1.
خَبَرُ الْأَذَانِ
2.
قَالَ [ ص 355 ] ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا اطْمَأَنّ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ وَاجْتَمَعَ إلَيْهِ
إخْوَانُهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَاجْتَمَعَ أَمْرُ الْأَنْصَارِ ، اسْتَحْكَمَ
أَمْرُ الْإِسْلَامِ فَقَامَتْ الصّلَاةُ وَفُرِضَتْ الزّكَاةُ وَالصّيَامُ وَقَامَتْ
الْحُدُودُ وَفُرِضَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ وَتَبَوّأَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ
أَظْهُرِهِمْ وَكَانَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ هُمْ الّذِينَ تَبَوّءُوا
الدّارَ وَالْإِيمَانَ . وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ حِينَ قَدِمَهَا إنّمَا يَجْتَمِعُ النّاسُ إلَيْهِ لِلصّلَاةِ لِحِينِ
مَوَاقِيتِهَا ، بِغَيْرِ دَعْوَةٍ فَهَمّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ حِينَ قَدِمَهَا أَنْ يَجْعَلَ بُوقًا كَبُوقِ يَهُودَ الّذِينَ
يَدْعُونَ بِهِ لِصَلَاتِهِمْ ثُمّ كَرِهَهُ ثُمّ أَمَرَ بِالنّاقُوسِ فَنُحِتَ
لِيُضْرَبَ بِهِ لِلْمُسْلِمِينَ لِلصّلَاةِ [ ص 356 ]
3.
رُؤْيَا عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدٍ
4.
فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إذْ رَأَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ
زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبّهِ أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ
، النّدَاءَ فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ
يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ طَافَ بِي هَذِهِ اللّيْلَةَ طَائِفٌ مَرّ بِي رَجُلٌ
عَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ فَقُلْت لَهُ يَا
عَبْدَ اللّهِ أَتَبِيعُ هَذَا النّاقُوسَ ؟ قَالَ وَمَا تَصْنَعُ بِهِ ؟ قَالَ
قُلْت : نَدْعُو بِهِ إلَى الصّلَاةِ [ ص 357 ] قَالَ أَفَلَا أَدُلّك عَلَى خَيْرٍ
مِنْ ذَلِكَ ؟ قَالَ قُلْت : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ تَقُولُ اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ
أَكْبَرُ ، اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا
اللّهُ ، أَشْهَد أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ
اللّهِ أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ حَيّ عَلَى الصّلَاةِ حَيّ عَلَى
الصّلَاةِ حَيّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيّ عَلَى الْفَلَاحِ اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ
لَا إلَهَ إلّا اللّهُ . [ ص 358 ] أَخْبَرَ بِهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ إنّهَا لَرُؤْيَا حَقّ إنْ شَاءَ اللّهُ ، فَقُمْ مَعَ
بِلَالٍ فَأَلْقِهَا عَلَيْهِ فَلْيُؤَذّنْ بِهَا ، فَإِنّهُ أَنْدَى صَوْتًا
مِنْك . فَلَمّا أَذّنَ بِهَا بِلَالٌ سَمِعَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ،
وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَهُوَ يَجُرّ رِدَاءَهُ وَهُوَ يَقُولُ يَا نَبِيّ اللّهِ وَاَلّذِي
بَعَثَك بِالْحَقّ لَقَدْ رَأَيْت مِثْلَ الّذِي رَأَى ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " فَلِلّهِ الْحَمْدُ عَلَى ذَلِكَ "
. [ ص 359 ]
5.
رُؤْيَا عُمَرَ فِي الْأَذَانِ
6.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ
مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبّهِ عَنْ أَبِيهِ [ ص 360 ] قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَذَكَرَ ابْنُ جُرَيْجٍ ، قَالَ قَالَ لِي عَطَاءٌ سَمِعْت عُبَيْدَ
بْنَ عُمَيْرٍ اللّيْثِيّ يَقُولُ ائْتَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ بِالنّاقُوسِ لِلِاجْتِمَاعِ لِلصّلَاةِ فَبَيْنَمَا
عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ خَشَبَتَيْنِ لِلنّاقُوسِ إذْ
رَأَى عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِي الْمَنَامِ لَا تَجْعَلُوا النّاقُوسَ بَلْ
أَذّنُوا لِلصّلَاةِ . فَذَهَبَ عُمَرُ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ لِيُخْبِرَهُ بِاَلّذِي رَأَى ، وَقَدْ جَاءَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْوَحْيُ بِذَلِكَ فَمَا رَاعَ عُمَرَ إلّا بِلَالٌ يُؤَذّنُ
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ
قَدْ سَبَقَك بِذَلِكَ الْوَحْيُ .
7.
مَا كَانَ يَقُولُهُ بِلَالٌ فِي الْفَجْرِ
8.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ
بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي النّجّارِ
قَالَتْ كَانَ بَيْتِي مِنْ أَطْوَلِ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ ، فَكَانَ
بِلَالٌ يُؤَذّنُ عَلَيْهِ لِلْفَجْرِ كُلّ غَدَاةٍ فَيَأْتِي بِسَحَرِ
فَيَجْلِسُ عَلَى الْبَيْتِ يَنْتَظِرُ الْفَجْرَ فَإِذَا رَآهُ تَمَطّى ، ثُمّ
قَالَ اللّهُمّ إنّي أَحْمَدُك وَأَسْتَعِينُك عَلَى قُرَيْشٍ أَنْ يُقِيمُوا
عَلَى دِينِك . قَالَتْ وَاَللّهِ مَا عَلِمْته كَانَ يَتْرُكُهَا لَيْلَةً
وَاحِدَةً .Sبَدْءُ الْأَذَانِ
9.
ذِكْرُ [ ص 355 ] عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
عَبْدِ رَبّهِ ، هَكَذَا ذَكَرَهُ وَأَكْثَرُ النّسّابِ يَقُولُونَ زَيْدُ بْنُ
عَبْدِ رَبّهِ وَثَعْلَبَةُ أَخُو زَيْدٍ ذَكَرَ حَدِيثَهُ عِنْدَمَا شَاوَرَ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ فِي الْأَذَانِ فَقَالَ
بَعْضُهُمْ نَاقُوسٌ كَنَاقُوسِ النّصَارَى ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بُوقٌ كَبُوقِ
الْيَهُودِ ، وَفِي غَيْرِ السّيرَةِ أَنّهُمْ ذَكَرُوا الشّبّورَ وَهُوَ
الْبُوقُ . قَالَ الْأَصْمَعِيّ لِلْمُفَضّلِ وَقَدْ نَازَعَهُ فِي مَعْنَى
بَيْتٍ مِنْ الشّعْرِ فَرَفَعَ الْمُفَضّلُ صَوْتَهُ فَقَالَ الْأَصْمَعِيّ لَوْ
نَفَخْت فِي الشّبّورِ مَا نَفَعَك ، تَكَلّمْ كَلَامَ النّمْلِ وَأَصِبْ [ ص
356 ] وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ تَصْحِيفٌ إنّمَا هُوَ الْقُبْعُ وَالْقُنْعُ
أَوْلَى بِالصّوَابِ لِأَنّهُ مِنْ أَقْنَعَ صَوْتَهُ إذَا رَفَعَهُ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ بَلْ نُوقِدُ نَارًا ، وَنَرْفَعُهَا ، فَإِذَا رَآهَا النّاسُ
أَقْبَلُوا إلَى الصّلَاةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ نَبْعَثُ رَجُلًا يُنَادِي
بِالصّلَاةِ فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ أُرِيَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدٍ
الرّوَيَا الّتِي ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ ، فَلَمّا أَخْبَرَ بِهَا رَسُولَ
اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
وَأَمَرَهُ أَنْ يُلْقِيَهَا عَلَى بِلَالٍ ، قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا
رَأَيْتهَا ، وَأَنَا كُنْت أُحِبّهَا لِنَفْسِي ، فَقَالَ " لِيُؤَذّن
بِلَالٌ " ، وَلِتُقِمْ أَنْتَ فَفِي هَذَا مِنْ الْفِقْهِ جَوَازُ أَنْ
يُؤَذّنَ الرّجُلُ وَيُقِيمَ غَيْرُهُ وَهُوَ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ زِيَادِ بْنِ
عَبْدِ اللّهِ الصّدَئِيّ حِينَ قَالَ لَهُ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ " مَنْ أَذّنَ فَهُوَ أَحَقّ
أَنْ يُقِيمَ " ، فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ إلّا أَنّهُ يَدُورُ عَلَى عَبْدِ
الرّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ الْأَفْرِيقِيّ وَهُوَ ضَعِيفٌ
وَالْأَوّلُ أَصَحّ مِنْهُ . قَالَ أَبُو دَاوُدَ : وَتَزْعُمُ الْأَنْصَارُ
أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ زَيْدٍ حِينَ رَأَى النّدَاءَ كَانَ مَرِيضًا ،
وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
بِالْأَذَانِ وَقَدْ تَكَلّمَتْ الْعُلَمَاءُ فِي الْحِكْمَةِ الّتِي خَصّتْ
الْأَذَانَ بِأَنْ رَآهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي نَوْمِهِ وَلَمْ يَكُنْ
عَنْ وَحْيٍ مِنْ اللّهِ لِنَبِيّهِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَالْأَحْكَامِ
الشّرْعِيّةِ وَفِي قَوْلِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَهُ
" إنّهَا لَرُؤْيَا حَقّ " ، ثُمّ بَنَى حُكْمَ الْأَذَانِ عَلَيْهَا
، وَهَلْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ وَحْيٍ مِنْ اللّهِ لَهُ أَمْ لَا ؟ وَلَيْسَ فِي
الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنّ قَوْلَهُ ذَلِكَ كَانَ عَنْ وَحْيٍ وَتَكَلّمُوا
: لِمَ لَمْ يُؤَذّنْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ وَهَلْ أَذّنَ
قَطّ مَرّةً مِنْ عُمْرِهِ دَهْرَهُ أَمْ لَا ؟ . فَأَمّا الْحِكْمَةُ فِي
تَخْصِيصِ الْأَذَانِ بِرُؤَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَكُنْ عَنْ
وَحْيٍ فَلِأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أُرِيَهُ
لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَأُسْمِعَهُ مُشَاهَدَةً فَوْقَ سَبْعِ سَمَوَاتٍ
وَهَذَا أَقْوَى مِنْ الْوَحْيِ فَلَمّا تَأَخّرَ فَرْضُ الْأَذَانِ إلَى
الْمَدِينَةِ ، وَأَرَادُوا إعْلَامَ النّاسِ بِوَقْتِ الصّلَاةِ تَلَبّثَ
الْوَحْيُ [ ص 357 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلِذَلِكَ قَالَ إنّهَا
لَرُؤْيَا حَقّ إنْ شَاءَ اللّهُ ، وَعَلِمَ حِينَئِذٍ أَنّ مُرَادَ الْحَقّ
بِمَا رَآهُ فِي السّمَاءِ أَنْ يَكُونَ سُنّةً فِي الْأَرْضِ وَقَوّى ذَلِكَ
عِنْدَهُ مُوَافَقَةُ رُؤْيَا عُمَرَ لِلْأَنْصَارِيّ مَعَ أَنّ السّكِينَةَ
تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَاقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ الْإِلَهِيّةُ أَنْ
يَكُونَ الْأَذَانُ عَلَى لِسَانِ غَيْرِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِمَا فِيهِ مِنْ التّنْوِيهِ مِنْ اللّهِ
لِعَبْدِهِ وَالرّفْعِ لِذِكْرِهِ فَلِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ
لِسَانِهِ أَنْوَهُ بِهِ وَأَفْخَمُ لِشَأْنِهِ وَهَذَا مَعْنًى بَيّنٌ فَإِنّ
اللّهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ { وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ } [ الشّرْحُ 4 ]
فَمِنْ رَفْعِ ذِكْرِهِ أَنْ أَشَادَ بِهِ عَلَى لِسَانِ غَيْرِهِ . فَإِنْ
قِيلَ وَمَنْ رَوَى أَنّهُ أُرِيَ النّدَاءَ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ قُلْنَا
: هُوَ فِي مُسْنَدِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ
الْبَزّارُ . حَدّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْإِشْبِيلِيّ
سَمَاعًا وَإِجَازَةً عَنْ أَبِي عَلِيّ الْغَسّانِيّ عَنْ أَبِي عُمَرَ
النّمِرِيّ بِإِسْنَادِهِ إلَى الْبَزّارِ ، قَالَ الْبَزّارُ : نا مُحَمّدُ
بْنُ عُثْمَانَ بْنِ مَخْلَدٍ نا أَبِي عَنْ زِيَادِ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ
مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ عَنْ عَلِيّ
بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - قَالَ لَمّا أَرَادَ اللّهُ أَنْ
يُعَلّمَ رَسُولَهُ الْأَذَانَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِدَابّةِ يُقَالُ لَهَا الْبُرَاقُ فَذَهَبَ يَرْكَبُهَا ،
فَاسْتُصْعِبَتْ فَقَالَ لَهَا جِبْرِيلُ : اُسْكُنِي فَوَاَللّهِ مَا رَكِبَك
عَبْدٌ أَكْرَمَ عَلَى اللّهِ مِنْ مُحَمّدٍ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
قَالَ فَرَكِبَهَا حَتّى انْتَهَى إلَى الْحِجَابِ الّذِي يَلِي الرّحْمَنَ
- تَبَارَكَ وَتَعَالَى - قَالَ فَبَيْنَمَا هُوَ
كَذَلِكَ إذْ خَرَجَ مَلَكٌ مِنْ الْحِجَابِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - " يَا
جِبْرِيلُ مَنْ هَذَا " ؟ فَقَالَ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ إنّي
لَأَقْرَبُ الْخَلْقِ مَكَانًا ، وَإِنّ هَذَا الْمَلَكَ مَا رَأَيْته مُنْذُ
خُلِقْت قَبْلَ سَاعَتِي هَذِهِ فَقَالَ " الْمَلَكُ اللّهُ أَكْبَرُ
اللّهُ أَكْبَرُ " ، قَالَ فَقِيلَ لَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ صَدَقَ عَبْدِي
أَنَا أَكْبَرُ أَنَا أَكْبَرُ ثُمّ قَالَ الْمَلَكُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ
إلّا اللّهُ ، قَالَ فَقِيلَ لَهُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ صَدَقَ عَبْدِي أَنَا
اللّهُ لَا إلَهَ إلّا أَنَا ، قَالَ فَقَالَ الْمَلَكُ أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا
رَسُولُ اللّهِ . قَالَ فَقِيلَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ صَدَقَ عَبْدِي أَنَا
أَرْسَلْت مُحَمّدًا ، قَالَ الْمَلَكُ حَيّ عَلَى الصّلَاةِ حَيّ عَلَى
الْفَلَاحِ ثُمّ قَالَ الْمَلَكُ اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ ، قَالَ
فَقِيلَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ صَدَقَ عَبْدِي أَنَا أَكْبَرُ أَنَا أَكْبَرُ
ثُمّ قَالَ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ قَالَ فَقِيلَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ صَدَقَ
عَبْدِي أَنَا لَا إلَهَ إلّا أَنَا ، قَالَ ثُمّ أَخَذَ الْمَلَكُ بِيَدِ
مُحَمّدٍ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
فَقَدّمَهُ فَأَمّ أَهْلَ السّمَاءِ فِيهِمْ آدَمُ وَنُوحٌ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ
مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ : يَوْمَئِذٍ
أَكْمَلَ اللّهُ لِمُحَمّدِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
- الشّرَفَ عَلَى أَهْلِ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ . [
ص 358 ] قَالَ الْمُؤَلّفُ وَأَخْلَقُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا
لِمَا يُعَضّدُهُ وَيُشَاكِلُهُ مِنْ أَحَادِيثِ الْإِسْرَاءِ فَبِمَجْمُوعِهَا يَحْصُلُ
أَنّ مَعَانِيَ الصّلَاةِ كُلّهَا وَأَكْثَرَهَا ، قَدْ جَمَعَهَا ذَلِكَ
الْحَدِيثُ أَعْنِي الْإِسْرَاءَ لِأَنّ اللّهَ - سُبْحَانَهُ
- رَفَعَ الصّلَاةَ الّتِي هِيَ مُنَاجَاةٌ عَنْ أَنْ
تُفْرَضَ فِي الْأَرْضِ لَكِنْ بِالْحَضْرَةِ الْمُقَدّسَةِ الْمُطَهّرَةِ
وَعِنْدَ الْكَعْبَةِ الْعُلْيَا ، وَهِيَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ ، وَقَدْ
ذَكَرْنَا طَرَفًا مِنْ هَذَا الْغَرَضِ وَنُبَذًا مِنْ هَذَا الْمَقْصِدِ فِي
شَرْحِ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ وَيَنْضَافُ إلَيْهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْأَذَانِ
الّذِي تَضَمّنَهُ حَدِيثُ الْبَزّارِ مَعَ مَا رُوِيَ أَيْضًا أَنّهُ مَرّ
وَهُوَ عَلَى الْبُرَاقِ بِمَلَائِكَةِ قِيَامٍ وَمَلَائِكَةٍ رُكُوعٍ
وَمَلَائِكَةٍ سُجُودٍ وَمَلَائِكَةٍ جُلُوسٍ وَالْكُلّ يُصَلّونَ لِلّهِ
فَجُمِعَتْ لَهُ هَذِهِ الْأَحْوَالُ فِي صَلَاتِهِ وَحِينَ مَثَلَ بِالْمَقَامِ
الْأَعْلَى ، وَدَنَا فَتَدَلّى أُلْهِمَ أَنْ يَقُولَ التّحِيّاتُ لِلّهِ إلَى
قَوْلِهِ الصّلَوَاتُ لِلّهِ فَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ السّلَامُ عَلَيْك أَيّهَا
النّبِيّ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَقَالَ السّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى
عِبَادِ اللّهِ الصّالِحِينَ فَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ
إلّا اللّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ فَجَمَعَ ذَلِكَ لَهُ فِي
تَشَهّدِهِ . وَانْظُرْ بِقَلْبِك كَيْفَ شُرِعَ لَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ
وَلِأُمّتِهِ أَنْ يَقُولُوا تِسْعَ مَرّاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللّيْلَةِ فِي
تِسْعِ جَلَسَاتٍ فِي الصّلَوَاتِ الْخَمْسِ بَعْدَ ذِكْرِ التّحِيّاتِ
السّلَامُ عَلَيْنَا ، وَعَلَى عِبَادِ اللّهِ الصّالِحِينَ فَيُحَيّونَ
وَيُحَيّونَ تَحِيّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُبَارَكَةً طَيّبَةً ، وَمِنْ
قَوْلِهِ السّلَامُ عَلَيْنَا كَمَا قِيلَ لَهُمْ فَسَلّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ
تَحِيّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَمِنْ ثَمّ قَالَ الطّيّبَاتُ الْمُبَارَكَاتُ كَمَا
فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبّاسٍ فِي التّشَهّدِ اُنْظُرْ إلَى هَذَا كُلّهِ كَيْفَ
حَيّا وَحُيّيَ تِسْعَ مَرّاتٍ حَيّتْهُ مَلَائِكَةُ كُلّ سَمَاءٍ وَحَيّاهُمْ
ثُمّ مَلَائِكَةُ الْكُرْسِيّ ثُمّ مَلَائِكَةُ الْعَرْشِ فَهَذِهِ تِسْعٌ
فَجُعِلَ التّشَهّدُ فِي الصّلَوَاتِ عَلَى عَدَدِ تِلْكَ الْمَرّاتِ الّتِي
سَلّمَ فِيهَا وَسُلّمَ عَلَيْهِ وَكُلّهَا تَحِيّاتٌ لِلّهِ أَيْ مِنْ عِنْدِ اللّهِ
مُبَارَكَةٌ طَيّبَةٌ ، هَذَا إلَى نُكَتٍ ذَكَرْنَاهَا فِي شَرْحِ سُبْحَانَ
اللّهِ وَبِحَمْدِهِ فَإِذَا جَمَعْت بَعْضَ مَا ذَكَرْنَاهُ إلَى بَعْضٍ
عَرَفْت جُمْلَةً مِنْ أَسْرَارِ الصّلَاةِ وَفَوَائِدِهَا الْجَلِيّةِ دُونَ
الْخَفِيّةِ وَأَمّا بَقِيّةُ أَسْرَارِهَا وَمَا تَضَمّنَتْهُ أَحَادِيثُ
الْإِسْرَاءِ مِنْ أَنْوَارِهَا ، وَمَا فِي الْأَذَانِ مِنْ [ ص 359 ]
لَطَائِفُ الْمَعَانِي وَالْحِكَمِ فِي افْتِتَاحِهِ بِالتّكْبِيرِ وَخَتْمِهِ
بِالتّكْبِيرِ مَعَ التّكْرَارِ وَقَوْلِ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ فِي آخِرِهِ
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ فِي أَوّلِهِ وَمَا تَحْتَ هَذَا كُلّهِ
مِنْ الْحِكَمِ الْإِلَهِيّةِ الّتِي تَمْلَأُ الصّدُورَ هَيْبَةً وَتُنَوّرُ
الْقُلُوبَ بِنُورِ الْمَحَبّةِ وَكَذَلِكَ مَا تَضَمّنَتْهُ الصّلَاةُ فِي
شَفْعِهَا وَوِتْرِهَا وَالتّكْبِيرِ فِي أَرْكَانِهَا ، وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ
فِي افْتِتَاحِهَا ، وَتَخْصِيصِ الْبُقْعَةِ الْمُكَرّمَةِ بِالتّوَجّهِ إلَيْهَا
، مَعَ فَوَائِدِ الْوُضُوءِ مِنْ الْأَحْدَاثِ لَهَا ، فَإِنّ فِي ذَلِكَ
كُلّهِ مِنْ فَوَائِدِ الْحِكْمَةِ وَلَطَائِفِ الْمَعْرِفَةِ مَا يَزِيدُ فِي
ثَلْجِ الصّدُورِ وَيُكَحّلُ عَيْنَ الْبَصِيرَةِ بِالضّيَاءِ وَالنّورِ
وَنَعُوذُ بِاَللّهِ أَنْ نَنْزِعَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزَعِ فَلْسَفِيّ أَوْ
مَقَالَةِ بِدْعِيّ أَوْ رَأْيٍ مُجَرّدٍ مِنْ دَلِيلٍ شَرْعِيّ وَلَكِنْ
بِتَلْوِيحَاتِ مِنْ الشّرِيعَةِ وَإِشَارَاتٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسّنّةِ
يُعَضّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، وَيُنَادِي بَعْضُهَا بِتَصْدِيقِ بَعْضٍ وَلَوْ
كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [
النّسَاءُ 82 ] . لَكِنْ أَضْرَبْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ عَنْ بَثّ هَذِهِ
الْأَسْرَارِ فَإِنّ ذَلِكَ يَخْرُجُ عَنْ الْغَرَضِ الْمَقْصُودِ وَيَشْغَلُ
عَمّا صَمَدْنَا إلَيْهِ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ وَوَعَدْنَا بِهِ النّاظِرَ
فِيهِ مِنْ شَرْحِ لُغَاتٍ وَأَنْسَابٍ وَآدَابٍ وَاَللّهُ الْمُسْتَعَانُ .
وَقَدْ عَرَفْت رُؤْيَا عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدٍ وَكَيْفِيّتَهَا بِرِوَايَةِ ابْنِ
إسْحَاقَ وَغَيْرِهِ وَلَمْ تُعْرَفْ كَيْفِيّةُ رُؤْيَا عُمَرَ حِينَ أُرِيَ
النّدَاءَ وَقَدْ قَالَ قَدْ رَأَيْت مِثْلَ الّذِي رَأَى ، لَكِنْ فِي مُسْنَدِ
الْحَارِثِ بَيَانٌ لَهَا . رَوَى الْحَارِثُ [ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ ] فِي
مُسْنَدِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَ
" أَوّلُ مَنْ أَذّنَ بِالصّلَاةِ جِبْرِيلُ أَذّنَ بِهَا فِي سَمَاءِ
الدّنْيَا فَسَمِعَهُ عُمَرُ وَبِلَالٌ فَسَبَقَ عُمَرُ بِلَالًا إلَى رَسُولِ
اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَخْبَرَهُ بِهَا ، فَقَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ لِبِلَالِ "
سَبَقَك بِهَا [ ص 360 ] " ، وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ . وَظَاهِرُ
هَذَا الْحَدِيثِ أَنّ عُمَرَ سَمِعَ ذَلِكَ فِي الْيَقَظَةِ وَكَذَلِكَ رُؤْيَا
عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي الْأَذَانِ رَآهَا ، وَهُوَ بَيْنَ النّائِمِ
وَالْيَقْظَانِ قَالَ وَلَوْ شِئْت لَقُلْت : كُنْت يَقْظَانًا
. فَصْلٌ وَأَمّا قَوْلُ السّائِلِ هَلْ أَذّنَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَفْسِهِ قَطّ ، فَقَدْ رَوَى
التّرْمِذِيّ مِنْ طَرِيقٍ يَدُورُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الرّمّاحِ يَرْفَعُهُ إلَى
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
أَذّنَ فِي سَفَرٍ وَصَلّى بِأَصْحَابِهِ وَهُمْ عَلَى رَوَاحِلِهِمْ السّمَاءُ مِنْ
فَوْقِهِمْ وَالْبِلّةُ مِنْ أَسْفَلِهِمْ فَنَزَعَ بَعْضُ النّاسِ بِهَذَا
الْحَدِيثِ إلَى أَنّهُ أَذّنَ بِنَفْسِهِ وَأَسْنَدَهُ الدّارَقُطْنِيّ
بِإِسْنَادِ التّرْمِذِيّ إلّا أَنّهُ لَمْ يَذْكُرْ عُمَرَ بْنَ الرّمّاحِ ،
وَوَافَقَهُ فِيمَا بَعْدَهُ مِنْ إسْنَادٍ وَمَتْنٍ لَكِنّهُ قَالَ فِيهِ
فَقَامَ الْمُؤَذّنُ فَأَذّنَ وَلَمْ يَقُلْ أَذّنَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَالْمُتّصِلُ يَقْضِي عَلَى الْمُجْمَلِ
الْمُحْتَمَلِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
10. قَالَ [ ص 361 ] ابْنُ
إسْحَاقَ : فَلَمّا اطْمَأَنّتْ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ دَارُهُ وَأَظْهَرَ اللّهُ بِهَا دِينَهُ وَسَرّهُ بِمَا جَمَعَ
إلَيْهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ قَالَ
أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ ، أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسِ بْنِ صِرْمَةَ
بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ النّجّارِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ
رَجُلًا قَدْ تَرَهّبَ فِي الْجَاهِلِيّةِ ، وَلَبِسَ الْمُسُوحَ وَفَارَقَ
الْأَوْثَانَ وَاغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَتَطَهّرَ مِنْ الْحَائِضِ مِنْ
النّسَاءِ وَهُمْ بالنصرانية ، ثُمّ أَمْسَكَ عَنْهَا ، وَدَخَلَ بَيْتًا لَهُ
فَاِتّخَذَهُ مَسْجِدًا لَا تَدْخُلُهُ عَلَيْهِ فِيهِ طَامِثٌ وَلَا جُنُبٌ
وَقَالَ أَعْبُدُ رَبّ إبْرَاهِيمَ حِينَ فَارَقَ الْأَوْثَانَ وَكَرِهَهَا ،
حَتّى قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ،
فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ وَكَانَ قَوّالًا لِلّهِ
عَزّ وَجَلّ فِي جَاهِلِيّتِهِ يَقُولُ أَشْعَارًا فِي ذَلِكَ [ ص 362
]
11. يَقُولُ أَبُو
قَيْسٍ وَأَصْبَحَ غَادِيًا : ... أَلَا مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ وَصَاتِي
فَافْعَلُوا
12. فَأُوصِيكُمْ
بِاَللّهِ وَالْبِرّ وَالتّقَى ... وَأَعْرَاضِكُمْ وَالْبِرّ بِاَللّهِ أَوّلُ
13. وَإِنْ
قَوْمُكُمْ سَادُوا فَلَا تَحْسُدُونَهُمْ ... وَإِنْ كُنْتُمْ أَهْلَ
الرّيَاسَةِ فَاعْدِلُوا
14. وَإِنْ
نَزَلَتْ إحْدَى الدّوَاهِي بِقَوْمِكُمْ ... فَأَنْفُسَكُمْ دُونَ الْعَشِيرَةِ
فَاجْعَلُوا
15. وَإِنْ تَابَ
غُرْمٌ فَادِحٌ فَارْفُقُوهُمْ ... وَمَا حَمّلُوكُمْ فِي الْمُلِمّاتِ
فَاحْمِلُوا
16. وَإِنْ
أَنْتُمْ أَمْعَرْتُمُ فَتَعَفّفُوا ... وَإِنْ كَانَ فَضْلُ الْخَيْرِ فِيكُمْ
فَأَفْضِلُوا
17. [ ص 363 ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ فَادِحٌ فَارْفِدُوهُمْSحَدِيثُ صِرْمَةَ بْنِ أَبِي أَنَس
18. [ ص 361 ]
وَاسْمُ أَبِي أَنَسٍ قَيْسُ بْنُ صِرْمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ
عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ النّجّارِ الْأَنْصَارِيّ وَهُوَ الّذِي
أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ وَفِي عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا : { أُحِلّ لَكُمْ
لَيْلَةَ الصّيَامِ الرّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ } [الْبَقَرَةُ 187 ] إلَى
قَوْلِهِ وَعَفَا عَنْكُمْ فَهَذِهِ فِي عُمَرَ ثُمّ قَالَ { وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا } إلَى آخِرِ الْآيَةِ فَهَذِهِ فِي صِرْمَةَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ
وَذَلِكَ أَنّ إتْيَانَ النّسَاءِ لَيْلًا فِي رَمَضَانَ كَانَ مُحَرّمًا
عَلَيْهِمْ فِي أَوّلِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ النّوْمِ وَكَذَلِكَ الْأَكْلُ
وَالشّرْبُ كَانَ مُحَرّمًا عَلَيْهِمْ بَعْدَ النّوْمِ فَأَمّا عُمَرُ
فَأَرَادَ امْرَأَتَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَتْ لَهُ إنّي قَدْ نِمْت ، فَقَالَ
كَذَبْت ثُمّ وَقَعَ عَلَيْهَا ، وَأَمّا صِرْمَةُ فَإِنّهُ عَمِلَ فِي حَائِطِهِ
وَهُوَ صَائِمٌ فَجَاءَ اللّيْلُ وَقَدْ جَهَدَهُ الْكَلَالُ فَغَلَبَتْهُ
عَيْنُهُ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ بِطَعَامِ كَانَتْ قَدْ
صَنَعَتْهُ لَهُ فَوَجَدَتْهُ قَدْ نَامَ فَقَالَتْ لَهُ الْخَيْبَةُ لَك حُرّمَ
عَلَيْك الطّعَامُ وَالشّرَابُ فَبَاتَ صَائِمًا ، وَأَصْبَحَ إلَى حَائِطِهِ
يَعْمَلُ فِيهِ فَمَرّ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَهُوَ طَلِيحٌ قَدْ جَهَدَهُ الْعَطَشُ مَعَ مَا بِهِ مِنْ الْجُوعِ وَالنّصَبِ
فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَخْبَرَهُ
بِقِصّتِهِ فَرَقّ عَلَيْهِ السّلَامُ وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ فَأَنْزَلَ اللّهُ
تَعَالَى الرّخْصَةَ وَجَاءَ بِالْفَرَجِ بَدَأَ بِقِصّةِ عُمَرَ لِفَضْلِهِ
فَقَالَ { فَالْآنَ بَاشِرُوهُنّ } ثُمّ
بِصِرْمَةَ فَقَالَ { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا } قَالَ بَعْضُ أَشْيَاخِ
الصّوفِيّةِ هَذِهِ الْعِنَايَةُ مِنْ اللّهِ أَخْطَأَ عُمَرُ خَطِيئَةً
فَرُحِمَتْ الْأُمّةُ بِسَبَبِهَا . [ ص 362 ]
مَنْ شَرَحَ شِعْرَهُ وَذَكَرَ مِنْ شِعْرِ صِرْمَةَ
19. فَأُوصِيكُمْ
بِاَللّهِ وَالْبِرّ وَالتّقَى ... وَأَعْرَاضِكُمْ وَالْبِرّ بِاَللّهِ أَوّلُ
20. بِرَفْعِ
الْبِرّ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَأَوّلُ خَبَرٌ لَهُ وَقَدْ يُحْتَمَلُ فِي
الظّاهِرِ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ
ذَلِكَ فِي هَذِهِ الظّرُوفِ الْمَبْنِيّةِ عَلَى الضّمّ أَنْ تَكُونَ خَبَرَ
الْمُبْتَدَإِ لَا تَقُولُ الصّلَاةُ قَبْلَ إلّا أَنْ تَقُولَ قَبْلَ كَذَا ،
وَلَا الْخُرُوجُ بَعْدَ إلّا أَنْ تَقُولَ بَعْدَ كَذَا ، وَذَلِكَ لِسِرّ
دَقِيقٍ قَدْ حَوّمَ عَلَيْهِمَا ابْنُ جِنّي فَلَمْ يُصِبْ الْمُفَصّلَ
وَاَلّذِي مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ أَنّ هَذِهِ الْغَايَاتِ إنّمَا تَعْمَلُ فِيهَا
الْأَفْعَالُ الْمَلْفُوظُ بِهَا لِأَنّهَا غَايَاتٌ لِأَفْعَالِ مُتَقَدّمَةٍ
فَإِذَا لَمْ تَأْتِ بِفِعْلِ يَعْمَلُ فِيهَا ، لَمْ تَكُنْ غَايَةً لِشَيْءِ
مَذْكُورٍ وَصَارَ الْعَامِلُ فِيهَا مَعْنَوِيّا ، وَهُوَ الِاسْتِقْرَارُ
وَهِيَ مُضَافَةٌ فِي الْمَعْنَى إلَى شَيْءٍ وَالشّيْءُ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَعْنَوِيّ
، لَا لَفْظِيّ ، فَلَا يَدُلّ الْعَامِلُ الْمَعْنَوِيّ عَلَى مَعْنَوِيّ آخَرَ
إنّمَا يَدُلّ عَلَيْهِ الظّاهِرُ اللّفْظِيّ ، فَتَأَمّلْهُ فَالضّمّةُ فِي
أَوّلُ عَلَى هَذَا حَرَكَةُ إعْرَابٍ لَا حَرَكَةُ بِنَاءٍ وَلَوْ قَالَ
ابْدَأْ بِالْبِرّ أَوّلُ لَكَانَتْ حَرَكَةَ بِنَاءٍ لَكِنّ مَنْ رَوَاهُ
وَالْبِرّ بِاَللّهِ أَوّلُ بِخَفْضِ الرّاءِ مِنْ الْبِرّ فَأَوّلُ حِينَئِذٍ
ظَرْفٌ مَبْنِيّ عَلَى الضّمّ يَعْمَلُ فِيهِ أُوصِيكُمْ . وَفِيهِ وَإِنْ
أَنْتُمْ أَمْعَرْتُمُ فَتَعَفّفُوا الْإِمْعَارُ الْفَقْرُ .
21. قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ صِرْمَةُ أَيْضًا [ ص 363 ]
22. سَبّحُوا
اللّهَ شَرْقَ كُلّ صَبَاحٍ ... طَلَعَتْ شَمْسُهُ وَكُلّ هِلَالِ
23. عَالِمُ
السّرّ وَالْبَيَانِ لَدَيْنَا ... لَيْسَ مَا قَالَ رَبّنَا بِضَلَالِ
24. وَلَهُ
الطّيْرُ تَسْتَرِيدُ وَتَأْوِي ... فِي وُكُورٍ مِنْ آمِنَاتِ الْجِبَالِ
25. وَلَهُ
الْوَحْشُ بِالْفَلَاةِ تَرَاهَا ... فِي حِقَافٍ وَفِي ظِلَالِ الرّمَالِ
26. وَلَهُ
هُوّدَتْ يَهُودُ وَدَانَتْ ... كُلّ دِينٍ إذَا ذُكِرَتْ عُضَالُ
27. وَلَهُ شَمّسَ
النّصَارَى وَقَامُوا ... كُلّ عِيدٍ لِرَبّهِمْ وَاحْتِفَالِ
28. وَلَهُ
الرّاهِبُ الْحَبِيسُ تَرَاهُ ... رَهْنَ بُؤْسٍ وَكَانَ نَاعِمَ بَالِ
29. [ ص 364
]
30. يَا بَنِي
الْأَرْحَامَ لَا تَقْطَعُوهَا ... وَصِلُوهَا قَصِيرَةً مِنْ طِوَالِ
31. وَاتّقُوا
اللّهَ فِي ضِعَافِ الْيَتَامَى ... رُبّمَا يُسْتَحَلّ غَيْرُ الْحَلَالِ
32. وَاعْلَمُوا
أَنّ لِلْيَتِيمِ وَلِيّا ... عَالِمًا يَهْتَدِي بِغَيْرِ السّؤَالِ
33. ثُمّ مَالُ
الْيَتِيمِ لَا تَأْكُلُوهُ ... إنّ مَالَ الْيَتِيمِ يَرْعَاهُ وَالِي
34. [ ص 365
]
35. يَا بَنِيّ
التّخُومُ لَا تَخْزِلُوهَا ... إنّ خَزْلَ التّخُومِ ذُو عُقّالِ
36. يَا بَنِيّ
الْأَيّامُ لَا تَأْمَنُوهَا ... وَاحْذَرُوا مَكْرَهَا وَمُرّ اللّيَالِي
37. وَاعْلَمُوا
أَنّ مُرّهَا لِنَفَادِ الْخَلْ ... قِ مَا كَانَ مِنْ جَدِيدٍ وَبَالِي
38. وَاجْمَعُوا
أَمْرَكُمْ عَلَى الْبِرّ وَالتّقْ ... وَى وَتَرْكِ الْخَنَا وَأَخْذِ
الْحَلَالِS[ ص 363
]
39. سَبّحُوا
اللّهَ شَرْقَ كُلّ صَبَاحٍ ... طَلَعَتْ شَمْسُهُ وَكُلّ هِلَالِ
40. الشّرْقُ
طُلُوعُ الشّمْسِ وَهُوَ مِنْ أَسْمَائِهَا أَيْضًا ، وَكَذَلِكَ الشّرَقُ
بِفَتْحِ الرّاءِ وَكُلّ هِلَالٍ بِالنّصْبِ عَلَى الظّرْفِ أَيْ وَقْتَ كُلّ
هِلَالٍ وَلَوْ قُلْت فِي مِثْلِ هَذَا : وَكُلّ قَمَرٍ عَلَى الظّرْفِ لَمْ
يَجُزْ لِأَنّ الْهِلَالَ قَدْ أُجْرِيَ مَجْرَى الْمَصَادِرِ فِي قَوْلِهِمْ
اللّيْلَةُ الْهِلَالُ فَلِذَلِكَ صَحّ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِأَنّ
الْمَصَادِرَ قَدْ تَكُونُ ظُرُوفًا لَمَعَانٍ وَأَسْرَارٍ لَيْسَ هَذَا
مَوْضِعًا لِذِكْرِهَا ، وَلَوْ خُفِضَتْ وَكُلّ هِلَالٍ عَطْفًا عَلَى صَبَاحٍ
لَمْ يَجُزْ لِأَنّ الشّرْقَ لَا يُضَافُ إلَى الْهِلَالِ كَمَا يُضَافُ إلَى
الصّبَاحِ . وَفِيهِ وَلَهُ شَمْسُ النّصَارَى ..... يَعْنِي دِينَ
الشّمَامِسَةِ وَهُمْ الرّهْبَانُ لِأَنّهُمْ يُشَمّسُونَ أَنْفُسَهُمْ
يُرِيدُونَ تَعْذِيبَ النّفُوسِ بِذَلِكَ فِي زَعْمِهِمْ [ ص 364 ] يَا بَنِي
الْأَرْحَامَ لَا تَقْطَعُوهَا بِنَصْبِ الْأَرْحَامِ وَهُوَ أَجْوَدُ مِنْ
الرّفْعِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِلنّهْيِ . وَقَوْلُهُ وَصِلُوهَا قَصِيرَةً
مِنْ طِوَالِ وَقَدْ أَمْلَيْنَا فِيهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ مَا نُعِيدُهُ
هَاهُنَا بِحَوْلِ اللّهِ وَأَمْلَيْنَا أَيْضًا فِي مَعْنَى الرّحِمِ
وَاشْتِقَاقِ الْأُمّ لِإِضَافَةِ الرّحِمِ إلَيْهَا ، وَوَضْعِهَا فِيهِ عِنْدَ
خَلْقِ آدَمَ وَحَوّاءَ ، وَكَوْنِ الْأُمّ أَعْظَمَ حَظّا فِي الْبِرّ مِنْ
الْأَبِ مَعَ أَنّهَا فِي الْمِيرَاثِ دُونَهُ أَسْرَارًا بَدِيعَةً وَمَعَانِيَ
لَطِيفَةً أَوْدَعْنَاهَا كِتَابَ الْفَرَائِضِ وَشَرْحَ آيَاتِ الْوَصِيّةِ
فَلْتُنْظَرْ هُنَالِكَ . وَأَمّا قَوْلُهُ قَصِيرَةً مِنْ طِوَالِ فَيَحْتَمِلُ
تَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنْ يُرِيدَ صِلُوا قِصَرَهَا مِنْ طِوَلِكُمْ
أَيْ كُونُوا أَنْتُمْ طِوَالًا بِالصّلَةِ وَالْبِرّ إنْ قَصُرَتْ هِيَ وَفِي الْحَدِيثِ
أَنّهُ قَالَ لِأَزْوَاجِهِ أَسْرَعُكُنّ لُحُوقًا بِي : أَطْوَلُكُنّ يَدًا فَاجْتَمَعْنَ يَتَطَاوَلْنَ فَطَالَتْهُنّ سَوْدَةُ
فَمَاتَتْ زَيْنَبُ أَوَلَهُنّ أَرَادَ الطّوْلَ بِالصّدَقَةِ وَالْبِرّ فَكَانَتْ
تِلْكَ صِفَةَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ . وَالتّأْوِيلُ الْآخَرُ أَنْ يُرِيدَ
مَدْحًا لِقَوْمِهِ بِأَنّ أَرْحَامَهُمْ قَصِيرَةُ النّسَبِ وَلَكِنّهَا مِنْ
قَوْمٍ طِوَالٍ كَمَا قَالَ
41. أُحِبّ مِنْ
النّسْوَانِ كُلّ طَوِيلَةٍ ... لَهَا نَسَبٌ فِي الصّالِحِينَ قَصِيرُ
42. وَقَالَ
الطّائِيّ :
43. أَنْتُمْ
بَنُو النّسَبِ الْقَصِيرِ وَطُولُكُمْ ... بَادٍ عَلَى الْكُبَرَاءِ
وَالْأَشْرَافِ
44. وَالنّسَبُ
الْقَصِيرُ أَنْ يَقُولَ أَنَا ابْنُ فُلَانٍ فَيُعْرَفُ وَتِلْكَ صِفَةُ
الْأَشْرَافِ وَمَنْ لَيْسَ بِشَرِيفِ لَا يُعْرَفُ حَتّى يَأْتِيَ بِنِسْبَةِ
طَوِيلَةٍ يَبْلُغُ بِهَا رَأْسَ الْقَبِيلَةِ . وَقَدْ قَالَ رُؤْبَةُ قَالَ لِي [
ص 365 ] النّسّابَةُ مَنْ أَنْتَ انْتَسِبْ فَقُلْت : رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ
، فَقَالَ قَصّرْت وَعُرِفْت . وَقَوْلُهُ إنّ
خَزْلَ التّخُومِ ذُو عُقّالِ التّخُومُ جَمْعُ : تَخُومَةٍ وَمَنْ قَالَ تَخِمَ فِي الْوَاحِدِ قَالَ فِي الْجَمْعِ
تُخُومٌ بِضَمّ التّاءِ وَأَرَادَ بِهَا الْأَرْفَ [ أَوْ الْأُرْثَ ] وَهِيَ الْحُدُودُ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ التّخُومُ وَالتّخُومُ حُدُودُ الْبِلَادِ وَالْقُرَى ،
وَلَمْ يَذْكُرْ فِي حُدُودِ الْأَحْقَالِ الْأَرْفَ . وَالْعُقّالُ . مَا
يَمْنَعُ الرّجُلَ مِنْ الْمَشْيِ وَيَعْقِلُهَا يُرِيدُ أَنّ الظّلْمَ يَخْلُفُ
صَاحِبَهُ وَيَعْقِلُهُ عَنْ السّبَاقِ وَيَحْبِسُهُ فِي مَضَايِقِ
الِاحْتِقَاقِ .
45. وَقَالَ أَبُو
قَيْسٍ صِرْمَةُ أَيْضًا ، يَذْكُرُ مَا أَكْرَمَهُمْ اللّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى بِهِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَمَا خَصّهُمْ اللّهُ بِهِ مِنْ نُزُولِ
رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِمْ
46. ثَوَى فِي
قُرَيْشٍ بِضْعَ عَشْرَةَ حِجّةً ... يُذَكّرُ لَوْ يَلْقَى صَدِيقًا مُوَاتِيَا
47. وَيَعْرِضُ
فِي أَهْلِ الْمَوَاسِمِ نَفْسَهُ ... فَلَمْ يَرَ مَنْ يُؤْوِي وَلَمْ يَرَ
دَاعِيَا
48. فَلَمّا
أَتَانَا أَظْهَرَ اللّهُ دِينَهُ ... فَأَصْبَحَ مَسْرُورًا بِطِيبَةَ رَاضِيًا
49. وَأَلْفَى
صَدِيقًا وَاطْمَأَنّتْ بِهِ النّوَى ... وَكَانَ لَهُ عَوْنًا مِنْ اللّهِ
بَادِيًا
50. يَقُصّ لَنَا
مَا قَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ ... وَمَا قَالَ مُوسَى إذْ أَجَابَ الْمُنَادِيَا
51. فَأَصْبَحَ
لَا يَخْشَى مِنْ النّاسِ وَاحِدًا ... قَرِيبًا وَلَا يَخْشَى مِنْ النّاسِ
نَائِيَا
52. بَذَلْنَا
لَهُ الْأَمْوَالَ مِنْ حِلّ مَالِنَا ... وَأَنْفُسِنَا عِنْدَ الْوَغَى
وَالتّآسِيَا
53. وَنَعْلَمُ
أَنّ اللّهَ لَا شَيْءَ غَيْرَهُ ... وَنَعْلَمُ أَنّ اللّهَ أَفْضَلُ هَادِيَا
54. نُعَادِي
الّذِي عَادَى مِنْ النّاسِ كُلّهِمْ ... جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ الْحَبِيبَ
الْمُصَافِيَا
55. أَقُولُ إذَا
أَدْعُوك فِي كُلّ بَيْعَةٍ ... تَبَارَكْت قَدْ أَكْثَرْت لِاسْمِك دَاعِيَا
56. أَقُولُ إذَا
جَاوَزْت أَرْضًا مَخُوفَةً ... حَنَانَيْكَ لَا تُظْهِرْ عَلَيّ الْأَعَادِيَا
57. [ ص 366
]
58. فَطَأْ
مُعْرِضًا إنّ الْحُتُوفَ كَثِيرَةٌ ... وَإِنّك لَا تُبْقِي لِنَفْسِك بَاقِيَا
59. فَوَاَللّهِ
مَا يَدْرِي الْفَتَى كَيْفَ يَتّقِي ... إذَا هُوَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ اللّهُ
وَاقِيَا
60. وَلَا
تَحْفِلُ النّخْلُ الْمُعِيمَةُ رَبّهَا ... إذَا أَصْبَحَتْ رَبّا وَأَصْبَحَ
ثَاوِيَا
61. قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : الْبَيْتُ الّذِي أَوّلُهُ فَطَأْ مُعْرِضًا إنّ الْحُتُوفَ كَثِيرَةٌ
وَالْبَيْتُ الّذِي يَلِيهِ فَوَاَللّهِ مَا يَدْرِي الْفَتَى كَيْفَ يَتّقِي [
ص 367 ] التّغْلِبِيّ وَهُوَ صُرَيْمُ بْنُ مَعْشَرٍ فِي أَبْيَاتٍ لَهُS[ ص 366 ] وَذَكَرَ قَصِيدَتَهُ
الْيَائِيّةَ وَقَالَ فِيهَا : فَطَأْ مُعْرِضًا . الْبَيْتُ قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : هُوَ لِأُفْنُونٍ التّغْلِبِيّ وَاسْمُهُ صُرَيْمُ بْنُ مَعْشَرِ [
بْنِ ذُهْلِ بْنِ تَيْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ حَبِيبِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ تَغْلِبَ ] . قَالَ الْمُؤَلّفُ وَسُمّيَ أُفْنُونًا
فِي قَوْلِ ابْنِ دُرَيْدٍ لِبَيْتِ قَالَهُ فِيهِ أَوْ نَحْوَ هَذَا اللّفْظِ .
وَالْأُفْنُونُ الْغُصْنُ النّاعِمُ وَالْأُفْنُونُ أَيْضًا الْعَجُوزُ
الْفَانِيَةُ وَأُفْنُونُ هُوَ الّذِي يَقُولُ
62. لَوْ أَنّنِي
كُنْت مِنْ عَادٍ وَمِنْ إرَمٍ ... غَذِيّ بَهْمٍ وَلُقْمَانِ وَذِي جَدَنِ
63. لَمَا وَقَوْا
بِأَخِيهِمْ مِنْ مُهَوّلَةٍ ... أَخَا السّكُونِ وَلَا جَارُوا عَنْ السّنَنِ
64. أَنّى جَزَوْا
عَامِرًا سُوءَى بِفِعْلِهِمْ ... أَمْ كَيْفَ يَجْزُونَنِي السّوءَى مِنْ
الْحَسَنِ
65. أَمْ كَيْفَ
يَنْفَعُ مَا تُعْطِي الْعَلُوقُ بِهِ ... رِئْمَانُ أَنْفُ إذَا مَا ضَنّ
بِاللّبَنِ
66. وَقَوْلُ
ابْنِ هِشَامٍ فِي الْبَيْتَيْنِ فَطَأْ مُعْرِضًا وَاَلّذِي بَعْدَهُ أَنّهُمَا
لِأُفْنُونٍ التّغْلِبِيّ مَذْكُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأَخْبَارِ وَلَهَا سَبَبٌ
ذَكَرُوا أَنّ أُفْنُونًا خَرَجَ فِي رَكْبٍ فَمَرّوا بِرَبْوَةِ تُعْرَفُ
بِالْإِلَهَةِ وَكَانَ الْكَاهِنُ قَبْلَ ذَلِكَ قَدْ حَدّثَهُ أَنّهُ يَمُوتُ
بِهَا ، فَمَرّ بِهَا فِي ذَلِكَ الرّكْبِ فَلَمّا أَشْرَفُوا عَلَيْهَا
وَأُعْلِمَ بِاسْمِهَا ، كَرِهَ الْمُرُورَ بِهَا ، وَأَبَوْا أَصْحَابُهُ إلّا
أَنْ يَمُرّوا بِهَا ، وَقَالُوا لَهُ لَا تَنْزِلْ عِنْدَهَا ، وَلَكِنْ
نَجُوزُهَا سَعْيًا ، فَلَمّا دَنَا مِنْهَا بَرَكَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى
حَيّةٍ فَنَزَلَ لِيَنْظُرَ فَنَهَشَتْهُ الْحَيّةُ فَمَاتَ فَقَبْرُهُ
هُنَالِكَ وَقِيلَ فِي حَدِيثِهِ إنّهُ مَرّ بِهَا لَيْلًا ، فَلَمْ يَعْرِفْ
بِهَا حَتّى رَبَضَ الْبَعِيرُ [ ص 367 ] كَانَ عَلَيْهِ وَعَلِمَ أَنّهُ عِنْدَ
الْإِلَهَةِ فَجَزَعَ فَقِيلَ لَهُ لَا بَأْسَ عَلَيْك ، فَقَالَ فَلِمَ رَبَضَ
الْبَعِيرُ فَأَرْسَلَهَا مَثَلًا . ذَكَرَهُ يَعْقُوبُ وَعِنْدَمَا أَحَسّ
بِالْمَوْتِ قَالَ هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ اللّذَيْنِ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ
وَبَعْدَهُمَا :
67. كَفَى حُزْنًا
أَنْ يَرْحَلَ الرّكْبُ غَدْوَةً ... وَأُتْرَكُ فِي جَنْبِ الْإِلَهَةِ
ثَاوِيًا
68. الْأَعْدَاءُ
مِنْ يَهُودَ
69. قَالَ [ ص 368
] ابْنُ إسْحَاقَ : وَنَصَبَتْ عِنْدَ ذَلِكَ أَحْبَارُ يَهُودَ . لِرَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَدَاوَةَ بَغْيًا وَحَسَدًا
وَضَغْنًا ، لِمَا خَصّ اللّهُ تَعَالَى بِهِ الْعَرَبَ مِنْ أَخْذِهِ رَسُولَهُ
مِنْهُمْ وَانْضَافَ إلَيْهِمْ رِجَالٌ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، مِمّنْ
كَانَ عَلَى جَاهِلِيّتِهِ فَكَانُوا أَهْلَ نِفَاقٍ عَلَى دِينِ آبَائِهِمْ
مِنْ الشّرْكِ وَالتّكْذِيبِ بِالْبَعْثِ إلّا أَنّ الْإِسْلَامَ قَهَرَهُمْ
بِظُهُورِهِ وَاجْتِمَاعِ قَوْمِهِمْ عَلَيْهِ فَظَهَرُوا بِالْإِسْلَامِ
وَاِتّخَذُوهُ جُنّةً مِنْ الْقَتْلِ وَنَافَقُوا فِي السّرّ ، وَكَانَ هَوَاهُمْ
مَعَ يَهُودَ لِتَكْذِيبِهِمْ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَجُحُودِهِمْ
الْإِسْلَامَ . وَكَانَتْ أَحْبَارُ يَهُودِهِمْ الّذِينَ يَسْأَلُونَ - رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَيَتَعَنّتُونَهُ وَيَأْتُونَهُ بِاللّبْسِ لِيُلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ
فَكَانَ الْقُرْآنُ يَنْزِلُ فِيهِمْ فِيمَا يَسْأَلُونَ عَنْهُ إلّا قَلِيلًا
مِنْ الْمَسَائِلِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ كَانَ الْمُسْلِمُونَ
يَسْأَلُونَ عَنْهَا . مِنْ يَهُودِ بَنِي النّضِيرِ مِنْهُمْ حُيَيّ بْنُ
أَخْطَبَ ، وَأَخَوَاهُ أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ ، وَجُدَيّ بْنُ أَخْطَبَ [
ص 369 ] وَسَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي
الْحُقَيْقِ وَسَلّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ أَبُو رَافِعٍ الْأَعْوَرُ وَهُوَ
الّذِي قَتَلَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِخَيْبَرِ - وَالرّبِيعُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَعَمْرُو بْنُ
جَحّاشٍ ، وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَهُوَ مِنْ طَيّئٍ ثُمّ أَحَدُ بَنِي
نَبْهَانَ وَأُمّهُ مِنْ بَنِي النّضِيرِ وَالْحَجّاجُ بْنُ عَمْرٍو ، حَلِيفُ
كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَكَرْدَمُ بْنُ قَيْسٍ ، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ
الْأَشْرَفِ فَهَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي النّضِيرِ .
70. مِنْ يَهُودِ
بَنِي ثَعْلَبَةَ
71. وَمِنْ بَنِي
ثَعْلَبَةَ بْنِ الْفِطْيَوْنِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيَا الْأَعْوَرُ وَلَمْ
يَكُنْ بِالْحِجَازِ فِي زَمَانِهِ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِالتّوْرَاةِ مِنْهُ
وَابْنُ صَلُوبَا ، وَمُخَيْرِيقٌ ، وَكَانَ حَبْرُهُمْ أَسْلَمُ .
72. مِنْ يَهُودِ
بَنِي قَيْنُقَاعِ
73. وَمِنْ بَنِي
قَيْنُقَاعِ زَيْدُ بْنُ اللّصِيتِ - وَيُقَالُ ابْن اللّصَيْتِ - فِيمَا قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ - وَسَعْدُ بْنُ حُنَيْفٍ ، وَمَحْمُودُ بْنُ سَيْحَانَ ،
وَعُزَيْرُ بْنُ أَبِي عُزَيْرَ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ صَيْفٍ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَيُقَالُ ابْن ضَيْفٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسُوَيْدُ بْنُ
الْحَارِثِ ، وَرِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ ، وَفِنْحَاصُ وَأَشْيَعُ وَنُعْمَانُ
بْنُ أَضَا ، وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو ، وَشَأْسُ بْنُ عَدِيّ ، وَشَأْسُ بْنُ
قَيْسٍ ، وَزَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ وَنُعْمَانُ بْنُ عَمْرٍو ، وَسُكَيْنُ بْنُ
أَبِي سُكَيْنٍ ، وَعَدِيّ بْنُ زَيْدٍ ، وَنُعْمَانُ بْنُ أَبِي أَوْفَى ،
أَبُو أَنَسٍ وَمَحْمُودُ بْنُ دِحْيَةَ وَمَالِكُ بْنُ صَيْفٍ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَيُقَالُ ابْنُ ضَيْفٍ . [ ص 370 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَكَعْبُ بْنُ رَاشِدٍ وَعَازِرٌ وَرَافِعُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ ، وَخَالِدٌ
وَأَزَارُ بْنُ أَبِي أَزَارٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ آزَرُ بْنُ
آزَرَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَرَافِعُ
بْنُ حَارِثَةَ ، وَرَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ ، وَرَافِعُ بْنُ خَارِجَةَ ،
وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ وَعَبْدُ اللّهِ
بْنُ سَلَامِ بْنِ الْحَارِثِ وَكَانَ حَبْرَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ وَكَانَ
اسْمُهُ الْحُصَيْنُ فَلَمّا أَسْلَمَ سَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - عَبْدَ اللّهِ . فَهَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعِ
.
74. مِنْ يَهُودِ
بَنِي قُرَيْظَةَ
75. وَمِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ
: الزّبَيْرُ بْنُ بَاطَا بْنِ وَهْبٍ وَعَزّالُ بْنُ شَمْوِيلَ ، وَكَعْبُ بْنُ
أَسَدٍ ، وَهُوَ صَاحِبُ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ الّذِي نُقِضَ عَامَ
الْأَحْزَابِ ، وَشَمْوِيلُ بْنُ زَيْدٍ ، وَجَبَلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
سُكَيْنَةَ ، وَالنّحّامُ بْنُ زَيْدٍ ، وَقَرْدَمُ بْنُ كَعْبٍ ، وَوَهْبُ بْنُ
زَيْدٍ ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ ، وَأَبُو نَافِعٍ وَعَدِيّ بْنُ زَيْدٍ
، وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ ، وَكَرْدَمُ بْنُ زَيْدٍ وَأُسَامَةُ بْنُ حَبِيبٍ
، وَرَافِعُ بْنُ رُمَيْلَةَ وَجَبَلُ بْنُ أَبِي قُشَيْرٍ ، وَوَهْبُ بْنُ
يَهُوذَا ، فَهَؤُلَاءِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ .Sتَسْمِيَةُ الْيَهُودِ الّذِينَ نَزَلَ
فِيهِمْ الْقُرْآنُ
76. ذُكِرَ [ ص
368 ] أَخْطَبَ بِالْجِيمِ وَهُوَ أَخُو حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ ، وَأَمّا حُدَيّ
بِالْحَاءِ [ ص 369 ] فَذَكَرَهُ الدّارَقُطْنِيّ فِي نَسَبِ عُتَيْبَةَ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ شِهَابِ بْنِ حُدَيّ التّمِيمِيّ فَارِسُ الْعَرَبِ . وَذَكَرَ
عُزَيْرَ بْنَ أَبِي عُزَيْرَ وَأَلْفَيْت بِخَطّ الْحَافِظِ أَبِي بَحْرٍ فِي
هَذَا الْمَوْضِعِ يَقُولُ عُزَيْزُ بْنُ أَبِي عُزَيْزٍ بِزَايَيْنِ قَيّدْنَاهُ
فِي الْجُزْءِ قَبْلُ . وَذَكَرَ ثَعْلَبَةَ بْنَ الْفِطْيَوْنِ وَالْفِطْيَوْنُ
كَلِمَةٌ عِبْرَانِيّةٌ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنْ كُلّ مِنْ وَلِيّ أَمْرِ
الْيَهُودِ ، وَمَلِكِهِمْ كَمَا أَنّ النّجَاشِيّ عِبَارَةٌ عَنْ كُلّ مِنْ
مَلِكِ الْحَبَشَةِ ، وَخَاقَانَ مَلِكِ التّرْكِ ، وَقَدْ تَقَدّمَ مِنْ هَذَا
الْبَابِ جُمْلَةٌ . وَذُكِرَ
فِيهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيَا الْأَعْوَرُ وَكَانَ أَعْلَمُهُمْ
بِالتّوْرَاةِ ذَكَرَ النّقّاشُ أَنّهُ أَسْلَمَ لَمّا تَحَقّقَ مِنْ صِفَاتِ
مُحَمّدٍ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي التّوْرَاةِ ، وَأَنّهُ هُوَ
وَلَيْسَ فِي سِيرَةِ ابْنِ إسْحَاقَ ذِكْرُ إسْلَامِهِ .
77. مِنْ يَهُودِ
بَنِي زُرَيْقٍ
78. وَمِنْ يَهُودِ
بَنِي زُرَيْقٍ : لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ وَهُوَ الّذِي أَخَذَ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ نِسَائِهِ . [ ص 371 ] [ ص 372 ]
79. مِنْ يَهُودِ
بَنِي حَارِثَةَ
80. وَمِنْ
يَهُودِ بَنِي حَارِثَةَ : كِنَانَةُ بْنُ صُورِيَا .
81. مِنْ يَهُودِ
بَنِي عَمْرٍو
82. وَمِنْ
يَهُودِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : قَرْدَمُ بْنُ عَمْرٍو .
83. مِنْ يَهُودِ
بَنِي النّجّارِ
84. وَمِنْ
يَهُودِ بَنِي النّجّارِ : سِلْسِلَةُ بْن بَرْهَامٍ . [ ص 373 ] الْيَهُودِ ،
أَهْلُ الشّرُورِ وَالْعَدَاوَةِ لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - وَأَصْحَابِهِ وَأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةِ وَالنّصْبِ لِأَمْرِ
الْإِسْلَامِ الشّرُورَ لِيُطْفِئُوهُ إلّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
سَلَامٍ وَمُخَيْرِيقٍ .Sيَهُودُ
الْمَدِينَةِ
85. فَصْلٌ
86. وَقَوْلُهُ [
ص 370 ] يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ ، وَمِنْ يَهُودِ بَنِي حَارِثَةَ ، وَذَكَرَ
قَبَائِلَ مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَإِنّمَا الْيَهُودُ بَنُو إسْرَائِيلَ ،
وَجُمْلَةُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ بِالْمَدِينَةِ وَخَيْبَرَ إنّمَا هُمْ [ بَنُو
] قُرَيْظَةَ [ وَبَنُو ] النّضِيرِ وَبَنُو قَيْنُقَاعِ ، غَيْرَ أَنّ فِي
الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ مَنْ قَدْ تَهَوّدَ وَكَانَ مِنْ نِسَائِهِمْ مَنْ
تُنْذِرُ إذَا وَلَدَتْ إنْ عَاشَ وَلَدُهَا أَنْ تُهَوّدَهُ لِأَنّ الْيَهُودَ
عِنْدَهُمْ كَانُوا أَهْلَ عِلْمٍ وَكِتَابٍ وَفِي هَؤُلَاءِ الْأَبْنَاءِ
الّذِينَ تَهَوّدُوا نَزَلَتْ { لَا إِكْرَاهَ فِي الدّينِ } [ الْبَقَرَةُ 256
] حِينَ أَرَادَ آبَاؤُهُمْ إكْرَاهَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي أَحَدِ
الْأَقْوَالِ .
87. السّحْرُ
الْمَنْسُوبُ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
88. وَأَمّا
لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ الّذِي ذَكَرَهُ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ ،
وَقَالَ هُوَ الّذِي أَخَذَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ
نِسَائِهِ يَعْنِي مِنْ الْأُخْذَةِ وَهِيَ ضَرْبٌ مِنْ السّحْرِ . فِي
الْخَبَرِ أَنّ [ ص 371 ] الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمّدِ ابْنِ الْحَنَفِيّةِ ، كَانَ
مُؤْخَذًا عَنْ مَسْجِدِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَا
يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْخُلَهُ وَكَانَ لَبِيدٌ هَذَا قَدْ سَحَرَ رَسُولَ اللّهِ
- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعَلَ سِحْرَهُ فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ .
وَرُوِيَ مُشَاقَةٍ بِالْقَافِ وَهِيَ مُشَاقَةُ الْكَتّانِ وَجُفّ طَلْعَةٍ
ذَكَرٍ هِيَ فُحّالُ النّخْلِ وَهُوَ ذُكّارُهُ . وَالْجُفّ : غِلَافٌ
لِلطّلْعَةِ وَيَكُونُ لِغَيْرِهَا ، وَيُقَالُ لِلْجُفّ الْقِيقَاءُ وَتُصْنَعُ
مِنْهُ آنِيَةٌ يُقَالُ لَهَا : التّلَاتِلُ [ جَمْعُ : تَلْتَلَةٍ ] قَالَهُ أَبُو
حَنِيفَةَ وَدَفَنَهُ فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ
يَقُولُونَ ذَوْرَانُ تَحْتَ رَاعُوفَةِ الْبِئْرِ [ أَوْ أُرْعُوفَتِهَا ] ،
وَهِيَ صَخْرَةٌ فِي أَسْفَلِهِ يَقِفُ عَلَيْهَا الْمَائِحُ وَهَذَا الْحَدِيثُ
مَشْهُورٌ عِنْدَ النّاسِ ثَابِتٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ غَيْرَ أَنّي لَمْ
أَجِدْ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ كَمْ لَبِثَ - رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِذَلِكَ السّحْرِ حَتّى شُفِيَ مِنْهُ ثُمّ وَقَعْت عَلَى
الْبَيَانِ فِي جَامِعِ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ . رَوَى مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ
، قَالَ سُحِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَنَةً يُخَيّلُ
إلَيْهِ أَنّهُ يَفْعَلُ الْفِعْلَ وَهُوَ لَا يَفْعَلُهُ وَقَدْ طَعَنَتْ الْمُعْتَزِلَةُ
فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَطَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَقَالُوا : لَا
يَجُوزُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ أَنْ يُسْحَرُوا ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسْحَرُوا ،
لَجَازَ أَنْ يُجَنّوا . وَنَزَعَ بِقَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ { وَاللّهُ يَعْصِمُكَ
مِنَ النّاسِ } [ الْمَائِدَةُ 67 ] وَالْحَدِيثُ ثَابِتٌ خَرّجَهُ أَهْلُ الصّحِيحِ وَلَا
مَطْعَنَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ النّقْلِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ لِأَنّ
الْعِصْمَةَ إنّمَا وَجَبَتْ لَهُمْ فِي عُقُولِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ وَأَمّا
أَبْدَانُهُمْ فَإِنّهُمْ يُبْتَلَوْنَ فِيهَا ، وَيُخْلَصُ إلَيْهِمْ
بِالْجِرَاحَةِ وَالضّرْبِ وَالسّمُومِ وَالْقَتْلِ وَالْأُخْذَةُ الّتِي
أُخِذَهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ هَذَا
الْفَنّ إنّمَا كَانَتْ فِي بَعْضِ جَوَارِحِهِ دُونَ بَعْضٍ . أَمّا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ
{ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ } فَإِنّهُ قَدْ رُوِيَ أَنّهُ كَانَ
يَحْرُسُ فِي الْغَزْوِ حَتّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَأَمَرَ حُرّاسَهُ أَنْ
يَنْصَرِفُوا عَنْهُ وَقَالَ لَا حَاجَةَ لِي بِكُمْ فَقَدْ عَصَمَنِي اللّهُ
مِنْ النّاسِ أَوْ كَمَا قَالَ [ ص 372 ]
89. فِقْهُ
حَدِيثِ السّحْرِ
90. وَأَمّا مَا
فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ فَإِنّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُ هَلّا تَنَشّرْت ، فَقَالَ
أَمّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللّهُ وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النّاسِ
شَرّا وَهُوَ حَدِيثٌ مُشْكِلٌ فِي ظَاهِرِهِ وَإِنّمَا جَاءَ الْإِشْكَالُ
فِيهِ مِنْ قِبَلِ الرّوَاةِ فَإِنّهُمْ جَعَلُوا جَوَابَيْنِ لِكَلَامَيْنِ
كَلَامًا وَاحِدًا ، وَذَلِكَ أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَهُ أَيْضًا : هَلّا
اسْتَخْرَجْته ، أَيْ هَلّا اسْتَخْرَجْت السّحْرَ مِنْ الْجُفّ وَالْمُشَاطَةِ
حَتّى يُنْظَرَ إلَيْهِ فَلِذَلِكَ قَالَ وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النّاسِ
شَرّا ، قَالَ ابْنُ بَطّالٍ : كَرِهَ أَنْ يُخْرِجَهُ . فَيَتَعَلّمُ مِنْهُ
بَعْضُ النّاسِ فَذَلِكَ هُوَ الشّرّ الّذِي كَرِهَهُ . قَالَ الْمُؤَلّفُ وَيَجُوزُ
أَنْ يَكُونَ الشّرّ غَيْرَ هَذَا ، وَذَلِكَ أَنّ السّاحِرَ كَانَ مِنْ بَنِي
زُرَيْقٍ فَلَوْ أَظْهَرَ سِحْرَهُ لِلنّاسِ وَأَرَاهُمْ إيّاهُ لَأَوْشَكَ أَنْ
يُرِيدَ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتْلَهُ وَيَتَعَصّبَ لَهُ آخَرُونَ
مِنْ عَشِيرَتِهِ فَيَثُورُ شَرّ كَمَا ثَارَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ مِنْ الشّرّ
مَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ . وَقَوْلُ عَائِشَةَ هَلّا اسْتَخْرَجْته هُوَ فِي
حَدِيثَيْنِ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيّ جَمِيعًا ، وَأَمّا جَوَابُهُ لَهَا فِي
حَدِيثِ هَلّا تَنَشّرْت : بِقَوْلِهِ أَمّا أَنَا فَقَدْ شَفَانِي اللّهُ
وَجَوَابُهُ لَهَا حِينَ قَالَتْ هَلّا اسْتَخْرَجْته بِأَنْ قَالَ أَكْرَهُ
أَنْ أُثِيرَ عَلَى النّاسِ شَرّا ، فَلَمّا جَمَعَ الرّاوِي بَيْنَ الْجَوَابَيْنِ
فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ اسْتَغْلَقَ الْكَلَامُ وَإِذَا نَظَرْت الْأَحَادِيثَ
مُتَفَرّقَةً تَبَيّنْت ، وَعَلَى هَذَا النّحْوِ شَرَحَ هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ
بَطّالٍ . وَأَمّا الْفِقْهُ الّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ فَهُوَ إبَاحَةُ
النّشْرَةِ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ هَلّا تَنَشّرْت ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا
قَوْلَهَا . [ ص 373 ] وَذَكَرَ الْبُخَارِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ
أَنّهُ سُئِلَ عَنْ النّشْرَةِ لِلّذِي يُؤْخَذُ عَنْ أَهْلِهِ فَقَالَ لَا
بَأْسَ لَمْ يُنْهَ عَنْ الصّلَاحِ إنّمَا نُهِيَ عَنْ الْفَسَادِ وَمَنْ
اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ وَمِنْ النّاسِ مَنْ كَرِهَ
النّشْرَةَ عَلَى الْعُمُومِ وَنَزَعَ بِحَدِيثِ خَرّجَهُ أَبُو دَاوُدَ
مَرْفُوعًا : أَنّ النّشْرَةَ مِنْ عَمَلِ الشّيْطَانِ وَهَذَا - وَاَللّهُ
أَعْلَمُ - فِي النّشْرَةِ الّتِي فِيهَا الْخَوَاتِمُ وَالْعَزَائِمُ وَمَا لَا
يُفْهَمُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْعَجَمِيّةِ وَلَوْلَا الْإِطَالَةُ الْمُخْرِجَةُ
لَنَا عَنْ غَرَضِنَا لَقَدّرْنَا الرّخْصَةَ بِالْآثَارِ وَهَذَا الْقَدْرُ
كَافٍ وَاَللّهُ الْمُسْتَعَانُ . وَكَانَتْ عُقَدُ السّحْرِ أَحَدَ عَشَرَ
عُقْدَةً فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى الْمُعَوّذَتَيْنِ أَحَدَ عَشَرَ آيَةً
فَانْحَلّتْ بِكُلّ آيَةٍ عُقْدَةٌ قَالَ تَعَالَى : { وَمِنْ شَرّ النّفّاثَاتِ فِي
الْعُقَدِ } وَلَمْ يَقُلْ النّفّاثِينَ وَإِنّمَا كَانَ الّذِي سَحَرَهُ
رَجُلًا وَالْجَوَابُ أَنّ الْحَدِيثَ قَدْ رَوَاهُ إسْمَاعِيلُ الْقَاضِي ،
وَزَادَ فِي رِوَايَتِهِ أَنّ زَيْنَبَ الْيَهُودِيّةَ أَعَانَتْ لَبِيدَ بْنَ
الْأَعْصَمِ عَلَى ذَلِكَ السّحْرِ مَعَ أَنّ الْأُخْذَةَ فِي الْغَالِبِ مِنْ
عَمَلِ النّسَاءِ وَكَيْدِهِنّ .
91. إسْلَامُ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ
92. قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ ، كَمَا حَدّثَنِي
بَعْضُ أَهْلِهِ عَنْهُ . وَعَنْ إسْلَامِهِ حِينَ أَسْلَمَ ، وَكَانَ حَبْرًا
عَالِمًا ، قَالَ لَمّا سَمِعْت بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَرَفْت صِفَتَهُ وَاسْمَهُ وَزَمَانَهُ الّذِي كُنّا نَتَوَكّفُ لَهُ
فَكُنْت مُسِرّا لِذَلِكَ صَامِتًا عَلَيْهِ حَتّى قَدِمَ [ ص 374 ] صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَلَمّا نَزَلَ بِقُبَاءٍ فِي بَنِي
عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، أَقْبَلَ رَجُلٌ حَتّى أَخْبَرَ بِقُدُومِهِ وَأَنَا فِي
رَأْسِ نَخْلَةٍ لِي أَعْمَلُ فِيهَا ، وَعَمّتِي خَالِدَةُ بْنَةُ الْحَارِثِ
تَحْتِي جَالِسَةٌ فَلَمّا سَمِعْت الْخَبَرَ بِقُدُومِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَبّرْت ، فَقَالَتْ لِي عَمّتِي ، حِينَ سَمِعَتْ تَكْبِيرِي
: خَيّبَك اللّهُ وَاَللّهِ لَوْ كُنْت سَمِعْت بِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ
قَادِمًا مَا زِدْت ، قَالَ فَقُلْت لَهَا : أَيْ عَمّةَ هُوَ وَاَللّهِ أَخُو
مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ وَعَلَى دِينِهِ بُعِثَ بِمَا بُعِثَ بِهِ . قَالَتْ أَيْ
ابْنَ أَخِي ، أَهُوَ النّبِيّ الّذِي كُنّا نُخْبَرُ أَنّهُ يُبْعَثُ مَعَ
نَفَسِ السّاعَةِ ؟ قَالَ فَقُلْت لَهَا : نَعَمْ . قَالَ فَقَالَتْ فَذَاكَ
إذًا . قَالَ ثُمّ خَرَجْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَأَسْلَمْت ، ثُمّ رَجَعْت إلَى أَهْلِ بَيْتِي ، فَأَمَرْتهمْ فَأَسْلَمُوا .
قَالَ وَكَتَمْت إسْلَامِي مِنْ يَهُودَ ثُمّ جِئْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْت لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ يَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ وَإِنّي
أُحِبّ أَنْ تُدْخِلَنِي فِي بَعْضِ بُيُوتِك ، وَتُغَيّبُنِي عَنْهُمْ ثُمّ
تَسْأَلُهُمْ عَنّي ، حَتّى يُخْبِرُوك كَيْفَ أَنَا فِيهِمْ قَبْلَ أَنْ
يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي ، فَإِنّهُمْ إنْ عَلِمُوا بِهِ بَهَتُونِي وَعَابُونِي
. قَالَ فَأَدْخَلَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي
بَعْضِ بُيُوتِهِ وَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَكَلّمُوهُ . [ ص 375 ] قَالَ لَهُمْ أَيّ رَجُلٍ
الْحُصَيْنُ بْنُ سَلَامٍ فِيكُمْ ؟ قَالُوا : سَيّدُنَا وَابْنُ سَيّدِنَا ،
وَحَبْرُنَا وَعَالِمُنَا . قَالَ فَلَمّا فَرَغُوا مِنْ قَوْلِهِمْ خَرَجْت
عَلَيْهِمْ فَقُلْت لَهُمْ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتّقُوا اللّهَ وَاقْبَلُوا مَا
جَاءَكُمْ بِهِ فَوَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ إنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ
تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ
فَإِنّي أَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَأُومِنُ بِهِ وَأُصَدّقُهُ وَأَعْرِفُهُ فَقَالُوا : كَذَبْت ثُمّ وَقَعُوا
بِي ، قَالَ فَقُلْت لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَمْ أُخْبِرْك
يَا رَسُولَ اللّهِ أَنّهُمْ قَوْمٌ بُهُتٌ أَهْلُ غَدْرٍ وَكَذِبٍ وَفُجُورٍ
قَالَ فَأَظْهَرْت إسْلَامِي وَإِسْلَامَ أَهْلِ بَيْتِي ، وَأَسْلَمَتْ عَمّتِي
خَالِدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فَحَسُنَ إسْلَامُهَا .Sإسْلَامُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ
93. سَلَامٌ هُوَ بِتَخْفِيفِ
اللّامِ وَلَا يُوجَدُ مَنْ اسْمُهُ سَلَامٌ بِالتّخْفِيفِ فِي الْمُسْلِمِينَ
لِأَنّ السّلَامَ مِنْ أَسْمَاءِ اللّهِ فَيُقَالُ عَبْدُ السّلَامِ وَيُقَالُ
سَلّامٌ بِالتّشْدِيدِ وَهُوَ كَثِيرٌ وَإِنّمَا سَلَامٌ بِالتّخْفِيفِ فِي
الْيَهُودِ ، وَهُوَ وَالِدُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ مِنْهُمْ . [ ص 374 ]
ذَكَرَ فِيهِ قَوْلَ عَمّتِهِ خَالِدَةَ أَهُوَ النّبِيّ الّذِي كُنّا نُخْبَرُ
أَنّهُ يُبْعَثُ مَعَ نَفَسِ السّاعَةِ وَهَذَا الْكَلَامُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ
عَلَيْهِ السّلَامُ إنّي لَأَجِدُ نَفَسَ السّاعَةِ بَيْنَ كَتِفِي وَفِي
مَعْنَى قَوْلِهِ { نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } [ سَبَأٌ :
46 ] وَمَنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْ طَالِبِهِ فَنَفَسُ الطّالِبِ بَيْنَ
كَتِفَيْهِ وَكَأَنّ النّفَسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِبَارَةٌ عَنْ الْفِتَنِ الْمُؤْذِنَةِ
بِقِيَامِ السّاعَةِ وَكَانَ بَدْؤُهَا حِينَ وَلّى أُمّتَهُ ظَهْرَهُ خَارِجًا
مِنْ بَيْنِ ظَهْرَانِيهِمْ إلَى اللّهِ تَعَالَى ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ فِي
حَدِيثٍ آخَرَ وَأَنَا أَمَانٌ لِأُمّتِي ، فَإِذَا ذَهَبْت أَتَى أُمّتِي مَا
يُوعَدُون فَكَانَتْ بَعْدَهُ الْفِتْنَةُ ثُمّ الْهَرْجُ الْمُتّصِلُ بِيَوْمِ
الْقِيَامَةِ وَنَحْوٌ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ " بُعِثْت
أَنَا وَالسّاعَةُ كَهَاتَيْنِ " ، يَعْنِي السّبّابَةَ وَالْوُسْطَى ،
وَهُوَ حَدِيثٌ يَرْوِيهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، وَابْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ
أَبِيهِ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ ، وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ
وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ كُلّهُمْ عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ سَبَقْتهَا بِمَا سَبَقَتْ هَذِهِ هَذِهِ
يَعْنِي : الْوُسْطَى وَالسّبّابَةَ وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ إنْ
كَادَتْ لَتَسْبِقُنِي . وَرَوَاهُ أَيْضًا : أَبُو جُبَيْرَةَ فَقَالَ قَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " جِئْت أَنَا وَالسّاعَةُ كَهَاتَيْنِ سَبَقْتهَا كَمَا
سَبَقَتْ هَذِهِ هَذِهِ فِي نَفَسٍ مِنْ السّاعَةِ أَوْ فِي نَفَسِ السّاعَةِ
" ، خَرّجَهَا الطّبَرِيّ بِجَمِيعِ أَسَانِيدِهَا ، وَبَعْضُهَا فِي
الصّحِيحَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا زِيَادَةٌ عَلَى بَعْضٍ . [ ص 375 ] ذَكَرَ
إسْلَامَهَا ، وَهِيَ مِمّا أَغْفَلَهُ أَبُو عُمَرَ فِي كِتَابِ الصّحَابَةِ
وَقَدْ اسْتَدْرَكْنَاهَا عَلَيْهِ فِي جُمْلَةِ الِاسْتِدْرَاكَاتِ الّتِي أَلْحَقْنَاهَا
بِكِتَابِهِ .
94. حَدِيثُ
مُخَيْرِيقٍ
95. قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ مُخَيْرِيقٍ ، وَكَانَ حَبْرًا عَالِمًا ،
وَكَانَ رَجُلًا غَنِيّا كَثِيرَ الْأَمْوَالِ مِنْ النّخْلِ وَكَانَ يَعْرِفُ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِصِفَتِهِ وَمَا يَجِدُ فِي
عِلْمِهِ وَغَلَبَ عَلَيْهِ إلْفُ دِينِهِ فَلَمْ يَزَلْ عَلَى ذَلِكَ حَتّى
إذَا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ ، وَكَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ السّبْتِ ، قَالَ يَا
مَعْشَرَ يَهُودَ وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّ نَصْرَ مُحَمّدٍ
عَلَيْكُمْ لَحَقّ . قَالُوا : إنّ الْيَوْمَ يَوْمُ السّبْتِ قَالَ لَا سَبْتَ لَكُمْ .
ثُمّ أَخَذَ سِلَاحَهُ فَخَرَجَ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأُحُدٍ وَعَهِدَ إلَى مَنْ وَرَاءَهُ مِنْ قَوْمِهِ إنْ
قُتِلْت هَذَا الْيَوْمَ فَأَمْوَالِي لِمُحَمّدِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
- يَصْنَعُ فِيهَا مَا أَرَاهُ اللّهُ . فَلَمّا [ ص 376 ] فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي
- يَقُولُ " مُخَيْرِيقٌ خَيْرُ يَهُودَ " . وَقَبَضَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمْوَالَهُ فَعَامّةُ صَدَقَاتِ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ مِنْهَاSوَذَكَرَ حَدِيثَ مُخَيْرِيقٍ ، وَقَالَ فِيهِ مُخَيْرِيقٌ
خَيْرُ يَهُودَ ، وَمُخَيْرِيقٌ مُسْلِمٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي
مُسْلِمٍ هُوَ خَيْرُ النّصَارَى ، وَلَا خَيْرَ الْيَهُودِ ، لِأَنّ أَفْعَلَ
مِنْ كَذَا إذَا أُضِيفَ فَهُوَ بَعْضِ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ . فَإِنْ قِيلَ وَكَيْفَ
جَازَ هَذَا ؟ قُلْنَا : لِأَنّهُ قَالَ خَيْرُ يَهُودَ وَلَمْ يَقُلْ خَيْرُ
الْيَهُودِ ، وَيَهُودُ اسْمُ عَلَمٍ كَثَمُودَ يُقَالُ إنّهُمْ نَسَبُوا إلَى
يَهُودَ بْنِ يَعْقُوبَ ثُمّ عُرّبَتْ الذّالُ دَالًا ، فَإِذَا قُلْت :
الْيَهُودُ بِالْأَلِفِ وَاللّامِ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ النّسَبَ وَالدّينَ
الّذِي هُوَ الْيَهُودِيّةُ أَمّا النّسَبُ فَعَلَى حَدّ قَوْلِهِمْ التّيْمُ
فِي التّيْمِيّينَ ، وَأَمّا الدّينُ فَعَلَى حَدّ قَوْلِك : النّصَارَى
وَالْمَجُوسُ أَعْنِي : أَنّهَا صِفَةٌ لَا أَنّهَا نَسَبٌ إلَى أَب . وَفِي
الْقُرْآنِ لَفْظٌ ثَالِثٌ لَا يُتَصَوّرُ فِيهِ [ ص 376 ] دُونَ النّسَبِ
وَهُوَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ { وَقَالُوا
كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى } [ الْبَقَرَةُ 135 ] . بِحَذْفِ الْيَاءِ وَلَمْ
يَقُلْ كُونُوا يَهُودَ لِأَنّهُ أَرَادَ التّهَوّدَ وَهُوَ التّدَيّنُ
بِدِينِهِمْ وَلَوْ قَالَ كُونُوا يَهُودًا بِالتّدَيّنِ لَجَازَ أَيْضًا عَلَى
أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدّمَيْنِ وَلَوْ قِيلَ لِقَوْمِ مِنْ الْعَرَبِ :
كُونُوا يَهُودَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ . لَكَانَ
مُحَالًا ، لِأَنّ تَبْدِيلَ النّسَبِ حَقِيقَةً مُحَالٌ وَقَدْ قِيلَ فِي هُودٍ
: جَمْعُ هَائِدٍ وَهُوَ فِي مَعْنَى مَا قُلْنَاهُ فَلْتَعْرِفْ الْفَرَقَ
بَيْنَ قَوْلِك هُودًا بِغَيْرِ يَاءٍ وَيَهُودًا بِالْيَاءِ وَالتّنْوِينِ
وَيَهُودَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ فَإِنّهَا تَفْرِقَةٌ حَسَنَةٌ صَحِيحَةٌ
وَاَللّهُ أَعْلَمُ وَلَمْ يُسْلِمْ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا اثْنَانِ . وَقَدْ جَاءَ فِي
الْحَدِيثِ لَوْ اتّبَعَنِي عَشْرَةٌ مِنْ الْيَهُودِ لَمْ يَبْقَ فِي الْأَرْضِ
يَهُودِيّ إلّا اتّبَعَنِي رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ . وَسَمِعَ كَعْبُ
الْأَحْبَارِ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدّثُ فَقَالَ لَهُ إنّمَا الْحَدِيثُ اثْنَا
عَشَرَ مِنْ الْيَهُودِ وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ { وَبَعَثْنَا
مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا } فَسَكَتَ أَبُو هُرَيْرَةَ . قَالَ ابْنُ سِيرِينَ
: أَبُو هُرَيْرَةَ أَصْدَقُ مِنْ كَعْبٍ . قَالَ يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ
كِلَاهُمَا : ( صَدَقَ ) ؛ لِأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إنّمَا أَرَادَ لَوْ اتّبَعَنِي عَشْرَةٌ مِنْ الْيَهُودِ بَعْدَ
هَذَيْنِ اللّذَيْنِ قَدْ أَسْلَمَا .
96. شَهَادَةً
عَنْ صَفِيّةَ
97. قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ حُدّثْت عَنْ صَفِيّةَ بِنْتِ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ
أَنّهَا قَالَتْ كُنْت أَحَبّ وَلَدِ أَبِي إلَيْهِ وَإِلَى عَمّي أَبِي يَاسِرٍ
لَمْ أَلْقَهُمَا قَطّ مَعَ وَلَدٍ لَهُمَا إلّا أَخَذَانِي دُونَهُ . قَالَتْ
فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ،
وَنَزَلَ قُبَاءً ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ غَدَا عَلَيْهِ أَبِي ،
حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، وَعَمّي : أَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ ، مُغَلّسِينَ .
قَالَتْ فَلَمْ يَرْجِعَا حَتّى كَانَا مَعَ غُرُوبِ الشّمْسِ . قَالَتْ
فَأَتَيَا كَالّيْنِ كَسْلَانَيْنِ سَاقِطَيْنِ يَمْشِيَانِ الْهُوَيْنَى .
قَالَتْ فَهَشَشْت إلَيْهِمَا كَمَا كُنْت أَصْنَعُ فَوَاَللّهِ مَا الْتَفَتَ إلَيّ
وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، مَعَ مَا بِهِمَا مِنْ الْغَمّ . قَالَتْ وَسَمِعْت عَمّي
أَبَا يَاسِرٍ وَهُوَ يَقُولُ لِأَبِي : حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ : أَهُوَ هُوَ ؟
قَالَ نَعَمْ وَاَللّهِ قَالَ أَتَعْرِفُهُ وَتُثْبِتُهُ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ
فَمَا فِي نَفْسِك مِنْهُ ؟ قَالَ عَدَاوَتُهُ وَاَللّهِ مَا بَقِيت
98. مَنْ
اجْتَمَعَ إلَى يَهُودَ مِنْ مُنَافِقِي الْأَنْصَارِ
99. مُنَافِقُو
بَنِي عَمْرٍو
100.
[
ص 377 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّنْ
انْضَافَ إلَى يَهُودَ مِمّنْ سُمّيَ لَنَا مِنْ الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْأَوْسِ
وَالْخَزْرَجِ ، وَاَللّهُ أَعْلَمُ . مِنْ الْأَوْسِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَمْرِو
بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ ؛ ثُمّ مِنْ بَنِي لَوْذَان بْنِ عَمْرِو
بْنِ عَوْفٍ زُوَيّ بْنُ الْحَارِثِ .
101.
مُنَافِقُو حَبِيبٍ
102.
وَمِنْ بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ جُلَاسُ بْنُ
سُوَيْدِ بْنِ الصّامِتِ ، وَأَخُوهُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ .
103.
مِنْ نِفَاقِ جُلَاسٍ
104.
وَجُلَاسٌ الّذِي قَالَ - وَكَانَ مِمّنْ تَخَلّفَ عَنْ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ - لَئِنْ
كَانَ هَذَا الرّجُلُ صَادِقًا لَنَحْنُ شَرّ مِنْ الْحُمُرِ . فَرُفِعَ ذَلِكَ
مِنْ قَوْلِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عُمَيْرُ بْنُ
سَعْدٍ ، أَحَدُهُمْ وَكَانَ فِي حِجْرِ جُلَاسٍ خَلَفَ جُلَاسٌ عَلَى أُمّهِ
بَعْدَ أَبِيهِ فَقَالَ لَهُ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ : وَاَللّهِ يَا جُلَاسُ إنّك
لَأَحَبّ النّاسِ إلَيّ وَأَحْسَنُهُمْ عِنْدِي يَدًا ، وَأَعَزّهُمْ عَلَيّ
أَنْ يُصِيبَهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ وَلَقَدْ قُلْت مَقَالَةً لَئِنْ رَفَعْتهَا
عَلَيْك لَأَفْضَحَنّكَ وَلَئِنْ صَمَتّ عَلَيْهَا لَيَهْلِكَنّ دِينِي ،
وَلَإِحْدَاهُمَا أَيْسَرُ عَلَيّ مِنْ الْأُخْرَى . ثُمّ مَشَى إلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرَ لَهُ مَا قَالَ جُلَاسٌ
فَحَلَفَ جُلَاسٌ بِاَللّهِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
لَقَدْ كَذَبَ عَلَيّ عُمَيْرٌ وَمَا قُلْت مَا قَالَ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ .
فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ { يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا
وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمّوا
بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ
مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلّوْا يُعَذّبْهُمُ
اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي
الْأَرْضِ مِنْ وَلِيّ وَلَا نَصِيرٍ } [ التّوْبَةُ 74 ] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَلِيمُ
الْمُوجِعُ . قَالَ ذُو الرّمّةِ يَصِفُ إبِلًا :
105.
وَتَرْفَعُ مِنْ صُدُورِ شَمَرْدَلَات
106.
يَصُكّ وُجُوهَهَا وَهَجٌ أَلِيمُ
107.
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . [ ص 378 ] قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَزَعَمُوا أَنّهُ تَابَ فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ حَتّى عُرِفَ
مِنْهُ الْخَيْرُ وَالْإِسْلَامُ .
108.
ارْتِدَادُ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ وَغَدْرُهُ
109.
وَأَخُوهُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ ، الّذِي قَتَلَ
الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ وَقَيْسَ بْنَ زَيْدٍ أَحَدَ بَنِي
ضُبَيْعَةَ يَوْمَ أُحُدٍ . خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مُنَافِقًا ،
فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ عَدَا عَلَيْهِمَا ، فَقَتَلَهُمَا ثُمّ لَحِقَ بِقُرَيْشِ
. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ قَتَلَ سُوَيْدَ بْنَ
صَامِتٍ فِي بَعْضِ الْحُرُوبِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ
فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ طَلَبَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ غُرّةَ
الْمُجَذّرِ بْنِ ذِيَادٍ لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ فَقَتَلَهُ وَحْدَهُ وَسَمِعْت
غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ وَالدّلِيلُ عَلَى أَنّهُ لَمْ
يَقْتُلْ قَيْسَ بْنَ زَيْدٍ أَنّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي قَتْلَى
أُحُدٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَتَلَ سُوَيْدَ بْنَ صَامِتٍ مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ
غِيلَةً فِي غَيْرِ حَرْبٍ رَمَاهُ بِسَهْمِ فَقَتَلَهُ قَبْلَ يَوْمِ بُعَاثٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
- فِيمَا يَذْكُرُونَ - قَدْ أَمَرَ عُمَرَ بْنَ
الْخَطّابِ بِقَتْلِهِ إنْ هُوَ ظَفِرَ بِهِ فَفَاتَهُ فَكَانَ بِمَكّةَ ثُمّ
بَعَثَ إلَى أَخِيهِ جُلَاسٍ يَطْلُبُ التّوْبَةَ لِيَرْجِعَ إلَى قَوْمِهِ .
فَأَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ - فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ ابْنِ
عَبّاسٍ - { كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا
كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنّ الرّسُولَ حَقّ وَجَاءَهُمُ
الْبَيّنَاتُ وَاللّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ } [ آلُ عِمْرَانَ :
86 ] إلَى آخِرِ الْقِصّةِ .Sذَكَرَ
الْمُنَافِقِينَ
110.
فَصْلٌ
111.
[
ص 377 ] وَذَكَرَ تَبْتَلًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ
قَالَ وَكَانَ أَدْلَمَ وَالْأَدْلَمُ الْأَسْوَدُ الطّوِيلُ مِنْ كُلّ شَيْءٍ .
وَقِيلَ لِجَمَاعَةِ النّمْلِ دَيْلَمٌ لِسَوَادِهِمْ مِنْ كِتَابِ الْعَيْنِ .
[ ص 378 ] وَذَكَرَ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدٍ ، وَقَتْلَهُ لِلْمُجَذّرِ بْنِ
ذِيَادٍ . وَاسْمُ الْمُجَذّرِ عَبْدُ اللّهِ
وَالْمُجَذّرُ الْغَلِيظُ الْخُلُقِ . وَذَكَرَ أَنّ
اللّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ فِي الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ وَارْتِدَادِهِ { كَيْفَ
يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ } [ آلُ عِمْرَانَ : 86 ]
فَقِيلَ إنّ هَذِهِ الْآيَةَ مَقْصُورَةٌ عَلَى سَبَبِهَا مَخْصُوصَةٌ بِمَنْ
سَبَقَ فِي عِلْمِ اللّهِ أَنّهُ لَا يَهْدِيهِ مِنْ كُفْرِهِ وَلَا يَتُوبُ
عَلَيْهِ مِنْ ظُلْمِهِ وَإِلّا فَالتّوْبَةُ مَفْرُوضَةٌ وَقَدْ تَابَ قَوْمٌ
بَعْدَ ارْتِدَادِهِمْ فَقُبِلَتْ تَوْبَتُهُمْ . وَقِيلَ لَيْسَ فِيهَا نَفْيٌ لِقَبُولِ
التّوْبَةِ فَإِنّهُ قَالَ كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَهْدِي
اللّهُ عَلَى أَنّهُ قَدْ قَالَ فِي آخِرِهَا : { وَاللّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظّالِمِينَ } وَذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى الْخُصُوصِ كَمَا قَدّمْنَا
أَوْ إلَى مَعْنَى الْهِدَايَةِ فِي الظّلْمَةِ الّتِي [ ص 379
] الْقِيَامَةِ فَإِنّ ذَلِكَ مُنْتَفٍ عَمّنْ مَاتَ
غَيْرَ تَائِبٍ مِنْ كُفْرِهِ وَظُلْمِهِ . وَاَللّهُ أَعْلَمُ . [ ص 380
]
112.
مُنَافِقُو بَنِي ضُبَيْعَةَ
113.
[
ص 379 ] بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِجَادُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرٍ
.
114.
مُنَافِقُو بَنِي لَوْذَان
115.
وَمِنْ بَنِي لَوْذَان بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ نَبْتَلُ
بْنُ الْحَارِثِ وَهُوَ الّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي : مَنْ أَحَبّ أَنْ يَنْظُرَ إلَى
الشّيْطَانِ فَلْيَنْظُرْ إلَى نَبْتَلِ بْنِ الْحَارِثِ وَكَانَ رَجُلًا
جَسِيمًا أَدْلَمَ ثَائِرَ شَعْرِ الرّأْسِ أَحْمَرَ الْعَيْنَيْنِ أَسْفَعَ الْخَدّيْنِ
وَكَانَ يَأْتِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَحَدّثُ
إلَيْهِ فَيَسْمَعُ مِنْهُ ثُمّ يَنْقُلُ حَدِيثَهُ إلَى الْمُنَافِقِينَ وَهُوَ
الّذِي قَالَ إنّمَا مُحَمّدٌ أُذُنٌ مَنْ حَدّثَهُ شَيْئًا صَدّقَهُ .
فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ { وَمِنْهُمُ
الّذِينَ يُؤْذُونَ النّبِيّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قل أذن خير لكم يُؤْمِنُ
بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ
وَالّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ التّوْبَةُ 61
] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ رِجَالِ بَلْعَجْلَانَ أَنّهُ
حُدّثَ أَنّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ إنّهُ يَجْلِسُ إلَيْك رَجُلٌ أَدْلَمُ ثَائِرُ شَعْرِ
الرّأْسِ أَسْفَعُ الْخَدّيْنِ أَحْمَرُ الْعَيْنَيْنِ كَأَنّهُمَا قِدْرَانِ
مِنْ صُفْرٍ كَبِدُهُ أَغْلَظُ مِنْ كَبِدِ الْحِمَارِ يَنْقُلُ حَدِيثَك إلَى الْمُنَافِقِينَ
فَاحْذَرْهُ . وَكَانَتْ تِلْكَ صِفَةَ نَبْتَلِ بْنِ الْحَارِثِ فِيمَا
يَذْكُرُونَ .
116.
مُنَافِقُو بَنِي ضُبَيْعَةَ
117.
وَمِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ أَبُو حَبِيبَةَ بْنُ الْأَزْعَرِ
وَكَانَ مِمّنْ بَنَى مَسْجِدَ الضّرَارِ ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ ،
وَمُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ، وَهُمَا اللّذَانِ عَاهَدَا اللّهَ لَئِنْ آتَانَا
مِنْ فَضْلِهِ لَنَصّدّقَنّ وَلَنَكُونَنّ [ ص 380 ] قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ : لَوْ
كَانَ لَنَا مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا . فَأَنْزَلَ اللّهُ
تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ { وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ
يَظُنّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا
مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنّ الْأَمْرَ كُلّهُ لِلّهِ يُخْفُونَ فِي
أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ
الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } [ آلُ عِمْرَانَ : 154 ] إلَى آخِرِ
الْقِصّةِ . وَهُوَ الّذِي قَالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ : كَانَ مُحَمّدٌ
يَعِدُنَا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَأَحَدُنَا لَا يَأْمَنُ
أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْغَائِطِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ { وَإِذْ
يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا
اللّهُ وَرَسُولُهُ إِلّا غُرُورًا } وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ
.
118.
مُعَتّبٌ وَابْنَا حَاطِبٍ بَدْرِيّونَ وَلَيْسُوا
مُنَافِقِينَ
119.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ،
وَثَعْلَبَةُ وَالْحَارِثُ ابْنَا حَاطِبٍ وَهُمْ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ
زَيْدٍ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَلَيْسُوا مِنْ الْمُنَافِقِينَ فِيمَا ذَكَرَ لِي
مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ نُسِبَ ابْنَا إسْحَاقَ ثَعْلَبَةُ
وَالْحَارِثُ فِي بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ فِي أَسْمَاءِ أَهْلِ بَدْرٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبّادُ بْنُ حُنَيْفٍ أَخُو سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ؛
وَيُخَرّجُ وَهُمْ مِمّنْ كَانَ بَنَى مَسْجِدَ الضّرَارِ ، وَعَمْرُو بْن
خِذَامٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ نَبْتَلٍ . [ ص 381 ]
120.
مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ
121.
وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ جَارِيَةُ
بْنُ عَامِرِ بْنِ الْعَطّافِ وَابْنَاهُ زَيْدٌ وَمُجَمّعٌ ابْنَا جَارِيَةَ
وَهُمْ مِمّنْ اتّخَذَ مَسْجِدَ الضّرَارِ . وَكَانَ مُجَمّعٌ غُلَامًا حَدَثًا
قَدْ جَمَعَ مِنْ الْقُرْآنِ أَكْثَرَهُ وَكَانَ يُصَلّي بِهِمْ فِيهِ ثُمّ
إنّهُ لَمّا أُخْرِبَ الْمَسْجِدُ وَذَهَبَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ كَانُوا يُصَلّونَ بِبَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فِي مَسْجِدِهِمْ وَكَانَ
زَمَانَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، كُلّهُمْ فِي مُجَمّعٍ لِيُصَلّيَ بِهِمْ فَقَالَ
لَا ، أَوَلَيْسَ بِإِمَامِ الْمُنَافِقِينَ فِي مَسْجِدِ الضّرَارِ ؟ فَقَالَ
لِعُمَرِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَاَللّهِ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ مَا
عَلِمْت بِشَيْءِ مِنْ أَمْرِهِمْ وَلَكِنّي كُنْت غُلَامًا قَارِئًا لِلْقُرْآنِ
وَكَانُوا لَا قُرْآنَ مَعَهُمْ فَقَدّمُونِي أُصَلّي بِهِمْ وَمَا أَرَى
أَمْرَهُمْ إلّا عَلَى أَحْسَنِ مَا ذَكَرُوا فَزَعَمُوا أَنّ عُمَرَ تَرَكَهُ
فَصَلّى بِقَوْمِهِ .
122.
مِنْ بَنِي أُمَيّةَ
123.
وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ وَدِيعَةُ
بْنُ ثَابِتٍ ، وَهُوَ مِمّنْ بَنَى مَسْجِدَ الضّرَارِ ، [ ص 381 ] قَالَ
إنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : {
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إِنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ
وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ } [ الْمَائِدَةُ 65 ] . إلَى آخِرِ
الْقِصّةِ .
124.
مِنْ بَنِي عُبَيْدٍ
125.
وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ خِذَامُ
بْنُ خَالِدٍ وَهُوَ الّذِي أَخْرَجَ مَسْجِدَ الضّرَارِ مِنْ دَارِهِ وَبِشْرٌ وَرَافِعٌ
ابْنَا زَيْدٍ .
126.
مِنْ بَنِي النّبِيتِ
127.
وَمِنْ بَنِي النّبِيتِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : النّبِيتُ
عَمْرُو بْنُ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ - قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ مِنْ بَنِي
حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ
الْأَوْسِ : مِرْبَعُ بْنُ قَيْظِيّ ، وَهُوَ الّذِي قَالَ لِرَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَجَازَ فِي حَائِطِهِ وَرَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَامِدٌ إلَى أُحُدٍ : لَا أُحِلّ لَك
يَا مُحَمّدٌ إنْ كُنْت نَبِيّا ، أَنْ تَمُرّ فِي حَائِطِي ، وَأَخَذَ فِي يَدِهِ
حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنّي لَا أُصِيبُ
بِهَذَا التّرَابِ غَيْرَك لَرَمَيْتُك بِهِ فَابْتَدَرَهُ الْقَوْمُ
لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعُوهُ
فَهَذَا الْأَعْمَى ، أَعْمَى الْقَلْبِ ، أَعْمَى الْبَصِيرَةِ . فَضَرَبَهُ
سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بِالْقَوْسِ فَشَجّهُ
وَأَخُوهُ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيّ وَهُوَ الّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ
بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ، فَأْذَنْ لَنَا فَلْنَرْجِعْ إلَيْهَا . فَأَنْزَلَ
اللّهُ تَعَالَى فِيهِ { يَقُولُونَ
إِنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلّا فِرَارًا
} . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَوْرَةٌ أَيْ مُعْوَرَةٌ لِلْعَدُوّ وَضَائِعَةٌ
وَجَمْعُهَا : عَوْرَاتٌ قَالَ النّابِغَةُ الذّبْيَانِيّ
128.
مَتَى تَلْقَهُمْ لَا تَلْقَ لِلْبَيْتِ عَوْرَةً
129.
وَلَا الْجَارَ مَحْرُومًا وَلَا الْأَمْرُ ضَائِعَا
130.
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . وَالْعَوْرَةُ (
أَيْضًا ) : عَوْرَةُ الرّجُلِ وَهِيَ حُرْمَتُهُ . وَالْعَوْرَةُ (
أَيْضًا ) السّوْأَةُ
131.
[
ص 382 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي ظَفَرٍ وَاسْمُ
ظَفَرٍ كَعْبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ حَاطِبُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ
رَافِعٍ وَكَانَ شَيْخًا جَسِيمًا قَدْ عَسَا فِي جَاهِلِيّتِهِ وَكَانَ لَهُ
ابْنٌ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ حَاطِبٍ أُصِيبَ
يَوْمَ أُحُدٍ حَتّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَاتُ فَحُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي
ظَفَرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي
عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنّهُ اجْتَمَعَ إلَيْهِ مَنْ بِهَا مِنْ
رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَائِهِمْ وَهُوَ بِالْمَوْتِ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ
أَبْشِرْ يَا ابْنَ حَاطِبٍ بِالْجَنّةِ . قَالَ فَنَجَمَ نِفَاقُهُ حِينَئِذٍ
فَجَعَلَ يَقُولُ أَبُوهُ أَجَلْ جَنّةٌ وَاَللّهِ مِنْ حَرْمَلٍ . غَرَرْتُمْ
وَاَللّهِ هَذَا الْمِسْكِينَ مِنْ نَفْسِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَشِيرُ
بْنُ أُبَيْرِقٍ وَهُوَ أَبُو طُعْمَةَ سَارِقُ الدّرْعَيْنِ الّذِي أَنْزَلَ
اللّهُ تَعَالَى فِيهِ { وَلَا
تُجَادِلْ عَنِ الّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنّ اللّهَ لَا يُحِبّ مَنْ
كَانَ خَوّانًا أَثِيمًا } وَقُزْمَانُ : حَلِيفٌ لَهُمْ . [ ص 383
] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ
عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
كَانَ يَقُولُ إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ النّارِ . فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَاتَلَ
قِتَالًا شَدِيدًا حَتّى قَتَلَ بِضْعَةَ نَفَرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَاتُ فَحُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرٍ ، فَقَالَ لَهُ
رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرْ يَا قُزْمَانُ ، فَقَدْ أَبْلَيْت الْيَوْمَ
وَقَدْ أَصَابَك مَا تَرَى فِي اللّهِ قَالَ بِمَاذَا أَبْشِرُ فَوَاَللّهِ مَا
قَاتَلْت إلّا حَمِيّةً عَنْ قَوْمِي ؛ فَلَمّا اشْتَدّتْ بِهِ جِرَاحَاتُهُ
وَآذَتْهُ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَقَطَعَ بِهِ رَوَاهِشَ يَدِهِ
فَقَتَلَ نَفْسَهُ .Sذَكَرَ حَدِيثَ
بَشِيرِ بْنِ أُبَيْرِقٍ سَارِقُ الدّرْعَيْنِ
132.
[
ص 382 ] وَذَكَرَ أَنّ
اللّهَ أَنْزَلَ فِيهِ { وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الّذِينَ يَخْتَانُونَ
أَنْفُسَهُمْ } [ النّسَاءُ 107 ] الْآيَةُ وَكَانَ مِنْ قِصّةِ الدّرْعَيْنِ
وَقِصّةِ بَشِيرٍ أَنّ بَنِي أُبَيْرِقٍ وَهُمْ ثَلَاثَةٌ بَشِيرٌ وَمُبَشّرٌ
وَبِشْرٌ نَقَبُوا مَشْرُبَةً أَوْ نَقَبَهَا بَشِيرٌ وَحْدَهُ عَلَى مَا قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ ، وَكَانَتْ الْمَشْرُبَةُ لِرِفَاعَةِ بْنِ زَيْدٍ وَسَرَقُوا
أَدْرَاعًا لَهُ وَطَعَامًا فَعَثَرَ عَلَى ذَلِكَ فَجَاءَ ابْنُ أَخِيهِ
قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ يَشْكُو بِهِمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ إلَى
رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ
إنّ هَؤُلَاءِ عَمَدُوا إلَى أَهْلِ بَيْتٍ هُمْ أَهْلُ صَلَاحٍ وَدِينٍ فَأَبَنُوهُمْ
بِالسّرِقَةِ وَرَمَوْهُمْ بِهَا مِنْ غَيْرِ بَيّنَةٍ وَجَعَلَ يُجَادِلُ
عَنْهُمْ حَتّى غَضِبَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَلَى
قَتَادَةَ وَرِفَاعَةَ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى : { وَلَا تُجَادِلْ عَنِ
الّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ } [ النّسَاءُ
107 ] الْآيَةُ وَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ
إِثْمًا ثُمّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا } [ النّسَاءُ 112 ] وَكَانَ الْبَرِيءُ الّذِي رَمَوْهُ بِالسّرِقَةِ لَبِيدُ
بْنُ سَهْلٍ : قَالُوا : مَا سَرَقْنَاهُ وَإِنّمَا سَرَقَهُ لَبِيدُ بْنُ سَهْلٍ
، فَبَرّأَهُ اللّهُ فَلَمّا أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ مَا أَنْزَلَ
هَرَبَ ابْنُ أُبَيْرِقٍ السّارِقُ إلَى مَكّةَ ، وَنَزَلَ عَلَى سُلَافَةَ
بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شَهِيدٍ فَقَالَ فِيهَا حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ بَيْتًا ،
يُعَرّضُ فِيهِ بِهَا ، فَقَالَتْ إنّمَا أَهْدَيْت لِي شِعْرَ حَسّانَ ،
وَأَخَذَتْ رَحْلَهُ فَطَرَحَتْهُ خَارِجَ الْمَنْزِلِ وَقَالَتْ حَلَقْت
وَسَلَقْت وَخَرَقْت إنْ بِتّ فِي مَنْزِلِي لَيْلَةً سَوْدَاءَ فَهَرَبَ إلَى
خَيْبَرَ ، ثُمّ إنّهُ نَقَبَ بَيْتًا ذَاتَ لَيْلَةٍ فَسَقَطَ الْحَائِطُ
عَلَيْهِ فَمَاتَ . ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِكَثِيرِ مِنْ أَلْفَاظِهِ
التّرْمِذِيّ ، وَذَكَرَهُ الْكَشّيّ وَالطّبَرِيّ بِأَلْفَاظِ مُخْتَلِفَةٍ
وَذَكَرَ قِصّةَ مَوْتِهِ يَحْيَى بْنُ سَلّامٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَوَقَعَ
اسْمُهُ فِي أَكْثَرِ التّفَاسِيرِ طُعْمَةُ بْنُ أُبَيْرِقٍ وَفِي [ ص 383 ]
أُبَيْرِقٍ وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْهُ
بَشِيرُ أَبُو طُعْمَةَ فَلَيْسَ طُعْمَةُ إذًا اسْمًا لَهُ وَإِنّمَا هُوَ
أَبُو طُعْمَةَ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذِهِ الرّوَايَةِ [ ص 384 ]
أَعْلَمُ . وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ أَيْضًا أَنّ الْحَائِطَ الّذِي سَقَطَ
عَلَيْهِ كَانَ بِالطّائِفِ لَا بِخَيْبَرِ كَمَا قَالَ ابْنُ سَلّامٍ وَأَنّ
أَهْلَ الطّائِفِ قَالُوا حِينَئِذٍ مَا فَارَقَ مُحَمّدًا مِنْ أَصْحَابِهِ
مَنْ فِيهِ خَيْرٌ . وَالْأَبْيَاتُ الّتِي رَمَى بِهَا حَسّانُ الْمَرْأَةَ وَهِيَ
مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ تَقَدّمَ اسْمُهَا :
133.
َمَا سَارِقُ الدّرْعَيْنِ إذْ كُنْت ذَاكِرًا
134.
بِذِي كَرَمٍ مِنْ الرّجَالِ أُوَادِعُهْ
135.
وَقَدْ أَنَزَلَتْهُ بِنْتُ سَعْدٍ فَأَصْبَحَتْ
136.
يُنَازِعُهَا جَارَاسْتِهَا وَتُنَازِعُهْ
137.
ظَنَنْتُمْ بِأَنْ يَخْفَى الّذِي قَدْ صَنَعْتُمْ
138.
وَفِيكُمْ نَبِيّ عِنْدَهُ الْوَحْيُ وَاضِعُهْ
139.
[
ص 385 ] وَقَعَ هَذَا الْبَيْتُ فِي كِتَابِ
سِيبَوَيْهِ . وَذَكَرَ الشّعْرَ وَالْخَبَرَ بِطُولِهِ ابْنُ إسْحَاقَ فِي
رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْهُ . فَصْلٌ وَأَنْشَدَ ابْنُ هِشَامٍ : لَدَمُ
الْوَلِيدِ وَرَاءَ الْغَيْبِ بِالْحَجَرِ
140.
وَالْبَيْتُ لِتَمِيمِ بْنِ أُبَيّ بْنِ مُقْبِلٍ وَاللّدَمُ
الضّرْبُ وَالْغَيْبُ الْعَائِرُ مِنْ الْأَرْضِ .
141.
مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَل ِ
142.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمْ يَكُنْ فِي بَنِي عَبْدِ
الْأَشْهَلِ مُنَافِقٌ وَلَا مُنَافِقَةٌ يُعْلَمُ إلّا أَنّ الضّحّاكَ بْنَ
ثَابِتٍ ، أَحَدُ بَنِي كَعْبٍ رَهْطِ سَعْدِ بْنِ زَيْدٍ ، قَدْ كَانَ يُتّهَمُ
بِالنّفَاقِ وَحُبّ يَهُودَ . قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ : مَنْ مُبْلِغُ الضّحّاكَ
أَنّ عُرُوقَهُ أَعْيَتْ عَلَى الْإِسْلَامِ أَنْ تَتَمَجّدَا
143.
أَتُحِبّ يُهْدَانَ الْحِجَازِ وَدِينَهُمْ كِبْدَ
الْحِمَارِ وَلَا تُحِبّ مُحَمّدَا
144.
دِينًا لَعَمْرِي لَا يُوَافِقُ دِينَنَا مَا اسْتَنّ آلٌ
فِي الْفَضَاءِ وَخَوّدَا
145.
وَكَانَ جُلَاسُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ صَامِتٍ قَبْلَ
تَوْبَتِهِ - فِيمَا بَلَغَنِي - وَمُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ، وَرَافِعُ بْنُ
زَيْدٍ ، وَبِشْرٌ وَكَانُوا يُدْعَوْنَ بِالْإِسْلَامِ فَدَعَاهُمْ رِجَالٌ
مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي خُصُومَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَوْهُمْ إلَى الْكُهّانِ حُكّامِ أَهْلِ
الْجَاهِلِيّةِ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ { أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ
يَزْعُمُونَ أَنّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ
قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ
يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشّيْطَانُ أَنْ يُضِلّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا } [
النّسَاءُ 60 ] إلَى آخِرِ الْقِصّةِ .
146.
مِنْ الْخَزْرَجِ
147.
وَمِنْ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي النّجّار ِ رَافِعُ
بْنُ وَدِيعَةَ ، وَزَيْدُ بْنُ عَمْرٍو ، وَعَمْرُو بْنُ قَيْسٍ ، وَقَيْسُ
بْنُ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ .
148.
مِنْ بَنِي جُشَمٍ
149.
[
ص 384 ] بَنِي جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ
بَنِي سَلِمَةَ : الْجَدّ بْنُ قَيْسٍ ، وَهُوَ
الّذِي يَقُولُ يَا مُحَمّدُ ائْذَنْ لِي ، وَلَا تَفْتِنّي . فَأَنْزَلَ اللّهُ
تَعَالَى فِيهِ { وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنّي أَلَا
فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنّ جَهَنّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ } [
التّوْبَةُ 49 ] . إلَى آخِرِ الْقِصّةِ .
150.
مِنْ بَنِي عَوْفٍ
151.
وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ
أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ وَكَانَ رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ وَإِلَيْهِ يَجْتَمِعُونَ
وَهُوَ الّذِي قَالَ { لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ
الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ } فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ . وَفِي
قَوْلِهِ ذَلِكَ نَزَلَتْ سُورَةُ الْمُنَافِقِينَ بِأَسْرِهَا . وَفِيهِ وَفِي وَدِيعَةَ
- رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَوْفٍ - وَمَالِكِ بْنِ أَبِي نَوْفَلٍ وَسُوَيْدٌ ،
وَدَاعِسٌ وَهُمْ مِنْ رَهْطِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ وَعَبْدُ
اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ . فَهَؤُلَاءِ النّفَرُ مِنْ قَوْمِهِ
الّذِينَ كَانُوا يَدُسّونَ إلَى بَنِي النّضِيرِ حِينَ حَاصَرَهُمْ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ اُثْبُتُوا ، فَوَاَللّهِ لَئِنْ
أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا ،
وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنّكُمْ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { أَلَمْ تَرَ إِلَى
الّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا
أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنّكُمْ وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنّهُمْ
لَكَاذِبُونَ } ثُمّ الْقِصّةُ مِنْ السّورَةِ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ {
كَمَثَلِ الشّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قَالَ
إِنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنّي أَخَافُ اللّهَ رَبّ الْعَالَمِينَ } [ الْحَشْرُ 16
] .
152.
مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ نِفَاقًا
153.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّنْ تَعَوّذَ
بِالْإِسْلَامِ وَدَخَلَ فِيهِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَظْهَرَهُ وَهُوَ
مُنَافِقٌ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ .
154.
مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعِ
155.
[
ص 385 ] بَنِي قَيْنُقَاعِ
: سَعْدُ بْنُ حُنَيْفٍ ، وَزَيْدُ بْنُ اللّصِيت ِ وَنُعْمَانُ بْنُ أَوْفَى
بْنِ عَمْرٍو ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَوْفَى ، وَزَيْدُ بْنُ اللّصِيتِ ، الّذِي
قَاتَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعِ
، وَهُوَ الّذِي قَالَ حِينَ ضَلّتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَزْعُمُ مُحَمّدٌ أَنّهُ يَأْتِيهِ خَبَرُ السّمَاءِ وَهُوَ
لَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَجَاءَهُ الْخَبَرُ بِمَا قَالَ عَدُوّ اللّهِ فِي رَحْلِهِ وَدَلّ
اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى نَاقَتِهِ
إنّ قَائِلًا قَالَ يَزْعُمُ مُحَمّدٌ أَنّهُ يَأْتِيهِ خَبَرُ السّمَاءِ وَلَا
يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ ؟ وَإِنّي وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ إلّا مَا عَلّمَنِي
اللّهُ وَقَدْ دَلّنِي اللّهُ عَلَيْهَا ، فَهِيَ فِي هَذَا الشّعْبِ ، قَدْ
حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بِزِمَامِهَا فَذَهَبَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
فَوَجَدُوهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَكَمَا وَصَفَ " وَرَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ ، وَهُوَ الّذِي قَالَ لَهُ
الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنَا - حِينَ مَاتَ
قَدْ مَاتَ الْيَوْمَ عَظِيمٌ مِنْ عُظَمَاءِ الْمُنَافِقِينَ وَرِفَاعَةُ بْنُ
زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ وَهُوَ الّذِي قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ هَبّتْ عَلَيْهِ الرّيحُ وَهُوَ قَافِلٌ مِنْ غَزْوَةِ
بَنِي الْمُصْطَلِقِ ، فَاشْتَدّتْ عَلَيْهِ حَتّى أَشْفَقَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا
؛ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَخَافُوا
، فَإِنّمَا هَبّتْ لِمَوْتِ عَظِيمٍ مِنْ عُظَمَاءِ الْكُفّارِ فَلَمّا قَدِمَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَ رِفَاعَةَ
بْنَ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ مَاتَ ذَلِكَ الْيَوْمَ الّذِي هَبّتْ فِيهِ
الرّيحُ وَسِلْسِلَةُ بْنُ بَرْهَامٍ . وَكِنَانَةُ
بْنُ صُورِيَا .
156.
طَرْدُ الْمُنَافِقِينَ مِنْ مَسْجِدِ الرّسُولِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
157.
وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ يَحْضُرُونَ الْمَسْجِدَ فَيَسْتَمِعُونَ
أَحَادِيثَ الْمُسْلِمِينَ وَيَسْخَرُونَ [ ص 386 ] فَرَآهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَحَدّثُونَ بَيْنَهُمْ خَافِضِي أَصْوَاتِهِمْ قَدْ
لُصِقَ بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ فَأَمَرَ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأُخْرِجُوا مِنْ الْمَسْجِدِ إخْرَاجًا عَنِيفًا ، فَقَامَ
أَبُو أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبٍ ، إلَى عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ ،
أَحَدُ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّار ِ - كَانَ صَاحِبَ آلِهَتِهِمْ فِي
الْجَاهِلِيّةِ فَأَخَذَ بِرِجْلِهِ فَسَحَبَهُ حَتّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ
وَهُوَ يَقُولُ أَتُخْرِجُنِي يَا أَبَا أَيّوبَ مِنْ مِرْبَدِ بَنِي ثَعْلَبَةَ
ثُمّ أَقْبَلَ أَبُو أَيّوبَ أَيْضًا إلَى رَافِعِ بْنِ وَدِيعَةَ ، أَحَدُ
بَنِي النّجّارِ فَلَبّبَهُ بِرِدَائِهِ ثُمّ نَتَرَهُ نَتْرًا شَدِيدًا ،
وَلَطَمَ وَجْهَهُ ثُمّ أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَأَبُو أَيّوبَ يَقُولُ
لَهُ أُفّ لَك مُنَافِقًا خَبِيثًا : أَدْرَاجَك يَا مُنَافِقُ مِنْ مَسْجِدِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَيْ
ارْجِعْ مِنْ الطّرِيقِ الّتِي جِئْت مِنْهَا . قَالَ الشّاعِرُ فَوَلّى
وَأَدْبَرَ أَدْرَاجَهُ وَقَدْ بَاءَ بِالظّلْمِ مَنْ كَانَ ثَمّ
158.
وَقَامَ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ إلَى زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو ،
وَكَانَ رَجُلًا طَوِيلَ اللّحْيَةِ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَادَهُ بِهَا
قَوْدًا عَنِيفًا حَتّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمّ جَمَعَ عُمَارَةُ
يَدَيْهِ فَلَدَمَهُ بِهِمَا فِي صَدْرِهِ لَدْمَةً خَرّ مِنْهَا . قَالَ يَقُولُ
خَدَشْتنِي يَا عُمَارَةُ قَالَ أَبْعَدَك اللّهُ يَا مُنَافِقُ فَمَا أَعَدّ
اللّهُ لَك مِنْ الْعَذَابِ أَشَدّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَقْرَبَنّ مَسْجِدَ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : اللّدَمُ
الضّرْبُ بِبَطْنِ الْكَفّ . قَالَ تَمِيمُ بْنُ أَبِي بْن مُقْبِلٍ
وَلِلْفُؤَادِ وَجِيبٌ تَحْتَ أَبْهَرِه لَدَمُ الْوَلِيدِ وَرَاءَ الْغَيْبِ
بِالْحَجَر
159.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْغَيْبُ مَا انْخَفَضَ مِنْ
الْأَرْضِ . وَالْأَبْهَرُ عِرْقُ الْقَلْبِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَقَامَ أَبُو مُحَمّدٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي النّجّارِ ، كَانَ بَدْرِيّا ،
وَأَبُو مُحَمّدٍ مَسْعُودُ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ زَيْدِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ إلَى قَيْسِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ سَهْلِ ، وَكَانَ قَيْسٌ غُلَامًا شَابّا ، وَكَانَ لَا يُعْلَمُ فِي
الْمُنَافِقِينَ شَابّ غَيْرُهُ فَجَعَلَ يَدْفَعُ فِي قَفَاهُ حَتّى أَخْرَجَهُ
مِنْ الْمَسْجِدِ . [ ص 387 ] بَلْخُدْرَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ ، رَهْطِ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ ، حِينَ أَمَرَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِإِخْرَاجِ الْمُنَافِقِينَ
مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو ، وَكَانَ
ذَا جُمّةٍ فَأَخَذَ بِجُمّتِهِ فَسَحَبَهُ بِهَا سَحْبًا عَنِيفًا ، عَلَى مَا
مَرّ بِهِ مِنْ الْأَرْضِ حَتّى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ . قَالَ يَقُولُ الْمُنَافِقُ
لَقَدْ أَغْلَظْت يَا ابْنَ الْحَارِثِ فَقَالَ لَهُ إنّك أَهْلٌ لِذَلِكَ أَيْ
عَدُوّ اللّهِ لِمَا أَنْزَلَ اللّهُ فِيك ، فَلَا تَقْرَبَنّ مَسْجِدَ رَسُولِ
اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ، فَإِنّك نَجِسٌ . وَقَامَ رَجُلٌ
مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْف ٍ إلَى أَخِيهِ زُوَيّ بْنُ الْحَارِثِ
فَأَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ إخْرَاجًا عَنِيفًا ، وَأَفّفَ مِنْهُ وَقَالَ
غَلَبَ عَلَيْك الشّيْطَانُ وَأَمَرَهُ . فَهَؤُلَاءِ مَنْ حَضَرَ الْمَسْجِدَ يَوْمَئِذٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَأَمَرَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِإِخْرَاجِهِمْ .Sبَابٌ إخْرَاجُ الْمُنَافِقِينَ
160.
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي بَابِ إخْرَاجِ الْمُنَافِقِينَ
مِنْ الْمَسْجِدِ أَبَا مُحَمّدٍ وَقَالَ هُوَ رَجُلٌ مِنْ [ ص 386 ] بَنِي
النّجّارِ ، وَلَمْ يُعَرّفْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا ، وَهُوَ أَبُو مُحَمّدٍ
مَسْعُودُ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ يُعَدّ فِي الشّامِيّينَ وَهُوَ الّذِي
زَعَمَ أَنّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ فَقَالَ عُبَادَةُ كَذَبَ أَبُو مُحَمّدٍ وَهُوَ مَعْدُودٌ
فِي الْبَدْرِيّينَ عِنْدَ الْوَاقِدِيّ وَطَائِفَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ
إسْحَاقَ فِيهِمْ .
161.
مَا نَزَلَ مِنْ الْبَقَرَةِ فِي الْمُنَافِقِينَ وَيَهُودَ
مَا نَزَلَ فِي الْأَحْبَارِ
162.
فَفِي هَؤُلَاءِ مِنْ أَخْبَارِ يَهُودَ وَالْمُنَافِقِينَ
مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، نَزَلَ صَدْرُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ إلَى
الْمِائَةِ مِنْهَا - فِيمَا بَلَغَنِي - وَاَللّهُ أَعْلَمُ . يَقُولُ اللّهُ سُبْحَانَهُ
وَبِحَمْدِهِ { الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ } أَيْ لَا شَكّ فِيهِ .
قَالَ ابْنُ هَمّامٍ قَالَ سَاعِدَةُ بْنُ جُؤْيَةَ الْهُذَلِيّ فَقَالُوا
عَهِدْنَا الْقَوْمَ قَدْ حَصَرُوا بِهِ فَلَا رَيْبَ أَنْ قَدْ كَانَ ثَمّ
لَحِيمُ
163.
[
ص 388 ] قَصِيدَةٍ لَهُ وَالرّيْبُ ( أَيْضًا ) :
الرّيبَةُ . قَالَ خَالِدُ بْنُ زُهَيْرٍ الْهُذَلِيّ
164.
كَأَنّنِي أُرِيبُهُ بِرَيْب
165.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ
166.
كَأَنّنِي أَرَبْته بِرَيْبِ
167.
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . وَهُوَ ابْنُ أَخِي
أَبِي ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيّ . { هُدًى لِلْمُتّقِينَ } أَيْ الّذِينَ
يَحْذَرُونَ مِنْ اللّهِ عُقُوبَتَهُ فِي تَرْكِ مَا يَعْرِفُونَ مِنْ الْهُدَى
، وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ بِالتّصْدِيقِ بِمَا جَاءَهُمْ مِنْهُ { الّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصّلَاةَ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } أَيْ
يُقِيمُونَ الصّلَاةَ بِفَرْضِهَا ، وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ احْتِسَابًا لَهَا :
{ وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ
} أَيْ يُصَدّقُونَك بِمَا جِئْت بِهِ مِنْ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَمَا جَاءَ بِهِ
مَنْ قَبْلَك مِنْ الْمُرْسَلِينَ لَا يُفَرّقُونَ بَيْنَهُمْ وَلَا يَجْحَدُونَ
مَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنْ رَبّهِمْ . { وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } أَيْ بِالْبَعْثِ
وَالْقِيَامَةِ وَالْجَنّةِ وَالنّارِ وَالْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ أَيْ
هَؤُلَاءِ الّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنّهُمْ آمَنُوا بِمَا كَانَ مِنْ قَبْلِك ،
وَبِمَا جَاءَك مِنْ رَبّك { أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبّهِمْ } أَيْ عَلَى
نُورٍ مِنْ رَبّهِمْ وَاسْتِقَامَةٍ عَلَى مَا جَاءَهُمْ { وَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ } أَيْ الّذِينَ أَدْرَكُوا مَا طَلَبُوا وَنَجَوْا مِنْ شَرّ
مَا مِنْهُ هَرَبُوا . [ ص 389 ] { إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا } أَيْ بِمَا
أُنْزِلَ إلَيْك ، وَإِنْ قَالُوا إنّا قَدْ آمَنّا بِمَا جَاءَنَا قَبْلَك {
عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } أَيْ
أَنّهُمْ قَدْ كَفَرُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ ذِكْرِك ، وَجَحَدُوا مَا أُخِذَ
عَلَيْهِمْ مِنْ الْمِيثَاقِ لَك ، فَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَك وَبِمَا
عِنْدَهُمْ مِمّا جَاءَهُمْ بِهِ غَيْرُك ، فَكَيْفَ يَسْتَمِعُونَ مِنْك
إنْذَارًا أَوْ تَحْذِيرًا ، وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِك . {
خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ
} أَيْ عَنْ الْهُدَى أَنْ يُصِيبُوهُ أَبَدًا ، يَعْنِي بِمَا كَذَبُوك بِهِ
مِنْ الْحَقّ الّذِي جَاءَك مِنْ رَبّك حَتّى يُؤْمِنُوا بِهِ وَإِنْ آمَنُوا
بِكُلّ مَا كَانَ قَبْلَك ، وَلَهُمْ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ خِلَافِك عَذَابٌ
عَظِيمٌ . فَهَذَا فِي الْأَحْبَارِ مِنْ يَهُودَ فِيمَا كَذّبُوا بِهِ مِنْ
الْحَقّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ .Sذَكَرَ مَا أَنْزَلَ اللّهُ فِي الْمُنَافِقِينَ
168.
[
ص 387 ] وَذَكَرَ مَا أَنْزَلَ اللّهُ فِي
الْمُنَافِقِينَ وَالْأَحْبَارِ وَمِنْ يَهُودَ مِنْ صَدْرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ
[ ص 388 ] ابْنُ هِشَامٍ عَلَى الرّيْبِ بِمَعْنَى الرّيبَةِ بِقَوْلِ خَالِدِ
بْنِ زُهَيْرِ ابْنِ أُخْتِ أَبِي ذُؤَيْبٍ ، وَاسْمُ أَبِي ذُؤَيْبٍ :
خُوَيْلِدُ بْنُ خَالِدٍ وَالرّجَزُ الّذِي اسْتَشْهَدَ بِبَيْتِ مِنْهُ يَا
قَوْمُ مَا لِي وَأَبَا ذُؤَيْب كُنْت إذَا أَتَيْته مِنْ غَيْبِ
169.
يَشُمّ عَطْفِي وَيَمَسّ ثَوْبِي كَأَنّنِي أَرَبْته بِرَيْب
170.
ِ وَكَانَ أَبُو ذُؤَيْبٍ قَدْ اتّهَمَهُ بِامْرَأَتِهِ
فَلِذَلِكَ قَالَ هَذَا . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَاَلّذِينَ يُقِيمُونَ
الصّلَاةَ وَأَغْفَلَ التّلَاوَةَ وَإِنّمَا هُوَ { الّذِينَ يُؤْمِنُونَ
بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصّلَاةَ } [ الْبَقَرَةُ 3 ] . وَكَذَلِكَ وَجَدْته مُنَبّهًا
عَلَيْهِ فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ وَفِي الْإِيمَانِ بِالْغَيْبِ أَقْوَالٌ
مِنْهَا أَنّ الْغَيْبَ هَاهُنَا مَا بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ
وَمَعَهَا : أَنّ الْغَيْبَ الْقَدَرُ وَمَعَهَا قَوْلُ مَنْ قَالَ إنّ
الْغَيْبَ الْقَلْبُ أَيْ يُؤْمِنُونَ بِقُلُوبِهِمْ وَقِيلَ يُؤْمِنُونَ
بِالْغَيْبِ أَيْ بِاَللّهِ عَزّ وَجَلّ وَأَحْسَنُ مَا فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ
قَوْلُ الرّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ، أَيْ يُؤْمِنُونَ بِظَهْرِ الْغَيْبِ أَيْ
لَيْسُوا كَالْمُنَافِقِينَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ إذَا لَقُوا الّذِينَ آمَنُوا
وَيَكْفُرُونَ إذَا غَابُوا عَنْهُمْ وَيَدُلّ عَلَى صِحّةِ هَذَا التّأْوِيلِ
بِسِيَاقَةِ الْكَلَامُ مَعَ قَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ { يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ
بِالْغَيْبِ } فَلَا يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ يَخْشَوْنَ رَبّهُمْ بِالْغَيْبِ إلّا
تَأْوِيلًا وَاحِدًا ، فَإِلَيْهِ يُرَدّ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ . [ ص 389 ] قِيلَ
هُوَ عَلَى الْخُصُوصِ فِي الْمُؤْمِنِينَ أَيْ لَا رَيْبَ فِيهِ عِنْدَ . قَالَ
الْمُؤَلّفُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنّ التّبْرِئَةَ تُعْطِي
الْعُمُومَ وَأَصَحّ مِنْهُ . أَنّ الْكَلَامَ ظَاهِرُهُ الْخَبَرُ ،
وَمَعْنَاهُ النّهْيُ أَيْ لَا تَرْتَابُوا ، وَهَذَا النّهْيُ عَامّ لَا
يُخَصّصُ وَأَدَقّ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا مَحْضًا عَنْ الْقُرْآنِ
أَيْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَرِيبُ تَقُولُ رَابَنِي مِنْك كَذَا وَكَذَا ، إذَا
رَأَيْت مَا تُنْكِرُ وَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مَا تُنْكِرُهُ الْعُقُولُ .
وَالرّيْبُ وَإِنْ كَانَ مَصْدَرًا فَقَدْ يُعَبّرُ بِهِ عَنْ الشّيْءِ الّذِي
يَرِيبُ كَمَا يُعَبّرُ بِالضّيْفِ عَنْ الضّائِفِ وَبِالطّيْفِ عَنْ الْخَيَالِ
الطّائِفِ ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى : { لِيَوْمٍ لَا
رَيْبَ فِيهِ } فَهَذَا خَبَرٌ لِأَنّ النّهْيَ لَا يَكُونُ فِي مَوْضِعِ
الصّفَةِ . وَقَوْلُهُ لَا رَيْبَ فِيهِ فِي
مَوْضِعِ الصّفَةِ لِيَوْمِ وَالْحَيَاةُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَيْسَ فِيهِ مَا
يَرِيبُك ، لِأَنّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْبَدْأَةِ فَهُوَ عَلَى الْإِعَادَةِ
أَقْدَرُ وَلَيْسَ الرّيْبُ بِمَعْنَى الشّكّ عَلَى الْإِطْلَاقِ [ ص 390 ]
رَائِبٌ وَلَا تَقُولُ شَكّنِي ، بَلْ تَقُولُ ارْتَبْت كَمَا تَقُولُ شَكَكْت ،
فَالِارْتِيَابُ قَرِيبٌ مِنْ الشّكّ .
171.
مَا نَزَلَ فِي مُنَافِقِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ
172.
[
ص 390 ] { وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا
بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } يَعْنِي
الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَمَنْ كَانَ عَلَى أَمْرِهِمْ
. { يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلّا
أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } أَيْ شَكّ {
فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضًا } أَيْ شَكّا { وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا
كَانُوا يَكْذِبُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا
إِنّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } أَيْ إنّمَا نُرِيدُ الْإِصْلَاحَ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ
مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ . يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { أَلَا
إِنّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ
آمِنُوا كَمَا آمَنَ النّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السّفَهَاءُ أَلَا
إِنّهُمْ هُمُ السّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ وَإِذَا لَقُوا الّذِينَ
آمَنُوا قَالُوا آمَنّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ } مِنْ يَهُودَ
الّذِينَ يَأْمُرُونَهُمْ بِالتّكْذِيبِ بِالْحَقّ وَخِلَافِ مَا جَاءَ بِهِ
الرّسُولُ { قَالُوا إِنّا مَعَكُمْ } أَيْ إنّا عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتُمْ
عَلَيْهِ . { إِنّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ }
أَيْ إنّمَا نَسْتَهْزِئُ بِالْقَوْمِ وَنَلْعَبُ بِهِمْ . يَقُولُ اللّهُ عَزّ
وَجَلّ { اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ
يَعْمَهُونَ }
173.
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
174.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ يَعْمَهُونَ يَحَارُونَ . تَقُولُ
الْعَرَبُ : رَجُلٌ عَمِهٌ وَعَامِهٌ أَيْ حَيَرَانُ . قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ
الْعَجّاجِ يَصِفُ بَلَدًا : أَعْمَى الْهُدَى بِالْجَاهِلِينَ الْعُمّهِ
175.
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ . فَالْعُمّهُ
جَمْعُ عَامِهٍ وَأَمّا عَمِهٌ فَجَمْعُهُ عَمِهُونَ . وَالْمَرْأَةُ عَمِهَةٌ
وَعَمْهَاءُ . [ ص 391 ] { أُولَئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوُا الضّلَالَةَ بِالْهُدَى }
أَيْ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ { فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ
} قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ ضَرَبَ لَهُمْ مَثَلًا ، فَقَالَ تَعَالَى : {
كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ
اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ } أَيْ لَا
يُبْصِرُونَ الْحَقّ وَيَقُولُونَ بِهِ حَتّى إذَا خَرَجُوا بِهِ مِنْ ظُلْمَةِ
الْكُفْرِ أَطْفَئُوهُ بِكُفْرِهِمْ بِهِ وَنِفَاقِهِمْ فِيهِ فَتَرَكَهُمْ
اللّهُ فِي ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ هُدًى ، وَلَا
يَسْتَقِيمُونَ عَلَى حَقّ { صُمّ بُكْمٌ
عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ } أَيْ لَا يَرْجِعُونَ إلَى الْهُدَى ، صُمّ
بُكْمٌ عُمْيٌ عَنْ الْخَيْرِ لَا يَرْجِعُونَ إلَى خَيْرٍ وَلَا يُصِيبُونَ
نَجَاةَ مَا كَانُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ { أَوْ كَصَيّبٍ مِنَ السّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ
أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللّهُ
مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ } قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الصّيّبُ الْمَطَرُ وَهُوَ مِنْ صَابَ يَصُوبُ مِثْلَ قَوْلِهِمْ
السّيّدُ مِنْ سَادَ يَسُودُ وَالْمَيّتُ مِنْ مَاتَ يَمُوتُ وَجَمْعُهُ
صَيَائِبُ . قَالَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبَدَةَ ،
أَحَدُ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ :
كَأَنّهُمْ صَابَتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَة ٌ صَوَاعِقُهَا لِطَيْرِهِنّ دَبِيبُ
176.
وَفِيهَا : فَلَا تَعْدِلِي بَيْنِي وَبَيْنَ مُغَمّر ٍ
سَقَتْك رَوَايَا الْمُزْنِ حَيْثُ تَصُوبُ
177.
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : أَيْ هُمْ مِنْ ظُلْمَةِ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْحَذَرِ
مِنْ الْقَتْلِ مِنْ الّذِي هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْخِلَافِ وَالتّخَوّفِ لَكُمْ عَلَى
مِثْلِ مَا وُصِفَ مِنْ الّذِي هُوَ ( فِي ) ظُلْمَةِ الصّيّبِ يَجْعَلُ
أَصَابِعَهُ فِي أُذُنَيْهِ مِنْ الصّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ . يَقُولُ
وَاَللّهُ مُنْزِلٌ ذَلِكَ بِهِمْ . [ ص 392 ] { يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ
أَبْصَارَهُمْ } أَيْ لِشِدّةِ ضَوْءِ الْحَقّ { كُلّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا
فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا } أَيْ يَعْرِفُونَ الْحَقّ
وَيَتَكَلّمُونَ بِهِ فَهُمْ مِنْ قَوْلِهِمْ بِهِ عَلَى اسْتِقَامَةٍ فَإِذَا
ارْتَكَسُوا مِنْهُ فِي الْكُفْرِ قَامُوا مُتَحَيّرِينَ . { وَلَوْ شَاءَ
اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } أَيْ لِمَا تَرَكُوا مِنْ
الْحَقّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ إنّ اللّهَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
.S[ ص 391 ] وَذَكَرَ قَوْلَ اللّهِ سُبْحَانَهُ { فِي
قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } وَأَصْلُ الْمَرَضِ الضّعْفُ وَفُتُورُ الْأَعْضَاءِ
وَهُوَ هَاهُنَا ضَعْفُ الْيَقِينِ وَفُتُورُ الْقَلْبِ عَنْ كَدّ النّظَرِ
وَعَطَفَ فَزَادَهُمْ اللّهُ وَإِنْ [ ص 392 ] كَانَ الْفِعْلُ لَا يُعْطَفُ عَلَى الِاسْمِ وَلَا عَلَى مِثْلِ هَذِهِ
الْجُمْلَةِ لَوْ قُلْت : فِي الدّارِ زَيْدٌ فَأَعْطَيْته دِرْهَمًا لَمْ يَجُزْ
وَلَكِنْ لَمّا كَانَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ }
كَمَعْنَى مَرِضَتْ قُلُوبُهُمْ صَحّ عَطْفُ الْفِعْلِ عَلَيْهِ
.
178.
ثُمّ قَالَ { يَا أَيّهَا النّاسُ اعْبُدُوا رَبّكُمُ } لِلْفَرِيقَيْنِ
جَمِيعًا ، مِنْ الْكُفّارِ وَالْمُنَافِقِينَ أَيْ وَحّدُوا رَبّكُمْ { الّذِي
خَلَقَكُمْ وَالّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ الّذِي جَعَلَ
لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السّمَاءِ مَاءً
فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلّهِ
أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ }
179.
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
180.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَنْدَادُ الْأَمْثَالُ
وَاحِدُهُمْ نِدّ . قَالَ لِعُبَيْدِ بْنِ رَبِيعَةَ :
181.
أَحْمَدُ اللّهَ فَلَا نِدّ لَهُ ... بِيَدَيْهِ الْخَيْرُ
مَا شَاءَ فَعَلْ
182.
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : أَيْ لَا تُشْرِكُوا بِاَللّهِ غَيْرَهُ مِنْ الْأَنْدَادِ الّتِي
لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرّ ، وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنّهُ لَا رَبّ لَكُمْ يَرْزُقُكُمْ
غَيْرَهُ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنّ الّذِي يَدْعُوكُمْ إلَيْهِ الرّسُولُ مِنْ
تَوْحِيدِهِ هُوَ الْحَقّ لَا شَكّ فِيهِ . { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا
نَزّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا } أَيْ فِي شَكّ مِمّا جَاءَكُمْ بِهِ { فَأْتُوا
بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ } أَيْ مَنْ
اسْتَطَعْتُمْ مِنْ أَعْوَانِكُمْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ { إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا } فَقَدْ تَبَيّنَ لَكُمْ
[ ص 393 ] { فَاتّقُوا
النّارَ الّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدّتْ لِلْكَافِرِينَ }
أَيْ لِمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ
.
183.
ثُمّ رَغّبَهُمْ وَحَذّرَهُمْ نَقْضَ الْمِيثَاقِ الّذِي
أَخَذَ عَلَيْهِمْ لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا جَاءَهُمْ
وَذَكَرَ لَهُمْ بَدْءَ خَلْقِهِمْ حِينَ خَلَقَهُمْ وَشَأْنَ أَبِيهِمْ آدَمَ
عَلَيْهِ السّلَامُ وَأَمْرَهُ وَكَيْفَ صَنَعَ بِهِ حِينَ خَالَفَ عَنْ
طَاعَتِهِ ثُمّ قَالَ { يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ } لِلْأَحْبَارِ مِنْ يَهُودَ
اُذْكُرُوا نِعْمَتِي الّتِي أَنْعَمْت عَلَيْكُمْ أَيْ بَلَائِي عِنْدَكُمْ
وَعِنْدَ آبَائِكُمْ لَمّا كَانَ نَجّاهَا بِهِ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ {
وَأَوْفُوا بِعَهْدِي } الّذِي أَخَذْت فِي أَعْنَاقِكُمْ لِنَبّي أَحْمَدَ إذَا
جَاءَكُمْ { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } أُنْجِزُ لَكُمْ مَا وَعَدْتُكُمْ عَلَى
تَصْدِيقِهِ وَاتّبَاعِهِ بِوَضْعِ مَا كَانَ عَلَيْكُمْ مِنْ الْآصَارِ
وَالْأَغْلَالِ الّتِي كَانَتْ فِي أَعْنَاقِكُمْ بِذُنُوبِكُمْ الّتِي كَانَتْ
مِنْ إحْدَاثِكُمْ { وَإِيّايَ فَارْهَبُونِ } أَيْ أَنْ أُنْزِلَ بِكُمْ مَا أَنْزَلْت
بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ آبَائِكُمْ مِنْ النّقَمَاتِ الّتِي قَدْ
عَرَفْتُمْ مِنْ الْمَسْخِ وَغَيْرِهِ { وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدّقًا
لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوّلَ كَافِرٍ بِهِ } وَعِنْدَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ فِيهِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِكُمْ
{ وَإِيّايَ فَاتّقُونِ وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقّ
بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أَيْ لَا
تَكْتُمُوا مَا عِنْدَكُمْ مِنْ الْمَعْرِفَةِ بِرَسُولِي وَبِمَا جَاءَ بِهِ
وَأَنْتُمْ تَجِدُونَهُ عِنْدَكُمْ فِيمَا تَعْلَمُونَ مِنْ الْكُتُبِ الّتِي
بِأَيْدِيكُمْ { أَتَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبِرّ
وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
} أَيْ أَتَنْهَوْنَ النّاسَ عَنْ الْكُفْرِ بِمَا عِنْدَكُمْ مِنْ النّبُوّةِ
وَالْعَهْدِ مِنْ التّوْرَاةِ وَتَتْرُكُونَ أَنْفُسَكُمْ أَيْ وَأَنْتُمْ
تَكْفُرُونَ بِمَا فِيهَا مِنْ عَهْدِي إلَيْكُمْ فِي تَصْدِيقِ رَسُولِي
وَتَنْقُضُونَ مِيثَاقِي ، وَتَجْحَدُونَ مَا تَعْلَمُونَ مِنْ كِتَابِي . ثُمّ
عَدّدَ عَلَيْهِمْ أَحْدَاثَهُمْ فَذَكَرَ لَهُمْ الْعِجْلَ وَمَا صَنَعُوا
فِيهِ وَتَوْبَتَهُ عَلَيْهِمْ وَإِقَالَتَهُ إيّاهُمْ ثُمّ قَوْلَهُمْ {
أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً }
184.
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
185.
[
ص 394 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : جَهْرَةً أَيْ ظَاهِرًا
لَنَا لَا شَيْءَ يَسْتُرُهُ عَنّا . قَالَ أَبُو الْأَخْزَرِ الْحِمّانِيّ
وَاسْمُهُ قُتَيْبَةُ يَجْهَرُ أَجْوَافَ الْمِيَاهِ السّدُمِ
186.
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ . يَجْهَرُ يَقُولُ
يُظْهِرُ الْمَاءَ وَيَكْشِفُ عَنْهُ مَا يَسْتُرُهُ مِنْ الرّمْلِ وَغَيْرِهِ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَخْذُ الصّاعِقَةِ إيّاهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ
لِغَرّتِهِمْ ثُمّ إحْيَاؤُهُ إيّاهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَتَظْلِيلُهُ
عَلَيْهِمْ الْغَمَامَ وَإِنْزَالُهُ عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسّلْوَى ،
وَقَوْلُهُ لَهُمْ { وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجّدًا وَقُولُوا حِطّةٌ } أَيْ
قُولُوا مَا آمُرُكُمْ بِهِ أَحُطّ بِهِ ذُنُوبَكُمْ عَنْكُمْ وَتَبْدِيلُهُمْ ذَلِكَ
مِنْ قَوْلِهِ اسْتِهْزَاءً بِأَمْرِهِ وَإِقَالَتُهُ إيّاهُمْ ذَلِكَ بَعْدَ
هُزُئِهِمْ .
187.
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
188.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْمَنّ : شَيْءٌ كَانَ يَسْقُطُ فِي
السّحَرِ عَلَى شَجَرِهِمْ فَيَجْتَنُونَهُ حُلْوًا مِثْلَ الْعَسَلِ فَيَشْرَبُونَهُ
وَيَأْكُلُونَهُ . قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
189.
لَوْ أُطْعِمُوا الْمَنّ وَالسّلْوَى مَكَانَهُمْ ... مَا
أَبْصَرَ النّاسُ طَعْمًا فِيهِمْ نَجَعَا
190.
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَالسّلْوَى :
طَيْرٌ وَاحِدَتُهَا : سَلْوَاةٌ وَيُقَالُ إنّهَا السّمَانَى ، وَيُقَالُ لِلْعَسَلِ
( أَيْضًا ) : السّلْوَى . وَقَالَ خَالِدُ بْنُ زُهَيْرٍ الْهُذَلِيّ
191.
وَقَاسَمَهَا بِاَللّهِ حَقّا لَأَنْتُمْ ... أَلَذّ مِنْ
السّلْوَى إذَا مَا نَشُورُهَا
192.
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَحِطّةٌ أَيْ حُطّ
عَنّا ذُنُوبَنَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ تَبْدِيلِهِمْ ذَلِكَ كَمَا
حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التّوْأَمَةِ بِنْتِ
أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ ابْنِ
عَبّاسٍ ، عَنْ [ ص 395 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ دَخَلُوا
الْبَابَ الّذِي أُمِرُوا أَنْ يَدْخُلُوا مِنْهُ سُجّدًا يَزْحَفُونَ وَهُمْ
يَقُولُونَ حِنْطٌ فِي شَعِيرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : حِنْطَةٌ فِي شَعِيرَةٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَاسْتِسْقَاءَ
مُوسَى لِقَوْمِهِ وَأَمْرَهُ ( إيّاهُ ) أَنْ يَضْرِبَ بِعَصَاهُ الْحَجَرَ
فَانْفَجَرَتْ لَهُمْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ، لِكُلّ سِبْطٍ عَيْنٌ
يَشْرَبُونَ مِنْهَا ، قَدْ عَلِمَ كُلّ سِبْطٍ عَيْنَهُ الّتِي مِنْهَا
يَشْرَبُS[ ص 393 ] وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ
{ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ } وَوَهِمَ فِي التّلَاوَةِ فَقَالَ
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ } كَمَا وَهِمَ فِي أَوّلِ
السّورَةِ . وَبَنُو إسْرَائِيلَ : هُمْ بَنُو يَعْقُوبَ وَكَانَ يُسَمّى :
إسْرَائِيلَ أَيْ سَرِيّ [ ص 394 ] الْقِرَاءَةِ إلّا أُضِيفُوا إلَى
إسْرَائِيلَ وَلَمْ يُسَمّوْا فِيهِ بَنُو يَعْقُوبَ وَمَتَى ، ذُكِرَ
إبْرَاهِيمُ وَإِسْحَاقُ وَيَعْقُوبُ لَمْ يُسَمّ إسْرَائِيلُ وَذَلِكَ
لِحِكْمَةِ فُرْقَانِيّةٍ وَهُوَ أَنّ الْقَوْمَ لَمّا [ ص 395 ] سُمّوا
بِالِاسْمِ الّذِي فِيهِ تَذْكِرَةٌ بِاَللّهِ فَإِنّ إسْرَائِيلَ اسْمٌ مُضَافٌ
إلَى اللّهِ تَعَالَى فِي التّأْوِيلِ . أَلَا تَرَى : كَيْفَ نَبّهَ عَلَى
هَذَا الْمَعْنَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حِينَ دَعَا إلَى
الْإِسْلَامِ قَوْمًا ، يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَبْدِ اللّهِ فَقَالَ لَهُمْ يَا
بَنِي عَبْدِ اللّهِ إنّ اللّهَ قَدْ حَسّنَ اسْمَ أَبِيكُمْ يُحَرّضُهُمْ
بِذَلِكَ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ اسْمُهُمْ مِنْ الْعُبُودِيّةِ لِلّهِ
فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ يَا بَنِي إسْرَائِيلَ إنّمَا وَرَدَ فِي
مَعْرِضِ التّذْكِرَةِ لَهُمْ بِدِينِ [ ص 396 ] أَبِيهِمْ وَعُبُودِيّتِهِ لِلّهِ فَكَانَ ذِكْرُهُمْ
بِهَذَا الِاسْمِ أَلْيَقَ بِمَقَامِ التّذْكِرَةِ وَالتّحْرِيضِ مِنْ أَنْ
يَقُولَ لَهُمْ يَا بَنِي يَعْقُوبَ وَلَمّا ذَكَرَ مَوْهِبَتَهُ لِإِبْرَاهِيمَ
وَتَبْشِيرَهُ بِإِسْحَاقِ ثُمّ يَعْقُوبَ كَانَ لَفْظُ [ ص 397 ] أَوْلَى بِذَلِكَ
الْمَقَامِ لِأَنّهَا مَوْهِبَةٌ بِعَقِبِ أُخْرَى ، وَبُشْرَى عَقّبَ بِهَا
بُشْرَى وَإِنْ كَانَ اسْمُ يَعْقُوبَ عِبْرَانِيّا ، وَلَكِنّ لَفْظَهُ
مُوَافِقٌ لِلْعَرَبِيّ فِي الْعَقِبِ وَالتّعْقِيبِ فَانْظُرْ مُشَاكَلَةَ
الِاسْمَيْنِ [ ص 398 ] اللّائِقَةِ بِهِ .
193.
وَقَوْلَهُمْ لِمُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ { لَنْ نَصْبِرَ
عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمّا تُنْبِتُ
الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثّائِهَا وَفُومِهَا } قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
الْفُوَمُ الْحِنْطَةُ . قَالَ أُمَيّةُ بْنُ الصّلْتِ الثّقَفِيّ :
194.
فَوْقَ شِيزِي مِثْلُ الْجَوَابِي عَلَيْهَا
195.
قِطَعٌ كَالْوَذِيلِ فِي نِقْيِ فُومٍ
196.
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
197.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْوَذِيلُ قِطَعُ الْفِضّةِ
وَالْفُومُ الْقَمْحُ وَاحِدَتُهُ فُومَةٌ . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ
لَهُ . { وَعَدَسِهَا
وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الّذِي هُوَ أَدْنَى بِالّذِي هُوَ خَيْرٌ
اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمْ يَفْعَلُوا . وَرَفْعَهُ الطّورَ
فَوْقَهُمْ لِيَأْخُذُوا مَا أُوتُوا ؛ وَالْمَسْخَ الّذِي كَانَ فِيهِمْ إذْ جَعَلَهُمْ
قِرَدَةً بِأَحْدَاثِهِمْ وَالْبَقَرَةَ الّتِي أَرَاهُمْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ
بِهَا الْعِبْرَةَ فِي الْقَتِيلِ الّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ حَتّى بَيّنَ اللّهُ
لَهُمْ أَمْرَهُ بَعْدَ التّرَدّدِ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ فِي صِفَةِ
الْبَقَرَةِ وَقَسْوَةِ قُلُوبِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ حَتّى كَانَتْ كَالْحِجَارَةِ
أَوْ أَشَدّ قَسْوَةً . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : [ ص 396 ] { وَإِنّ مِنَ
الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنّ مِنْهَا لَمَا
يَشّقّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ
خَشْيَةِ اللّهِ } أَيْ وَإِنّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَأَلْيَنُ مِنْ قُلُوبِكُمْ
عَمّا تُدْعَوْنَ إلَيْهِ مِنْ الْحَقّ { وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا
تَعْمَلُونَ }
198.
ثُمّ قَالَ لِمُحَمّدِ عَلَيْهِ الصّلَاةُ السّلَامُ
وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يُؤَيّسُهُمْ مِنْهُمْ { أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ
يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللّهِ
ثُمّ يُحَرّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } وَلَيْسَ قَوْلُهُ
يَسْمَعُونَ التّوْرَاةَ ، أَنّ كُلّهُمْ قَدْ سَمِعَهَا ، وَلَكِنّهُ فَرِيقٌ
مِنْهُمْ أَيْ خَاصّةً . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ، فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ بَعْضِ
أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا لِمُوسَى : يَا مُوسَى ، قَدْ حِيلَ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ رُؤْيَةِ اللّهِ فَأَسْمِعْنَا كَلَامَهُ حِينَ يُكَلّمُك ، فَطَلَبَ
ذَلِكَ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْ رَبّهِ فَقَالَ لَهُ نَعَمْ مُرْهُمْ
فَلْيَطْهُرُوا ، أَوْ لِيُطَهّرُوا ثِيَابَهُمْ وَلْيَصُومُوا ، فَفَعَلُوا .
ثُمّ خَرَجَ بِهِمْ حَتّى أَتَى بِهِمْ الطّورَ ، فَلَمّا غَشِيَهُمْ الْغَمَامُ
أَمَرَهُمْ مُوسَى فَوَقَعُوا سُجّدًا ، وَكَلّمَهُ رَبّهُ فَسَمِعُوا كَلَامَهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، يَأْمُرُهُمْ وَيَنْهَاهُمْ حَتّى عَقَلُوا عَنْهُ مَا سَمِعُوا
، ثُمّ انْصَرَفَ بِهِمْ إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ فَلَمّا جَاءَهُمْ حَرّفَ
فَرِيقٌ مِنْهُمْ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَقَالُوا : حِينَ قَالَ مُوسَى لِبَنِي
إسْرَائِيلَ إنّ اللّهَ قَدْ أَمَرَكُمْ بِكَذَا وَكَذَا ، قَالَ ذَلِكَ
الْفَرِيقُ الّذِي ذَكَرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ إنّمَا قَالَ كَذَا وَكَذَا ،
خِلَافًا لِمَا قَالَ اللّهُ لَهُمْ فَهُمْ الّذِينَ عَنَى اللّهُ عَزّ وَجَلّ
لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا
لَقُوا الّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنّا } أَيْ بِصَاحِبِكُمْ رَسُولِ اللّهِ
وَلَكِنّهُ إلَيْكُمْ خَاصّةً . { وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ
قَالُوا } لَا تُحَدّثُوا الْعَرَبَ بِهَذَا ، فَإِنّكُمْ قَدْ كُنْتُمْ
تَسْتَفْتِحُونَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَكَانَ فِيهِمْ . فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ
وَجَلّ فِيهِمْ { وَإِذَا لَقُوا الّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنّا وَإِذَا
خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللّهُ
عَلَيْكُمْ لِيُحَاجّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } أَيْ
تُقِرّونَ بِأَنّهُ نَبِيّ ، وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنّهُ قَدْ أُخِذَ لَهُ
الْمِيثَاقُ عَلَيْكُمْ بِاتّبَاعِهِ وَهُوَ يُخْبِرُكُمْ أَنّهُ النّبِيّ
الّذِي كُنّا نَنْتَظِرُ وَنَجِدُ فِي كِتَابِنَا ؛ اجْحَدُوهُ وَلَا تُقِرّوا لَهُمْ
[ ص 397 ] عَزّ وَجَلّ { أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا
يُسِرّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ وَمِنْهُمْ أُمّيّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ
إِلّا أَمَانِيّ }
199.
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
200.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ إلّا أَمَانِيّ
إلّا قِرَاءَةً لِأَنّ الْأُمّيّ الّذِي يَقْرَأُ وَلَا يَكْتُبُ . يَقُولُ لَا يَعْلَمُونَ
الْكِتَابَ إلّا ( أَنّهُمْ ) يَقْرَءُونَهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَنْ أَبِي
عُبَيْدَةَ وَيُونُسَ أَنّهُمَا تَأَوّلَا ذَلِكَ عَنْ الْعَرَبِ فِي قَوْلِ
اللّهِ عَزّ وَجَلّ حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بِذَلِكَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
: وَحَدّثَنِي يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ النّحْوِيّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ
الْعَرَبَ تَقُولُ تَمَنّى ، فِي مَعْنَى قَرَأَ . وَفِي كِتَابِ اللّهِ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا
نَبِيّ إِلّا إِذَا تَمَنّى أَلْقَى الشّيْطَانُ فِي أُمْنِيّتِهِ } قَالَ
وَأَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحْوِيّ :
201.
تَمَنّى كِتَابَ اللّهِ أَوّلَ لَيْلِهِ ... وَآخِرَهُ
وَافَى حِمَامُ الْمَقَادِرِ
202.
وَأَنْشَدَنِي أَيْضًا :
203.
تَمَنّى كِتَابَ اللّهِ فِي اللّيْلِ خَالِيًا ... تَمَنّيّ
دَاوُدَ الزّبُورِ عَلَى رِسْلِ
204.
وَوَاحِدَةُ الْأَمَانِيّ أُمْنِيّةٌ . وَالْأَمَانِيّ (
أَيْضًا ) : أَنْ يَتَمَنّى الرّجُلُ الْمَالَ أَوْ غَيْرَهُ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : { وَإِنْ هُمْ إِلّا يَظُنّونَ } أَيْ لَا يَعْلَمُونَ
الْكِتَابَ وَلَا يَدْرُونَ مَا فِيهِ وَهُمْ يَجْحَدُونَ نُبُوّتَك بِالظّنّ
.
205.
{
وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إِلّا أَيّامًا
مَعْدُودَةً قُلْ أَتّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ
أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ }
206.
دَعْوَى الْيَهُودِ قِلّةَ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ وَرَدّ
اللّهِ عَلَيْهِمْ
207.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَوْلًى لِزَيْدِ بْنِ
ثَابِتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ ابْنِ
عَبّاسٍ ، [ ص 398 ] قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْمَدِينَةَ وَالْيَهُودُ تَقُولُ إنّمَا مُدّةُ الدّنْيَا سَبْعَةٌ آلَافِ
سَنَةٍ ، وَإِنّمَا يُعَذّبُ اللّهُ النّاسَ فِي النّارِ بِكُلّ أَلْفِ سَنَةٍ
مِنْ أَيّامِ الدّنْيَا يَوْمًا وَاحِدًا فِي النّارِ مِنْ أَيّامِ الْآخِرَةِ
وَإِنّمَا هِيَ سَبْعَةُ أَيّامٍ ثُمّ يَنْقَطِعُ الْعَذَابُ . فَأَنْزَلَ
اللّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ { وَقَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إِلّا
أَيّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتّخَذْتُمْ عِنْدَ اللّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ
اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ بَلَى مَنْ
كَسَبَ سَيّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ } أَيْ مَنْ عَمِلَ بِمِثْلِ
أَعْمَالِكُمْ وَكَفَرَ بِمِثْلِ مَا كَفَرْتُمْ بِهِ يُحِيطُ كُفْرُهُ بِمَا
لَهُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ حَسَنَةٍ { فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النّارِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ } أَيْ خُلّدٌ أَبَدًا . { وَالّذِينَ
آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنّةِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ } أَيْ مَنْ آمَنَ بِمَا كَفَرْتُمْ بِهِ وَعَمِلَ بِمَا تَرَكْتُمْ
مِنْ دِينِهِ فَلَهُمْ الْجَنّةُ خَالِدِينَ فِيهَا ، يُخْبِرُهُمْ أَنّ
الثّوَابَ بِالْخَيْرِ وَالشّرّ مُقِيمٌ عَلَى أَهْلِهِ أَبَدًا ، لَا
انْقِطَاعَ لَهُ .
208.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَالَ ( اللّهُ عَزّ وَجَلّ )
يُؤَنّبُهُمْ { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ } أَيْ
مِيثَاقَكُمْ { لَا تَعْبُدُونَ إِلّا اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنّاسِ حُسْنًا
وَأَقِيمُوا الصّلَاةَ وَآتُوا الزّكَاةَ ثُمّ تَوَلّيْتُمْ إِلّا قَلِيلًا
مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ } أَيْ تَرَكْتُمْ ذَلِكَ كُلّهُ لَيْسَ بِالتّنَقّصِ
. { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ
}
209.
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
210.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَسْفِكُونَ تَصُبّونَ . تَقُولُ
الْعَرَبُ : سَفَكَ دَمَهُ أَيْ صَبّهُ وَسَفَكَ الزّقّ أَيْ هَرَاقَهُ .
قَالَ الشّاعِرُ
211.
وَكُنّا إذَا مَا الضّيْفُ حَلّ بِأَرْضِنَا
212.
سَفَكْنَا دِمَاءَ الْبُدْنِ فِي تُرْبَةِ الْحَالِ
213.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَعْنِي " بِالْحَالِ " :
الطّينَ الّذِي يُخَالِطُهُ الرّمْلُ وَهُوَ الّذِي تَقُولُ لَهُ الْعَرَبُ :
السّهْلَةُ . وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ إنّ جِبْرِيلَ لَمّا قَالَ
فِرْعَوْنُ : { آمَنْتُ أَنّهُ لَا إِلَهَ إِلّا
الّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ } أَخَذَ مِنْ حَالِ الْبَحْرِ وَحَمْأَتِهِ فَضَرَبَ بِهِ وَجْهَ فِرْعَوْنَ
. ( وَالْحَالُ مِثْلُ الْحَمْأَةِ ) . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
: { وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ
ثُمّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } عَلَى أَنّ هَذَا حَقّ مِنْ
مِيثَاقِي عَلَيْكُمْ { ثُمّ أَنْتُمْ
هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ
دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } أَيْ أَهْلَ
الشّرْكِ حَتّى يَسْفِكُوا دِمَاءَهُمْ مَعَهُمْ وَيُخْرِجُوهُمْ مِنْ
دِيَارِهِمْ مَعَهُمْ { وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ } وَقَدْ
عَرَفْتُمْ أَنّ ذَلِكَ عَلَيْكُمْ فِي دِينِكُمْ { وَهُوَ مُحَرّمٌ عَلَيْكُمْ
} [ ص 399 ] { إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ
بِبَعْضٍ } ( أَيْ ) أَتُفَادُونَهُمْ
مُؤْمِنِينَ بِذَلِكَ وَتُخْرِجُونَهُمْ كُفّارًا بِذَلِكَ . { فَمَا جَزَاءُ
مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَيَوْمَ
الْقِيَامَةِ يُرَدّونَ إِلَى أَشَدّ الْعَذَابِ وما الله بغافل عما تعملون
أُولَئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدّنْيَا بِالْآخِرَةِ فَلَا
يُخَفّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ } فَأَنّبَهُمْ اللّهُ
عَزّ وَجَلّ بِذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ وَقَدْ حَرّمَ عَلَيْهِمْ فِي التّوْرَاةِ
سَفْكَ دِمَائِهِمْ وَافْتَرَضَ عَلَيْهِمْ فِيهَا فِدَاءَ أَسْرَاهُمْ .
فَكَانُوا فَرِيقَيْنِ مِنْهُمْ بَنُو قَيْنُقَاعِ وَلَفّهُمْ حُلَفَاءُ
الْخَزْرَجِ ، وَالنّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ وَلَفّهُمْ حُلَفَاءُ الْأَوْسِ .
فَكَانُوا إذَا كَانَتْ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ حَرْبٌ خَرَجَتْ بَنُو قَيْنُقَاعِ
مَعَ الْخَزْرَجِ وَخَرَجَتْ النّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ مَعَ الْأَوْسِ يُظَاهِرُ
كُلّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ حُلَفَاءَهُ عَلَى إخْوَانِهِ حَتّى
يَتَسَافَكُوا دِمَاءَهُمْ بَيْنَهُمْ وَبِأَيْدِيهِمْ التّوْرَاةُ يَعْرِفُونَ
فِيهَا مَا عَلَيْهِمْ وَمَا لَهُمْ وَالْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ أَهْلُ شِرْكٍ
يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ . لَا يَعْرِفُونَ جَنّةً وَلَا نَارًا ، وَلَا
بَعْثًا وَلَا قِيَامَةً وَلَا كِتَابًا ، وَلَا حَلَالًا وَلَا حَرَامًا ،
فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا افْتَدَوْا أُسَارَاهُمْ تَصْدِيقًا
لِمَا فِي التّوْرَاةِ ، وَأَخَذَ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَفْتَدِي بَنُو
قَيْنُقَاعِ مَنْ كَانَ مِنْ أَسْرَاهُمْ فِي أَيْدِي الْأَوْسِ وَتَفْتَدِي
النّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ مَا فِي أَيْدِي الْخَزْرَجِ مِنْهُمْ وَيُطِلّونَ مَا
أَصَابُوا مِنْ الدّمَاءِ وَقَتْلَى مَنْ قَتَلُوا مِنْهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ
مُظَاهَرَةً لِأَهْلِ الشّرْكِ عَلَيْهِمْ . يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى حِينَ
أَنّبَهُمْ بِذَلِكَ { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ
بِبَعْضٍ } أَيْ تُفَادِيهِ بِحُكْمِ
التّوْرَاةِ وَتَقْتُلُهُ وَفِي حُكْمِ التّوْرَاةِ أَنْ لَا تَفْعَلَ
تَقْتُلُهُ وَتُخْرِجُهُ مِنْ دَارِهِ وَتُظَاهِرُ عَلَيْهِ مَنْ يُشْرِكُ
بِاَللّهِ وَيَعْبُدُ الْأَوْثَانَ مِنْ دُونِهِ ابْتِغَاءَ عَرَضِ الدّنْيَا .
فَفِي ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِمْ مَعَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ . فِيمَا بَلَغَنِي
- نَزَلَتْ هَذِهِ الْقِصّةُ .
214.
ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ
وَقَفّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
الْبَيّنَاتِ } أَيْ الْآيَاتِ الّتِي وُضِعَتْ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ إحْيَاءِ
الْمَوْتَى ، وَخَلْقِهِ مِنْ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ ثُمّ يَنْفُخُ فِيهِ
فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَإِبْرَاءِ الْأَسْقَامِ وَالْخَبَرِ عَنْ
كَثِيرٍ مِنْ الْغُيُوبِ مِمّا يَدّخِرُونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَمَا رَدّ
عَلَيْهِمْ مِنْ التّوْرَاةِ مَعَ الْإِنْجِيلِ ، الّذِي أَحْدَثَ اللّهُ
إلَيْهِ . [ ص 400 ] ذَكَرَ كُفْرَهُمْ بِذَلِكَ كُلّهِ فَقَالَ { أَفَكُلّمَا
جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا
كَذّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ } ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَقَالُوا
قُلُوبُنَا غُلْفٌ } فِي أَكِنّةٍ يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { بَلْ لَعَنَهُمُ
اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ ولما جاءهم كتاب من عند الله مُصَدّقٌ
لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُوا
فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ } قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ أَشْيَاخٍ
مِنْ قَوْمِهِ قَالَ قَالُوا : فِينَا وَاَللّهِ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ
الْقِصّةُ كُنّا قَدْ عَلَوْنَاهُمْ ظُهْرًا فِي الْجَاهِلِيّةِ وَنَحْنُ أَهْلُ
شِرْكٍ وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَكَانُوا يَقُولُونَ لَنَا : إنّ نَبِيّا
يُبْعَثُ الْآنَ نَتّبِعُهُ قَدْ أَظَلّ زَمَانُهُ نَقْتُلُكُمْ مَعَهُ قَتْلَ
عَادٍ وَإِرَمَ . فَلَمّا بَعَثَ اللّهُ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مِنْ قُرَيْشٍ فَاتّبَعْنَاهُ كَفَرُوا بِهِ . يَقُولُ اللّهُ {
فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى
الْكَافِرِينَ بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا
أَنْزَلَ اللّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزّلَ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ
مِنْ عِبَادِهِ } أَيْ أَنْ جَعَلَهُ فِي غَيْرِهِمْ { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى
غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ }
215.
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
216.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : { فَبَاءُوا بِغَضَبٍ } أَيْ
اعْتَرَفُوا بِهِ وَاحْتَمَلُوهُ . قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ :
217.
أُصَالِحُكُمْ حَتّى تَبُوءُوا بِمِثْلِهَا
218.
كَصَرْخَةِ حُبْلَى يَسّرَتْهَا قَبِيلُهَا
219.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَسّرَتْهَا : أَجْلَسَتْهَا
لِلْوِلَادَةِ . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : فَالْغَضَبُ عَلَى الْغَضَبِ
لِغَضَبِهِ عَلَيْهِمْ فِيمَا كَانُوا ضَيّعُوا مِنْ التّوْرَاةِ ، وَهِيَ
مَعَهُمْ وَغَضَبٌ بِكُفْرِهِمْ بِهَذَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الّذِي أَحْدَثَ اللّهُ إلَيْهِمْ . ثُمّ أَنّبَهُمْ بِرَفْعِ الطّورِ
عَلَيْهِمْ وَاِتّخَاذِهِمْ الْعِجْلَ إلَهًا دُونَ رَبّهِمْ يَقُولُ اللّهُ
تَعَالَى لِمُحَمّدِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ
الدّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنّوُا
الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَيْ اُدْعُوَا بِالْمَوْتِ عَلَى أَيّ الْفَرِيقَيْنِ
أَكْذَبَ عِنْدَ اللّهِ فَأَبَوْا ذَلِكَ [ ص 401 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ . يَقُولُ اللّهُ جَلّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيّهِ عَلَيْهِ الصّلَاةُ
وَالسّلَامُ { وَلَنْ يَتَمَنّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أَيْ
بِعِلْمِهِمْ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ بك ، وَالْكُفْرِ بِذَلِكَ
فَيُقَالُ لَوْ تَمَنّوْهُ يَوْمَ قَالَ ذَلِكَ لَهُمْ مَا بَقِيَ عَلَى وَجْهِ
الْأَرْضِ يَهُودِيّ إلّا مَاتَ . ثُمّ ذَكَرَ رَغْبَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ
الدّنْيَا وَطُولِ الْعُمْرِ فَقَالَ تَعَالَى : { وَلَتَجِدَنّهُمْ أَحْرَصَ
النّاسِ عَلَى حَيَاةٍ } الْيَهُودُ {
وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمّرُ أَلْفَ سَنَةٍ
وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمّرَ } أَيْ مَا هُوَ بِمُنْجِيهِ مِنْ الْعَذَابِ وَذَلِكَ أَنّ الْمُشْرِكَ
لَا يَرْجُو بَعْثًا بَعْدَ الْمَوْتِ فَهُوَ يُحِبّ طُولَ الْحَيَاةِ وَأَنّ الْيَهُودِيّ
قَدْ عَرَفَ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخِزْيِ بِمَا ضَيّعَ مِمّا
عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ . ثُمّ قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّا لِجِبْرِيلَ فَإِنّهُ نَزّلَهُ
عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ } [ ص 400 ] [ ص 401 ]
220.
سُؤَالُ الْيَهُودِ الرّسُولَ وَإِجَابَتُهُ لَهُمْ عَلَيْهِ
الصّلَاةُ وَالسّلَامُ
221.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ (
عَبْدِ ) الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْمَكّيّ عَنْ شَهْرِ بْنِ
حَوْشَبٍ الْأَشْعَرِيّ أَنّ نَفَرًا مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ جَاءُوا رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ أَخْبِرْنَا عَنْ
أَرْبَعٍ نَسْأَلُك عَنْهُنّ فَإِنْ فَعَلْت ذَلِكَ اتّبَعْنَاك وَصَدّقْنَاك
وَآمَنّا بِك . قَالَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللّهِ وَمِيثَاقُهُ لَئِنْ أَنَا
أَخْبَرْتُكُمْ بِذَلِكَ لَتُصَدّقُنّنِي ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ فَاسْأَلُوا
عَمّا بَدَا لَكُمْ قَالُوا : فَأَخْبِرْنَا كَيْفَ يُشْبِهُ الْوَلَدُ أُمّهُ
وَإِنّمَا النّطْفَةُ مِنْ الرّجُلِ ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْشُدُكُمْ بِاَللّهِ وَبِأَيّامِهِ عِنْدَ
بَنِي إسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنّ نُطْفَةَ الرّجُلِ بَيْضَاءَ غَلِيظَةً
وَنُطْفَةَ الْمَرْأَةِ صَفْرَاءَ رَقِيقَةً فَأَيّتُهُمَا عَلَتْ صَاحِبَتَهَا
كَانَ لَهَا الشّبَهُ ؟ قَالُوا : اللّهُمّ نَعَمْ . قَالُوا : فَأَخْبِرْنَا كَيْفَ
نَوْمُك ؟ فَقَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاَللّهِ وَبِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي
إسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنّ نَوْمَ الّذِي تَزْعُمُونَ أَنّي لَسْت بِهِ
تَنَامُ عَيْنُهُ وَقَلْبُهُ يَقْظَانُ ؟ فَقَالُوا : اللّهُمّ نَعَمْ قَالَ
فَكَذَلِكَ نَوْمِي ، تَنَامُ عَيْنِي وَقَلْبِي يَقْظَانُ . قَالُوا : فَأَخْبِرْنَا عَمّا حَرّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ ؟
قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاَللّهِ وَبِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُونَ
أَنّهُ كَانَ أَحَبّ الطّعَامِ وَالشّرَابِ إلَيْهِ أَلْبَانُ الْإِبِلِ
وَلُحُومُهَا ، وَأَنّهُ اشْتَكَى شَكْوَى ، فَعَافَاهُ اللّهُ مِنْهَا ، فَحَرّمَ
عَلَى نَفْسِهِ حُبّ الطّعَامِ وَالشّرَابِ إلَيْهِ شُكْرًا لِلّهِ فَحَرّمَ
عَلَى نَفْسِهِ لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا ؟ قَالُوا : اللّهُمّ نَعَمْ .
قَالُوا : فَأَخْبِرْنَا عَنْ الرّوحِ ؟ قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاَللّهِ
وَبِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُونَهُ جِبْرِيلُ وَهُوَ
الّذِي يَأْتِينِي ؟ قَالُوا : اللّهُمّ نَعَمْ وَلَكِنّهُ يَا مُحَمّدُ لَنَا [
ص 402 ] مَلَكٌ إنّمَا يَأْتِي بِالشّدّةِ وَبِسَفْكِ الدّمَاءِ وَلَوْلَا
ذَلِكَ لَاتّبَعْنَاك ، قَالَ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ { قُلْ
مَنْ كَانَ عَدُوّا لِجِبْرِيلَ فَإِنّهُ نَزّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ
اللّهِ مُصَدّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ }
إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { أَوَكُلّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ
مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَمّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ
عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
كِتَابَ اللّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَاتّبَعُوا مَا
تَتْلُو الشّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ } أَيْ السّحْرَ { وَمَا كَفَرَ
سُلَيْمَانُ وَلَكِنّ الشّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلّمُونَ النّاسَ السّحْرَ
}
222.
إنْكَارَ الْيَهُودِ نُبُوّةَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ
عَلَيْهِ السّلَامُ وَرَدّ اللّهُ عَلَيْهِمْ
223.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي - لَمّا ذَكَرَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ
فِي الْمُرْسَلِينَ قَالَ بَعْضُ أَحْبَارِهِمْ أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ مُحَمّدٍ
، يَزْعُمُ أَنّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ كَانَ نَبِيّا ، وَاَللّهِ مَا كَانَ
إلّا سَاحِرًا . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ { وَمَا
كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنّ الشّيَاطِينَ كَفَرُوا } أَيْ بِاتّبَاعِهِمْ
السّحْرَ وَعَمَلِهِمْ بِهِ . { وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ
هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلّمَانِ مِنْ أَحَدٍ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَحَدّثَنِي بَعْضُ مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ،
أَنّهُ كَانَ يَقُولُ الّذِي حَرّمَ إسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ زَائِدَتَا
الْكَبِدِ وَالْكُلْيَتَانِ وَالشّحْمُ إلّا مَا كَانَ عَلَى الظّهْرِ فَإِنّ
ذَلِكَ كَانَ يُقَرّبُ لَلْقُرْبَانِ فَتَأْكُلُهُ النّارُ [ ص 402 ]
224.
كِتَابُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى يَهُودِ
خَيْبَرَ
225.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ ، فِيمَا حَدّثَنِي مَوْلًى
لِآلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ عِكْرِمَةَ أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ،
عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ [ ص 403 ] بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدٍ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَاحِبِ مُوسَى وَأَخِيهِ وَالْمُصَدّقِ
لِمَا جَاءَ بِهِ مُوسَى : أَلَا إنّ اللّهَ قَدْ قَالَ لَكُمْ يَا مَعْشَرَ
أَهْلِ التّوْرَاةِ ، وَإِنّكُمْ لِتَجِدُونِ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ { مُحَمّدٌ
رَسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَاءُ
بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكّعًا سُجّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللّهِ
وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السّجُودِ ذَلِكَ
مَثَلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ ومثلهم في الإنجيل كزرع وَمَثَلُهُمْ فِي
الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى
عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفّارَ وَعَدَ اللّهُ
الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا
عَظِيمًا } وَإِنّي أَنْشُدُكُمْ بِاَللّهِ ، وَأَنْشُدُكُمْ بِمَا أَنْزَلَ
عَلَيْكُمْ وَأَنْشُدُكُمْ بِاَلّذِي أَطْعَمَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ أَسْبَاطِكُمْ
الْمَنّ وَالسّلْوَى ، وَأَنْشُدُكُمْ بِاَلّذِي أَيْبَسَ الْبَحْرَ
لِآبَائِكُمْ حَتّى أَنْجَاهُمْ مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ إلّا أَخْبَرْتُمُونِي
: هَلْ تَجِدُونَ فِيمَا أَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِمُحَمّدِ
؟ فَإِنْ كُنْتُمْ لَا تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي كِتَابِكُمْ فَلَا كُرْهَ
عَلَيْكُمْ . قَدْ تَبَيّنَ الرّشْدُ مِنْ الْغَيّ - فَأَدْعُوكُمْ إلَى اللّهِ
وَإِلَى نَبِيّهِ .
226.
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
227.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : شَطْؤُهُ فِرَاخُهُ وَوَاحِدَتُهُ
شَطْأَةٌ . تَقُولُ الْعَرَبُ : قَدْ أَشْطَأَ الزّرْعُ إذَا أَخْرَجَ
فِرَاخَهُ . وَآزَرَهُ عَاوَنَهُ فَصَارَ الّذِي
قَبْلَهُ مِثْلَ الْأُمّهَاتِ . قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنِ حَجَرٍ
الْكِنْدِيّ :
228.
بِمَحْنِيّةِ قَدْ آزَرَ الضّالَ نَبْتُهَا
229.
مَجَرّ جُيُوشٍ غَانِمِينَ وَخُيّبِ
230.
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ حُمَيْدُ
بْنُ مَالِكٍ الْأَرْقَطُ أَحَدُ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ
مَنَاةَ زَرْعًا وَقَضْبًا مُؤَزّرَ النّبَاتِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي
أُرْجُوزَةٍ لَهُ . وَسُوقُهُ غَيْرُ مَهْمُوزٍ جَمْعُ سَاقٍ لِسَاقِ الشّجَرَةِ .
231.
مَا نَزَلَ فِي أَبِي يَاسِرٍ وَأَخِيهِ
232.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّنْ نَزَلَ فِيهِ
الْقُرْآنُ بِخَاصّةِ مِنْ الْأَحْبَارِ وَكُفّارِ يَهُودَ الّذِي كَانُوا
يَسْأَلُونَهُ وَيَتَعَنّتُونَهُ لِيَلْبِسُوا الْحَقّ بِالْبَاطِلِ - فِيمَا
ذُكِرَ لِي عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رِئَابٍ
- أَنّ أَبَا يَاسِرٍ بْنَ أَخْطَبَ مَرّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يَتْلُو فَاتِحَةَ الْبَقَرَةِ { الم ذَلِكَ
الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ } فَأَتَى أَخَاهُ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ فِي
رِجَالٍ مِنْ [ ص 404 ] فَقَالَ تَعْلَمُوا وَاَللّهِ لَقَدْ سَمِعْت مُحَمّدًا
يَتْلُو فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ { الم ذَلِكَ الْكِتَابُ } فَقَالُوا : أَنْتَ
سَمِعْته ؟ فَقَالَ نَعَمْ فَمَشَى حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ فِي أُولَئِكَ النّفَرِ
مِنْ يَهُودَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا
لَهُ يَا مُحَمّدُ أَلَمْ يُذْكَرْ لَنَا أَنّك تَتْلُو فِيمَا أُنْزِلَ إلَيْك
: { الم ذَلِكَ الْكِتَابُ } ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بَلَى ، قَالُوا : أَجَاءَك بِهَا جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ؟
فَقَالَ نَعَمْ قَالُوا : لَقَدْ بَثّ اللّهُ قَبْلَك أَنْبِيَاءَ مَا نَعْلَمُهُ
بَيّنَ لِنَبِيّ مِنْهُمْ مَا مُدّةُ مُلْكِهِ وَمَا أَكْلُ أُمّتِهِ غَيْرَك ،
فَقَالَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، وَأَقْبَلَ عَلَى مَنْ مَعَهُ فَقَالَ لَهُمْ
الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ وَاللّامُ ثَلَاثُونَ وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ فَهَذِهِ
إحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَةً أَفَتَدْخُلُونَ فِي دِينِ إنّمَا مُدّةُ مُلْكِهِ
وَأَكْلُ أُمّتِهِ إحْدَى وَسَبْعُونَ سَنَةً ؟ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ هَلْ مَعَ هَذَا
غَيْرُهُ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَاذَا ؟ قَالَ { المص } قَالَ هَذِهِ وَاَللّهِ
أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ وَاللّامُ ثَلَاثُونَ وَالْمِيمُ
أَرْبَعُونَ وَالصّادُ تِسْعُونَ فَهَذِهِ إحْدَى وَسِتّونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ
هَلْ مَعَ هَذَا يَا مُحَمّدُ غَيْرُهُ ؟ قَالَ نَعَمْ { الر } قَالَ هَذِهِ وَاَللّهِ
أَثْقَلُ وَأَطْوَلُ الْأَلِفُ [ ص 405 ] وَاحِدَةً وَاللّامُ ثَلَاثُونَ
وَالرّاءُ مِائَتَانِ فَهَذِهِ إحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَتَانِ هَلْ مَعَ
هَذَا غَيْرُهُ يَا مُحَمّدُ ؟ قَالَ نَعَمْ { المر } قَالَ هَذِهِ وَاَللّهِ أَثْقَلُ
وَأَطْوَلُ الْأَلِفُ وَاحِدَةٌ وَاللّامُ ثَلَاثُونَ وَالْمِيمُ أَرْبَعُونَ
وَالرّاءُ مِائَتَانِ فَهَذِهِ إحْدَى وَسَبْعُونَ وَمِائَتَا سَنَةٍ ثُمّ قَالَ
لَقَدْ لُبّسَ عَلَيْنَا أَمْرُك يَا مُحَمّدُ حَتّى مَا نَدْرِي أَقَلِيلًا
أُعْطِيت أَمْ كَثِيرًا ؟ ثُمّ قَامُوا عَنْهُ فَقَالَ أَبُو يَاسِرٍ لِأَخِيهِ حُيّيَ
بْنِ أَخْطَبَ وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْأَحْبَارِ مَا يُدْرِيكُمْ لَعَلّهُ قَدْ
جُمِعَ هَذَا كُلّهُ لِمُحَمّدِ إحْدَى وَسَبْعُونَ وَإِحْدَى وَسِتّونَ
وَمِائَةٌ وَإِحْدَى وَثَلَاثُونَ وَمِائَتَانِ وَإِحْدَى وَسَبْعُونَ
وَمِائَتَانِ فَذَلِكَ سَبْعُمِائَةٍ وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً فَقَالُوا
: لَقَدْ تَشَابَهَ عَلَيْنَا أَمْرُهُ . فَيَزْعُمُونَ أَنّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِيهِمْ { مِنْهُ
آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنّ أُمّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَقَدْ سَمِعْت مَنْ لَا أَتّهِمُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ
أَنّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ إنّمَا أُنْزِلْنَ فِي أَهْلِ نَجْرَانَ ، حِينَ
قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْأَلُونَهُ
عَنْ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ . [ ص 406 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ
بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ، أَنّهُ قَدْ سَمِعَ أَنّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ إنّمَا
أُنْزِلْنَ فِي نَفَرٍ مِنْ يَهُودَ وَلَمْ يُفَسّرْ ذَلِكَ لِي
. فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ
.Sحَدِيثُ أَبِي يَاسِرٍ بْنِ أَخْطَبَ
233.
فَصْلٌ
234.
[
ص 403 ] وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ أَبِي
يَاسِرٍ بْنِ أَخْطَبَ وَأَخِيهِ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ حِينَ سَمِعَا { المص }
وَنَحْوَهَا مِنْ الْحُرُوفِ وَأَنّهُمْ أَخَذُوا تَأْوِيلَهَا مِنْ حُرُوفِ
أَبِجَدّ إلَى قَوْلِهِ لَعَلّهُ قَدْ جُمِعَ لِمُحَمّدِ وَأُمّتِهِ هَذَا
كُلّهُ . قَالَ الْمُؤَلّفُ وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ وَمَا
تَأَوّلُوهُ مِنْ مَعَانِي هَذِهِ الْحُرُوفِ مُحْتَمَلٌ حَتّى الْآنَ أَنْ
يَكُونَ مِنْ بَعْضِ مَا دَلّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْحُرُوفُ [ ص 404 ] صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَمْ
يُكَذّبْهُمْ فِيمَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ وَلَا صَدّقَهُمْ . وَقَالَ فِي
حَدِيثٍ آخَرَ لَا تُصَدّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذّبُوهُمْ وَقُولُوا
: آمَنّا بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ . وَإِذَا كَانَ فِي حَدّ الِاحْتِمَالِ
وَجَبَ أَنْ يُفْحَصَ عَنْهُ فِي الشّرِيعَةِ هَلْ يُشِيرُ إلَى صِحّتِهِ
كِتَابٌ أَوْ سُنّةٌ فَوَجَدْنَا فِي التّنْزِيلِ وَإِنّ يَوْمًا عِنْدَ رَبّك
كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ وَوَجَدْنَا فِي حَدِيثِ زَمْلٍ الْخُزَاعِيّ
حِينَ قَصّ عَلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - رُؤْيَا ،
وَقَالَ فِيهَا : رَأَيْتُك يَا رَسُولَ اللّهِ عَلَى مِنْبَرٍ لَهُ سَبْعُ
دَرَجَاتٍ ؟ وَإِلَى جَنْبِهِ نَاقَةٌ عَجْفَاءُ كَأَنّك تَبْعَثُهَا ، فَفَسّرَ
لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاقَةَ بِقِيَامِ السّاعَةِ
الّتِي أُنْذِرَ بِهَا ، وَقَالَ فِي الْمِنْبَرِ وَدَرَجَاتِهِ الدّنْيَا :
سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ بُعِثْت فِي آخِرِهَا أَلْفًا وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ
ضَعِيفَ الْإِسْنَادِ فَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبّاسٍ مِنْ طُرُقٍ
صِحَاحٍ أَنّهُ قَالَ الدّنْيَا سَبْعَةُ أَيّامٍ كُلّ يَوْمٍ أَلْفُ سَنَةٍ
وَبُعِثَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْهَا . وَقَدْ مَضَتْ مِنْهُ سُنُونَ أَوْ قَالَ مِئُونَ
وَصَحّحَ أَبُو جَعْفَرٍ الطّبَرِيّ هَذَا الْأَصْلَ وَعَضّدَهُ بِآثَارِ
وَذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
بُعِثْت أَنَا وَالسّاعَةَ كَهَاتَيْنِ ، وَإِنّمَا
سَبَقْتهَا بِمَا سَبَقَتْ هَذِهِ هَذِهِ يَعْنِي : الْوُسْطَى وَالسّبّابَةَ
وَأَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ صَحّحَهَا وَأَوْرَدَ
مِنْهَا [ ص 405 ] لَنْ يُعْجِزَ اللّهَ أَنْ
يُؤَخّرَ هَذِهِ الْأُمّةَ نِصْفَ يَوْمٍ يَعْنِي : خَمْسَمِائَةِ عَامٍ وَقَدْ
خَرّجَ هَذَا الْحَدِيثَ الْأَخِيرَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا . قَالَ الطّبَرِيّ :
وَهَذَا فِي مَعْنَى مَا قَبْلَهُ يَشْهَدُ لَهُ وَيُبَيّنُهُ فَإِنّ الْوُسْطَى
تَزِيدُ عَلَى السّبّابَةِ بِنِصْفِ سُبْعِ أُصْبُعٍ كَمَا أَنّ نِصْفَ يَوْمٍ
مِنْ سَبْعَةٍ نِصْفُ سُبْعٍ . قَالَ الْمُؤَلّفُ وَقَدْ مَضَتْ الْخَمْسُمِائَةِ
مِنْ وَفَاتِهِ إلَى الْيَوْمِ بِنَيّفِ عَلَيْهَا ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ لَنْ
يُعْجِزَ اللّهَ أَنْ يُؤَخّرَ هَذِهِ الْأُمّةَ نِصْفَ يَوْمٍ مَا يَنْفِي
الزّيَادَةَ عَلَى النّصْفِ وَلَا فِي قَوْلِهِ بُعِثْت أَنَا وَالسّاعَةَ
كَهَاتِينَ مَا يَقْطَعُ بِهِ عَلَى صِحّةِ تَأْوِيلِهِ فَقَدْ قِيلَ فِي
تَأْوِيلِهِ غَيْرُ هَذَا ، وَهُوَ أَنْ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السّاعَةِ
نَبِيّ غَيْرُهُ وَلَا شَرْعٌ غَيْرُ شَرْعِهِ مَعَ التّقْرِيبِ لِحِينِهَا ،
كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ { اقْتَرَبَتِ
السّاعَةُ وَانْشَقّ الْقَمَرُ } و { أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ
} وَلَكِنْ إذَا قُلْنَا : إنّهُ - عَلَيْهِ السّلَامُ - بُعِثَ فِي الْأَلْفِ
الْآخِرِ بَعْدَمَا مَضَتْ مِنْهُ سُنُونَ وَنَظَرْنَا بَعْدُ إلَى الْحُرُوفِ
الْمُقَطّعَةِ فِي أَوَائِلِ السّوَرِ وَجَدْنَاهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفًا
يَجْمَعُهَا : قَوْلُك : أَلَمْ
يَسْطَعْ نَصّ حَقّ كُرِهَ ثُمّ نَأْخُذُ الْعَدَدَ عَلَى حِسَابِ أَبِي جَادٍ
فَنَجِدُ ق مِائَةً و : ر مِائَتَيْنِ و : س ثَلَاثَمِائَةٍ فَهَذِهِ
سِتّمِائَةٍ و : ع سَبْعِينَ و : ص سِتّينَ فَهَذِهِ سَبْعُمِائَةٍ وَثَلَاثُونَ
و : ن خَمْسِينَ و : ك [ ص 406 ] ثَمَانُمِائَةٍ
و : م أَرْبَعِينَ و : ل ثَلَاثِينَ فَهَذِهِ ثَمَانُمِائَةٍ وَسَبْعُونَ و : ي
عَشْرَةٌ . و : ط تِسْعَةٌ و : أ وَاحِدٌ فَهَذِهِ ثَمَانُمِائَةٍ وَتِسْعُونَ و
: ح ثَمَانِيَةٌ و : ه خَمْسَةٌ فَهَذِهِ تِسْعُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَلَمْ
يُسَمّ اللّهُ سُبْحَانَهُ فِي أَوَائِلِ السّوَرِ إلّا هَذِهِ الْحُرُوفَ
فَلَيْسَ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَعْضِ مُقْتَضَيَاتِهَا وَبَعْضِ
فَوَائِدِهَا الْإِشَارَةُ إلَى هَذَا الْعَدَدِ مِنْ السّنِينَ لِمَا
قَدّمْنَاهُ فِي حَدِيثِ الْأَلْفِ السّابِعِ الّذِي بُعِثَ فِيهِ عَلَيْهِ
السّلَامُ غَيْرَ أَنّ الْحِسَابَ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَبْعَثِهِ أَوْ
مِنْ وَفَاتِهِ أَوْ مِنْ هِجْرَتِهِ وَكُلّ قَرِيبٌ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ
فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ، وَلَكِنْ [ ص 407 ] الْعَبّاسِيّ سَأَلَ جَعْفَرَ
بْنَ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْقَاضِي ، وَهُوَ عَبّاسِيّ أَيْضًا : عَمّا بَقِيَ
مِنْ الدّنْيَا ، فَحَدّثَهُ بِحَدِيثِ يَرْفَعُهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنّهُ قَالَ إنْ أَحْسَنَتْ أُمّتِي ، فَبَقَاؤُهَا يَوْمٌ
مِنْ أَيّامِ الْآخِرَةِ وَذَلِكَ أَلْفُ سَنَةٍ وَإِنْ أَسَاءَتْ فَنِصْفُ
يَوْمٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَتْمِيمٌ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدّمِ وَبَيَانٌ
لَهُ إذْ قَدْ انْقَضَتْ الْخَمْسُمِائَةِ وَالْأُمّةُ بَاقِيَةٌ وَالْحَمْدُ
لِلّهِ . [ ص 408 ]
235.
مَعَانِي الْحُرُوفِ فِي أَوَائِلِ السّوَرِ
236.
فَصْلٌ
237.
وَلِهَذِهِ الْحُرُوفِ فِي أَوَائِلِ السّوَرِ مَعَانٍ
جَمّةٌ وَفَوَائِدُ لَطِيفَةٌ وَمَا كَانَ اللّهُ تَعَالَى لِيُنَزّلَ فِي
الْكِتَابِ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا لِيُخَاطِبَ نَبِيّهُ وَذَوِي
أَلْبَابٍ مِنْ صَحْبِهِ بِمَا لَا يَفْهَمُونَ وَقَدْ أَنْزَلَهُ بَيَانًا
لِلنّاسِ وَشِفَاءً لِمَا فِي الصّدُورِ فَفِي تَخْصِيصِهِ هَذِهِ الْحُرُوفَ الْأَرْبَعَةَ
عَشَرَ بِالذّكْرِ دُونَ غَيْرِهَا حِكْمَةٌ بَلْ حِكَمٌ وَفِي إنْزَالِهَا
مُقَطّعَةً عَلَى هَيْئَةِ التّهَجّي فَوَائِدُ عِلْمِيّةٌ وَفِقْهِيّةٌ وَفِي
تَخْصِيصِهِ إيّاهَا بِأَوَائِلِ السّوَرِ وَفِي أَنْ كَانَتْ فِي بَعْضِ
السّوَرِ دُونَ بَعْضٍ فَوَائِدُ أَيْضًا ، وَفِي اقْتِرَانِ الْأَلِفِ
بِاللّامِ وَتَقَدّمِهَا عَلَيْهَا مَعَانٍ وَفَوَائِدُ وَفِي إرْدَافِ
الْأَلِفِ وَاللّامِ بِالْمِيمِ تَارَةً وَبِالرّاءِ أُخْرَى ، ، وَلَا تُوجَدُ
الْأَلِفُ وَاللّامُ فِي أَوَائِلِ السّوَرِ إلّا هَكَذَا مَعَ تَكَرّرِهَا
ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَرّةً فَوَائِدُ أَيْضًا ، وَفِي إنْزَالِ الْكَافِ قَبْلَ
الْهَاءِ وَالْهَاءِ قَبْلَ الْيَاءِ ثُمّ الْعَيْنُ ثُمّ الصّادُ مِنْ { كهيعص
} مَعَانٍ أَكْثَرُهَا تُنَبّهُ عَلَيْهَا آيَاتٌ مِنْ الْكِتَابِ وَتُبَيّنُ
الْمُرَادَ بِهَا لِمَنْ تَدَبّرَهَا . [ ص 409 ] وَأَثَر وَعَرَبِيّةٍ وَنَظَرٍ
يُخْرِجُنَا عَنْ مَقْصُودِ الْكِتَابِ وَيَنْأَى بِنَا عَنْ مَوْضُوعِهِ
وَالْمُرَادِ بِهِ وَيَقْتَضِي إفْرَادَ جُزْءٍ أَشْرَحُ مَا أَمْكَنَ مِنْ
ذَلِكَ وَلَعَلّهُ أَنْ يَكُونَ إنْ سَاعَدَ الْقَدَرُ وَاَللّهُ الْمُسْتَعَانُ
وَهُوَ وَلِيّ التّوْفِيقِ لَا شَرِيكَ لَهُ .
238.
كُفْرُ الْيَهُودِ بِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بَعْدَ اسْتِفْتَاحِهِمْ بِهِ وَمَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ
239.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ
عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ
ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ يَهُودَ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الْأَوْسِ
وَالْخَزْرَجِ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ
مَبْعَثِهِ فَلَمّا بَعَثَهُ اللّهُ مِنْ الْعَرَبِ كَفَرُوا بِهِ وَجَحَدُوا
مَا كَانُوا يَقُولُونَ فِيهِ . فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَبِشْرُ بْنُ
الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتّقُوا
اللّهَ وَأَسْلِمُوا ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَسْتَفْتِحُونَ عَلَيْنَا بِمُحَمّدِ
وَنَحْنُ أَهْلُ شِرْكٍ وَتُخْبِرُونَنَا أَنّهُ مَبْعُوثٌ وَتَصِفُونَهُ لَنَا
بِصِفَتِهِ فَقَالَ سَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ ، أَحَدُ بَنِي النّضِيرِ مَا
جَاءَنَا بِشَيْءِ نَعْرِفُهُ وَمَا هُوَ بِاَلّذِي كُنّا نَذْكُرُهُ لَكُمْ
فَأَنْزَلَ اللّهُ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ { وَلَمّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ
عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ
عَلَى الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ
فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ }
240.
مَا نَزَلَ فِي نُكْرَانِ مَالِكِ بْنِ الصّيْفِ الْعَهْدَ
إلَيْهِمْ بِالنّبِيّ
241.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ مَالِكُ بْنُ الصّيْفِ ،
حِينَ بُعِثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَذَكَرَ لَهُمْ
مَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ لَهُ مِنْ الْمِيثَاقِ وَمَا عَهِدَ اللّهُ إلَيْهِمْ
فِيهِ وَاَللّهِ مَا عُهِدَ إلَيْنَا فِي مُحَمّدٍ عَهْدٌ ، وَمَا أُخِذَ لَهُ عَلَيْنَا
مِنْ مِيثَاقٍ . فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ { أَوَكُلّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا
نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }
242.
مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ أَبِي صَلُوبَا " مَا جِئْتنَا
بِشَيْءِ نَعْرِفُهُ "
243.
[
ص 407 ] وَقَالَ أَبُو صَلُوبَا الْفِطْيَوْنِيّ
لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا مُحَمّدُ مَا جِئْتنَا
بِشَيْءِ نَعْرِفُهُ ، وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْك مِنْ آيَةٍ فَنَتّبِعَك
لَهَا . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ { وَلَقَدْ
أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلّا
الْفَاسِقُونَ }
244.
مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ ابْنِ حُرَيْمِلَةَ وَوَهْبٍ
245.
وَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ ، وَوَهْبُ بْنُ زَيْدٍ
لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا مُحَمّدُ ائْتِنَا
بِكِتَابِ تُنَزّلُهُ عَلَيْنَا مِنْ السّمَاءِ نَقْرَؤُهُ وَفَجّرْ لَنَا
أَنْهَارًا نَتّبِعْك وَنُصَدّقْك . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ
قَوْلِهِمَا : { أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى
مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلّ سَوَاءَ
السّبِيلِ }
246.
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
247.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : سَوَاءُ السّبِيلِ وَسَطُ السّبِيلِ .
قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ :
248.
يَا وَيْحَ أَنْصَارِ النّبِيّ وَرَهْطِهِ ... بَعْدَ
الْمُغَيّبِ فِي سَوَاءِ الْمُلْحَدِ
249.
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا فِي
مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللّهِ تَعَالَى .
250.
مَا نَزَلَ فِي صَدّ حُيَيّ وَأَخِيهِ النّاسَ عَنْ
الْإِسْلَامِ
251.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ
وَأَخُوهُ أَبُو يَاسِرٍ بْنُ أَخْطَبَ ، مِنْ أَشَدّ يَهُودَ لِلْعَرَبِ
حَسَدًا ، إذْ خَصّهُمْ اللّهُ تَعَالَى بِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَكَانَا جَاهِدَيْنِ فِي رَدّ النّاسِ عَنْ الْإِسْلَامِ بِمَا اسْتَطَاعَا
. فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمَا : { وَدّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
لَوْ يَرُدّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ
أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمُ الْحَقّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا
حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنّ اللّهَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ ص
408 ]
252.
تَنَازُعُ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى عِنْدَ الرّسُولِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
253.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا قَدِمَ أَهْلُ نَجْرَانَ
مِنْ النّصَارَى عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَتَتْهُمْ أَحْبَارُ يَهُودَ فَتَنَازَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ : مَا أَنْتُمْ عَلَى
شَيْءٍ وَكَفَرَ بِعِيسَى وَبِالْإِنْجِيلِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ
نَجْرَانَ مِنْ النّصَارَى لِلْيَهُودِ مَا أَنْتُمْ عَلَى شَيْءٍ وَجَحَدَ
نُبُوّةَ مُوسَى وَكَفَرَ بِالتّوْرَاةِ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ
مِنْ قَوْلِهِمْ . وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النصارى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ
النصارى لَسْت اليهود عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ
الّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاَللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ، أَيْ كُلّ يَتْلُو
فِي كِتَابِهِ تَصْدِيقَ مَا كَفَرَ بِهِ أَيْ يَكْفُرُ الْيَهُودُ بِعِيسَى ،
وَعِنْدَهُمْ التّوْرَاةُ فِيهَا مَا أَخَذَ اللّهُ عَلَيْهِمْ عَلَى لِسَانِ
مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ بِالتّصْدِيقِ بِعِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ وَفِي
الْإِنْجِيلِ مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْ تَصْدِيقِ مُوسَى
عَلَيْهِ السّلَامُ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ التّوْرَاةِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ
وَكُلّ يَكْفُرُ بِمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ .
254.
مَا نَزَلَ فِي طَلَبِ ابْنِ حُرَيْمِلَةَ أَنْ يُكَلّمَهُ
اللّهُ
255.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ
لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا مُحَمّدُ إنْ كُنْت
رَسُولًا مِنْ اللّهِ كَمَا تَقُولُ فَقُلْ لِلّهِ فَلْيُكَلّمْنَا حَتّى
نَسْمَعَ كَلَامَهُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ { وَقَالَ
الّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلّمُنَا اللّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ
كَذَلِكَ قَالَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ
قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيّنّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [ ص 409
]
256.
مَا نَزَلَ فِي سُؤَالِ ابْن صُورِيَا لِلنّبِيّ عَلَيْهِ
الصّلَاةُ وَالسّلَامُ بِأَنْ يَتَهَوّدَ
257.
وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيَا الْأَعْوَرُ
الْفِطْيَوْنِيّ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا الْهُدَى
إلّا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ ، فَاتّبِعْنَا يَا مُحَمّدُ تُهْدَ وَقَالَتْ
النّصَارَى مِثْلَ ذَلِكَ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ
عَبْدِ اللّهِ بْن صُورِيَا وَمَا قَالَتْ النّصَارَى : { وَقَالُوا كُونُوا هُودًا
أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ
مِنَ الْمُشْرِكِينَ } ثُمّ الْقِصّةُ إلَى قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى : { تِلْكَ
أُمّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا
تُسْأَلُونَ عَمّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }
258.
مَقَالَةُ الْيَهُودِ عِنْدَ صَرْفِ الْقِبْلَةِ إلَى
الْكَعْبَةِ
259.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ عَنْ
الشّامِ إلَى الْكَعْبَةِ ، وَصُرِفَتْ فِي رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشَرَ
شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ
؛ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ ،
وَقَرْدَمُ بْنُ عَمْرٍو ، وَكَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَرَافِعُ بْنُ أَبِي
رَافِعٍ ، وَالْحَجّاجُ بْنُ عَمْرٍو ، حَلِيفُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ
وَالرّبِيعُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَكِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ
بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ مَا وَلّاك عَنْ قِبْلَتِك الّتِي كُنْت
عَلَيْهَا ، وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنّك عَلَى مِلّةِ إبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ ؟
ارْجِعْ إلَى قِبْلَتِك الّتِي كُنْت عَلَيْهَا نَتّبِعْك وَنُصَدّقْك ،
وَإِنّمَا يُرِيدُونَ [ ص 410 ] فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { سَيَقُولُ
السّفَهَاءُ مِنَ النّاسِ مَا وَلّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الّتِي كَانُوا عَلَيْهَا
قُلْ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ
مُسْتَقِيمٍ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ
عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا
الْقِبْلَةَ الّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتّبِعُ الرّسُولَ
مِمّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلّا عَلَى
الّذِينَ هَدَى اللّهُ } أَيْ مِنْ الْفِتَنِ أَيْ الّذِينَ ثَبّتَ اللّهُ {
وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ } أَيْ إيمَانَكُمْ بِالْقِبْلَةِ
الْأُولَى ، وَتَصْدِيقِكُمْ نَبِيّكُمْ وَاتّبَاعِكُمْ إيّاهُ إلَى الْقِبْلَةِ
الْآخِرَةِ وَطَاعَتِكُمْ نَبِيّكُمْ فِيهَا : أَيْ لَيُعْطِيَنّكُمْ أَجْرَهُمَا
جَمِيعًا { إِنّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } ثُمّ قَالَ تَعَالَى : {
قَدْ نَرَى تَقَلّبَ وَجْهِكَ فِي السّمَاءِ فَلَنُوَلّيَنّكَ قِبْلَةً
تَرْضَاهَا فَوَلّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ
فَوَلّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ }
260.
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
261.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : شَطْرَهُ نَحْوَهُ وَقَصْدَهُ . قَالَ
عَمْرُو بْنُ أَحْمَرَ الْبَاهِلِيّ - وَبَاهِلَةُ بْنُ يَعْصُرَ بْنِ سَعْدِ
بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ - يَصِفُ نَاقَةً لَهُ .
262.
تَعْدُو بِنَا شَطْرَ جَمْعٍ وَهِيَ عَاقِدَةٌ ... قَدْ
كَارَبَ الْعِقْدَ مِنْ إيفَادِهَا الْحَقَبَا
263.
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . [ ص 411 ] وَقَالَ
قَيْسُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْهُذَلِيّ يَصِفُ نَاقَتَهُ
264.
إنّ النّعُوسَ بِهَا دَاءٌ مُخَامِرُهَا ... فَشَطْرُهَا
نَظَرَ الْعَيْنَيْنِ مَحْسُورُ
265.
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَالنّعُوسُ
نَاقَتُهُ وَكَانَ بِهَا دَاءٌ فَنَظَرَ إلَيْهَا نَظَرَ حَسِيرٍ مِنْ قَوْلِهِ
وَهُوَ حَسِيرٌ . { وَإِنّ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنّهُ
الْحَقّ مِنْ رَبّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا يَعْمَلُونَ وَلَئِنْ
أَتَيْتَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ
وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ
بَعْضٍ وَلَئِنِ اتّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ
الْعِلْمِ إِنّكَ إِذًا لَمِنَ الظّالِمِينَ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : إلَى
قَوْلِهِ تَعَالَى : { الْحَقّ مِنْ رَبّكَ فَلَا تَكُونَنّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ
}Sذِكْرُ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ
266.
فَصْلٌ وَذَكَرَ تَحْوِيلَ الْقِبْلَةِ وَمَا قَالَتْهُ
جَمَاعَةُ يَهُودَ حِينَ قَالُوا : يَا مُحَمّدُ مَا وَلّاك عَنْ قِبْلَتِك ،
وَهُمْ السّفَهَاءُ مِنْ النّاسِ فِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ . وَقَالَ
سَيَقُولُ بِلَفْظِ الِاسْتِقْبَالِ لِتَقَدّمِ الْعِلْمِ الْقَدِيمِ بِأَنّهُمْ
سَيَقُولُونَ ذَلِكَ أَيْ لَمْ آمُرْكُمْ بِتَحْوِيلِهَا إلّا وَقَدْ عَلِمْت
أَنْ سَيَقُولُونَ مَا [ ص 410 ] قَالُوهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ الْهِجْرَةِ
قِصّةَ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ فَوَائِدُ فِي مَعْنَى تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ
فَلْتُنْظَرْ هُنَالِكَ وَأَنْشَدَ فِي تَفْسِيرِ الشّطْرِ بَيْتَ ابْنِ
أَحْمَرَ
267.
تَعْدُو بِنَا شَطْرَ جَمْعٍ وَهِيَ عَاقِدَةٌ ... قَدْ
قَارَبَ الْعِقْدَ مِنْ إيفَادِهَا الْحَقَبَا
268.
وَأَلْفَيْت فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ
مَا هَذَا نَصّهُ قَالَ مِنْ إيفَادِهَا : مِنْ إشْرَافِهَا ، كَذَا قَالَ
مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَرْقِيّ ، وَقَالَ كَارَبَ مَوْضِعَ قَارَبَ وَوَقَعَ
فِي شِعْرِ ابْنِ أَحْمَرَ تَغْدُو بِنَا عُرْضَ جَمْعٍ وَهِيَ مُوقِدَةٌ قَدْ
قَارَبَ الْغَرْضُ مِنْ إيفَادِهَا الْحَقَبَا تَعْدُو : مِنْ الْعَدْوِ بِنَا وَبِرَحْلِي :
يَعْنِي غُلَامَهُ . عُرْضَ جَمْعٍ : يَعْنِي
مَكّةَ ، وَعَرْضُ أَحَبّ إلَيّ وَعُرْضُ كَثْرَةُ النّاسِ عَنْ الْأَصْمَعِيّ ،
وَمُوفِدَةٌ أَيْ مُشْرِفَةٌ . أَوْفَدَ إذَا أَشْرَفَ وَرَوَى غَيْرُهُ وَهِيَ
عَاقِدَةٌ يُرِيدُ عُنُقَهَا لَاوِيَتَهَا وَالْغَرْضُ الْبِطَانُ وَهُوَ
حِزَامُ الرّحْلِ . مِنْ إيفَادِهَا ، أَيْ إشْرَافِهَا ، وَقَدْ اقْتَادَتْ
نَصَبَتْ عُنُقَهَا وَعَصَرَتْ بِذَنَبِهَا وَتَخَامَصَتْ بِبَطْنِهَا فَقَرُبَ
كُلّ وَاحِدٍ مِنْ [ ص 411 ]
269.
أَنْشَأْت أَسْأَلُهُ عَنْ حَالِ رُفْقَتِهِ ... فَقَالَ
حَيّ فَإِنّ الرّكْبَ قَدْ نَصَبَا
270.
كِتْمَانُهُمْ مَا فِي التّوْرَاةِ مِنْ الْحَقّ
271.
وَسَأَلَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ
وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَخَارِجَةُ بْنُ
زَيْدٍ أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، نَفَرًا مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ
عَنْ بَعْضِ مَا فِي التّوْرَاةِ ، فَكَتَمُوهُمْ إيّاهُ وَأَبَوْا أَنْ يُخْبِرُوهُمْ
عَنْهُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { إِنّ الّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا
أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيّنّاهُ لِلنّاسِ
فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللّاعِنُونَ }
272.
جَوَابُهُمْ لِلنّبِيّ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ حِينَ
دَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ
273.
قَالَ وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الْيَهُودَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلَى الْإِسْلَامِ وَرَغّبَهُمْ
فِيهِ وَحَذّرَهُمْ عَذَابَ اللّهِ وَنِقْمَتَهُ فَقَالَ لَهُ رَافِعُ بْنُ
خَارِجَةَ ، وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ بَلْ نَتّبِعُ يَا مُحَمّدُ مَا وَجَدْنَا
عَلَيْهِ آبَاءَنَا ، فَهُمْ كَانُوا أَعْلَمَ وَخَيْرًا مِنّا . فَأَنْزَلَ
اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتّبِعُوا
مَا أَنْزَلَ اللّهُ قَالُوا بَلْ نَتّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا
أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ }
274.
جَمْعُهُمْ فِي سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعِ
275.
[
ص 412 ] وَلَمّا أَصَابَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ قُرَيْشًا
يَوْمَ بَدْرٍ جَمَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَهُودَ
فِي سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعِ ، حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، فَقَالَ يَا
مَعْشَرَ يَهُودَ أَسْلِمُوا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَكُمْ اللّهُ بِمِثْلِ مَا
أَصَابَ بِهِ قُرَيْشًا ، فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمّدُ لَا يَغُرّنّكَ مِنْ
نَفْسِك أَنّك قَتَلْت نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ ، كَانُوا أَغْمَارًا لَا يَعْرِفُونَ
الْقِتَالَ إنّك وَاَللّهِ لَوْ قَاتَلْتنَا لَعَرَفْت أَنّا نَحْنُ النّاسُ
وَأَنّك لَمْ تَلْقَ مِثْلَنَا ، فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ
قَوْلِهِمْ { قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى
جَهَنّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ
الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ
يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ
يَشَاءُ إِنّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ } [ آلُ عِمْرَانَ :
12 ، 13 ] .Sمَا أَنْزَلَ اللّهُ فِي بَنِي
قَيْنُقَاعِ
276.
[
ص 412 ] وَذَكَرَ مَا أَنْزَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ فِي
بَنِي قَيْنُقَاعِ وَقَوْلَهُمْ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ
حَارَبْتنَا ، لَعَلِمْت أَنّا نَحْنُ النّاسُ { قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا
سَتُغْلَبُونَ } إلَى قَوْلِهِ { يَرَوْنَهُمْ
مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ } فَمَنْ قَرَأَهُ يَرَوْنَهُمْ بِالْيَاءِ
فَمَعْنَاهُ أَنّ الْكُفّارَ يَرَوْنَ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَيْهِمْ وَإِنْ
كَانُوا أَقَلّ مِنْهُمْ لَمّا كَثّرَهُمْ بِالْمَلَائِكَةِ . فَإِنْ قِيلَ
وَكَيْفَ وَهُوَ يَقُولُ فِي آيَةٍ أُخْرَى : { وَيُقَلّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ
} قِيلَ كَانَ هَذَا قَبْلَ الْقِتَالِ عِنْدَمَا حَزَرَ الْكُفّارُ
الْمُؤْمِنِينَ فَرَأَوْهُمْ قَلِيلًا ، فَتَجَاسَرُوا عَلَيْهِمْ ثُمّ
أَمَدّهُمْ اللّهُ بِالْمَلَائِكَةِ فَرَأَوْهُمْ كَثِيرًا فَانْهَزَمُوا ،
وَقِيلَ إنّ الْهَاءَ فِي يَرَوْنَهُمْ عَائِدَةٌ عَلَى الْكُفّارِ وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ
رَأَوْهُمْ مِثْلَيْهِمْ وَكَانُوا ثَلَاثَةَ أَمْثَالِهِمْ فَقَلّلَهُمْ فِي
عُيُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمّا مَنْ قَرَأَهَا بِالتّاءِ فَيَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ الْخِطَابُ لِلْيَهُودِ أَيْ تَرَوْنَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ
مِثْلَيْ الْمُؤْمِنِينَ وَذَلِكَ أَنّهُمْ كَانُوا أَلْفًا ، فَانْخَذَلَ
عَنْهُمْ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ بِبَنِي زُهْرَةَ فَصَارُوا سَبْعَمِائَةٍ
أَوْ نَحْوَهَا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلْمُشْرِكِينَ أَيْ
تَرَوْنَ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَيْهِمْ حِينَ [ ص 413 ]
أَمَدّهُمْ اللّهُ بِالْمَلَائِكَةِ فَيَعُودُ الْكَلَامُ إلَى الْمَعْنَى
الْأَوّلِ الّذِي قَدّمْنَاهُ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالْيَاءِ . وَفِي
الْآيَةِ تَخْلِيطٌ عَنْ الْفَرّاءِ أَضَرَبْنَا عَنْ ذِكْرِهِ وَجُلّ مَا ذَكَرْنَاهُ
آنِفًا مَذْكُورٌ فِي التّفَاسِيرِ بِأَلْفَاظِ مُخْتَلِفَةٍ
.
277.
دُخُولُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْتَ
الْمِدْرَاسِ
278.
قَالَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بَيْتَ الْمِدْرَاسِ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ يَهُودَ فَدَعَاهُمْ إلَى
اللّهِ فَقَالَ لَهُ النّعْمَانُ بْنُ عَمْرٍو ، وَالْحَارِثُ بْنُ زَيْدٍ عَلَى
أَيّ دِينٍ أَنْتَ يَا مُحَمّدُ ؟ قَالَ عَلَى مِلّةِ إبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ
قَالَا : فَإِنّ إبْرَاهِيمَ كَانَ يَهُودِيّا . فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَهَلُمّ إلَى التّوْرَاةِ ، فَهِيَ بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمْ فَأَبَيَا عَلَيْهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمَا : {
أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى
كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمّ يَتَوَلّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ
مُعْرِضُونَ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسّنَا النّارُ إِلّا أَيّامًا
مَعْدُودَاتٍ وَغَرّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ }
279.
اخْتِلَافُ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى فِي إبْرَاهِيمَ
عَلَيْهِ السّلَامُ
280.
وَقَالَ أَحْبَارُ يَهُودَ وَنَصَارَى نَجْرَانَ ، حِينَ
اجْتَمَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَتَنَازَعُوا ، فَقَالَتْ الْأَحْبَارُ مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ إلّا يَهُودِيّا
، وَقَالَتْ النّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ : مَا كَانَ إبْرَاهِيمُ إلّا نَصْرَانِيّا
. فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ
تُحَاجّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التوراة وَالْإِنْجِيلُ إِلّا
مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا
لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ
وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ
يَهُودِيّا وَلَا نَصْرَانِيّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ
مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلّذِينَ اتّبَعُوهُ
وَهَذَا النّبِيّ وَالّذِينَ آمَنُوا وَاللّهُ وَلِيّ الْمُؤْمِنِينَ }
281.
مَا نَزَلَ فِيمَا هَمّ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ الْإِيمَانِ
غَدْوَةً وَالْكُفْرِ عَشِيّةً
282.
وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ صَيْفٍ ، وَعَدِيّ بْنُ زَيْدٍ ،
وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ تَعَالَوْا نُؤْمِنُ بِمَا
أُنْزِلَ عَلَى مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ غَدْوَةً وَنَكْفُرُ بِهِ عَشِيّةً حَتّى
نُلَبّسَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ لَعَلّهُمْ يَصْنَعُونَ كَمَا نَصْنَعُ وَيَرْجِعُونَ
عَنْ دِينِهِ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ
تَلْبِسُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالّذِي أُنْزِلَ عَلَى
الّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ
وَلَا تُؤْمِنُوا إِلّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنّ الْهُدَى هُدَى
اللّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجّوكُمْ عِنْدَ
رَبّكُمْ قُلْ إِنّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ
عَلِيمٌ }
283.
مَا نَزَلَ فِي قَوْلِ أَبِي رَافِعٍ وَالنّجْرَانِيّ "
أَتُرِيدُ أَنْ نَعْبُدَك كَمَا تَعْبُدُ النّصَارَى عِيسَى
284.
وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ الْقُرَظِيّ ، حِينَ اجْتَمَعَتْ
الْأَحْبَارُ مِنْ يَهُودَ وَالنّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ عِنْدَ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ أَتُرِيدُ
مِنّا يَا مُحَمّدُ أَنْ نَعْبُدَك كَمَا تَعْبُدُ النّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
؟ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ نَصْرَانِيّ ، يُقَالُ لَهُ الرّبّيسُ (
وَيُرْوَى : الرّيْس ، وَالرّئِيسُ ) : أَوَذَاكَ تُرِيدُ مِنّا يَا مُحَمّدُ
وَإِلَيْهِ تَدْعُونَا ؟ أَوْ كَمَا قَالَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَاذَ اللّهِ أَنْ أَعْبُدَ غَيْرَ اللّهِ أَوْ
آمُرَ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ فَمَا بِذَلِكَ بَعَثَنِي اللّهُ وَلَا أَمَرَنِي
أَوْ كَمَا قَالَ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا : {
مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنّبُوّةَ
ثُمّ يَقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللّهِ وَلَكِنْ كُونُوا
رَبّانِيّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ
} [ ص 414 ] { بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
الرّبّانِيّونَ الْعُلَمَاءُ الْفُقَهَاءُ السّادَةُ وَاحِدُهُمْ رَبّانِيّ .
قَالَ الشّاعِرُ
285.
لَوْ كُنْت مُرْتَهَنًا فِي الْقَوْسِ أَفْتَنَنِي ...
مِنْهَا الْكَلَامُ وَرَبّانِيّ أَحْبَارِ
286.
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : الْقَوْسُ صَوْمَعَةُ الرّاهِبِ . وَأَفْتَنَنِي ، لُغَةُ
تَمِيمٍ . وَفَتَنَنِي ، لُغَةُ قَيْسٍ .
قَالَ جَرِيرٌ
287.
لَا وَصْلَ إذْ صَرَمَتْ هِنْدٌ وَلَوْ وَقَفَتْ ...
لَاسْتَنْزَلَتْنِي وَذَا الْمِسْحَيْنِ فِي الْقُوسِ
288.
أَيْ صَوْمَعَةُ الرّاهِبِ . وَالرّبّانِيّ : مُشْتَقّ مِنْ
الرّبّ وَهُوَ السّيّدُ . وَفِي كِتَابِ اللّهِ فَيَسْقِي رَبّهُ خَمْرًا ، أَيّ
سَيّدَهُ . [ ص 415 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : { وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتّخِذُوا
الْمَلَائِكَةَ وَالنّبِيّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ
إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ }S[ ص 414 ] وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِي الرّبّانِيّينَ أَنّهُمْ
الْعُلَمَاءُ الْفُقَهَاءُ السّادَةُ وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ
الْعِلْمِ قَالَ الرّبّانِيّونَ الّذِينَ يُرَبّونَ النّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ
قَبْلَ كِبَارِهِ وَقِيلَ نُسِبُوا إلَى عِلْمِ الرّبّ وَالْفِقْهِ فِيمَا
أَنْزَلَ وَزِيدَتْ فِيهِ الْأَلِفُ وَالنّونُ لِتَفْخِيمِ الِاسْمِ وَأَنْشَدَ
ابْنُ هِشَامٍ :
289.
لَوْ كُنْت مُرْتَهَنًا فِي الْقَوْسِ أَفْتَنَنِي ...
مِنْهَا الْكَلَامُ وَرَبّانِيّ أَحْبَارِ
290.
وَقَالَ الْقَوْسُ الصّوْمَعَةُ وَمِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ :
أَنَا بِالْقَوْسِ وَأَنْتَ بِالْقَرْقُوسِ فَكَيْفَ نَجْتَمِعُ ؟ وَقَالَ فِي أَفَتْنَنِي
: هِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ وَفَرّقَ سِيبَوَيْهِ بَيْنَ فَتَنْته وَأَفْتَنْتُهُ
وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ الْخَلِيلِ قَالَ أَفْتَنْتُهُ صَيّرْته مُفْتَتِنًا
أَوْ نَحْوَ هَذَا ، وَفَتَنْته ، جَعَلْت فِيهِ فِتْنَةً كَمَا تَقُولُ
كَحّلْته جَعَلْت فِي عَيْنَيْهِ كُحْلًا ، وَمَآلُ هَذَا الْفَرْقِ إلَى أَنّ
فِتْنَتَهُ صَرَفَتْهُ فَجَاءَ عَلَى وَزْنِهِ لِأَنّ الْمَفْتُونَ مَصْرُوفٌ
عَنْ حَقّ وَأَفْتَنْتُهُ بِمَعْنَى أَضْلَلْته وَأَغْوَيْته ، فَجَاءَ عَلَى
وَزْنِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَأَمّا فَتَنْت الْحَدِيدَةَ فِي النّارِ
فَعَلَى وَزْنِ فَعَلْت ، لَا غَيْرَ لِأَنّهَا فِي مَعْنَى : خَبِرْتهَا ،
وَبَلَوْتهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ . [ ص 415 ]
291.
مَا نَزَلَ فِي أَخْذِ الْمِيثَاقِ عَلَيْهِمْ
292.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ ذَكَرَ مَا أَخَذَ اللّهُ
عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَنْبِيَائِهِمْ مِنْ الْمِيثَاقِ بِتَصْدِيقِهِ إذْ هُوَ
جَاءَهُمْ وَإِقْرَارِهِمْ فَقَالَ { وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النّبِيّينَ
لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدّقٌ
لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ
وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا
وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشّاهِدِينَ } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ .
293.
سَعْيُهُمْ فِي الْوَقِيعَةِ بَيْنَ الْأَنْصَارِ
294.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَرّ شَأْسُ بْنُ قَيْسٍ ، وَكَانَ
شَيْخًا قَدْ عَسَا ، عَظِيمَ الْكُفْرِ شَدِيدَ الضّغْنِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ
شَدِيدَ الْحَسَدِ لَهُمْ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ . فِي مَجْلِسٍ قَدْ جَمَعَهُمْ
يَتَحَدّثُونَ فِيهِ فَغَاظَهُ مَا رَأَى مِنْ أُلْفَتِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ
وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ الّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ
مِنْ الْعَدَاوَةِ فِي الْجَاهِلِيّةِ فَقَالَ قَدْ اجْتَمَعَ مَلَأُ بَنِي
قَيْلَةَ بِهَذِهِ الْبِلَادِ لَا وَاَللّهِ مَا لَنَا مَعَهُمْ إذَا اجْتَمَعَ
مَلَؤُهُمْ بِهَا مِنْ قَرَارٍ . فَأَمَرَ فَتًى شَابّا مِنْ يَهُودَ كَانَ
مَعَهُمْ فَقَالَ اعْمِدْ إلَيْهِمْ فَاجْلِسْ مَعَهُمْ ، ثُمّ اُذْكُرْ يَوْمَ بُعَاثٍ
وَمَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَنْشِدْهُمْ بَعْضَ مَا كَانُوا تَقَاوَلُوا فِيهِ مِنْ
الْأَشْعَارِ .
295.
شَيْءٌ عَنْ يَوْمِ بُعَاثٍ
296.
وَكَانَ يَوْمُ بُعَاثٍ يَوْمًا اقْتَتَلَتْ فِيهِ الْأَوْسُ
وَالْخَزْرَجُ ، وَكَانَ الظّفَرُ فِيهِ يَوْمَئِذٍ لِلْأَوْسِ عَنْ الْخَزْرَجِ
، وَكَانَ عَلَى الْأَوْسِ يَوْمَئِذٍ حُضَيْرُ بْنُ سِمَاكٍ الْأَشْهَلِيّ
أَبُو أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ ؛ وَعَلَى الْخَزْرَجِ عَمْرُو بْنُ النّعْمَانِ
الْبَيَاضِيّ ، فَقُتِلَا جَمِيعًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ أَبُو قَيْسِ
بْنُ الْأَسْلَتِ
297.
عَلَى أَنْ قَدْ فُجِعْت بِذِي حِفَاظٍ ... فَعَاوَدَنِي
لَهُ حُزْنٌ رَصِينٌ
298.
فَإِمّا تَقْتُلُوهُ فَإِنّ عَمْرًا ... أَعَضّ بِرَأْسِهِ
عَضْبٌ سَنِينٌ
299.
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَحَدِيثُ
يَوْمِ بُعَاثٍ أَطْوَلُ مِمّا ذَكَرْت ، وَإِنّمَا مَنَعَنِي مِنْ
اسْتِقْصَائِهِ مَا ذَكَرْت مِنْ الْقَطْعِ . [ ص 416 ]
300.
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
301.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : سَنِينٌ مَسْنُونٌ مِنْ سَنّهُ إذَا
شَحَذَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَفَعَلَ . فَتَكَلّمَ الْقَوْمُ
عِنْدَ ذَلِكَ وَتَنَازَعُوا وَتَفَاخَرُوا حَتّى تَوَاثَبَ رَجُلَانِ مِنْ
الْحَيّيْنِ عَلَى الرّكْبِ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيّ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ
مِنْ الْأَوْسِ ، وَجَبّارُ بْنُ صَخْرٍ ، أَحَدُ بَنِي سَلِمَةَ مِنْ
الْخَزْرَجِ ، فَتَقَاوَلَا ثُمّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إنْ شِئْتُمْ
رَدَدْنَاهَا الْآنَ جَذَعَةً فَغَضِبَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا ، وَقَالُوا :
قَدْ فَعَلْنَا ، مَوْعِدُكُمْ الظّاهِرَةَ - وَالظّاهِرَةُ الْحَرّةُ -
السّلَاحَ السّلَاحَ . فَخَرَجُوا إلَيْهَا ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ
أَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ حَتّى جَاءَهُمْ فَقَالَ " يَا مَعْشَرَ
الْمُسْلِمِينَ اللّهَ اللّهَ أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ وَأَنَا بَيْنَ
أَظْهُرِكُمْ بَعْدَ أَنْ هَدَاكُمْ اللّهُ لِلْإِسْلَامِ وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ
وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيّةِ وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ
وَأَلّفَ بِهِ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ " ، فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنّهَا نَزْغَةٌ
مِنْ الشّيْطَانِ وَكَيْدٌ مِنْ عَدُوّهِمْ فَبَكَوْا وَعَانَقَ الرّجَالُ مِنْ
الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، ثُمّ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ قَدْ أَطْفَأَ
اللّهُ عَنْهُمْ كَيْدَ عَدُوّ اللّهِ شَأْسِ بْنِ قَيْسٍ . فَأَنْزَلَ اللّهُ
تَعَالَى فِي شَأْسِ بْنِ قَيْسٍ وَمَا صَنَعَ { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ
لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ قُلْ
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ
تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمّا
تَعْمَلُونَ } وَأَنْزَلَ اللّهُ فِي أَوْسِ بْنِ
قَيْظِيّ وَجَبّارِ بْنِ صَخْرٍ وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا مِنْ قَوْمِهِمَا
الّذِينَ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا عَمّا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ شَأْسُ مِنْ أَمْرِ
الْجَاهِلِيّةِ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ
الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ
وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ
وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ يَا أَيّهَا
الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ حَقّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنّ إِلّا
وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى { وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [ ص 416 ]
302.
مَا نَزَلَ فِي قَوْلِهِمْ " مَا آمَنَ إلّا شِرَارُنَا
303.
"
: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا أَسْلَمَ عَبْدُ
اللّهِ بْنُ سَلَامٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْيَةَ ، وَأُسَيْدُ بْنُ سَعْيَةَ ،
وَأَسَدُ بْنُ عُبَيْدٍ ، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودَ مَعَهُمْ فَآمَنُوا
وَصَدّقُوا وَرَغِبُوا فِي الْإِسْلَامِ وَرَسَخُوا [ ص 417 ] قَالَتْ أَحْبَارُ
يَهُودَ أَهْلُ الْكُفْرِ مِنْهُمْ مَا آمَنَ بِمُحَمّدِ وَلَا اتّبَعَهُ إلّا
شِرَارُنَا ، وَلَوْ كَانُوا مِنْ أَخْيَارِنَا مَا تَرَكُوا دِينَ آبَائِهِمْ
وَذَهَبُوا إلَى غَيْرِهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ
قَوْلِهِمْ { لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمّةٌ قَائِمَةٌ
يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ
} .
304.
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
305.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : { آنَاءَ اللّيْلِ } سَاعَاتُ
اللّيْلِ وَوَاحِدُهَا : إنْيٌ . قَالَ الْمُتَنَخّلُ الْهُذَلِيّ وَاسْمُهُ
مَالِكُ بْنُ عُوَيْمِرٍ يَرْثِي أَثِيلَةَ ابْنَهُ
306.
حُلْوٌ وَمُرّ كَعَطْفِ الْقِدْحِ شِيمَتُهُ ... فِي كُلّ
إنْيٍ قَضَاهُ اللّيْلُ يَنْتَعِلُ
307.
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ لَبِيدُ
بْنُ رَبِيعَةَ يَصِفُ حِمَارَ وَحْشٍ
308.
يُطَرّبُ آنَاءَ النّهَارِ كَأَنّهُ ... غَوِيّ سَقَاهُ فِي
التّجَارِ نَدِيمُ
309.
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَيُقَالُ إنّي
مَقْصُورٌ فِيمَا أَخْبَرَنِي يُونُسُ . { يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ
فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ } .Sتَفْسِيرُ آنَاءِ اللّيْلِ
310.
فَصْلٌ [ ص 417 ] وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِي تَفْسِيرِ
آنَاءِ اللّيْلِ قَالَ وَاحِدُ الْآنَاءِ إنْيٌ وَاسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِقَوْلِ
الْهُذَلِيّ ثُمّ أَغْرَبَ بِمَا حَدّثَهُ بِهِ يُونُسُ فَقَالَ وَيُقَالُ إنّي
فِيمَا حَدّثَنِي يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ وَهَذَا الّذِي قَالَهُ آخِرًا هُوَ
لُغَةُ الْقُرْآنِ قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ } [ ص
418 ]
311.
ذِكْرُ جُمَلٍ مِنْ الْآيَاتِ الْمُنَزّلَةِ فِي قَصَصِ الْأَحْبَارِ
312.
فَصْلٌ وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ جُمَلًا مِنْ الْآيَاتِ
الْمُنَزّلَةِ فِي قَصَصِ الْأَحْبَارِ وَمَسَائِلُهُمْ كُلّهَا وَاضِحَةٌ
وَالتّكَلّمُ عَلَيْهَا يَخْرُجُ عَنْ غَرَضِ الْكِتَابِ إلَى تَفْسِيرِ
الْقُرْآنِ وَفِي جُمْلَتِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَيّانَ مُرْسَاهَا }
وَقَالَ الْفَرّاءُ فِي أَيّانَ هِيَ كَلِمَتَانِ جُعِلَتْ وَاحِدَةً
وَالْأَصْلُ أَيْ آنَ وَالْآنُ وَالْأَوَانُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا يُقَالُ
رَاحٌ وَرَيَاحٌ وَأَنْشَدَ نَشَاوَى تَسَافَوْا بِالرّيَاحِ الْمُفَلْفَلِ وَقَدْ
ذَكَرَ الْهَرَوِيّ فِي أَيّانَ وَجْهًا آخَرَ قَالَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
أَصْلُهُ أَيْوَانَ فَانْدَغَمَتْ الْيَاءُ فِي الْوَاوِ مِثْلَ قِيَامٍ .
313.
مَا نَزَلَ فِي نَهْيِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ مُبَاطَنَةِ
الْيَهُودِ
314.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
يُوَاصِلُونَ رِجَالًا مِنْ الْيَهُودِ ، لِمَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ
الْجِوَارِ وَالْحِلْفِ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ يَنْهَاهُمْ عَنْ مُبَاطَنَتِهِمْ
{ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَتّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا
يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدّوا مَا عَنِتّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ
أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيّنّا لَكُمُ
الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبّونَهُمْ وَلَا
يُحِبّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلّهِ } أَيْ تُؤْمِنُونَ
بِكِتَابِكُمْ وَبِمَا مَضَى مِنْ الْكُتُبِ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ
بِكِتَابِكُمْ فَأَنْتُمْ كُنْتُمْ أَحَقّ بِالْبَغْضَاءِ لَهُمْ مِنْهُمْ لَكُم
{ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنّا وَإِذَا خَلَوْا عَضّوا عَلَيْكُمُ
الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ } إلَى آخِرِ الْقِصّة .
315.
مَا كَانَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَفِنْحَاصَ
316.
وَدَخَلَ [ ص 418 ] أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ بَيْتَ
الْمِدْرَاسِ عَلَى يَهُودَ فَوَجَدَ مِنْهُمْ نَاسًا كَثِيرًا قَدْ اجْتَمَعُوا
إلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ فِنْحَاصُ ، وَكَانَ مِنْ عُلَمَائِهِمْ وَأَحْبَارِهِمْ
وَمَعَهُ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِهِمْ يُقَالُ لَهُ أَشْيَعُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ
لِفِنْحَاصَ وَيْحَك يَا فِنْحَاصُ اتّقِ اللّهَ وَأَسْلِمْ ، فَوَاَللّهِ إنّك
لَتَعْلَمُ أَنّ مُحَمّدًا لَرَسُولُ اللّهِ قَدْ جَاءَكُمْ بِالْحَقّ مِنْ
عِنْدِهِ تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ،
فَقَالَ فِنْحَاصُ لِأَبِي بَكْرٍ وَاَللّهِ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا بِنَا إلَى
اللّهِ مِنْ فَقْرٍ لِأَنّهُ إلَيْنَا لَفَقِيرٌ وَمَا نَتَضَرّعُ إلَيْهِ كَمَا
يَتَضَرّعُ إلَيْنَا ، وَإِنّا عَنْهُ لَأَغْنِيَاءُ وَمَا هُوَ عَنّا بِغَنِيّ
وَلَوْ كَانَ عَنّا غَنِيّا مَا اسْتَقْرَضَنَا أَمْوَالَنَا ، كَمَا يَزْعُمُ صَاحِبُكُمْ
يَنْهَاكُمْ عَنْ الرّبَا وَيُعْطِينَاهُ وَلَوْ كَانَ عَنّا غَنِيّا مَا
أَعْطَانَا الرّبَا . قَالَ فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ فَضَرَبَ وَجْهَ فِنْحَاصَ
ضَرْبًا شَدِيدًا ، وَقَالَ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْعَهْدُ
الّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ لَضَرَبْت رَأْسَك ، أَيْ عَدُوّ اللّهِ . قَالَ
فَذَهَبَ فِنْحَاصُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ
يَا مُحَمّدُ اُنْظُرْ مَا صَنَعَ بِي صَاحِبُك ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَبِي بَكْرٍ مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت ؟
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ عَدُوّ اللّهِ قَالَ قَوْلًا
عَظِيمًا ، إنّهُ زَعَمَ أَنّ اللّهَ فَقِيرٌ وَأَنّهُمْ أَغْنِيَاءُ فَلَمّا
قَالَ ذَلِكَ غَضِبْت لِلّهِ مِمّا قَالَ وَضَرَبْت وَجْهَهُ . فَجَحَدَ ذَلِكَ
فِنْحَاصُ وَقَالَ مَا قُلْت ذَلِكَ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيمَا قَالَ فِنْحَاصُ
رَدّا عَلَيْهِ وَتَصْدِيقًا لِأَبِي بَكْرٍ { لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ
الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا
قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ
الْحَرِيقِ } وَنَزَلَ فِي أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَمَا
بَلَغَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْغَضَبِ { وَلَتَسْمَعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ
قَبْلِكُمْ وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا
وَتَتّقُوا فَإِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } . [ ص 419 ] قَالَ فِيمَا
قَالَ فِنْحَاصُ وَالْأَحْبَارُ مَعَهُ مِنْ يَهُودَ { وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ
مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيّنُنّهُ لِلنّاسِ وَلَا
تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا
قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ لَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا
وَيُحِبّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنّهُمْ
بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } يَعْنِي فِنْحَاصَ وَأَشْيَعَ وَأَشْبَاهَهُمَا مِنْ الْأَحْبَارِ
الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا يُصِيبُونَ مِنْ الدّنْيَا عَلَى مَا زَيّنُوا
لِلنّاسِ مِنْ الضّلَالَةِ وَيُحِبّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا ،
أَنْ يَقُولَ النّاسُ عُلَمَاءُ وَلَيْسُوا بِأَهْلِ عِلْمٍ لَمْ يَحْمِلُوهُمْ
عَلَى هُدًى وَلَا حَقّ وَيُحِبّونَ أَنْ يَقُولَ النّاسُ قَدْ فَعَلُوا . [ ص
419 ]
317.
أَمْرَهُمْ الْمُؤْمِنِينَ بِالْبُخْلِ
318.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ كَرْدَمُ بْنُ قَيْسٍ ،
حَلِيفَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَأُسَامَةُ بْنُ حَبِيبٍ ، وَنَافِعُ بْنُ
أَبِي نَافِعٍ ، وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو ، وَحُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ،
وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ يَأْتُونَ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ
كَانُوا يُخَالِطُونَهُمْ يَنْتَصِحُونَ لَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَقُولُونَ لَهُمْ لَا تُنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ
فَإِنّا نَخْشَى عَلَيْكُمْ الْفَقْرَ فِي ذَهَابِهَا ، وَلَا تُسَارِعُوا فِي
النّفَقَةِ فَإِنّكُمْ لَا تَدْرُونَ عَلَامَ يَكُونُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ
فِيهِمْ { الّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النّاسَ بِالْبُخْلِ
وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ } أَيْ مِنْ التّوْرَاةِ ، الّتِي
فِيهَا تَصْدِيقُ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمّدٌ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ {
وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا وَالّذِينَ يُنْفِقُونَ
أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ
الْآخِرِ } إلَى قَوْلِهِ { وَكَانَ
اللّهُ بِهِمْ عَلِيمًا } .
319.
جَحْدُهُمْ الْحَقّ
320.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ
التّابُوتِ مِنْ عُظَمَاءِ يَهُودَ إذَا كَلّمَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - لَوّى لِسَانَهُ وَقَالَ أَرْعِنَا سَمْعَك يَا مُحَمّدُ حَتّى
نَفْهَمَك ، ثُمّ طَعَنَ فِي الْإِسْلَامِ وَعَابَهُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ { أَلَمْ
تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضّلَالَةَ
وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلّوا السّبِيلَ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ
وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا مِنَ الّذِينَ هَادُوا
يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا
وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا } ( أَيْ رَاعِنَا سَمْعَك ) { لَيّا
بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدّينِ وَلَوْ أَنّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا
وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ
لَعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلّا قَلِيلًا
} وَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ رُؤَسَاءَ مِنْ أَحْبَارِ يَهُودَ مِنْهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ
صُورِيَا الْأَعْوَرُ وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ، فَقَالَ لَهُمْ [ ص 420 ] يَا
مَعْشَرَ يَهُودَ اتّقُوا اللّهَ وَأَسْلِمُوا ، فَوَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ
أَنّ الّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ لَحَقّ ، قَالُوا : مَا تَعْرِفُ ذَلِكَ يَا مُحَمّدُ
فَجَحَدُوا مَا عَرَفُوا ، وَأَصَرّوا عَلَى الْكُفْرِ فَأَنْزَلَ اللّهُ
تَعَالَى فِيهِمْ { يَا أَيّهَا الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا
نَزّلْنَا مُصَدّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا
فَنَرُدّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنّا أَصْحَابَ
السّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولًا } .
321.
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
322.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : نَطْمِسُ نَمْسَحُهَا فَنُسَوّيهَا ،
فَلَا يُرَى فِيهَا عَيْنٌ وَلَا أَنْفٌ وَلَا فَمٌ وَلَا شَيْءٌ مِمّا يُرَى
فِي الْوَجْهِ وَكَذَلِكَ { فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ } الْمَطْمُوسُ الْعَيْنِ الّذِي
لَيْسَ بَيْنَ جَفْنَيْهِ شَقّ . وَيُقَالُ طَمَسْت الْكِتَابَ وَالْأَثَرَ
فَلَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ . قَالَ الْأَخْطَلُ وَاسْمُهُ الْغَوْثُ بْنُ
هُبَيْرَةَ بْنِ الصّلْتِ التّغْلِبِيّ يَصِفُ إبِلًا كَلّفَهَا مَا ذُكِرَ
323.
وَتَكْلِيفُنَاهَا كُلّ طَامِسَةِ الصّوَى
324.
شَطُونٍ تَرَى حِرْبَاءَهَا يَتَمَلْمَلُ
325.
وَتَكْلِيفُنَاهَا كُلّ طَامِسَةِ الصّوَى شَطُونٍ تَرَى
حِرْبَاءَهَا يَتَمَلْمَلُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَاحِدَةُ الصّوَى : صُوّةٌ . وَالصّوَى : الْأَعْلَامُ
الّتِي يُسْتَدَلّ بِهَا عَلَى الطّرُقِ وَالْمِيَاهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
يَقُولُ مَسَحْت فَاسْتَوَتْ بِالْأَرْضِ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ نَاتِئُ
.
326.
النّفَرُ الّذِينَ حَزّبُوا الْأَحْزَابَ
327.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ الّذِينَ حَزّبُوا
الْأَحْزَابَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ وَبَنِيّ قُرَيْظَةَ حُيَيّ بْنُ
أَخْطَبَ ، وَسَلَامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ أَبُو رَافِعٍ وَالرّبِيعُ بْنُ الرّبِيعِ
بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَأَبُو عَمّارٍ وَوَحْوَحُ بْنُ عَامِرٍ وَهَوْذَةُ
بْنُ قَيْسٍ . فَأَمّا وَحْوَحُ وَأَبُو عَمّارٍ وَهَوْذَةُ فَمِنْ بَنِي
وَائِلٍ وَكَانَ سَائِرهمْ مِنْ بَنِي النّضِيرِ . فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى
قُرَيْشٍ قَالُوا : هَؤُلَاءِ أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَهْلُ الْعِلْمِ
بِالْكِتَابِ الْأَوّلِ فَسَلُوهُمْ دِينُكُمْ خَيْرٌ أَمْ دِينُ مُحَمّدٍ ؟
فَسَأَلُوهُمْ فَقَالُوا : بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ وَأَنْتُمْ
أَهْدَى مِنْهُ وَمِمّنْ اتّبَعَهُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {
أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ
بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ }
328.
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
329.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْجِبْتُ ( عِنْدَ الْعَرَبِ ) : مَا
عُبِدَ مِنْ دُونِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى . [ ص 421 ] أَضَلّ عَنْ الْحَقّ . وَجَمْعُ
الْجِبْتِ جُبُوتٌ وَجَمْعُ الطّاغُوتِ طَوَاغِيتُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَبَلَغَنَا عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ أَنّهُ قَالَ الْجِبْتُ السّحْرُ
وَالطّاغُوتُ الشّيْطَانُ { وَيَقُولُونَ لِلّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى
مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلَى مَا
آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا }
330.
إنْكَارُهُمْ التّنْزِيلَ
331.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ سُكَيْنٌ وَعَدِيّ بْنُ
زَيْدٍ : يَا مُحَمّدُ مَا نَعْلَمُ أَنّ اللّهَ أَنْزَلَ عَلَى بَشَرٍ مِنْ
شَيْءٍ بَعْدَ مُوسَى . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا : { إِنّا أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنّبِيّينَ مِنْ بَعْدِهِ
وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ
وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ
وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا
رُسُلًا مُبَشّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلّا يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ
حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا } وَدَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فَقَالَ لَهُمْ أَمَا
وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّي رَسُولٌ مِنْ اللّهِ إلَيْكُمْ قَالُوا :
مَا نَعْلَمُهُ وَمَا نَشْهَدُ عَلَيْهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي
ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ { لَكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ
أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا
}
332.
اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى طَرْحِ الصّخْرَةِ عَلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
333.
وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
إلَى بَنِي النّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ الْعَامِرِيّيْنِ اللّذَيْنِ
قَتَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ . فَلَمّا خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ قَالُوا
: لَنْ تَجِدُوا مُحَمّدًا أَقْرَبَ مِنْهُ الْآنَ فَمَنْ رَجُلٌ يَظْهَرُ عَلَى
هَذَا الْبَيْتِ فَيَطْرَحَ عَلَيْهِ صَخْرَةً فَيُرِيحَنَا مِنْهُ ؟ فَقَالَ
عَمْرُو بْنُ جَحّاشِ بْنِ كَعْبٍ : أَنَا ، فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ ، فَانْصَرَفَ عَنْهُمْ فَأَنْزَلَ اللّهُ
تَعَالَى فِيهِ [ ص 422 ] أَرَادَ هُوَ وَقَوْمُهُ { يَا أَيّهَا الّذِينَ
آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا
إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتّقُوا اللّهَ وَعَلَى
اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
334.
ادّعَاؤُهُمْ أَنّهُمْ أَحِبَاءُ اللّهِ
335.
وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
نُعْمَانُ بْنُ أَضَاءَ وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو ، وَشَأْسُ بْنُ عَدِيّ ،
فَكَلّمُوهُ وَكَلّمَهُمْ رَسُولُ اللّهِ وَدَعَاهُمْ إلَى اللّهِ وَحَذّرَهُمْ نِقْمَتَهُ
فَقَالُوا : مَا تُخَوّفُنَا يَا مُحَمّدُ ، نَحْنُ وَاَللّهِ أَبْنَاءُ اللّهِ
وَأَحِبّاؤُهُ كَقَوْلِ النّصَارَى فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {
وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللّهِ وَأَحِبّاؤُهُ قُلْ
فَلِمَ يُعَذّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ
لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ }
336.
إنْكَارُهُمْ نُزُولَ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى عَلَيْهِ
السّلَامُ
337.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَهُودَ إلَى الْإِسْلَامِ وَرَغّبَهُمْ فِيهِ وَحَذّرَهُمْ غِيَرَ
اللّهِ وَعُقُوبَتَهُ فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَكَفَرُوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ
فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ
وَهْبٍ : يَا مَعْشَرَ يَهُودَ اتّقُوا اللّهَ ، فَوَاَللّهِ إنّكُمْ
لَتَعْلَمُونَ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَهُ لَنَا
قَبْلَ مَبْعَثِهِ وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَتِهِ فَقَالَ رَافِعُ بْنُ
حُرَيْمِلَةَ ، وَوَهْبُ بْنُ يَهُوذَا : مَا قُلْنَا لَكُمْ هَذَا قَطّ ،
وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ مِنْ كِتَابٍ بَعْدَ مُوسَى ، وَلَا أَرْسَلَ بَشَرًا
وَلَا نَذِيرًا بَعْدُ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمَا
: { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ عَلَى
فَتْرَةٍ مِنَ الرّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ
فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .
ثُمّ قَصّ عَلَيْهِمْ خَبَرَ مُوسَى وَمَا لَقِيَ مِنْهُمْ وَانْتِقَاضَهُمْ عَلَيْهِ
وَمَا رَدّوا عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ اللّهِ حَتّى تَاهُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ
سَنَةً عُقُوبَةًS[ ص 421 ] [ ص 422 ] وَذَكَرَ
آيَةَ التّيهِ وَحَبْسِ بَنِي إسْرَائِيلَ فِيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً عُقُوبَةً
مِنْ اللّهِ تَعَالَى لِمُخَالَفَتِهِمْ أَمْرِهِ حِينَ فَزِعُوا مِنْ الْجَبّارِينَ
لِعِظَمِ أَجْسَامِهِمْ وَقَالَ لَهُمْ رَجُلَانِ وَهُمَا يُوشَعُ بْنُ نُونٍ
مِنْ سَبْطِ يُوسُفَ وَكَالِبُ بْنُ يُوفِيَا مِنْ سَبْطِ يَامِينَ { ادْخُلُوا
عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنّكُمْ غَالِبُونَ } فَلَمّا
عَصَوْهُمَا دَعَا عَلَيْهِمْ مُوسَى ، فَتَاهُوا ، أَيّ تَحَيّرُوا ، وَكَانُوا
سِتّمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ فَتَاهُوا فِي سِتّةِ فَرَاسِخَ مِنْ الْأَرْضِ
يَمْشُونَ النّهَارَ كُلّهُ ثُمّ يُمْسُونَ حَيْثُ أَصْبَحُوا ، وَيُصْبِحُونَ
حَيْثُ أَمْسَوْا . وَفِي ذَلِكَ
السّنِينَ أَنْزَلَ عَلَيْهِمْ الْمَنّ وَالسّلْوَى ، لِأَنّهُمْ شُغِلُوا عَنْ
الْمَعَاشِ بِالتّيهِ فِي الْأَرْضِ وَأُبْقِيَتْ عَلَيْهِمْ ثِيَابُهُمْ لَا
تَخْلَقُ وَلَا تَتّسِخُ وَتَطُولُ مَعَ الصّغِيرِ إذَا طَالَ وَفِيهَا
اسْتَسْقَى لَهُمْ مُوسَى ، فَأُمِرَ أَنْ يَأْخُذَ حَجَرًا مِنْ الطّورِ ،
فَيَضْرِبُهُ بِعَصَاهُ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا [ ص 423 ] كَانُوا فِي
الْبَرِيّةِ فَظُلّلُوا مِنْ الشّمْسِ وَذَلِكَ أَنّ مُوسَى كَانَ نَدِمَ حِينَ
دَعَا عَلَيْهِمْ لِمَا رَأَى مِنْ جَهْدِهِمْ وَحَيْرَتِهِمْ فِي التّيهِ
فَكَانَ يَدْعُو اللّهَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ لِئَلّا يَهْلِكُوا فِي
التّيهِ جُوعًا أَوْ عُرْيًا أَوْ عَطَشًا ، فَلَمّا آسَى عَلَيْهِمْ قَالَ لَهُ
لَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ أَيْ لِلّذِينَ فَسَقُوا أَيْ
خَرَجُوا عَنْ أَمْرِك - وَمَاتَ فِي أَيّامِ التّيهِ جَمِيعُ كِبَارِهِمْ إلّا
يُوشَعُ وَكَالِبٌ فَمَا دَخَلَ الْأَرْضَ عَلَى الْجَبّارِينَ إلّا خُلُوفُهُمْ
وَأَبْنَاؤُهُمْ وَقِيلَ إنّ مُوسَى مَاتَ فِي تِلْكَ السّنِينَ أَيْضًا وَلَمْ
يَشْهَدْ الْفَتْحَ مَعَ يُوشَعَ وَقِيلَ بَلْ كَانَ مَعَ يُوشَعَ حِينَ
افْتَتَحَهَا .
|
الاثنين، 21 مايو 2018
ج4 /3 الروض الأنف للسهيلي/ خَبَرُ الْأَذَانِ
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق