن شعبة : سمعت العلاء يحدث عن أبيه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 12 ] " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء تنطحها " . وهذا إسناد على شرط مسلم ، ولم يخرجوه .
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الصمد ، حدثنا حماد ، عن واصل ، عن يحيى بن عقيل ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يقتص للخلق بعضهم من بعض ، حتى للجماء من القرناء ، وحتى للذرة من الذرة " . تفرد به أحمد .
وقال عبد الله بن الإمام أحمد : وجدت هذا الحديث في كتاب أبي بخط يده : حدثنا عبيد الله بن محمد ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا ليث ، عن عبد الرحمن بن ثروان ، عن الهزيل بن شرحبيل ، عن أبي ذر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا وشاتان تعتلفان ، فنطحت إحداهما الأخرى ، فأجهضتها ، قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل له : ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال : " عجبت لها ، والذي نفسي بيده ليقادن لها يوم القيامة " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن سليمان ، [ ص: 13 ] هو الأعمش ، عن منذر الثوري ، عن أشياخ لهم ، عن أبي ذر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ح ) وأبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن منذر بن يعلى ، عن أشياخه ، عن أبي ذر ، فذكر معناه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى شاتين تنتطحان ، فقال : " يا أبا ذر ، هل تدري فيم تنتطحان ؟ " قال : لا . قال : " لكن الله تعالى يدري ، وسيقضي بينهما " . وهذا إسناد جيد حسن . قال القرطبي : ورواه شعبة ، عن الأعمش ، عن إبراهيم التيمي ، عن أبيه ، عن أبي ذر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بمثله .
قال القرطبي : وروى ليث بن أبي سليم ، عن عبد الرحمن بن ثروان ، عن الهزيل ، عن أبي ذر ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بشاتين تنتطحان ، فقال : " ليقضين الله يوم القيامة لهذه الجلحاء من هذه القرناء " . قال : وذكر ابن وهب ، عن ابن لهيعة ، وعمرو بن الحارث ، عن بكر بن سوادة ، أن أبا سالم الجيشاني حدثه أن ثابت بن طريف استأذن على أبي ذر ، فسمعه رافعا صوته يقول : أما والله لولا يوم الخصومة لسوأتك . فدخلت ، فقلت : ما شأنك يا أبا ذر ؟ فقال : هذه . قلت : وما عليك أن تضربها ؟ فقال : أما والذي نفسي بيده - أو قال : والذي نفس محمد بيده - لتسألن الشاة فيم نطحت صاحبتها ، وليسألن الجماد فيم نكب أصبع الرجل .
[ ص: 14 ] وقال أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " والذي نفسي بيده ، إنه ليختصم الخلق يوم القيامة حتى الشاتان فيما انتطحتا " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل ابن علية ، حدثنا أبو حيان ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة ، قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، فذكر الغلول فعظمه وعظم أمره ، ثم قال : " لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين [ ص: 15 ] أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك . لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت ، فيقول : يا رسول الله ، أغثني . فأقول : لا أملك لك شيئا ، قد أبلغتك " . وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث أبي حيان ، واسمه يحيى بن سعيد بن حيان التيمي ، به .
وتقدم في حديث أبي هريرة : " ما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها إلا بطح لها يوم القيامة بقاع قرقر ، فتطؤه بأخفافها ، كلما مرت عليه أخراها ردت عليه أولاها " . وذكر تمام الحديث في البقر والغنم . فهذه الأحاديث مع الآيات فيها دلالة على حشر الحيوانات كلها .
وتقدم في حديث الصور : " فيقضي الله تعالى بين خلقه إلا الثقلين ; الإنس والجن ، فيقضي بين الوحوش والبهائم ، حتى إنه ليقيد الجماء من ذات القرن ، حتى إذا فرغ الله من ذلك ، فلم يبق لواحدة تبعة عند أخرى ، قال الله تعالى لها : كوني ترابا . فعند ذلك يقول الكافر : يا ليتني كنت ترابا [ ص: 16 ] [ النبأ : 40 ] .
وقد قال ابن أبي الدنيا : حدثنا هارون بن عبد الله ، حدثنا سيار ، أنبأنا جعفر بن سليمان : سمعت أبا عمران الجوني يقول : حدثت أن البهائم إذا رأت بني آدم يوم القيامة وقد تصدعوا من بين يدي الله عز وجل ; صنفا إلى الجنة ، وصنفا إلى النار ، أن البهائم تناديهم : الحمد لله يا بني آدم ، الذي لم يجعلنا اليوم مثلكم ، فلا جنة نرجو ، ولا عقاب نخاف .
وذكر القرطبي ، عن أبي القاسم القشيري في " شرح الأسماء الحسنى " عند قوله : المقسط الجامع . قال : وفي خبر الوحوش والبهائم ، تحشر يوم القيامة فتسجد لله سجدة ، فتقول الملائكة : ليس هذا يوم سجود ، هذا يوم الثواب والعقاب . فتقول البهائم : هذا سجود شكر ; حيث لم يجعلنا الله ، عز وجل ، من بني آدم . قال : ويقال : إن الملائكة تقول للبهائم : إن الله لم يحشركم لثواب ولا لعقاب ، وإنما حشركم تشهدون فضائح بني آدم .
وحكى القرطبي أنها إذا حشرت وحوسبت تعود ترابا ، ثم يحثى بها في وجوه فجرة بني آدم ، قال : وذلك قوله : ووجوه يومئذ عليها غبرة [ عبس : 40 ] . والله سبحانه أعلم ، وفيما ذكره نظر .// أول ما يقضى بين الناس فيه يوم القيامة ومن يناقش في الحساب ومن يسامح فيه
قد تقدم في الحديث : " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء " . وفي حديث أبي هريرة : " وحتى للذرة من الذرة " . والمراد بالذرة هاهنا النملة ، والله أعلم .
وإذا كان هذا حكم الحيوانات التي ليست مكلفة ، فلتخليص الحقوق من الآدميين والجان بعضهم من بعض يوم القيامة أولى وأحرى ، وقد ثبت في " الصحيحين " ، و " مسند أحمد " ، و " سنن الترمذي " ، و " النسائي " ، و " ابن ماجه " ، من حديث سليمان بن مهران الأعمش ، عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، عن عبد الله بن مسعود ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة في الدماء " .
وقد تقدم في حديث الصور أن المقتول يأتي يوم القيامة تشخب أوداجه [ ص: 19 ] دما - وفي بعض الأحاديث : " ورأسه في يده " - فيتعلق بالقاتل ، حتى ولو كان قتله في سبيل الله ، فيقول : يا رب ، سل هذا فيم قتلني ؟ فيقول الله تعالى : لم قتلته ؟ فيقول : يا رب : قتلته لتكون العزة لك . فيقول الله تعالى : صدقت . ويقول المقتول ظلما : يا رب ، سل هذا فيم قتلني ؟ فيقول الله تعالى : لم قتلته ؟ فيقول : قتلته لتكون العزة لي - وفي رواية : " لتكون العزة لفلان " - فيقول الله تعالى : تعست . ثم يقتص منه لكل من قتله ظلما ، ثم يبقى في مشيئة الله تعالى ، إن شاء عذبه ، وإن شاء رحمه . وهذا دليل على أن القاتل لا يتعين عذابه في نار جهنم ، كما ينقل عن ابن عباس ، وغيره من السلف ، حتى نقل بعضهم عنه : أن القاتل لا توبة له . وهذا إذا حمل على أن القتل من حقوق الآدميين - وهي لا تسقط بالتوبة - صحيح ، وإن حمل على أنه لا بد من عقابه فليس بلازم ، بدليل حديث الذي قتل تسعة وتسعين ، ثم أكمل المائة ، ثم سأل عالما من بني إسرائيل هل له من توبة ؟ فقال : ومن يحول بينك وبين التوبة ؟ ائت بلد كذا وكذا ، فإنه يعبد الله تعالى بها فاعبد الله معهم . فلما توجه نحوها ، وتوسط بينها وبين التي خرج منها أدركه الموت ، فنأى بصدره نحو التي هاجر إليها ، فتوفته ملائكة الرحمة . الحديث بطوله ، وفي سورة " الفرقان " نص [ ص: 20 ] على قبول توبة القاتل ، كما قال تعالى : والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب الآية [ الفرقان : 68 - 70 ] والتي بعدها ، وموضع تقرير هذا في كتاب " الأحكام " ، وبالله المستعان .
وقال الأعمش ، عن شمر بن عطية ، عن شهر بن حوشب ، عن أم الدرداء ، عن أبي الدرداء ، قال : يجيء المقتول يوم القيامة ، فيجلس على الجادة ، فإذا مر به القاتل قام إليه ، فأخذ بتلابيبه فقال : يا رب ، سل هذا فيم قتلني ؟ فيقول : أمرني فلان فيؤخذ الآمر والقاتل ، فيلقيان في النار . وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لخراب السماوات والأرض - وفي رواية : لزوال الدنيا - أهون على الله من قتل مؤمن " .
وقال في حديث الصور : " ثم يقضي الله تعالى بين خلقه ، حتى لا تبقى مظلمة لأحد عند أحد إلا أخذها منه ، حتى إنه ليكلف شائب اللبن بالماء ثم يبيعه ، أن يخلص اللبن من الماء " . وقد قال الله تعالى : ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون [ ص: 21 ] [ آل عمران : 161 ] ، وفي " الصحيحين " عن سعيد بن زيد ، وغيره ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من ظلم قيد شبر من أرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة " .
وفي " الصحيحين " : " من صور صورة في الدنيا كلف يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح ، وليس بنافخ " ، وفي رواية : " إن أصحاب هذه الصور يعذبون ، ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم " .
وفي " الصحيح : " من تحلم بحلم لم يره كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين ، وليس بفاعل " . وتقدم حديث أبي هريرة في أمر الغلول ، وأن من غل شيئا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه ، وهو في " الصحيحين " بطوله .
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا محمد بن بكار البصري ، ثنا أبو محصن حصين بن نمير ، عن حسين بن قيس ، عن عطاء ، عن ابن عمر ، عن ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن [ ص: 22 ] خمس : عن عمرك فيما أفنيت ؟ وعن شبابك فيما أبليت ؟ وعن مالك ; من أين اكتسبته ؟ وفيما أنفقته ؟ وما عملت فيما علمت " ؟ . وروى البيهقي من طريق عبد الله بن المبارك ، عن شريك بن عبد الله ، عن هلال ، عن عبد الله بن عكيم ، قال : كان عبد الله بن مسعود إذا حدث بهذا الحديث قال : ما منكم من أحد إلا سيخلو الله به ، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر ، فيقول : يا عبدي ، ما غرك بي ؟ ماذا عملت فيما علمت ؟ ماذا أجبت المرسلين ؟
هكذا أورده البيهقي بعد الحديث الذي رواه من طريق محل بن خليفة ، عن عدي بن حاتم ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " وليقفن أحدكم بين يدي الله ، عز وجل ، ليس بينه وبينه حجاب يحجبه ، ولا ترجمان يترجم له ، فيقول : ألم أوتك مالا ؟ فيقول : بلى . فيقول : ألم أرسل إليك رسولا ؟ فيقول : بلى . فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار ، وينظر عن يساره فلا يرى إلا النار ، فليتق أحدكم النار ولو بشق تمرة ، فإن لم يجد فبكلمة طيبة " وقد رواه البخاري في " صحيحه " .
وقال الإمام أحمد : حدثنا بهز ، وعفان ، قالا : حدثنا همام ، عن قتادة ، عن صفوان بن محرز ، قال : كنت آخذا بيد ابن عمر ، فجاءه رجل فقال : كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في النجوى يوم القيامة ؟ فقال : سمعت [ ص: 23 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله سبحانه يدني المؤمن ، فيضع عليه كنفه ، ويستره من الناس ، ويقرره بذنوبه ، فيقول له : أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟ حتى إذا قرره بذنوبه ، ورأى في نفسه أنه قد هلك ، قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا ، وإني أغفرها لك اليوم . ثم يعطى كتاب حسناته بيمينه ، وأما الكفار والمنافقون ف ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين [ هود : 18 ] وأخرجاه في " الصحيحين " من حديث قتادة .
وقال الإمام أحمد : حدثنا بهز وعفان ، حدثنا حماد ، حدثنا إسحاق بن عبد الله ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يقول الله ، عز وجل ، يوم القيامة : يا ابن آدم ، حملتك على الخيل ، والإبل ، وزوجتك النساء ، وجعلتك تربع وترأس ، فأين شكر ذلك " ؟ .
وروى مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل قال فيه : " فيلقى الله تعالى العبد فيقول : أي فل ، ألم أكرمك ، وأسودك ، وأزوجك ، وأسخر لك الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتربع ؟ فيقول : بلى ، أي رب . فيقول : أفظننت أنك ملاقي ؟ [ ص: 24 ] فيقول : لا . فيقول : فإني أنساك كما نسيتني . ثم يلقى الثاني ، فيقول : أي فل ، ألم أكرمك ، وأسودك ، وأزوجك ، وأسخر لك الخيل والإبل ، وأذرك ترأس وتربع ؟ فيقول : بلى ، أي رب . فيقول : أفظننت أنك ملاقي ؟ فيقول : لا . فيقول : فإني أنساك كما نسيتني . ثم يلقى الثالث ، فيقول له مثل ذلك ، فيقول : يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسولك ، وصليت وصمت وتصدقت . ويثني بخير ما استطاع ، فيقول : هاهنا إذا " . قال : " ثم يقال : الآن نبعث شاهدنا عليك . فيفكر في نفسه : من الذي يشهد علي ؟ فيختم على فيه ، ويقال لفخذه ولحمه وعظامه : انطقي . فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله كائنا ما كان ، وذلك ليعذر من نفسه ، وذلك المنافق ، وذلك الذي يسخط الله عليه ، ثم ينادي مناد : تتبع كل أمة ما كانت تعبد " . وسيأتي الحديث بطوله .
وقد روى البزار عن عبد الله بن محمد الزهري ، عن مالك بن سعير بن الخمس ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة ، وأبي سعيد ، رفعاه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله إلى قوله : " فاليوم أنساك كما نسيتني " .
وروى مسلم ، والبيهقي واللفظ له ، من حديث سفيان الثوري ، عن عبيد المكتب ، عن فضيل بن عمرو ، عن عامر الشعبي ، عن أنس بن مالك ، [ ص: 25 ] قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك ، وقال : " هل تدرون مم أضحك " ؟ قال : قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : " من مخاطبة العبد ربه - يعني يوم القيامة - يقول : يا رب ، ألم تجرني من الظلم ؟ قال : يقول : بلى . قال : فيقول : فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني . قال : فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ، وبالكرام الكاتبين شهودا . قال : فيختم على فيه ، ويقال لأركانه : انطقي . قال : فتنطق بأعماله ، ثم يخلى بينه وبين الكلام . قال : فيقول : . بعدا لكن وسحقا ! فعنكن كنت أناضل " .
وقال أبو يعلى : حدثنا زهير ، حدثنا الحسن ، حدثنا ابن لهيعة ، عن دراج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله ، فجحد ، وخاصم ، فيقال : هؤلاء جيرانك يشهدون عليك . فيقول : كذبوا . فيقول : أهلك وعشيرتك . فيقول : كذبوا . فيقول : احلفوا . فيحلفون ، ثم يصمتهم الله وتشهد ألسنتهم ، ويدخلهم النار " .
وروى أحمد ، والبيهقي ، من حديث يزيد بن هارون ، عن الجريري ، عن حكيم بن معاوية ، عن أبيه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " تجيئون يوم القيامة على أفواهكم الفدام ، فأول ما يتكلم من ابن آدم فخذه وكفه " .
[ ص: 26 ] وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا أحمد بن الوليد بن أبان ، حدثنا محمد بن الحسن المخزومي ، حدثني عبد الله بن عبد العزيز الليثي ، عن ابن شهاب ، عن عطاء بن يزيد الليثي ، عن أبي أيوب ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أول من يختصم يوم القيامة الرجل وامرأته ، والله ما يتكلم لسانها ، ولكن يداها ورجلاها ، يشهدان عليها بما كانت تغيب لزوجها ، وتشهد يداه ورجلاه بما كان يوليها ، ثم يدعى بالرجل وخدمه مثل ذلك ، ثم يدعى بأهل الأسواق ، فما يؤخذ منهم دوانيق ولا قراريط ، ولكن حسنات هذا تدفع إلى هذا الذي ظلم ، وتدفع سيئات هذا إلى الذي ظلمه ، ثم يؤتى بالجبارين في مقامع من حديد ، فيقال : سوقوهم إلى النار . فوالله ما أدري أيدخلونها ، أم كما قال الله تعالى : وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا [ مريم : 71 ، 72 ] " .
ثم قال البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا محمد بن صالح والحسن بن يعقوب ، حدثنا السري بن خزيمة ، حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثنا يحيى بن أبي سليمان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية : يومئذ تحدث أخبارها [ الزلزلة : 4 ] . قال : " أتدرون ما أخبارها ؟ " قالوا ؟ الله ورسوله أعلم . قال : " فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها ; أن تقول : [ ص: 27 ] عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا . فذلك أخبارها " .
وقد رواه الترمذي والنسائي ، من حديث عبد الله بن المبارك ، عن سعيد بن أبي أيوب ، به ، وقال الترمذي : حسن غريب صحيح .
وروى البيهقي من حديث الحسن البصري ، حدثنا صعصعة عم الفرزدق ، أنه قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقرأ هذه الآية : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره [ الزلزلة : 7 ، 8 ] فقال : والله لا أبالي أن لا أسمع غيرها ، حسبي حسبي .
وقال أبو بكر بن أبي الدنيا : حدثنا الحسن بن عيسى ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، حدثنا حيوة بن شريح ، حدثنا الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان المديني ، أن عقبة بن مسلم حدثه أن شفيا حدثه أنه دخل المدينة ، فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس ، فقال : من هذا ؟ فقالوا : أبو هريرة . فقال : فدنوت منه ، حتى [ ص: 28 ] قعدت بين يديه وهو يحدث الناس ، فلما سكت وخلا ، قلت له : أنشدك بحق وحق لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته . ثم نشغ أبو هريرة نشغة ، فمكث طويلا ، ثم أفاق ، ثم قال : لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ، ما معنا أحد غيري وغيره . ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى ، فمكث طويلا كذلك ، ثم أفاق ثم مسح وجهه ، فقال : أفعل ، لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ، ما معنا أحد غيري وغيره . ثم نشغ أبو هريرة نشغة شديدة ، ثم مال خارا على وجهه ، وأسندته طويلا ، ثم أفاق ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى إذا كان يوم القيامة نزل إلى العباد ليقضي بينهم ، وكل أمة جاثية ، فأول من يدعى رجل جمع القرآن ، ورجل قتل في سبيل الله ، ورجل كثير المال ، فيقول الله تعالى للقارئ : ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي ؟ قال : بلى يا رب . قال : فماذا عملت فيما علمت ؟ قال : كنت أقوم به آناء الليل ، وآناء النهار . فيقول الله تعالى له : كذبت . وتقول الملائكة : كذبت . ويقول الله تعالى : إنما أردت أن يقال : فلان قارئ . فقد قيل ذلك . ويؤتى بصاحب المال ، فيقول الله تعالى له : ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ قال : بلى يا رب . قال : فما عملت فيما آتيتك ؟ قال . كنت [ ص: 29 ] أصل الرحم ، وأتصدق . فيقول الله له : كذبت . وتقول الملائكة : كذبت . ويقول الله تعالى له : بل أردت أن يقال : فلان جواد . فقد قيل ذلك .
ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله ، فيقال له : فيما قتلت ؟ فيقول : أمرت بالجهاد في سبيلك ، فقاتلت حتى قتلت . فيقول الله له : كذبت . وتقول الملائكة : كذبت . ويقول الله تعالى : بل أردت أن يقال : فلان جريء . فقد قيل ذلك " . قال أبو هريرة : ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال : " يا أبا هريرة ، أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة " .
قال الوليد أبو عثمان : فأخبرني عقبة أن شفيا - وكان سيافا لمعاوية - دخل على معاوية ، فأخبره بحديث أبي هريرة هذا ، فقال معاوية : قد فعل بهؤلاء هذا ، فكيف بمن بقي من الناس ؟ ثم بكى معاوية بكاء شديدا ، حتى ظننا أنه هالك ، ثم أفاق ، ومسح عن وجهه ، وقال : صدق الله ورسوله : من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون [ هود : 15 ، 16 ] .
وهذا الحديث له شاهد صحيح في " صحيح مسلم " من طريق أخرى عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أول ما تسعر النار يوم القيامة بثلاثة ; بالعالم والمتصدق والمجاهد ، الذين أرادوا بأعمالهم الدنيا " .
[ ص: 30 ] وقال ابن أبي الدنيا : أخبرنا محمد بن عثمان بن معبد ، أنبأنا محمد بن بكار بن بلال ، قاضي دمشق ، حدثنا سعيد بن بشير ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن حريث بن قبيصة ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أول ما يحاسب به الرجل صلاته ، فإن صلحت صلح سائر عمله ، وإن فسدت فسد سائر عمله ، ثم يقول الله ، عز وجل : انظروا هل لعبدي نافلة ، فإن كانت له نافلة أتمت بها الفريضة . ثم سائر الفرائض كذلك " . ورواه الترمذي والنسائي ، من حديث همام ، عن قتادة . وقال الترمذي : حسن غريب .
ورواه النسائي أيضا ، من حديث عمران بن داود أبي العوام ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن أبي رافع ، عن أبي هريرة .
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو النضر ، حدثنا المبارك - هو ابن فضالة - عن الحسن ، عن أبي هريرة ، أراه ذكره عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن العبد المملوك ليحاسب بصلاته ، فإذا نقص منها قيل : لم نقصت منها ؟ فيقول : يا رب ، سلطت علي مليكا شغلني عن صلاتي . فيقول : قد رأيتك تسرق من ماله لنفسك ، فهلا سرقت [ ص: 31 ] لنفسك من عملك ؟ - أو عمله ؟ - قال : فيتخذ الله عليه الحجة " .
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا علي بن الجعد ، أنبأنا مبارك بن فضالة ، حدثنا الحسن ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أول ما تسأل عنه المرأة يوم القيامة ، عن صلاتها ، ثم عن بعلها ، كيف فعلت إليه ؟ " وهذا مرسل جيد .
وقال أحمد : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا عباد بن راشد ، قال : حدثنا الحسن ، حدثنا أبو هريرة إذ ذاك ونحن بالمدينة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تجيء الأعمال يوم القيامة ، فتجيء الصلاة فتقول : يا رب ، أنا الصلاة . فيقول : إنك على خير . ثم تجيء الصدقة ، فتقول : يا رب ، أنا الصدقة . فيقول : إنك على خير . ثم يجيء الصيام ، فيقول : يا رب ، أنا الصيام . فيقول : إنك على خير . ثم تجيء الأعمال ، كل ذلك يقول : إنك على خير . ثم يجيء الإسلام فيقول : يا رب ، أنت السلام وأنا الإسلام . فيقول الله ، عز وجل : إنك على خير ، بك اليوم آخذ ، وبك أعطي . قال الله تعالى في كتابه : ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين [ آل عمران : 85].
وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا عبدة بن عبد الرحيم المروزي ، حدثنا بقية بن الوليد الكلاعي ، حدثنا سلمة بن كلثوم ، عن أنس بن مالك قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " يؤتى بالحكام يوم القيامة ; بمن قصر ، وبمن تعدى ، فيقول الله : [ ص: 32 ] أنتم خزان أرضي ، ورعاة غنمي ، وعندكم بغيتي . فيقول للذي قصر : ما حملك على ما صنعت ؟ فيقول : الرحمة . فيقول الله جل جلاله . : أنت أرحم بعبادي مني ؟! ويقول للذي تعدى : ما حملك على ما صنعت ؟! فيقول : غضبت لك . فيقول الله : أنت أشد غضبا مني ؟! فيقول الله : انطلقوا بهم ، فسدوا بهم ركنا من أركان جهنم " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق