السبت، 12 مايو 2018

6.السيرة النبوي لابن هشام من [ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّهَاتُهُ ] الي[ مَوْتُ عَبْدِ اللَّهِ ]



 [ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّهَاتُهُ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَوَلَدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ ، مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ . وَأُمِّهِ : آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ .
وَأُمُّهَا : بَرَّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ .
وَأُمُّ بَرَّةَ : أُمُّ حَبِيبٍ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ .
وَأُمُّ أُمِّ حَبِيبٍ : بَرَّةُ بِنْتُ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَفُ وَلَدِ آدَمَ حَسَبًا ، وَأَفْضَلُهُمْ نَسَبًا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إشَارَةٌ إلَى ذِكْرِ احْتِفَارِ زَمْزَمَ
[ شَيْءٌ عَنْ زَمْزَمَ ]
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيُّ : بَيْنَمَا عَبْدُ الْمُطَلِّبِ بْنُ هَاشِمٍ نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ ، إذْ [ ص: 111 ] أُتِيَ فَأُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ ، وَهِيَ دَفْنٌ بَيْنَ صَنَمَيْ قُرَيْشٍ : إسَافٍ وَنَائِلَةٍ . عِنْدَ مَنْحَرِ قُرَيْشٍ .
وَكَانَتْ جُرْهُمُ دَفَنَتْهَا حِينَ ظَعَنُوا مِنْ مَكَّةَ ، وَهِيَ بِئْرُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، الَّتِي سَقَاهُ اللَّهُ حِينَ ظَمِئَ وَهُوَ صَغِيرٌ ، فَالْتَمَسَتْ لَهُ أُمُّهُ مَاءً فَلَمْ تَجِدْهُ ، فَقَامَتْ إلَى الصَّفَا تَدْعُو اللَّهَ وَتَسْتَغِيثُهُ لِإِسْمَاعِيلَ ، ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ فَفَعَلَتْ مِثْلَ ذَلِكَ . وَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَهَمَزَ لَهُ بِعَقِبِهِ فِي الْأَرْضِ ، فَظَهَرَ الْمَاءُ ، وَسَمِعَتْ أُمُّهُ أَصْوَاتَ السِّبَاعِ فَخَافَتْهَا عَلَيْهِ ، فَجَاءَتْ تَشْتَدُّ نَحْوَهُ ، فَوَجَدَتْهُ يَفْحَصُ بِيَدِهِ عَنْ الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ خَدِّهِ وَيَشْرَبُ ، فَجَعَلَتْهُ حِسْيًا .
أَمْرُ جُرْهُمٍ وَدَفْنِ زَمْزَمَ
[ وُلَاةُ الْبَيْتِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ جُرْهُمٍ ، وَدَفْنُهَا زَمْزَمَ ، وَخُرُوجُهَا مِنْ مَكَّةَ وَمَنْ وَلِيَ أَمْرَ مَكَّةَ بَعْدَهَا إلَى أَنْ حَفَرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ زَمْزَمَ ، مَا حَدَّثَنَا بِهِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطَّلِبِيُّ ، قَالَ : لَمَّا تُوُفِّيَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَلِيَ الْبَيْتَ بَعْدَهُ ابْنُهُ نَابِتُ بْنُ إسْمَاعِيلَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَلِيَهُ ، ثُمَّ وَلِيَ الْبَيْتَ بَعْدَهُ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيُّ .
[ جُرْهُمٌ وَقَطُورَاءُ وَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ : مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو الْجُرْهُمِيُّ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَنُو إسْمَاعِيلَ وَبَنُو نَابِتٍ مَعَ جَدِّهِمْ مُضَاضِ بْنِ عَمْرٍو [ ص: 112 ] وَأَخْوَالِهِمْ مِنْ جُرْهُمٍ . وَجُرْهُمٌ وَقَطُورَاءُ يَوْمَئِذٍ أَهْلُ مَكَّةَ ، وَهُمَا ابْنَا عَمٍّ .
وَكَانَا ظَعَنَا مِنْ الْيَمَنِ ، فَأَقْبَلَا سَيَّارَةً ، وَعَلَى جُرْهُمٍ مُضَاضُ بْنُ عَمْرِو ، وَعَلَى قَطُورَاءَ السَّمَيْدَعُ ، رَجُلٌ مِنْهُمْ . وَكَانُوا إذَا خَرَجُوا مِنْ الْيَمَنِ لَمْ يَخْرُجُوا إلَّا وَلَهُمْ مَلِكٌ يُقِيمُ أَمْرَهُمْ . فَلَمَّا نَزَلَا مَكَّةَ رَأَيَا بَلَدًا ذَا مَاءٍ وَشَجَرٍ ، فَأَعْجَبَهُمَا فَنَزَلَا بِهِ .
فَنَزَلَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو بِمَنْ مَعَهُ مِنْ جُرْهُمٍ بِأَعْلَى مَكَّةَ بِقُعَيْقِعَانَ فَمَا حَازَ .
وَنَزَلَ السَّمَيْدَعُ بِقَطُورَاءَ . أَسْفَلَ مَكَّةَ بِأَجْيَادِ فَمَا حَازَ . فَكَانَ مُضَاضٌ يَعْشُرُ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ أَعْلَاهَا ، وَكَانَ السَّمَيْدَعُ يَعْشُرُ مَنْ دَخَلَ مَكَّةَ مِنْ أَسْفَلِهَا ، وَكُلٌّ فِي قَوْمِهِ لَا يَدْخُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ . ثُمَّ إنَّ جُرْهُمَ وَقَطُورَاءَ ، بَغَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، وَتَنَافَسُوا الْمُلْكَ بِهَا ، وَمَعَ مُضَاضٍ يَوْمَئِذٍ بَنُو إسْمَاعِيلَ وَبَنُو نَابِتٍ : وَإِلَيْهِ وِلَايَةُ الْبَيْتِ دُونَ السَّمَيْدَعِ . فَسَارَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ ، فَخَرَجَ مُضَاضُ بْنُ عَمْرٍو مِنْ قُعَيْقِعَانَ فِي كَتِيبَتِهِ سَائِرًا إلَى السَّمَيْدَعِ ، وَمَعَ كَتِيبَتِهِ عُدَّتُهَا مِنْ الرِّمَاحِ وَالدَّرَقِ وَالسُّيُوفِ وَالْجِعَابِ ، يُقَعْقِعُ بِذَلِكَ مَعَهُ ، فَيُقَالُ : مَا سُمِّيَ قُعَيْقِعَانُ بِقُعَيْقِعَانَ إلَّا لِذَلِكَ .
وَخَرَجَ السَّمَيْدَعُ مِنْ أَجْيَادٍ وَمَعَهُ الْخَيْلُ وَالرِّجَالُ ، فَيُقَالُ : مَا سُمِّيَ أَجْيَادٌ أَجِيَادًا إلَّا لِخُرُوجِ الْجِيَادِ مِنْ الْخَيْلِ مَعَ السَّمَيْدَعِ مِنْهُ . فَالْتَقَوْا بِفَاضِحٍ ، وَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا ، فَقُتِلَ السَّمَيْدَعُ ، وَفُضِحَتْ قَطُورَاءُ . فَيُقَالُ : مَا سُمِّيَ فَاضِحٌ فَاضِحًا إلَّا لِذَلِكَ . ثُمَّ إنَّ الْقَوْمَ تَدَاعَوْا [ ص: 113 ] إلَى الصُّلْحِ ، فَسَارُوا حَتَّى نَزَلُوا الْمَطَابِخَ : شِعْبًا بِأَعْلَى مَكَّةَ ، وَاصْطَلَحُوا بِهِ ، وَأَسْلَمُوا الْأَمْرَ إلَى مُضَاضٍ . فَلَمَّا جُمِعَ إلَيْهِ أَمْرُ مَكَّةَ فَصَارَ مُلْكُهَا لَهُ ، نَحَرَ لِلنَّاسِ فَأَطْعَمَهُمْ ، فَاطَّبَخَ النَّاسُ وَأَكَلُوا ، فَيُقَالُ : مَا سُمِّيَتْ الْمَطَابِخُ الْمَطَابِخَ إلَّا لِذَلِكَ . وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَزْعُمُ أَنَّهَا إنَّمَا سُمِّيَتْ الْمَطَابِخَ ، لَمَّا كَانَ تُبَّعٌ نَحَرَ بِهَا وَأَطْعَمَ ، وَكَانَتْ مَنْزِلَهُ . فَكَانَ الَّذِي كَانَ بَيْنَ مُضَاضٍ وَالسَّمَيْدَعِ أَوَّلَ بَغْيٍ كَانَ بِمَكَّةَ فِيمَا يَزْعُمُونَ .
[ أَوْلَادُ إسْمَاعِيلَ وَجُرْهُمٍ بِمَكَّةَ ]
ثُمَّ نَشَرَ اللَّهُ وَلَدَ إسْمَاعِيلَ بِمَكَّةَ ، وَأَخْوَالُهُمْ مِنْ جُرْهُمٍ ، وُلَاةُ الْبَيْتِ وَالْحُكَّامُ بِمَكَّةَ ، لَا يُنَازِعُهُمْ وَلَدُ إسْمَاعِيلَ فِي ذَلِكَ لِخُئُولَتِهِمْ وَقَرَابَتِهِمْ ، وَإِعْظَامًا لِلْحُرْمَةِ أَنْ يَكُونَ بِهَا بَغْيٌ أَوْ قِتَالٌ . فَلَمَّا ضَاقَتْ مَكَّةُ عَلَى وَلَدِ إسْمَاعِيلَ انْتَشَرُوا فِي الْبِلَادِ ، فَلَا يُنَاوِئُونَ قَوْمًا إلَّا أَظْهَرَهُمْ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِدِينِهِمْ فَوَطِئُوهُمْ .
اسْتِيلَاءُ قَوْمِ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ عَلَى الْبَيْتِ ونَفي جُرْهُمٍ
[ بَغْيُ جُرْهُمٍ بِمَكَّةَ وَطَرْدُ بَنِي بَكْرٍ لَهُمْ ]
‏ ثُمَّ إنَّ جُرْهُمًا بَغَوْا بِمَكَّةَ ، وَاسْتَحَلُّوا خِلَالًا مِنْ الْحُرْمَةِ ، فَظَلَمُوا مَنْ دَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا ، وَأَكَلُوا مَالَ الْكَعْبَةِ الَّذِي يُهْدَى لَهَا ، فَرَقَّ أَمْرَهُمْ . فَلَمَّا رَأَتْ بَنُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ ، وَغُبْشَانُ مِنْ خُزَاعَةَ ذَلِكَ ، أَجَمَعُوا [ ص: 114 ] لِحَرْبِهِمْ وَإِخْرَاجِهِمْ مِنْ مَكَّةَ . فَآذَنُوهُمْ بِالْحَرْبِ فَاقْتَتَلُوا ، فَغَلَبَتْهُمْ بَنُو بَكْرٍ وَغُبْشَانُ فَنَفَوْهُمْ مِنْ مَكَّةَ . وَكَانَتْ مَكَّةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا تُقِرُّ فِيهَا ظُلْمًا وَلَا بَغْيًا ، وَلَا يَبْغِي فِيهَا أَحَدٌ إلَّا أَخَرَجَتْهُ ، فَكَانَتْ تُسَمَّى النَّاسَّةَ ، وَلَا يُرِيدُهَا مَلِكٌ يَسْتَحِلُّ حُرْمَتَهَا إلَّا هَلَكَ مَكَانَهُ ، فَيُقَالُ : إنَّهَا مَا سُمِّيَتْ بِبَكَّةِ إلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَبُكُّ أَعْنَاقَ الْجَبَابِرَةِ إذَا أَحْدَثُوا فِيهَا شَيْئًا .
[ بَكَّةُ لُغَةً ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ : أَنَّ بَكَّةَ اسْمٌ لِبَطْنِ مَكَّةَ ، لِأَنَّهُمْ يَتَبَاكَوْنَ فِيهَا ، أَيْ يَزْدَحِمُونَ . وَأَنْشَدَنِي :
:
إذَا الشَّرِيبُ أَخَذَتْهُ أَكَّهُ فَخَلِّهِ حَتَّى يَبُكَّ بَكَّهُ أَيْ فَدَعْهُ حَتَّى يَبُكَّ إبِلَهُ : أَيْ يُخَلِّيهَا إلَى الْمَاءِ فَتَزْدَحِمُ عَلَيْهِ . وَهُوَ مَوْضِعُ الْبَيْتِ وَالْمَسْجِدِ . وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ لِعَامَانَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُضَاضٍ الْجُرْهُمِيُّ بِغَزَالِيِّ الْكَعْبَةِ وَبِحَجَرِ الرُّكْنِ ، فَدَفَنَهَا فِي زَمْزَمَ ، وَانْطَلَقَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ جُرْهُمٍ إلَى الْيَمَنِ ، فَحَزِنُوا عَلَى مَا فَارَقُوا مِنْ أَمْرِ مَكَّةَ وَمُلْكِهَا حُزْنًا شَدِيدًا . فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ( بْنِ عَمْرِو ) بْنِ مُضَاضٍ فِي ذَلِكَ ، وَلَيْسَ بِمُضَاضٍ الْأَكْبَرِ :
:
وَقَائِلَةٍ وَالدَّمْعُ سَكْبٌ مُبَادِرُ وَقَدْ شَرِقَتْ بِالدَّمْعِ مِنْهَا الْمَحَاجِرُ
[ ص: 115 ] كَأَنَّ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْحَجُونِ إلَى الصَّفَا أَنِيسٌ وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّةَ سَامِرُ
فَقُلْتُ لَهَا وَالْقَلْبُ مِنِّي كَأَنَّمَا يُلَجْلِجُهُ بَيْنَ الْجَنَاحَيْنِ طَائِرُ
بَلَى نَحْنُ كُنَّا أَهْلَهَا ، فَأَزَالَنَا صُرُوفُ اللَّيَالِي وَالْجُدُودِ الْعَوَاثِرِ
وَكُنَّا وُلَاةَ الْبَيْتِ مِنْ بَعْدِ نَابِتٍ نَطُوفُ بِذَاكَ الْبَيْتِ وَالْخَيْرُ ظَاهِرُ
وَنَحْنُ وَلِينَا الْبَيْتَ مِنْ بَعْدِ نَابِتٍ بِعَزٍّ فَمَا يَحْظَى لَدَيْنَا الْمُكَاثِرُ
مَلَكْنَا فَعَزَّزْنَا فَأَعْظِمْ بِمُلْكِنَا فَلَيْسَ لِحَيِّ غَيْرِنَا ثَمَّ فَاخِرُ
أَلَمْ تُنْكِحُوا مِنْ خَيْرِ شَخْصٍ عَلِمْتُهُ فَأَبْنَاؤُهُ مِنَّا وَنَحْنُ الْأَصَاهِرُ
فَإِنْ تَنْثَنِ الدُّنْيَا عَلَيْنَا بِحَالِهَا فَإِنَّ لَهَا حَالًا وَفِيهَا التَّشَاجُرُ
فَأَخْرَجَنَا مِنْهَا الْمَلِيكُ بِقُدْرَةٍ كَذَلِكَ يَا لِلنَّاسِ تَجْرِي الْمَقَادِرُ
أَقُولُ إذَا نَامَ الْخَلِيُّ وَلَمْ أَنَمْ أَذَا الْعَرْشِ : لَا يَبْعُدُ سُهَيْلٌ وَعَامِرٌ
وَبُدِّلْتُ مِنْهَا أَوْجُهًا لَا أُحِبُّهَا قَبَائِلُ مِنْهَا حِمْيَرُ وَيُحَابِرُ
وَصِرْنَا أَحَادِيثَا وَكُنَّا بِغِبْطَةٍ بِذَلِكَ عَضَّتْنَا السِّنُونَ الْغَوَابِرُ
فَسَحَّتَ دُمُوعُ الْعَيْنِ تَبْكِي لِبَلْدَةٍ بِهَا حَرَمٌ أَمْنٌ وَفِيهَا الْمَشَاعِرُ
وَتَبْكِي لِبَيْتٍ لَيْسَ يُوذَى حَمَامُهُ يَظَلُّ بِهِ أَمْنًا وَفِيهِ الْعَصَافِرُ
[ ص: 116 ] وَفِيهِ وُحُوشٌ لَا تُرَامُ أَنِيسَةٌ إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ فَلَيْسَتْ تُغَادِرُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ فَأَبْنَاؤُهُ منا ، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَيْضًا يَذْكُرُ بَكْرًا وَغُبْشَانُ ، وَسَاكِنِي مَكَّةَ الَّذِينَ خَلَفُوا فِيهَا بَعْدَهُمْ :
:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ سِيرُوا إنَّ قَصْرَكُمْ أَنْ تُصْبِحُوا ذَاتَ يَوْمٍ لَا تَسِيرُونَا
حُثُّوا الْمَطِيَّ وَأَرْخُوا مِنْ أَزِمَّتِهَا قَبْلَ الْمَمَاتِ وَقَضُّوا مَا تُقِضُّونَا
كُنَّا أُنَاسًا كَمَا كُنْتُمْ فَغَيَّرَنَا دَهْرٌ فَأَنْتُمْ كَمَا كُنَّا تَكُونُونَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا مَا صَحَّ لَهُ مِنْهَا . وَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ : أَنَّ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ أَوَّلُ شِعْرٍ قِيلَ فِي الْعَرَبِ ، وَأَنَّهَا وُجِدَتْ مَكْتُوبَةً فِي حَجَرٍ بِالْيَمَنِ ، وَلَمْ يُسَمِّ لِي قَائِلَهَا . [ ص: 117 ]
اسْتِبْدَادُ قَوْمٍ مِنْ خُزَاعَةَ بِوِلَايَةِ الْبَيْتِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمَّ إنَّ غُبْشَانَ مِنْ خُزَاعَةَ وَلِيَتْ الْبَيْتَ دُونَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ ، وَكَانَ الَّذِي يَلِيهِ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ الْغُبْشَانِيُّ ، وَقُرَيْشٌ إذْ ذَاكَ حُلُولٌ وَصِرَمٌ ، وَبُيُوتَاتٌ مُتَفَرِّقُونَ فِي قَوْمِهِمْ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ ، فَوَلِيَتْ خُزَاعَةُ الْبَيْتَ يَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ ، حَتَّى كَانَ آخِرُهُمْ حُلَيْلُ بْنُ حَبَشِيَّةَ بْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْخُزَاعِيَّ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُقَالُ حُبْشِيَّةُ بْنُ سَلُولَ .
تَزَوُّجُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ حُبَّى بِنْتَ حُلَيْلٍ [ أَوْلَادُ قُصَيٍّ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمَّ إنَّ قُصَيَّ بْنَ كِلَابٍ خَطَبَ إلَى حُلَيْلِ بْنِ حُبْشِيَّةَ ابْنَتَهُ حُبَّى ، فَرَغِبَ فِيهِ حُلَيْلٌ فَزَوَّجَهُ ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الدَّارِ ، وَعَبْدَ مَنَافٍ ، وَعَبْدَ الْعُزَّى ، وَعَبْدًا . فَلَمَّا انْتَشَرَ وَلَدُ قُصَيٍّ ، وَكَثُرَ مَالُهُ ، وَعَظُمَ شَرَفُهُ ، هَلَكَ حُلَيْلٌ .
[ تَوَلِّي قُصَيٍّ أَمْرَ الْبَيْتِ وَنُصْرَةَ رُزَاحٍ لَهُ ]
فَرَأَى قُصَيٌّ أَنَّهُ أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ ، وَبِأَمْرِ مَكَّةَ مِنْ خُزَاعَةَ وَبَنِيَّ بَكْرٍ ، وَأَنَّ قُرَيْشًا قُرْعَةُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَصَرِيحُ وَلَدِهِ . فَكَلَّمَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ ، وَبَنِيَّ كِنَانَةَ ، [ ص: 118 ] وَدَعَاهُمْ إلَى إخْرَاجِ خُزَاعَةَ وَبَنِيَّ بَكْرٍ مِنْ مَكَّةَ ، فَأَجَابُوهُ . وَكَانَ رَبِيعَةُ بْنُ حَرَامٍ مِنْ عُذْرَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ قَدْ قَدِمَ مَكَّةَ بَعْدَ هُلْكِ كِلَابٍ ، فَتَزَوَّجَ فَاطِمَةَ بِنْتَ سَعْدِ بْنِ سَيَلٍ ، وَزُهْرَةَ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ ، وَقُصَيٌّ فَطِيمٌ ، فَاحْتَمَلَهَا إلَى بِلَادِهِ ، فَحَمَلَتْ قُصَيًّا مَعَهَا ، وَأَقَامَ زُهْرَةَ ، فَوَلَدَتْ لِرَبِيعَةَ رِزَاحًا . فَلَمَّا بَلَغَ قُصَيٌّ وَصَارَ رَجُلًا أَتَى مَكَّةَ ، فَأَقَامَ بِهَا ، فَلَمَّا أَجَابَهُ قَوْمُهُ إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ ، كَتَبَ إلَى أَخِيهِ مِنْ أُمِّهِ ، رِزَاحِ بْنِ رَبِيعَةَ ، يَدْعُوهُ إلَى نُصْرَتِهِ ، وَالْقِيَامِ مَعَهُ . فَخَرَجَ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ وَمَعَهُ إخْوَتُهُ : حُنُّ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَمَحْمُودُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَجُلْهُمَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَهُمْ لِغَيْرِ فَاطِمَةَ ، فِيمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ قُضَاعَةَ فِي حَاجِّ الْعَرَبِ ، وَهُمْ مُجْمِعُونَ لِنُصْرَةِ قُصَيٍّ .
وَخُزَاعَةُ تَزْعُمُ أَنَّ حُلَيْلَ بْنَ حُبْشِيَّةَ أَوْصَى بِذَلِكَ ، قُصَيًّا وَأَمَرَهُ بِهِ حِينَ انْتَشَرَ لَهُ مِنْ ابْنَتِهِ مِنْ الْوَلَدِ مَا انْتَشَرَ . وَقَالَ : أَنْتِ أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ ، وَبِالْقِيَامِ عَلَيْهَا ، وَبِأَمْرِ مَكَّةَ مِنْ خُزَاعَةَ ، فَعِنْدَ ذَلِكَ طَلَبَ قُصَيٌّ مَا طَلَبَ . وَلَمْ نَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ .
[ ص: 119 ] مَا كَانَ يَلِيهِ الْغَوْثُ بْنُ مُرَّ مِنْ الْإِجَازَةِ لِلنَّاسِ بِالْحَجِّ
وَكَانَ الْغَوْثُ بْنُ مُرَّ بْنِ أَدِّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ يَلِي الْإِجَازَةَ لِلنَّاسِ بِالْحَجِّ مِنْ عَرَفَةَ ، وَوَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ولِوَلَدِهِ صُوفَةُ . وَإِنَّمَا وَلِيَ ذَلِكَ الْغَوْثُ بْنُ مُرَّ ، لِأَنَّ أُمَّهُ كَانَتْ امْرَأَةً مِنْ جُرْهُمٍ ، وَكَانَتْ لَا تَلِدُ ، فَنَذَرَتْ لِلَّهِ إنْ هِيَ وَلَدَتْ رَجُلًا أَنْ تَصَّدَّقَ بِهِ عَلَى الْكَعْبَةِ عَبْدًا لَهَا يَخْدُمُهَا ، وَيَقُومُ عَلَيْهَا . فَوَلَدَتْ الْغَوْثَ ، فَكَانَ يَقُومُ عَلَى الْكَعْبَةِ فِي الدَّهْرِ الْأَوَّلِ مَعَ أَخْوَالِهِ مِنْ جُرْهُمٍ ، فَوَلِيَ الْإِجَازَةَ بِالنَّاسِ مِنْ عَرَفَةَ ، لِمَكَانِهِ الَّذِي كَانَ بِهِ مِنْ الْكَعْبَةِ ، وَوَلَدُهُ مِنْ بَعْدِهِ حَتَّى انْقَرَضُوا . فَقَالَ مُرُّ بْنُ أَدٍّ لِوَفَاءِ نَذْرِ أُمِّهِ :
:
إنِّي جَعَلْتُ رَبَّ مَنْ بَييَّهْ رَبِيطَةً بِمَكَّةَ الْعَلِيَّهْ فَبَارِكْنَ لِي بِهَا أليَّهْ
وَاجْعَلْهُ لِي مِنْ صَالِحِ الْبَرِيَّهْ وَكَانَ الْغَوْثُ بْنُ مُرٍّ - فِيمَا زَعَمُوا - إذَا دَفَعَ بِالنَّاسِ قَالَ :
:
لاهُمَّ إنِّي تَابِعٌ تَبَاعَهُ إنْ كَانَ إثْمٌ فَعَلَى قُضَاعَهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ ( عَبَّادٍ ) . قَالَ : [ ص: 120 ] [ صُوفَةُ وَرَمْيُ الْجِمَارِ ]
كَانَتْ صُوفَةُ تَدْفَعُ بِالنَّاسِ مِنْ عَرَفَةَ ، وَتُجِيزُ بِهِمْ إذَا نَفَرُوا مِنْ مِنًى ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ النَّفْرِ أَتَوْا لِرَمْيِ الْجِمَارِ ، وَرَجُلٌ مِنْ صُوفَةَ يَرْمِي لِلنَّاسِ ، لَا يَرْمُونَ حَتَّى يَرْمِي . فَكَانَ ذَوُو الْحَاجَاتِ الْمُتَعَجِّلُونَ يَأْتُونَهُ ، فَيَقُولُونَ لَهُ : قُمْ فَارْمِ حَتَّى نَرْمِيَ مَعَكَ ؛ فَيَقُولُ : لَا وَاَللَّهِ ، حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ . فَيَظَلُّ ذَوُو الْحَاجَاتِ الَّذِينَ يُحِبُّونَ التَّعَجُّلَ يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ ، وَيَسْتَعْجِلُونَهُ بِذَلِكَ ، وَيَقُولُونَ لَهُ : وَيْلَكَ قُمْ فَارْمِ ؛ فَيَأْبَى عَلَيْهِمْ . حَتَّى إذَا مَالَتْ الشَّمْسُ قَامَ فَرَمَى وَرَمَى النَّاسُ مَعَهُ .
[ تَوَلِّي بَنِي سَعْدٍ أَمْرَ الْبَيْتِ بَعْدَ صُوفَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَإِذَا فَرَغُوا مِنْ رَمْيِ الْجِمَارِ وَأَرَادُوا النَّفْرَ مِنْ مِنًى ، أَخَذَتْ صُوفَةُ بِجَانِبَيْ الْعَقَبَةِ ، فَحَبَسُوا النَّاسَ وَقَالُوا : أَجِيزِى صُوفَةَ ، فَلَمْ يَجُزْ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ حَتَّى يَمُرُّوا ، فَإِذَا نَفَرَتْ صُوفَةُ وَمَضَتْ خُلِّيَ سَبِيلُ النَّاسِ فَانْطَلَقُوا بَعْدَهُمْ فَكَانُوا كَذَلِكَ حَتَّى انْقَرَضُوا ، فَوَرِثَهُمْ ذَلِكَ مِنْ بَعْدِهِمْ بِالْقُعْدُدِ بَنُو سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ ، وَكَانَتْ مِنْ بَنِي سَعْدٍ فِي آلِ صَفْوَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شِجْنَةَ .
[ نَسَبُ صَفْوَانَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : صَفْوَانُ بْنُ جُنَابِ بْنِ شِجْنَةَ بْنِ عُطَارِدَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ .
[ ص: 121 ] [ صَفْوَانُ وَكَرِبٌ وَالْإِجَازَةُ فِي الْحَجِّ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ صَفْوَانُ هُوَ الَّذِي يُجِيزُ لِلنَّاسِ بِالْحَجِّ مِنْ عَرَفَةَ ، ثُمَّ بَنَوْهُ مِنْ بَعْدِهِ ، حَتَّى كَانَ آخِرَهُمْ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ ، كَرِبُ بْنُ صَفْوَانَ ، وَقَالَ أَوْسُ بْنُ تَمِيمِ بْنِ مَغْرَاءَ السَّعْدِيُّ :
:
لَا يَبْرَحُ النَّاسُ مَا حَجُّوا مُعَرَّفَهُمْ حَتَّى يُقَالَ أَجِيزُوا آلَ صَفْوَانَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لِأَوْسِ بْنِ مَغْرَاءَ .
[ شِعْرُ ذِي الْإِصْبَعِ فِي إفَاضَتِهِمْ بِالنَّاسِ ]
وَأَمَّا قَوْلُ ذِي الْإِصْبَعِ الْعَدْوَانِيِّ ، وَاسْمُهُ حُرْثَانُ ( مِنْ عَدْوَانَ ) بْنِ عَمْرٍو ؛ وَإِنَّمَا سُمِّيَ ذَا الْإِصْبَعِ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ إصْبَعٌ فَقَطَعَهَا :
:
عَذِيرَ الْحَيِّ مِنْ عَدْوَانَ كَانُوا حَيَّةَ الْأَرْضِ بَغَى بَعْضُهُمْ ظُلْمًا
فَلَمْ يُرْعِ عَلَى بَعْضِ وَمِنْهُمْ كَانَتْ السَّادَا
تُ وَالْمُوفُونَ بِالْقَرْضِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُجِيزُ النَّا
سَ بِالسُّنَّةِ وَالْفَرْضِ وَمِنْهُمْ حَكَمٌ يَقْضِي
فَلَا يُنْقَضُ مَا يَقْضِي [ ص: 122 ] [ أَبُو سَيَّارَةَ وَإِفَاضَتُهُ بِالنَّاسِ ]
- وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ - فَلِأَنَّ الْإِفَاضَةَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ كَانَتْ فِي عَدْوَانَ - فِيمَا حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ - يَتَوَارَثُونَ ذَلِكَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ . حَتَّى كَانَ آخِرَهُمْ الَّذِي قَامَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ أَبُو سَيَّارَةَ ، عُمَيْلَةُ بْنُ الْأَعْزَلِ . فَفِيهِ يَقُولُ شَاعِرٌ مِنْ الْعَرَبِ :
:
نَحْنُ دَفَعْنَا عَنْ أَبِي سَيَّارَهْ وَعَنْ مَوَالِيهِ بَنِي فَزَارَهْ حَتَّى أَجَازَ سَالِمًا حِمَارَهْ
مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ يَدْعُو جَارَهُ قَالَ : وَكَانَ أَبُو سَيَّارَةَ يَدْفَعُ بِالنَّاسِ عَلَى أَتَانٍ لَهُ ، فَلِذَلِكَ يَقُولُ : سَالِمًا حِمَارَهُ .
أَمْرُ عَامِرِ بْنِ ظَرِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِيَاذِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ عَدْوَانَ
[ قَضَاؤُهُ فِي خُنْثَى وَمَشْوَرَةُ جَارِيَتِهِ سُخَيْلَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَوْلُهُ حَكَمٌ يَقْضِي ، يَعْنِي عَامِرَ بْنَ ظَرِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عِيَاذِ بْنِ يَشْكُرَ بْنِ عَدْوَانَ الْعَدْوَانِيَّ . وَكَانَتْ الْعَرَبُ لَا يَكُونُ بَيْنَهَا نَائِرَةٌ وَلَا عُضْلَةٌ فِي قَضَاءٍ إلَّا أَسْنَدُوا ذَلِكَ إلَيْهِ ثُمَّ رَضُوا بِمَا قَضَى فِيهِ . فَاخْتُصِمَ إلَيْهِ فِي بَعْضِ مَا كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ، فِي رَجُلٍ خُنْثَى ، لَهُ مَا لِلرَّجُلِ وَلَهُ مَا لِلْمَرْأَةِ ، فَقَالُوا : أَتَجْعَلُهُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً ؟ وَلَمْ يَأْتُوهُ بِأَمْرِ كَانَ أَعْضَلَ مِنْهُ . فَقَالَ : حَتَّى أَنْظُرَ فِي أَمْرِكُمْ ، فَوَاَللَّهِ مَا نَزَلَ بِي مِثْلُ هَذِهِ مِنْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ فَاسْتَأْخَرُوا عَنْهُ . فَبَاتَ لَيْلَتَهُ سَاهِرًا ، يُقَلِّبُ أَمْرَهُ ، وَيَنْظُرُ فِي شَأْنِهِ ، لَا يَتَوَجَّهُ لَهُ مِنْهُ وَجْهٌ . وَكَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ يُقَالُ لَهَا سُخَيْلَةُ تَرْعَى عَلَيْهِ غَنَمَهُ ، وَكَانَ يُعَاتِبُهَا إذَا سَرَحَتْ فَيَقُولُ : صَبَّحْتِ وَاَللَّهِ [ ص: 123 ] يَا سُخَيْلُ وَإِذَا أَرَاحَتْ عَلَيْهِ قَالَ : مَسَّيْتِ وَاَللَّهِ يَا سُخَيْلُ وَذَلِكَ أَنَّهَا كَانَتْ تُؤَخِّرُ السَّرْحَ حَتَّى يَسْبِقَهَا بَعْضُ النَّاسِ ، وَتُؤَخِّرُ الْإِرَاحَةَ حَتَّى يَسْبِقَهَا بَعْضٌ . فَلَمَّا رَأَتْ سَهَرَهُ وَقِلَّةَ قَرَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ قَالَتْ : مَا لَكَ لَا أَبَا لَكَ مَا عَرَاكَ فِي لَيْلَتِكَ هَذِهِ ؟ قَالَ : وَيْلَكَ دَعِينِي ، أَمْرٌ لَيْسَ مِنْ شَأْنِكَ ، ثُمَّ عَادَتْ لَهُ بِمِثْلِ قَوْلِهَا . فَقَالَ فِي نَفْسِهِ : عَسَى أَنْ تَأْتِيَ مِمَّا أَنَا فِيهِ بِفَرَجٍ ؛ فَقَالَ : وَيْحَكَ اُخْتُصِمَ إلَيَّ فِي مِيرَاثِ خُنْثَى ، أَأَجْعَلُهُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً ؟ فَوَاَللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ ، وَمَا يَتَوَجَّهُ لِي فِيهِ وَجْهٌ . قَالَ : فَقَالَتْ : سُبْحَانَ اللَّهِ لَا أَبَا لَكَ أَتْبِعْ الْقَضَاءَ الْمَبَالَ ، أَقْعِدْهُ ، فَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ الرَّجُلُ فَهُوَ رَجُلٌ ، وَإِنْ بَالَ مِنْ حَيْثُ تَبُولُ الْمَرْأَةُ ، فَهِيَ امْرَأَةٌ . قَالَ : مَسِّي سُخَيْلُ بَعْدَهَا أَوْ صَبِّحِي ، فَرَّجْتِهَا وَاَللَّهِ . ثُمَّ خَرَجَ عَلَى النَّاسِ حِينَ أَصْبَحَ ، فَقَضَى بِاَلَّذِي أَشَارَتْ عَلَيْهِ بِهِ .
غَلَبُ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ عَلَى أَمْرِ مَكَّةَ وَجَمْعُهُ أَمْرَ قُرَيْشٍ
[ وَمَعُونَةُ قُضَاعَةَ لَهُ ]
[ هَزِيمَةُ صُوفَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْعَامُ فَعَلَتْ صُوفَةُ كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُ ، وَقَدْ عَرَفَتْ ذَلِكَ لَهَا الْعَرَبُ ، وَهُوَ دِينٌ فِي أَنْفُسِهِمْ فِي عَهْدِ جُرْهُمٍ وَخُزَاعَةَ وَوِلَايَتِهِمْ فَأَتَاهُمْ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ ، فَقَالَ : لَنَحْنُ أَوْلَى بِهَذَا مِنْكُمْ ، فَقَاتِلُوهُ ، فَاقْتَتَلَ النَّاسُ قِتَالًا شَدِيدًا ، ثُمَّ انْهَزَمَتْ صُوفَةُ ، وَغَلَبَهُمْ قُصَيٌّ عَلَى مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ .
[ مُحَارَبَةُ قُصَيٍّ لِخُزَاعَةَ وَبَنِيَّ بَكْرٍ وَتَحْكِيمُ يَعْمُرَ بْنِ عَوْفٍ ]
وَانْحَازَتْ عِنْدَ ذَلِكَ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ عَنْ قُصَيٍّ ، وَعَرَفُوا أَنَّهُ سَيَمْنَعُهُمْ كَمَا مَنَعَ صُوفَةَ ، وَأَنَّهُ سَيَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَمْرِ مَكَّةَ . فَلَمَّا انْحَازُوا عَنْهُ بَادَاهُمْ [ ص: 124 ] وَأَجْمَعَ لِحَرْبِهِمْ وَثَبَتَ مَعَهُ أَخُوهُ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ قُضَاعَةَ . وَخَرَجَتْ لَهُ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ فَالْتَقَوْا ، فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا بِالْأَبْطَحِ ، حَتَّى كَثُرَتْ الْقَتْلَى فِي الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا ، ثُمَّ إنَّهُمْ تَدَاعَوْا إلَى الصُّلْحِ وَإِلَى أَنْ يُحَكِّمُوا بَيْنَهُمْ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ ، فَحَكَّمُوا يَعْمُرَ بْنَ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ ، فَقَضَى بَيْنَهُمْ بِأَنَّ قُصَيًّا أَوْلَى بِالْكَعْبَةِ وَأَمْرِ مَكَّةَ مِنْ خُزَاعَةَ ، وَأَنَّ كُلَّ دَمٍ أَصَابَهُ قُصَيٌّ مِنْ خُزَاعَةَ وَبَنِيَّ بَكْرٍ ، مَوْضُوعٌ يَشْدَخُهُ تَحْتَ قَدَمَيْهِ ، وَأَنَّ مَا أَصَابَتْ خُزَاعَةُ وَبَنُو بَكْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَكِنَانَةَ وَقُضَاعَةَ فَفِيهِ الدِّيَةُ مُؤَدَّاةٌ ، وَأَنْ يُخَلَّى بَيْنَ قُصَيٍّ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ وَمَكَّةَ .
[ سَبَبُ تَسْمِيَةِ يَعْمُرَ بِالشَّدَّاخِ ]
فَسُمِّيَ يَعْمُرُ بْنُ عَوْفٍ يَوْمَئِذٍ : الشَّدَّاخَ ، لِمَا شَدَخَ مِنْ الدِّمَاءِ وَوَضَعَ مِنْهَا .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ : الشُّدَاخُ .
[ قُصَيٌّ أَمِيرًا عَلَى مَكَّةَ وَسَبَبُ تَسْمِيَتِهِ مُجَمِّعًا ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَوَلِيَ قُصَيٌّ الْبَيْتَ وَأَمْرَ مَكَّةَ ، وَجَمَعَ قَوْمَهُ مِنْ مَنَازِلِهِمْ إلَى مَكَّةَ ، وَتَمَلَّكَ عَلَى قَوْمِهِ وَأَهْلِ مَكَّةَ فَمَلَّكُوهُ .
إلَّا أَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ لِلْعَرَبِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَرَاهُ دِينًا فِي نَفْسِهِ لَا يَنْبَغِي تَغْيِيرُهُ . فَأَقَرَّ آلَ صَفْوَانَ وَعَدْوَانَ وَالنِّسْأَةَ وَمُرَّةَ بْنَ عَوْفٍ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ ، حَتَّى جَاءَ الْإِسْلَامُ فَهَدَمَ اللَّهُ بِهِ ذَلِكَ كُلَّهُ .
فَكَانَ قُصَيٌّ أَوَّلَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ أَصَابَ مُلْكًا أَطَاعَ لَهُ بِهِ قَوْمُهُ ، فَكَانَتْ [ ص: 125 ] إلَيْهِ الْحِجَابَةُ ، وَالسِّقَايَةُ ، وَالرِّفَادَةُ ، وَالنَّدْوَةُ ، وَاللِّوَاءُ ، فَحَازَ شَرَفَ مَكَّةَ كُلَّهُ .
وَقَطَعَ مَكَّةَ رِبَاعًا بَيْنَ قَوْمِهِ ، فَأَنْزَلَ كُلَّ قَوْمٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَنَازِلَهُمْ مِنْ مَكَّةَ الَّتِي أَصْبَحُوا عَلَيْهَا ، وَيَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّ قُرَيْشًا هَابُوا قَطْعَ شَجَرِ الْحَرَمِ فِي مَنَازِلِهِمْ فَقَطَعَهَا قُصَيٌّ بِيَدِهِ وَأَعْوَانِهِ ، فَسَمَّتْهُ قُرَيْشٌ مُجَمِّعًا لِمَا جَمَعَ مِنْ أَمْرِهَا ، وَتَيَمَّنَتْ بِأَمْرِهِ ، فَمَا تُنْكَحُ امْرَأَةٌ ، وَلَا يَتَزَوَّجُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَمَا يَتَشَاوَرُونَ فِي أَمْرٍ نَزَلَ بِهِمْ ، وَلَا يَعْقِدُونَ لِوَاءً لِحَرْبِ قَوْمٍ مِنْ غَيْرِهِمْ إلَّا فِي دَارِهِ ، يَعْقِدُهُ لَهُمْ بَعْضُ وَلَدِهِ ، وَمَا تَدَّرِعُ جَارِيَةٌ إذَا بَلَغَتْ أَنْ تَدَّرِعَ مِنْ قُرَيْشٍ إلَّا فِي دَارِهِ ، يَشُقُّ عَلَيْهَا فِيهَا دِرْعَهَا ثُمَّ تَدَّرِعُهُ ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ بِهَا إلَى أَهْلِهَا .
فَكَانَ أَمْرُهُ فِي قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ فِي حَيَاتِهِ ، وَمِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ، كَالدِّينِ الْمُتَّبِعِ لَا يُعْمَلُ بِغَيْرِهِ . وَاِتَّخَذَ لِنَفْسِهِ دَارَ النَّدْوَةِ وَجَعَلَ بَابَهَا إلَى مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ ، فَفِيهَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَقْضِي أُمُورَهَا .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَالَ الشَّاعِرُ :
:
[ ص: 126 ] قُصَيٌّ لَعَمْرِي كَانَ يُدَعَّى مُجَمِّعًا بِهِ جَمَعَ اللَّهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ خَبَّابٍ صَاحِبَ الْمَقْصُورَةِ يُحَدِّثُ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، وَهُوَ خَلِيفَةٌ ، حَدِيثَ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ ، وَمَا جَمَعَ مِنْ أَمْرِ قَوْمِهِ ، وَإِخْرَاجِهِ خُزَاعَةَ وَبَنِيَّ بَكْرٍ مِنْ مَكَّةَ ، وَوِلَايَتِهِ الْبَيْتَ وَأَمْرَ مَكَّةَ ، فَلَمْ يَرُدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ .
[ شِعْرُ رِزَاحٍ فِي نُصْرَتِهِ قُصَيًّا وَرَدُّ قُصَيٍّ عَلَيْهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمَّا فَرَغَ قُصَيٌّ مِنْ حَرْبِهِ ، انْصَرَفَ أَخُوهُ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ إلَى بِلَادِهِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ ، وَقَالَ رِزَاحٌ فِي إجَابَتِهِ قُصَيًّا :
:
لَمَّا أَتَى مِنْ قُصَيٍّ رَسُولُ فَقَالَ الرَّسُولُ أَجِيبُوا الْخَلِيلَا نَهَضْنَا إلَيْهِ نَقُودُ الْجِيَادَ
وَنَطْرَحُ عَنَّا الْمَلُولَ الثَّقِيلَا نَسِيرُ بِهَا اللَّيْلَ حَتَّى الصَّبَاحِ
وَنَكْمِي النَّهَارَ لِئَلَّا نَزُولَا فَهُنَّ سِرَاعٌ كَوِرْدِ الْقَطَا
يُجِبْنَ بِنَا مِنْ قُصَيٍّ رَسُولَا جَمَعْنَا مِنْ السِّرِّ مِنْ أَشْمَذَيْنِ
وَمِنْ كُلِّ حَيٍّ جَمَعْنَا قَبِيلَا فَيَا لَكَ حُلْبَةَ مَا لَيْلَةٌ
تَزِيدُ عَلَى الْأَلْفِ سَيْبًا رَسِيلَا فَلَمَّا مَرَرْنَ عَلَى عَسْجَدٍ
وَأَسْهَلْنَ مِنْ مُسْتَنَاخٍ سَبِيلَا [ ص: 127 ] وَجَاوَزْنَ بِالرُّكْنِ مِنْ وَرِقَانٍ
وَجَاوَزْنَ بِالْعَرْجِ حَيَّا حُلُولَا مَرَرْنَ عَلَى الْحِلِّ مَا ذُقْنَهُ
وَعَالَجْنَ مِنْ مَرٍّ لَيْلًا طَوِيلَا نُدْنِي مِنْ الْعُوذِ أَفْلَاءَهَا
إرَادَةَ أَنْ يَسْتَرِقْنَ الصَّهِيلَا فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إلَى مَكَّةَ
أَبَحْنَا الرِّجَالَ قَبِيلًا قَبِيلًا نُعَاوِرُهُمْ ثُمَّ حَدَّ السُّيُوفِ
وَفِي كُلِّ أَوْبٍ خَلَسْنَا الْعَقُولَا نُخَبِّزُهُمْ بِصَلَابِ النُّسُو
رِ خَبْزَ الْقَوِيِّ الْعَزِيزَ الذَّلِيلَا قَتَلْنَا خُزَاعَةَ فِي دَارِهَا
وَبَكْرًا قَتَلْنَا وَجِيلًا فَجِيلَا [ ص: 128 ] نَفَيْنَاهُمْ مِنْ بِلَادِ الْمَلِيكِ
كَمَا لَا يَحِلُّونَ أَرْضًا سُهُولَا فَأَصْبَحَ سَبْيُهُمْ فِي الْحَدِيدِ
وَمِنْ كُلِّ حَيٍّ شَفَيْنَا الْغَلِيلَا وَقَالَ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَعْدِ هُذَيْمٍ الْقُضَاعِيُّ فِي ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ قُصَيٍّ حِينَ دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ :
:
جَلَبْنَا الْخَيْلَ مُضْمَرَةً تَغَالِي مِنْ الْأَعْرَافِ أَعْرَافَ الْجِنَابِ
إلَى غَوْرَى تِهَامَةَ فَالْتَقَيْنَا مِنْ الْفَيْفَاءِ فِي قَاعٍ يَبَابِ
فَأَمَّا صُوفَةُ الْخُنْثَى فَخَلَّوْا مَنَازِلَهُمْ مُحَاذَرَةَ الضِّرَابِ
وَقَامَ بَنُو عَلِيٍّ إذْ رَأَوْنَا إلَى الْأَسْيَافِ كَالْإِبِلِ الطِّرَابِ
وَقَالَ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ :
:
أَنَا ابْنُ الْعَاصِمِينَ بَنِي لُؤَيٍّ بِمَكَّةَ مَنْزِلِي وَبِهَا رَبِيتُ
إلَى الْبَطْحَاءِ قَدْ عَلِمَتْ مَعَدٌّ وَمَرْوَتُهَا رَضِيتُ بِهَا رَضِيتُ
فَلَسْتُ لِغَالِبِ إنْ لَمْ تَأَثَّلْ بِهَا أَوْلَادُ قَيْذَرَ وَالنَّبِيتُ
رِزَاحٌ نَاضِرِي وَبِهِ أُسَامِي فَلَسْتُ أَخَافُ ضَيْمًا مَا حَيِيتُ
[ ص: 129 ] [ مَا كَانَ بَيْنَ رِزَاحٍ وَبَيْنَ نَهْدٍ وَحَوْتَكَةَ ، وَشِعْرُ قُصَيٍّ فِي ذَلِكَ ]
فَلَمَّا اسْتَقَرَّ رِزَاحُ بْنُ رَبِيعَةَ فِي بِلَادِهِ ، نَشَرَهُ اللَّهُ وَنَشَرَ حُنًّا ، فَهُمَا قَبِيلَا عُذْرَةَ الْيَوْمِ . وَقَدْ كَانَ بَيْنَ رِزَاحِ بْنِ رَبِيعَةَ ، حِينَ قَدِمَ بِلَادَهُ ، ، وَبَيْنَ نَهْدِ بْنِ زَيْدِ وَحَوْتَكَةَ بْنِ أَسْلُمَ ، وَهُمَا بَطْنَانِ مِنْ قُضَاعَةَ ، شَيْءٌ ، فَأَخَافَهُمْ حَتَّى لَحِقُوا بِالْيَمَنِ وَأَجْلَوْا مِنْ بِلَادِ قُضَاعَةَ ، فَهُمْ الْيَوْمَ بِالْيَمَنِ . فَقَالَ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ ، وَكَانَ يُحِبُّ قُضَاعَةَ وَنَمَاءَهَا وَاجْتِمَاعَهَا بِبِلَادِهَا ، لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِزَاحٍ مِنْ الرَّحِمِ ، وَلِبَلَائِهِمْ عِنْدَهُ إذْ أَجَابُوهُ إذْ دَعَاهُمْ إلَى نُصْرَتِهِ ، وَكَرِهَ مَا صَنَعَ بِهِمْ رِزَاحٌ :
أَلَا مِنْ مُبْلِغٍ عَنِّي رِزَاحَا فَإِنِّي قَدْ لَحَيْتُكَ فِي اثْنَتَيْنِ
لَحَيْتُكَ فِي بَنِي نَهْدِ بْنِ زَيْدِ كَمَا فَرَّقْتَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنِي
وَحَوْتَكَةُ بْنُ أَسْلُمَ إنَّ قَوْمًا عَنَوْهُمْ بِالْمَسَاءَةِ قَدْ عَنَوْنِي
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَتُرْوَى هَذِهِ الْأَبْيَاتُ لِزُهَيْرِ بْنِ جَنَابٍ الْكَلْبِيِّ .
[ مَا آثَرَ بِهِ قُصَيٌّ عَبْدَ الدَّارِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمَّا كَبِرَ قُصَيٌّ وَرَقَّ عَظْمُهُ ، وَكَانَ عَبْدُ الدَّارِ بِكْرَهُ ، وَكَانَ عَبْدُ مَنَافٍ قَدْ شَرُفَ فِي زَمَانِ أَبِيهِ وَذَهَبَ كُلَّ مَذْهَبٍ ، وَعَبْدُ الْعُزَّى وَعَبْدٌ . قَالَ قُصَيٌّ لِعَبْدِ الدَّارِ : أَمَا وَاَللَّهِ يَا بُنَيَّ لِأُلْحِقَنَّكَ بِالْقَوْمِ ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ شَرُفُوا عَلَيْكَ : لَا يَدْخُلُ رَجُلٌ مِنْهُمْ الْكَعْبَةَ حَتَّى تَكُونَ أَنْتَ تَفْتَحُهَا لَهُ ، وَلَا يَعْقِدُ لِقُرَيْشٍ لِوَاءً لِحَرْبِهَا إلَّا أَنْتَ بِيَدِكَ ، وَلَا يَشْرَبُ أَحَدٌ بِمَكَّةَ إلَّا مِنْ سِقَايَتِكَ ، وَلَا يَأْكُلُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَوْسِمِ طَعَامًا إلَّا مِنْ طَعَامِكَ ، وَلَا تَقْطَعُ قُرَيْشٌ [ ص: 130 ] أَمْرًا مِنْ أُمُورِهَا إلَّا فِي دَارِكَ . فَأَعْطَاهُ دَارَهُ دَارَ النَّدْوَةِ ، الَّتِي لَا تَقْضِي قُرَيْشٌ أَمْرًا مِنْ أُمُورِهَا إلَّا فِيهَا ، وَأَعْطَاهُ الْحِجَابَةَ وَاللِّوَاءَ وَالسِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ .
[ الرِّفَادَةُ ]
وَكَانَتْ الرِّفَادَةُ خَرْجًا تُخْرِجُهُ قُرَيْشٌ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ مِنْ أَمْوَالِهَا إلَى قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ ، فَيَصْنَعُ بِهِ طَعَامًا لِلْحَاجِّ ، فَيَأْكُلُهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سَعَةٌ وَلَا زَادٌ . وَذَلِكَ أَنَّ قُصَيًّا فَرَضَهُ عَلَى قُرَيْشٍ ، فَقَالَ لَهُمْ حِينَ أَمَرَهُمْ بِهِ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنَّكُمْ جِيرَانُ اللَّهِ وَأَهْلُ بَيْتِهِ وَأَهْلُ الْحَرَمِ ، وَإِنَّ الْحَاجَّ ضَيْفُ اللَّهِ وَزُوَّارُ بَيْتِهِ ، وَهُمْ أَحَقُّ الضَّيْفِ بِالْكَرَامَةِ ، فَاجْعَلُوا لَهُمْ طَعَامًا وَشَرَابًا أَيَّامَ الْحَجِّ ، حَتَّى يَصْدُرُوا عَنْكُمْ فَفَعَلُوا . فَكَانُوا يُخْرِجُونَ لِذَلِكَ كُلَّ عَامٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ خَرْجًا فَيَدْفَعُونَهُ إلَيْهِ ، فَيَصْنَعُهُ طَعَامًا لِلنَّاسِ أَيَّامَ مِنًى . فَجَرَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى قَوْمِهِ حَتَّى قَامَ الْإِسْلَامُ ، ثُمَّ جَرَى فِي الْإِسْلَامِ إلَى يَوْمِكَ هَذَا . فَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يَصْنَعُهُ السُّلْطَانُ كُلَّ عَامٍ . بِمَنَى لِلنَّاسِ حَتَّى يَنْقَضِيَ الْحَجُّ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدَّثَنِي بِهَذَا مِنْ أَمْرِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ ، وَمَا قَالَ لِعَبْدِ الدَّارِ فِيمَا دُفِعَ إلَيْهِ مِمَّا كَانَ بِيَدِهِ ، أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ :
سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ لِرَجُلِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ، يُقَالُ لَهُ : نُبَيْهُ بْنُ وَهْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ .
قَالَ الْحَسَنُ : فَجَعَلَ إلَيْهِ قُصَيٌّ كُلَّ مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ أَمْرِ قَوْمِهِ ، وَكَانَ قُصَيٌّ لَا يُخَالَفُ ، وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ شَيْءٌ صَنَعَهُ .
ذِكْرُ مَا جَرَى مِنْ اخْتِلَافِ قُرَيْشٍ بَعْدَ قُصَيٍّ
[ وَحِلْفِ الْمُطَيَّبِينَ ]
[ الْخِلَافُ بَيْنَ بَنِي عَبْدِ الدِّارِ وَبَنِي أَعْمَامِهِمْ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمَّ إنَّ قُصَيَّ بْنَ كِلَابٍ هَلَكَ ، فَأَقَامَ أَمْرَهُ فِي قَوْمِهِ وَفِي غَيْرِهِمْ بَنُوهُ مِنْ بَعْدِهِ ، فَاخْتَطُّوا مَكَّةَ رِبَاعًا - بَعْدَ الَّذِي كَانَ قَطَعَ [ ص: 131 ] لِقَوْمِهِ بِهَا - فَكَانُوا يَقْطَعُونَهَا فِي قَوْمِهِمْ وَفِي غَيْرِهِمْ مِنْ حُلَفَائِهِمْ وَيَبِيعُونَهَا ؛ فَأَقَامَتْ عَلَى ذَلِكَ قُرَيْشٌ مَعَهُمْ لَيْسَ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافٌ وَلَا تَنَازُعٌ ، ثُمَّ إنَّ بَنِي عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ عَبْدَ شَمْسٍ وَهَاشِمًا وَالْمُطَّلِبَ وَنَوْفَلًا أَجَمَعُوا عَلَى أَنْ يَأْخُذُوا مَا بِأَيْدِي بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ مِمَّا كَانَ قُصَيٌّ جَعَلَ إلَى عَبْدِ الدَّارِ ، مِنْ الْحِجَابَةِ وَاللِّوَاءِ وَالسِّقَايَةِ وَالرِّفَادَةِ ، وَرَأَوْا أَنَّهُمْ أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْهُمْ لِشَرَفِهِمْ عَلَيْهِمْ وَفَضْلِهِمْ فِي قَوْمِهِمْ ؛ فَتَفَرَّقَتْ عِنْدَ ذَلِكَ قُرَيْشٌ ، فَكَانَتْ طَائِفَةٌ مَعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى رَأْيِهِمْ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ أَحَقُّ بِهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ لِمَكَانِهِمْ فِي قَوْمِهِمْ ، وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مَعَ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ، يَرَوْنَ أَنْ لَا يُنْزَعَ مِنْهُمْ مَا كَانَ قُصَيٌّ جَعَلَ إلَيْهِمْ .
[ مَنْ نَاصَرُوا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ، وَمَنْ نَاصَرُوا بَنِي أَعْمَامِهِمْ ]
فَكَانَ صَاحِبَ أَمْرِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عَبْدُ شَمْسِ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ أَسَنَّ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، وَكَانَ صَاحِبَ أَمْرِ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ عَامِرُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ . فَكَانَ بَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ ، وَبَنُو زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ ، وَبَنُو تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ ، وَبَنُو الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ ، مَعَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ .
وَكَانَ بَنُو مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ ، وَبَنُو سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ ، وَبَنُو جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ ، وَبَنُو عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ ، مَعَ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ، وَخَرَجَتْ عَامِرُ بْنُ لُؤَيٍّ وَمُحَارِبُ بْنُ فِهْرٍ ، فَلَمْ يَكُونُوا مَعَ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ .
فَعَقَدَ كُلُّ قَوْمٍ عَلَى أَمْرِهِمْ حِلْفًا مُؤَكَّدًا عَلَى أَنْ لَا يَتَخَاذَلُوا ، وَلَا يُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مَا بَلَّ بَحْرَ صُوفَةَ . [ ص: 132 ] [ مَنْ دَخَلُوا فِي حِلْفِ الْمُطَيَّبِينَ ]
فَأَخْرَجَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ جَفْنَةً مَمْلُوءَةً طِيبًا . فَيَزْعُمُونَ أَنَّ بَعْضَ نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، أَخْرَجَتْهَا لَهُمْ ، فَوَضَعُوهَا لِأَحْلَافِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، ثُمَّ غَمَسَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ فِيهَا ، فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا هُمْ وَحَلْفَاؤُهُمْ ، ثُمَّ مَسَحُوا الْكَعْبَةَ بِأَيْدِيهِمْ تَوْكِيدًا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، فَسُمُّوا الْمُطَيَّبِينَ .
[ مَنْ دَخَلُوا فِي حِلْفِ الْأَحْلَافِ ]
وَتَعَاقَدَ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ وَتَعَاهَدُوا هُمْ وَحُلَفَاؤُهُمْ عِنْدَ الْكَعْبَةِ حِلْفًا مُؤَكَّدًا ، عَلَى أَنْ لَا يَتَخَاذَلُوا وَلَا يُسَلِّمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، فَسُمُّوا الْأَحْلَافَ .
[ تَوْزِيعُ الْقَبَائِلِ فِي الْحَرْبِ ]
ثُمَّ سُونِدَ بَيْنَ الْقَبَائِلِ ، وَلُزَّ بَعْضُهَا بِبَعْضِ ، فَعُبِّيَتْ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ لِبَنِي سَهْمٍ ، وَعُبِّيَتْ بَنُو أَسَدٍ لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ ، وَعُبِّيَتْ زُهْرَةُ لِبَنِي جُمَحَ ، وَعُبِّيَتْ بَنُو تَيْمٍ لِبَنِي مَخْزُومٍ ، وَعُبِّيَتْ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ لِبَنِي عَدِّي بْنِ كَعْبٍ . ثُمَّ قَالُوا : لِتُفْنَ كُلُّ قَبِيلَةٍ مَنْ أُسْنِدَ إلَيْهَا .
[ مَا تَصَالَحَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ ]
فَبَيْنَا النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ قَدْ أَجَمَعُوا لِلْحَرْبِ إذْ تَدَاعَوْا إلَى الصُّلْحِ ، عَلَى أَنْ يُعْطُوا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ ، وَأَنْ تَكُونَ الْحِجَابَةُ وَاللِّوَاءُ وَالنَّدْوَةُ لِبَنِي عَبْدِ الدَّارِ كَمَا كَانَتْ . فَفَعَلُوا وَرَضِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بِذَلِكَ ، وَتَحَاجَزَ النَّاسُ عَنْ الْحَرْبِ ، وَثَبَتَ كُلُّ قَوْمٍ مَعَ مَنْ حَالَفُوا ، فَلَمْ يَزَالُوا عَلَى ذَلِكَ ، حَتَّى جَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْإِسْلَامِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ لَمْ يَزِدْهُ إلَّا شِدَّةً .
[ ص: 133 ] حِلْفُ الْفُضُولِ
[ سَبَبُ تَسْمِيَتِهِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَمَّا حِلْفُ الْفُضُولِ فَحَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ قَالَ :
تَدَاعَتْ قَبَائِلُ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى حِلْفٍ ، فَاجْتَمَعُوا لَهُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ ، لِشَرَفِهِ وَسِنِّهِ ، فَكَانَ حِلْفُهُمْ عِنْدَهُ : بَنُو هَاشِمٍ ، وَبَنُو الْمُطَّلِبِ ، وَأَسَدُ بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى . وَزُهْرَةُ بْنُ كِلَابٍ ، وَتَيْمُ بْنُ مُرَّةَ فَتَعَاقَدُوا وَتَعَاهَدُوا عَلَى أَنْ لَا يَجِدُوا بِمَكَّةَ مَظْلُومًا مِنْ [ ص: 134 ] أَهْلِهَا وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ دَخَلَهَا مِنْ سَائِرِ النَّاسِ إلَّا قَامُوا مَعَهُ ، وَكَانُوا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ حَتَّى تُرَدَّ عَلَيْهِ مَظْلِمَتُهُ ، فَسَمَّتْ قُرَيْشٌ ذَلِكَ الْحِلْفَ حِلْفَ الْفُضُولِ .
[ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ حِلْفِ الْفُضُولِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفِ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ
[ نَازَعَ الْحُسَيْنُ الْوَلِيدَ فِي حَقٍّ ، وَهَدَّدَ بِالدَّعْوَةِ إلَى حِلْفِ الْفُضُولِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِي اللَّيْثِيُّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيَّ حَدَّثَهُ :
أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَبَيْنَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ . وَالْوَلِيدُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرٌ عَلَى الْمَدِينَةِ أَمَّرَهُ عَلَيْهَا عَمُّهُ مُعَاوِيَةُ [ ص: 135 ] بْنُ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُنَازَعَةً فِي مَالٍ كَانَ بَيْنَهُمَا بِذِي الْمَرْوَةِ . فَكَانَ الْوَلِيدُ تَحَامَلَ عَلَى الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَقِّهِ لِسُلْطَانِهِ ، فَقَالَ لَهُ الْحُسَيْنُ : أَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَتُنْصِفَنِّي مِنْ حَقِّي أَوْ لَآخُذَنَّ سَيْفِي ، ثُمَّ لَأَقُومَنَّ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ لَأَدْعُوَنَّ بِحِلْفِ الْفُضُولِ . قَالَ : فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ ، وَهُوَ عِنْدَ الْوَلِيدِ حِينَ قَالَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا قَالَ : وَأَنَا أَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَئِنْ دَعَا بِهِ لَآخُذَنَّ سَيْفِي ، ثُمَّ لَأَقُومَنَّ مَعَهُ حَتَّى يُنْصَفَ مِنْ حَقِّهِ أَوْ نَمُوتَ جَمِيعًا . قَالَ : فَبَلَّغْتُ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ الزُّهْرِيَّ ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ وَبَلَّغْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيَّ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ . فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ أَنْصَفَ الْحُسَيْنَ مِنْ حَقِّهِ حَتَّى رَضِيَ .
[ سَأَلَ عَبْدُ الْمَلِكِ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ وَدُخُولِهِمَا فِي حِلْفِ الْفُضُولِ فَأَخْبَرَهُ بِخُرُوجِهِمَا مِنْهُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِي اللَّيْثِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ قَالَ :
قَدِمَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ - وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ أَعْلَمَ قُرَيْشٍ - عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ حِينَ قَتَلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ ، وَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ : يَا أَبَا سَعِيدٍ ، أَلَمْ نَكُنْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ ، يَعْنِي بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَبَنِيَّ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فِي حِلْفِ الْفُضُولِ ؟ قَالَ : أَنْتَ أَعْلَمُ ، قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ : لِتُخْبِرَنِّي يَا أَبَا سَعِيدٍ بِالْحَقِّ مِنْ ذَلِكَ ؛ فَقَالَ : لَا وَاَللَّهِ ، لَقَدْ خَرَجْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ مِنْهُ قَالَ : صَدَقْتَ .
تَمَّ خَبَرُ حَلِفِ الْفُضُولِ .
[ وِلَايَةُ هَاشِمٍ الرِّفَادَةَ وَالسِّقَايَةَ وَمَا كَانَ يَصْنَعُ إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَوَلِيَ الرِّفَادَةَ وَالسِّقَايَةَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ شَمْسٍ كَانَ رَجُلًا سِفَارًا قَلَّمَا يُقِيمُ بِمَكَّةَ ، وَكَانَ مُقِلًّا ذَا وَلَدٍ ، وَكَانَ هَاشِمٌ مُوسِرًا فَكَانَ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - إذَا حَضَرَ الْحَاجُّ قَامَ فِي قُرَيْشٍ فَقَالَ : يَا مَعْشَرَ [ ص: 136 ] قُرَيْشٍ ، إنَّكُمْ جِيرَانُ اللَّهِ وَأَهْلُ بَيْتِهِ ، وَإِنَّهُ يَأْتِيكُمْ فِي هَذَا الْمَوْسِمِ زُوَّارُ اللَّهِ وَحُجَّاجُ بَيْتِهِ . وَهُمْ ضَيْفُ اللَّهِ ، وَأَحَقُّ الضَّيْفِ بِالْكَرَامَةِ ضَيْفُهُ ، فَاجْمَعُوا لَهُمْ مَا تَصْنَعُونَ لَهُمْ بِهِ طَعَامًا أَيَّامَهُمْ هَذِهِ الَّتِي لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ الْإِقَامَةِ بِهَا ، فَإِنَّهُ وَاَللَّهِ لَوْ كَانَ مَالِي يَسَعُ لِذَلِكَ مَا كَلَّفْتُكُمُوهُ
فَيُخْرِجُونَ لِذَلِكَ خَرْجًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ، كُلُّ امْرِئِ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ ، فَيَصْنَعُ بِهِ لِلْحُجَّاحِ طَعَامًا حَتَّى يُصْدَرُوا مِنْهَا .
[ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ هَاشِمٍ ]
وَكَانَ هَاشِمٌ فِيمَا يَزْعُمُونَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرِّحْلَتَيْنِ لِقُرَيْشِ : رِحْلَتَيْ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ وَأَوَّلَ مَنْ أَطْعَمَ الثَّرِيدَ بِمَكَّةَ ، وَإِنَّمَا كَانَ اسْمُهُ عَمْرًا ، فَمَا سُمِّيَ هَاشِمًا إلَّا بِهَشْمِهِ الْخُبْزَ بِمَكَّةَ لِقَوْمِهِ . فَقَالَ شَاعِرٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ مِنْ بَعْضِ الْعَرَبِ :
:
عَمْرُو الَّذِي هَشَمَ الثَّرِيدَ لِقَوْمِهِ قَوْمٌ بِمَكَّةَ مُسْنِتِينَ عِجَافِ سُنَّتْ إلَيْهِ الرِّحْلَتَانِ كِلَاهُمَا
سَفَرُ الشِّتَاءِ وَرِحْلَةُ الْأَصْيَافِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ :
قَوْمٌ بِمَكَّةَ مُسْنِتِينَ عِجَافِ [ ص: 137 ] [ وِلَايَةُ الْمُطَّلِبِ لِلرِّفَادَةِ وَالسِّقَايَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمَّ هَلَكَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ بِغَزَّةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ تَاجِرًا ، فَوَلِيَ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ مِنْ بَعْدِهِ الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَكَانَ أَصْغَرَ مِنْ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمٍ ، وَكَانَ ذَا شَرَفٍ فِي قَوْمِهِ وَفَضْلٍ ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ إنَّمَا تُسَمِّيهِ الْفَيْضَ لِسَمَاحَتِهِ وَفَضْلِهِ .
[ زَوَاجُ هَاشِمٍ ]
وَكَانَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَتَزَوَّجَ سَلْمَى بِنْتَ عَمْرٍو أَحَدِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ بْنِ الْحَرِيشِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ : الْحَرِيسُ - ابْنُ جَحْجَبِي بْنِ كُلْفَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ . فَوَلَدَتْ لَهُ عَمْرَو بْنَ أُحَيْحَةَ ، وَكَانَتْ لَا تَنْكِحُ الرِّجَالَ لِشَرَفِهَا فِي قَوْمِهَا حَتَّى يَشْتَرِطُوا لَهَا أَنَّ أَمْرَهَا بِيَدِهَا ، إذَا كَرِهَتْ رَجُلًا فَارَقَتْهُ .
[ مِيلَادُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَسَبَبُ تَسْمِيَتِهِ كَذَلِكَ ]
فَوَلَدَتْ لِهَاشِمِ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ ، فَسَمَّتْهُ شَيْبَةَ . فَتَرَكَهُ هَاشِمٌ عِنْدَهَا حَتَّى كَانَ وَصِيفًا أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ ، ثُمَّ خَرَجَ إلَيْهِ عَمُّهُ الْمُطَّلِبُ لِيَقْبِضَهُ فَيُلْحِقَهُ بِبَلَدِهِ وَقَوْمِهِ ؛ فَقَالَتْ لَهُ سَلْمَى : لَسْتُ بِمُرْسَلَتِهِ مَعَكَ ، فَقَالَ لَهَا الْمُطَّلِبُ : إنِّي غَيْرُ مُنْصَرَفٍ حَتَّى [ ص: 138 ] أَخْرُجَ بِهِ مَعِي ، إنَّ ابْنَ أَخِي قَدْ بَلَغَ ، وَهُوَ غَرِيبٌ فِي غَيْرِ قَوْمِهِ ، وَنَحْنُ أَهْلُ بَيْتِ شَرَفٍ فِي قَوْمِنَا ، نَلِي كَثِيرًا مِنْ أُمُورِهِمْ ، وَقَوْمُهُ وَبَلَدُهُ وَعَشِيرَتُهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْإِقَامَةِ فِي غَيْرِهِمْ ، أَوْ كَمَا قَالَ . وَقَالَ شَيْبَةُ لِعَمِّهِ الْمُطَّلِبِ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - : لَسْتُ بِمُفَارِقِهَا إلَّا أَنْ تَأْذَنَ لِي ، فَأَذِنَتْ لَهُ ، وَدَفَعَتْهُ إلَيْهِ ، فَاحْتَمَلَهُ فَدَخَلَ بِهِ مَكَّةَ مُرْدِفَهُ مَعَهُ عَلَى بَعِيرِهِ ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ابْتَاعَهُ ، فَبِهَا سُمِّيَ شَيْبَةُ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ . فَقَالَ الْمُطَّلِبُ : وَيْحَكُمْ إنَّمَا هُوَ ابْنُ أَخِي هَاشِمٍ ، قَدِمْتُ بِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ .
[ مَوْتُ الْمُطَّلِبِ وَمَا قِيلَ فِي رِثَائِهِ مِنْ الشِّعْرِ ]
ثُمَّ هَلَكَ الْمُطَّلِبُ بِرَدْمَانَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ يَبْكِيهِ :
===========
الجزء الأول
:
قَدْ ظَمِئَ الْحَجِيجُ بَعْدَ الْمُطَّلِبِ بَعْدَ الْجِفَانِ وَالشَّرَابِ المُنْثَعِبْ
لَيْتَ قُرَيْشًا بَعْدَهُ عَلَى نَصَبْ وَقَالَ مَطْرُودُ بْنُ كَعْبٍ الْخُزَاعِيُّ ، يَبْكِي الْمُطَّلِبَ وَبَنِيَّ عَبْدِ مَنَافٍ جَمِيعًا حِينَ أَتَاهُ نَعْيُ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَكَانَ نَوْفَلٌ آخِرَهُمْ هُلْكًا :
:
يَا لَيْلَةً هَيَّجَتْ لَيْلَاتِي إحْدَى لَيَالِيَ الْقَسِيَّاتِ
وَمَا أُقَاسِي مِنْ هُمُومٍ وَمَا عَالَجْتُ مِنْ رُزْءِ الْمَنِيَّاتِ
إذَا تَذَكَّرْتُ أَخِي نَوْفَلًا ذَكَّرَنِي بِالْأَوَّلِيَّاتِ
ذَكَّرَنِي بِالْأُزُرِ الْحُمْرِ وَالْأَرْدِيَةِ الصُّفْرِ الْقَشِيبَاتِ
أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ سَيِّدُ أَبْنَاءِ سَادَاتٍ لِسَادَاتِ
مَيْتٌ بِرَدْمَانَ وَمَيْتٌ بِسَلْمَانَ وَمَيِّتٌ عِنْدَ غَزَّاتِ
[ ص: 139 ] وَمَيِّتٌ أُسْكِنَ لَحْدًا لَدَى الْمَحْجُوبِ شَرْقِيِّ الْبُنَيَّاتِ
أَخْلَصُهُمْ عَبْدُ مَنَافٍ فَهُمْ مِنْ لَوْمِ مَنْ لَامَ بِمَنْجَاةِ
إنَّ الْمُغِيرَاتِ وَأَبْنَاءَهَا مِنْ خَيْرِ أَحْيَاءٍ وَأَمْوَاتِ
وَكَانَ اسْمُ عَبْدِ مَنَافٍ الْمُغِيرَةَ ، وَكَانَ أَوَّلَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ هُلْكًا هَاشِمٌ ، بِغَزَّةَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ ، ثُمَّ عَبْدَ شَمْسٍ بِمَكَّةَ ، ثُمَّ الْمُطَّلِبَ بِرَدْمَانَ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ ثُمَّ نَوْفَلًا بِسَلْمَانَ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ .
فَقِيلَ لِمَطْرُودِ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - : لَقَدْ قُلْتَ فَأَحْسَنْتَ ، وَلَوْ كَانَ أَفْحَلَ مِمَّا قُلْتَ كَانَ أَحْسَنَ ؛ فَقَالَ : أَنْظِرْنِي لَيَالِيَ ، فَمَكَثَ أَيَّامًا ، ثُمَّ قَالَ :
يَا عَيْنُ جُوى وَأَذْرِي الدَّمْعَ وَانْهَمِرِي وَابْكِي عَلَى السِّرِّ مِنْ كَعْبِ الْمُغِيرَاتِ
يَا عَيْنُ وَاسْحَنْفِرِي بِالدَّمْعِ وَاحْتَفِلِي وَابْكِي خَبِيئَةَ نَفْسِي فِي الْمُلِمَّاتِ
وَابْكِي عَلَى كُلِّ فَيَّاضٍ أَخِي ثِقَةٍ ضَخْمِ الدَّسِيعَةِ وَهَّابِ الْجَزِيلَاتِ
مَحْضِ الضَّرِيبَةِ عَالِي الْهَمِّ مُخْتَلِقٌ جَلْدِ النَّحِيزَةِ نَاءٍ بِالْعَظِيمَاتِ
صَعْبِ الْبَدِيهَةِ لَا نِكْسٍ وَلَا وَكِلٍ مَاضِي الْعَزِيمَةِ مِتْلَافِ الْكَرِيمَاتِ
[ ص: 140 ] صَقْرٍ تَوَسَّطَ مِنْ كَعْبٍ إذَا نُسِبُوا بُحْبُوحَةَ الْمَجْدِ وَالشُّمِّ الرَّفِيعَاتِ
ثُمَّ اُنْدُبِي الْفَيْضَ وَالْفَيَّاضَ مُطَّلِبًا وَاسْتَخْرِطِي بَعْدَ فَيْضَاتٍ بِجُمَّاتِ
أَمْسَى بِرَدْمَانَ عَنَّا الْيَوْمَ مُغْتَرِبًا يَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَيْهِ بَيْنَ أَمْوَاتِ
وَابْكِي لَكَ الْوَيْلُ إمَّا كُنْتِ بَاكِيَةً لِعَبْدِ شَمْسٍ بِشَرْقِيِّ الْبُنَيَّاتِ
وَهَاشِمٍ فِي ضَرِيحٍ وَسْطَ بَلْقَعَةٍ تَسْفَى الرِّيَاحُ عَلَيْهِ بَيْنَ غَزَّاتِ
وَنَوْفَلٌ كَانَ دُونَ الْقَوْمِ خَالِصَتِي أَمْسَى بِسَلْمَانَ فِي رَمْسٍ بِمَوْمَاةِ
لَمْ أَلْقَ مِثْلَهُمْ عُجْمًا وَلَا عَرَبًا إذَا اسْتَقَلَّتْ بِهِمْ أُدْمُ الْمَطِيَّاتِ
أَمْسَتْ دِيَارُهُمْ مِنْهُمْ مُعَطَّلَةً وَقَدْ يَكُونُونَ زَيْنًا فِي السَّرِيَّاتِ
أَفْنَاهُمْ الدَّهْرُ أَمْ كَلَّتْ سُيُوفُهُمْ أَمْ كُلُّ مَنْ عَاشٍ أَزْوَادُ الْمَنِيَّاتِ
أَصْبَحْتُ أَرْضَى مِنْ الْأَقْوَامِ بَعْدَهُمْ بَسْطَ الْوُجُوهِ وَإِلْقَاءَ التَّحِيَّاتِ
يَا عَيْنُ فَابْكِي أَبَا الشُّعْثِ الشَّجِيَّاتِ يَبْكِينَهُ حُسَّرًا مِثْلَ الْبَلِيَّاتِ
[ ص: 141 ] يَبْكِينَ أَكْرَمَ مَنْ يَمْشِي عَلَى قَدَمٍ يُعْوِلْنَهُ بِدُمُوعٍ بَعْدَ عَبَرَاتِ
يَبْكِينَ شَخْصًا طَوِيلَ الْبَاعِ ذَا فَجَرٍ آبِي الْهَضِيمَةِ فَرَّاجِ الْجَلِيلَاتِ
يَبْكِينَ عَمْرَو الْعُلَا إذْ حَانَ مَصْرَعُهُ سَمْحَ السَّجِيَّةِ بَسَّامَ الْعَشِيَّاتِ
يَبْكِينَهُ مُسْتَكِينَاتٍ عَلَى حَزَنٍ يَا طُولَ ذَلِكَ مِنْ حُزْنٍ وَعَوْلَاتٍ
يَبْكِينَ لَمَّا جَلَّاهُنَّ الزَّمَانُ لَهُ خُضْرُ الْخُدُودِ كَأَمْثَالِ الْحَمِيَّاتِ
مُحْتَزِمَاتٍ عَلَى أَوْسَاطِهِنَّ لِمَا جَرَّ الزَّمَانُ مِنْ أَحْدَاثِ الْمُصِيبَاتِ
أَبِيتُ لَيْلِي أُرَاعِي النَّجْمَ مِنْ أَلَمٍ أَبْكِي وَتَبْكِي مَعِي شَجْوِي بُنَيَّاتِي
مَا فِي الْقُرُومِ لَهُمْ عِدْلٌ وَلَا خَطَرٌ وَلَا لِمَنْ تَرَكُوا شَرْوَى بَقِيَّاتِ
أَبْنَاؤُهُمْ خَيْرُ أَبْنَاءٍ وَأَنْفُسُهُمْ خَيْرُ النُّفُوسِ لَدَى جَهْدِ الْأَلِيَّاتِ
كَمْ وَهَبُوا مِنْ طِمِرٍّ سَابِحٍ أَرِنٍ وَمِنْ طِمِرَّةٍ نَهْبٍ فِي طِمِرَّاتِ
وَمِنْ سُيُوفٍ مِنْ الْهِنْدِيِّ مُخْلَصَةٍ وَمِنْ رِمَاحٍ كَأَشْطَانِ الرَّكِيَّاتِ
وَمِنْ تَوَابِعِ مِمَّا يُفْضِلُونَ بِهَا عِنْدَ الْمَسَائِلِ مِنْ بَذْلِ الْعَطِيَّاتِ
فَلَوْ حَسَبْتُ وَأَحْصَى الْحَاسِبُونَ مَعِي لَمْ أَقْضِ أَفَعَالَهُمْ تَلِكَ الْهَنِيَّاتِ
هُمْ الْمُدِلُّونَ إمَّا مَعْشَرٌ فَخَرُّوا عِنْدَ الْفَخَّارِ بِأَنْسَابٍ نَقِيَّاتٍ
زَيْنُ الْبُيُوتِ الَّتِي خَلَّوْا مَسَاكِنَهَا فَأَصْبَحَتْ مِنْهُمْ وَحْشًا خَلِيَّاتٍ
[ ص: 142 ] أَقُولُ وَالْعَيْنُ لَا تَرْقَا مَدَامِعُهَا لَا يُبْعِدُ اللَّهُ أَصْحَابَ الرَّزِيَّاتِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْفَجْرُ : الْعَطَاءُ . قَالَ أَبُو خِرَاشٍ الْهُذَلِيُّ :
:
عَجَّفَ أَضْيَافِي جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ بِذِي فَجَرٍ تَأْوِي إلَيْهِ الْأَرَامِلُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : أَبُو الشُّعْثِ الشَّجِيَّاتِ : هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ .
[ وِلَايَةُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ ] قَالَ : ثُمَّ وَلِيَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمِ السِّقَايَةَ وَالرِّفَادَةَ بَعْدَ عَمِّهِ الْمُطَّلِبِ ، فَأَقَامَهَا لِلنَّاسِ ، وَأَقَامَ لِقَوْمِهِ مَا كَانَ آبَاؤُهُ يُقِيمُونَ قَبْلَهُ لِقَوْمِهِمْ مِنْ أَمْرِهِمْ ، وَشَرُفَ فِي قَوْمِهِ شَرَفًا لَمْ يَبْلُغْهُ أَحَدٌ مِنْ آبَائِهِ ، وَأَحَبَّهُ قَوْمُهُ وَعَظُمَ خَطَرُهُ فِيهِمْ .
ذِكْرُ حَفْرِ زَمْزَمَ وَمَا جَرَى مِنْ الْخُلْفِ فِيهَا
[ الرُّؤْيَا الَّتِي أُرِيهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي حَفْرِ زَمْزَمَ ]
ثُمَّ إنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بَيْنَمَا هُوَ نَائِمٌ فِي الْحِجْرِ إذْ أُتِيَ فَأُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَوَّلَ مَا اُبْتُدِئَ بِهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مِنْ حَفْرِهَا ، كَمَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيِّ عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ [ ص: 143 ] بْنِ زُرَيْرٍ الْغَافِقِيِّ : أَنَّهُ سَمِعَ عَلَيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُحَدِّثُ حَدِيثَ زَمْزَمَ حِينَ أُمِرَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِحَفْرِهَا ، قَالَ :
قَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : إنِّي لَنَائِمٌ فِي الْحِجْرِ إذْ أَتَانِي آتٍ فَقَالَ : احْفِرْ طَيْبَةَ . قَالَ : قُلْتُ : وَمَا طَيْبَةُ ؟ قَالَ : ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي . فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْتُ إلَى مَضْجَعِي فَنِمْتُ فِيهِ ، فَجَاءَنِي فَقَالَ : احْفِرْ بَرَّةَ . قَالَ : وَمَا بَرَّةُ ؟ قَالَ : ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْتُ إلَى مَضْجَعِي فَنِمْتُ فِيهِ ، فَجَاءَنِي فَقَالَ : احْفِرْ الْمَضْنُونَةَ . قَالَ : فَقُلْتُ : وَمَا الْمَضْنُونَةُ ؟ قَالَ : ثُمَّ ذَهَبَ عَنِّي . فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ رَجَعْتُ إلَى مَضْجَعِي فَنِمْتُ فِيهِ ، فَجَاءَنِي فَقَالَ : احْفِرْ زَمْزَمَ . قَالَ : قُلْتُ : وَمَا زَمْزَمُ ؟ قَالَ : لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تُذَمُّ ، تَسْقِي الْحَجِيجَ الْأَعْظَمَ ، وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ ، عِنْدَ نُقْرَةِ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ ، عِنْدَ قَرْيَةِ النَّمْلِ .
{
عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَابْنُهُ الْحَارِثُ وَمَا كَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ قُرَيْشٍ عِنْدَ حَفْرِهِمَا زَمْزَمَ ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمَّا بُيِّنَ لَهُ شَأْنُهَا ، وَدُلَّ عَلَى مَوْضِعِهَا ، وَعَرَفَ أَنَّهُ صُدِّقَ ، غَدَا بِمِعْوَلِهِ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، لَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ [ ص: 144 ] غَيْرَهُ ، فَحَفَرَ فِيهَا . فَلَمَّا بَدَا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ الطَّيَّ كَبَّرَ ، فَعَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنَّهُ قَدْ أَدْرَكَ حَاجَتَهُ ، فَقَامُوا إلَيْهِ فَقَالُوا : يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ ، إنَّهَا بِئْرُ أَبِينَا إسْمَاعِيلَ ، وَإِنَّ لَنَا فِيهَا حَقًّا فَأَشْرِكْنَا مَعَكَ فِيهَا ؛ قَالَ : مَا أَنَا بِفَاعِلِ ، إنَّ هَذَا الْأَمْرَ قَدْ خُصِصْتُ بِهِ دُونَكُمْ ، وَأُعْطِيتُهُ مِنْ بَيْنِكُمْ ، فَقَالُوا لَهُ : فَأَنْصِفْنَا فَإِنَّا غَيْرُ تَارِكِيكَ حَتَّى نُخَاصِمَكَ فِيهَا ، قَالَ : فَاجْعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مَنْ شِئْتُمْ أُحَاكِمُكُمْ إلَيْهِ ، قَالُوا : كَاهِنَةُ بَنِي سَعْدٍ هُذَيْمٌ ، قَالَ : نَعَمْ ؛ قَالَ : وَكَانَتْ بِأَشْرَافِ الشَّامِ .
فَرَكِبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ بَنِي أَبِيهِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، وَرَكِبَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ نَفَرٌ . قَالَ : وَالْأَرْضُ إذْ ذَاكَ مَفَاوِزُ . قَالَ : فَخَرَجُوا حَتَّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ تِلْكَ الْمَفَاوِزِ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ ، فَنِيَ مَاءُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَصْحَابِهِ ، فَظَمِئُوا حَتَّى أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ ، فَاسْتَسْقَوْا مَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ ، فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ . وَقَالُوا : إنَّا بِمَفَازَةٍ ، وَنَحْنُ نَخْشَى عَلَى أَنْفُسِنَا مِثْلَ مَا أَصَابَكُمْ فَلَمَّا رَأَى عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مَا صَنَعَ الْقَوْمُ وَمَا يَتَخَوَّفُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَصْحَابِهِ .
قَالَ : مَاذَا تَرَوْنَ ؟ قَالُوا : مَا رَأْيُنَا إلَّا تَبَعٌ لِرَأْيِكَ ، فَمُرْنَا بِمَا شِئْتَ ؛ قَالَ : فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَحْفِرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ حُفْرَتَهُ لِنَفْسِهِ بِمَا بِكُمْ الْآنَ مِنْ الْقُوَّةِ ، فَكُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ دَفَعَهُ أَصْحَابُهُ فِي حُفْرَتِهِ ثُمَّ وَارَوْهُ ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا ، فَضَيْعَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَيْسَرُ مِنْ ضَيْعَةِ رَكْبٍ جَمِيعًا ، قَالُوا : نِعْمَ مَا أَمَرْتَ بِهِ . . فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَحَفَرَ حُفْرَتَهُ ، ثُمَّ قَعَدُوا يَنْتَظِرُونَ الْمَوْتَ عَطَشًا ، ثُمَّ إنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ : وَاَللَّهِ إنَّ إلْقَاءَنَا بِأَيْدِينَا هَكَذَا لِلْمَوْتِ ، لَا نَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ وَلَا نَبْتَغِي لِأَنْفُسِنَا ، لَعَجْزٌ ، فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَنَا مَاءً بِبَعْضِ الْبِلَادِ ، ارْتَحِلُوا ، فَارْتَحَلُوا . حَتَّى إذَا فَرَغُوا ، وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ يَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ مَا هُمْ فَاعِلُونَ ، تَقَدَّمَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إلَى رَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا .
فَلَمَّا انْبَعَثَتْ بِهِ انْفَجَرَتْ مِنْ تَحْتِ خُفِّهَا عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ ، فَكَبَّرَ [ ص: 145 ] عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَكَبَّرَ أَصْحَابُهُ ، ثُمَّ نَزَلَ فَشَرِبَ وَشَرِبَ أَصْحَابُهُ وَاسْتَقَوْا حَتَّى مَلِئُوا أَسْقِيَتَهُمْ ، ثُمَّ دَعَا الْقَبَائِلَ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَقَالَ : هَلُمَّ إلَى الْمَاءِ ، فَقَدْ سَقَانَا اللَّهُ ، فَاشْرَبُوا وَاسْتَقَوْا ، فَجَاءُوا فَشَرِبُوا وَاسْتَقَوْا . ثُمَّ قَالُوا : قَدْ وَاَللَّهِ قُضِيَ لَكَ عَلَيْنَا يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ ، وَاَللَّهِ لَا نُخَاصِمُكَ فِي زَمْزَمَ أَبَدًا ، إنَّ الَّذِي سَقَاكَ هَذَا الْمَاءَ بِهَذِهِ الْفَلَاةِ لَهُوَ الَّذِي سَقَاكَ زَمْزَمَ ، فَارْجِعْ إلَى سِقَايَتِكَ رَاشِدًا . فَرَجَعَ وَرَجَعُوا مَعَهُ ، وَلَمْ يَصِلُوا إلَى الْكَاهِنَةِ ، وَخَلَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي زَمْزَمَ ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَنْ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ حِينَ أُمِرَ بِحَفْرِ زَمْزَمَ :
:
ثُمَّ اُدْعُ بِالْمَاءِ الرِّوَى غَيْرِ الْكَدِرْ يَسْقِي حَجِيجَ اللَّهِ فِي كُلِّ مَبَرْ
لَيْسَ يُخَافُ مِنْهُ شَيْءٌ مَا عَمَرْ فَخَرَجَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ، حِينَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ ، إلَى قُرَيْشٍ ، فَقَالَ : تَعَلَّمُوا أَنِّي قَدْ أُمِرْتُ أَنْ أَحْفِرَ لَكُمْ زَمْزَمَ ، فَقَالُوا : فَهَلْ بُيِّنَ لَكَ أَيْنَ هِيَ ؟ قَالَ : لَا ؛ قَالُوا : فَارْجِعْ إلَى مَضْجَعِكَ الَّذِي رَأَيْتَ فِيهِ مَا رَأَيْتَ فَإِنْ يَكُ حَقًّا مِنْ اللَّهِ يُبَيَّنُ لَكَ ، وَإِنْ يَكُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلَنْ يَعُودَ إلَيْكَ . فَرَجَعَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إلَى مَضْجَعِهِ فَنَامَ فِيهِ ، فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ : احْفِرْ زَمْزَمَ ، إنَّكَ إنْ حَفَرْتهَا لَمْ تَنْدَمْ ، وَهِيَ تُرَاثٌ مِنْ أَبِيكَ الْأَعْظَمِ ، لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تُذَمُّ ، تَسْقِي الْحَجِيجَ الْأَعْظَمَ ، مِثْلَ نَعَامٍ حَافِلٍ لَمْ يُقْسَمْ ، يَنْذِرُ فِيهَا نَاذِرٌ لِمُنْعِمٍ ، تَكُونُ مِيرَاثًا وَعَقْدًا مُحْكَمٍ ، لَيْسَتْ كَبَعْضِ مَا قَدْ تَعْلَمُ ، وَهِيَ بَيْنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا الْكَلَامُ وَالْكَلَامُ الَّذِي قَبْلَهُ ، مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ ( رِضْوَانُ [ ص: 146 ] اللَّهِ عَلَيْهِ ) فِي حَفْرِ زَمْزَمَ مِنْ قَوْلِهِ : لَا تَنْزِفُ أَبَدًا وَلَا تُذَمُّ إلَى قَوْلِهِ : عِنْدَ قَرْيَةِ النَّمْلِ عِنْدَنَا سَجْعٌ وَلَيْسَ شِعْرًا .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَزَعَمُوا أَنَّهُ حِينَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ ، قَالَ : وَأَيْنَ هِيَ ؟ قِيلَ لَهُ . عِنْدَ قَرْيَةِ النَّمْلِ ، حَيْثُ يُنْقَرُ الْغُرَابُ غَدًا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَيُّ ذَلِكَ كَانَ .
فَعَدَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْحَارِثُ ، وَلَيْسَ لَهُ يَوْمَئِذٍ وَلَدٌ غَيْرَهُ ، فَوَجَدَ قَرْيَةَ النَّمْلِ ، وَوَجَدَ الْغُرَابَ يَنْقُرُ عِنْدَهَا بَيْنَ الْوَثَنَيْنِ : إسَافٍ وَنَائِلَةٍ ، اللَّذَيْنِ كَانَتْ قُرَيْشٌ تَنْحَرُ عِنْدَهُمَا ذَبَائِحَهَا . فَجَاءَ بِالْمِعْوَلِ وَقَامَ لِيَحْفِرَ حَيْثُ أُمِرَ ، فَقَامَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ حِينَ رَأَوْا جِدَّهُ ، فَقَالُوا : وَاَللَّهِ لَا نَتْرُكُكَ تَحْفِرُ بَيْنَ وَثَنَيْنَا هَذَيْنِ اللَّذَيْنِ نَنْحَرُ عِنْدَهُمَا ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِابْنِهِ الْحَارِثِ : ذُدْ عَنِّي حَتَّى أَحْفِرَ ، فَوَاَللَّهِ لَأَمْضِيَنَّ لِمَا أُمِرْتُ بِهِ .
فَلَمَّا عَرَفُوا أَنَّهُ غَيْرُ نَازِعٍ ، خَلَّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَفْرِ ، وَكَفُّوا عَنْهُ ، فَلَمْ يَحْفِرْ إلَّا يَسِيرًا ، حَتَّى بَدَا لَهُ الطَّيُّ ، فَكَبَّرَ وَعَرَفُوا أَنَّهُ قَدْ صُدِقَ . فَلَمَّا تَمَادَى بِهِ الْحَفْرُ وَجَدَ فِيهَا غَزَالَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ ، وَهُمَا الْغَزَالَانِ اللَّذَانِ دَفَنَتْ جُرْهُمٌ فِيهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنْ مَكَّةَ ، وَوَجَدَ فِيهَا أَسْيَافًا قَلْعِيَّةً وَأَدْرَاعًا ، فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ ، لَنَا مَعَكَ فِي هَذَا شِرْكٌ وَحَقٌّ ؛ قَالَ : لَا ، وَلَكِنْ هَلُمَّ إلَى أَمْرٍ نَصَفٍ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ : نَضْرِبُ عَلَيْهَا بِالْقِدَاحِ ؛ قَالُوا : وَكَيْفَ تَصْنَعُ ؟ قَالَ : [ ص: 147 ] أَجْعَلُ لِلْكَعْبَةِ قِدْحَيْنِ ، وَلِي قِدْحَيْنِ ، وَلَكُمْ قِدْحَيْنِ ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ قِدْحَاهُ عَلَى شَيْءٍ كَانَ لَهُ ، وَمَنْ تَخَلَّفَ قِدْحَاهُ فَلَا شَيْءَ لَهُ ؟ قَالُوا : أَنْصَفْتَ فَجَعَلَ قِدْحَيْنِ أَصْفَرَيْنِ لِلْكَعْبَةِ وَقِدْحَيْنِ أَسْوَدَيْنِ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَقِدْحَيْنِ أَبْيَضَيْنِ لِقُرَيْشِ ؛ ثُمَّ أَعْطَوْا ( الْقِدَاحَ ) صَاحِبَ الْقِدَاحِ الَّذِي يَضْرِبُ بِهَا عِنْدَ هُبَلَ ( وَهُبَلُ : صَنَمٌ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ ، وَهُوَ أَعْظَمُ أَصْنَامِهِمْ ، وَهُوَ الَّذِي يَعْنِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ قَالَ : أُعْلِ هُبَلُ : أَيْ أَظْهِرْ دِينَكَ ) وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَضَرَبَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ ، فَخَرَجَ الْأَصْفَرَانِ عَلَى الْغَزَالَيْنِ لِلْكَعْبَةِ ، وَخَرَجَ الْأَسْوَدَانِ عَلَى الْأَسْيَافِ ، وَالْأَدْرَاعُ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَتَخَلَّفَ قِدْحَا قُرَيْشٍ .
فَضَرَبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ الْأَسْيَافَ . بَابًا لِلْكَعْبَةِ ، وَضَرَبَ فِي الْبَابِ الْغَزَالَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ . فَكَانَ أَوَّلَ ذَهَبٍ حَلِيَتْهُ الْكَعْبَةُ ، فِيمَا يَزْعُمُونَ . ثُمَّ إنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ أَقَامَ سِقَايَةَ زَمْزَمَ لِلْحُجَّاجِ .
ذِكْرُ بِئَارِ قَبَائِلِ قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ
[ الطَّوِيُّ وَمَنْ حَفَرَهَا ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَبْلَ حَفْرِ زَمْزَمَ قَدْ احْتَفَرَتْ بِئَارًا بِمَكَّةَ ، فِيمَا حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسْحَاقَ ، قَالَ : [ ص: 148 ] حَفَرَ عَبْدُ شَمْسِ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ الطَّوِيَّ ، وهي الْبِئْرُ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ عِنْدَ الْبَيْضَاءِ ، دَارُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ ( الثَّقَفِيُّ ) .
[ بَذَّرُ وَمَنْ حَفَرَهَا ]
وَحَفَرَ هَاشِمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ بَذَّرَ ، وَهِيَ الْبِئْرُ الَّتِي عِنْدَ الْمُسْتَنْذَرِ ، خَطْمُ الْخَنْدَمَةِ عَلَى فَمِ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ . وَزَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ حِينَ حَفَرَهَا : لَأَجْعَلَنَّهَا بَلَاغًا لِلنَّاسِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَالَ الشَّاعِرُ :
:
سَقَى اللَّهُ أَمْوَاهًا عَرَفْتُ مَكَانَهَا جُرَابًا وَمَلْكُومًا وَبَذَّرَ وَالْغَمْرَا
[ سَجْلَةُ وَمَنْ حَفَرَهَا ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَفَرَ سَجْلَةَ ، وَهِيَ بِئْرُ الْمُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الَّتِي يَسْقُونَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ . وَيَزْعُمُ بَنُو نَوْفَلٍ أَنَّ الْمُطْعِمَ ابْتَاعَهَا مِنْ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ ، وَيَزْعُمُ بَنُو هَاشِمٍ أَنَّهُ وَهَبَهَا لَهُ حِينَ ظَهَرَتْ زَمْزَمُ ، فَاسْتَغْنَوْا بِهَا عَنْ تِلْكَ الْآبَارِ .
[ ص: 149 ] [ الْحَفْرُ وَمَنْ حَفَرَهَا ]
وَحَفَرَ أُمَيَّةُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ الْحَفْرَ لِنَفْسِهِ .
[ سُقَيَّةُ وَمَنْ حَفَرَهَا ]
وَحَفَرَتْ بَنُو أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى سُقَيَّةَ ، وَهِيَ بِئْرُ بَنِي أَسَدٍ .
[ أُمُّ أَحْرَادٍ وَمَنْ حَفَرَهَا ]
وَحَفَرَتْ بَنُو عَبْدِ الدَّارِ أُمَّ أَحْرَادٍ . [ السُّنْبُلَةُ وَمَنْ حَفَرَهَا ]
وَحَفَرَتْ بَنُو جُمَحَ السُّنْبُلَةَ ، وَهِيَ بِئْرُ خَلَفِ بْنِ وَهْبٍ .
[ الْغِمْرُ وَمَنْ حَفَرَهَا ]
وَحَفَرَتْ بَنُو سَهْمٍ الْغِمْرَ ، وَهِيَ بِئْرُ بَنِي سَهْمٍ
[ رُمُّ وَخُمُّ وَالْحَفْرُ وَأَصْحَابُهَا ]
وَكَانَتْ آبَارُ حَفَائِرَ خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ قَدِيمَةً مِنْ عَهْدِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ ، وَكِلَابِ [ ص: 150 ] بْنِ مُرَّةَ ، وَكُبَرَاءِ قُرَيْشٍ الْأَوَائِلِ مِنْهَا يَشْرَبُونَ ، وَهِيَ رُمُّ وَرُمُّ : بِئْرُ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ : وَخُمُّ ، وَخُمُّ بِئْرُ بَنِي كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ ؛ وَالْحَفْرُ . قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ غَانِمٍ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ :
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهُوَ أَبُو أَبِي جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ :
:
وَقِدْمَا غنَينا قَبْلَ ذَلِكَ حِقْبَةً وَلَا نَسْتَقِي إلَّا بِخُمَّ أَوْ الْحَفْرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ ، سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي مَوْضِعِهَا .
[ فَضْلُ زَمْزَمَ وَمَا قِيلَ فِيهَا مِنْ شِعْرٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَعَفَّتْ زَمْزَمُ عَلَى الْبِئَارِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا يَسْقِي عَلَيْهَا الْحَاجُّ ، وَانْصَرَفَ النَّاسُ إلَيْهَا لِمَكَانِهَا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَلِفَضْلِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا مِنْ الْمِيَاهِ وَلِأَنَّهَا بِئْرُ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ ، وَافْتَخَرَتْ بِهَا بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى قُرَيْشٍ كُلِّهَا ، وَعَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ ، فَقَالَ مُسَافِرُ بْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَهُوَ يَفْخَرُ عَلَى قُرَيْشٍ بِمَا وُلُّوا عَلَيْهِمْ مِنْ السِّقَايَةِ وَالرِّفَادَةِ ، وَمَا أَقْدَمُوا لِلنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ ، وَبِزَمْزَمَ حِينَ ظَهَرَتْ لَهُمْ ، وَإِنَّمَا كَانَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ أَهْلَ بَيْتٍ وَاحِدٍ ، شَرَفُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ شَرَفٌ ، وَفَضْلُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضِ فَضْلٌ :
[ ص: 151 ] وَرِثْنَا الْمَجْدَ مِنْ آبَا ئِنَا فَنَمَى بِنَا صُعُدَا أَلَمْ نَسْقِ الْحَجِيجَ وَنَنْحَرُ
الدَّلَّافَةَ الرُّفُدَا وَنُلْقَى عِنْدَ تَصْرِيفِ الْمَنَايَا
شُدَّدًا رُفُدَا فَإِنْ نَهْلِكْ فَلَمْ نُمْلَكْ
وَمَنْ ذَا خَالِدٌ أَبَدَا وَزَمْزَمُ فِي أَرُومَتِنَا
وَنَفْقَأُ عَيْنَ مَنْ حَسَدَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ غَانِمٍ أَخُو بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ :
:
وَسَاقِي الْحَجِيجِ ثُمَّ لِلْخَيْرِ هَاشِمُ وَعَبْدُ مَنَافٍ ذَلِكَ السَّيِّدُ الْفِهْرِي
طَوَى زَمْزَمَ عِنْدَ الْمَقَامِ فَأَصْبَحَتْ سِقَايَتُهُ فَخْرًا عَلَى كُلِّ ذِي فَخْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَعْنِي عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بْنَ هَاشِمٍ .
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لِحُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
ذِكْرُ نَذْرِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ذَبْحَ وَلَدِهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ - فِيمَا يَزْعُمُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قَدْ نَذَرَ حِينَ لَقِيَ مِنْ قُرَيْشٍ مَا لَقِيَ عِنْدَ حَفْرِ زَمْزَمَ ، لَئِنْ وُلِدَ لَهُ عَشَرَةُ نَفَرٍ ، ثُمَّ بَلَغُوا مَعَهُ حَتَّى يَمْنَعُوهُ ، لَيَنْحَرَنَّ أَحَدَهُمْ لِلَّهِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ . فَلَمَّا تَوَافَى بَنُوهُ عَشَرَةً ، وَعَرَفَ أَنَّهُمْ سَيَمْنَعُونَهُ ، جَمَعَهُمْ ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِنَذْرِهِ ، وَدَعَاهُمْ إلَى الْوَفَاء لِلَّهِ بِذَلِكَ ، فَأَطَاعُوهُ وَقَالُوا : كَيْفَ نَصْنَعُ ؟ قَالَ : لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ قِدْحًا [ ص: 152 ] ثُمَّ يَكْتُبُ فِيهِ اسْمَهُ ، ثُمَّ ائْتُونِي . فَفَعَلُوا ثُمَّ أَتَوْهُ ، فَدَخَلَ بِهِمْ عَلَى هُبَلَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ ، وَكَانَ هُبَلُ عَلَى بِئْرٍ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ ، وَكَانَتْ تِلْكَ الْبِئْرُ هِيَ الَّتِي يُجْمَعُ فِيهَا مَا يُهْدَى لِلْكَعْبَةِ .
[ الضَّرْبُ بِالْقِدَاحِ عِنْدَ الْعَرَبِ ]
وَكَانَ عِنْدَ هُبَلَ قِدَاحٌ سَبْعَةٌ ، كُلُّ قِدْحٍ مِنْهَا فِيهِ ( كِتَابٌ . قِدْحٌ فِيهِ ) ( الْعَقْلُ ) إذَا اخْتَلَفُوا فِي الْعَقْلِ مَنْ يَحْمِلُهُ مِنْهُمْ ، ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ السَّبْعَةِ : فَإِنْ خَرَجَ الْعَقْلُ فَعَلَى مَنْ خَرَجَ حَمْلُهُ ، وَقِدْحٌ فِيهِ نَعَمْ لِلْأَمْرِ إذَا أَرَادُوهُ يُضْرَبُ بِهِ فِي الْقِدَاحِ ، فَإِنْ خَرَجَ قِدْحُ نَعَمْ عَمِلُوا بِهِ ، وَقِدْحٌ فِيهِ لَا إذَا أَرَادُوا أَمْرًا ضَرَبُوا بِهِ فِي الْقِدَاحِ ، فَإِنْ خَرَجَ ذَلِكَ الْقِدْحُ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ الْأَمْرَ ؛ وَقِدْحٌ فِيهِ مِنْكُمْ ؛ وَقِدْحٌ فِيهِ مُلْصَقٌ ، وَقِدْحٌ فِيهِ مِنْ غَيْرِكُمْ ؛ وَقِدْحٌ فِيهِ الْمِيَاهُ إذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِلْمَاءِ ضَرَبُوا بِالْقِدَاحِ ، وَفِيهَا ذَلِكَ الْقِدْحُ ، فَحَيْثُمَا خَرَجَ عَمِلُوا بِهِ .
وَكَانُوا إذَا أَرَادُوا أَنْ يَخْتِنُوا غُلَامًا ، أَوْ يُنْكِحُوا مُنْكَحًا ، أَوْ يَدْفِنُوا مَيْتًا ، أَوْ شَكَلُوا فِي نَسَبِ أَحَدِهِمْ ، ذَهَبُوا بِهِ إلَى هُبَلَ وَبِمِئَةِ دِرْهَمٍ وَجَزُورٍ ، فَأَعْطَوْهَا صَاحِبَ الْقِدَاحِ الَّذِي يَضْرِبُ بِهَا ، ثُمَّ قَرَّبُوا صَاحِبَهُمْ الَّذِي يُرِيدُونَ بِهِ مَا يُرِيدُونَ ، ثُمَّ قَالُوا : يَا إلَهَنَا ، هَذَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ قَدْ أَرَدْنَا بِهِ كَذَا وَكَذَا ، فَأَخْرِجْ الْحَقَّ فِيهِ . ثُمَّ يَقُولُونَ لِصَاحِبِ الْقِدَاحِ : اضْرِبْ فَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ مِنْكُمْ كَانَ مِنْهُمْ وَسِيطًا ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِكُمْ كَانَ حَلِيفًا ، وَإِنْ خَرَجَ عَلَيْهِ مُلْصَقٌ كَانَ عَلَى مَنْزِلَتِهِ فِيهِمْ ، لَا نَسَبَ لَهُ وَلَا حِلْفَ ، وَإِنْ خَرَجَ فِيهِ شَيْءٌ ، مِمَّا سِوَى هَذَا مِمَّا يَعْمَلُونَ بِهِ نَعَمْ عَمِلُوا بِهِ ، [ ص: 153 ] وَإِنْ خَرَجَ لَا ، أَخَّرُوهُ عَامَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَأْتُوهُ بِهِ مَرَّةً أُخْرَى ، يَنْتَهُونَ فِي أُمُورِهِمْ إلَى ذَلِكَ مِمَّا خَرَجَتْ بِهِ الْقِدَاحُ .
[ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَأَوْلَادُهُ بَيْنَ يَدَيْ صَاحِبِ الْقِدَاحِ ]
فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِصَاحِبِ الْقِدَاحِ : اضْرِبْ عَلَى بَنِيَّ هَؤُلَاءِ بِقِدَاحِهِمْ هَذِهِ وَأَخْبَرَهُ بِنَذْرِهِ الَّذِي نَذَرَ ، فَأَعْطَاهُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ قِدْحَهُ الَّذِي فِيهِ اسْمُهُ ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَصْغَرَ بَنِي أَبِيهِ ، كَانَ هُوَ وَالزُّبَيْرُ وَأَبُو طَالِبٍ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَائِذُ بْنُ عِمْرَانَ بْنُ مَخْزُومٍ .
[ خُرُوجُ الْقَدَحِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَشُرُوعُ أَبِيهِ فِي ذَبْحِهِ ، وَمَنْعُ قُرَيْشٍ لَهُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - أَحَبَّ وَلَدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إلَيْهِ ، فَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَرَى أَنَّ السَّهْمَ إذَا أَخَطَأَهُ فَقَدْ أَشْوَى . وَهُوَ أَبُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَلَمَّا أَخَذَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ الْقِدَاحَ لِيَضْرِبَ بِهَا ، قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ هُبَلَ يَدْعُو اللَّهَ ، ثُمَّ ضَرَبَ صَاحِبُ الْقِدَاحِ ، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ ، فَأَخَذَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بِيَدِهِ وَأَخَذَ الشَّفْرَةَ ، ثُمَّ أَقْبَلَ بِهِ إلَى إسَافٍ وَنَائِلَةٍ لِيَذْبَحَهُ ، فَقَامَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ مِنْ أَنْدِيَتِهَا ، فَقَالُوا : مَاذَا تُرِيدُ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ ؟ قَالَ : أَذْبَحُهُ ؛ فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ وَبَنُوهُ : وَاَللَّهِ لَا تَذْبَحُهُ أَبَدًا حَتَّى تُعْذِرَ فِيهِ . لَئِنْ فَعَلْتَ هَذَا لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَأْتِي بِابْنِهِ حَتَّى يَذْبَحَهُ ، فَمَا بَقَاءُ النَّاسِ عَلَى هَذَا وَقَالَ لَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ [ ص: 154 ] بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنَ أُخْتِ الْقَوْمِ : وَاَللَّهِ لَا تَذْبَحُهُ أَبَدًا حَتَّى تُعْذِرَ فِيهِ ، فَإِنْ كَانَ فِدَاؤُهُ بِأَمْوَالِنَا فَدَيْنَاهُ . وَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ وَبَنُوهُ : لَا تَفْعَلْ ، وَانْطَلِقْ بِهِ إلَى الْحِجَازِ ، فَإِنَّ بِهِ عَرَّافَةً لَهَا تَابِعٌ ، فَسَلْهَا ، ثُمَّ أَنْتَ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكَ ، إنْ أَمَرَتْكَ بِذَبْحِهِ ذَبَحْتَهُ ، وإنْ أَمَرَتْكَ بِأَمْرٍ لَكَ وَلَهُ فِيهِ فَرَجٌ قَبِلْتُهُ .
[ عَرَّافَةُ الْحِجَازِ وَمَا أَشَارَتْ بِهِ عَلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ]
فَانْطَلَقُوا حَتَّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ ، فَوَجَدُوهَا - فِيمَا يَزْعُمُونَ - بِخَيْبَرِ . فَرَكِبُوا حَتَّى جَاءُوهَا ، فَسَأَلُوهَا ، وَقَصَّ عَلَيْهَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ خَبَرَهُ وَخَبَرَ ابْنِهِ ، وَمَا أَرَادَ بِهِ وَنَذْرَهُ فِيهِ ؛ فَقَالَتْ لَهُمْ : ارْجِعُوا عَنِّي الْيَوْمَ حَتَّى يَأْتِيَنِي تَابِعِي فَأَسْأَلُهُ . فَرَجَعُوا مِنْ عِنْدِهَا ، فَلَمَّا خَرَجُوا عَنْهَا ، قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ ، ثُمَّ غَدَوْا عَلَيْهَا ، فَقَالَتْ لَهُمْ : قَدْ جَاءَنِي الْخَبَرُ ، كَمْ الدِّيَةُ فِيكُمْ ؟ قَالُوا : عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ ، وَكَانَتْ كَذَلِكَ . قَالَتْ : فَارْجِعُوا إلَى بِلَادِكُمْ ، ثُمَّ قَرِّبُوا صَاحِبَكُمْ ، وَقَرِّبُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ ، ثُمَّ اضْرِبُوا عَلَيْهَا وَعَلَيْهِ بِالْقِدَاحِ ، فَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى صَاحِبِكُمْ فَزِيدُوا مِنْ الْإِبِلِ حَتَّى يَرْضَى رَبُّكُمْ ، وَإِنْ خَرَجَتْ عَلَى الْإِبِلِ فَانْحَرُوهَا عَنْهُ ، فَقَدْ رَضِيَ رَبُّكُمْ ، وَنَجَا صَاحِبُكُمْ .
[ نَجَاةُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ الذَّبْحِ ]
فَخَرَجُوا حَتَّى قَدِمُوا مَكَّةَ ، فَلَمَّا أَجَمَعُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَمْرِ ، قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ ، ثُمَّ قَرَّبُوا عَبْدَ اللَّهِ وَعَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ قَائِمٌ عِنْدَ هُبَلَ يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ ؛ فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ عِشْرِينَ ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ ضَرَبُوا [ ص: 155 ] فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ ؛ فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ ثَلَاثِينَ ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ ، ثُمَّ ضَرَبُوا ، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ أَرْبَعِينَ ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ ، ثُمَّ ضَرَبُوا ، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ خَمْسِينَ ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ ، ثُمَّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ ؛ فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ سِتِّينَ ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ ، ثُمَّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ سَبْعِينَ ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ ، ثُمَّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ ؛ فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ ثَمَانِينَ ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ ، ثُمَّ ضَرَبُوا ، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ تِسْعِينَ ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ ، ثُمَّ ضَرَبُوا ، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ ، فَزَادُوا عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ ، فَبَلَغَتْ الْإِبِلُ مِئَةً ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ ، ثُمَّ ضَرَبُوا فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ حَضَرَ : قَدْ انْتَهَى رِضَا رَبِّكَ يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ فَزَعَمُوا أَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَالَ : لَا وَاَللَّهِ حَتَّى أَضْرِبَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، فَضَرَبُوا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَعَلَى الْإِبِلِ ، وَقَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَدْعُو اللَّهَ ، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ ، ثُمَّ عَادُوا الثَّانِيَةَ ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ قَائِمٌ يَدْعُو اللَّهَ ، فَضَرَبُوا ، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ ، ثُمَّ عَادُوا الثَّالِثَةَ ، وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ قَائِمٌ يَدْعُو اللَّهَ ، فَضَرَبُوا ، فَخَرَجَ الْقِدْحُ عَلَى الْإِبِلِ ، فَنُحِرَتْ ، ثُمَّ تُرِكَتْ لَا يُصَدُّ عَنْهَا إنْسَانٌ وَلَا يُمْنَعُ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ : إنْسَانٌ وَلَا سَبُعٌ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَيْنَ أَضْعَافِ هَذَا الْحَدِيثِ رَجَزٌ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ .
ذِكْرُ الْمَرْأَةِ الْمُتَعَرِّضَةِ لِنِكَاحِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
[ رَفْضُ عَبْدِ اللَّهِ طَلَبَ الْمَرْأَةِ الَّتِي عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمَّ انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ آخِذًا بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ ، فَمَرَّ بِهِ - فِيمَا [ ص: 156 ] يَزْعُمُونَ - عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ ، وَهِيَ أُخْتُ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى ، وَهِيَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ ؛ فَقَالَتْ لَهُ حِينَ نَظَرَتْ إلَى وَجْهِهِ : أَيْنَ تَذْهَبُ يَا عَبْدَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَعَ أَبِي ، قَالَتْ : لَكَ مِثْلُ الْإِبِلِ الَّتِي نُحِرَتْ عَنْكَ ، وَقَعْ عَلَيَّ الْآنَ ، قَالَ : أَنَا مَعَ أَبِي ، وَلَا أَسْتَطِيعُ خِلَافَهُ ، وَلَا فِرَاقَهُ .
[ زَوَاجُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ ]
فَخَرَجَ بِهِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حَتَّى أَتَى بِهِ وَهْبَ بْنَ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ بَنِي زُهْرَةَ نَسَبًا وَشَرَفًا ، فَزَوَّجَهُ ابْنَتَهُ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ ، وَهِيَ يَوْمَئِذٍ أَفَضْلُ امْرَأَةٍ فِي قُرَيْشٍ نَسَبًا وَمَوْضِعًا .
[ أُمَّهَاتُ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ ]
وَهِيَ لِبَرَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ . وَبَرَّةَ : لِأُمِّ حَبِيبِ بِنْتِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ . وَأُمُّ حَبِيبٍ لِبَرَّةَ بِنْتِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ .
[ مَا جَرَى بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَالْمَرْأَةِ الْمُتَعَرِّضَةِ لَهُ بَعْدَ بِنَائِهِ بِآمِنَةَ ]
فَزَعَمُوا أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا حِينَ أُمْلِكَهَا مَكَانَهُ ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا ، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا ، فَأَتَى الْمَرْأَةَ الَّتِي عَرَضَتْ عَلَيْهِ مَا عَرَضَتْ [ ص: 157 ] فَقَالَ لَهَا : مَا لَكَ لَا تَعْرِضِينَ عَلَيَّ الْيَوْمَ مَا كُنْتِ عَرَضْتِ عَلَيَّ بِالْأَمْسِ ؟ قَالَتْ لَهُ : فَارَقَكَ النُّورُ الَّذِي كَانَ مَعَكَ بِالْأَمْسِ ، فَلَيْسَ ( لِي ) بِكَ الْيَوْمَ حَاجَةٌ . وَقَدْ كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ أَخِيهَا وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ - وَكَانَ قَدْ تَنَصَّرَ وَاتَّبَعَ الْكُتُبَ : أَنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ نَبِيٌّ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدَّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ حُدِّثَ : أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى امْرَأَةٍ كَانَتْ لَهُ مَعَ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ ، وَقَدْ عَمِلَ فِي طِينٍ لَهُ ، وَبَهْ آثَارٌ مِنْ الطِّينِ ، فَدَعَاهَا إلَى نَفْسِهِ ، فَأَبْطَأَتْ عَلَيْهِ لِمَا رَأَتْ بِهِ مِنْ أَثَرِ الطِّينِ ، فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا فَتَوَضَّأَ وَغَسَلَ مَا كَانَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ الطِّينِ ، ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إلَى آمِنَةَ ، فَمَرَّ بِهَا ، فَدَعَتْهُ إلَى نَفْسِهَا ، فَأَبَى عَلَيْهَا ، وَعَمَدَ إلَى آمِنَةَ ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَأَصَابَهَا ، فَحَمَلَتْ بِمُحَمِّدِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ مَرَّ بِامْرَأَتِهِ تِلْكَ ، فَقَالَ لَهَا : هَلْ لَكَ ؟ قَالَتْ : لَا ، مَرَرْتَ بِي وَبَيْنَ عَيْنَيْكَ غُرَّةٌ بَيْضَاءُ ، فَدَعَوْتُكَ فَأَبَيْتَ عَلَيَّ ، وَدَخَلْتَ عَلَى آمِنَةَ فَذَهَبَتْ بِهَا .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَزَعَمُوا أَنَّ امْرَأَتَهُ تِلْكَ كَانَتْ تُحَدِّثُ : أَنَّهُ مَرَّ بِهَا وَبَيْنَ عَيْنَيْهِ غُرَّةٌ مِثْلُ غُرَّةِ الْفَرَسِ ، قَالَتْ : فَدَعَوْتُهُ رَجَاءَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ بِي ، فَأَبَى عَلَيَّ ، وَدَخَلَ عَلَى آمِنَةَ ، فَأَصَابَهَا ، فَحَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْسَطَ قَوْمِهِ نَسَبًا ، وَأَعْظَمَهُمْ شَرَفًا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ذِكْرُ مَا قِيلَ لِآمِنَةَ عِنْدَ حَمْلِهَا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَيَزْعُمُونَ - فِيمَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ آمِنَةَ بِنْتَ وَهْبٍ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تُحَدِّثُ : [ ص: 158 ] أَنَّهَا أُتِيَتْ ، حِينَ حَمَلَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقِيلَ لَهَا : إنَّكَ قَدْ حَمَلْتِ بِسَيِّدِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، فَإِذَا وَقَعَ إلَى الْأَرْضِ فَقُولِي : أُعِيذُهُ بِالْوَاحِدِ ، مِنْ شَرِّ كُلِّ حَاسِدٍ ، ثُمَّ سَمِّيهِ مُحَمَّدًا . وَرَأَتْ حِينَ حَمَلَتْ بِهِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ رَأَتْ بِهِ قُصُورَ بُصْرَى ، مِنْ أَرْضِ الشَّامِ .
[ مَوْتُ عَبْدِ اللَّهِ ]

ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، أَبُو رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنْ هَلَكَ ، وَأُمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَامِلٌ بِهِ .

--------------------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق