السبت، 12 مايو 2018

3 السيرة لابن هشام من [ إحْدَاثُ الْكِنَانِيِّ فِي الْقُلَّيْسِ ، وَحَمْلَةُ أَبْرَهَةَ عَلَى الْكَعْبَةِ ] الي ثُمَّ أَحَدُ بَنِي امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ ، وَيُقَالُ : عَدِيٌّ مِنْ الْعِبَادِ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ

الروابط لموقع اسلام ويب
[ إحْدَاثُ الْكِنَانِيِّ فِي الْقُلَّيْسِ ، وَحَمْلَةُ أَبْرَهَةَ عَلَى الْكَعْبَةِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَخَرَجَ الْكِنَانِيُّ حَتَّى أَتَى الْقُلَّيْسَ فَقَعَدَ فِيهَا - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ يَعْنِي أَحْدَثَ فِيهَا - قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمَّ خَرَجَ فَلَحِقَ بِأَرْضِهِ ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ أَبْرَهَةُ فَقَالَ : مَنْ صَنَعَ هَذَا ؟ فَقِيلَ لَهُ : صَنَعَ هَذَا رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي تَحُجُّ الْعَرَبُ إلَيْهِ بِمَكَّةَ لَمَّا سَمِعَ قَوْلَكَ : أَصْرِفُ إلَيْهَا حَجَّ الْعَرَبِ غَضِبَ فَجَاءَ فَقَعَدَ فِيهَا ، أَيْ أَنَّهَا لَيْسَتْ لِذَلِكَ بِأَهْلِ . فَغَضِبَ عِنْدَ ذَلِكَ أَبْرَهَةُ وَحَلَفَ لَيَسِيرَنَّ إلَى الْبَيْتِ حَتَّى يَهْدِمَهُ ، ثُمَّ أَمَرَ الْحَبَشَةَ فَتَهَيَّأَتْ وَتَجَهَّزَتْ ، ثُمَّ سَارَ وَخَرَجَ مَعَهُ بِالْفِيلِ ، وَسَمِعَتْ بِذَلِكَ الْعَرَبُ ، فَأَعْظَمُوهُ وَفَظِعُوا بِهِ ، وَرَأَوْا جِهَادَهُ حَقًّا عَلَيْهِمْ ، حِينَ سَمِعُوا بِأَنَّهُ يُرِيدُ هَدْمَ الْكَعْبَةِ ، بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ .
[ ص: 46 ] [ هَزِيمَةُ ذِي نَفْرٍ أَمَامَ أَبْرَهَةَ ]
فَخَرَجَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَمُلُوكِهِمْ يُقَالُ لَهُ : ذُو نَفْرٍ ، فَدَعَا قَوْمَهُ ، وَمَنْ أَجَابَهُ مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ إلَى حَرْبِ أَبْرَهَةَ ، وَجِهَادِهِ عَنْ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ ، وَمَا يُرِيدُ مِنْ هَدْمِهِ وَإِخْرَابِهِ ؛ فَأَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ مَنْ أَجَابَهُ ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ فَقَاتَلَهُ ، فَهُزِمَ ذُو نَفْرٍ وَأَصْحَابُهُ ، وَأُخِذَ لَهُ ذُو نَفْرٍ فَأُتِيَ بِهِ أَسِيرًا ، فَلَمَّا أَرَادَ قَتْلَهُ قَالَ لَهُ ذُو نَفْرٍ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، لَا تَقْتُلْنِي فَإِنَّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ بَقَائِي مَعَكَ خَيْرًا لَكَ مِنْ قَتْلِي ، فَتَرَكَهُ مِنْ الْقَتْلِ وَحَبَسَهُ عِنْدَهُ فِي وَثَاقٍ ، وَكَانَ أَبْرَهَةُ رَجُلًا حَلِيمًا . [ مَا وَقَعَ بَيْنَ نُفَيْلٍ وَأَبْرَهَةَ ]
ثُمَّ مَضَى أَبْرَهَةُ عَلَى وَجْهِهِ ذَلِكَ يُرِيدُ مَا خَرَجَ لَهُ ، حَتَّى إذَا كَانَ بِأَرْضِ خَثْعَمَ عَرَضَ لَهُ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ الْخَثْعَمِيُّ فِي قَبيلَيْ خَثْعَمَ : شَهْرَانِ وَنَاهِسُ : وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ ، فَقَاتَلَهُ فَهَزَمَهُ أَبْرَهَةُ ، وَأُخِذَ لَهُ نُفَيْلٌ أَسِيرًا فَأُتِيَ بِهِ فَلَمَّا هَمَّ بِقَتْلِهِ قَالَ لَهُ نُفَيْلٌ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، لَا تَقْتُلْنِي فَإِنِّي دَلِيلُكَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ ، وَهَاتَانِ يَدَايَ لَكَ عَلَى قبيلَيْ خَثْعَمَ : شَهْرَانِ وَنَاهِسُ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، فَخَلَّى سَبِيلَهُ .
[ ابْنُ مُعَتِّبٍ وَأَبْرَهَةُ ]
وَخَرَجَ بِهِ مَعَهُ يَدُلُّهُ ، حَتَّى إذَا مَرَّ بِالطَّائِفِ خَرَجَ إلَيْهِ مَسْعُودُ بْنُ مُعَتِّبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَرْوِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ ثَقِيفٍ فِي رِجَالِ ثَقِيفٍ .
[ نَسَبُ ثَقِيفٍ وَشِعْرُ ابْنِ أَبِي الصَّلْتِ فِي ذَلِكَ ]
وَاسْمُ ثَقِيفٍ : قَسِيُّ بْنُ النَّبِيتِ بْنِ مُنَبِّهِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ يَقْدُمَ بْنِ أَفْصَى بْنِ دُعْمّى بْنِ إيَادِ ( بْنِ نِزَارِ ) بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ .
[ ص: 47 ] قَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ الثَّقَفِيُّ :
قَوْمِي إيَادٌ لَوْ أَنَّهُمْ أُمَمُ أَوْ لَوْ أَقَامُوا فَتُهْزَلَ النِّعَمُ قَوْمٌ لَهُمْ سَاحَةُ الْعِرَاقِ إذَا
سَارُوا جَمِيعًا وَالْقِطُّ وَالْقَلَمُ وَقَالَ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ أَيْضًا :
:
فَإِمَّا تَسْأَلِي عَنِّي لُبَيْنَى وَعَنْ نَسَبِي أُخَبِّرْكَ اليَقينَا
فَإِنَّا للنَّبيتِ أَبِي قَسِيٍّ لَمَنْصُورُ بْنُ يَقْدُمَ الْأَقْدَمِينَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ثَقِيفٌ قَسِىُّ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ . وَالْبَيْتَانِ الْأَوَّلَانِ وَالْآخِرَانِ فِي قَصِيدَتَيْنِ لِأُمَيَّةِ .
[ اسْتِسْلَامُ أَهْلِ الطَّائِفِ لِأَبْرَهَةَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالُوا لَهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، إنَّمَا نَحْنُ عَبِيدُكَ سَامِعُونَ لَكَ مُطِيعُونَ ، لَيْسَ عِنْدَنَا لَكَ خِلَافٌ . وَلَيْسَ بَيْتُنَا هَذَا الْبَيْتَ الَّذِي تُرِيدُ - يَعْنُونَ اللَّاتَ - إنَّمَا تُرِيدُ الْبَيْتَ الَّذِي بِمَكَّةَ . وَنَحْنُ نَبْعَثُ مَعَكَ مَنْ يَدُلُّكَ عَلَيْهِ ، فَتَجَاوَزَ عَنْهُمْ .
[ اللَّاتُ ] :
وَاَللَّاتُ : بَيْتٌ لَهُمْ بِالطَّائِفِ كَانُوا يُعَظِّمُونَهُ نَحْوَ تَعْظِيمِ الْكَعْبَةِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النَّحْوِيُّ لِضِرَارِ بْنِ الْخَطَّابِ الْفِهْرِيِّ :
:
وَفَرَّتْ ثَقِيفٌ إلَى لَاتِهَا بِمُنْقَلَبِ الْخَائِبِ الْخَاسِرِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ .
[ مَعُونَةُ أَبِي رِغَالٍ لِأَبْرَهَةَ وَمَوْتُهُ وَقَبْرُهُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَبَعَثُوا مَعَهُ أَبَا رِغَالٍ يَدُلُّهُ عَلَى الطَّرِيقِ إلَى مَكَّةَ فَخَرَجَ أَبْرَهَةُ [ ص: 48 ] وَمَعَهُ أَبُو رِغَالٍ حَتَّى أَنْزَلَهُ الْمُغَمِّسَ ؛ فَلَمَّا أَنْزَلَهُ بِهِ مَاتَ أَبُو رِغَالٍ هُنَالِكَ ، فَرَجَمَتْ قَبْرَهُ الْعَرَبُ ، فَهُوَ الْقَبْرُ الَّذِي يَرْجُمُ النَّاسُ بِالْمُغَمِّسِ .
[ الْأَسْوَدُ وَاعْتِدَاؤُهُ عَلَى مَكَّةَ ]
فَلَمَّا نَزَلَ أَبْرَهَةُ الْمُغَمِّسَ . بَعَثَ رَجُلًا مِنْ الْحَبَشَةِ يُقَالُ لَهُ : الْأَسْوَدُ بْنُ مَقْصُودٍ عَلَى خَيْلٍ لَهُ ، حَتَّى انْتَهَى إلَى مَكَّةَ ، فَسَاقَ إلَيْهِ أَمْوَالَ ( أَهْلِ ) تِهَامَةَ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ ، وَأَصَابَ فِيهَا مِائَتَيْ بَعِيرٍ لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيِّدُهَا فَهَمَّتْ قُرَيْشٌ وَكِنَانَةُ وَهُذَيْلٌ . وَمَنْ كَانَ بِذَلِكَ الْحَرَمِ ( مِنْ سَائِرِ النَّاسِ ) بِقِتَالِهِ . ثُمَّ عَرَفُوا أَنَّهُمْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِهِ ، فَتَرَكُوا ذَلِكَ .
[ حُنَاطَةُ وَعَبْدُ الْمُطَّلِبِ ]
وَبَعَثَ أَبْرَهَةُ - حُنَاطَةَ الْحِمْيَرِيَّ إلَى مَكَّةَ ، وَقَالَ لَهُ : سَلْ عَنْ سَيِّدِ أَهْلِ هَذَا الْبَلَدِ وَشَرِيفِهَا ثُمَّ قُلْ ( لَهُ ) : إنَّ الْمَلِكَ يَقُولُ لَكَ : إنِّي لَمْ آتِ لِحَرْبِكُمْ ، إنَّمَا جِئْتُ لِهَدْمِ هَذَا الْبَيْتِ ، فَإِنْ لَمْ تَعْرِضُوا دُونَهُ بِحَرْبِ ، فَلَا حَاجَةَ لِي بِدِمَائِكُمْ ، فَإِنْ هُوَ لَمْ يُرِدْ حَرْبِي فَأْتِنِي بِهِ . فَلَمَّا دَخَلَ حُنَاطَةُ مَكَّةَ سَأَلَ عَنْ سَيِّدِ قُرَيْشٍ وَشَرِيفِهَا فَقِيلَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمِ ( بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيٍّ ) فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ مَا أَمَرَهُ بِهِ أَبْرَهَةُ ؛ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : وَاَللَّهِ مَا نُرِيدُ حَرْبَهُ ، وَمَا لَنَا بِذَلِكَ مِنْ طَاقَةٍ هَذَا بَيْتُ اللَّهِ الْحَرَامُ وَبَيْتُ خَلِيلِهِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَوْ كَمَا قَالَ - فَإِنْ يَمْنَعْهُ مِنْهُ فَهُوَ بَيْتُهُ وَحَرَمُهُ . وَإِنْ يُخَلِّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ، فَوَاَللَّهِ مَا عِنْدَنَا دَفْعٌ [ ص: 49 ] عَنْهُ فَقَالَ ( لَهُ ) حُنَاطَةُ : فَانْطَلِقْ مَعِي إلَيْهِ ، فَإِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِكَ .
[ ذُو نَفْرٍ وَأُنَيْسٌ وَتَوَسُّطُهُمَا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَدَى أَبْرَهَةَ ]
فَانْطَلَقَ مَعَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ، وَمَعَهُ بَعْضُ بَنِيهِ حَتَّى أَتَى الْعَسْكَرَ ، فَسَأَلَ عَنْ ذِي نَفْرٍ ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا ، حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَحْبِسِهِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا ذَا نَفْرٍ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ غَنَاءٍ فِيمَا نَزَلَ بِنَا ؟ فَقَالَ لَهُ ذُو نَفْرٍ : وَمَا غَنَاءُ رَجُلٍ أَسِيرٍ بِيَدَيْ مَلِكٍ يَنْتَظِرُ أَنْ يَقْتُلَهُ غُدُوًّا أَوْ عَشِيًّا مَا عِنْدَنَا غَنَاءٌ فِي شَيْءٍ مِمَّا نَزَلَ بِكَ إلَّا أَنَّ أُنَيْسًا سَائِسَ الْفِيلِ صَدِيقٌ لِي ، وَسَأُرْسِلُ إلَيْهِ فَأُوصِيهِ بِكَ ، وَأُعْظِمُ عَلَيْهِ حَقَّكَ ، وَأَسْأَلُهُ أَنْ يَسْتَأْذِنَ لَكَ عَلَى الْمَلِكِ ، فَتُكَلِّمُهُ بِمَا بَدَا لَكَ . وَيَشْفَعُ لَكَ عِنْدَهُ بِخَيْرِ إنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ ، فَقَالَ : حَسْبِي فَبَعَثَ ذُو نَفْرٍ إلَى أُنَيْسٍ ، فَقَالَ لَهُ : إنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ سَيِّدُ قُرَيْشٍ ، وَصَاحِبُ عِيرِ مَكَّةَ ، يُطْعِمُ النَّاسَ بِالسَّهْلِ وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ ، وَقَدْ أَصَابَ لَهُ الْمَلِكُ مِائَتَيْ بَعِيرٍ ، فَاسْتَأْذِنْ لَهُ عَلَيْهِ . وَانْفَعْهُ عِنْدَهُ بِمَا اسْتَطَعْتَ ؛ فَقَالَ : أَفْعَلُ .
فَكَلَّمَ أُنَيْسٌ أَبْرَهَةَ ، فَقَالَ لَهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ هَذَا سَيِّدُ قُرَيْشٍ بِبَابِكَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْكَ ، وَهُوَ صَاحِبُ عِيرِ مَكَّةَ ، وَهُوَ يُطْعِمُ النَّاسَ فِي السَّهْلِ وَالْوُحُوشَ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ ، فَأْذَنْ لَهُ عَلَيْكَ ، فَيُكَلِّمْكَ فِي حَاجَتِهِ ، ( وَأَحْسِنْ إلَيْهِ ) قَالَ : فَأَذِنَ لَهُ أَبْرَهَةُ .
[ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَحُنَاطَةُ وَخُوَيْلِدُ بَيْنَ يَدَيْ أَبْرَهَةَ ]
قَالَ : وَكَانَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ أَوْسَمَ النَّاسِ وَأَجْمَلَهُمْ وَأَعْظَمَهُمْ ، فَلَمَّا رَآهُ أَبْرَهَةُ أَجَلَّهُ وَأَعْظَمَهُ وَأَكْرَمَهُ عَنْ أَنْ يُجْلِسَهُ تَحْتَهُ ، وَكَرِهَ أَنْ تَرَاهُ الْحَبَشَةُ يَجْلِسُ مَعَهُ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهِ ، فَنَزَلَ أَبْرَهَةُ عَنْ سَرِيرِهِ فَجَلَسَ عَلَى بِسَاطِهِ ، وَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَيْهِ إلَى جَنْبِهِ ، ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ : قُلْ لَهُ : حَاجَتُكَ ؟ فَقَالَ لَهُ ذَلِكَ التُّرْجُمَانُ : فَقَالَ : حَاجَتِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ الْمَلِكُ مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَابَهَا لِي ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ ذَلِكَ ، قَالَ أَبْرَهَةُ لِتَرْجُمَانِهِ : [ ص: 50 ] قُلْ لَهُ : قَدْ كُنْتَ أَعْجَبْتَنِي حِينَ رَأَيْتُكَ ، ثُمَّ قَدْ زَهِدْتُ فِيكَ حِينَ كَلَّمْتنِي ، أَتُكَلِّمُنِي فِي مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَبْتُهَا لَكَ ، وَتَتْرُكُ بَيْتًا هُوَ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ قَدْ جِئْتُ أَهْدِمُهُ ، لَا تُكَلِّمْنِي فِيهِ قَالَ لَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ : إنِّي أَنَا رَبُّ الْإِبِلِ ، وَإِنَّ لِلْبَيْتِ رَبًّا سَيَمْنَعُهُ ، قَالَ : مَا كَانَ لِيَمْتَنِعَ مِنِّي ، قَالَ : أَنْتَ وَذَاكَ .
وَكَانَ فِيمَا يَزْعُمُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ ، قَدْ ذَهَبَ مَعَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إلَى أَبْرَهَةَ ، حِينَ بَعَثَ إلَيْهِ حُنَاطَةَ ، يَعْمُرُ بْنُ نُفَاثَةَ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الدُّئْلِ بْنِ بَكْرِ بْنِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ بَنِي بَكْرٍ ، وَخُوَيْلِدُ بْنُ وَاثِلَةَ الْهُذَلِيُّ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ هُذَيْلٍ ؛ فَعَرَضُوا عَلَى أَبْرَهَةَ ثُلُثَ أَمْوَالِ تِهَامَةَ ، عَلَى أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُمْ وَلَا يَهْدِمَ الْبَيْتَ فَأَبَى عَلَيْهِمْ . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَكَانَ ذَلِكَ أَمْ لَا . فَرَدَّ أَبْرَهَةُ عَلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْإِبِلَ الَّتِي أَصَابَ لَهُ .
[ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ فِي الْكَعْبَةَ يَسْتَنْصِرُ بِاَللَّهِ عَلَى رَدِّ أَبْرَهَةَ ]
فَلَمَّا انْصَرَفُوا عَنْهُ ، انْصَرَفَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إلَى قُرَيْشٍ ، فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ ، وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ ، وَالتَّحَرُّزِ فِي شَعَفِ الْجِبَالِ وَالشِّعَابِ : تَخَوُّفًا عَلَيْهِمْ مِنْ مَعَرَّةِ الْجَيْشِ ، ثُمَّ قَامَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ، فَأَخَذَ بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ ، وَقَامَ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَدْعُونَ اللَّهَ ، وَيَسْتَنْصِرُونَهُ عَلَى أَبْرَهَةَ وَجُنْدِهِ ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ آخِذٌ بِحَلْقَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ :
[ ص: 51 ] لَا هُمَّ إنَّ الْعَبْدَ يَمْنَعُ رَحْلَهُ فَامْنَعْ حِلَالَكْ لَا يَغْلِبَنَّ صَلِيبُهُمْ
وَمِحَالُهُمْ غَدْوًا مِحَالَكْ [ زَادَ الْوَاقِدِيُّ ]
إنْ كُنْتَ تَارِكَهُمْ وَقِبْلَتَنَا فَأَمْرٌ مَا بَدَا لَكْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا مَا صَحَّ لَهُ مِنْهَا .
[ شِعْرٌ لِعِكْرِمَةَ فِي الدُّعَاءِ عَلَى الْأَسْوَدِ بْنِ مَقْصُودٍ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ :
لَا هُمَّ أَخْزِ الْأَسْوَدَ بْنَ مَقْصُودِ الْآخِذَ الْهَجْمَةَ فِيهَا التَّقليدْ بَيْنَ حِرَاءَ وثَبِيرٍ فَالْبِيدْ
يَحْبِسُهَا وَهِيَ أُولَاتُ التَّطْرِيدْ فَضَمَّهَا إلَى طَمَاطِمٍ سُودْ
أَخْفِرْهُ يَا رَبِّ وَأَنْتَ مَحْمُودْ [ ص: 52 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هذا ما صَحَّ لَهُ مِنْهَا ، وَالطَّمَاطِمُ : الْأَعْلَاجُ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ثُمَّ أَرْسَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ حَلْقَةَ بَابِ الْكَعْبَةِ ، وَانْطَلَقَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى شَعَفِ الْجِبَالِ فَتَحَرَّزُوا فِيهَا يَنْتَظِرُونَ مَا أَبْرَهَةُ فَاعِلٌ بِمَكَّةَ إذَا دَخَلَهَا .
[ دُخُولُ أَبْرَهَةَ مَكَّةَ ، وَمَا وَقَعَ لَهُ وَلِفِيلِهِ ، وَشِعْرُ نُفَيْلٍ فِي ذَلِكَ ]
فَلَمَّا أَصْبَحَ أَبْرَهَةُ تَهَيَّأَ لِدُخُولِ مَكَّةَ ، وَهَيَّأَ فِيلَهُ وَعَبَّى جَيْشَهُ ، وَكَانَ اسْمُ الْفِيلِ مَحْمُودًا وَأَبْرَهَةُ مُجْمِعٌ لِهَدْمِ الْبَيْتِ ، ثُمَّ الِانْصِرَافِ إلَى الْيَمَنِ فَلَمَّا وَجَّهُوا الْفِيلَ إلَى مَكَّةَ ، أَقْبَلَ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ ( الْخَثْعَمِيُّ ) حَتَّى قَامَ إلَى جَنْبِ الْفِيلِ ، ثُمَّ أَخَذَ بِأُذُنِهِ . فَقَالَ : اُبْرُكْ مَحْمُودُ ، أَوْ ارْجِعْ رَاشِدًا مِنْ حَيْثُ جِئْتَ ، فَإِنَّكَ فِي بَلَدِ اللَّهِ الْحَرَامِ ثُمَّ أَرْسَلَ أُذُنَهُ
فَبَرَكَ الْفِيلُ ، وَخَرَجَ نُفَيْلُ بْنُ حَبِيبٍ يَشْتَدُّ حَتَّى أَصْعَدَ فِي الْجَبَلِ ، وَضَرَبُوا الْفِيلَ لِيَقُومَ فَأَبَى ، فَضَرَبُوا ( فِي ) رَأْسِهِ بالطَّبَرْزِينَ لِيَقُومَ فَأَبَى فَأَدْخَلُوا مَحَاجِنَ لَهُمْ فِي مَرَاقِّهِ فَبَزَغُوهُ بِهَا لِيَقُومَ فَأَبَى ، فَوَجَّهُوهُ رَاجِعًا إلَى الْيَمَنِ ، فَقَامَ يُهَرْوِلُ ، وَوَجَّهُوهُ إلَى الشَّامِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَوَجَّهُوهُ إلَى الْمَشْرِقِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَوَجَّهُوهُ إلَى مَكَّةَ فَبَرَكَ فَأَرْسَلَ [ ص: 53 ] اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ طَيْرًا مِنْ الْبَحْرِ أَمْثَالَ الْخَطَاطِيفِ وَالْبَلَسَانِ ، مَعَ كُلِّ طَائِرٍ مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ يَحْمِلُهَا : حَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ ، وَحَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ ، أَمْثَالُ الْحِمَّصِ وَالْعَدَسِ ، لَا تُصِيبُ مِنْهُمْ أَحَدًا إلَّا هَلَكَ ، وَلَيْسَ كُلُّهُمْ أَصَابَتْ .
وَخَرَجُوا هَارِبِينَ يَبْتَدِرُونَ الطَّرِيقَ الَّذِي مِنْهُ جَاءُوا ، وَيَسْأَلُونَ عَنْ نُفَيْلِ بْنِ حَبِيبٍ لِيَدُلّهُمْ عَلَى الطَّرِيقِ إلَى الْيَمَنِ ، فَقَالَ نُفَيْلٌ حِينَ رَأَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِمْ مِنْ نِقْمَتِهِ :
أَيْنَ الْمَفَرُّ وَالْإِلَهُ الطَّالِبُ وَالْأَشْرَمُ الْمَغْلُوبُ لَيْسَ الْغَالِبُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ : لَيْسَ الْغَالِبُ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ نُفَيْلٌ أَيْضًا :
أَلَا حُيِّيتَ عَنَّا يَا رُدَيْنَا نَعِمْنَاكُمْ مَعَ الْإِصْبَاحِ عَيْنَا
( أَتَانَا قَابِسٌ مِنْكُمْ عِشَاءً فَلَمْ يُقْدَرْ لِقَابِسِكُمْ لَدَيْنَا )
رُدَيْنَةُ لَوْ رَأَيْتِ - وَلَا تَرَيْهِ لَدَى جَنْبِ الْمُحَصَّبِ مَا رَأَيْنَا
إذًا لَعَذَرْتِنِي وَحَمِدْتِ أَمْرِي وَلَمْ تَأْسَيْ عَلَى مَا فَاتَ بَيْنَا
حَمِدْتُ اللَّهَ إذْ أَبْصَرْتُ طَيْرًا وَخِفْتُ حِجَارَةً تُلْقَى عَلَيْنَا
وَكُلُّ الْقَوْمِ يَسْأَلُ عَنْ نُفَيْلٍ كَأَنَّ عَلَيَّ لِلْحُبْشَانِ دَيْنَا
[ ص: 54 ] فَخَرَجُوا يَتَسَاقَطُونَ بِكُلِّ طَرِيقٍ ، وَيَهْلِكُونَ بِكُلِّ مَهْلِكٍ عَلَى كُلِّ مَنْهَلٍ ، وَأُصِيبَ أَبْرَهَةُ فِي جَسَدِهِ ، وَخَرَجُوا بِهِ مَعَهُمْ تَسْقُطُ ( أَنَامِلُهُ ) أُنْمُلَةً أُنْمُلَةً ، كُلَّمَا سَقَطَتْ أُنْمُلَةٌ أَتْبَعَتْهَا مِنْهُ مِدَّةٌ تَمُثُّ قَيْحًا وَدَمًا ، حَتَّى قَدِمُوا بِهِ صَنْعَاءَ وَهُوَ مِثْلُ فَرْخِ الطَّائِرِ ، فَمَا مَاتَ حَتَّى انْصَدَعَ صَدْرُهُ عَنْ قَلْبِهِ ، فِيمَا يَزْعُمُونَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ أَنَّهُ حُدِّثَ : أَنَّ أَوَّلَ مَا رُئِيَتْ الْحَصْبَةُ وَالْجُدَرِيُّ بِأَرْضِ الْعَرَبِ ذَلِكَ الْعَامَ ، وَأَنَّهُ أَوَّلُ مَا رُئِيَ بِهَا مَرَائِرُ الشَّجَرِ الْحَرْمَلِ وَالْحَنْظَلِ وَالْعُشَرِ ذَلِكَ الْعَامَ .
[ مَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ عَنْ قِصَّةِ الْفِيلِ ، وَشَرْحُ ابْنِ هِشَامٍ لِمُفْرَدَاتِهِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِمَّا يَعُدُّ اللَّهُ عَلَى قُرَيْشٍ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ وَفَضْلِهِ ، مَا رَدَّ عَنْهُمْ مِنْ أَمْرِ الْحَبَشَةِ لِبَقَاءِ أَمْرِهِمْ وَمُدَّتِهِمْ ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ
وَقَالَ : [ ص: 55 ] لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ
أَيْ لِئَلَّا يُغَيِّرَ شَيْئًا مِنْ حَالِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ، لِمَا أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ مِنْ الْخَيْرِ لَوْ قَبِلُوهُ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَبَابِيلُ : الْجَمَاعَاتُ ، وَلَمْ تَتَكَلَّمْ لَهَا الْعَرَبُ بِوَاحِدِ عَلِمْنَاهُ . وَأَمَّا السِّجِّيلُ ، فَأَخْبَرَنِي يُونُسُ النَّحْوِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ أَنَّهُ عِنْدَ الْعَرَبِ : الشَّدِيدُ الصُّلْبُ قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجَّاجِ :
:
وَمَسَّهُمْ مَا مَسَّ أَصْحَابَ الْفِيلْ تَرْمِيهِمْ حِجَارَةٌ مِنْ سِجِّيلْ
وَلَعِبَتْ طَيْرٌ بِهِمْ أَبَابِيلْ
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ . ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُمَا كَلِمَتَانِ بِالْفَارِسِيَّةِ ، جَعَلَتْهُمَا الْعَرَبُ كَلِمَةً وَاحِدَةً ، وَإِنَّمَا هُوَ سَنْجٌ وَجَلٌّ يَعْنِي بِالسَّنْجِ : الْحَجَرَ ، وَالْجَلُّ : الطِّينَ . يَعْنِي : الْحِجَارَةُ مِنْ هَذَيْنِ الْجِنْسَيْنِ : الْحَجَرِ وَالطِّينِ . وَالْعَصْفُ : وَرَقُ الزَّرْعِ الَّذِي لَمْ يُقَصَّبْ ، وَوَاحِدَتُهُ عَصْفَةٌ . قَالَ : وَأَخْبَرَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النَّحْوِيُّ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُ : الْعُصَافَةُ وَالْعَصِيفَةُ . وَأَنْشَدَنِي لِعَلْقَمَةَ بْنِ عَبَدَةَ أَحَدِ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ :
:
تَسْقَى مَذَانِبَ قَدْ مَالَتْ عَصِيفَتُهَا حَدُورُهَا مَنْ أَتَّى الْمَاءَ مَطْمُومُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ الرَّاجِزُ :
فَصُيِّرُوا مِثْلَ كَعَصْفِ مَأْكُولِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَلِهَذَا الْبَيْتِ تَفْسِيرٌ فِي النَّحْوِ .
[ ص: 56 ] وَإِيلَافُ قُرَيْشٍ : إيلَافُهُمْ الْخُرُوجَ إلَى الشَّامِ فِي تِجَارَتِهِمْ ، وَكَانَتْ لَهُمْ خَرْجَتَانِ : خَرْجَةٌ فِي الشِّتَاءِ وَخَرْجَةٌ فِي الصَّيْفِ .
أَخْبَرَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ ، أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ : أَلِفْتُ الشَّيْءَ إلْفًا ، وَآلَفْتُهُ إيلَافًا ، فِي مَعْنًى وَاحِدٍ وَأَنْشَدَنِي لِذِي الرُّمَّةِ : مِنْ الْمُؤْلِفَاتِ الرُّمْلَ
أَدْمَاءُ حُرَّةٌ شُعَاعُ الضُّ حَى فِي لَوْنِهَا يَتَوَضَّحُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ مَطْرُودُ بْنُ كَعْبٍ الْخُزَاعِيُّ :
الْمُنْعِمِينَ إذَا النُّجُومُ تَغَيَّرَتْ وَالظَّاعِنِينَ لِرِحْلَةِ الْإِيلَافِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَالْإِيلَافُ أَيْضًا : أَنْ يَكُونَ لِلْإِنْسَانِ أَلْفٌ مِنْ الْإِبِلِ ، أَوْ الْبَقَرِ ، أَوْ الْغَنَمِ ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ .
يُقَالُ : آلَفَ فُلَانٌ إيلَافًا . قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ ، أَحَدُ بَنِي أَسْدِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ :
:
بِعَامٍ يَقُولُ لَهُ الْمُؤْلِفُونَ هَذَا الْمُعِيمُ لَنَا الْمُرْجِلُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
وَالْإِيلَافُ أَيْضًا : أَنْ يَصِيرَ الْقَوْمُ أَلْفًا ، يُقَالُ آلَفَ الْقَوْمُ إيلَافًا قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ :
:
وَآلُ مُزَيقياء غَدَاةَ لَاقَوْا بَنِي سَعْدِ بْنِ ضَبَّةَ مُؤْلِفِينَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
وَالْإِيلَافُ أَيْضًا : أَنْ تُؤَلِّفَ الشَّيْءَ إلَى الشَّيْءِ فَيَأْلَفُهُ وَيَلْزَمُهُ ، يُقَالُ : آلَفْتُهُ إيَّاهُ إيلَافًا . وَالْإِيلَافُ أَيْضًا : أَنْ تَصِيرَ مَا دُونَ الْأَلْفِ أَلْفًا ، يُقَالُ : آلَفْتُهُ إيلَافًا . [ ص: 57 ]
[ مَا أَصَابَ قَائِدَ الْفِيلِ وَسَائِسَهُ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَمْرَةَ ابْنَةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ : لَقَدْ رَأَيْتُ قَائِدَ الْفِيلِ وَسَائِسَهُ بِمَكَّةَ أَعْمَيَيْنِ مُقْعَدَيْنِ يَسْتَطْعِمَانِ النَّاسَ
مَا قِيلَ فِي صِفَةِ الْفِيلِ مِنْ الشِّعْرِ
[ إعْظَامُ الْعَرَبِ قُرَيْشًا بَعْدَ حَادِثَةِ الْفِيلِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ الْحَبَشَةَ عَنْ مَكَّةَ ، وَأَصَابَهُمْ بِمَا أَصَابَهُمْ بِهِ مِنْ النِّقْمَةِ ، أَعْظَمَتْ الْعَرَبُ قُرَيْشًا ، وَقَالُوا : هُمْ أَهْلُ اللَّهِ ، قَاتَلَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَكَفَاهُمْ مَئُونَةَ عَدُوِّهِمْ . فَقَالُوا فِي ذَلِكَ أَشْعَارًا يَذْكُرُونَ فِيهَا مَا صَنَعَ اللَّهُ بِالْحَبَشَةِ ، وَمَا رَدَّ عَنْ قُرَيْشٍ مِنْ كَيْدِهِمْ .
[ شِعْرُ ابْنِ الزِّبَعْرَى فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ ]
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزِّبَعْرَى بْنِ عَدِيِّ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ :
:
[ ص: 58 ] تَنَّكَّلُوا عَنْ بَطْنِ مَكَّةَ إنَّهَا كَانَتْ قَدِيمًا لَا يُرَامُ حَرِيمُهَا لَمْ تَخْلُقْ الشِّعْرَى لَيَالِيَ حُرِّمَتْ
إذْ لَا عَزِيزَ مِنْ الْأَنَامِ يَرُومُهَا سَائِلْ أَمِيرَ الْجَيْشِ عَنْهَا مَا رَأَى
وَلَسَوْفَ يُنْبِي الْجَاهِلِينَ عَلِيمُهَا سِتُّونَ أَلْفًا لَمْ يَئُوبُوا أَرْضَهُمْ
وَلَمْ يَعِشْ بَعْدَ الْإِيَابِ سَقِيمُهَا كَانَتْ بِهَا عَادٌ وَجُرْهُمُ قَبْلَهُمْ
وَاَللَّهُ مِنْ فَوْقِ الْعِبَادِ يُقِيمُهَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : يَعْنِي ابْنُ الزِّبَعْرَى بِقَوْلِهِ : . . . بَعْدَ الْإِيَابِ سَقِيمُهَا أَبْرَهَةَ ، إذْ حَمَلُوهُ مَعَهُمْ حِينَ أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ ، حَتَّى مَاتَ بِصَنْعَاءَ .
[ شِعْرُ ابْنِ الْأَسْلَتِ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ ]
وَقَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ الْخَطْمِيُّ ، وَاسْمُهُ صَيْفِيٌّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ أَبُو قَيْسٍ : صَيْفِيُّ بْنُ الْأَسْلَتِ بْنِ جُشَمَ بْنِ وَائِلِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَامِرَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ :
:
وَمِنْ صُنْعِهِ يَوْمَ فِيلِ الْحُوشِ إذْ كُلَّمَا بَعَثُوهُ رَزَمْ مَحَاجِنُهُمْ تَحْتَ أَقْرَابِهِ
وَقَدْ شَرَّمُوا أَنْفَهُ فَانْخَرَمْ وَقَدْ جَعَلُوا سَوْطَهُ مِغْوَلًا
إذَا يَمَّمُوهُ قَفَاهُ كُلِمْ فَوَلَّى وَأَدْبَرَ أَدْرَاجَهُ
وَقَدْ بَاءَ بِالظُّلْمِ مَنْ كَانَ ثَمَّ فَأَرْسَلَ مِنْ فَوْقِهِمْ حَاصِبًا
فَلَفَّهُمْ مِثْلَ لَفِّ الْقُزُمْ تَحُضُّ عَلَى الصَّبْرِ أَحْبَارُهُمْ
وَقَدْ ثَأَجُوا كَثُؤَاجِ الغَنَمْ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
[ ص: 59 ] وَالْقَصِيدَةُ أَيْضًا تُرْوَى لِأُمَيَّةِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ :
:
فَقُومُوا فَصَلُّوا رَبَّكُمْ وَتَمَسَّحُوا بِأَرْكَانِ هَذَا الْبَيْتِ بَيْنَ الْأَخَاشِبِ
فَعِنْدَكُمْ مِنْهُ بَلَاءٌ مُصَدَّقٌ غَدَاةَ أَبِي يَكسومَ هَادِي الْكَتَائِبِ
كَتِيبَتُهُ بِالسَّهْلِ تُمْسِي وَرَجْلُهُ عَلَى الْقَاذِفَاتِ فِي رُءُوسِ الْمَنَاقِبِ
فَلَمَّا أَتَاكُمْ نَصْرُ ذِي الْعَرْشِ رَدَّهُمْ جُنُودُ الْمَلِيكِ بَيْنَ سَافٍ وَحَاصِبِ
فَوَلَّوْا سِرَاعًا هَارِبِينَ وَلَمْ يَؤُبْ إلَى أَهْلِهِ مِلْحَبْشِ غَيْرُ عَصَائِبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَوْلَهُ :
عَلَى الْقَاذِفَاتِ فِي رُءُوسِ الْمَنَاقِبِ
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لِأَبِي قَيْسٍ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَوْلُهُ : غَدَاةَ أَبِي يَكْسُومَ - : يَعْنِي أَبْرَهَةَ ، كَانَ يُكَنَّى أَبَا يَكْسُومَ .
[ شِعْرُ طَالِبٍ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ :
:
أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ وَجَيْشِ أَبِي يَكْسُومَ إذْ مَلَئُوا الشِّعْبَا فَلَوْلَا دِفَاعُ اللَّهِ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ
لَأَصْبَحْتُمْ لَا تَمْنَعُونَ لَكُمْ سِرْبَا [ ص: 60 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي يَوْمِ بَدْرٍ سَأَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
[ شِعْرُ أَبِي الصَّلْتِ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو الصَّلْتِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الثَّقَفِيُّ فِي شَأْنِ الْفِيلِ ، وَيَذْكُرُ الْحَنِيفِيَّةَ دِينَ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تُرْوَى لِأُمَيَّةِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الثَّقَفِيِّ :
:
إنَّ آيَاتِ رَبِّنَا ثَاقِبَاتُ لَا يُمَارِي فِيهِنَّ إلَّا الْكَفُورُ خُلِقَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ فَكُلٌّ
مُسْتَبِينٌ حِسَابُهُ مَقْدُورُ ثُمَّ يَجْلُو النَّهَارَ رَبٌّ رَحِيمٌ
بِمَهَاةِ شَعَاعُهَا مَبْشُورُ حُبِسَ الْفِيلُ بِالْمُغَمِّسِ حَتَّى
ظَلَّ يَحْبُو كَأَنَّهُ مَعْقُورُ لَازِمًا حَلْقَةَ الْجِرَانِ كَمَا
قُطِّرَ مِنْ صَخْرٍ كَبْكَبٍ مَحْدُورُ حَوْلَهُ مِنْ مُلُوكِ كِنْدَةَ أَبْطَالٌ
مَلَاوِيثُ فِي الْحُرُوبِ صُقُورُ خَلَّفُوهُ ثُمَّ ابذعَرُّوا جَمِيعًا
كُلُّهُمْ عَظْمُ سَاقُهُ مَكسْورُ كُلُّ دِينٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ
إلَّا دِينَ الْحَنِيفَةِ بُورُ
=====
[ شِعْرُ الْفَرَزْدَقِ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ - وَاسْمُهُ هَمَّامُ بْنُ غَالِبٍ أَحَدُ بَنِي مُجَاشِعِ بْنِ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ - يَمْدَحُ سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ، وَيَهْجُو الْحَجَّاجَ بْنَ يُوسُفَ ، وَيَذْكُرُ الْفِيلَ وَجَيْشَهُ :[ ص: 61 ] فَلَمَّا طَغَى الْحَجَّاجُ حِينَ طَغَى بِهِ غِنَى قَالَ إنِّي مُرْتَقٍ فِي السَّلَالِمِ فَكَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ نُوحٍ سَأَرْتَقِي
إلَى جَبَلٍ مِنْ خَشْيَةِ الْمَاءِ عَاصِمِ رَمَى اللَّهُ فِي جُثْمَانِهِ مِثْلَ مَا رَمَى
عَنْ الْقِبْلَةِ الْبَيْضَاءِ ذَاتِ الْمَحَارِمِ جُنُودًا تَسُوقُ الْفِيلَ حَتَّى أَعَادَهُمْ
هَبَاءً وَكَانُوا مُطْرَخِمي الطَّرَاخِمِ نُصِرْتَ كَنَصْرِ الْبَيْتِ إذْ سَاقَ فِيلَهُ
إلَيْهِ عَظِيمُ الْمُشْرِكِينَ الْأَعَاجِمِ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
[ شِعْرُ ابْنِ الرُّقَيَّاتِ فِي وَقْعَةِ الْفِيلِ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الرُّقَيَّاتُ : أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ يَذْكُرُ أَبْرَهَةَ - وَهُوَ الْأَشْرَمُ - وَالْفِيلَ :
كَادَهُ الْأَشْرَمُ الَّذِي جَاءَ بِالْفِيلِ فَوَلَّى وَجَيْشُهُ مَهْزُومُ وَاسْتَهَلَّتْ عَلَيْهِمْ الطَّيْرُ بِالْجَنْدَلِ
حَتَّى كَأَنَّهُ مَهْزُومُ ذَاكَ مَنْ يَغْزُهُ مِنْ النَّاسِ يَرْجِعْ
وَهُوَ فَلٌّ مِنْ الْجُيُوشِ ذَمِيمُ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
[ مُلْكُ يَكْسُومَ ثُمَّ مَسْرُوقٍ عَلَى الْيَمَنِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمَّا هَلَكَ أَبْرَهَةُ ، مَلَّكَ الْحَبَشَةَ ابْنَهُ يَكْسُومَ بْنَ أَبْرَهَةَ ، وَبِهِ [ ص: 62 ] كَانَ يُكَنَّى ، فَلَمَّا هَلَكَ يَكْسُومُ بْنُ أَبْرَهَةَ ، مَلَكَ الْيَمَنَ فِي الْحَبَشَةِ أَخُوهُ مَسْرُوقُ بْنُ أَبْرَهَةَ . خُرُوجُ سَيْفِ بْنِ ذِي يَزَنَ وَمُلْكُ وَهْرِزَ عَلَى الْيَمَنِ
[ ابْنُ ذِي يَزَنَ عِنْدَ قَيْصَرَ ] فَلَمَّا طَالَ الْبَلَاءُ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ ، خَرَجَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ الْحِمْيَرِيُّ وَكَانَ يُكَنَّى بِأَبِي مُرَّةَ ، حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ ، فَشَكَا إلَيْهِ مَا هُمْ فِيهِ ، وَسَأَلَهُ أَنْ يُخْرِجَهُمْ عَنْهُ وَيَلِيَهُمْ هُوَ ، وَيَبْعَثَ إلَيْهِمْ مَنْ شَاءَ مِنْ الرُّومِ ، فَيَكُونُ لَهُ مُلْكُ الْيَمَنِ فَلَمْ يُشْكِهِ ( وَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ شَيْئًا مِمَّا يُرِيدُ ) .
[ تَوَسُّطُ النُّعْمَانِ لِابْنِ ذِي يَزَنَ لَدَى كِسْرَى ]
فَخَرَجَ حَتَّى أَتَى النُّعْمَانَ بْنَ الْمُنْذِرِ ، وَهُوَ عَامِلُ كِسْرَى عَلَى الْحِيرَةِ ، وَمَا يَلِيهَا مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ ، فَشَكَا إلَيْهِ أَمْرَ الْحَبَشَةِ فَقَالَ لَهُ النُّعْمَانُ : إنَّ لِي عَلَى كِسْرَى وِفَادَةً فِي كُلِّ عَامٍ ، فَأَقِمْ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ . فَفَعَلَ ، ثُمَّ خَرَجَ مَعَهُ فَأَدْخَلَهُ عَلَى كِسْرَى .
وَكَانَ كِسْرَى يَجْلِسُ فِي إيوَانِ مَجْلِسِهِ الَّذِي فِيهِ تَاجُهُ ، وَكَانَ تَاجُهُ مِثْلَ القَنْقَلِ الْعَظِيمِ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - يُضْرَبُ فِيهِ الْيَاقُوتُ وَاللُّؤْلُؤُ وَالزَّبَرْجَدُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، مُعَلَّقًا بِسَلْسَلَةِ مِنْ ذَهَبٍ فِي رَأْسِ طَاقَةٍ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ .
وَكَانَتْ عُنُقُهُ لَا تَحْمِلُ تَاجَهُ ، إنَّمَا يُسْتَرُ بِالثِّيَابِ حَتَّى يَجْلِسَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ ثُمَّ يُدْخِلُ رَأْسَهُ فِي تَاجِهِ ، فَإِذَا اسْتَوَى فِي مَجْلِسِهِ كُشِفَتْ عَنْهُ الثِّيَابُ ، فَلَا يَرَاهُ رَجُلٌ لَمْ يَرَهُ قَبْلَ [ ص: 63 ] ذَلِكَ ، إلَّا بَرَكَ هَيْبَةً لَهُ ؛ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ بَرَكَ .
[ ابْنُ ذِي يَزَنَ بَيْنَ يَدَيْ كِسْرَى ، وَمُعَاوَنَةُ كِسْرَى لَهُ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدَّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ : أَنَّ سَيْفًا لَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ طَأْطَأَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ الْمَلِكُ : إنَّ هَذَا الْأَحْمَقَ يَدْخُلُ عَلَيَّ مِنْ هَذَا الْبَابِ الطَّوِيلِ ، ثُمَّ يُطَأْطِئُ رَأْسَهُ ؟ فَقِيلَ ذَلِكَ لِسَيْفِ ؛ فَقَالَ : إنَّمَا فَعَلْتُ هَذَا لِهَمِّي ؛ لِأَنَّهُ يَضِيقُ عَنْهُ كُلُّ شَيْءٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمَّ قَالَ لَهُ : أَيُّهَا الْمَلِكُ ، غَلَبَتْنَا عَلَى بِلَادِنَا الْأَغْرِبَةُ ، فَقَالَ لَهُ كِسْرَى : أَيُّ الْأَغْرِبَةِ : الْحَبَشَةُ أَمْ السِّنْدُ فَقَالَ : بَلْ الْحَبَشَةُ ، فَجِئْتُكَ لِتَنْصُرَنِي ، وَيَكُونُ مُلْكُ بِلَادِي لَكَ ، قَالَ : بَعُدَتْ بِلَادُكَ مَعَ قِلَّةِ خَيْرِهَا ، فَلَمْ أَكُنْ لِأُوَرِّطَ جَيْشًا مِنْ فَارِسَ بِأَرْضِ الْعَرَبِ ، لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ ، ثُمَّ أَجَازَهُ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَافٍ ، وَكَسَاهُ كُسْوَةً حَسَنَةً . فَلَمَّا قَبَضَ ذَلِكَ مِنْهُ سَيْفٌ خَرَجَ ، فَجَعَلَ يَنْثُرُ ذَلِكَ الْوَرِقَ لِلنَّاسِ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمَلِكَ ، فَقَالَ : إنَّ لِهَذَا لَشَأْنًا ، ثُمَّ بَعَثَ إلَيْهِ ، فَقَالَ : عَمَدْتَ إلَى حِبَاءِ الْمَلِكِ تَنْثُرُهُ لِلنَّاسِ ، فَقَالَ : وَمَا أَصْنَعُ بِهَذَا مَا جِبَالُ أَرْضِي الَّتِي جِئْتُ مِنْهَا إلَّا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ : يُرَغِّبُهُ فِيهَا .
فَجَمَعَ كِسْرَى مَرَازِبَتَهُ ، فَقَالَ لَهُمْ : مَاذَا تَرَوْنَ فِي أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ ، وَمَا جَاءَ لَهُ ؟ فَقَالَ قَائِلٌ أَيُّهَا الْمَلِكُ ، إنَّ فِي سُجُونِكَ رِجَالًا قَدْ حَبَسْتَهُمْ لِلْقَتْلِ ، فَلَوْ أَنَّكَ بَعَثْتَهُمْ مَعَهُ ، فَإِنْ يَهْلِكُوا كَانَ ذَلِكَ الَّذِي أَرَدْتَ بِهِمْ ، وَإِنْ ظَفِرُوا كَانَ مُلْكًا ازْدَدْتَهُ . فَبَعَثَ مَعَهُ كِسْرَى مَنْ كَانَ فِي سُجُونِهِ ، وَكَانُوا ثَمَانَماِئَةِ رَجُلٍ .
[ وَهْرِزَ وَسَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ وَانْتِصَارُهُمَا عَلَى مَسْرُوقٍ وَمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الشِّعْرِ ]
وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ وَهْرِزُ ، وَكَانَ ذَا سِنٍّ فِيهِمْ وَأَفْضَلَهُمْ حَسَبًا وَبَيْتًا فَخَرَجُوا فِي ثَمَانِ سَفَائِنَ ، فَغَرِقَتْ سَفِينَتَانِ ، وَوَصَلَ إلَى سَاحِلِ عَدَنَ [ ص: 64 ] سِتُّ سَفَائِنَ . فَجَمَعَ سَيْفٌ إلَى وَهْرِزَ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْ قَوْمِهِ ، وَقَالَ لَهُ : رِجْلِي مَعَ رِجْلِكَ حَتَّى نَمُوتَ جَمِيعًا أَوْ نَظْفَرَ جَمِيعًا .
قَالَ لَهُ وَهْرِزُ : أَنْصَفْتَ ، وَخَرَجَ إلَيْهِ مَسْرُوقُ بْنُ أَبْرَهَةَ مَلِكُ الْيَمَنِ ، وَجَمَعَ إلَيْهِ جُنْدَهُ . فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ وَهْرِزُ ابْنًا لَهُ لِيُقَاتِلَهُمْ فَيَخْتَبِرَ قِتَالَهُمْ : فَقُتِلَ ابْنُ وَهْرِزَ فَزَادَهُ ذَلِكَ حَنَقًا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا تَوَاقَفَ النَّاسُ عَلَى مَصَافِّهِمْ ، قَالَ وَهْرِزُ : أَرُونِي مَلِكَهُمْ ، فَقَالُوا لَهُ : أَتَرَى رَجُلًا عَلَى الْفِيلِ عَاقِدًا تَاجَهُ عَلَى رَأْسِهِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ يَاقُوتَةٌ حَمْرَاءُ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالُوا : ذَاكَ مَلِكُهُمْ ؛ فَقَالَ : اُتْرُكُوهُ . فَوَقَفُوا طَوِيلًا ، ثُمَّ قَالَ : عَلَامَ هُوَ ؟ قَالُوا : قَدْ تَحَوَّلَ عَلَى الْفَرَسِ ، قَالَ : اُتْرُكُوهُ . فَوَقَفُوا طَوِيلًا ؟ ثُمَّ قَالَ : عَلَامَ هُوَ ؟ قَالُوا : قَدْ تَحَوَّلَ عَلَى الْبَغْلَةِ . قَالَ وَهْرِزُ : بِنْتُ الْحِمَارِ ذَلَّ وَذَلَّ مُلْكُهُ ، إنِّي سَأَرْمِيهِ فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَصْحَابَهُ لَمْ يَتَحَرَّكُوا فَاثْبُتُوا حَتَّى أُوذِنَكُمْ . فَإِنِّي قَدْ أَخْطَأْتُ الرَّجُلَ ، وَإِنْ رَأَيْتُمْ الْقَوْمَ قَدْ اسْتَدَارُوا وَلَاثُوا بِهِ ، فَقَدْ أَصَبْتُ الرَّجُلَ ، فَاحْمِلُوا عَلَيْهِمْ .
ثُمَّ وَتَرَ قَوْسَهُ ، وَكَانَتْ فِيمَا يَزْعُمُونَ لَا يُوتِرُهَا غَيْرُهُ مِنْ شِدَّتِهَا ، وَأَمَرَ بِحَاجِبَيْهِ فَعُصِّبَا لَهُ ، ثُمَّ رَمَاهُ ، فَصَكَّ الْيَاقُوتَةَ الَّتِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ ، فَتَغَلْغَلَتْ النُّشَّابَةُ فِي رَأْسِهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ قَفَاهُ ، وَنُكِسْ عَنْ دَابَّتِهِ ، وَاسْتَدَارَتْ الْحَبَشَةُ وَلَاثَتْ بِهِ وَحَمَلَتْ عَلَيْهِمْ الْفُرْسُ ، وَانْهَزَمُوا ، فَقُتِلُوا وَهَرَبُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ ، وَأَقْبَلَ وَهْرِزُ لِيَدْخُلَ صَنْعَاءَ ، حَتَّى إذَا أَتَى بَابَهَا ، قَالَ : لَا تَدْخُلُ رَايَتِي مُنَكَّسَةً أَبَدًا ، اهْدِمُوا الْبَابَ فَهُدِمَ ، ثُمَّ دَخَلَهَا نَاصِبًا رَايَتَهُ . فَقَالَ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ الْحِمْيَرِيُّ :
[ ص: 65 ] يَظُنُّ النَّاسُ بِالْمَلْكَيْنِ أَنَّهُمَا قَدْ الْتَأَمَا وَمَنْ يَسْمَعْ بِلَأْمِهِمَا
فَإِنَّ الْخَطْبَ قَدْ فَقُمَا قَتَلْنَا الْقَيْلَ مَسْرُوقًا
وَرَوَّيْنَا الْكَثِيبَ دَمَا وَإِنَّ الْقَيْلَ قَيْلُ النَّاسِ
وَهْرِزُ مُقْسِمٌ قَسَمَا يَذُوقُ مُشَعْشَعًا حَتَّى
يُفِيءَ السَّبْيَ وَالنَّعما قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . وَأَنْشَدَنِي خَلَّادُ بْنُ قُرَّةَ السَّدُوسِيُّ آخِرَهَا بَيْتًا لِأَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشِّعْرِ يُنْكِرُهَا لَهُ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو الصَّلْتِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الثَّقَفِيُّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَتُرْوَى لِأُمَيَّةِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ :
:
لِيَطْلُبَ الْوِتْرَ أَمْثَالُ ابْنِ ذِي يَزَنَ رَيَّمَ فِي الْبَحْرِ لِلْأَعْدَاءِ أَحْوَالَا
يَمَّمَ قَيْصَرَ لَمَّا حَانَ رِحْلَتُهُ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ بَعْضَ الَّذِي سَالَا
ثُمَّ انْثَنَى نَحْوَ كِسْرَى بَعْدَ عَاشِرَةٍ مِنْ السِّنِينَ يُهِينُ النَّفْسَ وَالْمَالَا
حَتَّى أَتَى بِبَنِي الْأَحْرَارِ يَحْمِلُهُمْ إنَّكَ عَمْرِي لَقَدْ أَسْرَعَتْ قِلْقَالَا
لِلَّهِ دَرَّهُمْ مِنْ عُصْبَةٍ خَرَجُوا مَا إنْ رَأَى لَهُمْ فِي النَّاسِ أَمْثَالَا
[ ص: 66 ] بِيضًا مَرَاربةً غُلْبًا أَسَاوِرَةً أُسْدًا تُرَبِّبُ فِي الْغَيْضَاتِ أَشْبَالَا
يَرْمُونَ عَنْ شُدُفٍ كَأَنَّهَا غُبُطٌ بزَمْخرٍ يُعَجِّلُ الْمَرْمِيَّ إعْجَالَا
أَرْسَلْتَ أُسْدًا عَلَى سُودِ الْكِلَابِ فَقَدْ أَضْحَى شَرِيدُهُمْ فِي الْأَرْضِ فُلَّالَا
فَاشْرَبْ هَنِيئًا عَلَيْكَ التَّاجُ مُرْتَفِقًا فِي رَأْسِ غُمْدانَ دَارًا مِنْكَ مِحْلَالَا
وَاشْرَبْ هَنِيئًا فَقَدْ شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ وَأَسْبِلْ الْيَوْمَ فِي بُرْدَيْكَ إسْبَالَا
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانَ مِنْ لَبَنٍ شِيبَا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا مَا صَحَّ لَهُ مِمَّا رَوَى ابْنُ إسْحَاقَ مِنْهَا ، إلَّا آخِرَهَا بَيْتًا قَوْلُهُ :
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانَ مِنْ لَبَنٍ [ ص: 67 ] فَإِنَّهُ لِلنَّابِغَةِ الْجَعْدِيِّ . وَاسْمُهُ ( حِبَّانُ بْنُ ) عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ، أَحَدُ بَنِي جَعْدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ ، فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ الحِيريُّ ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي تَمِيمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ثُمَّ أَحَدُ بَنِي امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ ، وَيُقَالُ : عَدِيٌّ مِنْ الْعِبَادِ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ :
مَا بَعْدَ صَنْعَاءَ كَانَ يَعْمُرُهَا وُلَاةُ مُلْكٍ جَزْلٍ مَوَاهِبُهَا
رَفَّعَهَا مَنْ بَنَى لَدَى قَزَعٍ الْمُزْنِ وَتَنْدَى مِسْكًا مَحَارِبُهَا
مَحْفُوفَةٌ بِالْجِبَالِ دُونَ عُرَى الْكَائِدِ مَا تُرْتَقَى غُوَارِبُهَا
يَأْنَسُ فِيهَا صَوْتُ النُّهَامِ إذَا جَاوَبَهَا بِالْعَشِيِّ قَاصِبُهَا
سَاقَتْ إلَيْهَا الْأَسْبَابُ جُنْدُ بَنِي الْأَحْرَارِ فُرْسَانُهَا مَوَاكِبُهَا
وفُوِّزَتْ بِالْبِغَالِ تُوسَقُ بِالْحَتْفِ وَتَسْعَى بِهَا تَوَالِبُهَا
حَتَّى رَآهَا الْأَقْوَالُ مِنْ طَرَفِ الْمَنْقَلِ مُخْضَرَّةٌ كَتَائِبُهَا
[ ص: 68 ] يَوْمَ يُنَادُونَ آلَ بَرْبَرٍ والْيَكْسُومُ لَا يُفْلِحُنَّ هَارِبُهَا
وَكَانَ يَوْمُ بَاقِي الْحَدِيثِ وَزَالَتْ إِمَّةً ثَابِتٌ مَرَاتِبُهَا
وَبُدِّلَ الْفَيْجُ بِالزَّرَافَةِ وَالْأَيَّامُ جُونٌ جَمٌّ عَجَائِبُهَا
بَعْدَ بَنِي تُبَّعٍ نَخَاوِرَةٌ قَدْ اطْمَأَنَّتْ بِهَا مَرَازِبُهَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ ( الْأَنْصَارِيُّ ) وَرَوَاهُ لِي عَنْ الْمُفَضَّلِ الضَّبِّيِّ ، قَوْلَهُ :
يَوْمَ يُنَادُونَ آلَ بَرْبَرٍ والْيَكْسُومُ . . . . إلَخْ
-------------------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق